1-لزوم ما لا يلزم في الشعر:
هذا نوع في الصناعة يعدونه من البديع، وقد سمي الالتزام والإعنات والتضييق والتشديد، وبهذه الأسماء يدور في كتبهم، والمراد بذلك عندهم أن يعنت الناظم أو الناثر نفسه في التزام حرف أو أكثر قبل حرف الروي، وهو إنما يفعله صاحب الكلام لقوته ولو تركه لم يدخل عليه ضعف؛ غير أني أرى أن الحروف تتساوق وأن اللسان ميزان، فربما كان موضع لا يجد فيه البليغ المطبوع بدا من الالتزام فيفعل ذلك طبعًا لا صناعة؛ لأنه يرى اللسان يثبت في الكلمات، فإذا لم يقع من كل كلمة على الحرف الملتزم أخلى فلم يصب الرنة، وكان ذلك في الكلام شبيهًا بالعواثير التي تكون في الطرق، ومن أجل ذلك لا يتم حسن هذا النوع إلا في الكلمات المتوازنة بالألفاظ، كقوله تعالى: {فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ، الْجَوَارِ الْكُنَّسِ} وهو أكثر ما يتفق، أو بالمقاطع؛ لأن كلتا الكلمتين التي يلتزم فيها قد لا تكون وزان الأخرى بنفسها ولكنها توازنها مع بعض مقاطع الكلمة التي قبلها، أو هما يتوازنان في بعض مقاطعهما لا في جملتها، كقوله تعالى: {وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ، وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ} و"إذا اتسق" أو قلت "وسق وتسق"؛ فإذا لم يتفق هذا التوازن، كما ترى في مجنون ومفتونون مثلًا، فهو حينئذ الإعنات والتضييق والتشديد إذا كان يحتسب التزامًا؛ لأنه غير طبيعي في الكلام، بل لو اطرد لكان ثقيلًا وخمًا تثب له السليقة وثبة أحشاء المتقيئ، ولذلك السبب عينه كان الالتزام طبيعيا في الشعر؛ لأنه أعاريض متوازنة، وكان من كماله ذلك النوع الدقيق منه، وهو التزام الحركة قبل الروي، إلا أن هذه الحركة قد ينكر السمع تغيرها، وذلك فيما يقع بعد ألفات التأسيس، كسالم وظالم، فإذا جاء فيها عالم "بالفتح" فذلك هو السناد، وهو معيب لما بيناه، وقد لا ينكر السمع تغير الحركة، كما تقول: يرعد وأرعد، وهو كثير في الشعر؛ ولا يلتزم هذه الحركة إلا الفحول المبرزون، كابن الرومي، وهو أولع الناس بها، حتى إن قصيدته التي يقول فيها:
لما تؤذن الدنيا به من صروفها ... يكون بكاء الطفل ساعة يولد
قد التزمه فيها ففتحه ما قبل الروي، على طولها وامتداد النفس فيها، وشبيه بذلك ما فضلوا به العجاج؛ إذ زعم بعضهم أنه أشعر أهل الرجز والقصيد. وذكر أنه صنع أرجوزته:
(قد جبر الدين الإله فجبر) فيها نحو مائتي بيت وهي موقوفة مقيدة، ولو أطلقت قوافيها وساعد فيها الوزن لكانت منصوبة كلها "(ص56 ج1: العمدة").ولا نعرف أول من نبه على الالتزام، ولكن قدامة وابن المعتز والعسكري -وهذا توفي سنة 395هـ- لم يشيروا إليه في كتبهم ولا ورد ذلك في كلام من نبه على البديع ممن قبلهم من الرواة؛ لأن الالتزام في أكثر مواضعه المستحسنة طبيعي -كما قدمنا- ولكن أبا العلاء المعري المتوفى سنة 449هـ نظم على هذا النوع ديوانه المشهور باللزوميات، وقال في مقدمته: "وجمعت ذلك كله في
كتاب لقبته لزوم ما لا يلزم، ومعنى هذا اللقب أن القافية تلتزم لها لوازم لا يفتقر إليها حشو البيت، ولها أسماء تعرف، وسأذكر منها شيئًا مخافة أن يقع هذا الكتاب إلى قليل المعرفة بتلك الأسماء...... ا. هـ". ففي كلامه رائحة ضعيفة من الاختراع؛ ولعله أول من نبه عليه، فإن كان ذلك فهو لم يدعه؛ لأنه نهج مطروق وشرعة مورودة، والاختراع لا يكون فيما هذه سبيله بين أهله؛ غير أنه لا مراء في أن المعري أول من اتخذ هذا النوع صناعة احترفها شطرًا من عمره، فتكلف في تأليفه "كما قال" ثلاث كلف: الأولى أن ينتظم حروف المعجم عن آخرها، والثانية أن يجيء رويه بالحركات الثلاث وبالسكون بعد ذلك، والثالثة أنه لزم مع كل روي فيه شيء لا يلزم من باء أو تاء أو غير ذلك من الحروف. ولم نعرف بعد المعري من تكلف تأليفًا مستقلا في لزوم ما لا يلزم، إلا ما وقفنا عليه في ترجمة عبد العزيز بن قاضي حماة، من "فوات الوفيات"، وقد توفي سنة 662هـ، فقد قال فيه الشيخ صلاح الدين الصفدي: "لا أعرف في شعراء الشام بعد الخمسمائة من نظم أحسن منه ولا أجزل ولا أفصح ولا "أصنع" ولا أكثر "فإن له في لزوم ما لا يلزم مجلدًا كبيرًا". وقيل عبد العزيز هذا تكلف الوزير جمال الدين أبو الطاهر محمد بن يوسف التميمي السرقسطي المعروف بابن الاشتراكواني المتوفى سنة 538هـ -في مقاماته التي عارض بها الحريري- أن يلتزم في نظمها ونثرها هذا النوع، ولذلك تعرف بالمقامات اللزومية، وقد اشتهر بأسلوبه هذا في الأندلس حتى احتذاه من مشاهيرهم عبد الرحمن بن محمد المعروف بالمكناسي المتوفى سنة( 591هـ ) ، فقد كان رأسًا في الكتابة، وكان ينشئ الرسائل اللزومية، وبلغ في اللزوم مبلغًا أعجز فيه غيره ("ص303: بغية الوعاة") . أما الحريري فقد طبخ أحمض أصناف الإعنات والتضييق في رسالتين له، وهما المعروفتان بالشينية والسينية، كتب بالأولى منهما إلى الشيخ الإمام شمس الشعراء طلحة بن أحمد بن طلحة النعماني، والثانية وهي السينية على لسان الأمير أمين الملك أبي الحسن بن فطير المرادي، وكان يتولى ديوان الاستيفاء بالبصرة، إلى الأمير الأجل الحسام، وكان قد دعاه الأسفهسالار الأجل النفيس سيد الرؤساء سيف السلاطين، وشربا جميعًا في دار بالبصرة في المحلة المعروفة ببني حرام، وهي محلة الشيخ الحريري، وكان أمين الملك جاره وصديق الأسفهسالار النفيس،( لفظ فارسي معناه رئيس الجيش. والنفيس: اسمه )فلم يدعه، فكتبها إليه يداعبه على لسانه. وقد التزم أن لا يخلي كلمة من الشين في الأولى ومن السين في الثانية؛ وأشار صاحب المثل السائر إلى هاتين الرسالتين في باب المعاظلة من كتابه ووصفهما؛ ثم قال: فجاءنا كأنهما رقى العقارب! وهو من تحامله على الحريري؛ لأن الصناعات كانت مشهورة لذلك العهد مرغوبًا فيها، ولأن مقام الرسالتين استدعى هذا الالتزام، وليس ما ترسل فيه السجية ويستجم له الطبع كالذي يكون من الشاذ والنادر، ولم يأخذ الحريري في ذلك النمط إلا قصدًا وهو لا يجهل ما فيه، وإنما نبهه إلى ذلك مراعاة النظير؛ فإن الشينية مكتوبة بها "للشيخ الإمام شمس الشعراء" والأخرى "للأسفهسالار الأجل النفيس سيد الرؤساء " فكان أولى بذلك أن يعجب به لا أن يعجب منه؛ لأن الكتابة لم تكن إلا على جهة التطرف والتملح؛ ومثل هذا لا يعاب إلا إذا بولغ في استكراهه والإلحاح بالكثير منه "( المجلد السابع من مجلة الضياء ص496، 527").


المستشار الأدبي
حسين علي الهنداوي
شاعر وناقد
مدرس في جامعة دمشق
دراسات جامعية-في الأدب العربي
صاحب الموسوعة الأدبية (المرصد الأدبي )
حجم الموسوعة( خمس عشرة ألف صفحة )
سوريا -درعا- hoshn55@gmail.com
السيرة الذاتية للمستشار الأدبي(حسين علي الهنداوي)
أ- أديب و شاعر وقاص ومسرحي و ناقد و صحفي
ب- له العديد من الدراسات الأدبية و الفكرية
ج-نشر في العديد من الصحف العربية
د- مدرس في جامعة دمشق - كلية التربية - فرع درعا
ه- ولد الأديب في سوريا – درعا عام 1955 م
و- تلقى تعليمه الابتدائي و الإعدادي و الثانوي في مدينة درعا
ح- انتقل إلى جامعة دمشق كلية الآداب – قسم اللغة العربية و تخرج فيها عام 1983
ك- حائز على إجازة في اللغة العربية
ص-حائز على دبلوم تأهيل تربوي جامعة دمشق
ع- عمل محاضراً لمادة اللغة العربية في معهد إعداد المدرسين - قسم اللغة العربية في مدينة درعا
ف- انتقل إلى التدريس في المملكة العربية الســـعودية عام (1994 /2000 ) في مدينتـــي عنيزة و تبوك 0
1- عضو اتحاد الصحفيين العرب
2- عضو اتحاد كتاب الانترنت العرب
3- عضو تجمع القصة السورية
4- عضو النادي الأدبي بتبوك
مؤلفاته :
أ*- الشعر :
1- هنا كان صوتي و عيناك يلتقيان/1990
2- هل كان علينا أن تشرق شمس ثبير/1994
3- أغنيات على أطلال الزمن المقهور /1994
4- سأغسل روحي بنفط الخليج /1996
5- المنشّى يسلم مفاتيح إيلياء/1996
6- هذه الشام لا تقولي كفانا / مخطوط
ب*- القصة القصيرة :
شجرة التوت /1995
ج – المسرح :
1- محاكمة طيار /1996
2- درس في اللغة العربية /1997
3- عودة المتنبي / مخطوط
4- أمام المؤسسة الاستهلاكية / مخطوط
د – النقد الأدبي :
1- محاور الدراسة الأدبية 1993
2- النقد و الأدب /1994
3- مقدمتان لنظريتي النقد و الشعر / مخطوط
4- أسلمة النقد الأدب
هـ - الدراسات الدينية :
1- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الأول
2- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الثاني
3- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الثالث
4- فتاوى و اجتهادات / جمع و تبويب
5- هل أنجز الله وعده !!!!!!
و- موسوعة (المرصد الأدبي) :
1-تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية ( معاني الأدب وعلاقاته)
2 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية قبل الإسلام (العصر الجاهلي )
3 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر صدر الإسلام )
4 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر الخلفاء الراشدين )
5 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر الخلفاء الأمويين)
6 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء العباسيين )
7 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء الأندلسيين )
8 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الدول المتتابعة )
9- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء العثمانيين )
10- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية في (العصر الحديث)
11- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية في (العهد المعاصر)