[SIZE="5"][align=justify]
أنواع النقد الأدبي-الجزء الأول

أ-النقد الجمالي والتأثري :
وهو الذي يقوم على الذوق الخاص ، ويعتمد على التجربة الشخصية ، ولا يعتمد على المنهج الموضوعي، ويسمى هذا النقد جمالياً لأنه يركز على جمال الصياغة ويعده أساساً لخلود العمل الأدبي ، ويغلبه على المضمون ولاسيما في الشعر الذي قد يخلو من المعاني الدقيقة ويقتصر على الإيحاء بحالات نفسية وعلى مجرد التصوير الفني ، أما الفنون الأدبية الأخرى كالقصة والمسرحية فلا بد من أن تحمل مضموناً أو تجربة بشرية والناقد لا يستطيع أن يحكم على شكلها وحده بمعزل عن ذلك المضمون أو تلك التجربة ويتعرض هذا المنهج الجمالي لتجريح شديد فهو حين يجعل جمال الشكل وحدة مقياساً لجودة الأدب إنما يفرغ الأدب من محتواه ويفصله عن المجتمع ويعود به إلى مذهب (الفن للفن ) وهو المذهب الذي يرى أن غاية الأدب هو الجمال : جمال الشكل ولا يسأل بعد ذلك عن مضمون الأدب وأهدافه وارتباطه وصحته أو فساده ورقية أو انحطاطه فكل ما في الحياة يصح في نظر هذا المذهب أن يكون موضوعاً للأدب إذا صيغ صياغة جميلة وليس هناك أدب أخلاقي وأدب غير أخلاقي وإنما هناك أدب جميل وأدب غير جميل ويسمى هذا النقد تأثرياً أيضاً، أولاً لأن التأثر أو الذوق الشخصي فيه هو السبيل إلى الإحساس بمواطن الجمال في الأدب وإدراكها والحكم عليها، وثانياً لان الناقد يضيف إلى الكاتب الذي يحلله الكثير من تأثراته العاطفية والفكرية والفنية بحيث يخلقه خلقاً جديداً إذن: سيان أن نحس ونفكر ونعبر بمناسبة كتاب أو مناسبة حادثة أو إنسان وذلك واضح في النماذج البشرية والنفاد يهاجمون هذا المنهج التأثري أيضاً لاعتماده الذوق والإحساس الفرديين وهما مضللان متقلبان متحولان تبعاً للأفراد بل لحالاتهم النفسية ثم إن القارئ لا ينتظر من الناقد أن يعطيه انطباعاته وتأثراته بمقدار ما ينتظر منه أن يقدم صورة واضحة صحيحة دقيقة عن العمل الأدبي تساعده على الفهم والذوق ، و يركز على جمال الصياغة ويعده أساساً لخلود العمل الأدبي ويغلبه على المضمون ويعتمد الذوق الذاتي في معرفة مواطن الجمال
ب - النقد الموضوعي :
وهو الذي يركن إلى أصول مرعية وقواعد عقلية مقررة يعتمد عليها في الحكم ، كطريقة قـُدامة في كتابه " نقد الشعر والنقد الموضوعي هو النقد الذي يقول : إن الأصل في كل نقد هو تطبيق أصول مرعية وقواعد عقلية لا تترك مجالاً لذوق شخصي ، أو تحكم فردي وليس معنى النقد الموضوعي، أن تطبق هذه القواعد تطبيقاً آليا ، والعبرة باستخدام هذه القواعد وهنا تظهر المقدرة الشخصية وهكذا يدخل العنصر الشخصي في النقد المسمى الموضوعي كما أن العنصر العقلي الذي لا بد منه لدعم الذوق يكون الجانب الموضوعي في النقد الذاتي .فهذا النقد يبدأ بالتأثر والتذوق وهي مرحلة أساسية لا بد منها ولكنه يحاول أن ينحي بعد ذلك العنصر الذاتي ما أمكن ليغلب العنصر العقلي الموضوعي في التعليم والتقويم والتفسير وفي طريقة العرض وفي الأسلوب اللفظي ومع اعتماد هذا النوع من النقد على الاستقصاء والاتزان والاقتصاد في الأحكام والحذر في إطلاقها إلا أن هذا الاعتماد لا يمكن أن يلغي شخصية الناقد، فالناقد إنسان له مثله الجمالية والإنسانية والاجتماعية التي لا بد أن تتسلل إلى أحكامه وتفسيراته مهما تغلف نقده بغلاف الموضوعية والتجرد .
ج - النقد (المذهبي ) النقد الاعتقادي : وهو النقد الذي تتحكم فيه عقائد وآراء خاصة عنالناقد , وهو يحمل في طياته معنى التعصب والميل إلى نزعة خاصة وكلما تحرّر الناقد في نقده من آرائه ومعتقداته الشخصية كان تقديمه عادلا وأكثرإنصافا وصدقا وتحريا للحقيقة, إذ أن تجرّدا لناقد من هواه وآرائه شرط أساسي لسلامة أحكامه النقدية من الجور . وهذا النقد الذي يقوم على نقد الأفكار العقدية ويستخدم منهجها الفكري والفني للنظر في الأدب وكلمة (إيديولوجية) تعني مجموع الأفكار والمشاعر كما تعني المنهج الفكري والنظري ويعرف مندور النقد الأيديولوجي بقوله : (وهو يقوم على منهج محدد وظيفته اجتماعية محددة للأدب والفن ويصدر الناقد في نقده عن عقيدة أو على الأصح عن هذا المنهج الفكري والفني الذي يقتنع به ) ويمكن أن نعد هذا النقد امتداد للنقد الموضوعي وتطويرا له والفرق بينهما هو : أن النقد الإيديولوجي يكشف عن تأثر الناقد بالتفكير العقدي ولاسيما في مجال التوجيه النظري ، أما في مجال التطبيق فلا يكاد يتخذ طابعاً متميزاً كل التميز وقد وصف مندور الاتصال والتشابه بين مراحله النقدية الثلاث فقال : (حافظت على القيم الإنسانية العامة والقيم الجمالية ولكن المسألة أصبحت موازنة بين مختلف القيم وأحياناً أعطي المضمون أولوية في التقييم) .
ومن ظائف النقد العقدي- المذهبي:
1 -التفسير :
أي تفسير الظاهرات والأعمال الأدبية وإيضاح مصادرها وأهدافها وخصائصها الفنية مساعدة لعامة القراء على فهمها وإدراك مراميها القريبة وفي هذه الوظيفة يعد النقد عملية خلاقة قد تضيف إلى العمل الأدبي أو الفني قيما جديدة لم تخطر للمؤلف على بال وإن لم تكن مقحمة عليه
2 -التقويم :
وذلك بتقويم العمل الأدبي في مضمونه وشكله وأنه وإن يكن المضمون والشكل يكونان في العمل الأدبي وحدة متماسكة وينعكس كل على الآخر ويؤثر فيه ويحدده أحياناً كثيرة إلا أن العملية النقدية تفصل بينهما كضرورة من ضرورات التحليل ، ولتقويم المضمون ينظر الناقد في التجارب الأدبية ومصادرها ووجهات النظر التي يصبها الكتاب فيها والأهداف التي يسعى إليها "فهذا المنهج يرى أن الأدب والفن لم يبقيا مجرد تسلية ، أو هروب من الحياة ومشكلاتها وقضاياها ومعاركها وأن الأديب يجب ألا يعيش في المجتمع ككائن طفيلي أو شاذ أو جبان أو سلبي باك أو مهرج ممسوخ . وهو عندما يعرض للمصادر التي يستقي منها الأديب موضوعاته قد يفضل التجربة الحية على التجربة التاريخية وبخاصة إذا لم تصلح وعاء لمشكلة معاصرة تشغل الأديب أو تشغل مجتمعه وإنسانيته الراهنة والنقد الإيديولوجي لا يكتفي بالنظر في الموضوع بل يتجاوزه إلى المضمون أي إلى ما يفرغه فيه الأديب الفنان من أفكار وأحاسيس ، فالموضوع الواحد قد يكتب فيه أديبان مختلفان مفهومين متناقضين تبعاً لاختلاف نظرة كل منهما إليه طريقة معالجته له ويرى المنهج الإيديولوجي بحق أن ما كان يسمى في أواخر القرن الماضي بالفن للفن لم يبق له مكان في عصرنا الحاضر الذي تصطرع فيه معارك الحياة وفلسفاتها المتناقضة وأن الأدب والفن قد أصبحا للحياة ولتطويرها الدائم نحو ما هو أفضل وأكثر سعادة للبشر ويرى النقد الأديولوجي كذلك أنه قد أصبح من الممكن أن يظل الأدب والفن مجرد صدى للحياة بل يجب أن يصبحا قائدين لها . فقد انقضى الزمن الذي كان ينظر فيه إلى الأدباء والفنانين على أنهم طائفة من الفرديين الآبقين الشذاذ أو المنطويين على أنفسهم أو المجترين لأحلامهم و آمالهم الخاصة أو الباكين لضياعهم وخيبة آمالهم في الحياة وحان الحين لكي يلتزم الأدباء و الفنانون بمعارك شعوبهم وقضايا عصرهم ومصير الإنسانية كلها، فمقاييس تقويم الأدب الملتزم والأدب الهادف أساسية في النقد . فكلما كان الأدب هادفاً أو ملزماً،أو واقعيا ًكبرت قيمته ومفاهيم الواقعية والالتزام والأدب الهادف أصبحت مترادفة أو متقاربة في المعنى ، فالأدب الواقع الذي يتخذ مضمونه من حياة عامة الشعب ومشكلاته ويؤمن بقدرة الإنسان في التغلب على الشر لأن الشر ليس أصيلاً في الإنسان وإنما هو حدث عارض ولدته ظروف الحياة وأنماط التركيب الاجتماعي . أما الأدب الملتزم أو الالتزام فهو اصطلاح يعني أن الأديب يجب عليه الالتزام بمسؤولية كاملة إزاء قضايا الإنسان والمجتمع والعصر أملا في مزيد من التقدم و السعادة و الرخاء وقريباً من هذا المفهوم.... الأدب الهادف وهو سعي إلى تطوير المجتمع و الحياة نحو هدف أو أهداف أكثر تقدما ما أمكن الوصول اليه
3 - التوجيه :
وهي توجيه الأدباء والفنانين في غير تعسف ولا إملاء ولكن في حدود التبصير بقيم العصر وحاجات البشر ومطالبهم وما ينتظرونه من الأدباء والفنانين وفي مجال التوجيه نشير إلى ثلاث قضايا :
أ-وظيفة الأدب : أن للأدب وظيفة اجتماعية فهو إما أن يؤكد وبعمق المفاهيم التي تبناها المجتمع ؛ وإما أن يكون أداة قيادة وتوعية وتحضيض وفي كلتا الحالتين ينبع الأدب من الواقع ويستمد مادته منه ثم يصوغها صياغة فنية محركة للوعي والوجدان ومساعدة على التطور والتقدم .يقول مندور : ( إن الأدب انعكاس لواقع الحياة وتطورها ولكنه ليس انعكاساً سلبياً بل انعكاساً إيجابياً فهو يرتد ثانية إلى الحياة ليحث خطاها ويدفعها نحو مزيد من التطور والتقدم وبذلك يأخذ من الحياة ثم يعطيها أكثر مما أخذ وهذا هو المفهوم الجدلي (الديالكتيكي ) للفلسفة الاشتراكية بالنسبة إلى الأدب ) ، فهو يجعل الفكر قوة فعالة نحو التطور والتقدم لا مجرد انعكاس آلي لذلك التطور ولا تتخذ الفنون الأدبية طابعاً واحداً في أدائها لدورها الاجتماعي فأدب القصة والمسرحية يسلك في رأي مندور مسلك الواقعية النقدية أي نقد الواقع الفاسد وهذا النقد يبث الوعي الفاسد ويضع خميرة الثورة في النفوس أما الشعر فهو في الأغلب الذي يعلن الثورة صراحة .
ب-حرية الأديب : إن للنقد الإيديولوجي وظيفة توجيه الأدباء نحو الأدب الواقعي الهادف القائد الملتزم وهذا التوجيه يلقي معارضة من الأدباء الذين يرون في محاولة توجيه النقد والنقاد لهم وجهة إنسانية أو فنية معينة اعتداء على حريتهم وتعويقاً لانطلاق طاقاتهم ويرد مندور على ذلك فيعين أن للحرية معنى محسوساً تاريخياً وحرية الفنان مرتبطة بحرية وطنه وأمته وليس من الحرية في شيء الترويج في الفترات القاسية من حياة الوطن ، أو الناس لمذاهب الفن للفن الرومانسية الهاربة والانحلال في الأدب ولكن في الوقت نفسه ليس من الفن في شيء أن نكبت ذاتية الأديب كبتا يحول أدبه باسم التوجيه إلى دعاية سياسية.
د- النقد التاريخي : وهو النقد الذي يحاول تفسير الظواهر الأدبية أو المؤلفات أو شخصيات الكتـّاب الأدبية بالحكم والمفاضلة ، يتطلـّب معرفة بالماضي السابق لهم ، ومعرفة بالحاضر الذي أثـّر فيهم .
ه- النقد الأدبي الصحافي:
ينبغي التمييز بدءا، بين النقد الأدبي العلمي أو الأكاديمي والنقد الأدبي الذي يمارس في الصحافة الثقافية، سواء في الصحف أو في المجلات. فهذان النقدان يختلف أحدهما عن الآخر اختلاف الغاية والوسيلة لكنهما يفيدان بعضهما من بعض ويلتقيان في مسار واحد هدفه ترسيخ العلاقة بين الأدب والقارئ أو المتلقي. النقد في الصحافة لا يستطيع أن يقوم بمنأى عن النقد العلمي ولو اختلف عنه كثير الاختلاف. فالنقد فعل واحد، لكنه يأخذ سبيلين مختلفين يفترضهما واقع الفعل النقدي نفسه. في هذا المنحى ، ولا بد للنقد الأدبي الصحافي من أن يتكئ على معايير النقد )العلمي( أو الأكاديمي وعلى مفاهيمهما ومناهجهما ومعطياتهما ولكن من غير أن يصبح صنوهما، أي نقدا صارما ومنهجيا وعلميا. هذا النقد الذي يمارس ما يشبه الوظيفة الإعلامية واليومية يختلف في جوهره عنه أما النقد الصحافي فمجاله الصحيفة أو المجلة. وظيفة النقد الصحافي إذن تختلف كثيرا عن وظيفة النقد العلمي. لكن النقد الصحافي لا يستطيع أن يؤدي عمله على خير وجه إن لم يرتكز على النقد العلمي. والناقد الصحافي الذي لا يأتي على دراسة النقد العلمي يظل دون مستوى فعل النقد. هذا ما يجب الاعتراف به. وباتت مقولات أربع هي: التبسيط، التكيف، الاختيار والاستخلاص هي أشبه بالشروط أو المقاييس التي يحتكم إليها النقد الصحافي. وهناك وصف للنقد الصحافي أوردته )الموسوعة( الفرنسية المعروفة بالانسيكلوبيديا: )أن يكون بسيطا واضحا وسهلا، وعليه أن يتحاشى أي تكلف في الفصاحة والتبحر(. هكذا نفهم أن على النقد الصحافي ألا يغفل عن القارئ وألا يتكبر عليه مستعرضا ثقافته ومنهجيته، بل عليه أن يأخذ في الاعتبار أن القارئ المجهول أحيانا ليس متخصصا في النقد الأدبي، وأنه يريد أن يهتدي إلى رواية يقرأها أو كتاب يقتنيه. القارئ هو الهدف الأول الذي يتجه النقد الصحافي إليه. النقد هنا لا يكون مجرد نقد للنقد، أو فعلا يمارسه الناقد لمتعته الخاصة أو لإشباع نزعته العلمية والتجريبية. طبعا يجب ألا يغيب الحضور الذاتي للناقد وكذلك ذائقته الخاصة، ولكن يجب ألا تطغى مثل هذه الأمور على العمل النقدي ، وفي الصحافة يستحيل أن يتحول النقد فنا قائما بذاته وأن يحل محل الكتابة نفسها. وهذا ما بات يحصل كثيرا في ميدان النقد المابعد - حداثي. هذا على رغم أن رولان بارت يصر على وصف الناقد بـ )الكاتب(، معتبرا إياه )شخصية جديدة(، هي في مرتبة خاصة بين الكاتب الذي يؤلف والصحافي الذي يدبج المعلومات في الصحافة. هذه التفاتة مهمة تمنح الناقد حجمه، والصحافي حجمه وكأن الواحد منهما يحتاج إلى الآخر. الصحافي يوفر المعلومات ويتابع الإصدارات والناقد ينطلق منها ليبني أعماله التحليلية. لم تعد الحركة الأدبية قادرة على أن تقوم من دون الاتكاء على الصحافة الأدبية، مثلما هي غير قادرة على القيام أيضا من دون حركة نقدية تقابلها وترافقها. الصحافة الأدبية حاجة ملحة في عصرنا، عصر الاستهلاك والسرعة. يريد المثقف والكاتب والناقد أن يدركوا ما يحصل في عالم النشر ولا يجدون أمامهم سوى الصحافة الأدبية أو الثقافية تلبي حاجاتهم. بل هم يريدون أن يطلعوا على الجديد في عالم الرواية والشعر والمسرح وسواها لكي يكونوا على بينة مما يحدث في عالم النشر. هذا جزء من الدور الذي تضطلع به الصحافة الثقافية. لكن هناك أمورا أخرى تقوم بها وأولها هو النقد، نقد الروايات والمجموعات الشعرية والمفاهيم والمقولات، والنقد هنا أو على هذا المستوى يجب أن يكون بنّاء وواعيا الدور الذي يؤديه ومحترما العمل الذي هو على المحك. ولطالما قرأنا في الصحافة - ونقرأ - مقالات مهمة، عميقة وصائبة ومحللة لكن طبعا من دون إطالة. وبعض هذه المقالات يستحيل مرجعا يحتفظ به. وكم من مقالات صحافية لفتت أنظار النقاد إلى أعمال كان ليغض النظر عنها، بل كم من مقالات ذكّرت النقاد بشخصيات أدبية مجهولة. ولعل أجمل ما يمكن وصف الصحافة الأدبية به هو أنها أشبه بالجسر الذي يربط بين الأدب والذاكرة، بين الأديب والقارئ، بين العمل الأدبي والإعلام. قد يكون جزءاً من عمل هذه الصحافة ترويجيا لكن الترويج هنا يكتسب معنى إيجابيا. إنه الترويج للكتب التي تستحق الترويج. ولولا هذه الصحافة لما راجت كتب كثيرة تستحق الترويج. ولكن من ناحية أخرى تستطيع هذه الصحافة أن تروج كتبا لا تستحق الترويج، والأمثلة كثيرة. وإن لم تكن المقالات النقدية قابلة لأن تكون مرجعا في أحيان، فإن مهمتها هي أن تؤرخ لحركة النشر وأن توثق الإصدارات. هذه وظيفة مهمة جدا تقع على عاتق الصحافة الثقافية أو الأدبية. إنها تؤرخ اللحظة لتجعل من اللحظات قائمة تاريخية لا بد من العودة إليها لرصد حركة التأليف والنشر. فالصحافة هذه تؤرخ الحركة الأدبية لحظة تلو لحظة عبر تناولها الكتب الصادرة نقدا أو إعلاما، وعبر رصدها المشاريع الأدبية ومعالجة مشكلات النشر، عطفا على محاورتها الكتاب، روائيين وشعراء ونقاد، وتتحول بعض الحوارات مراجع مهمة لفهم الكاتب وللاطلاع على أسرار إبداعه وعلى خفايا صنيعه. وثمة ناحية أخرى يجب الأخذ بها وهي أن الصفحات الأدبية تكون في أحيان منابر مفتوحة أمام نصوص الأدباء والشعراء فتقدم صورة واضحة عن الإنجاز الأدبي القائم في العالم العربي. بل إن نشر هذه النصوص يبدو أشبه بالحوار بين الكتاب أنفسهم عبر قراءة نصوصهم. ومن الأدوار المهمة التي يؤديها النقد الأدبي في الصحافة هو ربطه الأدب بالحياة، فالعلاقة بين الناقد الصحافي والقارئ هي علاقة حية فيها شيء من )التواطؤ( المضمر وكأن الواحد على معرفة بالآخر، على خلاف النقد العلمي أو الأكاديمي الذي غالبا ما يُحصر في حيز ضيق.

و- النقد العلمي: يؤدي هذا النقد وظيفة أشد رصانة ومنهجية. وما يجب الانتباه إليه أن النقد العلمي مكانه الكتاب أو الدراسة، وقارئ الكتاب هو حتما يختلف عن قارئ الجريدة. وبالتالي فإن الخطابين النقديين يعيان مفهوم القارئ الذي قد يكون واحدا في حالات كثيرة، لكن قراءته للنقد في الصحيفة سيكون مختلفا عن قراءته للكتب النقدية والناقد العربي المعاصر ،ينبغي أن تكون له ثقافته الفنية ، واتجاهه الفلسفي ، ومـُثـُله الحضارية ،وقيمه الخلقية على سواء ، وأن يطبـّقها على الأعمال الأدبية في حرّية وشجاعة , فيزن ما في عمل الأديب من مقومات فنية , وما يضم من أفكار صائبة مضللة, سليمة أو زائفة منحرفة ، أو بمعنى آخر لا بد للناقد من تقييم المضمون أو المحتوى في العمل الأدبي والمضمون عنصر جوهري والأديب الهازل ، ليس كالأديب الجاد الذي يتناول حقيقة من الحقائق النفسية النبيلة ، أو تجربة من التجارب الناضجة ، أو فكرة من الأفكار الحية العميقة . فلو أبيح للأديب أن يقول ما يشاء ، فينبغي أن يباح للناقد أن يعقـب على مضمونه قيـّماً أو تافهاً ، سليماً أو شاذّاً ، وإلا كنا منحازين عن معنى النقد وعلينا أن نعطي الناقد كل الحق في التحدث عن فن العمل الأدبي ، ومحتواه ، واتجاهه الفلسفي أو الاجتماعي وأن نلح في ذلك إلحاحا شديداً. وبهذه المواقف الفنية والفلسفية والاجتماعية التي تتفق مع أيديولوجيتنا العربية ، ومع القيم الخلقية العربية ، ومع الروح الإنساني الساعي إلى المتعة الجمالية ، يمكن أن نجني من الأعمال الأدبية الثمرة الطيبة الشهية لخير الإنسـان العربي والمجتمع العربي . والناقد العربي في تقويمه لا يجوز أن يتقمـّص مذهبا فنيـّاً وينحصر فيه بذاته ، ولا أيديولوجية شرقية أو غربية ، بل عليه أن ينطلق مستقلا في هذا التقويم ومستفيدا من أحدث النظريات الفنية فائدة توجيهية , فله أن يرجع إلى التاريخ ليعرف البيئة التي نما فيها العمل الأدبي وترعرع، وله أن يرجع إلى السيكولوجية ليعرف صحة الشخوص ويفهم نوازعها فهما عميقا ، وله أن يرجع إلى الحالة الاجتماعية ليعرف آثارها في الأعمال الأدبية ، وله أن يـُقوِّم العمل بما يتفق مع الثقافة الرفيعة كل هذه النواحي تلقى أضواءً على الأعمال الأدبية، وإمكان تقويمها على أن المقياس التاريخي والاجتماعي في تقويم الأعمال الأدبية هو خطوة نحو إنارته وإن كان ليس مقياسا كافيا ، ولكنه عامل مفيد للنقد إذا استخدم كوسيلة أو كعنصر للتقويم . فليس بين نقادنا اختلاف ، فالفريق الأول الذي يلتزم الفنية , والفريق الثاني الذي يضم إلى الفنية قيمة المحتوى ، ينتفع كل منهما بالآخر ، ويمكن تقاربهما إذا قدرنا أن أعمالنا الأدبية يجب أن ينظر إليها نظرة فنية في ضوء الأيديولوجية الجديدة التي تعتنقها ، وفي ضوء التقدّم الذي نصبو إليه على أنه لا يجوز لنا أن نجري وراء مدرسة ولا مذهب شرقي أو غربي ، بل يمكننا أن ننتفع بجميع المذاهب لإبداع نقد مستقل أصيل .إن النقد الأدبي هو فن شخصي ، فن يعتمد على الثقافة والبصيرة النفاذة , وعلى النزاهة ، وعلى الذكاء الحاد ، أكثر مما يعتمد على المذهبية ، وإن النقاد البصراء هم قلة موهوبة ، تعلو موهبتهم إلى درجة النبوغ بل العبقرية، وإن هؤلاء الموهوبين قد يصلون إلى حكم أكثر نفاذا وحكمة من الذين يسبحون بالقواعد والأصول الفنية , ومن الذين يضعون المضمون في القمة ، وليست الأصول ولا قيم المضامين بأكثر أهمية للناقد من الموهبة , والفطنة ,والنزاهة ، فإذا ثارت مناوشة بين أصحاب المذاهب ، فإنما هي مناوشة لن تفيد النقد كثيرا ولا قليلا ، إنما يجني النقد والأدب - على سواء - ثمرات نافعة إذا عَمـِلَ النقاد - مدرّسين وأحرارا ً- في الحقل الأدبي في محبة وتسامح وتواضع على خير الأدب ، وإعلاء شأن الموهوبين من الأدباء : شعراء ، أو قصاصين ، أو مسرحيين.........إلخ

ز-النقد الفقهي أو اللغوي:
منهج النقد السائد في الآداب العربية القديمة هو " المنهج الفقهي أو اللغوي " الذي يعتمد على تحليل النص ودراسته ، من حيث البلاغة ، وقواعد العربية ، والنحو والصرف ، واللغة والعـَروض ، وبيان ما بين معناه ومعاني السابقين والمعاصرين من تشابه أو احتذاء .. وتقسيم النص إلى جمل أو أبيات، والتحدث عن كل جملة أو بيت على أنه وحدة فنية مستقلة بذاتها ، وقد سار على ذلك ابن سلام ، والجاحظ ، وابن قتيبة ، والمبرد ، وابن المعتز، والآمدي ، والجرجاني .. ولكن قـُدامة بن جعفر يسير في تحديد النقد على التحدث عن عناصر الأدب عنصرا عنصرا , من معنى ولفظ وسواهما ، ويشرح أسباب الجودة أو القـُبْح في كل ، مع القرب من المذهب الفقهي في النقد ، ويحتذيه في ذلك أبو هلال وابن رشيق .. أما عبد القاهر الجرجاني فقد نحا في النقد مَنـْحَى التحليل الأدبي القريب من المنهج الفقهي ، وتحدث عن صلة البلاغة بالنفس والعاطفة والخيال حديثا قويا مستفيضا .ولا تزال هذه الاتجاهات القديمة هي أظهر ما يغلب على أدبائنا اليوم ،ويتسم أغلب النقد المعاصر بسماتها .. وهي تغفل التجربة الشعرية والصياغة الفنية والقيم الشعرية والأثر الأدبي جملة وصلته بصاحبه ومدى توفيقه في أداء المشاعر الخفية والعواطف الدقيقة .. ولا تزال آراء نقادنا القدامى والمعاصرين غامضة مجملة ولا يزال الاختلاف بينهما كبيرا والحكم الأدبي متفاوتا ، لأنها آراء لا تقوم على قواعد محدّدة .. ومن ثم فإن هذا المذهب الفقهي الواضح في النقد العربي عجز , ولا يزال عاجزا عن الوفاء بحق الثقافة الأدبية العالية ، وإنارة السبيل أمام دارسي الأدب ونقـّاده .
ح-النقد الفني : وهو منهج جديد في النقد ، سماه أنصاره " المذهب الفني " ، وعماده الحكم على النص الأدبي من حيث روحه وموسيقاه وأصالته وعناصره وصدقه وتجربته الشعرية . وقد دعا إلى هذا المذهب الفني في النقد واحتذاه جماعة من المجدّدين في أدبنا المعاصر ، ومن أوائلهم : شكري ، ومطران , وأبو شادي ، وقد حكم العقاد والمازني على شعر شوقي وحافظ متأثرين به ، كما حكم السحرتي على مطران والشابي على ضوئه .وهو منهج أصيل لا نجد له أثرا في نقدنا العربي القديم إلاّ في ومضات قليلة , نلمسها عند القاضي الجرجاني ، وعبد القاهر وقد رأى سيـّد قطب في كتابه " النقد الأدبي " أن هذا المنهج الفني هو الذي ساد الآداب العربية القديمة ، .. ويرى سيد قطب أن المنهج الكامل في النقد هو اجتماع هذه المناهج الثلاثة ( المنهج الفني, والمنهج التاريخي ، والمنهج النفسي ),التي عدَّدَها في منهج واحد سماه المنهج التكاملي .هذا ويرى مندور أن مناهج النقد هي : المنهج التأثري - والموضوعي - والاعتقادي - والعلمي - والتاريخي - واللغوي . وسادت نزعة جديدة في النقد سـُمّيت : " النزعة الواقعية ، أو المنهج الواقعي " ، وأساس هذه النزعة هو النظر إلى موضوع الأثر الأدبي ، فإن كان بينه وبين الحياة والمجتمع صلة فهو أثر أدبي قيـّم تجب العناية به والإشادة بمنزلته ، وإن كان لا يعالج شأنا ً من شؤون الحياة والمجتمع والناس فهو أثر أدبي يجب أن يموت وأن يختفي .. فإن عالج الأدب الموضوعات الإنسانية العالية الخالدة كان أقرب إلى الخلود الأدبي ،وحول هذا المذهب الواقعي يدور " مندور " ، وكذلك " هيكل " في تعريف الأدب أنه فن جميل غايته تبليغ الناس رسالة ما فى الحياة من حقّ وجمال .والجمع بين المناهج الثلاثة " الفقهي ، والفني ، والواقعي " في النقد يؤدي بنا إلى أحكام أصدق وآراء أشمل في الحكم على الأدب والشعر والآثار والنصوص المختلفة ، وفهم الخصائص والمميزات والسمات لكل أديب وشاعر ، والعوامل المؤثرة في الأدب ، وصلة القديم بالحديث ، والحديث بالقديم ، وبذلك ننتقل إلى مرحلة جديدة في النقد ، قد تصل بنا إلى "النضـج الفنـّي الكامـل " وإلى نهضة أدبية شاملة , وإلى ازدهار في نقدنا المعاصر
ط-النقد الأسطـوري :
النقد الأسطوري من تلك المناهج النّقدية التي قدّمت نفسها أداةً تملك مفاتيح النّص الأدبي، وقد وجد هذا المنهج أنصاراً من الذين يدعون إليه، واستطاع أن يقدّم تفسيرات وتخريجاتٍ مقنعة للنصوص التي عالجها. وهو نقد من خارج النّص، فهو لا يدرس الشّعر بل يبحث عن مصدره الخارجي ومادّته الخام، ويزداد النّظر انحرافاً حين يرى مصدراً وحيداً لهذا الشّعر، وهو الأساطير ، وهكذا تغيب أركان الظّاهرة الأدبية. ويكثر أشياع هذا المنهج في الغرب، وقد بات يلاقي هذا المنهج الرضى والاستهواء في نفوس كثير من الدارسين والنّقاد العرب. وهذا المنهج يُوظّف في سخاء في كثيرمن الدراسات العربية، التي قام كتّابها بتطبيق هذا المنهج على بعض نصوص الشّعر الجاهلي وكلّ هذه الدراسات تقوم على تحليل النّص من خلال أسطورية الأدب كربط المرأة بالخصب وعبادة الشمس وحيوانات الصحراء ونجوم السّماء، وعدّ الفرس رمزاً للشّمس. وقد كان توظيف هذا المنهج عند البعض منهم ناجحاً موفقاً، مدعماً بالأمثلة التي تفسّره. فالمنهج الأسطوري هو ذلك المنهج الذي يتخّذ من الأدوات الأسطورية والإنثروبولوجية والتاريخية والأثرية أداة في تفسير النّص الأدبي وفكّ أسراره، وفهم مراميه، وإدراك غايته ورسالته. ولهذا المنهج أصول في الكتابات العربية مثل كتاب الحيوان للجاحظ، والذي مهد لظهور هذا المنهج (نورثروب فراي ) في كتابه (تشريح النقد) الذي حاول فيه تأسيس منهج جديد لتحليل الأعمال الأدبية، هو المنهج الأسطوري. وقد أولى فراي في هذا الكتاب أهمية فائقه لنظرة الأنماط العليا أو النماذج البدائية التي تعني أنّ كل إنسان يرث من جنسه البشري قابلية لتوليد الصّور الكونيّة التي وجدت من دهور سحيقة في النفس حين كان الإنسان مرتبطاً بالطبيعة. وليسـت تتحدد هذه الصور الكونية - وفقاً لهذه النظرية - بمضامينها بل تتحدد بأشكال؛ لأنّها في ذاتها شكلية صرف. وبناء على هذا التحديد تكون على سبيل التمثيل لا الحصر - جمهورية أفلاطون صورة نمطيّة تكرّر النّمط الأعلى أو النّموذج البدائي الذي هو جنّة عدن، وتكون رحلة السندباد صورة نمطية ، وعلى الناقد أن يقف بعيداً عن القصيدة، ويتأملها ليكشف منظومتها الأسطورية أو تصميمها الميثولوجي. «إن الأدب وفقاً لنظرية فراي يصدر عن بنية أساس -نسق أو نظام- هي الميثة أي هي الأسطورة في حالتها الأولى والأصل النفسي: اللاشعوري جمعي الذي يربط فيه كثير من الباحثين بين المنهج الأسطوري ونظرية كارل بونج في التحليل النفسي. بعد أن طور يونج نظرية فرويد باكتشافه طبقة أخرى من اللاوعي الذي تقع تحت طبقة اللاوعي الشخصي أو العقل الباطن التي اكتشفها فرويد، ورآها أشبه بقبو ضخم تختزن فيه الأخيلة المكبوتة، والمكبوحة التي تشكل العقد، وهذه الطبقة العميقة من اللاوعي التي اكتشفها يونج هي طبقة اللاوعي الجمعي التي تستعصي على التحليل الفرويدي؛ لأنّها منبتة الصلة بالكبت والعقد. والإنسان -وفق هذه النظرية- شبكة معقدة من الثقافة والبيولوجيا، فهو المخلوق الوحيد من المخلوقات جميعاً الذي يرث تاريخ جنسه جسدياً وعقلياً معاً، فكما يرث جسده الذي تطوّر عبر ملايين السنين أيضاً. ويشكل اللاوعي الجمعي جزءاً من الإرث الإنساني الذي يرثه كلّ إنسان، ومن هنا كان هذا النوع من اللاوعي عاماً وشاملاً ومتشابهاً ودائم الحضور في كلّ إنسان، ونستطيع أن نصوغ هذا الكلام فنقول، إنّ في أعماق كلّ منا -نحن معشر البشر- إنساناً بدائياً نصدر عنه في أمور كثيرة دون أن نعي، وعن هذا الإنسان البدائي أو اللاوعي الجمعي تصدر الصّور المألوفة في الفن والأدب والأساطير والأحلام. ومن إيجابيات توظيف المنهج الأسطوري في دراسةالنصوص:
1– ينطلق هذا المنهج في دراسة النص من مفهوم اللاشعور الجمعي وبقايا العبارات الكامنة في باطن النص، ولا يحجب صاحبه، بعد أن يرفض الارتكاز الأحادي على الدراسة الوصفية للأدب.
2– هذا المنهج يبرز الصورة، كما يبرز مستويات تناولها ودلالاتها عند كلّ شعب. فمثلاً من يوظف هذا المنهج يدرك أنّ الشّمس رمز للخصوبة المؤنثة عند العرب، بينما هي رمز للرّجولة عند اليونان .
3– هذا النوع من المناهج يحتمل توسّع الرّؤى والتفاسير والمناظير حسب تقدم التفاسير الميثيولوجية، وتقدم الفهم لطبيعة التفاسير الميثولوجية، وتقدم الإدراك للرمز في حياة الإنسان.
4– يتطلب قراءة نصية فاحصة، فهو يهتم من النّاحية الإنسانية بما هو أبعد من الاكتفاء بقيمة الجماليات الدّاخلية في النّص، فهو يهتم بالمتلقي، وبالأنماط الأساسية في المجتمع وبالمتلقي.
5– إنّ هذا المنهج، كما يرى سكوت، يسعى لكي يفيد إنسانيتنا، تلك الإنسانية التي تقدر العناصر البدائية.
6– وهذا المنهج يستطيع أن يفسر لنا كثيراً من الظواهر، ويربط فيما بينها ربطاً يعجز عنه أيّ منهج آخر.
7– هذا المنهج يساعد على معرفة الآخر، بل ومعرفة النّفس من خلال تعامل هذا المنهج مع الذات والأعماق الإنسانية واللاوعي الجماعي.
8– هذا المنهج يستعين بتقنيات علمية حديثة أدبية وغير أدبية، كما يستعين بمعارف عصره في تفسير نصوصه.
9– إذا أحسن تطبيق هذا المنهج وفق معاييره الموضعية، فإنه يقدم نتائج موثقة توثيقاً لا يترك مجالاً للأحكام الانطباعية أو الأهواء الشخصية، مستمداً في سبيل ذلك ممّا توصل إليه علم الآثار، وما تركه القدماء من أساطير أو تماثيل أو طقوس.
ومن سلبيـات توظيـف المنهـج الأسطـوري فـي دراسـة النصــوص:
1– كثيراً ما يتحمّس أنصار هذا المنهج له، فيخرجون بمقولات دون أسس، ويسعون جاهدين لتدعيمها بعد لَيّ عنق النّص، فمثلاً يزعم بعض الدارسين أنّ ملحمة جلجامش كانت معلقة على الكعبة دون إعطاء أدلة على ذلك، كما يزعم بعض آخر أنّ جلجامش وهرقل وذا القرنين وموسى الخضر شخصية واحدة دون إعطاء أدلة على ذلك أيضاً.
2– المبالغة في تطبيق هذا المنهج على كلّ نص، تجعل النّص يبدو كأنّه تاريخ أسطوري، لا نص أدبي.
3– هذا المنهج يبالغ في تفخيم الأعمال الأدبية، ويرتفع بها إلى مستوى الوصايا أو الكتب المقدسة.
4– كما أنّ هذا المنهج يحطّ من قدر مؤلفي النّصوص، فيتلاشى الكاتب، ويبقى النّص مقدساً بما يحمل.
5– هذا النوع من المناهج يُبعد القراء عن قراءة التّحف الأدبيّة؛ لأنّه يجعل المرء محتاجاً إلى قراءة الكثير من الكتب كي يفهمها، كما أنّه محتاج إلى أن يفكر ملياً في كلِّ جملة من جمل العمل الأدبي.
6– قد يبالغ أتباع هذا المنهج، فيجعلون اعتقادات أخرى مكان ما قاله المؤلف على وجه الحقيقة، ويؤولون ما أراده على غير ما أراد.
7– هذا المنهج يجعل الأدب كحامل لعدد من الأساطير، فيفقد العمل جزءاً من متعته التي تنتهي بمجرد أن يفكّ الشّخص رموز هذا العمل، دون الاستمتاع به، فهو مجرد لعبة رموز.
8– هذا المنهج يلغي الحدود بين الفن والأسطورة، بل بين الفن والدّين.
9– هذا المنهج لا يفرّق بين الفن الجيد والفن الرديء، فهو يضعهما على قدم المساواة، فكلُّ ما يهمّ المنهج تفسير باطن النّص، وفكُّ رموزه.