الأنواع الأدبية
لا نريد أن نتكلم هنا عن الصور الأولى التي خرج فيها التعبير الأدبي, ولكننا إذا نظرنا الآن وجدنا أن كلمة "أدب" يندرج تحتها كثير من صور التعبير، كالقصيدة والقصة والمسرحية والمقالة وما أشبه. وهذه الصور المختلفة من التعبير الأدبي تكوّن ما يسمى بالأنواع الأدبية، فالنوع الأدبي صورة خاصة من صور التعبير، لها بواعثها وأصولها وخصائصها ومجالها. وقد رأينا في الفصل الأول ما بين الأدب والحياة من علاقة, فإذا نحن أردنا أن نعرف السبب في تنوع التعبير الأدبي في هذه الأنواع المختلفة، كان علينا أن ندرس البواعث الحيوية التي اقتضت ذلك.
ويعتقد "هدسون"1 أنه من الممكن تصنيف الحوافز الكبرى الكامنة خلف الأدب في مجموعات تصنيفًا فيه من الدقة ما يلزم الأغراض العلمية تحت أربعة أغراض:
1- رغبتنا في التعبير الذاتي.
2- اهتمامنا بالناس وأعمالهم.
3- اهتمامنا بعالم الواقع الذي نعيش فيه، وبعالم الخيال الذي ننقله إلى الوجود.
4- حبنا للصورة من حيث هي صورة.
فنحن مضطرون اضطرارًا قويًّا لأن ننقل إلى الآخرين أفكارنا ومشاعرنا، ومن هنا وجد الأدب الذي يعبر تعبيرًا مباشرًا عن أفكار الكاتب ومشاعره. ثم إننا نهتم اهتمامًا بالغًا بالرجال والنساء؛ بحياتهم ودوافعهم وعواطفهم وعلاقاتهم، ومن هنا وجد الأدب الذي يعنى بمسرح الأعمال والحياة الإنسانية. ونحن مغرمون بأن نخبر الآخرين بالأشياء التي رأيناها أو تخيلناها، ومن هنا وجد الأدب الوصفي. ونحن نشعر -حيثما تمثل المثير الفني- برضاء خاص في مجرد تشكيل التجربة في صورة جميلة، ومن هنا كان كيان الأدب ذاته من حيث هو فن. والإنسان -كما يقال لنا دائمًا- كيان اجتماعي، وكونه كذلك يجعله غير قادر -بحكم واقع تكوين طبيعته- على أن يحتفظ بتجاربه وملاحظاته وأفكاره وعواطفه وخيالاته لنفسه, ولكنه -على العكس- واقع تحت رغبة ملحة في نقلها إلى من حوله، فالصور الأدبية المختلفة ينظر إليها على أنها ليست سوى قنوات كثيرة شقها الإنسان لنفسه للتخفف من مهمته الاجتماعية خلال وسائل تحقق في ذاتها رغبته البعيدة في المزج بين التعبير, والإبداع الفني. وحين نتقدم بهذه الفكرة في تصنيف الحوافز الأدبية قليلًا يمكننا أن نلمس المجالات المختلفة التي ارتبطت بتلك الصور المختلفة من التعبير، فترتب عليها ظهور تلك الأنواع الأدبية. ويخاطر "هدسون" بتصنيفها في خمس مجموعات:
1- التجارب الشخصية للفرد من حيث هو فرد، وهي الأشياء التي تكون جماع حياته الخاصة، الخارجية والداخلية.
2- تجارب الإنسان من حيث هو إنسان، وهي تلك المشكلات العامة الكبيرة، مشكلات الحياة، والموت، والخطيئة، والقدر، والله، وعلاقة الإنسان بالإنسان، وأمل الجنس الآن وبعد الآن، وما أشبه. وهي تجارب تقع خارج حدود الشخصية في مجملها، وتتصل بالجنس من حيث هو كل.
3- علاقات الفرد بزملائه، أو بالمجتمع العالمي كله، بكل قواه ومشكلاته.
4- عالم الطبيعة الخارجي, وعلاقتنا بهذا.
5- محاولات الإنسان الخاصة للإبداع, والتعبير في نطاق الصور المختلفة للأدب والفن.
وهكذا بالنظر إلى الأدب في ضوء هذا التحليل، والاهتمام بطابع الموضوعات وحدها، يمكننا أن نميز بين خمسة أنواع من الإنتاج:
1- أدب التجربة الشخصية الصرف.
2- أدب الحياة العامة للإنسان من حيث هو إنسان.
3- أدب المجتمع في جميع مظاهره.
4- أدب يصور الطبيعة.
5- أدب يصور الأدب, والفن.
هناك إذن الأدب الذاتي, ويشمل الأنواع المختلفة من الشعر وشعر التأمل والمراثي والمقالة والدراسة التي تكتب عن هذه الأشياء من وجهة نظر شخصية، ثم أدب النقد الأدبي والفني. ثم هناك الأدب الذي نجد الكاتب فيه -بدلا من أن يتعمق نفسه- يمضي خارج ذاته إلى عالم الحياة والنشاط الإنساني الخارجي. وهذا يتضمن التاريخ وفن السيرة وشعر "البالاد" والشعر الملحمي والرواية الخيالية، شعرًا ونثرًا، والقصة والمسرحية. ثم هناك أخيرًا الأدب الوصفي، وهو ذاته ليس قسمًا كبيرًا أو مهمًّا؛ لأن الوصف في الأدب يرتبط عادة بحاجات التعبير الذاتي أو القصصي، كما يخضع في أغلب الأمر لها.
وينبغي في كل هذا التحليل أن يلاحظ أن هذا التقسيم لا يمكن أن يحدث هكذا بحيث ينفصل الغرض الواحد ويستقلّ استقلالًا تامًّا عن الأغراض الأخرى، فالواقع أن أدب التجربة الشخصية يتداخل في كثير من الحالات في أدب الحياة العامة للإنسان. وكذلك الأمر فيما يختص بالمجالات الأخرى، ولكننا نلجأ إلى هذا التقسيم فقط لغرض عملي تعليمي. ومنذ عهد "لسنج"1 الناقد الألماني المشهور في القرن الثامن عشر ظهرت فكرة التمييز بين الأنواع الفنية على أساس من النظر إلى الأداة التي تستخدم لإنجاز هذا الفن أو ذاك. وقد افترق الأدب عن غيره من الفنون الأخرى من حيث إنه يستخدم اللغة أداة التعبير, فاللغة في الحقيقة هي أداة التعبير في كل الأنواع الأدبية، ولكنها تختلف كذلك في طريقة استخدام هذه الأداة، فالشعر كالقصص، يستخدم الألفاظ أداة له، ولكن الألفاظ في الشعر تستخدم على نحو مختلف. فجوانب اللغة التي لا يهتم بها كاتب القصة إلا قليلا، لها أهميتها الأساسية عند الشاعر، فالشاعر يستخدم المعنى العقلي للألفاظ، ولكنه كذلك يستخدم علاقاتها وإيحاءاتها وأصواتها وإيقاعها والصور الموسيقية وغيرها مما تكونه الألفاظ حين يرتبط بعضها ببعض. ومع ذلك فمن الواضح أن هذا لا يكفي للتمييز بين الشعر والأشكال الأدبية الأخرى؛ لأن القصة كذلك تستخدم جوانب للغة لا يستخدمها كاتب النثر العلمي الصرف، كالصوت والإيقاع "وألوان" الألفاظ، وإن كان يستخدمها بدرجة أقل من الشاعر. فهل يكون الفرق بين الأدب الشعري والأدب النثري مجرد فرق في الدرجة؟ هل المسألة مجرد كون الإيقاع أكثر انتظامًا، وأن الاعتماد على الإيحاءات والعلاقات وموسيقى الألفاظ أعظم فيه مما هي عليه في النثر؟ وإذا كان الأمر كذلك, فأين يمكن أن نضع الخط الفاصل بين هذين النوعين من التعبير الأدبي؟
من الأفكار التي شاعت في وقت من الأوقات خطأ أن هناك موضوعات تسمى موضوعات شعرية, وأخرى تسمى موضوعات نثرية، فيقال عندئذ: إن هذا الموضوع من ناقد وكاتب مسرحي ألماني، ويعد أول مسرحي ذا موضوعات الشعر فلا بد أن يكون تناوله تناولًا شعريًّا، وإذا حاول الكاتب -تبعًا لذلك- أن يتناوله تناولًا نثريًّا فإنه يكون عرضة للإخفاق. وكذلك يقال: إن هذا الموضوع هو من موضوعات النثر، فلا بد أن يكون تناوله تناولا نثريا، وإذا حاول الشاعر -تبعًا لذلك- أن يتناوله تناولا شعريا فإنه يكون عرضة للإخفاق، وهذه الفكرة -كما قلت- خاطئة، فليس هناك موضوع مخصص للشعر لا يصلح الشعر إلا فيه، فإن كل موضوع صالح لأن يكون موضوعًا شعريًّا. وقد كانت هذه الفكرة الخاطئة أساسًا للتفريق بين الشعر والنثر على أساس من الموضوع، فيقال: إن الشعر يختلف عن النثر من حيث الموضوعات, وليت هذا كان صحيحًا، فهو يبدو مريحًا من عناء البحث، ولكنه -مع الأسف- لا يمكن أن يكون كذلك؛ لأنه قائم على أساس فكرة خاطئة. قلنا: إن كل موضوع صالح للتناول الشعري, كان علينا أن نعيد النظر في الفرق الذي يمكن أن نميز به الشعر عن النثر. وهو حتى الآن لا يمكن أن يكون فرقا في استخدام الإمكانات الفنية للغة أو عدم استخدامها، وكذلك ليس فرقًا في الموضوعات؛ لأننا لا نأخذ بأن هناك موضوعات خاصة بالشعر. فإذا لم يكن الفرق في اللغة المستعملة، ولا في الموضوعات التي يكتب فيها الشعر والنثر، فهل يتوقع بعد ذلك أن يكون هناك فرق بينهما؟ ليس هناك ما يدعو لليأس، ونستطيع أن نبدأ الآن فنسأل أنفسنا: لماذا يكتب الشاعر، حين يكتب، شعرًا ولا يكتب نثرًا؟ بعبارة أخرى أكان يستطيع أن يكتب نثرًا ولكنه عدل عن ذلك واصطنع هذا النوع من التعبير الشعري؟ الواقع أن الشاعر لا يختار بين الشعر والنثر حين يبدأ عمله الفني، ولكنه يجد نفسه مدفوعًا إلى هذا النوع من التعبير. وما الذي يدفعه؟ ونجيب عن ذلك فنقول: إن حالته الوجدانية هي التي تجعله في وضع يكون فيه التعبير الشعري -فضلا عن أنه أفضل أنواع التعبير عن هذه الحالة- هو التعبير الوحيد الكافي، فالشعر، قبل كل شيء، يعتمد على ما عند الشاعر من "بصيرة" شعرية، وعندئذ لا تكون مادة شعرية في ذاتها، مستقلة عن هذه البصيرة، ولكنها تكون كذلك لأنها دخلت في مجال الحالة الشعرية. والعمل الشعري -تبعًا لنظرية عدم الفصل بين الصورة والمحتوى- لا يتحقق فيه الموضوع مستقلًّا عن الصورة، فموضوع القصيدة، أي قصيدة، هو القصيدة ذاتها. ومعنى هذا أن الموضوع المجرد لا يمكن وصفه بشيء، ولكنه يمكن أن يوصف بأنه شعري حين يتحقق في عمل شعري, فمن خلال بصيرة الشاعر تتمثل المعاني الشعرية. وهذه المعاني لا يمكن أن تظهر إلا في صور والصورة دائمًا مظهر للمعنى. ومن هنا تأتي الصورة الشعرية، أو التعبير الأدبي الشعري، مختلفًا في طريقة استخدامه للغة وإمكاناتها نوعًا من الاختلاف عن التعبير النثري. فالتعبير الأدبي الشعري يختلف عن التعبير النثري باعتبار المصدر الأول, وهو الحالة العقلية، وما يسمى بالحساسية الشعرية. وهكذا نستطيع أيضًا أن نفرق بين الأنواع الأدبية في ضوء تخيلنا لطريقة كل نوع في استخدامه لأداة الأدب: اللغة.
وهذا التقسيم إلى شعر ونثر يندرج تحته تقسيم فرعي لكل قسم، فليس الشعر كله نوعًا واحدًا، وكذلك ليس النثر، بل هناك أنواع شعرية وأنواع نثرية. وسندرس هذه الأنواع في الفصول الآتية، بادئين بالأنواع الشعرية, ولكن هذه الأقسام الفرعية لا يمكن الاعتماد كثيرًا في التفريق بينها على طريقة كل منها في استخدام اللغة؛ لأن الطريقة تكاد تكون متشابهة، ولكن التفريق سيكون بجانب ذلك على أساس آخر من النظر إلى الأصول الفنية لكل نوع، وهذا ما سيظهر في حينه.




المستشار الأدبي
حسين علي الهنداوي
شاعر وناقد
مدرس في جامعة دمشق
دراسات جامعية-في الأدب العربي
صاحب الموسوعة الأدبية (المرصد الأدبي )
حجم الموسوعة( خمس عشرة ألف صفحة )
سوريا -درعا- hoshn55@gmail.com
السيرة الذاتية للمستشار الأدبي(حسين علي الهنداوي)
أ- أديب و شاعر وقاص ومسرحي و ناقد و صحفي
ب- له العديد من الدراسات الأدبية و الفكرية
ج-نشر في العديد من الصحف العربية
د- مدرس في جامعة دمشق - كلية التربية - فرع درعا
ه- ولد الأديب في سوريا – درعا عام 1955 م
و- تلقى تعليمه الابتدائي و الإعدادي و الثانوي في مدينة درعا
ح- انتقل إلى جامعة دمشق كلية الآداب – قسم اللغة العربية و تخرج فيها عام 1983
ك- حائز على إجازة في اللغة العربية
ص-حائز على دبلوم تأهيل تربوي جامعة دمشق
ع- عمل محاضراً لمادة اللغة العربية في معهد إعداد المدرسين - قسم اللغة العربية في مدينة درعا
ف- انتقل إلى التدريس في المملكة العربية الســـعودية عام (1994 /2000 ) في مدينتـــي عنيزة و تبوك 0
1- عضو اتحاد الصحفيين العرب
2- عضو اتحاد كتاب الانترنت العرب
3- عضو تجمع القصة السورية
4- عضو النادي الأدبي بتبوك
مؤلفاته :
أ*- الشعر :
1- هنا كان صوتي و عيناك يلتقيان/1990
2- هل كان علينا أن تشرق شمس ثبير/1994
3- أغنيات على أطلال الزمن المقهور /1994
4- سأغسل روحي بنفط الخليج /1996
5- المنشّى يسلم مفاتيح إيلياء/1996
6- هذه الشام لا تقولي كفانا / مخطوط
ب*- القصة القصيرة :
شجرة التوت /1995
ج – المسرح :
1- محاكمة طيار /1996
2- درس في اللغة العربية /1997
3- عودة المتنبي / مخطوط
4- أمام المؤسسة الاستهلاكية / مخطوط
د – النقد الأدبي :
1- محاور الدراسة الأدبية 1993
2- النقد و الأدب /1994
3- مقدمتان لنظريتي النقد و الشعر / مخطوط
4- أسلمة النقد الأدب
هـ - الدراسات الدينية :
1- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الأول
2- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الثاني
3- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الثالث
4- فتاوى و اجتهادات / جمع و تبويب
5- هل أنجز الله وعده !!!!!!
و- موسوعة (المرصد الأدبي) :
1-تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية ( معاني الأدب وعلاقاته)
2 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية قبل الإسلام (العصر الجاهلي )
3 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر صدر الإسلام )
4 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر الخلفاء الراشدين )
5 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر الخلفاء الأمويين)
6 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء العباسيين )
7 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء الأندلسيين )
8 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الدول المتتابعة )
9- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء العثمانيين )
10- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية في (العصر الحديث)
11- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية في (العهد المعاصر)