قصيدة المدح
في العصر الجاهلي
لم يكن المدح في العصر الجاهلي في معظمه تكسبا كما هو رائج عند الكثير من النقاد والدارسين إذ أن المدح الجاهلي في مجمله لم يكن إلا تعبيرا عن حب للآخرين وتقديرا لهم والثناء لأفعالهم كما هو عند زهير في مدحه للسدين المشهورين ( هرم بن سنان ) و ( الحارث بن عوف ) في ميميته المشهورة
يمينا لنعم السيدان وجدتهما على كل حال من سحيل ومبرم
تداركتما عبسا وذبيان بعدما تفانوا و دقّوا بينهم عطر منشم
وإن أول ما يلفت النظر في قصائد المدح عند شعراء الجيل الأول من شعراء الجاهلية هو قلة هذه القصائد باستثناء ما قاله ( عمرو بن قميئة ) و ( المثقب العبدي ) فقد ظهر المدح في مظهر كبير ، ولم تتجاوز قصيدة المدح ثلاثة عشر بيتا وهي لا تعدو المناسبات و غالبا ما تركز على قيمة القوة والكرم وحسن الجوار والنسب والصفح عن المخطئ والبعد عن الغيبة ، وتقترب من الإخوانيات ، فالعرب لا تتكسب بالشعر وإنما يصنع أحدهم ما يصنع فكاهة أو مكافأة عن يد لا يستطيع أداء حقها إلا بالشكر وقد عبر عن ذلك الشاعر قتادة بن سلمة الحنيفي حين قال:
أ بلغ قتادة غـير سائله منه الثواب وعاجـل الشكم
إني حمدتك للعشـيرة إذ جاءت إليك مـرقة العظـم
ألقوا إليك بكل أرملـة شعثاء تحمل منقع البــرم
ففتحت بابك للمـكارم حين تواصت الأبواب بالأزم
فسقى بلادك غير مفسدها صوب‘ الربيع وديمة تهمـي
وقصيدة المدح تحتفل بمديح الجماعة وحمدها ويعتبرها أصحابها رسالة محبة للمدوح وهذه المحبة لا تعني الصدق التام لأن قصيدة المدح قد تكون اعتذارا لملك كما حصل عند النابغة مع النعمان بن المنذر
فإنك شمس والملوك كواكب إذا ظهرت لم يبد منهن كوكب
وقد تكون استعطافا كما صنع عبيد بن الأبرص مع ( حجر ) أمير كنده والد امرئ القيس الشاعر المعروف . ويبدو أن الاعتذار فرع من شجرة المدح لأنه يأخذ كل الصفات التي يضيفها الشاعر على ممدوحه والشيء اللافت للانتباه هو اقتران قصيدة المدح بظاهرة التكسب بالشعر بعد أن كان هذا الشعر يقال مكافأة أو حبا وقد شاركت إمارتا الغساسنة والحيرة في تغيير مضمون رسالة الشعر من المصالح القبلية إلى الكسب المادي أو لمصلحة الشاعر الخاصة وقد كان النابغة الذبياني وحسان بن ثابت في جاهليته يغذّان المسير إلى حوران مسكن الغساسنة طلبا لذلك الكسب المادي والمكانة المرموقة، كما أن الاعشى جعل الشعر ( حرفة ) يتكسب من خلالها وقد كان كعب بن زهير رأس الشعراء المحافظين في مدائحهم وزعيمهم في فن بناء قصيدة المدح المحافظة حيث بقي على الرغم من إسلامه يتناول الموروث الجاهلي
1-تناولا بارعا من خلال .
2-العودة للتراث والاصطفاء منه .
3-توليد المادة التراثية .
4-ضرب المادة التراثية ضربا جديدا .
والمراجع لمعظم قصائد المدح القريبة من فترة ما قبل مجيء الإسلام ونزول القرآن الكريم يدرك أن القصيدة الجاهلية وضعت نصب عينها غرض المدح بشكل واضح بحيث أصبحت أمة تسجد أمام الملوك والأمراء من أجل دريهمات معدودة ، وقد تكسب إلى جانب النابغة والأعشى بالشعر زهير بن أبي سلمى مع هرم بن سنان والحارث بن عوف وإذا كان زهير شاعر المدح في البادية فان أمية بن أبي الصلت شاعر المديح في الحضر ، ولقد مرت قصيدة المدح بدورين اثنين دور التأهيل ودور التجديد
1-فالدور الأول لم يكن فيه الشعراء ينشدون مكسبا ماديا من شعرهم
2-والدور الثاني انحرفت فيه قصيدة المدح نحو التكسب المادي
ومن شعراء الدور الأول حاتم الطائي في مديحه لبني بدر ودريد بن الصمة في مدح يزيد بن عبد المدان
قال حاتم الطائي يمدح (( بني بدر ))
إن كنت كارهـة معيشتنا هاتي فحلــي في بني بدر
جاورتهم زمن الفساد فنعم الحي في العوصـاء واليسر
فسقيت بالماء النمير ولم أترك أواطس حمأة الجـفر
ودعيت في أولى الندي ولم ينظر إلي بأعيـــن خزر
الضاربين لدى أعنتهـم الطاعنين وخيلهم تجري
والخالطين نحيتهم بنضارهم وذوي الغنى منهم بذي الفقر
وقال دريد بن الصمة يمدح (( يزيد بن عبد المدان ))
منحت يزيد بن عبد المدان فأكرم به من فتى ممتــدح
إذا المدح زان فتى معشـر فإن يزيد يزين المـــدح
فأورى زنادي لما قــدح حللت به دون أصحـابه
ورد النساء بأطهــارها ولو كان غير يزيد فضـح
وفك الرجال وكل امرئ إذا أصلح الله يوما صـلح
وقلت له بعد عتق النساء وفك الرجال ورد اللقـح
أجر لي فوارس من عامـر فأكرم بنفحته إذ نفــح
وما زلت أعرف في وجهه بوقت السؤال ظهور الفرح
رأيت أبا النضر في مذحج بمنزلة الفجر حين اتضــح
إذا قارعوا عنه لم يقرعوا وإن قدموه لكبش نطــح
وإن حضر الناس لم يخزهم وإن وزانوه بقرن رجــح
فذاك فتاها وذو فضلها وإنْ نابح بفخار نبـــح
أما شعراء الدور الثاني كالنابغة وزهير والأعشى فقد اتخذت فيهم قصيدة المدح اتجاه التكسب من الحرفة وكذلك عند ( الأعشى ) ، ولا نستغرب أن نجد قصيدة المدح عند شعراء هذا الجيل وخاصة عند الأعشى تأخذ في منهج الفن المعقد الشديد التعقيد الدقيق الإحكام حيث افتتح شعراء هذا الجيل مدائحهم بمقدمات مختلفة حيث تغزلوا في مقدمات هذه القصائد ووصفوا الأطلال البالية وصوروا الظعائن المتحملة والطيف الطارق وتحدثوا إليه وشكوا من الهموم وحوادث الأيام وتوجعوا من الشيب ، وأقبلوا على الحياة كما هو عند بشر بن حازم

أتعرف من هنيدة رسم دار بخرجي ذروة فإلى لــواها
ومنها منزل ببراق خبـت عفت حقبا وغيرها بــلاها
أرب على مغانيها وملــت هزيم ودقة حتى عفـــاها
وما أشجاك من أطلال هند وقد شطت لطيتها نــواها
وقد أضحت حبالكما رثاثا بطاء الوصل قد خلقت قواها
ليالي لا تطيش لها سهــام ولا ترنو لأسهم من رمـاها
أو في استهلالية زهير بن أبي سلمى في معلقته :
أمن أم أوفى دمنة لم تكلــم بحومانة الدراج فالمتثلـــم
ديار لها بالرقمتين كأنهـــا مراجع وشم في نواشر معصم
بها العين والأرام يمشين خلفـة وأطلاؤها ينهضن من كل مجثم
وقفت بها من بعد عشرين حجة فلأيا عرفت الدار بعد توهـم
أثافيّ سفعا في معرس مرجـل ونؤيا كجذم الحوض لم يتثلـم
وكذلك في مديح النابغة للحارث الأصغر الغساني في تذكره لمغاني الأحباب التي هاجت شوقه الثائر :
أهاجك من أسماء رسم المنازل بروضة نعمى فذات الأجــادل
أربت بها الأرواح حتى كأنما تهادين أعلى تربها بالمناخـــل
وكل ملث مكفـهر سحابـة كميش التوالي مرثعن الأسافـل
إذا رجفت فيه رحى مرجحنة تبعق ثجاج غزير الحوافـــل
عهدت بها حيا كراما فبدلت خناطيل آجال النعام الحوافــل
ترى كل ذيال يعارض ربربـا على كل رجاف من الرمل هائـل
يثرن الحصى حتى يباشرن بردة إذا الشمس مجت ريقها بالكلاكل
وكذلك قول الشاعر
صحا القلب عن سلمى وأقصر باطله وعري أفراس الصبا ورواحله
وأقصر عما تعلمين وســــددت علي سوى قصد السبيل معادلة
وقال العذارى إنما أنت عمــــنا وكان الشباب كالخليط نزايلة
فأصبحن ما يعرفن إلا خليقــتـي وإلا سواد الرأس والشيب شاملة
ومهما يكن من أمر فإن الشعراء وقفوا من مقدماتهم في قصيدة المدح مواقف متشابهة لا تتعدى إعلان خبر الرحيل ومماشاة الركب الراحل والوقوف عند معالم طريق الرحل ووصف الظعائن وذكر النساء والتحدث عنهن وموقف الشعراء من الظعائن المحتملة كما أن الأعشى وبشكل خاص قد اقترنت عنده قصيدة المدح بوصف الخمرة وما تصنعه به من ضائع وتبا لما تصنعه الخمرة من صنائع




المستشار الأدبي
حسين علي الهنداوي
شاعر وناقد
مدرس في جامعة دمشق
دراسات جامعية-في الأدب العربي
صاحب الموسوعة الأدبية (المرصد الأدبي )
حجم الموسوعة( خمس عشرة ألف صفحة )
سوريا -درعا- hoshn55@gmail.com
السيرة الذاتية للمستشار الأدبي(حسين علي الهنداوي)
أ- أديب و شاعر وقاص ومسرحي و ناقد و صحفي
ب- له العديد من الدراسات الأدبية و الفكرية
ج-نشر في العديد من الصحف العربية
د- مدرس في جامعة دمشق - كلية التربية - فرع درعا
ه- ولد الأديب في سوريا – درعا عام 1955 م
و- تلقى تعليمه الابتدائي و الإعدادي و الثانوي في مدينة درعا
ح- انتقل إلى جامعة دمشق كلية الآداب – قسم اللغة العربية و تخرج فيها عام 1983
ك- حائز على إجازة في اللغة العربية
ص-حائز على دبلوم تأهيل تربوي جامعة دمشق
ع- عمل محاضراً لمادة اللغة العربية في معهد إعداد المدرسين - قسم اللغة العربية في مدينة درعا
ف- انتقل إلى التدريس في المملكة العربية الســـعودية عام (1994 /2000 ) في مدينتـــي عنيزة و تبوك 0
1- عضو اتحاد الصحفيين العرب
2- عضو اتحاد كتاب الانترنت العرب
3- عضو تجمع القصة السورية
4- عضو النادي الأدبي بتبوك
مؤلفاته :
أ*- الشعر :
1- هنا كان صوتي و عيناك يلتقيان/1990
2- هل كان علينا أن تشرق شمس ثبير/1994
3- أغنيات على أطلال الزمن المقهور /1994
4- سأغسل روحي بنفط الخليج /1996
5- المنشّى يسلم مفاتيح إيلياء/1996
6- هذه الشام لا تقولي كفانا / مخطوط
ب*- القصة القصيرة :
شجرة التوت /1995
ج – المسرح :
1- محاكمة طيار /1996
2- درس في اللغة العربية /1997
3- عودة المتنبي / مخطوط
4- أمام المؤسسة الاستهلاكية / مخطوط
د – النقد الأدبي :
1- محاور الدراسة الأدبية 1993
2- النقد و الأدب /1994
3- مقدمتان لنظريتي النقد و الشعر / مخطوط
4- أسلمة النقد الأدب
هـ - الدراسات الدينية :
1- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الأول
2- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الثاني
3- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الثالث
4- فتاوى و اجتهادات / جمع و تبويب
5- هل أنجز الله وعده !!!!!!
و- موسوعة (المرصد الأدبي) :
1-تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية ( معاني الأدب وعلاقاته)
2 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية قبل الإسلام (العصر الجاهلي )
3 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر صدر الإسلام )
4 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر الخلفاء الراشدين )
5 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر الخلفاء الأمويين)
6 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء العباسيين )
7 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء الأندلسيين )
8 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الدول المتتابعة )
9- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء العثمانيين )
10- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية في (العصر الحديث)
11- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية في (العهد المعاصر)