ثانياً-ماهية الشعر
1-تعريف الشعر:
الشعر كلام يقوم على الخيال والصورة واختزال الحياة بكلمات ذات وقع روحي نفسي من خلال بلاغة متميزة . وبرغم قدم هذا الفن وانتشاره فإنه ليس من السهل وضع تعريف له, وقد حاول الكثيرون أن يتعرضوا لذلك، وأن يدرسوا طبيعة الشعر، منذ العهد الماضي حتى الوقت الحاضر، فما قروا على تعريف جامع مانع للشعر؛ فالشعر هو الشعر.. هو الشعر.. هو الشعر، أي: إن الشعر في ذاته أو طبيعته لم يتغير، ولكن الذي يتغير هو فهم الأفراد والجماعات له في البيئات والعصور المختلفة. فإذا قلنا: إن كل إنسان يعرف ما الشعر لم نكن مغالين؛ لأنه ليس من السهل حتمًا أن يفهم الناس الشعر فهمًا واحدًا. إن للشعر -كالأدب بعامة- طبيعة مرنة تتشكل بحسب رغبة كل إنسان وفهمه. ونحن حين نتحدث عن الشعر لا نهدف بطبيعة الحال إلى أن نضع تعريفًا له يغني عن غيره من التعريفات، فهذا أمر عسير، فضلًا عن أن تحقيقه لا يجدي كثيرًا. ولكننا سنحاول أن نفهم طبيعة هذا الشعر ونتصور مكانه, ودوره بين الفنون الأخرى. يقص علينا "بول فاليري" هذه القصة فيقول: (إن المصور العظيم "ديجا" كان مغرمًا بأن يكرر لي شيئًا صادقًا كل الصدق، وبسيطًا كل البساطة، كان "مالارميه" قد قاله له ذات مرة، فقد كان من عادة "ديجا" أن ينظم في المناسبات أشعارًا ترك منها نماذج قليلة ممتعة، ولكن كثيرًا ما كان يجد صعوبة كبيرة في كتابة هذا الفن الذي كان بالنسبة له يأتي في المرتبة الثانية بعد فن التصوير.. وذات يوم قال لمالارميه: ما أشق وأصعب مهمتك! إنني لا أستطيع أن أعبر عما أريد التعبير عنه، مع أن عقلي يصطخب بالأفكار, فأجابه "مالارميه": إن الشعر -يا عزيزي ديجا- لا يصنع من الأفكار، ولكنه يصنع من الألفاظ). هذه القصة الطريفة تدلنا بوضوح على أن الشاعر لا يكفيه أن يحصل قدرًا من الأفكار حتى يستطيع أن يقول الشعر. قد تكون شاعرًا بينك وبين نفسك، ولكن الناس لن يعترفوا لك بذلك إلا عندما تقدم الدليل الملموس على ذلك. وليس لك من وسيلة في هذه الحالة إلا "الألفاظ"؛ فنحن لا نحكم على الشاعر إلا بعد أن نقرأ هذه الألفاظ التي كتبها، وفهم طبيعة الشعر يبدأ من هذه المرحلة، مرحلة استخدام الشاعر للألفاظ.
2-طبيعة الشعر:
لكل فن أدبي طبيعة خاصة به تميزه عن كافة الأجناس الأدبية ، وإن الألفاظ ملك لجميع الناس، وهي تستخدم في كل فن من الفنون الأدبية، ولكن كل فن يستخدمها بطريقته الخاصة، فاللغة في الشعر الناجح تبدو "تركيبية"، في حين أنها في النثر "تحليلية"؛ ذلك أن "التركيب" عملية يقتضيها العمل الشعري، في حين أن التحليل تقتضيه الكتابة النثرية. ولماذا يقتضي الشعر التركيب, والنثر التحليل؟ . إن الشعر انفعال والنثر تفكير، وطبيعة الانفعال أنه ينتقل جملة، ولا يثبت للتحليل إلا في يدي الدارس، أما التفكيروالنثر التحليل؟ . إن الشعر انفعال والنثر تفكير، وطبيعة الانفعال أنه ينتقل جملة، ولا يثبت للتحليل إلا في يدي الدارس، أما التفكير المنطقي المنظم فالتحليل ضروري له وإن التجربة الشعرية لا تتكون في النفس على نحو ما يتكون التفكير المنطقي المنظم، ولا هي تتبع الطريق الذي يسلكه ذلك التفكير حتى يخرج في صورة لفظية. إن هذا معنى شعري وذاك منطقي على أساس من اعتبار للتجربة الشعرية عند الشاعر، والفكرة المنطقية عند غير الشاعر، وهو اختلاف جوهري, ولكن ينبغي هنا أن ندرك أن اللغة في مجملها ذات طبيعة تحليلية "أغلب اللغات لها هذه الطبيعة، وبعضها -كاللغة العربية- تركيبي"، ولكن تجربة الشاعر وحده. وهنا تأتي المفارقة في عمل الشاعر؛ لأنه يريد إنتاج تركيب معين من خلال اللغة ذات الطبيعة التحليلية، "وإحداث أثر تركيبي من خلال أداة تحليل يمثل نجاحًا للشاعر، والنثر الذي هو طريقة تعبيرية أكثر ميلا إلى التحليل، لا يتمثل فيه مثل هذه المفارقة بالدرجة نفسها. ولكي يستخدم الشاعر هذه الأداة التي يستخدمها غيره، والتي تتمشى مع أغراضه أكثر مما تسعفه، فإنه يجد نفسه مضطراً في كثير من الحالات لأن يغير من قيمة هذه العملة، وهذا التغيير يحدث أحيانًا على ألسنة الناس أنفسهم، وأحيانًا أخرى نتيجة للضرورات المفاجئة في التعبير الفني, وقد يحدث هذا التغيير من القلم المتردد في يد المؤلف. وكل هذه التغييرات التي يحدثها الشعر في اللغة يجعل منها شيئًا آخر, إنها تصبح لغة شعرية لا أنها في ذاتها لها هذه الخاصية، ولكن لأنها خضعت للتجربة الشعرية في نفس الشاعر، ومقتضيات التعبير عن هذه التجربة . ومن هنا تبين لنا الخطأ في محاولة فهم طبيعة الشعر بجعل مهمته تربية الشبان وتثقيفهم. والذين يأخذون بذلك يخلطون -كما يقول فاليري- بين الآراء العامة والمتعة المباشرة التي يثيرها العمل الفني. إنهم يفهمون العمل الفني على مرحلتين، فلا يفهمون القصيدة أو يتذوقونها من حيث هي شعر تذوقًا مباشرًا، ولكنهم يترجمونها -إذا صح التعبير- إلى النثر أولا، ثم يفهمونها ويتذوقونها ويحكمون عليها أخيرًا من خلال هذا النثر. فهم يعاملون القصيدة كما لو كانت منقسمة إلى عبارة نثرية مكتفية بذاتها وقائمة وحدها من جهة، وإلى قطعة موسيقية خاصة من جهة أخرى، ثم يمضون فيقسمون العبارة بدورها فتنحل في أيديهم إلى متن صغير "قد يقل في بعض الأحيان إلى أن يصل إلى كلمة واحدة أو عنوان العمل ذاته" وإلى كمية من التوابع، كالمحسنات والصور "التفصيلات الجميلة". أما فيما يختص بموسيقى الشعر, فإنهم يقفون منها بعيدًا، فبعضهم يعتقد أنه شيء لا يمكن إغفاله والتهاون فيه، وهي عند بعضهم موضوع لدراسات تجريدية علمية أحيانًا، وغير مثمرة في العموم. فنقل القصيدة من صورتها "الشعرية" إلى صورة "نثرية" يعد قتلا للشعر فيها. والقاعدة العامة التي تقول: إن كل ما يمكن أن يقال في النثر من الأفضل دائمًا قوله نثرًا -وهذا ما يؤكد الفارق الجوهري بين الشعر والنثر- هذه القاعدة تؤكد أن تحويل "العملة الشعرية" إلى "عملة نثرية" غير مستطاع إلا على حساب الشعر ذاته. وكلما كانت القصيدة "شعرية" قل إمكان التفكير فيها "نثريا" دون أن تتلف. فتلخيص القصيدة وصياغتها نثرًا يعد جهلا تاما بجوهر الفن, وليست الأفكار التي تظهر أو يوحي بها نص القصيدة هي الشيء الوحيد والرئيسي في الكلام، ولكنها وسائل تشترك بالتساوي مع الأصوات والإيقاع والانسجام والزخارف في أن تثير نوعًا من التوتر أو الهياج، وأن تخلق فينا عالمًا -أو حالة من الوجود- غاية في التآلف. وتقسيم القصيدة إلى فكرة وصورة موسيقية ينظر إليهما على حدة، هو خطأ ظاهر، فموسيقى القصيدة ليست عملا مستقلا عن الشعور الذي تحتويه، أو هي لا تتم في زمن مستقل لا تتمثل فيه "الحالة" بكل حذافيرها، وإنما هي جزء أساسي لمن يريد تذوق الشعر من حيث هو شعر. ومن ثم يرى "فاليري" أنه إذا كان المعنى والصوت "أو إذا كان المحتوى والصورة" يمكن انفصالهما بسهولة، فإن القصيدة تنحل وتفسد؛ ذلك أن أي تجزيء لعناصر العمل الفني المتكاملة، واعتبار بعضها مستقلا عن بعضها الآخر، هو في الحقيقة إفساد لهذا العمل ولقيمته التعبيرية والشعورية على السواء. فإذا انتفى تقسيم العمل الشعري وتفتيته، كان البحث عن فكرة في القصيدة، والحكم عليها بحسب قيمة هذه الفكرة "من وجهة نظر خاصة دائمًا" أمرًا منافيًا لطبيعة الشعر. إن الشعر قد يتضمن الأفكار، ولكن دور هذه الأفكار في الشعر يختلف عنه في النثر، فالفكرة في الكتاب الذي نقرؤه تتحدد في أذهاننا في أشكال متقاربة إن لم يكن في شكل موحد، ولكن الفكرة في القصيدة غير ذلك، فليس هناك معنى حقيقي للنص الذي نقرؤه، ولا سلطان للشاعر ذاته حتى نعود إليه فنعرف منه ذلك المعنى الحقيقي؛ لأنه هو نفسه قد لا يستطيع التحديد. "إنه أراد" أولا، وأخذت عليه هذه الإرادة وجوده كله، ولكنه حين لم يستطع التحرك في الخارج وتنفيذ رغباته، راح يتحرك في داخل نفسه. وتتمثل تلك الإرادة في هذه الحركة الداخلية التي امتدت إلى الخارج في صورة لفظية هي ما سميناه القصيدة. ومن ثم قد "يريد" الشاعر شيئًا ويقول شيئًا آخر, وتكون القصيدة عندئذ كالجهاز الذي يستطيع أن يستخدمه كل فرد بأسلوبه وبحسب طرقه؛ وبذلك يفهم كل منا الفكرة في القصيدة على نحو خاص مختلف إلى حد بعيد. إن القصيدة في أبسط تصور لها لا تعدو أن تكون مجموعة من الألفاظ مرتبطة ومنسقة على نحو معين، ولكنها حين تتكون على هذا النحو تكون قد اكتسبت شخصية خاصة لها حيويتها ولها فعاليتها. وهذا الارتباط الخاص للألفاظ هو الذي ينشئ العلاقات الجديدة التي تتمثل لنا في صور التعبير المختلفة، التي تظهر دائمًا في الكتابة الشعرية، وأعني بصفة خاصة تكوين "الصورة"، فالألفاظ في ارتباطها تكون في القصيدة مجموعة من الصور التي تنقل إلينا الشعور أو الفكرة.
3-الانفعال والفكرة في الشعر:
إن للتفريق بين "الانفعال" و"الفكرة" من حيث اتصال الانفعال بالشعر والفكرة بالنثر، أهمية خاصة من حيث القدرة على الوصول لمعنى الشاعرية ، فالواقع أن الصورة الشعرية قد تنقل إلينا انفعال الشاعر "تجربته الشعورية"، ولكنها كذلك قد تنقل إلينا الفكرة التي "انفعل" بها الشاعر، وليست الصورة التي يكوِّنها خيال الشاعر إلا وسيلة من وسائله في استخدام اللغة على نحو يضمن به انتقال مشاعره "انفعالاته وأفكاره" إلينا على نحو مؤثر. ولما كانت الصورة دائمًا تعتمد على الألفاظ الحسية ، فإنها لذلك كانت أقرب شيء إلى إدراكنا. والصورة كما تكون مجموعة من الألفاظ تكون لفظًا واحدًا, والشاعر -في بحثه وتركيبه للصورة- يستخدم اللفظ المفرد كما يستخدم المجموعة من الألفاظ، فالقصيدة مجموعة من الصور تدرس بشيء من التحليل "الصورة الشعرية"؛ لأنها في الحقيقة هي أدواة الشاعر.
4-الوزن والقافية في الشعر:
للوزن والقافية في الشعر أهمية كبيرة لما تبعثانه من نشوة وتطريب في نفس القاريء ، وقد تحدث بشر لن المعتمر عن قوة الوزن والقافية، وتناسبهما، وحسن موقعهما بين الألفاظ، وتلاحم المعاني في الأبيات، يقول بعد أن تحدث عن جودة الألفاظ: "والقافية لم تحل في مركزها وفي نصابها، ولم تصل بشكلها، وكانت قلقة في مكانها نافرة عن موضعها، فلا تكرهها على اغتصاب الأماكن، والنزول في غير أوطانها، فإنك إذا لم تتعاطى قرض الشعر الموزون، ولم تتكلف اختيار الكلام المنثور لم يعبك بترك ذلك أحد، وإن أنت تكلفتك، ولم تكن حاذقًا مطبوعًا.... عابك من أنت أقل عيبًا منك "( البيان والتبيين: الجاحظ 135.1). ويتأثر أبو هلال بما ذكره بشر عن الوزن والقافية، فيقول أبو هلال: "وإن أردت أن تعمل شعرًا، فأحضر المعاني التي تريد نظمها فكرك وأخطرها على قلبك وأطلب لها وزنًا، يتأتى فيه إيرادها، وقافية يحتملها، فمن المعاني ما تتمكن من نظمه في قافية، ولا تتمكن منه في أخرى، أو تكون في هذه أقرب طريقًا، وأيسر كلفة منه في تلك، وإذا عملت قصيدة فهذّبها ونقّحها بإلقاء ما غثَّ من أبياتها، ورثَّ ورذل والاقتصار على ما حسن وفخم، بإبدال حرف منها بآخر أجود منه، حتى تسوّى أجزاءها، وتتضارع هواديها وأعجازها" ( الصناعتين: 133. ) ويذكر ذلك أيضًا ابن رشيق فيقول: "ومنهم يحكم القافية في انتاجه، فينصب قافية بعينها لبيت بعينه من الشعر، مثل أن تكون ثالثة أو رابعة أو نحو ذلك لا يعدو بها ذلك الموضع، إلا أن انحلَّ عنه نظم أبياته، وذلك عيب في الصنعة شديد ونقص بين، لأنه أعنى الشاعر بصير على شيء واحد بعينه، مضيقًا عليه، وداخلًا تحت حكم القافية، وكانوا يقولون: ليكن الشعر تحت حكمك، ولا تكن تحت حكمه.... ومنهم من إذا أخذ في صنعة الشعر كتب عن القوافي ما يصلح لذلك الوزن الذي هو فيه، ثم أخذ مستعملها وشريفها وما سعد معانيه وما وافقها، واطرح ما سوى ذلك، إلا أنه لا بد أن يجمعها، ليكرر فيها نظره، ويعيد عليها تخيره في حين العمل، هذا الذي عليه حذاق القوم.... ومن الشعراء من إذا جاءه البيت عفوًا أثبته ، ثم رجع إليه فنقحه، وصفاه من كدره، وذلك أسرع له، وأخف عليه، وأصح لنظره، وأرخى لباله، وآخر لا يثبت البيت إلا بعد إحكامه في نفسه، وتثقيفه من جميع جهاته، وذلك أشرف للهمة، وأدل على القدرة ... والصواب ألا يصنع الشاعر بيتًا لا يعرف قافيته، غير أني لا أجد في ذلك طبعي جملة، ولا أقدر عليه بل أصنع القسيم الأول على ما أريده، ثم ألتمس في نفس ما يليق به من القوافي بعد ذلك، فأبني عليه القسيم، أفعل ذلك، كما يفعل من يبني البيت كله على القافية، ولم أر ذلك بمخلٍ عليّ، ولا يزيحني عن مرادي، ولا يغير علي شيئًا من لفظ القسيم الأول إلا في الندرة، التي لا يعتدّ بها أو على جهة التنقيح المفرط".( العمدة: ابن رشيق 140، 141.)، وصاحب الصحيفة أول ناقد تحدث عن القافية والوزن في ميزان النقد الأدبي، ثم جاء النقاد بعده لينظروا فيها نظرة نقدية تقوم على التحليل والتعليل حينًا، وعلى تجربة الناقد نفسه في الشعر حينًا آخر كابن رشيق في عمدته.
5-الشعر الذاتي والشعر الموضوعي وأنواعهما:
الشعر اسم جنس يندرج تحته أنواع شعرية كثيرة يختلف بعضها عن بعض. وهذا الاختلاف من شأنه أن يجعل لكل نوع صفات خاصة ينبغي أن تتوافر فيه ولا تكون شرطًا في غيره ؛ فالشعر ينظر إليه -بدءًا- على أنه ينقسم قسمين كبيرين تبعًا لموقف الشاعر. فإذا تناول الشاعر المادة الخام لموضوعه تناولا موضوعيا -أي من حيث هي قائمة خارج شخصيته الخاصة ومستقلة عنها- فإن الشعر قد يكون قصصيا أو وصفيا، فإذا تناولها ذاتيا، أي: من حيث هي -بصفة أولية- تجربة شخصية، فإن الشعر يكون غنائيا. والشعر المسرحي يجمع بين هذين المنحيين، فهو موضوعي بالنسبة للشاعر، ولكنه يعرض المادة عرضًا ذاتيًّا من خلال شخصيات خيالية. أما الشعر القصصي فهو أثر من آثار العصور المتقدمة، وقد قل كثيرًا -إن لم نقل: إنه تلاشى- في العصور الحديثة. وربما كان السبب في قلته هذه أن القصص وجد أسلوب النثر أكثر طواعية وملاءمة، وبذلك اضمحل القصص الشعري أمام القصص النثري في العصر الحديث. فيه عنصر التفكير والعقل. وهنا ظهرت أنواع مختلفة للشعر الغنائي، فهناك الأغنية ، وهي تمثل القسم الغنائي الصرف، ثم هناك أنواع أخرى يمثلها في شعرنا العربي الحديث ما يسمى بالأنشودة، والمرثية ، ويدل النوع الأول على القصيدة الغنائية ذات الطابع العاطفي القوي، وفيها يظهر تأثر الشاعر, وهي محدودة الطول، بخاصة عندما توجه إلى شخصية معنوية، أو عندما تعبر عن المشاعر الشعبية في مناسبة خاصة مهمة. أما النوع الثاني فيدل على ما يعرف في الشعر العربي بقصيدة الرثاء تقريبًا، وهي القصيدة التي تطفح حزنًا وأسًى. أما الملحمة فشعر قصصي طويل، وهي بدورها تنقسم إلى نوعين ظهر أحدهما بعد الآخر. أما النوع الأول فهو "الملحمة التاريخية"،. وأما النوع الثاني للملحمة فهو ما يسمى "الملحمة الأدبية"، وتتميز بأنها لا ترتبط بالتاريخ ، ولكنه يكتبها تحت سيطرة فكرة خاصة به؛ ولذلك كان عنصر الفكرة أساسيا في الملحمة الأدبية. وإذا كانت الملحمة القديمة ألفت لتنشد فإن الملحمة الأدبية إنما ألفت لتقرأ، فالتأثير فيها صادر عن الفكرة وعن طريقة عرضها، ومن ثم كان مؤلفها حريصًا على تماسك الموضوعات التي يطرقها بحيث تقوى الفكر. ومما يؤسف له أننا لا نستطيع هنا أن نتحدث عن الملحمة في الشعر العربي؛ لأن المحقق -حتى الآن- أن هذا النوع الأدبي لم يوجد ولم توجد فكرته عند شاعر عربي معروف، وإن كان من الواجب أن نلتفت هنا إلى أن السير الشعبية قد تضمنت قدرًا كبيرًا من الشعر، يؤدي -إلى حد بعيد- دور الملحمة وقد ورد على سبيل المثال في قصة عاد الأوسط التي رواها عبيد بن شرية الجرهمي- 694- بيتًا من الشعر، في حين يروي وهب بن منبه في كتابه "التيجان" كثيرًا من الشعر على لسان أناس عاصروا تُبّعًا، وكان لهم دور في قصته . وهذا الشعر كله إنما يروي فيه تُبع سيرة حياته كاملة، غزواته وفتوحاته، معاركه وانتصاراته، ممزوجة كلها بتأملاته وآرائه. كما نلمح في هذا الشعر ما يلقي الأضواء على معارف العرب في عصرهم بالنجوم والشعوب والصناعات، نلمح أيضًا عاداتهم وتقاليدهم في السلم والحرب ، وكل هذه الظواهر تمثل الصور التي تمثلت في الملحمة .أما الشعر الغنائي, فإن لدينا منه تراثًا هائلًا إن لم يكن كل تراثنا الشعري غنائيًّا، والحق أننا لا نستطيع أن نتكلم عن هذه الأقسام في الشعر العربي القديم، وهي وإن اتفقت جميعًا في أنها تمثل الشعر الذاتي العاطفي، تختلف فيما بينها من حيث الإطار والبناء الفني، كما أنها تتفاوت في مدى صلتها بالعاطفة وبالفكرة، أما القصيدة الغنائية في الأدب العربي فقد كان لها في كل حالة إطار واحد. ومحاولة الخروج إلى أطر جديدة، كانت في الغالب تتمثل في الشعر الشعبي، كالزجل والقوما وكان وكان وغيرها، أما القصيدة التي تحددت أغراضها منذ وقت مبكر في المدح والرثاء والهجاء والفخر والغزل وما أشبه، فقد استمرت بشكلها التقليدي، حتى عند الشعراء المحدثين الذين كانوا يتبعون تلك التقاليد. وقد أخذ أدباؤنا حديثا في كتابة "القصيدة الطويلة" التي تعد تطورًا للملحمة الأدبية من جهة، ويرتبط بالقصيدة الغنائية من جهة أخرى، فالقصيدة الطويلة هي حلقة التطور التي ينتهي عندها الشعر القصصي, والشعر الغنائي ، والفرق بين القصيدة الطويلة والقصيدة الغنائية فرق في الجوهر. فنحن نسمي القصيدة في العادة قصيدة غنائية، وكان ذلك يعني في الأصل قصيدة من القصر بحيث يمكن تلحينها وغناؤها في فترة معينة، ويمكن تعريف القصيدة الغنائية من وجهة نظر الشاعر بأنها قصيدة تجسم موقفًا عاطفيًّا مفردًا أو بسيطًا. إنها قصيدة تعبر مباشرة عن حالة أو إلهام غير منقطع. أما القصيدة الطويلة فهي قصيدة تربط بمهارة بين كثير من تلك الحالات العاطفية، وإن كان من الواجب هنا أن تصحب المهارة فكرة عامة واحدة، هي في ذاتها تكوّن وحدة عاطفية. وقليل من النقاد من التفت إلى العلاقة بين الطول في الأعمال الفنية وبين التعقيد والعظمة. إن "القصيدة الطويلة" نوع أدبي يعد من جهة تطورًا للقصيدة الملحمية الأدبية، كما أنه في الوقت نفسه يمكن أن يعد تطورًا للقصيدة الغنائية بعد أن تركت بدايتها الغنائية العاطفية الصرف، وتطورت بتطور الحضارة، ودخل فيها العنصر الفكري. ففي "القصيدة الطويلة" تتجمع صفات "الملحمة الأدبية" مع فرق ملحوظ في الطول؛ لأن الملحمة أطول في العادة بكثير. وفيها كذلك تتجمع صفات القصيدة الغنائية الفكرية "الأنشودة بصفة خاصة. إن الشعر المعاصر قد أصبح نشاطًا روحيًّا مصاحبًا للواقع، فهو ليس سوى إبداع فني للواقع. ويستوي أن يكون الواقع هنا خبرة نفسية، أو موضوعًا وصفيًّا، أو قصة تاريخية، أو سوى ذلك. والقصيدة الطويلة حشد كبير من هذه الأشياء "الجاهزة" التي تعيش في واقع الشاعر النفسي، والتي تتجمع وتتضام، ويؤلف بينها ذلك الخلق الفني الجديد ليخرج منها عملا شعريا ضخما. فأنت تجد فيها الخرافة والحقيقة والقصة والواقعة والزمن والخبرة الإنسانية والمعرفة، أو تجد فيها آفاقًا فسيحة متعددة من الحياة. وهذا كله ينتقل من صورته الأصلية أو من ماضيه، ليحتل صورة جديدة، وليستقر في حاضر جديد، وكأنه قد خلق خلقًا آخر. و"الشعر" في القصيدة الطويلة هو ذلك الخلق الآخر، ولا تتجمع هذه الآفاق المتعددة بصورة اعتباطية، وإلا أصبحت أمشاجًا لا لون لها ولا طعم، ولأصبحت القصيدة شيئًا آخر، لا هي بالطويلة ولا بالغنائية، ولكنها تتجمع في خلقها الجديد ليربط بين أجزائها رباطاً حيوياً هو "الفكرة".


المستشار الأدبي
حسين علي الهنداوي
شاعر وناقد
مدرس في جامعة دمشق
دراسات جامعية-في الأدب العربي
صاحب الموسوعة الأدبية (المرصد الأدبي )
حجم الموسوعة( خمس عشرة ألف صفحة )
سوريا -درعا- hoshn55@gmail.com
السيرة الذاتية للمستشار الأدبي(حسين علي الهنداوي)
أ- أديب و شاعر وقاص ومسرحي و ناقد و صحفي
ب- له العديد من الدراسات الأدبية و الفكرية
ج-نشر في العديد من الصحف العربية
د- مدرس في جامعة دمشق - كلية التربية - فرع درعا
ه- ولد الأديب في سوريا – درعا عام 1955 م
و- تلقى تعليمه الابتدائي و الإعدادي و الثانوي في مدينة درعا
ح- انتقل إلى جامعة دمشق كلية الآداب – قسم اللغة العربية و تخرج فيها عام 1983
ك- حائز على إجازة في اللغة العربية
ص-حائز على دبلوم تأهيل تربوي جامعة دمشق
ع- عمل محاضراً لمادة اللغة العربية في معهد إعداد المدرسين - قسم اللغة العربية في مدينة درعا
ف- انتقل إلى التدريس في المملكة العربية الســـعودية عام (1994 /2000 ) في مدينتـــي عنيزة و تبوك 0
1- عضو اتحاد الصحفيين العرب
2- عضو اتحاد كتاب الانترنت العرب
3- عضو تجمع القصة السورية
4- عضو النادي الأدبي بتبوك
مؤلفاته :
أ*- الشعر :
1- هنا كان صوتي و عيناك يلتقيان/1990
2- هل كان علينا أن تشرق شمس ثبير/1994
3- أغنيات على أطلال الزمن المقهور /1994
4- سأغسل روحي بنفط الخليج /1996
5- المنشّى يسلم مفاتيح إيلياء/1996
6- هذه الشام لا تقولي كفانا / مخطوط
ب*- القصة القصيرة :
شجرة التوت /1995
ج – المسرح :
1- محاكمة طيار /1996
2- درس في اللغة العربية /1997
3- عودة المتنبي / مخطوط
4- أمام المؤسسة الاستهلاكية / مخطوط
د – النقد الأدبي :
1- محاور الدراسة الأدبية 1993
2- النقد و الأدب /1994
3- مقدمتان لنظريتي النقد و الشعر / مخطوط
4- أسلمة النقد الأدب
هـ - الدراسات الدينية :
1- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الأول
2- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الثاني
3- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الثالث
4- فتاوى و اجتهادات / جمع و تبويب
5- هل أنجز الله وعده !!!!!!
و- موسوعة (المرصد الأدبي) :
1-تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية ( معاني الأدب وعلاقاته)
2 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية قبل الإسلام (العصر الجاهلي )
3 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر صدر الإسلام )
4 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر الخلفاء الراشدين )
5 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر الخلفاء الأمويين)
6 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء العباسيين )
7 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء الأندلسيين )
8 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الدول المتتابعة )
9- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء العثمانيين )
10- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية في (العصر الحديث)
11- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية في (العهد المعاصر)