- أسلوب الشعر
أ- وقد يكون الأسلوب الأدبي شعرًا، فتبدو فيه مظاهر لفظية تلائم طبيعة هذا الفن الشعري، وإن لم تكن في أصلها خاصة به، بل يشاركه النثر الأدبي فيها إلى حد ما، وبيان ذلك بالإيجاز، أن النثر الأدبي يمتاز من النثر العلمي بدخول عنصر العاطفة "الانفعال" في تكوينه، فكان لذلك آثاره الأسلوبية التي ذكرت في الفصل الماضي، فإذا تجاوزناه إلى الشعر رأينا أن الشعر كذلك يعبر عن العاطفة والفكرة ويتخذ الخيال المصور، العبارة الموسيقية، وسيلة إلى هذه الغاية البيانية، وهذا طبعي إذا كان الفنان -الشعر والنثر والأدبي- أدبًا، يصور العقل والشعور كما سبق بيانه، فليس هناك إذًا تضاد مطلق بين الشعر والنثر، وإنما تقوم الصلة بينهما على اتحاد موضوعي واختلاف شكلي.
ب- ناحية الاتحاد تظهر أن كلا منهما يتناول الموضوعات التي يتناولها صاحبه مما يتصل بالإنسان والطبيعة؟ فالحماسة والعتاب والمدح والهجاء والغزل والرثاء والوصف والاعتذار، فنون الشعر كما هي فنون النثر الأدبي.. وكل منهما يتناول الأشياء بالطريقة الفنية التي تبدو فيها شخصية الأديب، وتكون معرضًا لانفعالاته وأخيلته وعباراته الخاصة ومزاجه الممتاز، وقد رأيت أن العناصر التي يتألف منها النثر الأدبي تتوافر في الشعر أيضًا ومعنى هذا أن طبيعة كل منهما تتصل بالأخرى، وأنهم جميعاً غذاء العقل والشعور، وأن هذه الظواهر اللفظية التي تذكر في أسلوب الشعر إنما تعد فيه أقوى مظهرًا، وأحسن ملاءمة.
جـ- وأما ناحية الاختلاف فتقوم على اعتبار أن النثر تغلب عليه صفة الإفادة والشعر تسوده صفة التأثير؛ فمهما يكن النثر أدبيًّا فنيًّا فإنه ينزع دائما إلى طبيعته التقريرية وأصله العقلي النافع الذي يظهر واضحا في النثر العلمي في حين أن الشعر مهما يكن عقليا فإنه يتشبث دائما بطبيعته الرمزية وأصله الموسيقي الجميل الذي تسمعه حماسة قوية، ونسيبا رقيقا، ووصفا جميلا، ورثاء حزينا، حتى قيل: إن الفكرة أصل في النثر والعاطفة مساعد، وعكس ذلك في الشعر حيث تتصدر العاطفة متكئة على حقيقة تسندها وتبعث فيها الصدق والقوة والبقاء، وعلى ناحية الخلاف الشكلية هذه تقوم المظاهر التي تتراءى في أسلوب الشعر، وهي ظواهر تميزه كما لا كيفا، أي أنها ترى الشعر بدرجة أسمى مما ترد في النثر الأدبي. ولنذكر لأسلوب الشعر هذا المثال من قول شوقي في الأهرام:
قف ناج أهرام الجلال وناد ... هل من بناتك مجلس أو ناد
نشكو ونفزع فيه بين عيونهم ... إن الأبوة مفزع الأولاد
ونبثهم عبث الهوى بتراثهم ... من كل ملق للهوى بقياد
ونبين كيف تفرق الإخوان في ... وقت البلاء تفرق الأضداد
إن المغالط في الحقيقة نفسه ... باغ على النفس الضعيفة عاد
قل للأعاجيب الثلاث مقالة ... من هاتف بمكانهن وشاد
لله أنت! فما رأيت على الصفا ... هذا الجلال، ولا على الأوتاد
لك كالمعابد روعة قدسية ... وعليك روحانية العباد
أسست من أحلامهم بقواعد ... ورفعت ممن أحلاقهم بعماد
تلك الرمال بجانبيك بقية ... من نعمة وسماحة ورماد
وقبل الكلام في الخواص اللفظية نلاحظ أن الانفعال الذي تبعثه هذه الأبيات يتوزع بين الحزن في القسم الأول والإعجاب في الثاني. وذلك لأن القصيدة قيلت في الحفاوة بأديب سوريا الأستاذ أمين الريحاني أيام الاضطرابات التي شملت بلاد الشرق العربي عقب الحرب العظمى، وكانت "مصر" مسرحًا لكثير منها فشكا شاعرنا ذلك في مطلع قصديته. ولعل الإعجاب أسبق انفعال إلى النفس حين ترى الأهرام؛ فبدا واضحا في الأبيات الأخيرة وهذا الاعجاب أحسسته من قبل عند المويلحي، وعند شوقي آخر كلمته المنثورة الواردة في الفصل السابق، ومع ذلك فإنك ترى في النثر المذكور ميلا إلى استخراج العظات والعبر وإلى إيراد الحقائق التاريخية، وبيان اختلاف الرأي فيما تدل عليه الأهرام من مجد ينسب إلى الفراعنة أو ظلم نال المصريين، على أن هذه النماذج النثرية من النوع الذي علا وأخذ يقرب من الشعر حتى كاد ينسى طبيعته الأولى ويعود شعرًا منثورًا. وأول ما يلقانا بعد ذلك هذه العبارات الموسيقية التي تمتاز بالوزن والقافية، ورقة الكلمات أو جزالتها، وتخير التراكيب وتجنب الفضول والابتذال، حتى عادت العبارات أصلح للأسلوب الشعري الجامع بين التهذيب وقوة التأثير. وهذا القدر الذي ذكرناه يسمح لنا أن نتقدم قليلا، فنذكر الخواص الآتية على أنها أشد ظهورًا في الشعر وأقوى به اتصالا:
1- فالوزن أخص ميزات الشعر وأبينهما في أسلوبه ويقوم على ترديد التفاعيل المؤلفة من الأسباب والأوتاد والفواصل، وعن ترديد التفاعيل تنشأ الوحدة الموسيقية للقصيدة كلها، فأبيات شوقي المذكورة آنفًا قائما على هذه التفعيلة -متفاعلن- فلما كررت ثلاث مرات كان الشطر، ولما كررت ستًّا كان البيت أو الوزن الذي يسمى في علم العروض -بحر الكامل- والقصيدة كلها من هذا الوزن.
وللشعر العربي أوزان -أو بحور- أساسية بلغ عددها ستة عشر بحرًا عدا ما استحدث من أوزان مخترعة فصيحة وعامية، منها الطويل، والبسيط، والمديد، والوافر، والهزج، والسريع والخفيف، والمجتث، والرمل، كما هو موضح في علم العروض. وليس معنى ذلك أن النثر خال من الوزن مطلقًا، فلا نزال نحس فيه وزنًا أيضًا وإن كان أقل من وزن الشعر ظهورًا وانتظامًا، فهو في النثر مظهر لقوة العبارة وجمالها تجده في الخطابة ذات العبارة المقسمة المفصلة، وفي الوصف الرائع الرقيق والتقرير الواضح، فإذا رجعت إلى نثر شوقي مثلا في الأهرام تراءى لك هذا الوزن النثرى واضحًا في عبارته المقسمة: "ما أنت يا أهرام، أشواهق أجرام؟ أم شواهد إجرام؟ وأوضاح معالم أم أشباح مظالم؟ " فتجد شواهد إجرام على مثال شواهد إجرام وكلاهما على وزن: فواعل أفعال، وهكذا في الباقي، واقرأ هذه الأسطر لطه حسين متمثلًا معانيها بين أخذ ورد، وجذب ودفع، واستعجال وحماسة وتجد واستفزاز، تحس هذه التيارات النفسية واضحة متتابعة في موسيقى هذه العبارة: "والشعوبية، ما رأيك فيهم، وفيما يمكن أن يكون لهم من الأثر القوي في انتحال الشعر والأخبار؟ " فالكلمة الأولى تقوم وحدها مقام تفعيلة والاستفهام بعدها تفعيلة أخرى تمهيدية وليتها عبارة منسقة انتهت بهم بهذا الوقف والقافية الموسيقية، فلما بدأ يعد ذلك علت موسيقاه وعادت مقسمة تدل على عقيدة قوية، واعتزاز واضح "أما نحن فنعتقد أن هؤلاء الشعوبية قد انتحلوا أخبارًا وأشعارًا كثيرة وأضافوها إلى الجاهليين والإسلاميين" ويظهر أن الوزن ظاهرة طبيعية للعبارة ما دامت تؤدي معنى انفعاليًّا، فقد ثبت في علم النفس أن الإنسان حين يملكه انفعال تبدو عليه ظاهرات جثمانية عملية كاضطراب النبض، وضعف الحركة أو قوتها وسرعة التنفس أو بطئه، وحركة الأيدي قبضًا وبسطا، وهذه نفسها دليل على ما في النفس من قوة قوية طارئة، فاللغة التي تصور هذا الانفعال لا بد أن تكون موزونة، ذات مظاهر لفظية متباينة لتلائم معناها وتكون صداه الصحيح، وسيأتي تفصيل ذلك في الفصل الآتي.
2- والقافية كذلك ظاهرة شعرية تصور المقطع الذي تنتهي به أبيات القصيدة، ويبقى وزنه مرددا آخر كل بيت ليحفظ لها وحدتها أو نغمتها الأخيرة، وقد غلبت على الشعر العربي القديم وحدة القافية والتزامها في جميع الأبيات كما غلبت عليه وحدة الوزن العروضي، وهذه قصيدة شوقي السابقة، جميعها من بحر الكامل، وقافيتها دالية لم يشذ عن ذلك بيت ولا مقطع في آخره ولا شك أن الروي أهم حروف القافية لتكراره بذاته مع حركته الخاصة، على أن القافية تكون في النثر أيضًا وإن لم تكن لازمة، وذلك في الكلام المسجوع حيث تتوارد القوافي على حرف واحد، مع الاعتدال في مقاطع الكلام، كما قال شوقي في الجندي المجهول: "ذلك الغفل في الرمم، صار نارًا على علم، جمع ضحايا الأمم، كما جمع الكتابة القلم أو الكتيبة العلم"2 على أن لو فرضنا تحلل الشعر من وحدة القافية في القصيدة وترك النثر حيلة السجع، فلا زال هناك حسن الانتهاء آخر البيت أو الفقرة وفيه يجب أن تتوافر نغمة ملائمة قد تتحقق بحروف الوصل أو الخروج أو الردف التي تجعل الوقف لينًا رشيقًا كقول الشاعر:
وإذا المنية أنشبت أظفارها ... ألفيت كل تميمة لا تنفعُ
فالوصل هو هذه الواو المولدة عن إشباع حركة العين في "تنفع" وهي علامة الراحة وحسن الانتهاء؛ ومن ذلك ما ورد في آخر رسالة للجاحظ كتبها إلى قليب المغربي يعاتبه: "والله يا قليب لولا أن كبدي في هواك مقروحة، وروحي بك مجروحة، لساجلتك هذه القطيعة، وماددتك حبل المصارمة، وأرجو الله تعالى أن يُديل صبري، من جفائك، فيردك إلى مودتي، وأنف القِلا راغم، فقد طال العهد بالاجتماع، حتى كدنا نتناكر عند اللقاء".
3- كذلك كلمات الشعر يجب أن تكون منتقاة، غير مبتذلة، تدل بجرسها وبمعناها على ما تصور من أصوات، وألوان، أو نزعات نفسية، وبذلك يحاول الشعر أن يكتسب صفة الموسيقى والرسم وبخاصة حين تحكي الكلمات صوت الطبيعة أو الحركة، أو تكون ذات صفة حسية، فقد رأيت في وصف الأهرام كلمات الروعة، والجلال، والقدسية والروحانية، وإذا قرأت لابن المعتز قوله يصفُ سحابة:
وسارية لا تمل البكا ... جرى دمعها في خدود الثرى
فلما دنت جلجلت في السما ... ء رعد أجش كجرس الرحا
رأيت كلمات: الخدود وتقدح وبرق وهندية وجلجلت وأجش وجرس الرحا، التي تعد كلمات لونية وصوتية صادقة في نقل ما تعرض له من أوصاف. والنثر الأدبي يحرص على تحقيق هذه الخاصة وإن لم يبلغ فيها مبلغ الشعر لحاجته إلى التقرير النسبي الذي يسدل عليه صفة عقلية تحد من موسيقاه وتصويره. وقد لاحظ ابن الأثير1 أن من الألفاظ ما يحسن استعماله في الشعر دون النثر ومما مثل به لذلك كلمة مشمخر الواردة في قصيدة للبحتري يصف إيوان كسرى:
مشمخر تعلو له شرفات ... رفعت في رءوس رضوى وقدس
ولعل السر في ذلك، عندي، أن مثل هذا اللفظ وجد في موسيقى الشعر أولًا في عدم تقيده بالصفة التقريرية العقلية الواضحة ثانيًا، ما جعله ملائمًا لأسلوب الشعر دون النثر.
4- أما الصور الخيالية كالتشبيه، والمجاز، والكناية، والمطابقة، وحسن التعليل فإنها تكون في الشعر أشد قوة وأروع جمالًا، وهي في النثر أميل إلى الإيضاح والإيجاز ثم التأثير أيضًا، لذلك كانت الكناية والاستعارة أكثر ورودًا في النظم وكان التشبيه أكثر دورانًا في النثر وهذا الفرق يقوم كما ذكر على أن وظيفة الشعر التأثير وبعث الانفعال أولًا ووظيفة النثر الإفادة وتغذية العقل أولًا؛ فاحتاج الشعر إلى هذه الصور الخيالية القوية لتكون وسيلته الصالحة، واعتمد عليها النثر حين تفيده في الدقة والوضوح، فإذا غلا النثر وسلك سبيل الشعر في استخدام الأنواع البيانية هذه، كان ذلك منه بعدًا عن طبيعته الأولى ونزوعًا إلى طبيعة الشعر قال البحتري:
إذا ما نسبت الحادثات وجدتها ... بنات زمان أرصدت لبنيه
من أردت الدنيا نباهة خاملٍ ... فلا ترتقب إلا خمول نبيه
فالاستعارة في البيت الأول قائمة على أن الزمان يبتلي الناس بحوادثه وغايتها
التشنيع والبرم بهذه الحادثات لا التفسير والإيضاح حتى إذا قرأت البيت الثاني رأيت في هذه المقابلة مثلا من آثار هذه البلاء وهو أثر سيئ شنيع، ويقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم: $"إنما مثلي ومثلكم كمثل رجل استوقد نارًا فلما أضاء ما حوله جعل الفراش وهذه الدواب التي تقع في النار تقع فيها، فجعل ينزعن ويغلبنه فيقتحمن فيها، فأنا آخذ بحجزكم عن النار وأنتم تقتحمون فيها". فهذا التمثيل البياني يراد به التوضيح والإفهام. فالرسول في إخراج الناس من ظلمات يتهافتون عليها، إلى الهدى والنور كأنه ينزع فراشًا ودوابَّ من نار تتهالك عليها، هذا هو الأصل في كل من النظم والنثر.
5- تراكيب الشعر أكثر حرية في تأليف كلماتها من حيث التقديم والتأخير، وذلك ناشئ عن قصد التوفيق بين وزن الشعر وحركات العبارة فتبدو الجمل في نظام غير طبيعي؛ على أن شيئًا من ذلك قد يكون لغرض معنوي أو فني كالقصر أو التفاؤل. أما النثر فلا يخرج نظم الكلام فيه عن الأصل إلا لباعث معنوي، ومن ذلك في الشعر ما قال المتنبي:
وشيخ في الشباب وليس شيخًا ... يُسمَّى كل ممن بلغ المشيبا
ففصل بين ليس واسمها "كل" وقدم المعمول "شيخًا" على عامله "يسمى" ليستقيم له الوزن ومن ذلك قوله:
وكان أطيب من سيفي مضاجعة ... أشباه رونقة الغيد الأماليد
فأخر اسم كان "أشباه" وأضافه إلى المتصل بضمير السيف ليعود هذا على متقدم في الذكر. ومن ذلك في النثر قول زيادة: "حرام على الطعام والشراب حتى أسويها بالأرض هدمًا وإحراقًا فلنا عليكم السمع والطاعة فيما أحببنا ولكم علينا العدل فيما ولينا" مما التقديم فيه للإلزام والإرهاب أو للقصر والتوكيد.
6- وفي محاولة التوفيق بين الأوزان الشعرية والتراكيب اللغوية، يضطر الشاعر إلى إحدى اثنتين: إما أن يجوز على الأوزان فتنشأ العلل والزحاف، وإما أن يجوز على الكلمات فتنشأ الضرورات، أو الضرائر التي تجوز للشاعر دون الناثر1، ومعنى ذلك أن أسلوب الشاعر يمتاز بجواز قصر الممدود، ومد المقصور، وتحريك الساكن وعكسه، ومنع المصروف وصرف الممنوع، ومجاوزة بعض القوانين النحوية، كل ذلك قصد الملاءمة بين موسيقى الوزن وحركات العبارات فنحو قول الشاعر:
سيروا معًا إنما ميعادكم ... يوم الثلاثاء ببطن الوادي
تغير فيه وزن البسيط فالعروض مجزوءة والضرب مقطوع هذا من جهة، ومن جهة ثانية حذفت همزة "الثلاثاء" كما ترى لتحصيل الوزن، وفي قول امرئ القيس:
ويوم دخلت الخدرَ خدر عنيزة ... فقالت: لك الويلات إنك مرجلي
فصرف كلمة "عنيزة" لضرورة الوزن. ومع ذلك يحسن الشاعر أن ينزه شعره عن الضرورات وكثرة الفصل والتقديم والتأخير بدون داعٍ أدبي حتى لا يشوه شعره أو يتورط في التعقيد، يقول أبو هلال العسكري4: والمنظوم الجيد ما خرج مخرج المنثور في سلامته وسهولته وقلت ضرورته، ومن ذلك قول بعض المحدثين:
وقوفك تحت ظلال السيوف ... أقر الخلافة في دارها
كأنك مطلع في القلوب ... إذا ما تناجت بأسرارها
فكرات طرفك مردودة ... إليك يغامض أخبارها
وفي راحتيك الردى والندى ... وكلتاهما طوع ممتارها
وأقضية الله محتومة ... وأنت منفذ أقدارها
ولأبي العتاهية، والبهاء زهير، والبحتري، وغيرهم أمثلة لهذه المحمودة.
7- ولما كان الشعر أدخل في باب الفن وأشد تمثيلا له كان أميل إلى الإيجاز والقصد في تأليف العبارات؛ فمن حقه الاكتفاء بالعناصر الرئيسية كالمسند والمسند إليه دون التزام الفضلة، وكثرة الروابط مثل حروف العطف، والجر، والضمائر، كذلك يكتفي الشعر بالمقدمات دون النتائج، وعكس ذلك أيضًا، مائلا بذلك إلى الرمز والإشارة واللمحة دون التصريح والتفسير. ولنذكر مثالا لذلك قول المتنبي:
ومراد النفوس أصغر من أن ... تتعادى فيه وأن تتفانى
غير أن الفتى يلاقي المنايا ... كالحاتٍ ولا يُلاقي الهوانا
فإن نثر هذين البيتين يبين لنا العبارات المحذوفة إيجازًا واكتفاء، يقول: إن ما تبتغيه النفوس "من طعام وشراب ولباس" أصغر من أن يحتاج الناس في "الحصول عليه" إلى التعادي والتفاني، ولكن الناس مع ذلك لا يكفون عن التحارب والتباغض فما سر ذلك إذًا؟ السر هو الحرص على الحرية والكرامة والعزة التي "يفضل الإنسان الموت في سبيلها عن أن يقبل المذلة والهوان" مسلمًا راضيًا.
من ذلك ترى مقدار ما بين الشعر والنثر من الفرق في العناية بعناصر العبارة، اكتفاء وإيجاز في الأول، وتصريح واكتمال في الثاني.
8- لأسلوب الشعر بعد ذلك صفة خاصة هي خلاصة هذه الميزات المذكورة مع طبع الشاعر وذوقه، فهو الذي يطبع العبارة بطابع القوة، أو الجمال ويكسبه روح الشاعر وشخصيته الفنية الممتازة، وفيها يحار النقاد ويسمونها مرة عبقرية الشاعر، ومرة أخرى شيئًا يدرك ولا يمكن تعليله وتفسيره تدركه في قوة المتنبي، وجمال البحتري ورقة جرير في النسيب، وسهولة أبي العتاهية والبهاء زهير، ويكفي هنا أن أشير إلى مثل قول جرير:
بان الخليط ولو طووعت ما بانا ... وقطعوا من حِبال الوصلِ أقرانا
حي المنازل إذ لا نبتغي بدلًا ... بالدار دارًا ولا الجيران جيرانا
لا بارك الله في الدنيا إذا انقطعت ... أسباب دنياك من أسباب دنيانا
إن العيون التي في طرفها حور ... قتلتنا ثم لم يحيين قتلانا
يصرعن عن ذا اللب حتى لا حراك به ... وهن أضعف خلق الله إنسانا
وعندي أن مصدر هذه الموسيقى الرائعة الأول هو عاطفة الشاعر الرقيقة التي تبدو هنا في الأسف، والوفاء، وإدراك ما في الجمال من روعة وقوة آثار، وهذه الموسيقى النفسية هي التي استدعت هذا الوزن الغنائي وتلك القافية المطلقة، مع رقة العبارة فتنامت بذلك أسباب الجمل.
اختلاف أساليب الشعر
-1-
وهنا نشير إلى مسألة أخرى هي اختلاف أساليب الشعر باختلاف الموضوعات التي يتناولها؛ إذ كان من الملاحظ أن أسلوب الحماسة أو الفخر قوي جليل، وأن أسلوب العتاب أو النسيب، رقيق جميل، وأسلوب الوصف الطبيعي رائع جذاب؛ فما سبب هذا الاختلاف، وما مظاهره اللفظية؟
من المقرر الثابت أن الشعر فن جميل ينشأ عن الناحية الوجدانية للنفس الإنسانية فيعبر بلغته الكلامية الموسيقية عن أنواع الانفعال والعواطف.
والانفعال قوة وجدانية تسيطر على النفس وتصحبها تغبيرات جثمانية ظاهرة وأخرى عقلية باطنة، واضطرابات عصبية من الممكن أن يلحظها الإنسان في نفسه، وفي غيره، في أحوال الغضب والرضا، والفرح والحزن، والتفاؤل والتشاؤم، والفزع والهدوء، على تفاوت في الكم والكيف، وفي طبيعة الانفعال لذة وألما، وبساطة وتركيبًا إلى غير ذلك. لاحظ الخائف وما يحل به من انقباض عام، وضيق نفسي، وجفاف في الحلق، وخفة في النفس، وارتعاد في العضلات، ثم ضيق دائرة الشعور وقصره على ما يتصل بموضوع الانفعال، وقد يبلغ به الأمر إلى نسيان عهوده ومواثيقه، واكتسابه شخصية أخرى. فالانفعال يؤثر في الجسم والعقل والسلوك سواء أكان خوفًا أم حبًّا، أم بغضًا أم إعجابًا.. ولكن بدرجات مختلفة كما أسلفنا.
ولعلماء النفس كلام كثير في تفسير الانفعالات، وصلتها بالغرائز، وفي أقسامها المختلفة القائمة على أسس متباينة فهي مثلًا لذيذة أو مؤلمة، بسيطة أو مركبة، قوية أو ضعيفة. ولعل أهم ما يعنينا هنا أن هذه الانفعالات -التي هي موضوع الشعر- تختلف في طبيعتها واتجاهها، قوة وضعفًا إيجابًا وسلبًا، إقدامًا وإحجامًا، ويتبع ذلك اختلاف مظاهرها في جسم الإنسان وفي نفسه؛ فالغضب أقوى من الحزن، وهذا أقوى من الأسف، والفرح أقوى من الإعجاب، كل ذلك غالبي؛ لهذا يصحب الغضب مثلًا نشاط عام في القول والعمل يتجه نحو العدو، كما أن الفرح تصحبه حركات طروبة بهيجة، وعبارات مؤثرة وغناء ورقص أحيانًا. والحزن واليأس كثيرًا ما يصحبهما فتور وبكاء. وهذا ينتهي بنا إلى تقسيم الانفعالات الأدبية قسمين رئيسيين: قسم إيجابي أو إقدامي، وقسم سلبي أو إحجامي، فالأول قوة دافعة كالغضب والقلق، والثاني ضعيف متخلف كالحزن والأسف، والخوف في بعض الأحيان.
-2-
وحينما تعرض اللغة لتصوير هذه الانفعالات تصويرًا صادقًا يلائم طبيعتها كانت هذه اللغة موزونة حتما لتكون عبارتها صدى لقوى العواطف والانفعالات التي تؤديها، فهي ذات موسيقى قوية أو ضعيفة، خشنة أو رقيقة ناعمة، منسجمة أو مختلفة، كل تلك ظواهر طبيعية لما يحويه الأسلوب من معنى هو هنا قوة الوجدان أو موسيقاه. ولولا أن عبارات اللغة كلمات موضوعة لمعان فكرية محدودة، لكانت العبارات غناء وألحانًا كما كانت قديمًا، أو كانت موسيقى مجلجلة، أو جميلة مؤثرة، أو متنوعة. ومع ذلك -أو على الرغم من ذلك- نجد العبارات الأدبية تحتال دائمًا -مع تأثرها بالمعاني العقلية- لتكون صورة لموسيقى النفس إلى درجة محمودة. فالكلمات رشيقة ذات جرس خاص، تحكي صوت الطبيعة التي تصفها، والألوان التي تصورها، والجمل موجزة مقسمة حرة في تكوين عناصرها تخضع لشيئين: الصحة النحوية، والموسيقى الأدبية، وعن ذلك نشأت البحور في الشعر، والقافية فيه وفي النثر.. وعن ذلك ينشأ الأسلوب المثالي الذي يختصر في هذه الكلمة القديمة: ائتلاف اللفظ والمعنى. والنتيجة الطبعية لكل ما سبق من:
1- اختلاف درجة الانفعال في القوة.
2- وصدق التعبير عنها باللغة، أن الأسلوب نفسه يختلف باختلاف معناه الوجداني، فالعبارة التي تصور الغضب أو السخط أقوى من تلك التي تعبر عن الحزن أو الخوف أو الوله أو الخذلان. ومعنى هذا أيضًا أن أسلوب الحماسة أو الوعيد أقوى من أسلوب النسيب أو الاعتذار أو الرثاء؛ ونجد وصف الطبيعة أو المدح أو الخمريات أو الحكمة متوسطًا، كما أن الوصف العام الذي يتناول كل شيء مختلف حسبما يتناول من قائع حربية، أو أصوات طبعية، أو حوادث هامة، فهو صادق على كل هذه الفنون. هذا هو القانون العام الذي تخضع له الأساليب الأدبية عامة، وأساليب الشعر خاصة، ولنسرع فنذكر هنا مثالا يوضح ما ذكر. قال بشار بن برد مفتخرًا:
إذا ما غضبنا غضبة مضرية ... هتكنا حجاب الشمس أو قطرت دما
إذا ما أعرنا سيدًا من قبيلةٍ ... ذرا منبر صلى علينا وسلما
وإنا لقوم ما تزال جيادنا ... تاسور ملكا أو تناهب مغنما
فأسمعك هذا الصخب العالي الذي يصور الاعتزاز بالقبيل، كما يصور العنف والتحفز، ويبعث الرهبة في النفوس، وذلك هو ما في نفس الشاعر من انفعال قد طبع العبارة بطابعه أو -على الأصح- خلقها وألفها على وفقه ومثاله، فكانت صداه الصادق، وثوبه اللائق، ولغته الطبيعية الجميلة، وبشار نفسه هو القائل ينسب بمن تدعى "عبدة":
لم يطل ليلي ولكن لم أنم ... ونفى عني الكرى طيف ألم
وإذا قلت لها: جودي لنا ... خرجت بالصمت عن لا ونعم
رفهي يا عبد عني واعلمي ... أنني يا عبد من لحم ودم
إن في بردي جسما ناحلا ... لو توكأت عليه لانهدم
فتحس هنا نفسا متألمة ذليلة تترضى أخرى أقوى منها وأشد، فلان الأسلوب لذلك ورق، وكأنك ترهب بشارًا وتفر منه أولًا، ثم ترق له وتعطف عليه ثانيًا وهو القائل:
هل تعلمين وراء الحب منزلة ... تدنى إليك فإن الحب أقصاني يقول ابن الأثير: "الألفاظ تنقسم في الاستعمال إلى جزلة ورقيقة، ولكل منها موضع يحسن استعماله فيه؛ فالجزل منها يستعمل في وصف مواقف الحروب، وفي قوارع التهديد والتخويف وأشباه ذلك، وأما الرقيق منها فإنه يستعمل في وصف الأشواق وذكر أيام البعاد، وفي استجلاب المودات وملاينات الاستعطاف وأشباه ذلك"1 وربما كانت الدقة العلمية تقتضي أن يعكس الوضع فيقول: إن مواقف الحروب تنتج أسلوبًا ذا ألفاظ جزلة، والأشواق تنشئ أسلوبًا ذا ألفاظ عذبة رقيق. وللقاضي الجرجاني كلام في هذا المعنى تجده في مقدمة الوساطة ومع ذلك هناك أمور يحسن أن نسرع فنلاحظها هنا:
الأول: أن الفن الشعري الواحد يختلف أسلوبه باختلاف معانيه وأنواعه فالنسيب الوصفي يخالف الشاكي الحزين أو الثائر، وكلهما يختلف من القصص، ونحو ذلك يقال في المديح، والحماسة، والهجاء كما يأتي بيانه.
الثاني: أن لشخصية الشاعر تأثيرًا قويًّا في لون الأسلوب فتضيف إليه مزايا خاصة فوق هذه المزايا الموضوعية العامة؛ فرقة النسيب أو العتاب قد تتوارى خلف قوة الشخصية وجفائها كما قد تلحظ عند المتنبي، على أن تفصيل ذلك يلقاك في الباب التالي.
الثالث: أن هذا الاختلاف العام الذي نشعر به في الأساليب يبدو في الكلمات، والصور، والتراكيب، والعبارات مع طيف موسيقي عام، هو في الأصل من عبقرية الشاعر وموسيقى نفسه الشاعرة، وستجد مثلًا لذلك فيما يلي.
-3-
علينا بعد ذلك أن نبين هذه الصلة بين العواطف الإنسانية والفنون الغنائية للشعر، فأي عاطفة تنتج الحماسة، وأيها تنتج العتاب، وأيها تنتج الرثاء؟ وما القاعدة التي يقوم عليها تقسيم الشعر الغنائي إلى فنون مختلفة، وكيف تختلف أساليبه لذلك؟ نستطيع مثلًا، أن نقول: الحماسة ثمرة الغضب أو الطموح، والعتاب ظاهرة المودة والإبقاء، والرثاء نتيجة الحزن والوفاء، والنسيب ينشأ عن المحبة والغزل، والمديح ينشأ عن الإعجاب والاحترام، وهكذا نستطيع رد كل فن إلى عاطفة ما ولكن ذلك تقسيم عام غير دقيق؛ إذ ليست هناك حدود واضحة بين فنون الشعر ولا بين العواطف والانفعالات فكثيرًا ما تتداخل ويمتزج بعضها ببعض، فلا يخلو الغضب من الحزن، ولا يسلم النسيب من الشكوى ولا المديح من الوصف.
لذلك كان من العسير أن نظفر بقاعدة علمية دقيقة لتقسيم مظاهر الوجدان أو لتقسيم الشعر إلى فنونه المختلفة، وهذا هو سبب اضطراب النقاد القدماء والمحدثين في ذكر أبواب الشعر العربي وحصر أقسامه. تجد ذلك في مثل نقد الشعر لقدامه، وديوان الحماسة لأبي تمام، والعمدة لابن رشيق، ومختارات البارودي، وغيرها. ويمكن رد مذاهبهم في التقسيم إلى أصلين:
الأول: أن يذكروا الانفعالات ثم ما تنتجه من فنون كقولهم: قواعد الشعر أربعة: الرغبة وتنتج المدح والشكر، والرهبة وتنتج الاعذار والاستعطاف والطرب وينتج الشوق ورقة النسيب، والغضب وينتج الهجاء والتوعد والعتاب.
الثاني: أن يذكروا الفنون نفسها، ملاحظين ما تثيره من انفعالات في نفوس السامعين، فقالوا: الشعر نسيب، ومدح، وفخر، ووصف إلى غير ذلك. وأما حديثهم عن الأسلوب فكان مقتضبًا غير قائم على أصول نفسية عميقة ولا منظمة. وليس هناك تضاد بين الأصلين في حقيقة الأمر، فعاطفة الشاعر القوية تثير مثلها في نفوس القراء والسامعين بوساطة الأسلوب، لذلك ليس ما يمنع أن نساير القدماء في مذهبهم الأول، ونذكر هنا بعض الانفعالات وما يلابسها من فنون: فالغضب -أو السخط- ينتج الحماسة، والتهديد، والشكوى، والهجاء. والإعجاب ينتج المديح، والوصف الجميل. والحب ينتج النسيب، والمديح والشكران.
والازدراء -أو البغض- ينتج الهجاء. والحزن ينشئ الرثاء والعتاب. والطرب ينشئ الفخر والخمريات. ومطلق الانفعال ينتج الوصف العام أو أي فن من الفنون ويمكننا أن نقول بوجه عام: إن هناك أسلوبًا قويًّا كالحماسة، وأسلوبًا رقيقًا كالنسيب والعتاب وأسلوبًا وسطًا كالمديح والهجاء، ورابعًا مختلفًا كالوصف.
-4-
ولنتقدم قليلًا فنذكر بعض هذه الفنون مشيرين إلى خواصها الأسلوبية.
أولًا: الحماسة
1- الحماسة من حمس بمعنى اشتد وقوي، وفن الحماسة في الشعر هو فن القوة أو فن الأسلوب القوي الشديد، ولسنا بحاجة لنعيد هنا ما أسبقنا من أن هذه القوة مصدرها الأول قوة العاطفة أو الانفعال النفسي الشديد. وإذا نظرنا في حماسة أبي تمام رأينا هذا الفن عنده عريضا يتناول، حقًّا، كل مظاهر القوة في الحياة؛ حربية، وخلقية، واستماعية، وغزلية، وكل نزعة قوية إيجابية تمثل السمو والعزة الفردية والقبلية، من ذلك وصف المعارك وأدواتها وآثارها والحث على القتال والجرأة على الموت، والفخر بالنصر، والاعتذار عن مقاتلة الأقارب، والتأسي للقتلى، والصبر على الشدائد وهجاء الجبان ومدح العصبية والعفة، وهجر المواطن الذليلة، ونفي الضيم والخلوص إلى الحبيب وركوب الصعاب في سبيله.. كل ذلك ونحوه حشده أبو تمام في الباب الأول من مختاراته وبه سمى الديوان جميعه.
2- وطبيعي أن يكون أسلوب الحماسة قويًّا كذلك. فالكلمات قوية الجرس، إيجابية المعنى هي رماح وسيوف، وطن وضرب، وقتل، وأسر وانتصار ودماء وأشلاء ووقائع. والصور تتخذ عناصرها -ألوانها وأجزاءها وحركاتها- من الدماء الجارية، والسيوف اللامعة، والرماح المشتجرة، والجيوش الكثيفة كقطع الليل. والجمل جزلة، موجزة، ضخمة. والعبارة على العموم تحكي موسيقى النفس العالية الإيجابية، ولا يتسع المقام هنا لإيراد مُثل لهذه المعاني الحماسية كلها، ولا بعضها وهي شائعة في كتب المختارات ودواوين الشعراء، وقد مر مثال من قول بشار، وهذا أبو الغول الطهوي يقول:
فدت نفسي وما ملكت يميني ... فوارس صدقوا فيهم ظنوني
فوارس لا يلمون المنايا ... إذا دارت رحى الحرب الزبون
ولا يجزون من حسن بسيء ... ولا يجزون من غلظ بلين
ولا تبلى بسالتهم وإن هم ... صلوا بالحرب حينا بعد حين
هم منعوا حمي الوقبي بضرب ... يؤلف بين أشتات المنون
فنكب عنهم درء الأعادي ... ودووا بالجنون من الجنون
ولا يرعون أكناف الهويني ... إذا حلوا ولا أرض الهدون
فقد جمع في أبياته بين الفخر والوصف، والقصص، ولكنها جميعا تنتهي إلى القوة والبسالة في وزن طروب مرقص، وعبارات جزلة ملائمة..
3- ومن الحماسة قطع تدعى المنصفات يعرف فيها للعدو قوته وصبره أو ظفره كقول زفر بن الحارث الكلابي القيسي في ملحمة مرج راهط المشهورة، وكان الشاعر مع الضحاك بن قيس وقومه يحاربون مروان بن الحكم الأموي ومعه بنو تغلب وفيها انتصر مروان:
وكنا حسبنا كل بيضاء شحمة ... ليالي لا قينا جذام وحميرا
فلما قرعنا النبع بالنبع بعضه ... ببعض أبت عيدانه أن تكسرا
ولما لقينا عصبة تغلبية ... يقودون جردًا للمنية ضمرا
سقيناهم كأسًا سقونا بمثلها ... ولكنهم كانوا على الموت أصبرا
هذه الأبيات على إنصافها، تخيل إليك اصطدام القسي والرماح وملاقاة الفرسان والأقران، وتساقي المنون، والثبات في مواطن الهلاك كأنك تسمع قعقعة السلاح وتشهد مطاردة المقاتلين ومصارع المقتولين ذلك لجزالة الأسلوب وحسن تصويره ما وراءه من عواطف وأفكار فكان عبارات قوية لموضوع قوي.
4- ولبحور الشعر وأوزانه أثر في الأداء وفي قوة الأسلوب وموسيقى العبارة، فقد لوحظ مثلا، أن الطويل3 يتسع للفخر والحماسة ومنه القطعة الثانية وقصيدة السموءل المشهورة:
إذا المرء لم يدنس من اللؤم عِرضُه ... فكل رداء يرتديه جميل
وأن الوافر4 ألين البحور يشتد إذا شددته ويرق إذا رققته، وأكثر ما يجود به النظم في الفخر ومنه القطعة الأولى وقصيدة عمرو بن كلثوم التي يقول فيها:
ملأنا البر حتى ضاق عنا ... وماء البحر نملؤه سفينا
ويمكنك أن تقيس على الحماسة سائر الفنون القوية التي لم يستع المجال هنا للخوض فيها وتمثيلها، كالوعيد، والسخط، والطموح وما إليها.
ثانيًا: النسيب


المستشار الأدبي
حسين علي الهنداوي
شاعر وناقد
مدرس في جامعة دمشق
دراسات جامعية-في الأدب العربي
صاحب الموسوعة الأدبية (المرصد الأدبي )
حجم الموسوعة( خمس عشرة ألف صفحة )
سوريا -درعا- hoshn55@gmail.com
السيرة الذاتية للمستشار الأدبي(حسين علي الهنداوي)
أ- أديب و شاعر وقاص ومسرحي و ناقد و صحفي
ب- له العديد من الدراسات الأدبية و الفكرية
ج-نشر في العديد من الصحف العربية
د- مدرس في جامعة دمشق - كلية التربية - فرع درعا
ه- ولد الأديب في سوريا – درعا عام 1955 م
و- تلقى تعليمه الابتدائي و الإعدادي و الثانوي في مدينة درعا
ح- انتقل إلى جامعة دمشق كلية الآداب – قسم اللغة العربية و تخرج فيها عام 1983
ك- حائز على إجازة في اللغة العربية
ص-حائز على دبلوم تأهيل تربوي جامعة دمشق
ع- عمل محاضراً لمادة اللغة العربية في معهد إعداد المدرسين - قسم اللغة العربية في مدينة درعا
ف- انتقل إلى التدريس في المملكة العربية الســـعودية عام (1994 /2000 ) في مدينتـــي عنيزة و تبوك 0
1- عضو اتحاد الصحفيين العرب
2- عضو اتحاد كتاب الانترنت العرب
3- عضو تجمع القصة السورية
4- عضو النادي الأدبي بتبوك
مؤلفاته :
أ*- الشعر :
1- هنا كان صوتي و عيناك يلتقيان/1990
2- هل كان علينا أن تشرق شمس ثبير/1994
3- أغنيات على أطلال الزمن المقهور /1994
4- سأغسل روحي بنفط الخليج /1996
5- المنشّى يسلم مفاتيح إيلياء/1996
6- هذه الشام لا تقولي كفانا / مخطوط
ب*- القصة القصيرة :
شجرة التوت /1995
ج – المسرح :
1- محاكمة طيار /1996
2- درس في اللغة العربية /1997
3- عودة المتنبي / مخطوط
4- أمام المؤسسة الاستهلاكية / مخطوط
د – النقد الأدبي :
1- محاور الدراسة الأدبية 1993
2- النقد و الأدب /1994
3- مقدمتان لنظريتي النقد و الشعر / مخطوط
4- أسلمة النقد الأدب
هـ - الدراسات الدينية :
1- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الأول
2- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الثاني
3- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الثالث
4- فتاوى و اجتهادات / جمع و تبويب
5- هل أنجز الله وعده !!!!!!
و- موسوعة (المرصد الأدبي) :
1-تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية ( معاني الأدب وعلاقاته)
2 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية قبل الإسلام (العصر الجاهلي )
3 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر صدر الإسلام )
4 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر الخلفاء الراشدين )
5 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر الخلفاء الأمويين)
6 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء العباسيين )
7 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء الأندلسيين )
8 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الدول المتتابعة )
9- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء العثمانيين )
10- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية في (العصر الحديث)
11- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية في (العهد المعاصر)