فسيفساء الحياة الجاهلية
سكن العربُ الجزيرةَ العربية منذ عهودٍ مُغرقةٍ في القدم، ولكنّ تاريخهم القديم مجهولٌ غير معروف، وأقدمُ ما نعرفه عن أخبارهم المؤكّدةِ ما أفادته النقوشُ المكشوفة حديثاً، التي يرتقي أقدمها إلى القرن التاسع قبل الميلاد، فتُقدِّم لنا معلوماتٍ عن نشوء حضارة عريقةٍ في اليمن، وعن قيام خمسِ ممالك ، أشهرها: مملكتا معين وسبأ، وهي حضارة عربية صافية لم تأتِ العرب من الخارج، بل نمت وتطورت في الداخل، إذ كان لهم قوانينهم وأنظمتهم ودساتيرهم، وكانت لهم قدم راسخة في عمارة القصور والهياكل وتشييد السدود". فلم يطلق على هذه الفترة اسم الجاهلية لتخلف في العلوم والمعارف بل سمّيت جاهلية لانتشار العصبية القبلية وما يترتب عليها من صراع وثأر وانقسام . والمؤرخون يسمّون عرب اليمن بالعرب الجنوبيين أو القحطانيين، تمييزاً لهم من عرب الشمال أو العدنانيين الذين كانوا يسكنون الحجاز، وتمتد عشائرهم وقبائلهم إلى باديتي الشام والعراق. وعلى الرّغم من أن أغلب القبائل الشمالية بقيت تعيش حياة صحراوية بدوية لم يتهيأ لها الاستقرار بصورة دائمة، في ممالك ثمود والأنباط وتدمر تخرج عن هذا التعميم لتقدم لنا أمثلة على استقرار بعض المناطق حين تهيأ لها ذلك. على أن هذه المعلومات تتّصل كلّها بالعهود التي سبقت العصر الجاهلي. أما في هذا العصر فقد كان العرب قسمين : أهل الحضر والبدو: فأهل الحضر هم الذين كانوا يعيشون حياة مستقرة، ويشتغلون بالتجارة أو الزراعة أو الصناعة كسكّان اليمن، وإمارتي المناذرة والغساسنة، وبعضِ مدن الحجاز كمكّة والطائفِ ويثرب. والبدو هم الذين يسكنون البادية ، وهم أكثر سكّان الجزيرة، يعيشون حياة المطر، والرحلة إلى أماكنها مع حيواناتهم، وعليها اعتمادهم في مأكلهم وملبسهم وتنقّلهم المستمر، وكثيراً ما كانت أماكن الرعي، وآبار المياه والواحات أسباباً للقتال والغزو بين قبائل العرب المختلفة. إذا انتقلنا إلى حياتهم الاجتماعيّة نجد أنَّ القبيلةَ هي النواة الاجتماعية التي يتألف منها المجتمع في العصر الجاهلي، وغالباً ما تسمّى القبيلة باسم الأب كمُضر وربيعة – ونادراً ما تنتسب إلى الأم كحنيفة وبجيلة، وقد تعرف القبيلة بحادث معين كغسان (وهو اسم للماء الذي نزلت به هذه القبيلة في أول مرة). ونظراً لتحمس البدوي العربي للعصبية التي يرى فيها فلسفته في الحياة فقد برزت بعض المظاهر الاجتماعية السلبية من أمثال الثأر والتناحر والتعصّب سواء أصابت القبيلة أم أخطأت. وقد صوّر دُريدُ بن الصمَّة ذلك في قوله:
وما أنا إلا من غُزّيَّةَ إنْ غَوَتْ غويّتُ، وإن تَرْشُدْ غُزّيَّةُ أرشُدِ
إلا أنّ ذلك لم يمنع من ظهور مجموعة القيم والمثل الأخلاقية بسبب ظروفهم المعاشية . فالحياة الحربية جعلتهم شجعاناً ينجدون من يستغيث بهم، والجدب في البادية دفعهم إلى أن يكونوا في الجود والكرم المثل الأعلى، وكثرة التنقل جعلت العربي محبّاً للحرية، أبياً للضيم، مُعتزاً بنفسه. أما المرأة فقد كان لها شأنها عظيماً في القبيلة حتى إن الشَّنفرى يسمي أمّه ابنة الأحرار، اعتزازاً وافتخاراً بأمومتها. وكثيراً ما كان للمرأة دور فعال في الحروب، وعقد المعاهدات ومحاولات الصلح والسلام بين القبائل المتنازعة وكانت تستشار في الرأي وفي أمر زواجها.
أما الحياة السياسيّة في العصر الجاهلي فتتجلّى في ثلاثة مظاهر: الحكومة القبيلة، ويعد شيخ القبيلة رأس الحكومة القبليّة، ويحكمها بالشورى، ويلجأ إلى التحكيم لفضّ المنازعات والخلافات التي تحدث بين القبائل، وقد يؤدي عدم الالتزام بالحكم أو العهود والمواثيق إلى تأزّم الوضع بين القبائل، ونشوب الحروب والمنازعات. والمظهر السياسي الثاني هو حكم المدن التجارية حيث تتركز سلطة الحكم بيد طبقة واحدة من التجار، أصحاب النفوذ المادي والمعنوي ومن أمثلته حكم قريش الذي يتجلّى فيه كل من النفوذ التجاري والاجتماعي والديني. والمظهر الثالث هو وجود النفوذ الأجنبي: فقد كان الصراع السياسي حول الزعامة شديداً بين الإمبراطوريتين القديمتين : البيزنطيّة في الشام والساسانيّة في العراق، وقد أدى ذلك إلى وجود إمارات عربية متاخمة، لكل من هاتين الإمبراطوريتين، مثل إمارة المناذرة في الحيرة قرب الكوفة، الموالية للفرس، وإمارة الغساسنة في الشام التي كانت عوناً للروم على أعدائهم، وقد استطاع ذلك النزاع أن يزوّد العرب وخصوصاً في الحيرة والشام بثقافة حربية سياسية أكسبتهم تجارب كثيرة. وإذا اطّلعنا على حياتهم العقلية ونعني بها مجموعة المعارف التي اكتسبوها نتيجة طبيعتهم الجغرافية وطرق حياتهم وانتقالهم من مكان إلى آخر، والظروف المعاشية التي كانت تحيط بهم وجدنا أنّ بعض القبائل العربية كالتبابعة (جمع تُبّع لقب ملوك اليمن) والمناذرة في الحيرة، والغساسنة في الشام كانوا على حظّ من المعرفة والثقافة، يدلّنا على ذلك ما وصلوا إليه من مهارة في بناء السدود، وحفر المجاري المائية، وتخطيط المدن وتنظيم الجيوش. وأبرز معارفهم الأنواءُ فقد كان لهم إلمام بمهبِّ الرياح، وسقوط المطر، وحركة النّجوم وذلك نابع عن واقع حياتهم البدوية. ولعرب السواحل معرفة بالملاحة البحرية، ولا ننسى المعارف الأخرى التي عرفها العرب بطريق التجربة والاتصال بالأمم المجاورة لهم كعلم الطب الذي اقتصر على الطرق البدوية البسيطة ، واستعمال العقاقير النباتية المتوافرة لديهم، والكّي بالنار. ويُرى أن الحارث بن كلدة طبيب العرب في الجاهلية قد تعلم الطبَّ في بلاد الفرس، ومن أطباء العرب المشهورين ابن حذيم، وعنه تُروى الحكمة المشهورة: "البطنة بيتُ الداء والحمية رأسُ الدواء". وفي اللغة العربية أسماءٌ لكثير من العلل والأمراض والأدوية النباتيّة ووصف لبعض الأعضاء في الإنسان والحيوان، تدل ولا ريب على مدى معرفة العرب بالطب وعلم الحياة. وتميّز العرب بالتاريخ والأخبار والأنساب إلى جانب الكهانة والعرافة بنتيجة بصرهم الثاقب وبصيرتهم المتفتّحة. ونتناول أخيراً الحياة الدينية عند العرب، فقد دانت أكثريتهم بالوثنية وعبادة الأصنام والأوثان، مع اعتقادهم الكثير منهم بوجود إله واحد، وبأنَّ هذه الأصنام إنما وجدت لتقرِّبهم إلى الله زُلفى . وكان فيهم من عبد الشمس والقمر، وبعضهم قال بإلاهين: أحدهما للنُّور وهو مصدر الخير، والآخر للظلام وهو مصدر الشر، ومنهم من عاش لا يعرف إلهاً ولا ديناً. على أن العرب قد تعرّفوا الديانتين السماويتين : اليهودية والنصرانية فانتشرت الأولى في اليمن وفي يثرب، والثانية في ربيعة وغسان وبين أهل الحيرة. أما الكتابة فكان شأنها ضئيلاً عند العرب، لذلك كانت الرواية الشفهية هي المصدر المعين لحفظ التراث الفكري والعقلي للعرب حتى بعد الإسلام: وإلى زمن التدوين والكتابة الذي بدأ يتطوّر بسرعة حتى شاعت الكتابة في أواخر العصر الأموي وأوائل العصر العباسيّ، لكن هذا الحكم ليس مطلقاً، فقد وردت إشارات كثيرة في الشعر تشير إلى الكتابة والكتاب والقلم والصُّحف والدواة وغير ذلك من وسائل الكتابة المعروفة.





المستشار الأدبي
حسين علي الهنداوي
شاعر وناقد
مدرس في جامعة دمشق
دراسات جامعية-في الأدب العربي
صاحب الموسوعة الأدبية (المرصد الأدبي )
حجم الموسوعة( خمس عشرة ألف صفحة )
سوريا -درعا- hoshn55@gmail.com
السيرة الذاتية للمستشار الأدبي(حسين علي الهنداوي)
أ- أديب و شاعر وقاص ومسرحي و ناقد و صحفي
ب- له العديد من الدراسات الأدبية و الفكرية
ج-نشر في العديد من الصحف العربية
د- مدرس في جامعة دمشق - كلية التربية - فرع درعا
ه- ولد الأديب في سوريا – درعا عام 1955 م
و- تلقى تعليمه الابتدائي و الإعدادي و الثانوي في مدينة درعا
ح- انتقل إلى جامعة دمشق كلية الآداب – قسم اللغة العربية و تخرج فيها عام 1983
ك- حائز على إجازة في اللغة العربية
ص-حائز على دبلوم تأهيل تربوي جامعة دمشق
ع- عمل محاضراً لمادة اللغة العربية في معهد إعداد المدرسين - قسم اللغة العربية في مدينة درعا
ف- انتقل إلى التدريس في المملكة العربية الســـعودية عام (1994 /2000 ) في مدينتـــي عنيزة و تبوك 0
1- عضو اتحاد الصحفيين العرب
2- عضو اتحاد كتاب الانترنت العرب
3- عضو تجمع القصة السورية
4- عضو النادي الأدبي بتبوك
مؤلفاته :
أ*- الشعر :
1- هنا كان صوتي و عيناك يلتقيان/1990
2- هل كان علينا أن تشرق شمس ثبير/1994
3- أغنيات على أطلال الزمن المقهور /1994
4- سأغسل روحي بنفط الخليج /1996
5- المنشّى يسلم مفاتيح إيلياء/1996
6- هذه الشام لا تقولي كفانا / مخطوط
ب*- القصة القصيرة :
شجرة التوت /1995
ج – المسرح :
1- محاكمة طيار /1996
2- درس في اللغة العربية /1997
3- عودة المتنبي / مخطوط
4- أمام المؤسسة الاستهلاكية / مخطوط
د – النقد الأدبي :
1- محاور الدراسة الأدبية 1993
2- النقد و الأدب /1994
3- مقدمتان لنظريتي النقد و الشعر / مخطوط
4- أسلمة النقد الأدب
هـ - الدراسات الدينية :
1- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الأول
2- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الثاني
3- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الثالث
4- فتاوى و اجتهادات / جمع و تبويب
5- هل أنجز الله وعده !!!!!!
و- موسوعة (المرصد الأدبي) :
1-تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية ( معاني الأدب وعلاقاته)
2 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية قبل الإسلام (العصر الجاهلي )
3 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر صدر الإسلام )
4 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر الخلفاء الراشدين )
5 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر الخلفاء الأمويين)
6 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء العباسيين )
7 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء الأندلسيين )
8 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الدول المتتابعة )
9- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء العثمانيين )
10- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية في (العصر الحديث)
11- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية في (العهد المعاصر)