م-الشعر الحر:
1-ماهية وأبعاد:
نوع جديد من الشعر بعضه موزون وبعضه غير موزون وبعضه الآخر نثر لا وزن له حيث تتداخل النشاطات الإنسانية فيه ، ويؤثر بعضها في بعض ويصعب الفصل بينهما وفي هذا الاتجاه تتحول الفكرة في هذا الشعر إلى خطة أو برنامج عمل يقوم على الانسحاب من المجتمع من جهة والاندماج فيه مرة أخرى والشعر هذا ليس تعبير عن وجدان كتابي ولا تعبير عن الشخصية ولا تعبير عن العصر ؛ منشؤه داخلي خارجي يعتمد الغموض والصعوبة وله طبيعة خاصة من حيث التشكيل الموسيقي والصوري وهو حديث المهرج وغناء المتغني ينساق بما يشبه الرواي ويبنى بناءً سردياً تعرض فيه المادة الباطنية منسابة من خلال علاقات داخلية تقوم على التوازن والتنظيم الدينامي لأنه خرج من نمو له بداية وتطور واكتمل حيث تتشكل نماذجه لدى كل شاعر كلاً متكاملاً وبناءً متماسكاً واحداً وتصبح القصيدة تركيبة نفسية منتهية تقوم على التركيز والتخصص مع رفض العلاقة مع القيم وتزويد المتلقي بنوع خاص من المعرفة والخيال، وفي هذا النوع رؤيا فاحصة لأنه إدراك يتيح لصاحبه النفاذ إلى باطن الحياة وإزاحة النقاب عن باطن الحياة وعن الحقيقة بموقف بلاغي يقوم على المعادل الموضوعي أو البديل الذي يكون التوازن بين المرموز وما يرمز إليه ويجعل الكلمة أقرب إلى التصور من الإشارة وأصبحت هذه الكلمة (رمزاً خاصاً) وسيلة وغاية من خلال تدفق تلقائي للمشاعر. وإذا كان الأدب مظهراً من مظاهر الحياة يتجدد بتجدد العصور والأيام ، فإن معركة القديم والجديد فيه مستمرة وستستمر والشعر كفن مهم في كتاب الأدب دخل هذا الصراع وقد نشأ هذا اللون من الشعر (الحديث ) في أدبنا منذ بداية القرن العشرين وإن شبت ناره بعد الخمسينات من القرن السابق على يد شعراء شباب في العراق (السياب – نازك الملائكة ) وغيرهما ولا يمكن تسميته بالشعر الحر كما شاع على أقلام وألسنة الأدباء وأفضل ما يطلق عليه هو (شعر التفعيلة) لأن الفنون غير المقيدة تعني الفوضى و الركاكة و الابتذال فالحرية غير الممنهجة هي عدو الفن وقد رأى الكثير من الشعراء من خلال اطلاعهم على الشعر الأوروبي من منابعه أو من خلال الترجمة أنه يمكن لهم الكتابة على طريقة هذا الشعر وطرح عمود الشعر، فكتبوا الكثير من القصائد التي تميزت من حيث الشكل بميزات بارزة أهمها
أ-الأوزان الجديدة:
التي تعتمد على(التفعيلة) الركيزة الأساس في بناء القصيدة وزناً هذه التفعيلة لا تزيح قيد أنملة عن البحر الخليلي ولكنها تتوزع في السطر الشعري بحسب تموجات الفكرة بين تفعيلات تكثر وتقل بحسب هذه الإحساس متحررة من الرتابة ومن الأشطر المتساوية والروي الواحد من خلال تناغم مطلق وانسجام تام
ب-وحدة القصيدة:
بعكس قصيدة العمود التي ترى في كل بيت عالماً قائماً بذاته مستقلاً بمعناه له شطران متساويان وقافية وروية ومضمون فكري ولغوي كامل ومستقل تشبيهاً له بالبيت المستقبل القائم على الدعائم والأسس التي تغنيه عن سواه ، فالقصيدة الحديثة حريصة على أن تشكل موضوعاً واحداً تبدأ شرارته في ذهن الشاعر ثم تتوقد خاطرة مفكرة تصب في قصيدة لا يخرج عنها ولا يحيد بحيث تتحول من بذرة إلى شجرة وارفة الظلال
ج-المقطع أو الجملة الموسيقية:
اعتماد نظام الجملة الموسيقية المستقلة، فلا نعود لنسمع نغمة البيت المستقل بل نغمة الجملة أو نغمة المقطع
د-تلوين القافية وتنويعها:
وذلك بتعدد القوافي دون الاستغناء عنها بحيث تكون هذه القافية خيطاً من الخيوط الموسيقية التي تدفق بها القصيدة والتي تشد النص كله بخيط حرير ناعم دقيق يكون مرة ضربة ومرة ضربتين ومرة عدة ضربات.
وتميزت هذه القصائد التفعيلية من حيث المضمون:
أ-الرؤية الجديدة:
التي تخرج بمضمون الشعر من نظرة سطحية تؤدى بعبارة جميلة معنى مألوفا لدى الجميع خالية من الصورة والإيحاء والرؤية الجديدة وذات رنة موسيقية تداعب الأذن والذوق إلى إيحاء بالأشياء دون التصريح بها أو مباشرتها والتلميح بها دون الإشارة إليها ووصف العيون عند جرير والسياب خير دليل على ذلك قال جرير :
إن العيون التي في طرفها حور قتلننا ثم لم يحيين قتلانا
يصرعن ذا اللب حتى لا حراك به وهن أضعف خلق الله أركانا
وعند السياب :
عيناك غابتا نخيل في السحر
وشرفتان راح ينأى عنهما القمر
ب-الرمز والإيحاء:
بحيث ل اتكون المعاني على قدر الألفاظ بل أصبحت هذه الألفاظ توحي بمعان كثيرة تفجر طاقات غزيرة تجرّ وراءَها ظلالاً وألواناً وتحمل أكثر من دلالة وأكثر من فهم وتفسير، فاللفظة أصبحت رمزاً لأشياء متعددة مفتاحاً لجو كامل يزخر بالدلالات والأفكار فالرمز يفجر في الألفاظ طاقات ل اتحملها اللغة المباشرة للشعر .
ج-الغموض الغلالي:
الذي يقود إلى أعماق النص والغوص على الأفكار والصور والتغلغل في المجهول لاصطياد الجديد غير المألوف وارتياد الآفاق التي لم يعرفها الخيال من قبل، أما إذا تحول الغموض إلى تعقيد لا طائل تحته وإغراب لأجل الإغراب فهذا يصبح من عيوب القصيدة التي تتحول من غمامة بيضاء ممطرة إلى غمامة سوداء كالحة تبرق وترعد دون أن تحمل قطرة ماء
د-المضمون الإنساني الواعد:
وذلك من خلال مخاطبة الإنسان وحمل همومه وتطلعاته ومشاطرته أفراحه وأتراحه ومرافقة مسيرة كده وشقائه وكفاحه الإنساني
هـ-المضمون العربي التغيري:
في كفاح الشعوب العربية، والإسلامية من أجل تحقيق أهدافها في العيش النبيل والكرامة الموفورة واسترداد الحقوق المغتصبة لهذه الشعوب وبناء حياة حرة كريمة بعيدة عن الذات والعبودية والاستغلال وحمل رسالة مقدسة.
إن الحداثة الشعرية بمفهومها الحقيقي الشعري لا السياسي هي (معاصرة للحياة) قبل كل شيء تعيش مشكلات العصر وأفكاره وإيقاعه من خلال معاناة وقلق ورفض للواقع الرديء ويغلب على الحداثة إحساس التمزق والفجيعة والمأساة سواء أكان هذا الشعر تغييراً أم فردياً أوغيبياً ؟ فالحداثة نظرة واعدة تقوم على الاتصال بالتراث والاستفادة من الماضي الشعري تقف عنده و تصطفي منه وتضيف إليه وتصوغه صياغة جديدة وقد تخلقه خلقاً جديدا ،لا أن تجعل الشعر دعوة للانقلاش ، والحداثة نظرة جمالية للشعر لاتؤمن بالقواعد الثابتة والنماذج السالفة بل تبحث عن أشكال وأساليب وطرق جديدة إنها تبحث عن المدهش الغريب وحتى يصبح الجديد جميلاً لابد أن يخضع لقواعد الفن والصناعة من خلال دمج الجميل بالغريب وبالعمل الفني الدؤوب
2-مرتكزات الحداثة الشعرية:
ترتكز الحداثة الشعرية في مفهومها المعاصر عند الحداثيين على
أ-الصورة :
بما تحمله من دلالات متألقة في نوعها ووظيفتها وارتباطها بعناصر القصيدة الأخرى وكشفها عن عالم الشاعر الداخلي والقصيدة الحداثية تستخدم الصورة بأنواعها الرمزية التي تتداخل فيها معطيات الحواس والشحنة البلاغية واللقطات الحسية لجزيئات الواقع للتعبير عن معان وأفكار وحالات نفسية وأجواء كونية وومضات نفسية بحيث تصبح هذه الصورة طريقة في التعبير وليس زينة مقصودها لذاتها بشكل مكثف بعيد عن المعقولية على أن يحمل طرفا التشبيه علاقة معقولة وقد أصبحت الصورة الشعرية تعتمد على الإيحاء بحيث توقظ في النفس تداعيات مبهمة رجراجة
ب-الرمز:
قد تشكل الصورة رمزاً وقد تجتمع في النص لتشكل رمزاً قد تكون معادلاً حسابياً للمرموز له وقد لا تكون ذلك وهذا الرمز يشف عن المعاني التي تسكن ذات الشاعر وقد تكون الصور الشعرية الجزئية واضحة الصلة بالمعاني وإذا فقد الرمز وضوح الرؤية ووضوح الصورة الجزئية أصبح غامضاً معتماً
ج-الأسطورة:
التي هي في الأصل حادثة غير واقعية يستلهمها العقل الشعبي وتغدو جزءاً من مكوناته والتي يستخدمها الشعراء استخداماً سريعاً في أثناء القصيدة على أنها رمز كبقية الرموز التي تغني النص أو استخداماً تكون فيه موضوع كاملا يدعى الوحدة العضوية وهذه الوحدة العضوية تفترض التنوع لا التناقض وتفترض التركيب لا التكرار
3-أنماط بناء القصيدة الحديثة :
أ-نمط يقوم على التراكم :
بحيث يتراكم المقطع والمقطع كما هو في تراكم البيت والبيت والقصيدة في هذه الحالة بناء منفتح يمكن له أن تزاد فيه مقاطع جديدة ويستغنى فيه عن مقاطع موجودة في النص ويمكن للمقطع الواحد أن يستقل بنفسه عن غيره.
ب-نمط اتحاد المضمون بالشكل اتحاداً وثيقاً:
حسب قدرات الشاعر الفنية وحسب طريقة التناول ومن هذا النمط ما يقوم على النمو والحركة (نمو الحدث أو الحالة النفسية أو الفكرة وحركتها) كقصيدة المومس العمياء للسياب
ج- نمط ينطوي فيه المضمون في الشكل :
ويصبح جزءاً منه بحيث يصعب التمييز بين الشكل والمضمون وبين الموضوع وصياغة ، وهنا تقول القصيدة كل شيء دفعة واحدة وتصور موقفاً كلياً من الكون والمجتمع والإنسان من خلال رؤية الشاعر كقصيدة أنشودة المطر للسياب
4-لغة الشعر الحديث:
تطلبت مطامح الشعر الحديث في بعده عن المباشرة والتقرير والفكر المجرد طريقة جديدة تناسب طموحه تمثلت في(الحسية) من خلال الاستخدام الكثيف والجديد للصور أم في استخدام المفردات الحسية ، فلغة هذا الشعر هي لغة الحس والجسد المعبر عن الحلم الكوني أو الإنساني أو النفسي أو الواقعي والشاعر الحديث يعود باللغة إلى بداياتها الأولى عندما كانت تعبر باللفظ الحسي عن المجردات ويتعامل مع هذه اللغة بجرأة وبقصد بعيداً عن عبودية التقليد كاشفاً بعض ما فيها من أبعاد وألوان وظلال وإيحاءات وهمسات ولمحات وإشارات مزيحاً الستار عن طاقات خبيئة وإمكانات دفينة لأن اللغة ليست شيئاً جاهزاً بل هي في تجدد مستمر، فاللفظة لها معنى معجمي ولكن الشاعر يشحنها بمعان جديدة ويقارب بينها وبين أختها على نحو غريب ضمن رصيد شعوري أو فكري أو فني.
ولغة الشعر الحديث تعتمد على طول العبارة وحركتها وتدفق أجزائها بأسلوب العطف حيناً وبغير العطف أحياناً وازدحامها بالأفعال تارة وخلوها من هذه الأفعال تارة أخرى.
5-إيقاع الشعر الحديث:
جاءت تجربة الشعر الحديث ثورة على الأوزان الخليلية كما يدّعي أصحابه تاركاً إياها إلى اعتماد التفعيلة كركيزة موسيقية له حيث يكرر الشاعر التفعيلة الواحدة عدداً من المرات تختلف من سطر إلى سطر تبعاً للدفقة الشعورية حيث يؤلف ما يمكن أن يسمى بالجملة الموسيقية بدلاً من البيت المفرد . وإيقاع الشعر الحديث لا يتقيد بنسق معين للقوافي التي تتوالى وتتراوح وتتباعد دون نظام ظاهر تتلاشى أمامه النزعة الخطابية والتقريرية والمباشرة .
6-بناء القصيدة الحديثة :
يميز القصيدة الحديثة عن غيرها من القصائد أنها بناء متكامل تتآلف جميع أجزائه في وحدة عضوية تشبه صورة الكائن الحي الذي يتكون من أجزاء مختلفة تقوم بوظائف مختلفة وتتعاون جميعها لحفظ حياة هذا الكائن ويفترض أن يكون بين أجزاء القصيدة الحديثة من التلاحم والتقارب ما يمكن للعقل أن يألفه


المستشار الأدبي
حسين علي الهنداوي
شاعر وناقد
مدرس في جامعة دمشق
دراسات جامعية-في الأدب العربي
صاحب الموسوعة الأدبية (المرصد الأدبي )
حجم الموسوعة( خمس عشرة ألف صفحة )
سوريا -درعا- hoshn55@gmail.com
السيرة الذاتية للمستشار الأدبي(حسين علي الهنداوي)
أ- أديب و شاعر وقاص ومسرحي و ناقد و صحفي
ب- له العديد من الدراسات الأدبية و الفكرية
ج-نشر في العديد من الصحف العربية
د- مدرس في جامعة دمشق - كلية التربية - فرع درعا
ه- ولد الأديب في سوريا – درعا عام 1955 م
و- تلقى تعليمه الابتدائي و الإعدادي و الثانوي في مدينة درعا
ح- انتقل إلى جامعة دمشق كلية الآداب – قسم اللغة العربية و تخرج فيها عام 1983
ك- حائز على إجازة في اللغة العربية
ص-حائز على دبلوم تأهيل تربوي جامعة دمشق
ع- عمل محاضراً لمادة اللغة العربية في معهد إعداد المدرسين - قسم اللغة العربية في مدينة درعا
ف- انتقل إلى التدريس في المملكة العربية الســـعودية عام (1994 /2000 ) في مدينتـــي عنيزة و تبوك 0
1- عضو اتحاد الصحفيين العرب
2- عضو اتحاد كتاب الانترنت العرب
3- عضو تجمع القصة السورية
4- عضو النادي الأدبي بتبوك
مؤلفاته :
أ*- الشعر :
1- هنا كان صوتي و عيناك يلتقيان/1990
2- هل كان علينا أن تشرق شمس ثبير/1994
3- أغنيات على أطلال الزمن المقهور /1994
4- سأغسل روحي بنفط الخليج /1996
5- المنشّى يسلم مفاتيح إيلياء/1996
6- هذه الشام لا تقولي كفانا / مخطوط
ب*- القصة القصيرة :
شجرة التوت /1995
ج – المسرح :
1- محاكمة طيار /1996
2- درس في اللغة العربية /1997
3- عودة المتنبي / مخطوط
4- أمام المؤسسة الاستهلاكية / مخطوط
د – النقد الأدبي :
1- محاور الدراسة الأدبية 1993
2- النقد و الأدب /1994
3- مقدمتان لنظريتي النقد و الشعر / مخطوط
4- أسلمة النقد الأدب
هـ - الدراسات الدينية :
1- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الأول
2- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الثاني
3- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الثالث
4- فتاوى و اجتهادات / جمع و تبويب
5- هل أنجز الله وعده !!!!!!
و- موسوعة (المرصد الأدبي) :
1-تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية ( معاني الأدب وعلاقاته)
2 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية قبل الإسلام (العصر الجاهلي )
3 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر صدر الإسلام )
4 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر الخلفاء الراشدين )
5 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر الخلفاء الأمويين)
6 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء العباسيين )
7 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء الأندلسيين )
8 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الدول المتتابعة )
9- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء العثمانيين )
10- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية في (العصر الحديث)
11- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية في (العهد المعاصر)