و-الشعر التعليمي :
وهو نوع من الشعر الذي ينظم فيه مؤلفوه العلوم الشرعية واللغوية والأدبية بأبيات طويلة من الشعر كألفية ابن مالك في النحو ، والقصائد التاريخية أو العلمية التي جاءت في حكم الكتب، وكذلك الكتب التي نظموها فجاءت في حكم القصائد، وهو ما يعبر عنه المتأخرون بالمتون المنظومة مما يجمع مسائل الفنون وضوابطهما، وليس من عالم في هؤلاء إلا وله شيء قل كثر نصيباً مفروضاً. هذا في نظم المتون والضوابط، أما الشعر الذي يحمل معاني التاريخ وأنواع الفنون على غير تلك الطريقة فإنما يجيء به المولدون على جهة الفخر بما يضمنونه كقصيدة رياح بن سنيح الزنجي مولى بني ناجية، وكان فصيحاً، فلما قال جرير.
لا تطلبنَّ خؤولةً في تغلب فالزِّنجُ أكرمُ منهمُ أخوالاً
تحرك رياح فذكر أكثر من ولدته الزنج من أشراف العرب في قصيدة مشهورة معروفة ومنه البيت السائر:
إنَّ الفرزدقَ صخرة عاديةٌ طالتْ فليسَ تنالها الأجيالُ
يريد طالت الأجيال فليس تنالها ومن هذا النوع القصيدة الحميرية التي نظمها نشوان الحميري، صاحب "كتاب شمس العلوم"، وقد عد فيها من ملكوا من الحميرين وافتخر بقومه هؤلاء وصارت هذه القصيدة اليوم عند الباحثين في التاريخ العربي القديم لا يقاس بها شعر عباسي، لما فيها من الأسماء التاريخية. وقد ينظمون ذلك الشعر على جهة الفخر بالنظم نفسه وقوة التصرف كما فعل أبو العباس الناشئ المعروف بابن شرشير، وهو الناشئ الأكبر، وكان متبحراً في عدة علوم، وهو في الشعر من طبقة البحتري وابن الرومي وأضرابهما، وكذلك فعل أبو الحسن الأنصاري الجياني المتوفى سنة 593 في نظم كتابه شذور الذهب في صناعة الكيمياء، وقد قالوا فيه: إنْ لم يعلمك صنعة الذهب علمك صنعة الأدب، وقيل في الجياني: شاعر الحكماء وحكيم الشعراء. ومما يحسن ذكره كتب الحكمة والأمثال التي نظمها المولدون لتسهيل حفظها ومدارستها، وأهم هذه الكتب "كليلة ودمنة" الذي عرّبه ابن المقفع، فقد نظمه أبان بن عبد الحميد اللاحقي شاعر البرامكة، ونظمه أيضاً ابن الهباربة البغدادي، وسمى كتابه (نتائج الفطنة في نظم كليلة ودمنة،) ، ولابن الهبارية أيضاً كتاب (الصادح والباغم) ، نظمه على أسلوب (كليلة ودمنة) ، وهو أراجيز في ألفي بيت نظمها في عشر سنين، ومن منظومة السير أرجوزة ابن عبد ربه صاحب "العقد الفريد" في أخبار الملك الناصر صاحب الأندلس، وسيرة صلاح الدين التي نظمها الأسعد بن مماتي المذكور. -الشعر التعليمي: هو لون من الشعر الذي يهدف به الشعراء إلى تعليم الناس شئون دنياهم وأخراهم، وتزويدهم بالحقائق والمعلومات المتعلقة بحياة الفرد والجماعة، وأسرار الطبيعة وما وراء الطبيعة..
1-فهو يعالج الأخلاق والعقيدة والعبادة، ويتناول الخير والشر، والفضيلة والرذيلة، وما ينبغي الإنسان أن يكون عليه، وما يجب أن يتحاشاه ويتباعد عنه … يسلك الشاعر في ذلك أساليب الترهيب والترغيب والنصح والعظة..
2-ويتناول التاريخ والسير: فيقرر ويبين الأنساب والأصول والفروع، وتسلسل الحوادث وترتيبها، ويبحث العلل والأسباب، ويربط النتائج بمقدماتها…
3-ويعرض للعلوم والفنون والصناعات، فيقرر الحقائق المتعلقة بشأنها، ويضع لها القواعد ويستنبط لها القوانين. يقوم الشاعر بكل أولئك ليقدمها لقمة سائغة لمن يريد تعليمه، فتعيها ذاكرته، وتسجلها حافظته، فيسهل عليه استدعاؤها واستحضارها في الوقت المناسب. وبهذا ترى أن الميادين التي يعمل فيها هذا اللون من الأدب، أو الشعر الذي نسميه (تعليميا) ثلاثة ميادين:
(1) أصول الأخلاق والعقائد.
(2) السير والتاريخ.
(3) الحقائق والمعارف المتعلقة بالعلوم والفنون والصناعات.
ويذهب الذاهبون إلى أن العرب لم يعرفوا هذا اللوّن من الأدب إلاّ في وقت متأخر نتيجة اتصالهم بالفكر الوافدِ فهناك من يرى أن هذا التأثير ناشئ عن الثقافة الهندية التي اتصل بها العرب في العصر العباسي، ومن هؤلاء الأستاذ أحمدأمين1 وشكري فيصل، ويرى آخرون أن ذلك من مكتسبات الثقافة اليونانية. على أن الدكتور طه حسين يرى أن أبان بن عبد الحميد اللاحقي هو مبتكر هذا الفن في الأدب العربي، إذ يقول: " ... يظهر أن أبان هو أول من عني بهذا الفن ... ". ويقول عنه في موضع آخر" ... فهو إمام طائفة عظيمة من الناظمين، نعني أنه ابتكر في الأدب العربي فنّاً لم يتعاطه أحد من قبله، وهو فن الشعر التعليمي". ويذهب شوقي ضيف إلى رأيين متناقضين كلّ التناقض، متعارضين التعارض كلّه، ولا ندري على أيهما استقر رأيه النهائي بإزاء المسألة!.. ففي كتابه: العصر العباسي الأول، يرى أنه " فن استحدثه الشعراء العباسيون، ولم تكن له أصول قديمة، ونقصد فن الشعر التعليمي الذي دفع إليه رقى الحياة العقلية في العصر، فإذا نفر من الشعراء ينظمون بعض المعارف أو بعض السير والأخبار" … بينما يذهب الدكتور شوقي ضيف في كتابه الآخر (التطور والتجديد في الشعر الأموي) مذهباً آخر يوشك- في رأينا- أن يكون صائباً، ولكنه لم يسر فيه إلى آخر الشوط، كما سنرى بعد… فهو يذهب ههنا إلى أن الشعر التعليمي ذو نشأة عربية خالصة في آخر القرن الأول الهجري وأول الثاني، أو قل في أواخر دولة الأمويين.. إذ أن أراجيز الرُّجاز وبخاصة رؤبة والعجاج قد كانت متوناً لغوية، وبالتالي فهو النواة والبذرة التي انبنى عليها الشعر التعليمي في جانب الكلام المنظوم، وتطور في جانب النثر فكانت المقامات ... ويقول الكاتب: "ونحن نؤمن بأن هؤلاء الرّجاز-وفي مقدمتهم رؤبة- هم الذين أعدوا شعراء العصر العباسي لا للشعر التعليمي فحسب، بل لاقتباسهم للغريب في أشعارهم، فالغريب أصبح جزءا هاما في مادة الشعر عند الشعراء الممتازين من أمثال بشار وأبي نواس وأبي تمام ... " ويقول عن رؤبة وعن أبيه العجاج: "والإنسان لا يلم بديوانيهما حتى يقطع بأنهما كانا يؤلفان أراجيزهما قبل كل شيء من أجل الرواة، ومن اجل أن يمداهم بكل غريب، وكل أسلوب شاذ، ومن هنا كنا نسمي هذه الأراجيز متونا لغوية، وقد بلغت هذه المتون صورها المثالية عند رؤبة، فهو النمو الأخير لهذا العمل التعليمي الذي أرادته المدرسة اللغوية من جهة، والذي استجاب له الرجّاز من جهة أخرى. ولعل هذا ما جعل اللغويين يوقرونه أعظم التوقير، فأبو الفرج يقدمه في ترجمته بقوله: "أخذ عنه وجوه أهل اللغة: وكانوا يقتدون به ويحتجون بشعره ويجعلونه إماماً.." ويقول الدكتور ضيف: "والأرجوزة الأموية من هذه الناحية تعد أول شعر تعليمي ظهر في اللغة العربية 00" ويقول: " ... ومهما يكن فقد ألهمت الأرجوزة الأموية الشعراء في العصر العباسي أن يقوموا بنظم شعرهم التعليمي، كما ألهمت أصحاب النثر وضع المقامة". وهذا الذي ذهب إليه الكاتب يوشك أن يكون صواباً لولا أنه قصر به قليلا ... ذلك أننا نرى أن هذا اللون من الأدب لم تكن بذرته قد بذرت في هذه المرحلة من العصر الأموي، ولكن البذرة قد نبتت واستوت على سوقها منذ زمن بعيد بعيد!!. ونحن نرجح تخطئة الذين ذهبوا إلى أن الشعر التعليمي إنما عرفه الأدب العربي مع ما عرفه من الثقافة الدخيلة، والفكر الوافد- شرقيّة وغربيّة، هنديّة ويونانيّة- أو ابتكر في هذا العصر العباسي ابتكاراً بسبب امتزاج الأفكار والثقافات وتوالدها، أو أن الأرجوزة الأموية هي التي وجهت إليه الشعراء العباسيين!.. إن الخطأ قد أتى هؤلاء الكاتبين من جهة (التطبيق) .. فهم يُعَرِّفون الشعر التعليمي تعريفاً نظرياً جيداً، واضح الحدود والمعالم، بيّن القسمات والسمات، وحين تأتي مرحلة التطبيق العملي يجانبهم التوفيق، ولا يجدون إلا بعض الجزئيات أو الأقسام في فترة معينة من الزمان تنطبق عليها هذه النظريات، ومن هنا ينطلقون إلى القول بأن هذا الفن كان عدما فيما مضى ثم أصبح له وجود منذ هذه الفترة التي اسُموها بالعصر العباسي، أو على أحسن الفروض العصر الأموي!..إن هؤلاء الكتّاب يعرفون الشعر التعليمي بمثل ذلك التعريف الذي صدّرنا به هذا الحديث، ثم يقسمونه ثلاثة أقسام كما رأينا. كل ذلك في أسلوب يخلو في الغالب من المقومات الفنية كالخيال والأسلوب الطلي الجميل بقصد تسهيل الحفظ والتذكر ثم هم حين يأتون إلى مرحلة النظر في الأدب العربي منذ جاهليته، وهل حوى نماذج من الشعر التعليمي، يذهبون تلك المذاهب التي أشرنا إليها فيما تقدم!. ومع أن ما في الشعر التعليمي- في عمومه- من مآخذ وعيوب أكثر مما فيه من حسنات وفضائل (وأن ما فيه من مثالب ونقائص لا يدعو إلى الدفاع عنه، والتحمس للقول بأن العرب قد عرفوه في أدبهم، نقرر أن الأدب العربي منذ جاهليته قد شارك في هذا اللون من الفن بكل أقسامه التي قدمناها:
(1) فبالنسبة للتاريخ وذكر القرون الخالية والأمم البائدة، قد امتلأ الأدب العربي بشعر الشعراء في ذلك، وقد كان ذلك أحد المنطلقات التي انطلق منها جماعة من الشعراء خصوصاً أولئك الذين كانوا على شيء من الثقافة الدينية والعلمية كأمية بن أبي الصلت، وعدي بن زيد… الخ من ذلك قصيدة عدي في منشأ الخلق وقصته خلق آدم وحواء وهبوطهما من الجنة التي يقول فيها:
اسمع حديثاً كما يوماً تُّحدثه ... عن ظهر غيب إذا ما سائل سألا
أن كيف أبدى إله الخلق نعمته ... فينا، وعرّفنا آياته الأُولا
كانت رياح وماءٌ ذو عرانية ... وظلمة لم تدع فتقاً ولا خللا
فأمر الظلمة السوداء فانكشفت ... وعزل الماء عما كان قد سفلا
وبسط الأرض بسطاً ثمّ قدّرها ... تحت السماء سواء مثل ما فعلا
وجعل الشمس مصراً لا خفاء به ... بين النهار وبين الليل قد فصلا
قضى لستة أيام خليقته ... وكان أخرها أن صوّر الرجلا
وعاه آدم صوتاً فاستجاب له ... بنفحة الروح في الجسم الذي جبلا
ثم استمر الشاعر يتحدث عن خلق حواء وإسكانها مع زوجها الجنة، ونهيهما عن أكل الشجرة، إلى أن أخذ يتحدث عن العقاب الذي أنزل بالحية جزاء ما أغوت آدم وزوجه، فيقولن:
فلاطها الله إذ أغوت خليفته ... طول الليالي ولم يجعل لها أجلا
تمشي على بطنها في الدهر ما عمرت ... والترب تأكله حزناً وأن سهلا
وينظم عدي قصة الزّباء وجذيمة وقصير، تلك القصة التاريخية المشهورة:
ألا يا أيها المثرى المرجّى ... ألم تسمع بخطب الأولينا
دعا بالبقة الأمراء يوماً ... جذيمةُ حين ينجوهم ثبينا
فطاوع أمرهم وعصى قصيراً ... وكان يقول- لو تبع- اليقينا
ودست في صحيفته إليه ... ليملك بضعها ولأن تدينا
فأردته ورغب النفس يرد ... ويبدي للفتى الحَين المبينا
وخبّرت العصا الأنباء عنه ... ولم أرمثل فارسها هجينا
وقدمت الأديم لراهشيه ... وألفى قولها كذباً ومنينا
ومن خدر الملاوم والمخازي ... وهن المنديات لمن منينا
أَطفّ لأنفه الموسي قصير ... ليجدعه، وكان به ضنينا
فأهواه لمارنه فأضحى ... طلاب الوتر مجدوعاً مشينا
وصادفت امرءاً لم تخش منه ... غوائله وما أمنت أمينا
وهكذا تسير القصيدة في تصوير الحادثة وقصها ... الخ.
(2) فإذا انتقلنا إلى لون آخر من الشعر التعليمي في الجاهلية، وهو ذلك الذي أسموه (حقائق الفنون والعلوم والصناعات) وجدنا له مثالاً صارخاً للشاعر الجاهلي (الأخنس بن شهاب) … وهذه القصيدة يذكر فيها سكنى قبائل نجد قبيلة قبيلة، فهي من هذه الناحية تدخل في علم تقويم البلدان- أو ما يسمى بالجغرافية- فمما جاء في هذه القصيدة:-
فمن يكُ أمسى في بلاد مقامه ... يسائل أطلالا بها لا تجاوب
فلا بنة حطّان بن قيس منازل ... كما نمّق العنوان في الرّق كاتب
لكل أناس من معدِ عمارة ... عروض إليها يلجؤون وجانب
لكيز لها البحران والسِّيف دونه ... وإن يأتهم ناس من الهند هارب
تطاير من أعجاز حوش كأنها ... جهام أراق ماءه فهو آيب
وبكر لها برُّ العراق وإن تخف ... يحل دونها من اليمامة حاجب
وصارت تميم بين قفٍ ورملة ... لها من جبال منتأى ومذاهب
وكلب لها خبّ، فرملة عالج ... إلى الحرة الرجلاء حيث تحارب
وغسّان حيّ عزّهم في سواهم ... يجالد عنهم خسّر وكتائب
وبهراء حيّ قد علمنا مكانهم ... لهم شرك حول الرصافة لاحب
وغارت إياد في السّواد ودونها ... برازيق عجم تبتغي من تحارب
ونحن أناس لا حجاز بأرضنا ... مع الغيث ما نلقى ومن هو غالب
ترى رائدات الخيل حول بيوتنا ... كمعزى الحجاز أعوزتها الزّرائب
فالقصيدة- كما ترى- من الشعر التعليمي دون ريب؛ ذلك لأن المقصود منها هو بيان مساكن هذه القبائل في جزيرة العرب والعراق وما إليهما.
(3) أما القسم الثالث من الشعر التعليمي، وهو الذي يتناول العقائد والأخلاق, فهو في الشعر الجاهلي أكثر من أن يحصى عدداً، خصوصاً عند هؤلاء الشعراء من أمثال أمية بن أبي الصلت وعدي، وزهير ... فإذا جئنا إلى العصر الأموي، وجدنا هذا الضرب من الشعر قد تمثل بوضوح في عدة موضوعات، أولها: أنه نظمت به الكيمياء- أو الصنعة كما كانوا يسمونها.. فلقد روى المسعودي أن حكيم آل مروان- خالد بن يزيد بن معاوية الذي اشتهر باهتمامه بالكيمياء قد وضع منظومة في هذه الصناعة، ذكر فيها طريقة تحويل المعدن الخسيس إلى جوهر نفيس، يقول فيها:
خذ الطّلْق مع الأشْقِ ... وما يوجد في الطرق
وشيئاً يشبه البرقا ... فدبِّره بلا حرق
فإن أحببت مولاكا ... فقد سوِّدت في الخلق
كما استخدم هذا الشعر في تعليم غريب اللغة كما قدمنا في صدر هذا الحديث عند الكلام عن الأرجوزة الأموية، التي أسهمت في إبراز صورة الشعر التعليمي العباسي، وفي المقامة في جانب النثر فيما بعد.. ولقد وقعت محاولة لاستخدام هذا اللون في شرح فروع الدين - في رأي عبد الملك بن مروان - من أحد شعراء العصر، فوقف عبد الملك في سبيلهِ..وذلك فيما يروى من أن الشاعر الأموي (الراعي النميري) قد أنشد عبد الملك بن مروان قصيدته التي يشكو فيها السعادة وهم يأخذون الزكاة، حتى إذا بلغ قوله:
أخليفة الرحمن إنّا معشر ... حنفاء نسجد بكرة وأصيلا.
عرب نرى لله في أموالنا ... حق الزكاة منزلا تنزيلا
قال عبد الملك: ليس هذا شعراً، هذا شرح إسلام وقراءة آية! ...
وهكذا استمر الأمر، نرى شيئا من الشعر التعليمي في هذا الموضع أو ذاك، حتى إذا جاء العصر العباسي، رأينا الشعراء ينظمون به في جملة موضوعات ومسائل علمية وتاريخية وقصصية إظهاراً للبراعة، ودلالة على قدرتهم على التجديد والابتكار، وتدليلاً على أنهم قد ألموا بمعارف العصر، وثقافات الأمم الأخرى التي نقلت إلى العربية.. وأنهم قد صاروا على شيء من هضم هذا الذي ترجم، فهم يسهمون بدورهم في نقله وإيصاله إلى الآخرين عن طريق هذا اللون من الشعر!.. ومن أوائل هؤلاء الشعراء الذين أخذوا من هذا الفن بطرف السيد الحميري (105- 173 هـ) الذي كان مفتوناً مغرماً بنظم القصص والمناقب والأخبار التي تروي عن علي وأبنائه. من ذلك ما يروى من أنه سمع محدثاً يذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ساجداً، فركب الحسن والحسين على ظهره، فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: " نعم المطيّ مطيكما!.." فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "ولنعم الراكبان هما"!.. فانصرف السيد الحميري من فوره، فقال في ذلك:
أتى حسن والحسين النبي ... وقد جلسا حجره يلعبان
فغدّاهما، ثم حيّاهما ... وكانا لديه بذاك المكان
فراحا وتحتهما عاتقاه ... فنعم المطية والراكبان
وليدان أمّهما بَرَّة ... حَصان مطهّرة للحصان
وشيخهما ابن أبى طالب ... فنعم الوليدان والوالدان
ومن ذلك ما يروى من أن علياً رضي الله عنه عزم على الركوب، فلبس ثيابه وأراد لبس خفيه فلبس أحدهما، ثم أهوى إلى الآخر ليأخذه، فانقض عقاب من السماء فأخذ الخف وحلّق به ثم ألقاه، فسقط منه أسود- ثعبان- وانساب فدخل جحراً، فلبس الخف، وحين سمع ذلك قال في سرعة:
ألا يا قوم للعجب العجاب ... لخف أبي الحسين وللحباب
أتى خفاً له وانساب فيه ... لينهش رجله منه بناب
فخرّ من السماء له عقاب ... من العقبان أو شبه العقاب.
فطار به، فحلق ثم أهوى ... به للأرض من دون السحاب
إلى جحر له فانساب فيه ... بعيد القعر لم يرتج بباب
كريه الوجه أسود ذو بصيص ... حديد النّاب أزرق ذو لعاب
ودفع عن أبي حسن على ... نقيع سمامه بعد السياب
وسيد هذا الميدان غير مدافع هو أبان بن الحميد اللاحقي المتوفى سنة 200 هـ الذي برع فيه حتى ذهب كثير من الكاتبين إلى أنه مبتدع هذا الفن ومبتكره في الأدب العربي على غير مثال سابق، فنظم في السير والتاريخ الفارسي، إذ نظم سيرة أردشير وسيرة أنو شروان وكتاب بلوهر, وكتاب حكم الهند3، كما نظم القصيدة المسماة (ذات الحلل) في نشأة الخلق وأمر الدنيا وضمنها شيئاً من المنطق. ومن الناس من ينسبها إلى أبي العتاهية، والصحيح أنها لأبان4. وليس بين أيدي الناس من كلّ أولئك الآن شيء- ونظم كذلك في فرائض الصوم والزكاة أرجوزة مزدوجة، ونظم كليلة ودمنة في خمسة آلاف بيت5، أو في أربعة عشر ألف بيت ... لم يبق منها إلاّ جزء يسير أورده الصولي في الأوراق, كما أثبت شيئاً من مزدوجة الفرائض.
القيمة الفنية للشعر التعليمي:
هذا اللون من الشعر من الناحية الفنية ليس على شيء، وليس هو بأكثر من كلام موزون مقفى، لأن الشعر في حقيقته إن هو إلا عاصفة جياشة، وخيال مهوم بديع، وأسلوب جميل، ولفظ أخاذ، يضاف إلى ذلك الموسيقى والتوقيع!.. على أنه ينبغي ألا نندفع ونبالغ في التعميم، فنردد أن الشعر التعليمي - على إطلاقه - إن هو إلا كلام موزون مقفى ... الخ. إن هذا الكلام لا يصدق إلا في بعض ألوان الشعر التعليمي، أو على القسم الذي أسموه ((حقائق الفنون والعلوم والمعارف)) .. على حين لا يكون الأمر كذلك - دائما- في الأقسام الأخرى من الشعر التعليمي، خصوصا النوع الذي يتناول التاريخ وأحداثه، فقد يحور



المستشار الأدبي
حسين علي الهنداوي
شاعر وناقد
مدرس في جامعة دمشق
دراسات جامعية-في الأدب العربي
صاحب الموسوعة الأدبية (المرصد الأدبي )
حجم الموسوعة( خمس عشرة ألف صفحة )
سوريا -درعا- hoshn55@gmail.com
السيرة الذاتية للمستشار الأدبي(حسين علي الهنداوي)
أ- أديب و شاعر وقاص ومسرحي و ناقد و صحفي
ب- له العديد من الدراسات الأدبية و الفكرية
ج-نشر في العديد من الصحف العربية
د- مدرس في جامعة دمشق - كلية التربية - فرع درعا
ه- ولد الأديب في سوريا – درعا عام 1955 م
و- تلقى تعليمه الابتدائي و الإعدادي و الثانوي في مدينة درعا
ح- انتقل إلى جامعة دمشق كلية الآداب – قسم اللغة العربية و تخرج فيها عام 1983
ك- حائز على إجازة في اللغة العربية
ص-حائز على دبلوم تأهيل تربوي جامعة دمشق
ع- عمل محاضراً لمادة اللغة العربية في معهد إعداد المدرسين - قسم اللغة العربية في مدينة درعا
ف- انتقل إلى التدريس في المملكة العربية الســـعودية عام (1994 /2000 ) في مدينتـــي عنيزة و تبوك 0
1- عضو اتحاد الصحفيين العرب
2- عضو اتحاد كتاب الانترنت العرب
3- عضو تجمع القصة السورية
4- عضو النادي الأدبي بتبوك
مؤلفاته :
أ*- الشعر :
1- هنا كان صوتي و عيناك يلتقيان/1990
2- هل كان علينا أن تشرق شمس ثبير/1994
3- أغنيات على أطلال الزمن المقهور /1994
4- سأغسل روحي بنفط الخليج /1996
5- المنشّى يسلم مفاتيح إيلياء/1996
6- هذه الشام لا تقولي كفانا / مخطوط
ب*- القصة القصيرة :
شجرة التوت /1995
ج – المسرح :
1- محاكمة طيار /1996
2- درس في اللغة العربية /1997
3- عودة المتنبي / مخطوط
4- أمام المؤسسة الاستهلاكية / مخطوط
د – النقد الأدبي :
1- محاور الدراسة الأدبية 1993
2- النقد و الأدب /1994
3- مقدمتان لنظريتي النقد و الشعر / مخطوط
4- أسلمة النقد الأدب
هـ - الدراسات الدينية :
1- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الأول
2- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الثاني
3- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الثالث
4- فتاوى و اجتهادات / جمع و تبويب
5- هل أنجز الله وعده !!!!!!
و- موسوعة (المرصد الأدبي) :
1-تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية ( معاني الأدب وعلاقاته)
2 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية قبل الإسلام (العصر الجاهلي )
3 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر صدر الإسلام )
4 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر الخلفاء الراشدين )
5 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر الخلفاء الأمويين)
6 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء العباسيين )
7 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء الأندلسيين )
8 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الدول المتتابعة )
9- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء العثمانيين )
10- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية في (العصر الحديث)
11- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية في (العهد المعاصر)