الأدب والرؤيا الاجتماعية

حسين علي الهنداوي
شاعر وناقد
مدرس في جامعة دمشق
دراسات جامعية-في الأدب العربي
صاحب الموسوعة الأدبية (المرصدالأدبي )
حجم الموسوعة( خمس عشرة ألف صفحة )
سوريا -درعا- hoshn55@gmail.com

1-الاتجاه الاجتماعي في الأدب :

الأدب وجه من أوجه الوعي الجمالي للعالم الذي يعيش فيه الإنسان , يرتبط بالحياة وأساليب العيش , فيستوعب قضايا وجود الإنسان ومشكلاته , وعلاقاته الاجتماعية وانفعالاته , في إطار الوعي التاريخي , ولذلك يبرز فيه شكل إدراك الأديب للواقع وفهمه له , وأبعاد المسيرة التاريخية التي قطعها التطور الاجتماعي , والأدب إذ يؤدي ذلك بوسائله التعبيرية الفنية , يقوم بمهمتين :
أ – الإمتاع الجمالي الذي يغني روح الإنسان ويسمو بها إلى الأجمل والأنبل
ب- تعميق الإحساس بالحياة والخبرة بها .
وقد أدى الأدب العربي في القديم دوره الفني والاجتماعي في إطار الوعي التاريخي , فصور جوانب هذا الوعي تصويرا فنيا ً, ظهر فيه وعي الأديب للحياة وللعلاقات الاجتماعية السائدة والمثل الأخلاقية التي تحكم هذه العلاقات حتى قال قائلهم مدركا هذه الحقيقة : (الشعر ديوان العرب ) وقد مر العرب في تاريخهم القديم بمرحلة من الحياة القبلية البدوية , كان الوعي فيها عفويا ً بمضمونه وبنيته , لا يكاد ينفصل عن وعي الجماعة وهي القبيلة ، فكان الشاعر لسان القبيلة يمتزج في صوته صوت وجدانها , وقد قامت العلاقات الإنسانية فيها على مستويين :
1-مستوى المنافسة والتناحر مع القبائل الأخرى .
2-مستوى التأييد والتضامن والتعاون داخل القبيلة .
يقول دريد بن الصمة :
وهل أنا إلا من غزية إن غوت غويت وإن ترشد غزية أرشد
ويفخر طرفة بن العبد قائلا ً :
ولست بحلال التلاع مخافة ولكن متى يسترفد القوم أرفد ؟
وقد تمثلت قيمهم الأخلاقية نتيجة لذلك : في (الشجاعة , والدفاع عن حمى القبيلة والكرم في قرى الضيف ونجدة المحتاج والملهوف , وبرزت في حياتهم مظاهر علاقات تعاونبة ساذجة مثلها الكرم والتعاون) .
يقول حاتم الطائي :
وإني لعف الفقر مشترك الغنى وتارك شكل لا يوافقه شكلي
وجعلتهم هذه الروح الإنسانية يجدون اللذة الكبيرة في مشاركة المحتاجين إليهم في طعامهم .
يروي الجاحظ قول أحدهم يخاطب زوجته :
إذا ما عملت الزاد فالتمسي له أكولاً فإني لست أكله وحدي
وكيف بشبع المرء زادا وجاره خفيف المعي بادي الخصاصة والجهد ؟ وكان موقف القبيلة من بعض الأفراد الذين يخرجون عن هذه العلاقات والمثل الأخلاقية , الانصراف عنهم والاستنكار لبخلهم وجبنهم والتنديد بسلوكهم .
وتضخم الثروة لدى بعض الأفراد في المجتمع البدوي ويبرز التفاوت فيكون الغنى والفقر وتتأثر العلاقات الاجتماعية بهذا الواقع , وتصبح للمواقف الإنسانية صور مشوهة ويتكشف لوعي بعض الشعراء أثر المال في تشويه هذه العلاقات وإفساد موقف الإنسان من أخيه الإنسان . و يقول الشاعر مضاض بن عمرو معبرا عن إدراكه العفوي لهذا الأمر في حوار يمثل منطقين ووعين متباينين : منطق الزوجة التي تخاف على زوجها الهلاك في ركوبه متن السعي والمخاطرة , وتركها وحيدة غريبة , ومنطق الزوج الذي يخشى العوز والفقر من الإقامة والاستقرار :
تقول أقم فينا فقيرا وما الذي ترى فيه ليلى أن أقيم فقيرا ؟
ويدرك عروة بن الورد هذا الأثر فيندفع مغامرا في ثورة فردية على المجتمع الذي مزقه التفاوت وتعالى فيه الغني على الفقير , فيقول لزوجه في إباء واحتجاج :
ذريني للغنى أسعى , فإني رأيت الناس شرهم الفقير
وخرج العرب من جزيرتهم إلى عالم أرحب وحمل لهم الدين الجديد مثلا ً سامية وعلاقات إنسانية جديدة , وأرسخ من قيم الجاهلية ما اتفق مع مبادئه السامية وحارب منها ما كان مغايرا لهذه المبادئ , وبرزت هذه المثل الجديدة في أدب (صدر الإسلام ) ، ولا سيما في شعر حسان بن ثابت وكعب بن زهير رضي الله عنهما ، ثم انتقل المجتمع العربي بتأثير التوسع والاحتكاك إلى طور انحرف فيه الناس عن هذه المثل , وظهر الاستغلال وتركزت السلطة في القصور وانفرز المجتمع فرزا عميقا ً : (الحكام والأمراء والتجار في طرف ), و(سواد الشعب من العاملين والمنتجين في طرف آخر ). وتقوم بين الطرفين علاقات اجتماعية لا تخلو من القهر والاستلاب وينطوي الشعب تحتها مظلوما مسحوقا ً. وكان ينطلق في الأدب من حين إلى آخر صوت يناضل ضد هذا الوضع الاجتماعي الذي يزيد الأغنياء غنى والفقراء فقرا , ويدعو إلى العدالة التي قضى عليها التمييز حتى في ثمرات الجهاد . يقول الشاعر الفارس عمرو بن معد يكرب وقد شهد موقعة القادسية وأبلى فيها بلاء حسنا :
إذا قتلنا ولا يبكي لنا أحـــــــــــــــــد قالت قريش : ألا تلك المقادير
نُعْطى السويةَ من طعن له نفذ ولا سوية إذ تعطى الدنانـــــــــــير
وينحاز بعض الأدباء إلى مواقع السلطة والقوة السياسية والاجتماعية يتلمسون لديها حلا ً وعوزهم ومشكلات عيشهم المادية . قال الشاعر العماني الراجز :
ما كنت أدري ما رخاء العيشْ ولا لبست الوشي بعد الخيشْ
حتى تمدحت فتى قريشْ

ويقول البحتري في ممدوحه :
هو بحر السماح والجود, فازدد منه قربا تزدد من الفقر بعدا
ويصبح الأدب بضاعة ككل بضاعة تروج وتكسد . فتنفق إذا توافرت الشروط التي ترضي ذوق المشرط وتكسد إذا خلت منها, فيقول أبو نواس لممدوحه :
وبضاعة الشعراء إن أنفقتها نفقت , وإن أكسدتها لم تنفق
ويجتهد الشعراء لصياغة شعرهم بما يرضي أهواء ممدوحيهم وأذواقهم فيتجاوزون واقع الحال إلى المبالغات والحديث عما يساور نفوس الممدوحين ويجول في خواطرهم وخيالهم , ويصبح الشعر أدبا رسميا للقصور وتنقطع صلة هؤلاء الشعراء بمجتمعهم وجوانب الحياة العامة ويتعالون على الناس ويشيحون عن مشكلات العيش في مواقف سلبية تتسم بالتنكر والغرور والازدراء . قال المتنبي يعبر عن موقفه من الناس في عصره :
ودهر ٌ ناسه ناس صــــغار ٌ وإن كانت لهم جثث ضخام
وما أنا منهمُ بالعيش فيهم ولكن معدن الذهب الــــرغام
ويبقى أدباء كثيرون بعيدين عن القصور ومواقع السلطة لأسباب متعددة سياسية واجتماعية ونفسية وفنية فيكدحون ويسعون ويقيمون أود عيشهم بالعمل والتعب في إدراك عفوي رائع لكرامة العمل يتجلى ذلك في هذه الحادثة : ( لمست أعرابية كف أبيها الكادح فألفتها خشنة فقالت :
هذه كف أبي خشنها ضرب مسحاة ونقل بالزبيل
فأجابها أبوها :
ويك لا تستنكري كد يدي ليس من كدّ لعزٍّ بذليــــــــــــــــــــل
إنما الذلة أن يمشي الفتى ساحب الذيل إلى وجه البخيل
وقد عانى هؤلاء الشعراء كسائر الناس متاعب العيش والسعي , لكن وعيهم الاجتماعي كان ضعيفا تؤلف محتواه مفاهيم مثالية , تذهب بكل مظاهر الحياة الاجتماعية , من بؤس وشقاء وظلم وتربطها بتحكم الدهر والقدر والأيام , وتجرد المشكلات من إطارها الحسي الاجتماعي , وتجعلها هموما فردية , يشتكون منها شكوى عامة مجردة تفرغ التذمر من روح الثورة وإرادة التغيير وتسقطه في العجز والاستسلام والهرب على طريقة ( الرومانسيين ) إلى الشكوى والأحلام والنوم للقفز فوق الواقع ومتاعبه . قال أبو هلال العسكري : ( وتمنى بعض المثقلين بالدين والفقر دوام الليل لما يلقى بالنهار من الغرماء ولما يحتاج إليه في كل يوم) .
فقال أحد الشعراء :
إلا ليت النهار يعود ليلا ً فإن الصبح يأتي بالهموم
حوائج لا تطيق لها قضاء ولا ردا وروعات الغريــــــــم
ومن خلال هذا الوعي البسيط أضاء الأدباء بعض الجوانب السلبية من الحياة الاجتماعية من خلال تجربتهم الفردية . فلحظوا تأثير المال في المجتمع الطبقي وعلاقات الناس بعضهم ببعض في عدة مجالات من الحياة .
أ – لقد لاحظوا المواقف الأخلاقية المزيفة في المجتمع , حيث يسود النفاق للأغنياء والقسوة على الفقراء . قال ابن الأحنف يصور ذلك تصويرا فنيا ً لطيفا ً :
يمشي الفقير وكل شيء ضدّهُ والناس تغلق دونه أبوابـــــــها
وتراه مبغوضا وليس بمذنــــب ويرى العداوة لا يرى أسبابها
ورؤوا الصداقة من خلال تجربتهم , يفصلها المال وتقوم على أساس من المنفعة المادية وتنقضي بانقضاء هذه المنفعة . وفهموا أثر المال في الرشوة وتذليل المصاعب وتحقيق الرغائب , قال أحمد بن فارس اللغوي :
إذا كنت في حاجة مرسلا ً وأنت بها كلف مـــــــغرم
فأرسل حكيما ولا توصـــه وذاك الحكيم هو الدرهم
ب – كانت للأدباء مواقف إنسانية نبيلة , أظهروا فيها عاطفتهم نحو الشقاء الإنساني ومحنة الضعفاء والمعذبين . لقد أحس أبو العتاهية بوطأة الغلاء على الطبقات ، فكتب إلى الخليفة يشكو له هذا الغلاء ويستعطفه للفقراء والمحتاجين :
من مبلغ عني الإمام نصائحا متواليـــــــــــــــــه
إني أرى الأسعار أســـــــــــعار.......الرعي غاليــــــــــــــــــه
وأرى المكاسب نزرة وأرى الضرورة فاشيه
وكانت ظروف الحياة القاسية تدفع سواد الناس إلى العمل الشاق المضني حتى اضطر العاجزون إلى السعي الشاق في سبيل لقمة العيش . قال ابن الرومي يصور أعمى دفعه العوز إلى أن يكون حمالا، فناء بما يحمل من أثقال :
رأيت حمالا مبين العمـــــــى يعثر في الأكم وفي الوهد
محتملا ثقلا على رأســـــــــه تضعف عنه قوة الجلــــــد
وما اشتهى ذلك لكنــــــــــــــــه فر من اللؤم إلى الجـــــهد
فر إلى الحمل على ضعفه من كلحات المكثر الوغــد
وقد جعلهم الخوف من الفقر والفساد يقفون مواقف متناقضة من بناتهم يحملون لهن العطف والحب , ويتمنون لهن الموت مخافة عليهن من الحاجة أو من ظلم المجتمع وفساده . قال إسحق بن خلف يعبر عن عطفه على ابنة أخت ربّاها , وكان يخشى عليها غائلة الفقر بعده فتمنى لها الموت :
لولا أميمة لم أجزع من العــــــــدم ولم أجب في الليالي حندس الظلم
وزادني رغبة في العيش معرفتي أن اليتيمة يجفوها ذوو الرحـــــــــــــم
أحاذر الفقر يوما أن يلم بــــــــها فيهتك الستر عن لحم على وضم
تهوى لقائي وأهوى موتها شفقا ً والموت أكرم نزال على الحـــــــــــــــرم
وقد صور الجاحظ البخل في عصره وفسر دوافعه وصور بديع الزمان الهمذاني في بعض مقاماته جوانب من الفساد والاحتيال الشائعين في عصره وانتقد أبو العلاء المعري جوانب كثيرة من نقائص عصره ومفاسده , وكان شعره مرآة عريضة لعصره لكنه كان كسائر الشعراء لا يجرد هذه المفاسد من مظاهرها الفردية ليعممها ويجعلها مشكلات يستنهض لها إرادة التغيير والثورة . لقد كان ذلك مسؤولية اجتماعية كبيرة حمل أعباءها الأدباء في العصر الحديث في ظروف تاريخية نضج فيها الوعي , وصار الأدب سلاحا ً كفاحيا في معركة تحرر الجماهير من قيود الظلم والشقاء والعبودية . وتحدث الأدباء عن ( الفقر – الجهل – التشرد – المرأة – الطفولة ) ، وعالجوا مختلف هذه القضايا معالجة دقيقة ففهموا أسبابها ووضعوا الحلول لها وعالجوها معالجة فاعلة حتى كأنك تحس أن معظم ما كتب في العصر الحديث من أدب إنما يصب في الجانب الاجتماعي

السيرة الذاتية للمستشار الأدبي(حسين علي الهنداوي)
أ- أديب و شاعر وقاص ومسرحي و ناقد و صحفي
ب- له العديد من الدراسات الأدبية و الفكرية
ج-نشر في العديد من الصحف العربية
د- مدرس في جامعة دمشق - كلية التربية - فرع درعا
ه- ولد الأديب في سوريا – درعا عام 1955 م
و- تلقى تعليمه الابتدائي و الإعدادي و الثانوي في مدينة درعا
ح- انتقل إلى جامعة دمشق كلية الآداب – قسم اللغة العربية و تخرج فيها عام 1983
ك- حائز على إجازة في اللغة العربية
ص-حائز على دبلوم تأهيل تربوي جامعة دمشق
ع- عمل محاضراً لمادة اللغة العربية في معهد إعداد المدرسين - قسم اللغة العربية في مدينة درعا
ف- انتقل إلى التدريس في المملكة العربية الســـعودية عام (1994 /2000 ) في مدينتـــي عنيزة و تبوك 0
1- عضو اتحاد الصحفيين العرب
2- عضو اتحاد كتاب الانترنت العرب
3- عضو تجمع القصة السورية
4- عضو النادي الأدبي بتبوك
مؤلفاته :
أ*- الشعر :
1- هنا كان صوتي و عيناك يلتقيان/1990
2- هل كان علينا أن تشرق شمس ثبير/1994
3- أغنيات على أطلال الزمن المقهور /1994
4- سأغسل روحي بنفط الخليج /1996
5- المنشّى يسلم مفاتيح إيلياء/1996
6- هذه الشام لا تقولي كفانا / مخطوط
ب*- القصة القصيرة :
شجرة التوت /1995
ج – المسرح :
1- محاكمة طيار /1996
2- درس في اللغة العربية /1997
3- عودة المتنبي / مخطوط
4- أمام المؤسسة الاستهلاكية / مخطوط
د – النقد الأدبي :
1- محاور الدراسة الأدبية 1993
2- النقد و الأدب /1994
3- مقدمتان لنظريتي النقد و الشعر / مخطوط
4- أسلمة النقد الأدب
هـ - الدراسات الدينية :
1- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الأول
2- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الثاني
3- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الثالث
4- فتاوى و اجتهادات / جمع و تبويب
5- هل أنجز الله وعده !!!!!!
و- موسوعة (المرصد الأدبي) :
1-تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية ( معاني الأدب وعلاقاته)
2 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية قبل الإسلام (العصر الجاهلي )
3 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر صدر الإسلام )
4 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر الخلفاء الراشدين )
5 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر الخلفاء الأمويين)
6 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء العباسيين )
7 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء الأندلسيين )
8 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الدول المتتابعة )
9- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء العثمانيين )
10- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية في (العصر الحديث)
11- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية في (العهد المعاصر)
تستطيع أن ترى الصورة بحجمها الطبيعي بعد الضغط عليها