الموسيقى وضرورتها في الشعر
تعد الموسيقى من العناصر المهمة في الشعر العربي والأجنبي وتشكل بالإضافة إلى المجاز الركن الأساسي الثاني لما تقدمه من آفاق تبعث النشوة في نفوس القارئ . يقول ابن طباطبا ( الشعر كلام منظوم بائن عن المنثور ) . ويقول قدامة بن جعفر ( الشعر كلام موزون مقفى ) ويعتبر الوزن في الشعر كالإيقاع في الموسيقى والروس يتصورون الشعر أنه نمط من التناغم المحكم بين الوزن والإيقاع العادي للكلام لأن الشعر في عرفهم ( عنف منظم ) ويرى مارون عبود في مجددون ومجترون : (أن الشعر موسيقى قبل كل شيء لها معنى إذا فقدته كانت ألحاناً لا تطرب ولا تهز نفس سامعه) وبفضّل هذا الناقد الشعر الموسيقي وإن خف معناه على الشعر الخالي من الموسيقى وأن رجحت كف معانيه ، ويرى مندور في كتابه النقد والنقاد المعاصرون ( الموسيقى إحدى مقومات الشعر الأساسية التي إذا فقدها فقد خاصية من خصائصه الكبرى التي تميزه عن النثر ) ويرى د. محمد النويهي في كتابه قضية الشعر الجديد أن ( الموسيقى الشعرية هي السمة الأولى التي تميز الشعر عن النثر) ويرى شوقي بغدادي (( أن الفوارق بين الشعر والنثر عديدة وليست الموسيقى إلا إحداها ) . ويعتبر النقاد المعاصرون أن الموسيقى الشعرية تنطوي على عناصر :
1- الإيقاع : ومصدره تكرار التفعيلة في البيت الواحد حيث ينبعث عنها نغم متميز محدّ الزمن والبنية الصوتية ويأتي هذا الإيقاع من النطق المتكرر لهذا النغم وهو الضابط للوزن ووحدة الإيقاع الشعري هي التفعيلة عند العرب ، وهي البيت عند الإنكليز والمقطع الصوتي عند الفرنسيين . وهو ضرورة لا بد منها ولا يبلغ أقصى مداه دون وزن وقافية ويتفق رييتشاردز و عبود على أن ( الإيقاع نسيج من التوقعات والإشباعات والاختلافات والمفاجآت التي يحدثها تتابع المقاطع ) وهو (الحد الفاصل بين الشعر والنثر ) على حد قول د . أحمد بسام ساعي . فالعمل الأدبي في رأي رينيه ويليك و أوستن وارين سلسلة من الأصوات ينبعث عنها المعنى وهذه السلسلة أو الطبقة المتناسقة تقل أهميتها في بعض الأعمال وتزداد في أعمال أخرى وهي شرط مسبق وضروري للمعنى وتؤلف جزءاً هاماً من التأثير الجمالي في العديد من الأعمال الأدبية الفنية بما فيها من النثر المبهرج _ السجع . وليس الشعر إلا تنظيماً لنسق من الأصوات اللغوية . على أن مشكلة الإيقاع ليست مقتصرة على الأدب فهناك إيقاع للطبيعة ، وإيقاع للموسيقى وإيقاع للفنون التشكيلية ومن السهل أن نرى في النثر أنواعاً من الإيقاع / نظرية الأدب / يقول جبران خليل جبران في إحدى مقالاته
( أنا أبكي فتبتسم الطلول
وأتَّضع فترتفع الأزهار ،
الغيمة والحقل عاشقان،
وأنا بينهما رسول مسعف ) .
ويرى محمد ياسر شرف في كتابته النثيرة والقصيدة المضادة (أن الإيقاع شرط لازم لإظهار التركيب الزمني الذي يبدعه الشاعر بألفاظ وتراكيب مميزة ... والاتصال بين الشعر والموسيقى في المجتمعات البدائية يكفي للتأكيد بأن للإيقاع أثراً ثلاثياً ممتعاً يتمثل في الجانب العقلي والجمالي والنفسي ...) ، وقد تعرض / وودزورث / لهذه الآثار فرأى أن الأثر العقلي ناشئ عن التأكيد المستمر خلال مسير القصيدة ذلك أن هناك نظاماً ودقة وهدفاً في العمل الأدبي وأن الأثر الجمالي ينشأ من الإيقاع الذي يخلق جواً خاصاً من حالة التأمل الخيالي وهذه تضفي نوعاً من الوجود الممتلئ في حالة شبه واعية على الموضوع كله ، وإن الأثر النفسي يبدو إيقاعه في المشي والنوع والتنفس والنبض . ويذهب / وودزورث / إلى ((أن إيقاع الضربة الشعرية يكون عادة أقل سرعة بقليل من إيقاع النبض و إن صح ذلك فالشعر هو لغة القلب )) . وقد أدرك ذلك الخليل الفراهيدي من خلال مروره في سوق النحاسين حين قرن بين نظام الضرب المتناظر المتساوي بالمطارق على الأواني وبين تناسق التفعيلات وتناظرها في الأبيات الشعرية وحركة أقدامه ودقات قلبه فاستنبط هذا النظام الصوتي للشعر العربي .
2- الوزن : وهو مجموع تفعيلات البيت الواحد يقول ابن رشيق القيرواني : ( الوزن أعظم أركان الشعر وأولاها به خصوصية وهو مشتمل على القافية جالب لها ) ، ويرى النقد الحديث في الوزن وسيلة أداء مثلى للتعبير عن الانفعال الشعري تعجز عنه لغة النثر . ولأن الشعر حقيقة إثارة وجدانية وتجربة شعورية يعبر عنها في صورة موحية فلا بد له من عنصر إضافي يؤدي مهمته بالإيحاء والتخيل وهذا العنصر هو الوزن وهو صميمي يمكنّ الشاعر من رسم انفعاله للآخرين ويفرض جواً نفسياً خاصاً على مستمعيه . إن اللغة العارية عن الوزن قاصرة عن تصوير ما يعتمل في نفس الشاعر يقول ابن عبد ربه في العقد الفريد : ( زعمت الفلاسفة أن النغم فضل بقي من المنطق لم يقدر اللسان على استخراجه فاستخرجته الطبيعة بالألحان على الترجيع لا على التقطيع فلما ظهر عشقته النفس ) . ويقول أفلاطون : ( لا ينبغي أن نمنع النفس عن معاشقة بعضها بعضاً ، ألا ترى أهل الصناعات إذا خافوا الفتور ترنموا بالألحان) . إن الوزن جزء من المحتوى الشعوري والفكري الذي ينطوي عليه الشعر وثمة رابطة تربط بين الوزن والإيقاع وبين قوة انفعال الشاعر وعمق إحساسه . ويرى النقاد أن هناك ائتلافا بين المعنى والوزن والقافية . ذلك أن بعض المعاني يحتاج إلى طول معالجة وعرض وشرح بعض الجزئيات للفكرة وهذا يستدعي انسياباً في الوزن وامتداداً في التفعيلات ، بينما بعض المعاني يتطلب خفة ورشاقة في الوزن وغنائية في النغم ...... يقول سليمان البستاني في معرض حديثه عن أوزان الشعر: ( الطويل للفخر والحماسة لأنه يستوعب معاني كبيرة ومرتع للتشابه والاستعارات وسرد الحوادث وتدوين الأخبار ووصف الأحوال والبسيط يقرب من الطويل إلا إنه لا يلين لينه للتصرف في التراكيب والألفاظ ولا يتسع اتساعه للمعاني ، والكامل يصلح لكل نوع من الشعر وهو أجود في الخبر منه في الإنشاء والوافر ألين البحور يشتد إذا شددته ويرق إذا رققته ) . إن كينونة الوزن كظاهرة تخلق الكلام منغما هي التي تميز شاعراً عن آخر بل هي التي تجعل هذا النوع من الكلام شعراً لأن نغمية الوزن تعطي اللغة حركة فاعلة في نفوس الآخرين ومتى صار الشعر صف كلام يكون النثر المرسل خيراً منه . صحيح أن توافر الوزن في القصيدة ، شرط رئيس إلا أنها بالوزن وحده لا تسمى شعراً فلا بد من توافر الموهبة والسليقة و النضج في استفراغ مواقف الشاعر من الحياة .
3 - القافية : وهي زاوية القصيدة وسرّ قوة البيت الشعري يحتاج لها المعنى كي يتم وذات تأثير كبير وعجيب في الموسيقى بالإضافة إلى جمالها الفني لأنها آخر ما يتبقى في ذهن السامع من البيت وقد أولاها العرب اهتماماً كبيراً بما أدركوه من تأثيرها القوي في العملية الشعرية . يقول الحطيئة ( نقِّحوا القوافي فإنها حوافر خيل الشعر ) ويعتبر ائتلاف المعنى والقافية ضرورة من ضرورات الشعر لأن للقافية صلة بعاطفة الشاعر ومعانيه وقد تسهل القافية للشاعر قيادة النظم فتفتح مغالق القول وقد تصرف الشاعر عن غايته وتذهب به مذهباً لم يقصده والمطبوعون من الشعراء أقدر من غيرهم على اختيار القوافي والأوزان الملائمة للمعاني حيث تظهر قدرتهم على التعبير ويستطيعون رفد أشعارهم بعناصر جمالية على أنه ينبغي الالتفات إلى أن القافية ظاهرة بالغة التعقيد وظيفتها التطريب خاصة إذ باستطاعة المرء أن يميز الدرجة التي تشتبك بها القافية مع مجمل سياق القافية وإلى أي حد تبدو كلمات القوافي قد جاءت لملء الفراغ . إن جدلية الوزن والقافية والمعنى والعاطفة تظهر لنا مدى أهمية القافية في البيت الشعري لأنها تقدم للسامع النشوة العميقة التي تحصلت للشاعر عند كتابته القصيدة وأكثر ما قرن النقاد بين الوزن والقافية وجعل الوزن منطوياً عليها كما يقول ابن رشيق
4- النغم الداخلي للشعر : ويبدو في اختيار الشاعر لألفاظه التي تتجاور حروفها متعاونة منسجمة غير متباعدة المخارج لا يتعثر اللسان بنطقها (غير متشابكة الحروف ) من خلال تراكيب منسجمة موحية خفيفة الظل كقول أحدهم :
سودٌ ذوائبُها بيضٌ ترائبُها محضٌ ضرائبها صيغت من الكرم
وقول الآخر :
عذيري فيك من لاح إذا ما شكوت الحب حرقني ملاما
فلا وأبيك ما ضيعت عهداً ولا فارقت في حبيك ذاما
ومما فسدت موسيقاه وأنغامه الداخلية قول أحدهم :
وقبر حرب بمكاني قفر وليس قرب قبر حرب قبر
وقول الملك الضليل :
( غدائره مستشرزات إلى العلى )
إن الشعر باعتباره تنظيم لنسق من الأصوات اللغوية يجعلنا نتبين النظرة الداعية إلى ضرورة وجود الموسيقى في الشعر على أنها عنصر صميمي من ركائز القصيدة لا عنصر ملحق وإضافي لأن الحد الفاصل بين الشعر والنثر هو الموسيقى وليست المحاولة الرومانتية والرمزية لمطابقة الشعر على الأغنية والموسيقى إلا لأن الموسيقى قد تواكبت في الظهور مع الشعر الغنائي وتعايشت معه كفن واحد عند الشعوب البدائية


المستشار الأدبي
حسين علي الهنداوي
شاعر وناقد
مدرس في جامعة دمشق
دراسات جامعية-في الأدب العربي
صاحب الموسوعة الأدبية (المرصد الأدبي )
حجم الموسوعة( خمس عشرة ألف صفحة )
سوريا -درعا- hoshn55@gmail.com
السيرة الذاتية للمستشار الأدبي(حسين علي الهنداوي)
أ- أديب و شاعر وقاص ومسرحي و ناقد و صحفي
ب- له العديد من الدراسات الأدبية و الفكرية
ج-نشر في العديد من الصحف العربية
د- مدرس في جامعة دمشق - كلية التربية - فرع درعا
ه- ولد الأديب في سوريا – درعا عام 1955 م
و- تلقى تعليمه الابتدائي و الإعدادي و الثانوي في مدينة درعا
ح- انتقل إلى جامعة دمشق كلية الآداب – قسم اللغة العربية و تخرج فيها عام 1983
ك- حائز على إجازة في اللغة العربية
ص-حائز على دبلوم تأهيل تربوي جامعة دمشق
ع- عمل محاضراً لمادة اللغة العربية في معهد إعداد المدرسين - قسم اللغة العربية في مدينة درعا
ف- انتقل إلى التدريس في المملكة العربية الســـعودية عام (1994 /2000 ) في مدينتـــي عنيزة و تبوك 0
1- عضو اتحاد الصحفيين العرب
2- عضو اتحاد كتاب الانترنت العرب
3- عضو تجمع القصة السورية
4- عضو النادي الأدبي بتبوك
مؤلفاته :
أ*- الشعر :
1- هنا كان صوتي و عيناك يلتقيان/1990
2- هل كان علينا أن تشرق شمس ثبير/1994
3- أغنيات على أطلال الزمن المقهور /1994
4- سأغسل روحي بنفط الخليج /1996
5- المنشّى يسلم مفاتيح إيلياء/1996
6- هذه الشام لا تقولي كفانا / مخطوط
ب*- القصة القصيرة :
شجرة التوت /1995
ج – المسرح :
1- محاكمة طيار /1996
2- درس في اللغة العربية /1997
3- عودة المتنبي / مخطوط
4- أمام المؤسسة الاستهلاكية / مخطوط
د – النقد الأدبي :
1- محاور الدراسة الأدبية 1993
2- النقد و الأدب /1994
3- مقدمتان لنظريتي النقد و الشعر / مخطوط
4- أسلمة النقد الأدب
هـ - الدراسات الدينية :
1- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الأول
2- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الثاني
3- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الثالث
4- فتاوى و اجتهادات / جمع و تبويب
5- هل أنجز الله وعده !!!!!!
و- موسوعة (المرصد الأدبي) :
1-تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية ( معاني الأدب وعلاقاته)
2 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية قبل الإسلام (العصر الجاهلي )
3 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر صدر الإسلام )
4 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر الخلفاء الراشدين )
5 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر الخلفاء الأمويين)
6 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء العباسيين )
7 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء الأندلسيين )
8 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الدول المتتابعة )
9- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء العثمانيين )
10- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية في (العصر الحديث)
11- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية في (العهد المعاصر)