الأدب
ورؤيا الفنون الجميلة

حسين علي الهنداوي
شاعر وناقد
مدرس في جامعة دمشق
دراسات جامعية-في الأدب العربي
صاحب الموسوعة الأدبية (المرصد الأدبي )
حجم الموسوعة( خمس عشرة ألف صفحة )
سوريا -درعا- hoshn55@gmail.com

الصلة التي تربط بين الأدب والفنون الجميلة صلة كبيرة ، فهو جزء مهم منها ولا يمكن الحديث عن الفنون الجميلة دون الحدوث عن الأدب ، وفي الأدب ملامح من كل فن من تلك الفنون, فبالموسيقى نرى أن في الشعر العروض والقافية؛ فضلًا عن السجع والجناس، والتشريع، والترصيع والموازنة، ورد الأعجاز على الصدور، وتكرير حرفٍ أو كلمة أو أكثر في بيت واحد أو أكثر، وهو ما يُحدِث تجاوبًا صوتيًّا أشبه بالرنين. وإذا كان النثر يخلو من العروض والقوافي، فإن فيه مع ذلك السجع والجناس والموازنة ورد الأعجاز على الصدور، وغير ذلك من المحسنات البديعية اللفظية، التي من شأنها إحداث التوقيعات وما إليها، علاوة على ترديد حرف أو لفظة أو عبارة كاملة . وهذا العُنصر المُوسيقي إلى جانب ما في الإبداع الأدبي من خيال وعاطفة، يعْمَلُ عمل السِّحر في القلوب؛ فيفتح مغاليق حصونها أمام الأفكار والمعاني، فتكونُ النشوة العلوية التي نعرفها للأدب، ولا نعرفها لغيره من الكتابات التي لا تتغيا إلا العقل، ولا وظيفة لها إلا إقناعه إقناعًا علميًّا باردًا ليس فيه حرارة الأدب، ولا تحليقه ونشوته. وبسبب هذا التأثير الساحر للموسيقى في الشعر نجد النقاد قد اصطلحوا على أن يغضوا الطرف على ما يقع فيه من هنات نحوية وصرفية، مما يسمى بالضرورات الشعرية؛ لمعرفتهم أن الشعر مقيد بقيود العروض والقافية، وهي قيود ليست بالقليلة، وإن كان الشاعر الفحل لا يُحِسُّ أو لا يكادُ يُحِسّ بها فضلًا عنْ أن ذلك العنصر الموسيقي نفسه، من شأنه أن يغطي على تلك الهنات، بما فيه من توقيع ورنين أخَّاذ ، ولهذين السببين نقسهما . يغتفر النقاد للشعراء بعض ألفاظهم وصيغهم، التي لا تشيع شيوع غيرها من الصيغ والألفاظ، وكذلك تركيباتهم التي لا تجري تمامًا على ما تجري عليه الجملة العربية النثرية الحرة. وننتقل إلى فن التصوير حيث نجد أن إمكانات الأدب في هذا المضمار، أكبر من إمكانات الريشة، إذ لا يستطيعُ الرَّسم أن ينقل لنا في أية لوحة إلا لقطة واحدة، ومِن ثَمّ لا يُمْكن أن يكون المَشهد المرسوم إلا مشهدًا ساكنًا, ففن التصوير فنٌ مَكاني بخلاف الأدب الذي هو فن جمالي مكاني معًا، وبالتّالي كان بإمكان الأدب أن يُصَوِّر لنا معركة كاملة مثلًا من أولها إلى آخرها، بكل ما تعج به من كر وفر، وضرب وقتل، وجري وقفز على مدى ساعات وساعات. كذلك فالتصوير قد يقتصر في الألوان على الأبيض والأسود، أما الأدب، فالألوان كلها حاضرة دومًا في يديه، لا يغيب منها لونٌ أبدًا, ليس ذلك فقط بل يستطيع الأديب في لوحته أنْ يَنْقُل لنا الأصوات أو المشمومات، وخلجات النفوس، مفصلة بكل دقائقها علاوة على أسماء الأشخاص وأنسابهم، وأسماء بلادهم، وماضيهم وحاضرهم وعلاقاتهم بغيرهم من البشر، وهو ما لا يستطيعه شيء منه فن الرسم كما هو معروف. وفوق هذا ففي الرسم يرى المشاهد اللوحة دفعة واحدة، فلا يحس من ثم بذلك التشويق الذي يشعر به قارئ الأدب؛ حيث تنبثق الأسرار واحدًا وراء الآخر مثيرة بهذه الطريقة تطلعاتنا ولهفتنا؛ مما لا يعرفه مشاهد اللوحة, كما أنّ اللوحة تقف عاجزة تمامًا عن أن تنقل مثلًا عبارة تهكمية، كقول أحد الأدباء عن بطل من أبطال قصته: "إنه لم يمت تمام الموت". كذلك فاللوحة لا تترك للذهن فرصة لإضافة شيء إلا ما يراه المشاهد أمامه، إذ كل شيء حاضر تلقاء عينيه؛ بخلاف قارئ الأدب، حيثُ يترك الكاتب كثير من الفراغات التفصيلية، ينشط الخيال إلى ملئها مستمعًا بهذا النشاط الذهني العجيب. ولدينا أيضًا: التشبيهات والاستعارات مما لا تستطيع اللوحات إبدائه شيئًا إذ هي لا تُرينا إلا الشيء ذاته فحسب، على عكس النص الأدبي الذي يرينا الشيء، ويرينا في الوقت ذاته الشيء المشبه به وهكذا. ومثلما هو الحال في العلاقة بين الأدب والتصوير، فكذلك الحال في العلاقة بين الأدب والنحت، إن الكلمات قادرة على وصف الأشياء ذات الحجوم وصفًا مجسمًا؛ ثم تزيدُ على ذلك وصف الحركة، والصوت، والرائحة كما أشرنا قبلًا, وكذلك التقاط دبيب المشاعر والأفكار، والنيات أيضًا، لا الحركة وحدها . وفي شِعْرنا القديم أمثلة كثيرة جدًّا على هذا اللون من الإبداع، إذ يعكف الشاعرُ على ناقته أو فرسه مثلًا، يَصِفُها عضوًا عضوًا بكل ما لديه من تحديد وتدقيق، كما يُقابلنا في شعر الغزل أحيانًا مثل ذلك الوصف للمرأة التي يتدله في هواها الشاعر؛ شعرها وعينيها ووجنتيها، وفمها وأسنانها وعنقها، وصدرها وقوامها، وخصرها وساقيها ... إلخ. ولا تقتصر المقارنات بين الأدب والفنون الجميلة عند هذا الحد، بل هنالك أيضًا البناء والعمارة، ومن يمر بعينيه على الأرفف المخصصة لكتب تاريخ الأدب والنقد؛ فسوف يعثر على عناوين مثل: بناء القصيدة عند الشاعر الفلاني أو في العصر العلاني أو بناء الرواية, وفي العقود الأخيرة كانت هناك ضجة تتحدث عن البنيوية منهجًا في نقد الأدب، وبِخَاصّة في مجال الأسطورة والقصة، مِمّا يدلُّ على أن ثمة علاقة بين الأدب وفن العمارة أيضًا. وكلنا يعرف ما كتبه ابن قتيبة في القرن الثاني الهجري يصف التصميم البنائي الذي كانت تجري عليه كثيرٌ من القصائد العربية القديمة، إذ لاحظ أن الشعراء الجاهليين عادة ما يفتتحون قصائدهم بالوقوف على الأطلال، والبكاء عندها، جاعلين ذلك سبب لذكر أهلها الظاعنين عنها بحثًا عن الماء والكلأ، ثمّ ينْتَقِلون من هذا إلى النسيب، وشكوى الوجد وألم الفراق؛ بُغية استمالة الأسماع والقلوب، ثم يُعَقِّبون بذكر ما لاقوه في رحلتهم إلى ممدوحهم من مشاقّ ومصاعب؛ ليدخلوا بعد هذا في مديحه وتفضيله على كل من عاداه وهكذا. ويُنَبّه ابن قتيبة الشاعر إلى أنه ينبغي أن يعدل أثناء هذا بين أغراض القصيدة وأقسامها، فلا يُطيل الكلام في قسم على حساب الآخر، إلى آخر الشروط التي طالب بها ناقدنا الكبير شعراءنا القدامى كي يحوزوا قبول الممدوحين والنقاد على السواء، وابن قتيبة هنا مجرد مثال. على أنّ بناء القصيدة لا يتعلق بموضوعاتها فحسب؛ بل هناك بناؤها الموسيقي بدءًا من شكلها التقليدي، الذي يعتمد الوزن الواحد، والقافية الواحدة من أولها إلى آخرها، مع تقسيم كل بيت إلى شطرين متساويين، مرورًا بالمزدوجات والموشحات، والمصمتات والرباعيات، وانتهاء بالقصيدة التفعيلية؛ حيثُ يتَحَرّرُ الشّاعِرُ من كثير من القيود العَروضية، فنراه لا يساوي بين الأبيات، ولا يُقَسّم كلًّا منها إلى شطرين متساويين، بل يعتمد السطر وحدة عروضية، مع اعتماد التفعيلة لا البحر أساسًا لموسيقاه, ومع اختلاف عدد التفعيلات من سطر إلى سطر دون نظام مطرد. والشيء نفسه في نظام التقفية ؛ وكما أن هناك بناءً للقصيدة، كذلك هناك بناء للعمل القصصي، فهو مجموعة من الحوادث آخذ بعضها برقاب بعض، بحيثُ يكون كل منها نتيجة طبيعية لما سبقه، وعلة منطقية لما يليه، وهذه الحوادث تقع من أشخاص لهم صفاتهم وقدراتهم، وتُحَرّكهم بواعث ودوافع كسائر البشر، ولا بد أن يكون ثم اتساق بين تصرفات هؤلاء الأشخاص وأفكارهم وكلامهم، وبين ظروفهم الاجتماعية والنفسية، ومستواهم العقلي والذوقي. كذلك ينبغي مراعاة مبدأ الاختيار والتركيز، إذ يستحيل نقل الحياة كما هي في الواقع اليومي بكل تفاصيلها، ومن هنا قيل: إن المطلوب هو الإيهام بالحياة لا نقلها نقل أمينًا، لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا ذكرها. وينبغي بالإضافة إلى هذا: العمل على إقامة توازن بين عناصر الفن القصصي؛ من سرد وحوار، ووصف وتحليل، وكذلك بين بدايته ووسطه وخاتمته, ومن الأعمال القصصية ما يكون تصميمه مطابقًا لمجرى الزمن الطبيعي، بادئة من أقصى نقطة في الماضي، ومتقدمة مع الحوادث إلى الأمام. وهناك تصميم آخر يسير بعكس هذا الاتجاه، أي من نهاية القصة إلى بدايتها؛ ليعود في خاتمة المطاف إلى نهايتها تارة أخرى. ومن التصميمات ما يتخذ شكلًا حلزونيًّا، إذ تتفرع من القصة الرئيسية قصة أخرى، وهذه تتفرع منها قصة ثالثة وهكذا. ولقد طرح بعض الدارسين قضية وحدة الفنون وتراسلها وخاصة بين الشعر والرسم و الموسيقى والرواية والمسرحية باعتبار أن كل هذه الفنون يهدف غالباً للفائدة والمتعة والجمال. فالرسم والموسيقى يتعلقان بالنشاط الفني الحسي الذي يتعلق به الأدب وخاصة الشعر حيث يمكن أن ينقلب الأدب إلى موسيقى وقد يستمد الشعر نصه من الرسم أو النحت أو الموسيقى وقد تعدّ الأعمال الفنية موضوعات للشعر كالرسم بالكلمات وخاصة الشعر التصويري تجعله قريناً للرسم ويكون الشعر على الموسيقى الخارجية ( الوزن والقافية ) والداخلية ( الإيقاع والتقطيع والتوازن وجرس الحرف ) والشعر يكسب الكلمات بالوزن نظاماً و إيقاعاً . وتكامل الفنون أو تآزرها يعني أن الموضوع الواحد يمكن أن يعبر عنه بتعدد أشكال الفنون من شعر ورواية ورسم ونحت وحفر ومعمار. وقصيدة البحتري الشهيرة بالسينية تتحول إلى لوحات جدارية وهي تصور معركة بين الفرس واليونان.‏ أما أول كتاب عربي قديم عبر في كل سطوره عن تكامل الفنون هو كتاب الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني: فكتاب الأغاني يورد النص الشعري ثم يروي شيئاً عن ظروف نظم القصيدة، ثم يروي شيئاً عن أخبار صاحبها، أي أنه يروي قصة ثم يورد النوتة الموسيقية كما عرفها العرب ثم يورد الأصفهاني اسم المغني الذي تغنى بهذه القصيدة.‏ أما الفن العربي الحديث فقد أثراه كبار الفنانين ومن بين هؤلاء الرسام الشاعر الراحل صلاح جاهين- رسام الكاريكاتير الأول في مصر في حقبة الخمسينيات وحتى نهاية حياته، وهذا الرسام النابغة هو نفسه صاحب قصيدة غنتها أم كلثوم وأصبحت نشيد مصر الوطني- والله زمان يا سلاحي- إن تكامل الفنون أمر مبدع وخلاق لأن كل فن من الفنون ينير شمعة في طريق الآخر. لنصل في نهاية المطاف إلى إيضاح صورة كاملة ومشوقة عن الحياة. من خلال الشعر والرواية والمسرح والرسم والسينما والموسيقا والفنون

السيرة الذاتية للمستشار الأدبي(حسين علي الهنداوي)
أ- أديب و شاعر وقاص ومسرحي و ناقد و صحفي
ب- له العديد من الدراسات الأدبية و الفكرية
ج-نشر في العديد من الصحف العربية
د- مدرس في جامعة دمشق - كلية التربية - فرع درعا
ه- ولد الأديب في سوريا – درعا عام 1955 م
و- تلقى تعليمه الابتدائي و الإعدادي و الثانوي في مدينة درعا
ح- انتقل إلى جامعة دمشق كلية الآداب – قسم اللغة العربية و تخرج فيها عام 1983
ك- حائز على إجازة في اللغة العربية
ص-حائز على دبلوم تأهيل تربوي جامعة دمشق
ع- عمل محاضراً لمادة اللغة العربية في معهد إعداد المدرسين - قسم اللغة العربية في مدينة درعا
ف- انتقل إلى التدريس في المملكة العربية الســـعودية عام (1994 /2000 ) في مدينتـــي عنيزة و تبوك 0
1- عضو اتحاد الصحفيين العرب
2- عضو اتحاد كتاب الانترنت العرب
3- عضو تجمع القصة السورية
4- عضو النادي الأدبي بتبوك
مؤلفاته :
أ*- الشعر :
1- هنا كان صوتي و عيناك يلتقيان/1990
2- هل كان علينا أن تشرق شمس ثبير/1994
3- أغنيات على أطلال الزمن المقهور /1994
4- سأغسل روحي بنفط الخليج /1996
5- المنشّى يسلم مفاتيح إيلياء/1996
6- هذه الشام لا تقولي كفانا / مخطوط
ب*- القصة القصيرة :
شجرة التوت /1995
ج – المسرح :
1- محاكمة طيار /1996
2- درس في اللغة العربية /1997
3- عودة المتنبي / مخطوط
4- أمام المؤسسة الاستهلاكية / مخطوط
د – النقد الأدبي :
1- محاور الدراسة الأدبية 1993
2- النقد و الأدب /1994
3- مقدمتان لنظريتي النقد و الشعر / مخطوط
4- أسلمة النقد الأدب
هـ - الدراسات الدينية :
1- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الأول
2- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الثاني
3- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الثالث
4- فتاوى و اجتهادات / جمع و تبويب
5- هل أنجز الله وعده !!!!!!
و- موسوعة (المرصد الأدبي) :
1-تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية ( معاني الأدب وعلاقاته)
2 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية قبل الإسلام (العصر الجاهلي )
3 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر صدر الإسلام )
4 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر الخلفاء الراشدين )
5 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر الخلفاء الأمويين)
6 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء العباسيين )
7 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء الأندلسيين )
8 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الدول المتتابعة )
9- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء العثمانيين )
10- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية في (العصر الحديث)
11- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية في (العهد المعاصر)
تستطيع أن ترى الصورة بحجمها الطبيعي بعد الضغط عليها