صفات الأسلوب في الكتابة الفنية

للجاحظ1 رسالة التربيع والتدوير التي كتبها إلى أحمد بن عبد الوهاب:
1- كان أحمد بن عبد الوهاب مفرط القصر ويدعي أنه مفرط الطول.
كان مربعًا وتحسبه لسعة جفرته2 واستفاظة خاصرته مدورًا، وكان جعد3 الأطراف، قصير الأصابع، وهو في ذلك يدعي البساطة والرشاقة، وأنه عتيق4 الوجه أخمص5 البطن، معتدل القامة، تام العظم، وكان طويل الظهر، قصير عظم الفخذ، وهو مع قصر عظم ساقه يدعي أنه طويل الباد6، رفيع العماد، عادي القامة، عظيم الهامة، قد أعطي البسطة في الجسم والسعة في العلم، وكان كبير السن متقادم الميلاد، وهو يدعي أنه معتدل الشباب حديث الميلاد، وكان ادعاؤه لأصناف العلم على قدر جهله بها. وتكلفه للإبانة عنها على قدر رغبته فيها. وكان كثير الاعتراض. لهجا7 بالمراء. شديد الخلاف. كلفا بالمجاذبة متتابعا في العنود. مؤثرًا للمغالبة، مع إضلال الحجة. والجهل بموضع الشبهة. والخطرفة عند قصر الزاد والعجز عند التوقف. والمحاكمة مع الجهل بثمرة المراء ومغبة فساد القلوب، ونكد الخلاف، وما في الخوض من اللغو الداعي إلى السهو. وما في المعاندة من الإثم الداعي إلى النار. وما في المجاذبة من النكد. وما في المغالبة من فقدان الصواب. وكان قليل السماع غمرا8 وصحفيا غفلا9 لا ينطق عن فكر. ويثق بأول خاطر. ولا يفصل بين اعتزام الغمر واستبصار المحق. يعد أسماء الكتب ولا يفهم معانيها. ويحسد العلماء من غير أن يتعلق منهم بسبب، وليس في يده من جميع الآداب إلا الانتحال لاسم الأدب أطال الله بقاءك وأتم نعمته عليك وكرامته لك، قد علمت حفظك الله أنك لا تحسد على شيء حسدك على حسن القامة، وضخم الهامة، وعلى حور العين، وجودة القد، وعلى طيب الأحدوثة، والصنعة المشكورة، وأن هذه الأمور هي مِنْ خصائصك التي بها تكلف، ومعانيك التي بها تلهج، وإنما يحسد أبقاك الله، المرء شقيقه في النسب، وشقيقه في الصناعة، ونظيره في الجوار على طارف1 قدره أو تالد حظه أو على كرم في أصل تركيبه ومجاري أعراقه، وأنت تزعم أن هذه المعاني خالصة لك، مقصورة عليك، وأنها لا تليق إلا بك ولا تسحن إلا فيك، وأن لك الكل، وللناس البعض، وأن لك الصافي، ولهم المشوب. هذا سوى الغريب الذي لا نعرفه، والبديع الذي لا نبلغه، فما هذا الغيظ الذي أنضجك؛ وما هذا الحسد الذي أكمدك؛ وما هذا الإطراق الذي قد اعتراك؛ وما هذا الهم الذي قد أضناك؟ ".
ب- وكتب بديع الزمان2 الهمداني إلى أبي الطيب في شأن شخص متغير عليه:
"أنا -أطال الله بقاء الشيخ الإمام- بصير بأبناء الذنوب وأولاد الدروب3 أعرفهم بشامةٍ؛ وأثبتهم بعلامةٍ؛ والعلامة بيني وبينهم أن يفسدوا الصنيع على صانعه؛ ويحرفوا الكلم عن مواضعه؛ ويرموا في الحكاية بهم الشكاية، ويجيلوا في الشكاية قدح النكاية4؛ ثم لا يرون النكاية إلا السعاية وإن أعوزهم الصدق مالوا إلى الكذاب، وإن حلم لهم الجد عرضوا باللعب، ومن علاماتهم قبح مقاماتهم، وإيراد ظلاماتهم موارد النصيحة لكبرائهم، ومن آياتهم كثرة جناياتهم على الفضلاء، وشدة حنقهم على من لم يخطرهم بباله، ولا يحطبهم في حباله1، فإذا انضاف إلى ضيق أكنافهم سعة آنافهم2 وإلى قبح مقاماتهم صغر قاماتهم، وإلى خبث محضرهم خبث منظرهم، وإلى صعر خدودهم، غلظ جلودهم3، وإلى لين فقاحهم، غلظ ألواحهم، فذلك من أعلى القوم طبقة في السفال، وأبعدهم غاية في النكال، والذي فاوضني القاضي في معناه جلي في باب ما حكاه، لا يجمع هذه الخصال وقيادة، وينظم هذه الأوصاف وزيادة. فلم يبعد الشيخ عن مثله أن يكذب؟ ألطهارة أصله، أم نجابة نسله، أم خشانة أهله، أم رجاحة عقله، أم ملاحة شكله، أم غزارة فضله؟
ولم يجوز علي ما حكاه؟ ألم يؤوني طريدًا، ويلمني حصيدً4، ويؤنسني وحيدًا، ويصطنعني5 مبديًا ومعيدًا، وكان بقدري أنه إذا رآني أفعل شنيعًا، أو سمع أني ألفظ بمنكر لم يأل6 في تحسين أمري فعل الوالد بولده جهته، ونظر المولى لصنيعه أقرب. والآن إذا عاد الأمر إلى العتاب فهلم إلى الحساب؛ إن كنت أخللت بطرف. من طاعتي من جهة فقد نقصن ما عودني من وجوه. وذلك أنه كان لا يتجاسر أحد على أن يفريني1 عنده، فقد صار يقريني عنده ويبرئ جلده، وكان يقوم قناتي2 فقد صار يحبط حسناتي، وكان يثمر مالي فقد صار يبطل آمالي، وكان يحشد3 لأمري احتشاده لأمره؛ فقد نبذت وراء ظهره، وقد كان يحتمل فقد صار يتحامل، وكان لا يضايقني في الألوف من الدراهم والدنانير، فقد ضايقني في الشعير في حمل بعير. والعبودية ذل اليهودية وذل المردوية4 والإدلال مع الإذلال5. والطاعة مع الإفضال6. فليستأنف الشيخ حالي المولى ليستأنف حال العبد7 والله من وراء التسديد8 ونعم الوكيل".
جـ- ومن فصل كتبه ابن خلدون9 -في أن العرب إذا تغلبوا على أوطان أسرع إليها الخراب- وكان في ذلك متاثرًا بعصبية بربرية أو تكريبة سلت الملك من العرب. وبجالية من عرب المغرب الجاهلين: "والسبب في ذلك أنهم أمة وحشية باستحكام عوائد التوحش وأسبابه فيهم، فصار لهم خلقا وجبلة وكان عندهم ملذودًا، لما فيه من الخروج عن ربقة الحكم، وعدم الانقياد للسياسة، وهذه الطبيعة منافيه للعمران، ومناقضة له، فغاية الأحوال العادية كلها عندهم الرحلة والتغلب، وذلك مناقض للسكون الذي به العمران ومنافٍ له، فالحجر مثلا إنما حاجتهم إليه لنصبه أثاقي1 للقدر فينقلونه من المباني ويخربونها عليه ويعدونه لذلك، والخشب أيضًا إنما حاجتهم إليه ليعمروا به خيامهم، ويتخذوا الأوتاد منه لبيوتهم فيخربوا السقف عليه لذلك، فصارت طبيعة وجودهم منافية للبناء الذي هو أصل العمران. هذا في حالهم على العموم، وأيضًا، فطبيعتهم انتهاب ما في أيدي الناس وأن رزقهم في ظلال رماحهم، وليس عندهم في أخذ أموال الناس حد ينتهون إليه بل كلما امتدت أعينهم إلى مال أو متاع أو ماعون انتهبوه، فإذا ما تم اقتدارهم على ذلك بالتغلب والملك بطلت السياسة في حفظ أموال الناس وخرب العمران. وأيضًا، فلأنهم يتلفون على أهل الأعمال من الصنائع والحرف أعمالهم. لا يرون لها قيمة ولا قسطًا من الأجر والثمن. والأعمال -كما سنذكره- هي المكاسب وحقيقتها وإذا فسدت الأعمال وصارت مجانًا ضعفت الآمال في المكاسب وانقبضت الأيدي عن العمل وابذعر السكان2. وفسد العمران وأيضًا فإنهم ليست لهم عناية بالأحكام وزجر الناس عن المفاسد ودفاع بعضهم عن بعض. إنما همهم ما يأخذونه من أموال الناس نهبًا أو مغرمًا فإذا توصلوا إلى ذلك وحصلوا عليه أعرضوا عما بعده من تسديد أموالهم والنظر في مصالحهم وقهر بعضهم عن أغراض المفاسد وزجر المعترض لها بل يكون ذلك زائدًا فيها لاستسهال الغرم في جانب حصول الغرض فتبقى الرعايا في مملكتهم كأنها فوضى، وحكم الفوضى مهلكة للبشر، مفسدة للعمران. وأيضًا، فهم متنافسون في الرياسة، وقل أن يسلم أحد منهم الأمر لغيره ولو كان أباه أو أخاه أو كبير عشيرته إلا في الأقل وعلى كره من أجل الحياة فيتعدد الحكام منهم والأمراء وتختلف الأيدي على الرعية في الجباية والأحكام فيفسد العمران وينتقض". هذه فصول يجمعها موضوع واحد هو الإنكار والهجاء ومع ذلك فهي دالة على كتاب ثلاثة متمايزين.
1- الجاحظ فقد سلك في رسالته طريق التصوير المضحك، والسخرية المرة، معتمدًا على المقابلات وعرض المتناقضات، يقلب صاحبه بين يديه، ويعبث به، قبل أن يقتله، فإذا به شكل غريب، وخلق عجيب، وغرور وحسد، وجهل ولجاجة، مع حسن القامة وعظم الهامة، وحور العين وطيب الأحدوثة. ثم يلح فيما يتناول، ويبالغ في سرد النكتة، ويدس السم في الدسم حتى تركه صورة أو قصة تضحك القارئين وتعجب المتأدبين على مر العصور. فالجاحظ داهية، ماكر عابث، ساحر. يغيظ عدوه وهو يضحك ملء شدقيه، ويقتله وهو آمن مستريح. دقيق الملاحظة، واسع النظرة بارع في الأسلوب طيعه، خبير بدخائل النفوس. لا يبالي ما ضحى به في سبيل فنه ومآربه. متنوع الثقافة. فيلسوف الحياة يهزأ بها وبالناس ومذاهبهم وعصبياتهم يتأنى فيما يتناول حتى لا يترك لغيره مجالًا لا يتحرج ولا يتشدد، خبر الحياة من جميع نواحيها. فكان صورتها المخلوقة ولغتها الناطقة.
2- وأما البديع فقد هاجم خصمه هجومًا مباشرًا، ونال منه بالسب البذيء إذ رماه بالكذب والجمود، والسفاية، وسوء الخلق، وضعة الأصل وضعف العقل، مع سخرية قليلة بأسلوب إنكاري عنيف. وأخذ يوازن بين حاليه: الأولى أيام كان راضيًا، والثانية بعد أن صار ساخطًا، كل ذلك وهو غاضب عابس الوجه حاقد القلب ثائر العاطفة ليس فيه هدوء الجاحظ ومرونته وسعه صدره وبراعة حيلته، وسلامه أسلوبه. فالبديع، إذا، ذكي، صريح، قوي الطبع، عنيف، هجاء، حريص على المال، ضيق الصدر، شديد الحس، ينصرف ذكاؤه إلى التصوير الفني، وذكاء الجاحظ منصرف إلى الإحاطة النفسية والجسمية. كلاهما يردد.. ولكن ترديد الجاحظ استكمال وتجديد، وترديد البديع تكرار وتصوير. وليس البديع في دهاء الجاحظ ومكره وسخريته، وإن كانت براعته الفنية ممتازة بجزالة العبارة، وقوة التصوير.
3- وأما ابن خلدون فقد ذهب في مهاجمة العرب مذهب العلماء، والمناطقة؛ إذ اعتمد على التقرير، وإقامة الدعوى، وتأييدها بالبراهين، مستعينًا في ذلك بما شهد من أحداث، وعرف من نظريات، في أسلوب عادي بسيط وموجدة متوارية مكبوتة، لا تكاد تظهر، لا يعمد إلى التكرير والتهويل؛ فهو إذًا، رجل عالم وقور، يلقى الحياة بعقله الفاهم، هادئ، له عقله الرياضي المنتظم، بأسلوب رتيب، لا يتنوع، كأنه قياس منطقي مقرر لا يسب خصمه، وإن نال منه بما هو شر من السباب، لم يتوافر له دهاء الجاحظ وبراعته. ولا عنف البديع وجزالته، يستملي الحياة ويكتب، وكلاهما يتصور الحياة ويسطر وهو عالم، وهما أديبان.



المستشار الأدبي
حسين علي الهنداوي
شاعر وناقد
مدرس في جامعة دمشق
دراسات جامعية-في الأدب العربي
صاحب الموسوعة الأدبية (المرصد الأدبي )
حجم الموسوعة( خمس عشرة ألف صفحة )
سوريا -درعا- hoshn55@gmail.com
السيرة الذاتية للمستشار الأدبي(حسين علي الهنداوي)
أ- أديب و شاعر وقاص ومسرحي و ناقد و صحفي
ب- له العديد من الدراسات الأدبية و الفكرية
ج-نشر في العديد من الصحف العربية
د- مدرس في جامعة دمشق - كلية التربية - فرع درعا
ه- ولد الأديب في سوريا – درعا عام 1955 م
و- تلقى تعليمه الابتدائي و الإعدادي و الثانوي في مدينة درعا
ح- انتقل إلى جامعة دمشق كلية الآداب – قسم اللغة العربية و تخرج فيها عام 1983
ك- حائز على إجازة في اللغة العربية
ص-حائز على دبلوم تأهيل تربوي جامعة دمشق
ع- عمل محاضراً لمادة اللغة العربية في معهد إعداد المدرسين - قسم اللغة العربية في مدينة درعا
ف- انتقل إلى التدريس في المملكة العربية الســـعودية عام (1994 /2000 ) في مدينتـــي عنيزة و تبوك 0
1- عضو اتحاد الصحفيين العرب
2- عضو اتحاد كتاب الانترنت العرب
3- عضو تجمع القصة السورية
4- عضو النادي الأدبي بتبوك
مؤلفاته :
أ*- الشعر :
1- هنا كان صوتي و عيناك يلتقيان/1990
2- هل كان علينا أن تشرق شمس ثبير/1994
3- أغنيات على أطلال الزمن المقهور /1994
4- سأغسل روحي بنفط الخليج /1996
5- المنشّى يسلم مفاتيح إيلياء/1996
6- هذه الشام لا تقولي كفانا / مخطوط
ب*- القصة القصيرة :
شجرة التوت /1995
ج – المسرح :
1- محاكمة طيار /1996
2- درس في اللغة العربية /1997
3- عودة المتنبي / مخطوط
4- أمام المؤسسة الاستهلاكية / مخطوط
د – النقد الأدبي :
1- محاور الدراسة الأدبية 1993
2- النقد و الأدب /1994
3- مقدمتان لنظريتي النقد و الشعر / مخطوط
4- أسلمة النقد الأدب
هـ - الدراسات الدينية :
1- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الأول
2- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الثاني
3- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الثالث
4- فتاوى و اجتهادات / جمع و تبويب
5- هل أنجز الله وعده !!!!!!
و- موسوعة (المرصد الأدبي) :
1-تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية ( معاني الأدب وعلاقاته)
2 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية قبل الإسلام (العصر الجاهلي )
3 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر صدر الإسلام )
4 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر الخلفاء الراشدين )
5 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر الخلفاء الأمويين)
6 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء العباسيين )
7 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء الأندلسيين )
8 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الدول المتتابعة )
9- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء العثمانيين )
10- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية في (العصر الحديث)
11- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية في (العهد المعاصر)