مقارنات بين الشعر العربي والأجنبي:
لا شك أن الشعوب بمختلف أطيافها تتبادل مختلف الثقافات ،خاصة الآداب ؛ فما من شعب من الشعوب إلا واقترض من غيره ، وتأثر به أو أثر به ؛( والمقاربات الثقافية في هذا الصدد كثيرة ، وفي هذا السياق من المقارنة بين الأدب العربي في بعض خصائصه، وبعض الآداب الأجنبية نورد هذا النص المهم من (المثل السائر) لابن الأثير في مسألة طول القصائد وقصرها بين الشعر العربي ونظيره الفارسي، إذ كان ابن الأثير يوازن بين فني النثر والشعر، ويرصد الفروق بينهما إلى أن أتى إلى مسألة التطويل والتقصير، فقال: إنه مما لا يحسن في الذوق العربي أن يطول الشاعر قصائده ويشقق المعاني، ويستوفي الكلام فيها مما هو أليق بالنثر، وهنا ينطلق في موازنة بين العرب والفرس في تلك النقطة، قائلًا: إن الشاعر إذا أراد أن يشرح أمورًا متعددة ذوات معان مختلفة في شعره، واحتاج إلى الإطالة بأن ينظم مائتي بيت أو ثلاثمائة، أو أكثر من ذلك فإنه لا يجيد في الجميع ولا في الكثير منه، بل يجيد في جزء قليل، والكثير من ذلك رديء غير مرضي. والكاتب لا يؤتى من ذلك -يقصد الناثر- بل يطيل الكتاب الواحد إطالة واسعة تبلغ عشر طبقات من القراطيس أو أكثر، وتكون مشتملة على ثلاثمائة سطر أو أربعمائة أو خمسمائة، وهو مجيد في ذلك كله، وهذا لا نزاعَ فيه؛ لأننا رأيناه وسمعناه وقلناه، وعلى هذا فإني وجدت العجم يفضلون العرب في هذه القضية المشار إليها، فإن شعرهم يذكر كتابًا مصنفًا من أوله إلى آخره شعرًا وهو شرح قصص وأحوال، ويكون مع ذلك في غاية الفصاحة والبلاغة في لغة القوم، كما فعل الفردوسي في نظم الكتاب المعروف (بشاه نامه)، وهو ستون ألف بيت من الشعر يشتمل على تاريخ الفرس، وهو كتاب القوم المميز، وقد أجمع فصحاؤهم على أنه ليس في لغاتهم أفصح منه، وهذا لا يوجد في اللغة العربية على اتساعها وتشعب فنونها وأغراضها، وعلى أن لغة العجم بالنسبة إليها كقطرة من بحر. وكذلك عثر على النص التالي أثناء التجوال في التراث الأدبي والنقدي للحصول على أكبر قدر من النصوص المقارنة فيه، وهو يتعلق أيضًا بـ (الشاه نامه)، الذي ألفه للرد على بعض ما جاء في كتاب ابن الأثير، وهو يجري على النحو التالي قال -أي: ابن الأثير في تفضيل النثر على النظم في آخر الكتاب-: إن الشاعر إذا أراد أن يشرح أمورًا متعددة ذوات معان مختلفة في شعره، واحتاج إلى الإطالة بأن ينظم مائتي بيت أو ثلاثمائة أو أكثر من ذلك، فإنه لا يجيد في الجميع ولا في الكثير منه، بل يجيد في جزء قليل والكثير من ذلك رديء غير مرضي، والكاتب لا يؤتى من ذلك بل يطيل في الكتاب الواحد إطالة واسعة تبلغ عشر طبقات من القراطيس أو أكثر، وتكون مشتملة على ثلاثمائة سطر أو أربعمائة أو خمسمائة، وهو مجيد في ذلك كله ، وعلى هذا، فإني وجدت العجم يفضلون العرب في هذه القضية المشار إليها، فإن شاعرهم يذكر كتابًا مصنفًا من أوله إلى آخره شعرًا، وهو شرح قصص وأحوال يكون مع ذلك في غاية الفصاحة والبلاغة في لغة القوم كما فعل الفردوسي في نظم كتابه المعروف (شاه نامه)، وهو ستون ألف بيت من الشعر يشتمل على تاريخ الفرس، وهو كتاب القوم ، وقد أجمع فصحاؤهم على أنه ليس في لغتهم أفصح منه، وهذا لا يوجد في اللغة العربية على اتساعها وتشعب فنونها وأغراضها، وعلى أن لغة العرب بالنسبة إليها كقطرة من بحر.
أقول -والكلام هنا لصلاح الدين الصفدي-: قد ختم ابن الأثير -رحمه الله تعالى- كتابه بهذه النكتة، التي مال فيها إلى الشعوبية، وما قال معمر بن المثنى ولا سهل بن هارون ولا ابن غرثيا في رسالته مثل هذا، وقد وجد في أهل اللسان العربي من نظم الكثير أيضًا، وإن عد هو الفردوسي عددت له مثل ذلك جماعة، منهم من نظم تاريخ المسعودي نظمًا في غاية الحسن، ومنهم من نظم كتاب (كليلة ودمنة) في عشرة آلاف بيت، ونظمها أبان اللاحقي أيضًا، وأخبرني الشيخ الإمام الحافظ شمس الدين أبو عبد الله محمد الذهبي أن مكي بن أبي محمد بن محمد بن أبيه الدمشقي عرف بابن الدجاجية، نظم كتاب (المهذب) قصيدة على روي الراء، سماها (البديعة في أحكام الشريعة) و (المهذب) في أربع مجلدات وبعض المغاربة امتدح سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في قصيدة عدتها ثمانية عشر ألف بيت، ولابن الهبارية كتاب (الصادح والباغم) في ألف بيت، كل بيت منها قصر مشيد ونكته ما عليها في الحسن مزيد، يشتمل على الحكايات والنوادر والأمثال والحكم وكلها في غاية الفصاحة والبلاغة، ليس فيها لو ولا ليت، وأما من نظم الألف وما دونه فكثير جدًّا لا يبلغهم الحصر، وأما (الشاطبية) وما اشتملت عليه من معرفة القراءات السبع واختلافها، وتلك الرموز التي ظاهرها الغزل وباطنها العلم، فكتاب اشتهر وظهر وخلب سحره الألباب وبهر، وأما أراجيز النحو والعروض والفقه كالذي نظم الوجيز ومنظومة الحنفية وغير ذلك من الطب وغيره من العلوم فكثير جدًّا إلى الغاية التي لا يحيط بها الوصف. وما سمعنا بمن اشتغل من العجم بالعربية، إلا وفضل اللغة العربية، برهان هذه الدعوة أن أبا علي الفارسي وبندار وأبا حاتم والزمخشري، وغير هؤلاء، لما اشتغلوا بالعربية وذاقوا حلاوتها هاموا بها وكلفوا بمحاسنها، وأفنوا الليالي والأيام في تحصيلها، وأنفقوا مدة العمر في تأليفها وتدوينها، وتتبع محاسنها وقواعد أقيستها وغرائب فنونها، ومن المستحيل أن يكون هؤلاء القوم اجتهدوا هذا الاجتهاد في العربية، وأفنوا مدة العمر وهي ما لا يخلف في شيء هو دون غيره، والأولى بهم وبكل عاقل الاشتغال بالأحسن والأفصح والأبلغ ، والأحكم ، ولو علم هؤلاء القوم أن اللغة الأعجمية لها أفعل التفضيل ما عرجوا على العربية، إلا ريثما عرفوها ثم عادوا إلى لغتهم . ومن الكلم النوابغ للزمخشري: فرقك بين الرطب والعجم فرقك بين العرب والعجم، ومنها العرب نبع صلب المعاجم، والغرب مثل للأعاجم، فانظر إلى الزمخشري كيف جعل العرب رطبًا والعجم عجمًا والعجم بتحريك الجيم هو النوى، وكيف جعل العرب مثل شجر النبع وهو صلب تتخذ منه القسي، وجعل العجم مثل شجر الغرب، وهو خوار، فإن قلت: ما كان علماء العربية من العجم عالمين باللغة الأعجمية، كما ينبغي قلت: أليس أنهم كانوا يعرفون العجمية، ثم إنهم تمهروا في العربية، وبالغوا في إتقانها؟ ومن وصل في لغة من اللغات إلى ما وصل إليه أبو علي والزمخشري وغيرهما، من معرفة الاشتقاق الأكبر والأصغر، والأبنية، والتصريف في الاسم، والفعل الماضي والمضارع والأمر، واسم الفاعل والمفعول، وصارت له تلك الملكة كان عنده من الأهلية أن ينظر في كل لغة عرف لسانها، وأن يستخرج قواعدها ويتبع أصولها؛ فيقع على غرائب حكمها ومحاسن قواعدها لاشتباك العلوم بعضها ببعض، واجتماع شملها في الغاية التي أوجبت وضعها، ولا يضع اللغة إلا حكيم. ألا ترى أن بعض النحاة رتب اللغة التركية على القواعد النحوية، وميز الاسم من الفعل والماضي من المضارع من الأمر، وضمير المتكلم من المخاطب من الغائب، والجمع من الإفراد وعلامة الجمع والمضاف من المضاف إليه إلى غير ذلك، وهذا أمر غير خافٍ. وأما قوله: إن كتاب (شاه نامه) ستون ألف بيت كلها في غاية الحسن من الفصاحة والبلاغة، وما فيها ما يعاب، فإن هذه الدعوى لا تسمع مجردة عن البرهان الذي يؤيدها، ومن يأتي بستين ألف كلمة أو بستة آلاف كلمة تكون في غاية الفصاحة في الألفاظ والبلاغة في المعنى حتى إنها لا تعاب بوجه، هذا ليس في قوى البشر في لغة من اللغات، سلمنا أن ذلك ما يعاب في تلك اللغة، فمن أين لك أن جيد شعر العجم في طبقة جودة شعر العرب، كما تقول: القمر أشد نورًا من النجوم، والشمس أشد نورًا من النجوم، فالشمس والقمر اشتركَا في الفضيلة على النجوم، ولكنهما في نفسيهما لا يستويان مثلًا، فهل جيد العجم مثل جيد العرب كوصف امرئ القيس في الخيل والنابغة في الاعتذار وزهير في المدائح، والأعشى في الخمر، أو كجيد جرير والفرزدق والأخطل وبشار بن بُرد ومسلم بن الوليد وأبي نواس، وديك الجن والحسين بن الضحاك والمتنبي وأبي تمام والبحتري وابن الرومي وابن المعتز وأبي فراس وغيرهم. وإلى هذا العصر وما بين ذلك من الشعراء الذين تغرق قطرات العجم في لغتهم، حتى إنه يقول: إن ذلك كله جيد لا يعاب، هل يستويان مثلًا في الجودة من حيث هي؟ وإنما قل الجيد في الشعر؛ لأن البلغاء وعلماء الأدب انتقوا الجيد العالي الذي يكون في الفصاحة والبلاغة، وجعلوه نموذجًا ومثالًا يحذى على ما قرروه بقوة فكرهم، وصحة انتقادهم، فكان ذلك الجيد في الطبقة العليا، ولا جرم أن الساقط من الشعر أكثر من العالي عند أئمة البلاغة، وإلا فعلى الحقيقة الذي يعده أرباب البلاغة من ساقط الشعر يكون جيدًا عند غيرهم غير معيب، إلا ما هو ساقط إلى الغاية، وهذه النكتة هي العلة في قلة الجيد من الشعر، ومن أين في شعر العجم ما في شعر العرب من المجاز والاستعارة والكناية والتشبيه والتورية، والاستخدام والجناس على اختلاف كل نوع من هذه الأنواع، وتشعب أقسامه إلى غير ذلك من أنواع البديع، وهو ما يقارب المائة نوع ولا هيهات ما بينهما صيغة أفعل . وذكر الحصري في (زهر الآداب): أن أعرابيًّا قال لشاعر من أهل الفرس: الشعر للعرب وكل من يقول الشعر منكم، فإنما نَزَا على أمه رجل منا. انتهى. وقد أنصف ابن خلف في قوله:
وللعرب بيت وديوان ... وللعجم قصر وإيوان
وأما دعواه أن الشاعر لا يحسن في الأكثر فالعذر في ذلك ظاهر؛ لأنه في ضائقتين شديدتين إلى الغاية وهما الوزن ولزوم الروي الواحد، والناثر غير مضطر إلى شيء منهما، بل هو مخلى ونفسه إن شاء أتى بسجعتين على حرف واحد، وإن شاء على أكثر وإن شاء أتى بالسجعة على عشرين كلمة، أو على أقل إلى كلمتين، ولو أتى الكاتب برسالة مطولة على حرف واحد في سجي، وعدد مخصوص من كلمات السجع لكان حاله حال الشاعر، بل كان كلامه أسمج وأثقل على الأسماع والقلوب؛ لأن الشعر يروجه الوزن ولا كذلك النثر، فحينئذٍ لا يصلح هذا أن يكون فضيلة في النثر على النظم. وليكن ها هنا آخر ما أردته من الكلام على (المثل السائر)، وقد سامحته في كثير سقطه فيه ظاهر. ولا ريب في أن هذا النص يشهد للصفدي، وهذه ميزة في معظم علمائنا القدامى بسعة الاطلاع، وحضور الشواهد على مد ذراعه، رغم أنه كان يعيش في عصر لا يعرف المشباك -أي: الإنترنت- ولا الفهارس، وبالمثل لا بد من التنبيه عنده إلى روح الحب الغلاب للعرب، وكل ما يتصل بهم من لغة وأدب وفكر، لكني لا أستطيع أن أشاركه الزعم بأن الآداب الأخرى تخلو من التشابيه والاستعارات والكنايات، وإن كان كلامه في البديع لا ينطبق عليه هذا، إذ يبدو لي أن لساننا في عصور معينة منه على الأقل قد استعمل المحسنات البديعية أكثر جدًّا مما فعل أي أدب آخر مما نعرف، وعلى كل، فإن هذا النص هو من النصوص الكاشفة في ميدان المقارنات الأدبية في نقلنا القديم. وفي (زهر الأكم في الأمثال والحكم) يعرض اليوسي لما قاله بعض النقاد العرب القدماء من أن الحكم، التي اشتهر بها أبو الطيب المتنبي، إنما أخذها عن أرسطو، وليس له فيها من فضل وهذا هو النص وقال -أي: المتنبي-:
وأظلم أهل الظلم من بات حاسدًا ... لمن بات في نعمائه يتقلب
قال صاحب (الرسالة الحكيمة) وهو قول أرسططاليس: أقبح الظلم حسدك لعبدك ومن تنعم عليه، قلت: وهو غلط إن كانت رواية هذه الحكمة هكذا، فإن أبا الطيب إنما أراد عكسها، وهو أن أقبح الظلم أن يحسدك من تنعم عليه وتحسن إليه، بدليل سياق كلامه:
وقد يترك النفس التي قد لا تهابه ... ويحترم النفس التي تتهيب
وقال أيضًا:
لابد للإنسان من ضجعة ... لا تقلب المضجع عن جنبه
ينسى بها ما مر من عجبه ... وما أذاق الموت من ركبه
نحن بنو الموت فما بالنا ... نعاف ما لا بد من شربه
تبخل أيدينا بأرواحنا ... على زمن هي من كسبه
فهذه الأرواح من جوِّه ... وهذه الأجسام من تربه
لو فكر العاشق في منتهى ... حسن الذي يسبيه لم يسبه
وهو معنى قول أرسططاليس: النظر في عواقب الأشياء يزهِّد في حقائها، والعشق عمى النفس عن درك رؤية المعشوق، والذي قبله هو معنى قوله أيضًا: اللطائف سماوية والكثائف أرضية، وكل عنصر عائد إلى عنصره الأول، وقال:
يموت راعي الضأن في جهله ... موت جالينوس في طبه
وقال:
وغاية المفرط في سلمه ... كغاية المفرط في حربه
وهو قريب من قول أرسططاليس: آخر إفراط التوقي أول موارد الحذر.
وهذا كما نرى نوع من المقارنة بين بعض النصوص الأدبية في لغة الضاد، ونظائرها في الأدب أو الفكر الإغريقي، مما لا يحتاج إلى أي مسوغ آخر لتبوئه مكانًا مستحقًّا في الأدب المقارن. ويجري في المجرى نفسه ما كتبه النويري عن ذات المسألة في كتابه (نهاية الأَرَب في فنون العرب)، إذ قال: وقد جُمع من شعر أبي الطيب في ذلك ما وافق كلام أرسططاليس في الحكمة، فمن ذلك قول أرسططاليس: إذا كانت الشهوة فوق القدرة، كان هلاك الجسم دون بلوغ الشهوة، قال المتنبي:
وإذا كانت النفوس كبارًا ... تعبت في مرادها الأجسام
وقال أرسططاليس: قد يفسد العضو لصلاح أعضاء كالكي والفصل اللذين يفسدان الأعضاء لصلاح غيرها، نقله المتنبي إلى شعره فقال:
تموت مع المرء حاجاته ... وتبقى له حاجة ما بقي
وقال المتنبي:
ذكر الفتى عمره الثاني وحاجته ... ما قاته وفضول العيش أشغال
وقال أرسططاليس: قد يفسد العضو لصلاح أعضاء كالكي والفصد اللذين يفسدان الأعضاء لصلاح غيرها، نقله المتنبي إلى شعره فقال:
لعل عتبك محمود عواقبه ... فربما صحت الأجساد بالعلل
وقال أرسططاليس: الظلم من طبع النفوس وإنما يصدها عن ذلك إحدى علتين: إما علة دينية خوف معاد، أو علة سياسية خوف سيف، قال المتنبي:
والظلم من شيم النفوس فإن ... تجد ذا عفة فلعلة لا يظلم
والواقع أن مرجع كل كلام في مسألة المتنبي وأرسططاليس، والكتاب الذي وضعه في هذا الموضوع محمد بن الحسن الحاتمي بعنوان: (الرسالة الحاتمية في سرقات المتنبي من أرسططاليس)، وقد كانت العرب تدرس هذه المسائل في باب السرقات في كتب البلاغة والنقد، إلا أن العبرة كما هو معلوم بالمضمون لا بالشكل والمصطلح، فالسرقة في داخل الأدب القومي ليست كالسرقة إذا تمت بالسطو على أدب أمة أخرى، وهذا النوع الأخير يدخل في باب الأدب المقارن، وهذا هو الاصطلاح الذي قبلناه، وأدخلنا معه ذلك التخصص في مقررات جامعاتنا، وتبنيناه في دراساتنا وبحوثنا ورسائلنا العلمية. وفي المقالة الثامنة من (الفهرس) لابن النديم، وتحت عنوان: الفن الأول في أخبار المسامرين والمخرفين، وأسماء الكتب المصنفة في الأسمار تطالعنا هذه الوثيقة المهمة، التي يتطلع لمثلها الدارس المقارن لما تقدمه له من عون كبير في موضوع تتبع المسارات، التي اتخذتها الأشكال والأجناس الأدبية في انتقالها من ثقافة أمة إلى ثقة أمة أخرى، يقول ابن نديم: أول من صنف الخرافات وجعل لها كتبًا وأودعها الخزائن، وجعل بعض ذلك على ألسنة الحيوان الفرس الأُوَل، ثم أغرق في ذلك ملوك الأشغانية، وهم الطبقة الثالثة من ملوك الفرس، ثم زاد ذلك واتسع في أيام ملوك الساسانية ونقلته العرب إلى اللغة العربية، وتناوله الفصحاء والبلغاء فهذبوه ونمقوه وصنفوا في معناه ما يشبهه، فأول كتاب عمل في هذا المعنى كتاب (هزار أفسان) ومعناه ألف خرافة. وكان السبب في ذلك أن ملكًا من ملوكهم كان إذا تزوج امرأة، وبات معها ليلة قتلها من الغدـ فتزوج بجارية من أولاد الملوك ممن لها عقل ودراية يقال لها: شهرزاد فلما حصلت معه ابتدأت تخرفه، وتصل الحديث عند انقضاء الليل بما يحمل الملك على استبقائها، ويسألها في الليلة الثانية عن تمام الحديث إلى أن أتى عليها ألف ليلة وهو مع ذلك يطأها إلى أن رُزقت منه ولدًا، فأظهرته وأوقفته على حيلته عليها، فاستعقلها ومال إليها واستبقاها، وكان للملك قهرمانة يقال لها: دنيا زاد، فكانت موافقة لها على ذلك، وقد قيل: إن هذا الكتاب ألف لحمان بن بهمن وجاءوا فيه بخبر غير هذا، والصحيح إن شاء الله أن أول من سمر بالليل الإسكندر، وكان له قوم يضحكونه ويخرفونه لا يريد بذلك اللذة، وإنما كان يريد الحفظ والحرس، واستعمل لذلك بعده الملوك كتاب (هزار أفسان)، ويحتوي على ألف ليلة وعلى دون المائتي سمر؛ لأن السمر ربما حدث به في عدة ليال، وقد رأيته بتمامه دفعات وهو بالحقيقة كتاب غث بارد الحديث. وابتدأ أبو عبد الله محمد بن عبدوس الجهشاري صاحب كتاب (الوزراء)، بتأليف كتاب اختار فيه ألف سمر من أسمار العرب والعجم والروم وغيرهم، كل جزء قائم بذاته لا يعلق بغيره، وأحضر المسامرين فأخذ عنهم أحسن ما يعرفون ويحسنون، واختار من الكتب المصنفة في الأسمار والخرافات ما يحلو بنفسه، وكان فاضلًا فاجتمع له من ذلك أربعمائة ليلة وثمانون ليلة، كل ليلة سمر تام يحتوي على خمسين ورقة وأقل وأكثر، ثم عاجلته المنية قبل استيفاء ما في نفسه من تتميمه ألف سمر. ورأيت من ذلك عدة أجزاء بخط أبي الطيب أخ الشافعي، وكان قبل ذلك يعمل الأسمار والخرافات على ألسنة الناس والطير والبهائم جماعة، منهم: عبد الله بن المقفع وسهل بن هارون وعلي بن داود كاتب زبيدة وغيرهم، وقد استقصينا أخبار هؤلاء وما صنفوه في مواضيع من الكتاب، فأما كتاب (كليلة ودمنة)، فقد اختلف في أمره فقيل: عملته الهند، وخبر ذلك في صدر الكتاب، وقيل: عملته ملوك الإسكانية ونحلته الهند، وقيل: عملته الفرس ونحلته الهند، وقال قوم: إن الذي عمله بزرجمهر الحكيم وأجزاء، والله أعلم بذلك. وتعليقي على هذا أنه ما دام الأمر كذلك، فلست أدري وجهًا لقول الدكتور عبد الحميد إبراهيم: إن الأدب المقارن قد جاء إلى العالم العربي من فوق منقولًا من الجامعات الفرنسية على يد الدكتور محمد غنيمي هلال في كتابه (الأدب المقارن)، ذلك أننا قد رأينا بأنفسنا أن تراثنا مفعم بمثل تلك الأبحاث، وإن كان أسلافنا كما قلت: لم يهتموا بصك المصطلحات ولا بتسمية العلم، الذي كانوا يدورون في فلكه بل لم يتنبهوا فيما هو واضح إلى أنهم يكتبون أدبًا مقارنًا، وهذا كل ما هنالك. وحتى لو غضضنا الطرف عن التراث الأدبي القديم في الدراسات الأدبية المقارنة، فهذا هو رفاعة الطهطاوي وأحمد فارس الشدياق وروح الخالدي مثلًا، يكتبون أدبًا مقارنًا قبل محمد غنيمي هلال، بل قبل أن نعرف التعليم الجامعي نفسه بزمن طويل. أما بالنسبة إلى دعوى عبد الحميد إبراهيم بأن الدكتور محمد غنيمي هلال حين تناول الأجناس الأدبية من وجهة نظر الأدب المقارن، إنما حصر نفسه في الملحمة والخرافة والقصة والمسرحية، ولم يتطرق إلى ذكر أي جنس أدبي عربي كالخطابة والشعر والحكمة، فقد فاته أن هلال قد أورد ضمن الأجناس الأدبية التي ذكرها في كتابه المقامة مثلًا، وعرض لتأثيرها في رواية الشطار، التي انتشرت في أوربا في بداية عصر النهضة، كما تحدث عن "دانتي" وتأثره بالأدب العربي الإسلامي في نظمه للكوميديا الإنسانية، إن الدكتور عبد الحميد إبراهيم يرفض أن يكون الأدب المقارن عندنا نحن العرب في خدمة أفكار الأوربيين، بحيث يقتصر الكلام فيه على تأثير الآداب الأوربية في أدب العرب، دون الاهتمام بالسير في الاتجاه المقابل اتجاه تأثير الأدب العربي في الآداب الغربية، ونحن معه في هذا، إلا أن ما يوحيه كلامه من أن المقارنين العرب كلهم على بكرة أبيهم تقريبًا قد فعلوا ويفعلون هذا، غير صحيح. بل إن الدكتور غنيمي هلال ذاته قد تكلم في عدة مواضيع من كتابه عن ذلك التأثير، وإن لم يتوسع فيه توسعه في الحديث عن التأثير المضاد، ولدينا مثلًا عبد الرحمن صدقي، الذي أبدع كتابًا عن تأثر الشاعر والفيلسوف الألماني "ولهم قوته" بأشياء كثيرة من الأدب العربي والقرآن والسنة النبوية، ومثله في ذلك عبد المطلب صالح صاحب كتاب (موضوعات عربية في ضوء الأدب المقارن)، وفيه ألقَى أضواءً ساطعةً على ما يدين به الشاعر والقصاص الفرنسي "فيكتور هيجو" في إبداعاته للإسلام، وكذلك الدكتورة مكارم الغامري، إذ لها كتاب هام بعنوان (مؤثرات عربية وإسلامية في الأدب الروسي)، كشفت فيه بالتفصيل تأثر كبار الأدباء الروس بالأدب العربي والإسلام، وهناك الدكتور أحمد محمد البدوي، وكتابه (أوراق شرقية في القيثار الغربي)، الذي كشف الستار فيه عن تأثر الشاعر والقصاص الأمريكي الشهير "إدجار ألن بو" بعناصر إسلامية واضحة. ولدينا أيضًا الدكتور عبد الله الطيب السوداني، الذي تحدث عن تأثر "تي إس إليوت" بمعلقة لبيد بن ربيعة، وعندنا كذلك الدكتور بديع محمد جمعة الذي له بحث عن "تأثر الأدب الفرنسي بالأدب العربي في فن المقامة"، وهناك كذلك الدكتور مصطفى حجازي السيد والدكتور محمد إبراهيم محمد أبو عجل، اللذان كتب أولهما كتابًا عن لغة الهوسا وأدبها، وتأثرهما بلغة العرب وآدابها عنوان (أدب الهوسا الإسلامي)، وكتب ثانيهما كتابًا مماثلًا، ولكن عن اللغة السواحلية عنوانه (الأدب السواحلي الإسلامي). ولدينا من المقارنين العرب من كتب في تأثير قصص الحيوان عند ابن المقفع مثلًا على "لافونتين" في خرافاته، ومن كتب عن تأثير رسالة ابن الطفيل (حي بن يقظان) على الرواية الإنجليزية (روبنسن كروزو)، التي كتبها "دانيال ديفو"، ومن كتب عن تأثير العنصر العجائبي في (ألف وليلة) على روائي أمريكا الجنوبية ذوي اتجاه الواقعية السحرية.(منقول بإيجاز)

المستشار الأدبي
حسين علي الهنداوي
شاعر وناقد
مدرس في جامعة دمشق
دراسات جامعية-في الأدب العربي
صاحب الموسوعة الأدبية (المرصد الأدبي )
حجم الموسوعة( خمس عشرة ألف صفحة )
سوريا -درعا- hoshn55@gmail.com
السيرة الذاتية للمستشار الأدبي(حسين علي الهنداوي)
أ- أديب و شاعر وقاص ومسرحي و ناقد و صحفي
ب- له العديد من الدراسات الأدبية و الفكرية
ج-نشر في العديد من الصحف العربية
د- مدرس في جامعة دمشق - كلية التربية - فرع درعا
ه- ولد الأديب في سوريا – درعا عام 1955 م
و- تلقى تعليمه الابتدائي و الإعدادي و الثانوي في مدينة درعا
ح- انتقل إلى جامعة دمشق كلية الآداب – قسم اللغة العربية و تخرج فيها عام 1983
ك- حائز على إجازة في اللغة العربية
ص-حائز على دبلوم تأهيل تربوي جامعة دمشق
ع- عمل محاضراً لمادة اللغة العربية في معهد إعداد المدرسين - قسم اللغة العربية في مدينة درعا
ف- انتقل إلى التدريس في المملكة العربية الســـعودية عام (1994 /2000 ) في مدينتـــي عنيزة و تبوك 0
1- عضو اتحاد الصحفيين العرب
2- عضو اتحاد كتاب الانترنت العرب
3- عضو تجمع القصة السورية
4- عضو النادي الأدبي بتبوك
مؤلفاته :
أ*- الشعر :
1- هنا كان صوتي و عيناك يلتقيان/1990
2- هل كان علينا أن تشرق شمس ثبير/1994
3- أغنيات على أطلال الزمن المقهور /1994
4- سأغسل روحي بنفط الخليج /1996
5- المنشّى يسلم مفاتيح إيلياء/1996
6- هذه الشام لا تقولي كفانا / مخطوط
ب*- القصة القصيرة :
شجرة التوت /1995
ج – المسرح :
1- محاكمة طيار /1996
2- درس في اللغة العربية /1997
3- عودة المتنبي / مخطوط
4- أمام المؤسسة الاستهلاكية / مخطوط
د – النقد الأدبي :
1- محاور الدراسة الأدبية 1993
2- النقد و الأدب /1994
3- مقدمتان لنظريتي النقد و الشعر / مخطوط
4- أسلمة النقد الأدب
هـ - الدراسات الدينية :
1- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الأول
2- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الثاني
3- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الثالث
4- فتاوى و اجتهادات / جمع و تبويب
5- هل أنجز الله وعده !!!!!!
و- موسوعة (المرصد الأدبي) :
1-تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية ( معاني الأدب وعلاقاته)
2 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية قبل الإسلام (العصر الجاهلي )
3 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر صدر الإسلام )
4 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر الخلفاء الراشدين )
5 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر الخلفاء الأمويين)
6 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء العباسيين )
7 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء الأندلسيين )
8 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الدول المتتابعة )
9- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء العثمانيين )
10- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية في (العصر الحديث)
11- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية في (العهد المعاصر)