فن المقالة

المقالة: وتطلق في الحديث على الموضوع المكتوب الذي يوضح رأيًا خاصًّا وفكرة عامة، أو مسألة علمية أو اقتصادية أو اجتماعية يشرحها الكاتب ويؤيدها بالبراهين. والمقالة من الأدب بمعناه العام أو العلم بمعناه العلوم تقوم على عنصرين رئيسيين: المادة والأسلوب "العبارة"؛ ولها بعد ذلك خطة "أو أسلوب عقلي". ولما كانت المادة من المسائل الفكرية التي ترمي إلى التعليم والإقناع؛ وجب أن تكون صحيحة، بريئة من الأخطاء والتناقض، حتى تؤدي إلى نتائج معقولة ولا بد من الحيطة في تقرير الأحكام والنتائج، فإذا تحقق الاستقرار أمكن تعميم الأحكام وإلا اقتصد الكاتب فيما يقول، وبقدر كمية المعلومات وجدتها تكون قيمة المقالة. وأما خطأ المقالة فهي أسلوبها المعنوي من حيث تقسيمه، وترتيبه لتكون قضاياه متواصلة، بحيث تكون كل قضية نتيجة لما قبلها مقدمة لما بعدها حتى تنتهي جميعًا إلى الغاية المقصودة. وهذه الخطة تقوم على المقدمة والعرض والختام. فالمقدمة تتألف من معارف مسلم بها لدى القراء، قصيرة متصلة بالموضوع معينة عليه بما تعد النفس له، وما تثير فيها من معارف تتصل به. والعرض -أو صلب الموضوع- هو النقط الرئيسية أو الطريقة التي يؤديها الكاتب سواء انتهت إلى نتيجة واحدة أم إلى عدة نتائج هي في الواقع متصلة معًا، وخاضعة لفكرة رئيسية واحدة ويكون العرض منطقيًّا، مقدمًا الأهم على المهم، مؤيدًا بالبراهين، قصير القصص أو الوصف أو الاقتباس، متجهًا إلى الخاتمة
لأنها مناره الذي يقصده. والخاتمة هي ثمرة المقالة عندها يكون السكوت؛ فلا بد أن تكون نتيجة طبيعية للمقدمة والعرض، واضحة صريحة، ملخصة للعناصر الرئيسية المراد إثباتها، حازمة تدل على اقتناع ويقين. لا تحتاج إلى شيء آخر لم يرد في المقالة. وأهم ما يعنينا هنا هو الأسلوب أو العبارة اللفظية، والصفة العامة اللازمة لأسلوب المقالة هي الوضوح، وإن لم يخل من القوة والجمال ونرجئ القول في ذلك إلى مكانه من هذا البحث، ومن كتب المقالات: الفصول ومطالعات للعقاد، وفيض الخاطر لأحمد أمين وحصاد الهشيم للمازني والمختار للبشري. فإذا اتخذنا مقالة -أكاذيب المدينة- لأحمد أمين1، مثلًا تطبيقيًّا لهذا الفن الكتابي، لاحظنا، أولًا، المقدمة التي استغرقت الصفحة الأولى لبيان جانبي المدنية المادي والروحي، وثانيًا هذا العرض الذي سلك فيه طريقة التركيب إذ قال رأيه في الموضوع مقدما، ثم أخذ يؤيده بالبراهين فكرة فكرة، كما كان يفعل ابن خلدون في أهم فصول مقدمته، وقد انتهت به البراهين إلى أن المدنية عرجاء تمشي على ساق واحدة هي الناحية المادية دون الناحية الروحية، وإن علة ذلك ضيق النظر بتغليب القومية على الإنسانية. وثالثًا هذه الخاتمة التي تقوم على الدعوة إلى جعل "الإنسانية" المذهب الذي يعتنقه الجميع ويخضع له كل ما في الحياة حتى يسعد الناس وإلا فالمدينة مجموعة أكاذيب. مهما يكن من قيمة هذه المقالة من الناحية العلمية، فلا شك أن أسلوبها مثال الوضوح الناشئ عن دقة الكلمات، وسهولة التراكيب، وتواصل الفقرات لفظيًّا ومعنويًّا! فكانت العبارة واضحة، بمعونة أو على الرغم من العبارات العلمية.

أولا - تعريفها وعناصرها:
أ - تعريف المقالة : قطعة نثرية ذات طول متوسط يعالج فيها كاتبها من وجهة نظره موضوعا من موضوعات العلم أو الأدب أو الاجتماع أو السياسة ..........
ب -عناصر المقالة : (المادة - والأسلوب - والخطة).
1 - المادة : وهي جملة الحقائق والمعلومات التي يريد كاتب المقالة تقديمها إلى القارئ ومن شروط المادة الجيدة في المقالة صحتها وصدقها وغزارتها وجدّتُها ، حيث تغني عقل القارئ فتقدم له الجديد النافع من الأفكار والمعارف والحقائق التي تقوم المقالة عليها ويشترط بمادة المقالة أن تكون بريئة من الغلط والتناقض مقنعة من حيث التأثير والطرافة والجدةّ والفائدة .
2- الأسلوب : وهو طريقة التعبير التي يختارها الكاتب ، وطريقة إيراد الأفكار وترتيبها وتنسيقها وعرضها ، حيث يأخذ بيد القارئ ويمشي به من فكرة إلى أخرى وفق تسلسل منطقي مقنع مريح ؛ وأساليب الكتاب يختلف بعضها عن بعض ، وطرائقهم التعبيرية تتنوع ، ولكن أسلوب المقالة لا بد أن يتصف بالسهولة والوضوح والبعد عن التكلف والغموض.
3- الخطة : وهي التي تبرز واضحة في المقالة الموضوعية (علمية أو اجتماعية أو فكرية ) فتعطيها شكل المقالة وقالبها ، وقد تتحرر المقالة الأدبية من الخطة فلا تلتزمها . وتقوم الخطة على المقدمة والعرض والخاتمة ؛ أما المقدمة فهي فاتحة المقالة ، بها يمهد الكاتب الطريق أمام موضوعه ، إذ يقدم طائفة من المسلمات أو البدهيات تتصل بالموضوع وتعين القارئ على التهيؤ له . ومن خصائص المقدمة الناجحة أن تكون موجزة مكثفة ، وأن تكون قصيرة فلا تطول كيلا تطغى على العرض الذي هو لبّ المقالة وغايتها . وأما العرض فهو جوهر المقالة ، وفيه يقدم الكاتب آراءه وأفكاره إلى جانب الأدلة والبراهين التي يحتاج إليها في إقناع القارئ ، وقد يشفع كل ذلك بالأمثلة والشواهد . ومن صفات العرض الناجح حسن التسلسل ، وبراعة الترتيب ، ولطف الانتقال وتأتي الخاتمة بعد العرض تلخيصا موجزا بارعا لما جاء في العرض وتأكيدا لما ورد في أثنائه من آراء وموقف . إذْ لا جديد في الخاتمة ، لأن مهمتها التذكير بما سبق و تثبيته في ذهن القارئ.
ج - أنواع المقالة من حيث الهدف :
بعد أن ازدهرت المقالة وانتشرت ، وبعد أن احتلت مكان الصّدارة بين سائر أجناس الكتابة راح كتّابها يتناولون فيها موضوعات شتّى يصعب حصرها، فما من جانب من جوانب الثقافة الإنسانية إلاّ تصدّت له المقالة ، وما من ميدان من ميادين المعرفة إلا خاضته وعالجت شأنا من شؤونه ، كذلك صارت مطيّة أعراض خلجات النفس وخواطر الوجدان وتأملات الفكر، وهكذا تشعبت المقالة أنواعا عديدة تبعاً لمضمونها ، فكان منها المقالة العلمية والأدبية و التاريخية و السياسية وغير ذلك . وسنقتصر القول على أهم أنواعها:
1 - المقالة السياسية
وتتحدث عن موضوعات سياسية كالبحث في نظام الحكم وسياسة الدول وهي تقترب من المقالة العلمية دقةً والاجتماعية اتساعاً وشواهدَ وتقترب من الخطة الحماسية إن تحدثتْ عن جهاد الشعوب وانتشرت كثيراً في الصحف والإذاعات والتلفزيونات وأهم سماتها:
1- سرعة الأسلوب الذي يقفز على الفكر قفزاً
2- قوة الأسلوب من خلال التكثيف
3- جدَّة الأسلوب وجراءته
4 - قوة الأديب في حسن استخدامه للتعبير عن فكرته كلمة وجملة وصورة أدبية
2 - المقالة العلمية
تبحث المقالة العلمية في الموضوعات العلمية بهدف تسهيل العلوم لفهم الناس ولاطلاعهم على حقائق هذه العلوم ، وتمتاز بأن موضوعها علميّ يتصل بحقائق العلوم و قضاياه ، وبأنها ترمي إلى تبسيط هذه الحقائق و تقريبها إلى القارئ ، فقد تغني مقالة علمية واحدة عن قراءة كتاب ، وقد يجد فيها القارئ ما يسدّ حاجته إلى التزوّد بالمعارف والعلوم ؛ أما أسلوبها فيمتاز بدقة العبارة ووضوحها وإيجازها وسهولتها وبعدها عن التعقيد والتكلّف وخلوّها من الصنعة والزخرف. وكاتب المقالة العلمية ينحّي ذاته فيما يكتب ، فلا انفعال ولا خيال. إذ غايته إيصال الحقائق ومخاطبة العقل ، لا إثارة الوجدان وتحريك العواطف، فهي في الوقت نفسه مقالة موضوعيّة. وفي هذه المقالة تبرز الخطة أوضح ما تكون ،فإذا أنت أمام مقدمة وعرض وخاتمة لها حدودها البارزة للعيان. وتتصف هذه المقالة:
أ - بدقة التعبير
ب - بمنطقية العرض
ج- بسرعة وصولها إلى ذهن القارئ
د- غايتها مخاطبة العقل
و- موضوعها العلوم كافة
3 -المقالة الأدبية:
وهي أكثر أنواع المقالات الأدبية ذيوعا وشيوعا ، وتمتاز بأنها ذاتية وليست موضوعية يصدر فيها الكاتب عن نفسه ، ويعبر بها عن مكنون وجدانه ، فتتلون بتلون المشاعر والانفعالات.
أضف إلى ذلك أنّها تعتمد الخيال ، أما أسلوبها فجميل العبارة حسن السبك مختار اللفظ موشح بألوان الصنعة ، وتحتل هذه المقالة المنزلة الأولى لما يبثه فيها الكاتب من عواطف ومشاعر وكاتبها إما شاعر أو أديب مرهف الحس يتحدث عن كل ما يعانيه ويشعر به ومن سماتها:
1- مفعمة بأحاسيس ومشاعر الكاتب
2 -متخمة بخيالاته
3 - تتخلل سطورها شخصية الكاتب
4- أسلوبها أدبي محض
5 –لا تحيد عن منهج المقالة ذات العناصر الثلاثة (المقدمة –العرض - الخاتمة) ، وما يزال شأن هذا النوع من المقالة عالياً في عصرنا تسيطر على الصحف والمجلات والإذاعة والتلفاز والشبكة العنكبوتية تحمل إلى الناس الوعي والمعرفة والخير ؛ عرّفت الناس على مكانة الإنسان في مجتمعه ومكانة الأمة بين الأمم الأخرى وسلّحت الناس بالوعي ومنهج العمل وبينت للناس مسيرة الألم الإنساني وسبل كفاحه على مر العصور ووحدت الرأي العام لهم فارتقى المستوى الثقافي والمعرفي والأدبي والسياسي عند الناس وهيأت للناس قراءة الكتاب وتوزعت بين مقالة منظورة مشاهدة في التلفاز ومسموعة في الإذاعة ومقروءة في الصحف وقد جمعت الشبكة العنكبوتية الأنواع الثلاثة ومقالة الصورة الشخصية: وهي خير ما يمثل هذا النوع؛ إذ إنها تعبير فني صادق عن تجارب الكاتب الخاصة والوراسب التي تتركها انعكاسها الحياة في نفسه. وهي في أحسن حالاتها ضرب من الحديث الشخصي الأليف، والثرثرة والمسامرة، والاعتراف والبوح. ولكنها تمتاز إلى جانب ذلك بروعة المفاجأة وتوقد الذكاء وتألق الفكاهة. ولا تخلو من السخرية الناعمة أو الحادة، تبعا لاتجاه الكاتب وألوان شخصيته. وقد حدد الدكتور زكي نجيب محمود شروط هذا النوع من المقالة واتجاه الكتاب فيها بقوله: من"شروط المقالة الأدبية أن يكون الأديب ناقما، وإن تكون النقمة خفيفة يشيع منها لون باهت من التفكه الجميل. فإن التمست في مقالة الأديب نقمة على وضع من أوضاع الناس فلم تجدها، وإن افتقدت في مقالة الأديب هذا اللون من الفكاهة الحلوة المستساغة فلم تصبه، فاعلم أن المقالة ليست من الأدب الرفيع في كثير أو قليل، مهما تكن بارعة الأسلوب رائعة الفكرة. وإن شئت فاقرأ لرب المقالة الإنكليزية "أديسون" ما كتب، فلن تجده إلا مازجا سخطه بفكاهته، فكان ذلك أفعل أدوات الإصلاح.
4 -المقالة الاجتماعية
وهي مقالة موضوعها اجتماعي حياتي يتصل بقضايا المجتمع وشؤون حياة الناس وقد تقترب من المقالة العلمية إذْ راحت تعالج قضيّة من قضايا المجتمع على أنها علم من علوم الاجتماع كالجريمة أو الزواج أو التربية و التعليم ،, وقد تقترب من المقالة الأدبية إذا نظر كاتبها إلى الموضوع الاجتماعي نظرة ذاتية تمسّ الموضوع مسا هيّنا رقيقا دون تعميق واستقصاد فيرقّ فيها الأسلوب ، وتلين فيها العبارة . وتمتاز هذه المقالة بأنها ذات طابع نقدي إصلاحي، وبأنها تكثر من ضرب الأمثلة وإيراد الشواهد ؛ أما أسلوبها فسهل واضح مبسّط قريب المتناول. وتختص بالموضوعات الاجتماعية وتقارب المقالة العلمية في بحثها بعلم اجتماعي وتباعدها في بحث أمور الناس ومعاشهم وتتصف هذه المقالة:
1-سعة أفق موضوعاتها
2 - وفرة الشواهد والأمثال
3 - شيوع النقد فيها
4 - بروز المنهج الإصلاحي على غيره
5 - أسلوبها فطري سهل
5- المقالة الوصفية:
وتعتمد قيمتها الحقيقية على دقة الملاحظة وعلى التعاطف العميق مع الطبيعة الذي لا يحور إلا عاطفية مسرفة. ثم على الوصف الرشيق المعبر الي ينقل أحاسيس الكاتب وصورة الطبيعة كما تنعكس على مرآة نفسه، بصدق وإخلاص. والغاية الأولى في مثل هذه المقالات هي تصوير البيئة المكانية التي يعيش فيها الكاتب كما تتراءى لإنسان عميق الإحساس حاد البصر نافد البصيرة. وهذا الامتزاج مع الطبيعة، والتعبير الإنساني عنه، هو ما يميز مثل هذه المقالة عن مقالات العلماء وأبحاثهم في عالمي النبات والحيوان. ولعل مما يفسد هذه المقالة، ويعصف بقيمتها الفنية، اتجاه الكاتب إلى السفسطة والتفلسف والتحليل والتعليل. فالتصوير الساذج البسيط، هو الخاصة الأولى للمقالة الفنية، كما أنه الخاصة الأولى للقصيدة الغنائية. ومن خير أمثلتها في أدبنا "وحي البحر" و"بجوار شجرة ورد" و"مع الطير" لأحمد أمين و"الصخور" لميخائيل نعيمة و"جمال الطبيعة" للعقاد و"الربيع" للرافعي.
6- وصف الرحلات: وقيمتها متأتية من أنها تصور لنا تأثر الكاتب بعالم جديد لم يألفه، والانطباعات التي تركها في نفسه، ناسه وحيوانه ومشاهده الطبيعية وآثاره، فهي بهذا مغامرة ممتعة تقوم بها روح حساسة في أمكنة جديدة وبين أناس لم يكن لها بهم سابق عهد. والرحالة العابر الذي يكتفي بحسو الطائر لا يستطيع أن يقدم لنا صورة حية عن رحلته، بوسعنا أن نألفها ونتعاطف معها ونعيد تجربته فيها بأنفسنا. بينما الرحالة المتبصر المتأمل، يسحب صفاته العقلية والنفسية على تلك المشاهد التي تقع عليها عينه، ويجمع الملاحظات ويقارن بينها ويتناولها بالنخل والاصطفاء، ويحاول أن يفهم المعاني الحقيقية التي تكمن وراء المرئيات التي تقع عليها عينه. فالرحلة إذن في نظره، ليست سوى تجربة إنسانية حية يتمرس بها ويجعل التعرف إلى دقائقها واستكناه خفاياها وكده، فيخرج منها أكثر فهما وأصدق ملاحظة وأغنى ثقافة وأعمق تأملا. وهي تتطلب منه عقلا حساسا مرنا سريع التأثر والتكيف والاستجابة، بوسعه أن يدرك معاني المرئيات وأن يحللها إلى خصائصها الأساسية ويقدر قيمتها حق قدرها. وشر ما يعتري هذه المقالة تدنى الكاتب إلى العاطفية المسرفة، وتكلفه المواقف التي وقفها غيره أمام المشاهد التي يستوعبها بصره وبصيرته. فهنا التزييف والتصوير والتمويه. ثم إن كتب الجغرافيا وخرائط البلدان، تستطيع أن تقدم للقارئ مادة علمية تتسم بميسم الصدق والدقة، إلا أن هذه الحقائق التي تعرضها على القارئ هي الحقائق العلمية الجافة، التي كثيرا ما تكون عرضة للهدر والتجاوز إذا ما اتسع نطاق الاكتشافات أو ازدادت معرفة العلماء بحقائق هذا الكوكب الذي نعيش عليه. والقارئ الذواقة لا يبحث عن شيء من ذلك، بل يعنيه أن يرى التفسير الذي تجود به شخصية إنسانية ملهمة، دقيقة الإحساس بارعة التصوير لما تجول فيه عيناها من مشاهد المدن والبلدان. وكلما كان الكاتب عميقا في إحساسه دقيقا في تصويره، ازدادت متعة القارئ بما يقرأ ومحاولته أعادة تشكيل التجربة التي مر بها الكاتب في نفسه. ويمثلها في أدبنا "رحلة" لأحمد أمينو"رغيف وإبريق ماء" و"غدا تنتهي الحرب" لميخائيل نعيمة و"في الزورق" للعقاد.
7-مقالة السيرة: وهي صورة حية لإنسان حي. تختلف عن الترجمة في النوع والدرجة الفنية. فكاتب التراجم يعنى بجمع المعلومات وتنسيقها وعرضها عرضا علميا واضحا، ولكنه يتوارى خلف موضوعه، ولا يحاول أن يكشف الغطاء عن شخصيته في كثير أو قليل. أما كاتب السيرة المقالية، فإنه يصور لنا موقفا إنسانيا خاصا من شخصية إنسانية، فيعكس لنا تأثره بها وانطباعاته الخاصة عنها ويحاول أن يخطط معالمها الإنسانية تخطيطا فنيا واضحا، معتمدا على التنسيق والاختيار، بحيث تتراءى لنا الشخصية الموصوفة، وكأنها حية متحركة تحدثنا ونصغي لها وتروقنا بعض صفاتها فنعجب بها أو تسوءنا فننفر منها، ومقالة السيرة بالنسبة إلى السيرة الكبيرة، كالأقصوصة بالنسبة إلى القصة. الأولى تصور شريحة من الحياة أو قطاعا من الشخصية بلمسات سريعة موحية، والثانية تعرض حياة متكاملة، بريشة متأنية بطيئة تعنى بجزئيات الخطوط، وتبرز مختلف الملامح والقسمات بألوان قد تكون فائقة قوية هنا، وباهتة ضعيفة هناك. ومن أمثلتها في أدبنا "شخصية عرفتها" و"الشيخ مصطفى عبد
الزراق" لأحمد أمين و"حافظ" للبشري و"القاسم أمين الفنان" للعقاد و"طه حسين" و"العقاد والمازني" لتيمور.
8-المقالة التأملية: وهي تعرض لمشكلات الحياة والكون والنفس الإنسانية، وتحاول أن تدرسها درسا لا يتقيد بمنهج الفلسفة ونظامها المنطقي الخاص، بل تكتفي بوجة نظر الكاتب وتفسيره الخاص للظواهر التي تحيط به. وخير ما يمثلها في أدبنا الأستاذ ميخائيل نعيمة الذي جعل وكده في مقالاته، الكشف عن روح الشرق وصوفيته العميقة، والتنبيه إلى خصائصه الروحية والفكرية، والتنويه بطاقاته والأخذ بضبع أبنائه حتى يبلغ بهم إلى ميدانهم الأصيل الذي يناسب طبعائهم ويفتح مواهبهم. كما في مقالات أحمد أمين ومنها: "فلسفة المصائب" و"نظرة في الكون" و"الحظ".
9-لمقالة النقدية : في حقول الأدب والفن، وهذا النوع من المقالة، بصورته الشائعة اليوم، ثمرة من ثمرات ظهور المجلات الأدبية. وازدادت حصيلته بازدياد العناية بالموضوعات الأدبية منذ النصف الثاني للقرن الماضي. وتعتمد المقالة النقدية على قدرة الكاتب على تذوق الأثر الأدبي، ثم تعليل الأحكام وتفسيرها وتقويم الأثر بوجه عام. ومن أشهر كتابها عندنا: العقاد والمازني وأحمد أمين وطه حسين.
10-المقالة الفلسفية : وهي تعرض لشئون الفلسفة بالتحليل والتفسير. ومهمة الكاتب هنا دقيقة صعبة؛ إذ عليه أن ينقب عن الأسس الحقيقية للموضوع، وأن ينظر إليها نظرة إنسانية، حتى لا تندثر قيمة مقالته بتقدم العقل الإنساني وتجدد مكتشفاته النظرية. وعليه أن يعرض مادته بدقة ووضوح حتى لا يضل القارئ سبيله في شعاب هذا الموضوع الشائك. وقد اشتهر من كتاب المقالات الفلسفية في أدبنا أحمد لطفي السيد والدكتور زكي نجيب محمود.
11-المقالة التاريخية:
وتعتمد على جمع الروايات والأخبار والحقائق، وتمحيصها وتنسيقها وتفسيرها وعرضها. وللكاتب أن يتجه في كتابتها اتجاها موضوعيا صرفا. تتوارى فيه شخصيته، وله أن يضفي عليها غلالة إنسانية رقيقة، فيوشيها بالقصص، ويربط بين حلقات الوقائع بخياله حتى يخرج منها سلسلة متصلة مستمرة.
12-مقالة العلوم الاجتماعية:
وهي تعرض لشئون السياسة والاقتصاد والاجتماع، عرضا موضوعيا، يعتمد على الإحصاءات والمقارنات، وعلى التحليل والتعليل، والتنبوء في بعض الأحيان.
د- أنواع المقالة من حيث (الذات والموضوع) :
تقسم المقالة هنا إلى
1-المقالة الذاتية : ففي النوع الأول تبدو شخصية الكاتب جلية جذابة تستهوي القارئ وتستأثر بلبه، وعدته في ذلك الأسلوب الأدبي الذي يشع بالعاطفة ويثير الانفعال، ويستند إلى ركائز قوية من الصور الخيالية والصنعة البيانية والعبارات الموسيقية والألفاظ القوية الجزلة. كمقالات المازني في أدبنا. "فكاتب المقالة الذاتية على أصح صورها، هو الذي تكفيه ظاهرة ضئيلة مما يعج به العالم من حوله، فيأخذها نقطة ابتداء، ثم يسلم نفسه إلى أحلام يأخذ بعضها برقاب بعض، دون أن يكون له أثر قوي في استدعائها عن عمد وتدبير، حتى إذا ما تكاملت من هذه الخواطر المتقاطعة صورة، عمد الكاتب إلى إثباتها في رزانة لا تظهر فيها حدة العاطفة، وفي رفق بالقارئ حتى لا ينفر منه نفور الجواد الجموح؛ لأن واجب الأديب الحق أن يخدع القارئ كي يمعن في القراءة كأنما هو يسري عن نفسه المكروبة عناء اليوم أو يزجي فراغه الثقيل، وهو كلما قرأ تسلل إلى نفسه ما شاع في سطور المقالة من نكتة خفية وسخرية هادئة، دون شعور منه بأن الكاتب يعمد في كتابته إلى النكتة والسخرية. فإذا بالقارئ آخر الأمر يضحك، أو يتأثر على أي صورة من الصور، بهذه الصور الخيالية التي أثبتها الكاتب في مقالته. وقد تعجب القارئ: كيف يمكن أن يكون في النفوس البشرية مثل هذه اللفتات واللمحات! ولكنه لن يلبث حتى يتبين أن هذا الذي عجب منه إنما هو جزء من نفسه أو نفوس اصدقائه، فيضجره أن يكون على هذا النحو السخيف، فيكون هذا الضجر منه أولى خطوات الإصلاح المنشود"1. وهذا يعني أن تأملات الكاتب يجب أن تكون ممتعة في ذاتها فلا يحسن أن تكون وسيلة لغاية تختفي بين سطورها، فتوجه المقالة توجيها وعظيا يضعف من قيمتها، بل يقضي عليها بالفناء العاجل ... وهي بهذا تختلف عن البحوث والدراسات؛ لأن هذه تفنى متعتها عندما يستنزف القارئ ما فيها من معلومات أو عندما تتغير بعض الحقائق التي اشتملت عليها، بتقدم العلم، أو اختلاف الأذواق. وليس هذا مصير المقالة بمعناها الأدبي الصحيح؛ إذ إنها في هذه الحالة، لا تشتمل على قيم خارجة عن نطاقها الخاص، أي أنها تكون ممتعة في ذاتها، وبهذا وحده يكتب لها الخلود، لا بما تحتويه من المعلومات الموثوقة أو التحليل العلمي الدقيق. وكذلك لا تقوم المقالة على الجدل والنقاش؛ لأن المجادل يسعى دوما إلى عرض الحقائق كما يراها من زاويته الخاصة، وكما ينسقها بمنطقه الخاص. وهو بهذا يدافع عن رأي ارتآه، أو مذهب اعتنقه. ولكن المقالة لا تعنى بشيء من ذلك، بل تعنى بالتعبير عن تجربة حيوية تمرس بها الكاتب وتقلب على جمرها، ويشترط في كاتب المقالة الذاتية أيضا ألا ينظر إلى الحياة نظرة جادة، بل عليه أن يلمحها بعين ساخرة متسامحة تغضي على القذى وتستمرئ العلقم. فلا يندفع في تيار المواعظ التي تصبح غاية في نفسها، بحيث تمحي معالم شخصية الكاتب فينحرف عن مهمته الأولى وهي التعبير عن نفسه، تعبيرا صادقًا ممتعًا. وهذه المقالة متنوعة تنوع التجارب الإنسانية، متباينة تباين شخصيات الكتاب، فكل كاتب من الكتاب، صورة متميزة بألوانها وخطوطها. وقد تتقارب الألوان وتتلاقى الخطوط، إلا أن كل شخصية تحتفظ بطابعها الخاص وقسماتها الفارقة.
2-والمقالة الموضوعية: وفي النوع الثاني تستقطب عناية الكاتب، ومن ثم القارئ، حول موضوع معين، يتعهد الكاتب بتجليته، مستعينا بالأسلوب العلمي الذي ييسر له ذلك. ومن خصائص هذا الأسلوب الوضوح والدقة والقصد وتسمية الأشياء بأسمائها. ولا يبيح الكاتب لشخصيته وأحلامه وعواطفه أن تطغى على الموضوع. ومن ذلك أنه يضحي بحريته في عرض أحاسيسه الخاصة في سبيل الحفاظ على حدود الموضوع ومنطقه الخاص وبنائه القائم على المقدمات والعرض والنتائج. فمنذ أواخر القرن الماضي، أخذ رجال البحوث العلمية يستعينون بالصورة المعروفة للمقالة الأدبية، لنشر آرائهم وإذاعة نظرياتهم. وقد ضعف شأن المقالة الأدبية الصرف في المائة سنة الأخيرة، وأخذت المقالة الموضوعية تحل محلها، وتعم بين الكتاب بانتشار الصحف والمجلات المتخصصة، حتى شملت جميع فروع العلوم الطبيعية والإنسانية. ونرى في بعض الأحيان، أن بعض الكتاب يتقربون من منهج المقالة الذاتية، وذلك بما يحاولونه من إبراز شخصياتهم وتأثراتهم الخاصة في الموضوع الذي يكتبون. إلا أن الغالب عليها، هو منهج البحث العلمي وما يقتضيه من جمع المادة وترتيبها وتنسيقها، وعرضها بأسلوب واضح جلي، لا يورط القارئ في اللبس، ولا يقوده إلى مجاهل التعمية والإبهام. ولذا يعنى الكاتب بوضع تصميم دقيق وخطة محكمة لما يكتب، حتى لا يضل قارئه السبيل. وقد حدد أحد المؤلفين، خطة المقالة الموضوعية بما يلي: "وأما خطة المقالة "فهي أسلوبها المعنوي من حيث تقسيمه وترتيبه، لتكون قضاياه متواصلة، بحيث تكون كل قضية نتيجة لما قبلها مقدمة لما بعدها حتى تنتهي جميعا إلى الغاية المقصودة. وهذه الخطة تقوم على المقدمة، والعرض والختام. فالمقدمة تتألف من معارف مسلم بها لدى القراء، قصيرة متصلة بالموضوع معينة على فهمه بما تعد النفس له، وما تثير فيها من معارف تتصل به. والعرض -أو صلب الموضوع- هو النقط الرئيسية أو الطريقة التي يؤديها الكاتب، سواء انتهت إلى نتيجة واحدة أم إلى عدة نتائج هي في الواقع متصلة معا، وخاضعة لفكرة رئيسية واحدة. ويكون العرض منطقيا مقدما الأهم على المهم، مؤيدا بالبراهين قصير القصص أو الوصف أو الاقتباس، متجها إلى الخاتمة لأنها منارة الذي يقصده. والخاتمة هي ثمرة المقالة وعندها يكون السكوت، فلا بد أن تكون نتيجة طبيعية للمقدمة والعرض، واضحة صريحة، ملخصة للعناصر الرئيسية المراد إثباتها، حازمة تدل على اقتناع ويقين، لا تحتاج إلى شيء آخر لم يرد في المقالة". وهذا النوع من المقالة، هو اللون الغالب على أدبنا المقالي اليوم، بل على الأدب المقالي في العالم.



المستشار الأدبي
حسين علي الهنداوي
شاعر وناقد
مدرس في جامعة دمشق
دراسات جامعية-في الأدب العربي
صاحب الموسوعة الأدبية (المرصد الأدبي )
حجم الموسوعة( خمس عشرة ألف صفحة )
سوريا -درعا- hoshn55@gmail.com
السيرة الذاتية للمستشار الأدبي(حسين علي الهنداوي)
أ- أديب و شاعر وقاص ومسرحي و ناقد و صحفي
ب- له العديد من الدراسات الأدبية و الفكرية
ج-نشر في العديد من الصحف العربية
د- مدرس في جامعة دمشق - كلية التربية - فرع درعا
ه- ولد الأديب في سوريا – درعا عام 1955 م
و- تلقى تعليمه الابتدائي و الإعدادي و الثانوي في مدينة درعا
ح- انتقل إلى جامعة دمشق كلية الآداب – قسم اللغة العربية و تخرج فيها عام 1983
ك- حائز على إجازة في اللغة العربية
ص-حائز على دبلوم تأهيل تربوي جامعة دمشق
ع- عمل محاضراً لمادة اللغة العربية في معهد إعداد المدرسين - قسم اللغة العربية في مدينة درعا
ف- انتقل إلى التدريس في المملكة العربية الســـعودية عام (1994 /2000 ) في مدينتـــي عنيزة و تبوك 0
1- عضو اتحاد الصحفيين العرب
2- عضو اتحاد كتاب الانترنت العرب
3- عضو تجمع القصة السورية
4- عضو النادي الأدبي بتبوك
مؤلفاته :
أ*- الشعر :
1- هنا كان صوتي و عيناك يلتقيان/1990
2- هل كان علينا أن تشرق شمس ثبير/1994
3- أغنيات على أطلال الزمن المقهور /1994
4- سأغسل روحي بنفط الخليج /1996
5- المنشّى يسلم مفاتيح إيلياء/1996
6- هذه الشام لا تقولي كفانا / مخطوط
ب*- القصة القصيرة :
شجرة التوت /1995
ج – المسرح :
1- محاكمة طيار /1996
2- درس في اللغة العربية /1997
3- عودة المتنبي / مخطوط
4- أمام المؤسسة الاستهلاكية / مخطوط
د – النقد الأدبي :
1- محاور الدراسة الأدبية 1993
2- النقد و الأدب /1994
3- مقدمتان لنظريتي النقد و الشعر / مخطوط
4- أسلمة النقد الأدب
هـ - الدراسات الدينية :
1- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الأول
2- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الثاني
3- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الثالث
4- فتاوى و اجتهادات / جمع و تبويب
5- هل أنجز الله وعده !!!!!!
و- موسوعة (المرصد الأدبي) :
1-تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية ( معاني الأدب وعلاقاته)
2 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية قبل الإسلام (العصر الجاهلي )
3 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر صدر الإسلام )
4 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر الخلفاء الراشدين )
5 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر الخلفاء الأمويين)
6 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء العباسيين )
7 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء الأندلسيين )
8 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الدول المتتابعة )
9- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء العثمانيين )
10- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية في (العصر الحديث)
11- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية في (العهد المعاصر)