-الوصف :
توزع غرض الوصف في الشعر الجاهلي في ثنايا قصائد الشعراء فكان وصفاً لما وقعت عليه عيون الشاعر وقد وصف هذا الشعر الجاهلي الناقة والفرس والأسد والليل وغير ذلك .
يقول عنترة يصف ناقته :
فوقفت فيها ناقتي وكأنها فدنٌ لأقضي حاجة المتلوم
ويقول امرؤ القيس في وصف الفرس :
مكـرّ مفـرّ مقبل مدبـرٍ معـاً كجلمود صخرٍ حطه السيل من علِ ِ
كما أن الجاهليين وصفوا المرأة و وصفوا الطبيعة و وصفوا الحمر الوحشية ،
يقول الأعشى :
تسمع للحلي وسواساً إذا انصرفت كما استعان بريح عشرقٌ زجلُ
ولقد أحاط الشاعر الجاهلي في أوصافه بجميع ظواهر البيئة التي كان يعيش فيها، فوصف الطبيعة الحية والصامتة والساكنة والمتحركة فصور الصحراء وما فيها من جماد وحيوان وما يعتريها من رياح وسحب وأمطار وظواهر المناخ المختلفة، وغير ذلك بحيث يمكن القول معه بأن الشاعر الجاهلي قد صور البيئة العربية تصويرًا عامًّا استوعب فيه جميع ظواهر الحياة في ذلك العصر، فمثلًا في وصف الصحراء وما بها، يقول عميرة بن جمل:
ألا يا ديار الحي بالبردان ... خلت حجج بعدي لهن ثمان
فلم يبق منها غير نؤي مهدم ... وغير أوارٍ كالركي دفان
وغير حطوبات الولائد ذعذعت ... بها الريح والأمطار كل مكان
قفار مروراة يحار بها القطا ... يظل بها السبعان يعتركان
يثيران من نسج التراب عليهما ... قميصين أسماطًا ويرتديان
وبالشرف الأعلى وحوش كأنها ... على جانب الأرجاء عوذ هجان
وهنا يبدأ الشاعر قصيدته كما كانت عادة الشعراء بالحديث عن ديار الحبيبة التي تركها، فيصف المكان الذي كانت تسكنه، وما أصبح عليه بعد أن تركه أهلها، وصار قطعة من الصحراء المقفرة المهجورة، فلم يبق به إلا آثار متهدمة وبقايا أطلال عفت وتهدمت أو طمرت، وقليل من الأحطاب فرقتها الريح والأمطار في كل مكان، وامتلأ هذا الوطن بالرهبة والفزع، وطمست معالمه وضاعت منه جميع آثار الحياة حتى أصبح متاهة، يضل بها الساري، ولو كان أخبر الناس بالطرق والجهات، وصار مأوى للسباع المفترسة، وقد خلا من الماء والرزق، حتى إن الحيوانات الضارية لا تجد ما تقتات به، فيتعارك كل منها مع الآخر، ويفترس القوي الضعيف، وقد امتلأت جميع البقاع، وبخاصة الأماكن المرتفعة، بالوحوش الضارية التي اتخذتها لها دارًا تقيم فيها هي وأولادها، كأنما هي عرين لها، يملأ النفوس رعبًا وفزعًا.
وفي مثل هذا يقول سويد بن أبي كاهل اليشكري:
كم قطعنا دون سلمى مهمهًا ... نازح الغور إذا الآل لمع
في حرور ينضج اللحم بها ... يأخذ السائر فيها كالصقع
وتخطيت إليها من عدى ... بزماع الأمر والهم الكنع
وفلاة واضح أقرابها ... باليات مثل مرفت القزع
يسبح الآل على أعلامها ... وعلى البيد إذا اليوم متع
فركبناها على مجهولها ... بصلاب الأرض فيهن شجع
وشاعرنا هذا في حديثه عن بعد حبيبته يقول: إن بينه وبينها قفارًا كثيرة، مترامية الأطراف، يلمع فيها السراب، حين يشتد الحر، وتهب الريح فيها ساخنة، وتكاد شدة الحرارة تنضج اللحم، وتصيب من يسير فيها بضربة شمس توشك أن تقضي عليه، وهذه المهامه الواسعة مملوءة بالأعداء الذين لا بد لاتقائهم من أخذ الحيطة، والاستعداد لملاقاة الخطر، وتلك القفار الشاسعة كلها مرتفعات ومنخفضات ومتعرجات، ومعالمها بالية لا يستطيع السائر أن يهتدي بها، ويغطي هضابها ووديانها السراب حين ترتفع الشمس، وتزداد اللهفة للشرب من شدة العطش، مما يجعل السفر في منتهى المشقة والألم، ولكن المضطر لا بد له من تجشم الصعاب، وتعسف السير في مجاهل مسالكها وأعلامها. وهذه الصحراء الواسعة النائية الجهات، مملوءة بشتى الظواهر الطبيعية التي تتعاورها على اختلاف فصول السنة، تبعًا للارتفاع والانخفاض، ولئن كان الحر بها شديدًا في الصيف، فهناك بعض الأمكنة تهطل فيها الأمطار المصحوبة بالبرق والرعد، وبخاصة في أعالي الجبال، ومما قيل في ذلك ما ورد لامرئ القيس، إذ يقول:
أصاح ترى برقًا أريك وميضه ... كلمع اليدين في حبيّ مكلل
يضيء سناه أو مصابيح راهب ... أهان السليط بالذبال المفتل
قعدت له وصحبتي بين ضارج ... وبين العذيب بعد ما متأمل
علا قطنًا بالشيم أيمن صوبه ... وأيسره على الستار فيذبل
فأضحى يسح الماء في كل تلعة ... يكب على الأذقان دوح الكنهبل
ومر على القنان من نفيانه ... فأنزل منه العصم من كل منزل
وتيماء لم يترك بها جذع نخلة ... ولا أجمًا إلا مشيدًا بجندل
كأن ثبيرا في عرانين وبله ... كبير أناس في بجاد مزمل
كأن ذرا رأس المجيمر غدوة ... من السيل والغثاء فلكة مغزل
وألقى بصحراء الغبيط بعاعه ... نزول اليماني ذي العياب المحمل
كأن مكاكي الجواء غدية ... صبحن سلافًا من رحيق مفلفل
كأن السباع فيه غرقى عشية ... بأرجائه القصوى أنابيش عنصل
وهنا يصف الشاعر البرق بأنه كان يلمع وسط السحاب، في سرعة خاطفة كحركة اليدين ويرسل ضوءه في الجهات كأنما هو مصباح قوي مليء زيتًا، وأخذ الشاعر يتأمل السحاب فإذا به ينزل مطرًا مدرارًا، ويجري على الأرض سيلًا جارفًا يقتلع الأشجار والمنازل، ويخرج الوحوش من أوكارها، فتجري هاربة تبحث عن مأوى بعد أن دمر السيل مواطنها، ولكنها لا تفلت من قوة السيل وقسوته، فيجرفها تياره، وتلقى حتفها، وترى بعد من مخلفات السيل ضمن الغثاء الذي ملأ الأرجاء، ولكن الطيور فرحت به وابتهجت، ففي الصباح الباكر أخذت تغرد وتشدو بأعذب الألحان وقد كان حظ هذا الوادي الذي فاض بسيله أن ازدهر بالخصب، فامتلأ بالنبات والأزهار، وعمت الفرحة جميع الناس. فإذا ما أردنا تصويرًا للحيوانات التي بصحراء الجاهليين، وجدنا شعراءهم قد أتوا بأوصاف جميع هذه الحيوانات، وبخاصة ما كان شديد الصلة بحياتهم منها، فالخيل والإبل، كان لهما أكبر الأثر في حياتهم، إن في السلم، وإن في الحرب، فأكثروا فيها القول، حتى وصفوا جميع أجزاء أجسامهما، وصوروا كل أحوالهما، وتكاد جميع القصائد الطوال من أشعار الجاهليين لا تخلو من أوصاف لهما، ومن القصائد التي صورت الإبل بجميع جزئياتها صغيرة وكبيرة، معلقتا طرفة ولبيد، وقد بدأ طرفة حديثه عن ناقته بأنها هي التي تنسيه الهم، فكلما نزل بساحته كرب أو غم، التجأ إليها، فذهبت به بسرعة، إذ سرعان ما تحمله وتنتقل به من مكان إلى آخر، فيرى من المظاهر المختلفة ما يبعث في نفسه الراحة والمتعة، ويؤكد ذلك بأنها ذلول مطيعة، وتبعث في نفسه الأمن والطمأنينة، وهو على ظهرها؛ لأنها قوية، صبور على السير في كل الأوقات، وفي جميع الجهات، لا تمل السفر ليلًا أو نهارًا، وتجري في الأرض السهلة والصلبة، وفي الطرق معبدة كانت أو مهجورة، معروفة أو مجهولة، وذلك لأنها تعيش على أحسن الغذاء، ومعتنى بها في طعامها وشرابها أشد الاعتناء، فجسمها موثق، محكم العضلات، ومتين البنيان، وأخذ يصف كل جزء من جسمها، فيقول عنها في معلقته :
وإني لأمضي الهم عند احتضاره ... بعوجاء مرقال تروح وتغتدي
أمون كألواح الأران نسأتها ... على لاحب كأنه ظهر برجد
جمالية وجناء تردي كأنها ... سفنجة تبري لأزعر أربد
تباري عتاقًا ناجيات وأتبعت ... وظيفًا وظيفًا فوق مور معبد
تربعت القفين في الشول ترتعي ... حدائق موليّ الأسرة أغيد
تريع إلى الصوت المهيب وتتقي ... بذي خصل روعات أكلف ملبد
كأن جناحي مضرحي تكنفا ... حفافيه شكا في العسيب بمسرد
فطورًا به خلف الزميل وتارة ... على حشف كالشن ذاوٍ مجدد
لها فخذان أكمل النحض فيهما ... كأنهما بابا منيف ممرد
وطي محال كالحنيّ خلوفه ... وأجرنة لزت بدأي منضد.
كأن كناسي ضالة يكنفانها ... وأطر قسي تحت صلب مؤيد
لها مرفقان أفتلان كأنما ... تمر بسلمي دالج متشدد
كقنطرة الرومي أقسم ربها ... لتكتنفن حتى تشاد بقرمد
صهابية العثنون مؤجدة القرا ... بعيدة وخد الرجل موَّارة اليد
أمرت يداها فتل شزر وأجنحت ... لها عضداها في سقيف مسند
جنوح دفاق عندل ثم أفرعت ... لها كتفاها في معالي مصعد
كأن علوب النسع في دأياته ... موارد من خلقاء في ظهر قردد
تلاقى وأحيانًا تبين كأنها ... بنائق غر في قميص مقدد
وأتلع نهاض إذا صعدت به ... كسكان بوصي بدجلة مصعد
وجمجمة مثل العلاة كأنما ... وعى الملتقى منها إلى حرف مبرد
وعينان كالماويتين استكنتا ... بكهفي حجاجي صخرة قلت مورد
طحوران عوار القذى فتراهما ... كمكحولتي مذعورة أم فرقد
وخد كقرطاس الشآمي ومشفر ... كسبت اليماني قده لم يحرد
وصادقتا سمع التوجس في السرى ... لجرس خفي أو لصوت مندد
مؤللتان تعرف العتق فيهما ... كسامعتي شاة بحومل مفرد
وأروع نباض أحذ ململم ... كمرداة صخر من صفيح مصمد
وأعلم مخروت من الأنف مارن ... عتيق متى ترجم به الأرض تزدد
وإن شئت سامى واسط الكور رأسها ... وعامت بضبعيها نجاء الخفيدد
وإن شئت لم ترقل وإن شئت أرقلت ... مخافة ملوي من القد محصد
على مثلها أمضي إذا قال صاحبي ... ألا ليتني أفديك منها وأفتدي
أما لبيد فقد تحدث كذلك عن ناقته من حيث السرعة، واحتمال الأسفار، وأعضاء جسمها، ولكنه في تصوير سرعتها يقارنها مرة بأتان يطاردها فحل قد اعتاد مطاردة الفحول، فأثر ذلك في جسمه ونشاطه وسرعته، وأخذ يعلو حدب الآكام، وكان الغبار يرتفع في الفضاء من إثر جريهما، كأنه دخان نار ساطعة قد هبت عليها رياح الشمال، واستمرا على ذلك حتى أضناهما التعب، واشتد بهما العطش، ومرة أخرى يقارنها ببقرة وحشية قد أكل السبع ولدها، فذعرت، فأخذت تجري في الفيافي والقفار، وتسمع صوت صياد فتمتلئ رعبًا، وتزداد سرعة، ويحس الصائد أنه لا أمل في أن ينالها بسهامه، فيرسل وراءها كلابًا مسترخية الآذان، معودة للصيد، فلحقتها الكلاب، فرجعت البقرة عليهن تطعنهن لتطردهن عن نفسها. والشاعر في هذا الوصف قد أفادنا بهذا الاستطراد، بتصوير حمر الوحش، والبقر الوحشية، وكلاب الصيد، وهذه الأوصاف تنبئنا عن أحوال هذه الحيوانات وطبيعتها، كما تدل على دقة الملاحظة، وقوة الإحساس الشعري عند الشاعر الجاهلي. أما الخيل، فما أكثر الحديث عنها في الشعر الجاهلي، سواء في مجال الصيد، أم في مجال الحرب، وكلاهما يجيء في معرض الفخر بالفتوة والبطولة. وقد اشتهر بنعت الخيل من الشعراء طفيل الغنوي وأبو دؤاد الإيادي. والنابغة الجعدي. ومن خير الأمثلة في وصف خيل الصيد ما قاله امرؤ القيس عنها في معلقته، وقد ذكرنا هذا الوصف في الكلام عن المعلقة، ومن أمثلة ما جاء في وصف خيل الحرب، ما ورد للمزرد عنها، فقد أجاد في وصفها ذكورًا وإناثًا. وقد بدأ بوصف الذكور فقال في المفضلية :
وعندي إذا الحرب العوان تلقحت ... وأبدت هواديها الخطوب الزلازل
طوال القرا قد كاد يذهب كاهلًا ... جواد المدى والعقب، والخلق كامل
أجش صريحي كأن صهيله ... مزامير شرب جاوبتها جلاجل
متى ير مركوبًا يقل باز قانص ... وفي مشيه عند القياد تساتل
تقول إذا أبصرته وهو صائم ... خباء على نشز أو السيد ماثل
خروج أضاميم وأحصن معقل ... إذا لم تكن إلا الجياد معاقل
مبرز غايات وإن يتل عانة ... يذرها كذود عاث فيها مخايل
يرى طامح العينين يرنو كأنه ... مؤانس ذعر فهو بالأذن خاتل
إذا الخيل من غب الوجيف رأيتها ... وأعينها مثل القلات حواجل
وقلقلته حتى كأن ضلوعه ... سفيف حصير فرجته الروامل
يرى الشد والتقريب نذرًا إذا عدا ... وقد لحقت بالصلب منه الشواكل
له طحر عوج كأن مضيغها ... قداح براها صانع الكف نابل
وصم الحوامي ما يبالي إذا جرى ... أَوَعْثُ نقا عنت له أم جنادل
وسلهبة جرداء باق مريسها ... موثقة مثل الهراوة حائل
كميت عبناة السراة نمى بها ... إلى نسب الخيل الصريح وجافل
من المسبطرات الجياد طمرة ... لجوج، هواها السبسب المتماحل
صفوح بخديها وقد طال جريها ... كما قلب الكف الألد المجادل
يفرطها عن كبة الخيل مصدق ... كريم وشد ليس فيه تخاذل
وإن رد من فضل العنان توردت ... هويّ قطاة أتبعتها الأجادل
مقربة لم تقتعد غير غارة ... ولم تمتر الأطباء منها السلائل
إذا ضمرت كانت جداية حلب ... أمرت أعاليها وشد الأسافل
وقد أصبحت عندي تلادًا عقيلة ... ومن كل مال متلدات عقائل
وأحبسها ما دام للزيت عاصر ... وما طاف فوق الأرض حاف وناعل
ومما جاء في وصف النعام ما قاله علقمة الفحل في حديثه عن الناقة
كأنها خاضب زعر قوادمه ... أجنى له باللوى شري وتنوم
يظل في الحنظل الخطبان ينقفه ... وما استطفت من التنوم مخذوم
فوه كشق العصا لأيًا تبينه ... أسك ما يسمع الأصوات مصلوم
حتى تذكر بيضات وهيجه ... يوم رذاذ عليه الريح مغيوم
فلا تَزَيّده في مشيه نفق ... ولا الزفيف دوين الشد مسئوم
يكاد منسمه يختل مقلته ... كأنه حاذر للنخس مشهو
وضاعة كعصي الشرع جؤجؤه ... كأنه بتناهي الروض علجوم
يأوي إلى حكسل زعر حواصله ... كأنهن إذا بركن جرثوم
حتى تلافى وقرن الشمس مرتفع ... أدحيّ عرسين فيه البيض مركوم
يوحي إليها بأنقاض ونقنقة ... كما تراطن في أفدانها الروم
صعل كأن جناحيه وجؤجؤه ... بيت أطافت به خرقاء مهجوم
تحفه هقلة سطعاء خاضعة ... تجيبه بزمار فيه ترنيم
يضرب الشاعر هنا مثلا لسرعة الناقة، بسرعة هذا الظليم، فيحدثنا عن أوصافه، وطبيعته، فهو قد اكتمل جسمًا وقوة، وتوفر له الغذاء الشهي ويتعرض لوصف فمه، وأذنيه، وساقيه، ويذكر أنه من طبيعته الاهتمام بالبيض، وبخاصة في أيام المطر، فإذا أحس أن المطر وشيك الحدوث، أسرع في الرواح ولو كان في غير ميعاد الإياب، وتزداد سرعته إذا كان بعيدًا عن مبيضه، أو إن بدأ سقوط المطر، وفي جريه السريع لا يمل ولا يشعر بالتعب، بل يضاعف من سرعته وتزيد حركة رجليه ورأسه، انخفاضًا وارتفاعًا، حتى ليكاد منسمه يشك عينه، وكلما ازداد جريه انتفخ صدره، فيتراءى كأنه بربط، ويظل يجري ويجري؛ ليصل إلى فراخه، وينقذ بيضاته، فتداركها، وحفظها، ثم نادى نعامته بأصوات معينة لم يفهمها الشاعر فكانت في سمعه كأنها رطانة الروم في قصورهم، وأخذ الظليم برأسه الصغير، وعنقه الخفيف، يرفع جناحيه ويخفضهما بسرعة، فجاءت إليه نعامته، وقد ردت عليه بصوت الأنثى فيه نغم وترنيم. وهذا وصف بديع لهذا النوع من الحيوان، وتصوير لطيف لبعض عاداته، وقد أشار فيه الشاعر إلى معرفته بشيء عن الروم مما يدل على الصلة بينهم وبين العرب منذ الجاهلية. ولو أردنا أن نستقصي كل ما قيل عن الحيوانات والطيور والحشرات في الشعر الجاهلي لطال بنا البحث والدرس، ويكفينا أن نذكر أنه قد ألفت في هذا الموضوع كتب، وقام فيه بعض الباحثين بأبحاث ودراسات مختلفة. وفي وصف الأسلحة قال أوس بن حجر:
وإني امرؤ أعددت للحرب بعدما ... رأيت لها نابا من الشر أعصلا
أصم ردينيا كأن كعوبه ... نوى القسب عراصًا مزجًا منصلا
عليه كمصباح العزيز يشبه ... لفصح ويحشوه الذبال المفتلا
وأملس حوليًّا كنهي قرارة ... أحس بقاع نفح ريح فأجفلا
كأن قرون الشمس عند ارتفاعها
... وقد صادفت طلعًا من النجم أعزلا
تردد فيه ضوءها وشعاعها ... فأحصن وأزين لامرئ أن تسربلا
وأبيض هنديا كأن غراره ... تلألؤ برق في حبي تكللا
إذا سل من غمد تآكل أثره ... على مثل مصحاة اللجين تأكلا
كأن مدب النمل يتبع الربا ... ومدرج ذر خاف بردًا فأسهلا
على صفحتيه بعد حين جلائه ... كفى بالذي أبلي وأنعت منصلا
ومبضوعة من رأس فرع شظية ... بطود تراه بالسحاب مجللا
على ظهر صفوان كأن متونه ... عللن بدهن يزلق المتنزلا
يطيف بها راع يجشم نفسه ... ليكلأ فيها طرفه متأملا
فلاقى امرءًا من ميدعان وأسمحت ... قرونته باليأس منها وعجلا
فقال له: هل تذكرن مخبرًا ... يدل على غنم ويقصر معملا
على خير ما أبصرتها من بضاعة ... لملتمس بيعًا لها أو تبكلا
فويق جبيل شامخ الرأس لم تكن ... لتبلغه حتى تكل وتعملا
فأبصر ألهابًا من الطود دونه ... يرى بين رأسي كل نيقين مهبلا
فأشرط فيها رأيه وهو معصم ... وألقى بأسبات له وتوكلا
وقد أكلت أظفاره الصخر كلما ... تعيا عليه طول مرقى تسهلا
فما زال حتى نالها وهو مشفق ... على موطن لو زل عنه تفصلا
فأقبل لا يرجو الذي صعدت به ... ولا نفسه إلا رجاءً مؤملا
فلما قضى مما يريد قضاءه ... وحل بها حرصا عليها فأطولا
أمر عليها ذات حد غرابها ... رقيق بأخذ بالمداوس صيقلا
على فخذيه من براية عودها ... شبيه سفا البهمى إذا ما تفتلا
فجردها صفراء لا الطول عابها ... ولا قصر أزرى بها فتعطلا
إذا ما تعاطوها سمعت لصوتها ... إذا أنبضوا عنها نئيمًا وأملا
وإن شد فيها النزع أدبر سهمها ... إلى منتهى من عجسها ثم أقبلا
وحشو جفير من فروع غرائب ... تنطع فيها صانع وتنبلا
تخيرن أنضاء وركبن أنصلا ... كجمر الغضا في يوم ريح تزيلا
فلما قضى في الصنع منهن فهمه ... فلم يبق إلا أن تسن وتصقلا
كساهن من ريش يمان ظواهرا ... سخاما لؤامًا لين المس أطحلا
فذاك عتادي في الحروب إذا التظت ... وأردف بأس من خطوب وأعجلا
فإني رأيت الناس إلا أقلهم ... خفاف العهود يكثرون التنقلا
وإذا نظرنا في الوصف في الشعر الجاهلي نجد أنه على العموم، يعطينا صورة واضحة للمنظر الخارجي لكل ما وصفه الشعراء، حتى إن الموصوفات في جميع أحوالها تقريبا تكاد تتجسم أمامنا من خلال الشعر، خاصة الحسية منها في دقة وإتقان. ومع أن كل ما حاول الشعراء وصفه جاء تصويره على العموم دقيقًا متقنًا، فإن بعض الموصوفات نالت اهتمامًا ظاهرًا فمثلا الإبل والخيل قد فاقت في التصوير كل ما عداها، ويبدو واضحًا في الشعر، أنها حظيت من الشعراء بعناية فائقة واهتمام كبير، فقد صوروها تصويرًا دقيقًا: في حركاتها وسكناتها، وتتبعوا أجسامها جزئية جزئية ، ولم يقتصروا على أعضائها الظاهرة، صغيرها وكبيرها، بل تحدثوا كذلك عن بعض أجزاء باطنية لا تراها العين كالنسا والشظا والقلب وفقار الظهر. وربما كان سبب هذه الخطوة أن الإبل كانت عماد حياتهم في الصحراء، والعرب-كانوا وما يزالون- يهيمون بالخيل، ويعتزون بها اعتزازًا كبيرًا حتى إنها كانت تعامل معاملة خاصة تنم عن حب العربي لها وتعلقه الشديد بها، لدرجة أنه كان لا يفارقها، فكانت تحت سمعه وبصره وحسه، ولا عجب حينئذ أن هيأ لهم ذلك فرصة طيبة لتتبعها في حركاتها وسكناتها، وتفحصها جزئية جزئية، فجاء تصويرهم لها بالغ الدقة والإتقان. ويظهر من الشعر كذلك أن انفعال العربي بالخيل كان عظيمًا، وأنها كانت مصدر وحي وإلهام لا ينفد، فكثيرًا ما نجد الشاعر يطيل الحديث في تصويره فرسه، ثم يتبعه بصورة أخرى للحصان، مع أنه ليس هناك فرق بين الأنثى والذكر في هذا التصوير، اللهم إلا في الألفاظ والعبارات. ولئن قيل في تعليل ذلك أن الشاعر كان يقصد أن يبين أن لديه خيلًا كثيرة من ذكور وإناث، أو نحو ذلك، فإن هذا، بجانب ذلك كله، يدلنا على شدة تعلق العربي بالخيل وكثرة تأمله فيها، وقوة تأثر عواطفه وإحساساته بها، حتى دفعه ذلك إلى محاولة التنويع في التصوير. والسائد في الوصف هو التصوير الحسي الذي يراد منه إدراك الموصوف بإحدى الحواس ومن المعروف أن الأشياء الحسية أقوى ظهورًا، وأسرع إدراكًا، وأقرب منالًا، ولا تحتاج في إدراكها إلى تعب عقلي، أو كد ذهني، وهذه أنسب الأمور للعقليات التي لم تمرن على التعمق في التفكير، أو إجهاد العقل في البحث والتأمل:


المستشار الأدبي
حسين علي الهنداوي
شاعر وناقد
مدرس في جامعة دمشق
دراسات جامعية-في الأدب العربي
صاحب الموسوعة الأدبية (المرصد الأدبي )
حجم الموسوعة( خمس عشرة ألف صفحة )
سوريا -درعا- hoshn55@gmail.com
السيرة الذاتية للمستشار الأدبي(حسين علي الهنداوي)
أ- أديب و شاعر وقاص ومسرحي و ناقد و صحفي
ب- له العديد من الدراسات الأدبية و الفكرية
ج-نشر في العديد من الصحف العربية
د- مدرس في جامعة دمشق - كلية التربية - فرع درعا
ه- ولد الأديب في سوريا – درعا عام 1955 م
و- تلقى تعليمه الابتدائي و الإعدادي و الثانوي في مدينة درعا
ح- انتقل إلى جامعة دمشق كلية الآداب – قسم اللغة العربية و تخرج فيها عام 1983
ك- حائز على إجازة في اللغة العربية
ص-حائز على دبلوم تأهيل تربوي جامعة دمشق
ع- عمل محاضراً لمادة اللغة العربية في معهد إعداد المدرسين - قسم اللغة العربية في مدينة درعا
ف- انتقل إلى التدريس في المملكة العربية الســـعودية عام (1994 /2000 ) في مدينتـــي عنيزة و تبوك 0
1- عضو اتحاد الصحفيين العرب
2- عضو اتحاد كتاب الانترنت العرب
3- عضو تجمع القصة السورية
4- عضو النادي الأدبي بتبوك
مؤلفاته :
أ*- الشعر :
1- هنا كان صوتي و عيناك يلتقيان/1990
2- هل كان علينا أن تشرق شمس ثبير/1994
3- أغنيات على أطلال الزمن المقهور /1994
4- سأغسل روحي بنفط الخليج /1996
5- المنشّى يسلم مفاتيح إيلياء/1996
6- هذه الشام لا تقولي كفانا / مخطوط
ب*- القصة القصيرة :
شجرة التوت /1995
ج – المسرح :
1- محاكمة طيار /1996
2- درس في اللغة العربية /1997
3- عودة المتنبي / مخطوط
4- أمام المؤسسة الاستهلاكية / مخطوط
د – النقد الأدبي :
1- محاور الدراسة الأدبية 1993
2- النقد و الأدب /1994
3- مقدمتان لنظريتي النقد و الشعر / مخطوط
4- أسلمة النقد الأدب
هـ - الدراسات الدينية :
1- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الأول
2- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الثاني
3- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الثالث
4- فتاوى و اجتهادات / جمع و تبويب
5- هل أنجز الله وعده !!!!!!
و- موسوعة (المرصد الأدبي) :
1-تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية ( معاني الأدب وعلاقاته)
2 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية قبل الإسلام (العصر الجاهلي )
3 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر صدر الإسلام )
4 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر الخلفاء الراشدين )
5 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر الخلفاء الأمويين)
6 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء العباسيين )
7 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء الأندلسيين )
8 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الدول المتتابعة )
9- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء العثمانيين )
10- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية في (العصر الحديث)
11- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية في (العهد المعاصر)