تدوين الأدب الجاهلي
أ-المقصود بالتدوين : يقصد بالتدوين الكتابة، وكانت الكتابة معروفة للعرب في العصر الجاهلي، بدليل وجود إشارات إليها في الأدب الجاهلي، كقول طرفة:
كسطور الرق رقشه ... بالضحى مرقش يشمه
وقول المرقش الأكبر:
الدار وحش والرسوم كما ... رقش في ظهر الأديم قلم
وقول امرئ القيس:
لمن طلل أبصرته فشجاني ... كخط زبور في عسيب يمان
وقوله:
أتت حجج بعدي عليها فأصبحت ... كخط زبور في مصاحف رهبان
وفي هذه الأمثلة نجد الإشارة إلى الأقلام وبعض ما كان يكتب عليها كالأديم، والعسيب، والصحف. وقد وجدت نقوش للعرب الجنوبيين تدل على وجود الكتابة عند أهل اليمن منذ ألف عام على الأقل قبل الميلاد, كما عثر في آثار الشماليين على نقش النمارة الذي يرجع تاريخه إلى سنة 328 م ، وهو مكتوب بخط مشتق من الآرامي.
ب -دليل وجود الكتابة فيما قبل الإسلام :
كانت العهود والمواثيق في غالب الأحيان تدون، تسجيلًا لها، لتكون أقوى ارتباطًا، وأشد إلزامًا، ومن ذلك صحيفة قريش التي علقوها في جوف الكعبة ،كما كانت الرسائل، على وجه العموم، تبعث مكتوبة، كالصحيفة التي وجهها عمرو بن هند ملك الحيرة إلى عامله بالبحرين في شأن طرفة والمتلمس، ومن ذلك أيضًا القصيدة التي أرسلها لقيط بن يعمر الإيادي الذي كان كاتبًا في ديوان كسرى، حين علم أن كسرى مجمع على غزو إياد، فكتب إليهم هذه القصيدة ينذرهم بما يتهددهم من خطر، وهي قصيدة طويلة، وفي آخرها يقول:
هذا كتابي إليكم والنذير لكم ... لمن رأى رأيه منكم ومن سمعا
وأكبر دليل على وجود الكتابة في الجاهلية بين العرب، هذه الكتب التي أرسلها النبي صلى الله عليه وسلم إلى الملوك والرؤساء يدعوهم فيها إلى الإسلام، ثم كتاب الوحي الذي كان الرسول عليه الصلاة والسلام يأمرهم بكتابة آي القرآن الكريم كلما نزل عليه الوحي .
ج-التدوين بين الأدباء:
المتتبع للأدباء في فترة ما قبل الإسلام يكتشف أنَّ كثرة منهم أميون، وقلة منهم يقرؤون ويكتبون، ومن هؤلاء: عدي بن زيد العبادي ولقيط بن يعمر الإيادي، وسويد بن صامت الأوسي، وعبد الله بن رواحة، وكعب بن مالك والربيع بن زياد، ولبيد بن ربيعة. وقد وردت الأخبار القاطعة بأن كثيرًا منهم كانوا لا يعرفون القراءة والكتابة، وأظهر مثل لذلك طرفة والمتلمس فقد حمل كل منها صحيفة فيها الأمر بإعدامه ولقى طرفة حتفه بسبب ذلك. وربما كان بعض الأدباء -وبخاصة الشعراء الذين اشتهروا بالحوليات، وأخذهم وقتًا طويلًا في إعداد آثارهم الأدبية، وتحويرها، وتنميقها لتكون في أروع ما يستطيعون، ربما كان هؤلاء- ممن يعرفون القراءة والكتابة، هؤلاء الأدباء الذين كانوا يقرءون ويكتبون يحتمل جدًّا أنهم قد قاموا بتدوين آثارهم الأدبية أو بعضها على الأقل. ولكن مما لا شك فيه أن بعض القبائل قد قامت بجمع آثار أدبائهم وتدوينها، بدليل ذكر كتب يحمل كل منها اسم قبيلة معينة يضم أخباره وآثارها، مثل كتاب قريش وكتاب ثقيف9 وكتاب تميم، وغير أولئك، جاء في المفضليات.
وجدنا في كتاب بني تميم ... أحق الخيل بالركض المعار
د- الملوك الجاهليون يهتمون بالتدوين :
يبدو أن فكرة تدوين الآثار الأدبية قديمة عند العرب، يقول حماد الراوية: "إن ملك الحيرة النعمان بن المنذر المتوفى سنة 602 ه أمر فنسخت له أشعار العرب في الطنوج -وهي الكراريس- ثم دفنها في قصره الأبيض، فلما كان المختار بن أبي عبيدة الثقفي، قيل له: إن تحت القصر كنزًا، فاحتفره ، فأخرج تلك الأشعار، فمن ثم أهل الكوفة أعلم بالشعر من أهل البصرة ، وبعض الباحثين يشك في هذه الدعوى ، ومن الطبيعي أن يعتز الملوك والسادة الكبار بما قيل فيهم من مدائح، وما لهم من آثار، فيعملوا على تسجيلها وتدوينها لتظل خالدة. وفي ذلك يقول ابن سلام في كلامه عن الشعر العربي القديم: "وقد كان عند النعمان بن المنذر منه ديوان فيه أشعار الفحول، وما مدح به هو وأهل بيته فصار ذلك إلى بني مروان" وقد ورد أنه في زمن الوليد بن عبد الملك تولى الخطاط خالد بن أبي الهياج كتابة المصاحف والشعر والأخبار للخليفة المذكور، كما أن الخليفة الوليد بن يزيد المولود سنة 90ه-708 م والمتوفى سنة 127ه -744 م أمر بجمع ديوان العرب وأشعارها وأخبارها، وأنسابها ولغاتها ؛ وكما كان في الأدباء من يقرأ ويكتب، كان من الرواة من يعرفون القراءة والكتابة: فيروى عن أبي عمرو بن العلاء أن كتبه ملأت بيتًا له إلى قريب من السقف، ثم إنه تقرأ فأحرقها كلها، فلما رجع بعد إلى علمه الأول لم يكن عنده إلا ما حفظه بقلبه ؛ وجاء في الأغاني ن حمادًا الراوية قال: "أرسل الوليد بن يزيد إليَّ بمائتي دينار، وأمر يوسف بن عمر بحملي إليه على البريد. قال: فقلت: لا يسألني إلا عن طرفيه: قريش وثقيف، فنظرت في كتابي قريش وثقيف". ويقول صاحب الأغاني في موضع آخر. كان حماد الراوية في أول الأمر يتشطر ويصحب الصعاليك واللصوص فنقب ليلة على رجل فأخذ ماله، وكان فيه جزء من شعر الأنصار، فقرأه حماد فاستحلاه وتحفظه كما يروى أن ابن الأعرابي لما بعث إليه أبو أيوب أحمد بن محمد بن شجاع غلامًا من غلمانه يسأله المجيء إليه، عاد إليه الغلام، فقال: قد سألته ذلك، فقال لي: عندي قوم من الأعراب فإذا قضيت أربي معهم أتيت. قال الغلام: وما رأيت عنده أحدًا إلا أني رأيت بين يديه كتبًا ينظر فيها، فينظر في هذا مرة، وفي هذا مرة ؛ وقال ابن السكيت عن أبي عمرو الشيباني: مات أبو عمرو الشيباني وله مائة وثماني عشرة سنة، وكان يكتب بيده إلي أن مات، وكان ربما استعار مني الكتاب وأنا إذ ذلك صبي آخذ عنه وأكتب من كتبه ، ويقولون عن اختيار أبي تمام لديوان الحماسة إن الثلج عاقه عن السفر وكان في العراق، فاستضافه أبو الوفاء بن سلمة، وأحضره خزانة كتبه فطالعها واشتغل بها، وصنف خمسة كتب في الشعر، منها كتاب الحماسة، والوحشيات ، ثم إن التصحيف نفسه يدل على وجود الكتب المؤلفة في الأدب، كما أن الأخبار قد وردت بوقوع بعض أئمة الرواة في التصحيف، هذا معناه أنهم كانوا بجانب الأخذ مشافهة كانوا يأخذون كذلك من الكتب، رغبة في ازدياد المعرفة، وسعة أفق الرواية، ومما يروى في هذا الشأن ما حدث من الأصمعي إذ يقول أبو حاتم السجستاني: "قرأ الأصمعي على أبي عمرو بن العلاء الحطيئة، فقرأ قوله:
وغررتنى وزعمت أنّـ ... ـك لابنٌ بالصيف تامر
أي كثير اللبن والتمر، فقرأها. "لا تني بالضيف تأمر" أي لا تتوانى عن ضيفك تأمر بتعجيل القِرى له. فقال له أبو عمرو: أنت والله في تصحيفك هذا أشعر من الحطيئة ، وأخبار التصحيف كثيرة، وقد ألفت فيه كتب، منها: التصحيف والتحريف للعسكري، والتنبيه على أغاليط الرواة للبصري. ولعل الخوف من الوقوع في التصحيف هو الذي جعل الرواة يعتمدون اعتمادًا كليًّا على الأخذ مشافهة، ويتحاشون الأخذ مباشرة من الكتب لأنه عرضة للتحريف، خصوصًا قبل حدوث النقط والشكل. ومن ثم نجد الرواة -حتى من كانوا ينقلون عن كتب- يذكرون روايتهم بسند يوحي بأنهم أخذوها مشافهة وسماعًا، وعدوا النقل من الكتب عيبًا، قال ابن سلام في معرض حديثه عن الشعر القديم: "وقد تداوله قوم من كتاب إلى كتاب، لم يأخذوه عن أهل البادية، ولم يعرضوه على العلماء، وليس لأحد إذا أجمع أهل العلم والرواية الصحيحة على إبطال شيء منه أن ينقل من صحيفة ولا يروي عن صحفي" هذا طرف من الأخبار التي تؤيد وجود الكتب التي دون فيها الأدب الجاهلي، وكثير من هذه الأخبار التي سقناها يدل على أن تدوين الآثار الأدبية كان موجودًا قبل الإسلام. ولكننا لا نعرف بالضبط متى بدأ، ولا أي الآثار الأدبية كان أسبق في التدوين ، ولا شك أن مما ساعد على وجود هذه النهضة العظيمة في التدوين شيوع عادة الكتابة العربية وسهولتها في أواخر القرن الأول للهجرة، حوالى سنة 700 م بعد أن كانت نادرة، وأدواتها صعبة غير ميسرة. وقد كانت هناك عوامل كثيرة دفعت القوم إلى جمع الأدب الجاهلي وتدوينه، فقد كانت العصبية في الجاهلية هي التي تدفع الناس إلى حفظ آثارهم الأدبية، كل قبيلة تعنى بجمع نصوص أدبها وتعمل على نشره وإذاعته لأنه سجل مفاخرهم وأمجادهم، وضياعه فيه انهيار لمكانة القبيلة، وضياع لشرفها،




المستشار الأدبي
حسين علي الهنداوي
شاعر وناقد
مدرس في جامعة دمشق
دراسات جامعية-في الأدب العربي
صاحب الموسوعة الأدبية (المرصد الأدبي )
حجم الموسوعة( خمس عشرة ألف صفحة )
سوريا -درعا- hoshn55@gmail.com
السيرة الذاتية للمستشار الأدبي(حسين علي الهنداوي)
أ- أديب و شاعر وقاص ومسرحي و ناقد و صحفي
ب- له العديد من الدراسات الأدبية و الفكرية
ج-نشر في العديد من الصحف العربية
د- مدرس في جامعة دمشق - كلية التربية - فرع درعا
ه- ولد الأديب في سوريا – درعا عام 1955 م
و- تلقى تعليمه الابتدائي و الإعدادي و الثانوي في مدينة درعا
ح- انتقل إلى جامعة دمشق كلية الآداب – قسم اللغة العربية و تخرج فيها عام 1983
ك- حائز على إجازة في اللغة العربية
ص-حائز على دبلوم تأهيل تربوي جامعة دمشق
ع- عمل محاضراً لمادة اللغة العربية في معهد إعداد المدرسين - قسم اللغة العربية في مدينة درعا
ف- انتقل إلى التدريس في المملكة العربية الســـعودية عام (1994 /2000 ) في مدينتـــي عنيزة و تبوك 0
1- عضو اتحاد الصحفيين العرب
2- عضو اتحاد كتاب الانترنت العرب
3- عضو تجمع القصة السورية
4- عضو النادي الأدبي بتبوك
مؤلفاته :
أ*- الشعر :
1- هنا كان صوتي و عيناك يلتقيان/1990
2- هل كان علينا أن تشرق شمس ثبير/1994
3- أغنيات على أطلال الزمن المقهور /1994
4- سأغسل روحي بنفط الخليج /1996
5- المنشّى يسلم مفاتيح إيلياء/1996
6- هذه الشام لا تقولي كفانا / مخطوط
ب*- القصة القصيرة :
شجرة التوت /1995
ج – المسرح :
1- محاكمة طيار /1996
2- درس في اللغة العربية /1997
3- عودة المتنبي / مخطوط
4- أمام المؤسسة الاستهلاكية / مخطوط
د – النقد الأدبي :
1- محاور الدراسة الأدبية 1993
2- النقد و الأدب /1994
3- مقدمتان لنظريتي النقد و الشعر / مخطوط
4- أسلمة النقد الأدب
هـ - الدراسات الدينية :
1- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الأول
2- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الثاني
3- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الثالث
4- فتاوى و اجتهادات / جمع و تبويب
5- هل أنجز الله وعده !!!!!!
و- موسوعة (المرصد الأدبي) :
1-تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية ( معاني الأدب وعلاقاته)
2 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية قبل الإسلام (العصر الجاهلي )
3 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر صدر الإسلام )
4 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر الخلفاء الراشدين )
5 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر الخلفاء الأمويين)
6 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء العباسيين )
7 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء الأندلسيين )
8 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الدول المتتابعة )
9- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء العثمانيين )
10- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية في (العصر الحديث)
11- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية في (العهد المعاصر)