الشاعر الجاهلي والطبيعة
المتصفح لحياة الصحراء العربية يكتشف مدى جاذبية هذه الصحراء للروح والنفس بحيث أن الشعراء تعلقوا بها تعلقا شديد جعلهم إذا خرجوا من هذه الصحراء تحل بهم حالة السمك حين نخرجه من الماء ، فهم يبكون حسرة وندامة على فقدان رمالها وكثبانها حيث تظهر رياحها المثيرة للغبار أحب إليهم من الرياح التي تهز الأشجار في المدن ، فهذه تماضر امرأة صبية من صحراء نجد نقلت إلى منطقة حضرية حيث برك الماء والرياحين والأزهار وتسأل أيهما أفضل فتطرق وتتحسر على حياة الصحراء وتقول في ذلك شعرا . وهذا شاعر يتمنى لقاء الصحراء ويندب عيشه في غيرها فيقول :
ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة بصحراء ما بين النجوم إلى شعر
وهذا آخر يتعجب من رؤيته طيور المكاكي في مناطق الحضر فيدعوه إلى الصحراء وكأنما يعبر عما في نفسه قائلا :
إلا أيها المكاء مالك ههنا ألاء ولا أرطى فأين تبيض
فاصعد إلى أرض المكاكي واجتنب قرى المصر لا تصبح وأنت مريض
وهذا شاعر يصف حياة المدن كرها لها قائلا :
قوم إذا اخضرت نعالهم يتناهقون تناهق الحمر
وهم يتعلقون بالصحراء وما عليها من خيل وإبل ووحوش ويكنُّونها كما يكنى الإنسان فيقولون : ( للأسد أبو الحارث وللثعلب أبو الحصين وللفرس أبو المضاء وللنعامة أم رئام ) ، ولحبهم لحيواناتهم يتركونها عندما تكون ( بحيرة أو سائبة أو حام أو صيلة ) وهذا سحر الصحراء وسرها الغامض وأكثر ما يعجبك في تعلق العربي بصحرائه عشيات الحمى التي نفثها الصمة القشيري عندما وقف مودعا بلاد نجد وصحراءها قائلا :
قفا ودعا نجد وعن حل بالحمى وقلّ لنجد عندنا أن يودعا
بكت عيني اليسرى فلمّا زجرتها عن الجهلِ بعدَ الحِلْم أسبلتا معــــا
والمراجع لديوان الشعر الجاهلي ووصفه للخيل والنوق والأطلال والرمال يكشف مدى علاقة الشاعر العربي بصحرائه ويدرك معنى كثرة الشعر العربي الجاهلية بطبيعة الصحراء . وتعد الطبيعة من الموضوعات الهامة التي كتب فيها الأدباء على مر العصور ذلك أن معظم أشعار الشعراء ومقالات البلغاء تهتم بالوصف كثيرا، والشعراء في العصر الجاهلي كتبوا في الطبيعة ، وأسهبوا في وصفها إسهابا أيما إسهاب سواء أكانت الطبيعة هي البيئة الصحراوية أم كانت الليل أو المطر أو الحيوانات والطيور أو كانت المرأة ؟؛ والشاعر الجاهلي عادة ما يصف كل ما يراه في أثناء رحلته الصحراوية من أودية أو مطر أو رياح أو نهر، ذلك أن الشعر إلا أقله راجع إلى الوصف، وفي الشعر الجاهلي وصف دقيق للمرأة ولحياة حيوان الصحراء كالغزلان والخيول والجمال والنعام والبقر الحشي وقد برع امرؤ القيس في الوصف بشكل عام وفي وصف الليل بشكل خاص وفي ذلك يقول:
عليَّ بأَنْواعِ الُهمُومِ ليبْتَلي وَليلٍ كمَوْجِ الْبَحْرِ أَرْخَى سُدولَهُ
وَأَرْدَفَ أَعْجَازاً وَناءَ بكَلْكَلِ فَقلْتُ لَهُ لَّما تَمَطَّى بصُلْبِهِ
بصُبْحٍ وما الإِصْباحُ مِنكَ بأَمْثَل أَلا أَيُّها الَّليْلُ الطَّويلُ أَلا انْجَلي
بأَمْراسِ كتَّانٍ إِلى صُمِّ جندَلِ فيا لكَ مِن لَيْلٍ كأَنَّ نُجومَهُ

كما برع الشاعر زهير بن أبي سلمى في وصف الأطلال التي تمثل ذكريات الشاعر مع أم أوفي زوجته التي طلقها لعدم إنجابها الأولاد:

بِحَوْمَانَةِالدَّرَّاجِ فَالُمتَثَلّمِ أَمِنْ أُمّ أوْفَي دِمْنَةٌ لَمْ تَكَلَّمِ
مَرَاجِيعُ وَشْمٍ فِي نَوَاشِرِ مِعْصَمِ وَدَارٌ لهابالرَّقْمتَيْنِ كأَنَّهَا
وَأَطْلاَؤُهَايَنْهَضْنَ مِنْ كُلِّ مَجْثَمِ بِهَا الْعِيْنُ وَالأَرْآمُ يْمَشِينَ خِلْفَةً
فَلأْياًعَرَفْتُ الدَّارَ بَعْدَ تَوَهُّمِ وَقَفْتُ بِهَامن بعْدَ عِشْرِينَ حِجَّةً
وَنُؤْياًكَجِذْمِ الْحوْضِ لم يتَثَلَّمِ أَثَافِي سُفْعًا فِي مُعَرَّسِ مِرْجَلٍ
أَلا أنْعِمْ صَبَاحاً أَيُّهَا الرَّبْعُ وَاسْلَمِ فَلَمَّاعَرَفْتُ الدَّارَ قُلْتُ لِرَبْعِهَا
أماوصف الحصان فقد كان مختلفا ما بين امرىء القيس وعنترة بن شداد لأن الحصان هو عدة الشاعر الجاهلي في رحلنه يقول عنترة:
يَتَذامَرُونَ كَرَرْتُ غيرَ مُذَّممِ لمّا رَأَيْتُالْقوْمَ أَقْبَلَ جَمْعُهمْ
أَشْطانُ بئْرٍفي لَبَانٍ الأدْهَمِ يَدُعونَ عَنْتَرَ وَالرِّماحُ كأنّها
وَلَبَانِهِ حتى تَسَرْ َبَل بالدَّمِ ما زِلْتُ أَرْمِيهمْ بثُغْرَةِ نَحْرِهِ
وشَكا إِلَيَّ بِعَبْرَةٍ وَتَحَمْحُمِ فازْوَرَّ مِنْ وَقْع الْقنَا بلَبَانِهِ
وَلَكَانَ لَوْعَلِمَ الْكَلامَ مُكَلِّمِي لَوْ كانَ يَدْرِي مَا اُلمحاوَرَةُ أشْتَكَى

ويقول امرؤ القيس في صف حصانه قائلا :
بُمنْجَرِدٍ قَيْدِ الأوابِدِ هيْكلِ وَقَدْ أَغْتَدي والطَّيُر في وُكُناتِها
كجُلْمُودِ صَخْرٍ حطَّهُ السَّيْل من عَلِ مِكَر مِفَرِّ مُقْبِلٍ مُدْبِرٍ مَعاً
كما زَلَّتِ الصَّفْواءُ بالُمَتَنِّزلِ كُمَيْتٍ يَزِل الّلبْدُ عن حالِ مَتْنِهِ
إِذا جاشَ فيهِ حميُهُ غَليُ مِرْجَلِ على الذَّبْلِ جَيَّاشٍ كَأَنَّ اهتزامَهُ
أَثَرْنَ الْغُبارَ بالكَديدِ المرَكلِ مِسَحِّ إِذا ما السَّابحاتُ على الوَنَى
وَيُلْوي بأَثَوابِ الْعَنيفِ الُمثَقَّلِ يَزِلّ الْغُلامَ الخِفُّ عَنْ صَهَواتِهِ
تَتابُعُ كفّيْهِ بخيْطٍ مُوَصَّلِ دَريرٍ كَخُذْروفِ الْوَليدِ أمَرَّهُ
وَإِرْخاءُ سِرحانٍ وَتَقْرِيبُ تَتْفُلِ لَهُ أَيْطَلا ظَبْي وسَاقا نَعامةٍ
بضاف فُوَيْقَ الأَرْض ليس بأَعزَلِ ضليعٍ إِذا استَدْبَرْتَهُ سَدَّ فَرْجَهُ
مَدَاكَ عَروسٍ أَوْ صَلايَةَ حنظلِ كأنَّ على الَمتْنَينِ منهُ إِذاانْتَحَى
عُصارَةُ حِنَّاءٍ بشَيْبٍ مُرَجَّلِ كأنَّ دِماءَ الهادِياتِ بِنَحْرِهِ
ولم يكن الشاعر الجاهلي في هذا الوصف يفرض إرادته الفنية على الأحاسيس والأشياء التي يصفها ، بل كان يحاول نقلها إلى لوحاته نقلا أمينا يبقي فيه على صورتها الحقيقية دون أن يدخل عليها تعديلا يمس جوهرها. ولذلك كان الشاعر الجاهلي يستقي أخيلته من العالم الحسي المترامي الأطراف حوله، فإذا وصف الشاعر الجاهلي شيئا تمسك بالحسية في الوصف حيث يضيف للمعاني الحسية الحركة والحيوية ويدقق النظر في أجزائه، ويفصل فيها الحديث تفصيلا دقيقا وقد كان وصف طرفة لناقته في الصحراء التي تشبه السفينة في البحر وصفا متميزا حيث يقول :
بِعَوْجَاءَ مِرْقَالٍ تَرُوحُ وَتَغْتَدِي وَإِني لاُ مْضِي الَهمَّ عِنْدَ احْتِضَارِهِ
على لاحِبٍ كأَنّهُ ظَهْرُبُرْجُدِ أَمونٍ كأَلْوَاحِ الإِرانِ نَصَأتُها
سَفَنجَةٌ تَبْري لأَزْعَرَ أَرْبَدِ جَمَاِليَّةٍ وَجْنَاءَ تَرْدي كَأنَّها
وَظيفاً وَظيفاً فَوْقَ مَوْرٍ مُعَبَّرِ تُبارِي عِتَاقاً ناجِياتٍ وَأَتْبَعَتْ
حَدَائِقَ مَوْليَّ الاسِرَّةِ أَغْيَدِ تَرَبَّعَتِ الْقُفّيْنِ فِي الشَّوْلِ تَرْتَعِي
بذي خُصَلٍ رَوْعَاتِ أَكلَفَ مُلْبِدِ تَرِيعُ إِلىَ صَوْتِ الُمهِيبِ وَتَتَّقي
حِفافيهِ شُكّا في العَسِيبِبِ مسْرَدِ كَأنَّ جنَاحَيْ مَضْرَ حيِّتَ كَنَّفَا
على حَشَفٍ كالشَّنّ ذاوٍ مُجَدَّدِ فَطَوْراً بهِ خَلْفَ الزّميلِ وَتَارَةً
كأنّهما بابا مُنيفٍ مُمَرَّدِ لها فَخِذَانِ أُكمِلَ النَّحْضُ فيهما
وَأجْرِنَةٌ لُزَّتْ بدَأْيٍمُ نَضَّدِ وَطَيِّ مُحالٍ كالَحنيّ خُلُوفُهُ
وَأَطْرَ قِسِيِّ تَحْتَ صُلْبٍ مُؤَبَّدِ كأنّ كِناسَيْ ضَالَةٍيُكْنِفانِها
تَمُرُّ بِسَلْمَيْ داِلجٍ مُتَشَدِّدِ لها مِرْفَقَانِ أَفْتَلانِ كأنّها
لَتُكْتَنَفَنْ حتى تُشادَ بِقَرْمَدِ كقَنْطَرَةِ الرُّوِميّ أَقْسَمَ ربّها
بعيدةُ وَخْدِ الرّجْلِ مَوّارَةُ اليَدِ صُهابِيّةُ الْعُثْنُونِ مُوجَدَةُ الْقَرَا
لها عَضُداها في سَقيفٍ مُسَنَّدِ أُمِرَّتْ يَدَاها فَتْلَ شَزْرٍ وأُجْنِحَتْ
لها كتِفَاها في مُعالي مُصَعَّدِ جَنُوحٌ دِفَاقٌ عَنْدَ لٌثمَّ أُفْرِعَتْ
مَوَارِدُ من خَلْقاءَ في ظهرِ قَرْدَدِ كأَنَّ عُلوبَ النَّسْعِ في دَأَيَاتِها
بَنائِقُ غَرِّ في قَميصٍ مُقَدَّدِ تَلاقَى وَأَحْياناً تَبينُ كأنّها



المستشار الأدبي
حسين علي الهنداوي
شاعر وناقد
مدرس في جامعة دمشق
دراسات جامعية-في الأدب العربي
صاحب الموسوعة الأدبية (المرصد الأدبي )
حجم الموسوعة( خمس عشرة ألف صفحة )
سوريا -درعا- hoshn55@gmail.com
السيرة الذاتية للمستشار الأدبي(حسين علي الهنداوي)
أ- أديب و شاعر وقاص ومسرحي و ناقد و صحفي
ب- له العديد من الدراسات الأدبية و الفكرية
ج-نشر في العديد من الصحف العربية
د- مدرس في جامعة دمشق - كلية التربية - فرع درعا
ه- ولد الأديب في سوريا – درعا عام 1955 م
و- تلقى تعليمه الابتدائي و الإعدادي و الثانوي في مدينة درعا
ح- انتقل إلى جامعة دمشق كلية الآداب – قسم اللغة العربية و تخرج فيها عام 1983
ك- حائز على إجازة في اللغة العربية
ص-حائز على دبلوم تأهيل تربوي جامعة دمشق
ع- عمل محاضراً لمادة اللغة العربية في معهد إعداد المدرسين - قسم اللغة العربية في مدينة درعا
ف- انتقل إلى التدريس في المملكة العربية الســـعودية عام (1994 /2000 ) في مدينتـــي عنيزة و تبوك 0
1- عضو اتحاد الصحفيين العرب
2- عضو اتحاد كتاب الانترنت العرب
3- عضو تجمع القصة السورية
4- عضو النادي الأدبي بتبوك
مؤلفاته :
أ*- الشعر :
1- هنا كان صوتي و عيناك يلتقيان/1990
2- هل كان علينا أن تشرق شمس ثبير/1994
3- أغنيات على أطلال الزمن المقهور /1994
4- سأغسل روحي بنفط الخليج /1996
5- المنشّى يسلم مفاتيح إيلياء/1996
6- هذه الشام لا تقولي كفانا / مخطوط
ب*- القصة القصيرة :
شجرة التوت /1995
ج – المسرح :
1- محاكمة طيار /1996
2- درس في اللغة العربية /1997
3- عودة المتنبي / مخطوط
4- أمام المؤسسة الاستهلاكية / مخطوط
د – النقد الأدبي :
1- محاور الدراسة الأدبية 1993
2- النقد و الأدب /1994
3- مقدمتان لنظريتي النقد و الشعر / مخطوط
4- أسلمة النقد الأدب
هـ - الدراسات الدينية :
1- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الأول
2- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الثاني
3- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الثالث
4- فتاوى و اجتهادات / جمع و تبويب
5- هل أنجز الله وعده !!!!!!
و- موسوعة (المرصد الأدبي) :
1-تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية ( معاني الأدب وعلاقاته)
2 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية قبل الإسلام (العصر الجاهلي )
3 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر صدر الإسلام )
4 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر الخلفاء الراشدين )
5 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر الخلفاء الأمويين)
6 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء العباسيين )
7 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء الأندلسيين )
8 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الدول المتتابعة )
9- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء العثمانيين )
10- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية في (العصر الحديث)
11- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية في (العهد المعاصر)