المعاني وأثرها في الأعمال الأدبية

لا تطلق كلمة أدب إلا على الأعمال التي تملك فكراً راقياً ومعنى سامياً ، وتقوم على أسس فنية وجمالية متميزة ، لأن قيمة العمل الأدبي تكبر بما فيه من معان عميقة وحقائق ثرّة مع أنه ليس بالضرورة أن يقدم العمل الأدبي حقائق مبتكرة ، كما في العلوم الإنسانية ؛ فنحن نقرأ كتاباً في التاريخ نعلم ما فيه من قبل ، ونستطيع قراءة قصيدة تتضمن حقائق معروفة. إن أدباً كالذي خلفه المعري ( رسالة الغفران ) ( رسالة الملائكة ، رثاء الإنسانية ) ، أو المتنبي أو السياب أو الشابي يحمل بين جنباته معاني كثيرة ، وحقائق صحيحة وإن كان النقاد يرون أن المعاني الصحيحة والنظرة الصادقة ليست شرطاً للعمل الأدبي الجيد ، فأشعار أبي نواس ماجِنَةٌ من حيث المعنى ، وكاذبة ، ولكنها تشكل أدباً ، والعرب تعتبر أن أعذب الشعر أكذبه والحقيقة التي لا مراء فيها أن الأدب المؤسس على حقائق غير صادقة ليس له قيمة كبيرة لأن عمق الإحساس وصدقه مقياس التمييز بين الأدب الرفيع والأدب المتواضع . إن أكبر الشعراء من اتسعت تجاربه وتعمق علمه في الأشياء وازداد فهمه لحياة الناس ومعرفته لعقائدهم ونظراتهم للحياة . فالشعر ديوان العرب يحوي معارفهم وعلومهم وتجاربهم وأخبارهم ووقائعهم وعاداتهم وتقاليدهم ؛ فقد أفادنا المتنبي في أخبار ووقائع سيف الدولة أكثر مما أفادتنا كتب التاريخ ، وعلمنا شكسبير عن الحياة الإنسانية أكثر من الفلسفة . صحيح أن كتب الأدب غايتها اللذة في بعض جوانبها إلا أنها تزودنا بالأخبار والحقائق والمعاني في الجانب الآخر ذلك أن للمعاني قيمة كبيرة في الأعمال الأدبية عامة ؛ فقيمة الشعر تقاس بما فيه من معاني ترتكز عليها العواطف لأن الحقائق الصحيحة أساس للعواطف السامية التي تستمد حرارتها منها ، والشاعر الذي يرى الحياة مجلس أنس وكأس شراب ونظرة امرأة كحيلة قد يكون إحساسه صادقاً ولكنه سطحي بعيد عن حقائق الكون والحياة. يقول طرفة بن العبد :
ولولا ثلاثٌ هُنّ من عيشة الفتى وجدِّك لم أحفلْ متى قام عوّدي
فمنهن سبقي العاذلات بشَرْبـةٍ كُمَيْتٍ متى تعل بالماء تزبـد
فالمعاني الصحيحة تعطي مضمونا واقعيا ولكنه ليس كل الحقيقة التي ننشدها. إن الأدب لا يصور الحياة كما هي بل يعيد صياغتها بعد أن يخضعها إلى شيء من التنقية والتصفية ويضيف لها من العواطف والخيال ما يتناسب معها وغاية الأدب نقل أثر الأشياء في نفس الأديب لا الإخبار عن الأشياء كما هي . يميز مارون عبود في كتابه مجددون ومجترون وكتابه دمقس بين ضربين من الشعر هما : (الشعر الذي يولده العقل كشعر المعري والمتنبي ، والشعر الذي تولده النفس ويعبر عن خلجاتها كالشعر العذري، ويلاحظ عبود أن النقاد العرب اهتموا بالعقل لذلك حاموا في شعرهم حول المعاني ويرى أن حبَّ العرب للشعر القائم على المجهود العقلي هو الذي دفعهم إلى تفضيل المعري على أنه لا يبالي بشيء من الفن ) . وقد أبدى هذا الناقد العربي الكبير كرهه للشعر المنطقي في نقده لديوان الشاعر والقاص / عبد السلام العجيلي / ( ليالي النجوم ) واعتبر أن المنطق أضرّ بشعره في حين أفاد نثره إفادة عظيمة لأن قارئ الشعر المنطقي لا يستطيع أن يعثر على شخصية صاحبه . يقول البحتري :
كلفتمونا حدود منطقتكم والشعر يغني عن صدقه كذبُهْ
والشعر المعتبر عند عبود ما اتحدت فيه الكلمة بالمعنى اتحاداً فنياً مقدساً لا تنفصم عُراه . لقد ولد الأدب من المعاناة ونتجت المعاناة عن التجربة التي هي أصلاً نوع من الحقيقة والمعرفة التي يتزود بها الإنسان من أجل أن يثبت جذوره في هذا الواقع . صحيح أن الأدب العربي معظمه لم يكن يرتكز على العقل ارتكازه على الوجدان إلا أنه كانت هناك شطحات تحدث فيها الشعراء عن حقائق الموت والكون والحياة ولقد تحدث الشعراء الجاهليون عن الموت وبدت تجاربهم من خلاله كبيرة وإن كانت نظراتهم له بسيطة وسطحية فهذا طرفة في معلقته يصور لنا الموت تصويراً فذاً حين يقول :
لعمرك إنّ الموت ما أخطأ الفتى لكالطول المُرْخى وثِنْاياهُ باليد
وهذا زهير يصف الموت وصفاً بسيطاً يعبر به عن نظرة جاهلية ، وإن كان هذا الشاعر يعد من الشعراء الأحناف :
رأيت المنايا خبط عشواء من تصبْ تُمِتْـُه ومن تخطئْ يُعَــمَّرْ فيهرمِ
ولم تكن قصيدة الطلاسم لإيليا أبي ماضي إلا انعكاساً لحيرة الخيام في قضية الموت وإن فتحت آفاقاً جديدة في التفكير في جدلية الحياة والموت وعبارة ( لست أدري) التي كررها الشاعر لا تعبر عن أنه لا يؤمن بنهاية الإنسان في الوقوف أمام الله تعالى . إن أهمية الأدب كفن من الفنون النافعة والمفيدة تأتي من كونه يحمل في نفعيته أهدافاً إنسانية ونشاطاً حيوياً ، وهذا يعني أن نفعيته هي ( ما يحمله هذا الأدب من حقائق ومعاني تسهم في دفع مسيرة الحياة الفردية والجماعية ) صحيح أن بعض النقاد العرب فصلوا بين الشعر والأخلاق وهذا من الخطأ الكبير ، فالشعر لُبُّه الأخلاق ، إلا أن ذلك لا يعني ألا يحمل الأدب في ذاته حقائق وأفكاراً ومعاني ذات قيمة لأن الأدب كان في مرحلة من مراحله مختلطاً بالفلسفة والتاريخ والدين والسحر، بل كان المعبّر الرئيسي عن فكر الإنسان بجميع نواحيه ولو عدنا إلى نشوء المدارس الأدبية ابتداء من الكلاسيكية وانتهاء بما بعد الحداثة لوجدنا أن معظم هذه المدارس نشأ نتيجة خلافات حول وظيفة الأدب ودوره في الحياة وحول طبيعة الأدب وغاياته. أيستطيع هذا الأدب أن يحمل بين جناحيه معنى وفكراً وحقائق أم هو لذة فنية غايتها في ذاتها ؟؟!!.
لقد نقل الأدباء من خلال ما ورَّثوه لنا عصورهم بما تحمله من هموم وآلام وآمال وحقائق ومعاني وأفكار وعادات وتقاليد لم يستطع المؤرخون والفلاسفة ورجال الفكر أن ينقلوها لنا بالسمة نفسها التي فعلها الأدباء ويكفي الإنسان فخراً أنه يتعلم من الأدب كيف يكون إنساناً .
إن من يزعمون أن الأدب لعب غايته التسلية ، ومن يرون في الأدب أنه غاية في ذاته ( نظرية الفن للفن ) هم واهمون ، بل على أبصارهم غشاوة لأن الإنسان أوجد الأدب لينقل للآخرين من خلاله حقائق الكون والحياة والوجود .



المستشار الأدبي
حسين علي الهنداوي
شاعر وناقد
مدرس في جامعة دمشق
دراسات جامعية-في الأدب العربي
صاحب الموسوعة الأدبية (المرصد الأدبي )
حجم الموسوعة( خمس عشرة ألف صفحة )
سوريا -درعا- hoshn55@gmail.com
السيرة الذاتية للمستشار الأدبي(حسين علي الهنداوي)
أ- أديب و شاعر وقاص ومسرحي و ناقد و صحفي
ب- له العديد من الدراسات الأدبية و الفكرية
ج-نشر في العديد من الصحف العربية
د- مدرس في جامعة دمشق - كلية التربية - فرع درعا
ه- ولد الأديب في سوريا – درعا عام 1955 م
و- تلقى تعليمه الابتدائي و الإعدادي و الثانوي في مدينة درعا
ح- انتقل إلى جامعة دمشق كلية الآداب – قسم اللغة العربية و تخرج فيها عام 1983
ك- حائز على إجازة في اللغة العربية
ص-حائز على دبلوم تأهيل تربوي جامعة دمشق
ع- عمل محاضراً لمادة اللغة العربية في معهد إعداد المدرسين - قسم اللغة العربية في مدينة درعا
ف- انتقل إلى التدريس في المملكة العربية الســـعودية عام (1994 /2000 ) في مدينتـــي عنيزة و تبوك 0
1- عضو اتحاد الصحفيين العرب
2- عضو اتحاد كتاب الانترنت العرب
3- عضو تجمع القصة السورية
4- عضو النادي الأدبي بتبوك
مؤلفاته :
أ*- الشعر :
1- هنا كان صوتي و عيناك يلتقيان/1990
2- هل كان علينا أن تشرق شمس ثبير/1994
3- أغنيات على أطلال الزمن المقهور /1994
4- سأغسل روحي بنفط الخليج /1996
5- المنشّى يسلم مفاتيح إيلياء/1996
6- هذه الشام لا تقولي كفانا / مخطوط
ب*- القصة القصيرة :
شجرة التوت /1995
ج – المسرح :
1- محاكمة طيار /1996
2- درس في اللغة العربية /1997
3- عودة المتنبي / مخطوط
4- أمام المؤسسة الاستهلاكية / مخطوط
د – النقد الأدبي :
1- محاور الدراسة الأدبية 1993
2- النقد و الأدب /1994
3- مقدمتان لنظريتي النقد و الشعر / مخطوط
4- أسلمة النقد الأدب
هـ - الدراسات الدينية :
1- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الأول
2- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الثاني
3- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الثالث
4- فتاوى و اجتهادات / جمع و تبويب
5- هل أنجز الله وعده !!!!!!
و- موسوعة (المرصد الأدبي) :
1-تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية ( معاني الأدب وعلاقاته)
2 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية قبل الإسلام (العصر الجاهلي )
3 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر صدر الإسلام )
4 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر الخلفاء الراشدين )
5 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر الخلفاء الأمويين)
6 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء العباسيين )
7 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء الأندلسيين )
8 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الدول المتتابعة )
9- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء العثمانيين )
10- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية في (العصر الحديث)
11- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية في (العهد المعاصر)