الخاطرة الأدبية
أولا-تعريف الخاطرة :
وهي مقالة ضئيلة الحجم ذات موضوع حياتي ، يتناوله الكاتب بيسر وخفّة دون تعمق أو تحليل . وهكذا تصطبع الخاطرة بالصبغة الذاتية ، فتحمل ملامح من شخصية كاتبها ، وتتلون بألوان مزاجه وانفعالته. وقد تعتمد السخرية و التهكّم فتزاداد أسرا وجاذبية . أما أسلوبها فسهل سائغ ملون يمتاز بالرشاقة والطلاوة . وقد شاعت الخاطرة تبعا لطابع السرعة في الحياة ، وانتشرت حتى تمكّنت من زوايا الصحف والمجلات، فصار القراء يترقبونها باهتمام بالغ.
ثانيا - دواعي ظهورها :
وإذا كانت الخاطرة أحد الأنواع النثرية الحديثة التي نشأت وترعرعت في أحضان الصحافة فإنما كان ذلك لأنها وليدة الفكرة الطارئة واللمحة المعبرة فهي أقصر من المقالة ولا تحتاج إلى الحجج والبراهين التي نسوقها في المقالة , لأنها تعبر عن فكرة جزئية عابرة أو شعور طارئ أو انفعال سريع , فلا تعرض الفكرة كاملة من وجودها كلها بل تكتفي بلمحة معبرة لا تحتاج إلى الأخذ والرد أو وضع الأسانيد الصحيحة لها وأكثر الخواطر ذات طابع غنائي في أكثر مواضيعها وهذا الفن ( الخاطرة ) يحتاج إلى تركيز شديد وذكاء حاد وفطنة أخاذة وملاحظة قوية ويقظة دائمة في الوجدان لأن كاتب الخاطرة يختصر بلمحة صغيرة سريعة مشرقة كل ما يعتلج في أفكاره بأسطر قليلة ذات أهمية كبيرة .
ثانيا - أنواع الخاطرة :
1 - العمود الصحفي : ويحتل الطرف الآخر من الصفحة ويتحدث عن قضية من القضايا
2 - دبابيس: وهي وخز لقضية نت القضايا الاجتماعية ، أو السياسية أو الاقتصادية ،أو غير ذلك
3- على موعد :خطاب نثري فني يتحدث عن أور من الأمور
رابعا -من كتابها:
من كتّابها رشاد رشدي ، وصدقي إسماعيل ، وزكريا تامر ، ومحمد الماغوط، ونزار قباني ،وغادة السمّان..
والخاطرة من الأنواع النثرية الحديثة التي نشأت في حجر الصحافة, ولكنها تختلف عن المقال من عدة وجوه:
فالخاطرة ليست فكرة ناضجة وليدة زمن بعيد، ولكنها فكرة عارضة طارئة.
وليست فكرة تعرض من كل الوجوه, بل هي مجرد لمحة.
وليست كالمقالة مجالًا للأخذ والرد، ولا هي تحتاج إلى الأسانيد والحجج القوية لإثبات صدقها، بل هي أقرب إلى الطابع الغنائي. وما زلت أذكر للأستاذ الدكتور أحمد أمين "وكان من كتاب الخاطرة, وقد جمع خواطره في عدة مجلدات" تلك الخاطرة التي كتبها عن قطعة الورق التي مزقها وهو جالس إلى البحر فحمل الريح أجزاءها وذهب بكل جزء إلى جهة ما, كما تصنع الحياة بالناس ومصائرهم. فهنا لا نجد فكرة تحتمل الاتفاق أو الاختلاف، ولكنها لمحة ذهنية بمناسبة ذلك الحادث العرضي "تمزيق الورقة" محملة بمشاعر الكاتب.
ثم لا ننسى الاختلاف في الطول، فالخاطرة أقصر من المقال، وهي لا تجاوز كثيرًا نصف عمود من الصحيفة، وعمودًا من المجلة. وإذا ذكرنا الصحيفة والمجلة فإنما نذكرهما لنعود لتقرير أن الخاطرة في وقتنا قد أصبحت عنصرًا صحفيًّا نطالعه في كل جريدة وكل مجلة، والصحف تعطي هذا العنصر عنوانًا ثابتًا؛ لأن الخاطرة تكون عادة -وهي تختلف في ذلك أيضًا عن المقال- بلا عنوان. من هذه العناوين: "فكرة"، "نحو النور"، "شموع تحترق"، "ما قل ودل".. إلخ.
وهذا النوع الأدبي يحتاج في الكاتب إلى الذكاء، وقوة الملاحظة، ويقظة الوجدان، وهو يتمشى مع الطابع الصحفي العام في الاهتمام بالأشياء الصغيرة السريعة وتفضيلها على الكتابات المطولة. وأهميتها تأتي من أنها تستطيع لفت القارئ إلى الأشياء الصغيرة في الحياة، التي لها دلالة كبيرة.
ولنقف الآن وقفة أطول عند خاطرة من خواطر الأستاذ أحمد أمين الممتعة, ومن الطريف أنه نشرها بعنوان: "من غير عنوان"1. يبدأ الكاتب خاطرته بالحديث عن أكلة أكلها فساء هضمها في معدته، فانقبضت نفسه نتيجة لذلك، وتغير مزاجه، وفارقه المرح، وسئم كل شيء حوله، وبرم بمخالطة الناس كما برم بالعزلة عنهم، وكره السكوت كما كره الكلام. وعلى الجملة فقد اسودّ كل شيء في عينيه، فصار يرى العالم متجهمًا، "ثقيل الروح، فاسد المنطق"، يستوي فيه السعيد والشقي، والفقير والغني، والذكي والغبي، فقد سوى بينهم القبر. أما نظام هذا العالم فقد لاح له أنه فوضى، وأما الحياة فكلها فساد، وأما العيش فهذيان وتعلل بالأباطيل، وأما الدنيا فتلعب بالناس لعب الكرة. "وكل شيء في العالم مفترس؛ أسد يفترس ذئبًا، وذئب يفترس حَمَلًا، وإنسان يفترس كل شيء حتى نفسه". ثم زاد تلبّك معدته فزادت نقمته على الحياة. وفي خلال ذلك كانت أقوال قديمة للشعراء تتقاطر في ذهنه، مؤكدة كل المعاني السلبية البشعة التي رآها في العالم وفي الحياة وفي الناس. ثم تناول -كما يقول- دواءً هاضمًا فتغير مزاجه وتغيرت نظرته من النقيض إلى النقيض، فأخذ يهش للحياة، وينظر إلى العالم بوجه منطلق، فإذا العالم يتألق في عينيه جمالًا، ورقة، وعذوبة، وإذا كل شيء حوله يتهلل بالبشر، وإذا الدنيا "قيثارة يوقع عليها شجى الألحان ... ". وكما تقاطرت الأشعار القديمة على ذهنه في الحالة الأولى، تقاطرت أشعار قديمة أخرى في ذهنه، مؤكدة في هذه المرة كل الجوانب الإيجابية المحببة في الحياة. وهنا يقف الكاتب ليتأمل ما حدث في الحالين فيهوله الأمر، ويقول: "رحماك اللهم! إن كان درهم من دواء هاضم يغير وجه العالم، ويحيل السواد بياضًا، والشقاء سعادة، والقبح جمالًا، والظلام نورًا، والحزن سرورًا، فأين الحق؟ ". ومن الواضح أن الكاتب هنا لم يناقش موضوعًا بعينه، ولم يصدر في كتابته عن فكرة محددة ومختمرة في ذهنه، ولم يرد أن يقرر في نفس القارئ وجهة نظر خاصة، فالأمر كله لم يخرج عن ملاحظة حالته المعنوية عندما ساء هضمه وتلبكت معدته، وحالته عندما زال هذا السوء وهذا التلبك. والغريب أن يتم هذا التحول من النقيض إلى النقيض نتيجة لتناوله جرعة دواء هاضم، ولكن الأغرب منه أن نجد الشعراء يتحدثون بلسانه في الحالين، فإذا هم -بما قالوا- يدعمون ذلك التناقش. ومن هنا ينهي الكاتب كلامه بهذا السؤال الكبير: أين الحق؟ وهو يلقي هذا السؤال على القارئ في اللحظة التي يقرر فيها أن يصمت وكأنه يدعو القارئ إلى التأمل في قضية الحياة وموقف الإنسان منها، وكيف أن هذا الموقف قد يتأثر إلى أبعد حد بالحالة التي تكون عليها معدة الإنسان، أليس هذا الأمر مدعاة للسخرية؟! وعلى هذا النحو تصبح الخاطرة المكتوبة -على الرغم من صغر حجمها- عملًا مثيرًا للذهن وممتعًا في الوقت نفسه، فيها من الشعر خاصية التركيز، وعمق النظرة، وحدة الشعور بالأشياء.


المستشار الأدبي
حسين علي الهنداوي
شاعر وناقد
مدرس في جامعة دمشق
دراسات جامعية-في الأدب العربي
صاحب الموسوعة الأدبية (المرصد الأدبي )
حجم الموسوعة( خمس عشرة ألف صفحة )
سوريا -درعا- hoshn55@gmail.com
السيرة الذاتية للمستشار الأدبي(حسين علي الهنداوي)
أ- أديب و شاعر وقاص ومسرحي و ناقد و صحفي
ب- له العديد من الدراسات الأدبية و الفكرية
ج-نشر في العديد من الصحف العربية
د- مدرس في جامعة دمشق - كلية التربية - فرع درعا
ه- ولد الأديب في سوريا – درعا عام 1955 م
و- تلقى تعليمه الابتدائي و الإعدادي و الثانوي في مدينة درعا
ح- انتقل إلى جامعة دمشق كلية الآداب – قسم اللغة العربية و تخرج فيها عام 1983
ك- حائز على إجازة في اللغة العربية
ص-حائز على دبلوم تأهيل تربوي جامعة دمشق
ع- عمل محاضراً لمادة اللغة العربية في معهد إعداد المدرسين - قسم اللغة العربية في مدينة درعا
ف- انتقل إلى التدريس في المملكة العربية الســـعودية عام (1994 /2000 ) في مدينتـــي عنيزة و تبوك 0
1- عضو اتحاد الصحفيين العرب
2- عضو اتحاد كتاب الانترنت العرب
3- عضو تجمع القصة السورية
4- عضو النادي الأدبي بتبوك
مؤلفاته :
أ*- الشعر :
1- هنا كان صوتي و عيناك يلتقيان/1990
2- هل كان علينا أن تشرق شمس ثبير/1994
3- أغنيات على أطلال الزمن المقهور /1994
4- سأغسل روحي بنفط الخليج /1996
5- المنشّى يسلم مفاتيح إيلياء/1996
6- هذه الشام لا تقولي كفانا / مخطوط
ب*- القصة القصيرة :
شجرة التوت /1995
ج – المسرح :
1- محاكمة طيار /1996
2- درس في اللغة العربية /1997
3- عودة المتنبي / مخطوط
4- أمام المؤسسة الاستهلاكية / مخطوط
د – النقد الأدبي :
1- محاور الدراسة الأدبية 1993
2- النقد و الأدب /1994
3- مقدمتان لنظريتي النقد و الشعر / مخطوط
4- أسلمة النقد الأدب
هـ - الدراسات الدينية :
1- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الأول
2- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الثاني
3- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الثالث
4- فتاوى و اجتهادات / جمع و تبويب
5- هل أنجز الله وعده !!!!!!
و- موسوعة (المرصد الأدبي) :
1-تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية ( معاني الأدب وعلاقاته)
2 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية قبل الإسلام (العصر الجاهلي )
3 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر صدر الإسلام )
4 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر الخلفاء الراشدين )
5 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر الخلفاء الأمويين)
6 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء العباسيين )
7 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء الأندلسيين )
8 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الدول المتتابعة )
9- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء العثمانيين )
10- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية في (العصر الحديث)
11- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية في (العهد المعاصر)