الشعر الجاهلي
شعر مطبوع ومصنوع
استوى للشعر صناعته في العصر الجاهلي وتقعدت قواعده وأصبح له سلوكه الخاص الذي أقلق الشعراء في كثير من الأحيان حيث تتحد مسيرة القصائد. وقد كان عنترة يشكو من هذا الاتحاد. كما أن القصائد تتحد أساليبها ولغتها وتراكيبها، ومعانيها وصورها وأخيلتها، وكان زهير يشكو أيضاً من ذلك، فما يقال في بكاء الأطلال يتكرر عند الشعراء، وخاصة في وصف الأطلال والناقة والخيل، وقد تتبع النقاد هذا الجانب من صناعة الشعر العربي القديم، وهو جانب طريف يكشف لنا عن حقيقة الشعر الجاهلي وحقيقة صناعته، وأنها لم تكن مستودعاً للتجارب الفردية، بل كانت مقيدة بمصطلحات كثيرة لا في اللغة والنحو والعروض فقط، بل في الموضوع والمواد التي تكوّنه، وما يختاره الشاعر في صنع نماذجه من أدوات تصويرية أو أسلوبية أو معنوية. هذه المصطلحات المختلفة التي كان يتقيد بها الشاعر الجاهلي تجعلنا نؤمن بأنه لم يكن حراً في صناعة شعره يصنعه كما يريد، بل يخضع لتقاليد تتناول ما يقوله وكيف يقوله . إذن : فالشعر الجاهلي ليس تعبيراً فنياً حراً، بل هو تعبير فني مقيد، يعبر عن الطبع والتكلف. ومن شعراء العرب من كان يدع القصيدة تمكث عنده حولا (كاملاً) وزمناً طويلاً يردد فيها نظره ويجيل فيها عقله، ويقلب فيها رأيه، وكانوا يسمون تلك القصائد: الحوليات والمقّلدات والمنّقحات والمُحكمات ليصير قائلها فحلاً وشاعراً مُفلقاً" وكان زهير بن أبي سلمى يسمّي كبار قصائده الحوليات، ولذلك قال الحطيئة: خير الشعر الحولي المحكّك، وقال الأصمعي: زهير بن أبي سلمى والحُطيئة وأشباههما عبيد الشعر، وكذلك كل من جوّد في جميع شعره ووقف عند كل بيت قاله، وأعاد فيه النظر، حتى يخرج أبيات القصيدة كلها مستوية في الجودة. وكان يقال: إن الشعر قد كان استعبدهم واستفرغ مجهودهم حتى أدخلهم في باب التكلف وأصحاب الصنعة، لقد وُجدت طائفة عند العرب كانت تكدُّ طبعها في عمل الشعر وصنعه، وكانت تقابلها طائفة أخرى لا تبلغ من التكلف غايتها، وهي طائفة المطبوعين كما يسميهم الأصمعي، ومن الشعر المتكلف والمطبوع. فالمتكلف هو الذي قوَّم شعره بالثِّقاف، ونقحه بطول التفتيش، وأعاد فيه النظر، كزهير والحطيئة. وإن هؤلاء المطبوعين لم يكونوا يلغون التكلف إلغاء. كما أن هؤلاء المتكلفين لم يكونوا يلغون الطبع إلغاء، والمثل الفنية" المطلقة من غير قيود ولا حدود لا توجد في الشعر وقد وجدت هذه "الصنعة" أو وُجد هذا الجهد في نماذج الشاعر الجاهلي بحيث يمكن أن نقول: إن "الصنعة" أول مذهب يقابلنا في الشعر العربي، فهي توجد في جميع نماذجه القديمة، وإن كانت تتخذ شكلاً بسيطاً عند بعض الشعراء، بينما تتعقد تعقداً شديداً عند آخرين ممن يريدون أن يستوعبوا فهم مقدرات واسعة من الحذق والمهارة. والحياة الأدبية في العصر الجاهلي لم تكن ساذجة بسيطة، فقد كانت معقدة ملتوية شديدة الالتواء، ولم تكن على هذا النحو من اليسر والسهولة الذي يجعل الشعراء يصدر عنهم شعرهم صدور الفطرة ، بل كانوا يتكلفون في شعرهم فنوناً من التكلف ً. وقد كان الشعراء أنفسهم يلتزمون لوازم كثيرة في صناعة شعرهم، وكان الناس من حولهم يراقبونهم ويشجعونهم على التفوق والإجادة، وكأنما كان هناك ذوق عام يدعو الشعراء إلى التجويد والتحبير، ولعل مما يفسر ذلك أيضاً أنهم كانوا يسمون الشعراء بأسماء تصور مهارتهم وإجادتهم، فربيعة بن عدي كان يسمّى المهلهل لأنه أول من هلهل الشعر ورقّقه وكان طفيل الخيل يسمّى المحبّر لتزيينه شعره، وكان النمر بن تولب يسمى في الجاهلية الكيس لحسن شعره. وكذلك سمّي النابغة باسمه لنبوغه في شعره، كما سمي المرقّش باسمه لتحسينه شعره وتنميقه، وسمي علقمة بالفحل، لجود أشعاره، وبجانب ذلك نجد أسماء أخرى مثل المثقّب والمنخّل والمتنخل والأفوه. وقد سموا القصائد بأسماء تصور هي الأخرى مبلغ تفوقهم وإجادتهم فسموها اليتيمة وسموها السموط وسموها الحوليات والمقلّدات والمنقّحات والمحكمات. يقول كعب بن زهير يخاطب الشّماخ وأخاه مزرّداً

فمن للقوافي شانها من يحوكها
كفيتك لا تلقي من الناس واحداً
نُثقِّفها حتى تلين متوُنها إذا ما ثوى كعبٌ وفوّز جرول
تنخلَّ منها مثلما نتنخّلُ
فيقصرُ عنها كل ما يُتمثَّلُ

فكعب وجرول أي الخطيئة يتنخلان شعرهما، ويأخذانه بالثقاف والتنقيح، ويجمعان له كل ما يمكن من وسائل التجويد والتحبير، وكذلك كان يصنع صنيعهما الشمّاخ ومزرد الذي ردّ على كعب قائلا:
فإن تخشبا أخشب وإن تتنخّلا وإن كنت أفتى منكما أتنخَّلِ
وهذا التنخل من عمل الشعراء جميعاً، فهم مشتركون في الإجادة ، ولعل ذلك ما جعل الحطيئة يقول:
الشعر صعبٌ وطويلٌ سُلّمه إذا ارتقى فيه الذي لا يعلمه
زلّت به إلى الحضيض قدمه يريـد أن يعربـه فيعجمـه
وليس من شك في أن الحُطيئة والشعراء من حوله كانوا يلقون عنتاً شديداً في رقي هذا السلم الذي كان يستلزم منهم جهداً فنياً خاصاً. حتى يستطيعوا أن يبلغوا الشأو الذي يريدونه.






المستشار الأدبي
حسين علي الهنداوي
شاعر وناقد
مدرس في جامعة دمشق
دراسات جامعية-في الأدب العربي
صاحب الموسوعة الأدبية (المرصد الأدبي )
حجم الموسوعة( خمس عشرة ألف صفحة )
سوريا -درعا- hoshn55@gmail.com
السيرة الذاتية للمستشار الأدبي(حسين علي الهنداوي)
أ- أديب و شاعر وقاص ومسرحي و ناقد و صحفي
ب- له العديد من الدراسات الأدبية و الفكرية
ج-نشر في العديد من الصحف العربية
د- مدرس في جامعة دمشق - كلية التربية - فرع درعا
ه- ولد الأديب في سوريا – درعا عام 1955 م
و- تلقى تعليمه الابتدائي و الإعدادي و الثانوي في مدينة درعا
ح- انتقل إلى جامعة دمشق كلية الآداب – قسم اللغة العربية و تخرج فيها عام 1983
ك- حائز على إجازة في اللغة العربية
ص-حائز على دبلوم تأهيل تربوي جامعة دمشق
ع- عمل محاضراً لمادة اللغة العربية في معهد إعداد المدرسين - قسم اللغة العربية في مدينة درعا
ف- انتقل إلى التدريس في المملكة العربية الســـعودية عام (1994 /2000 ) في مدينتـــي عنيزة و تبوك 0
1- عضو اتحاد الصحفيين العرب
2- عضو اتحاد كتاب الانترنت العرب
3- عضو تجمع القصة السورية
4- عضو النادي الأدبي بتبوك
مؤلفاته :
أ*- الشعر :
1- هنا كان صوتي و عيناك يلتقيان/1990
2- هل كان علينا أن تشرق شمس ثبير/1994
3- أغنيات على أطلال الزمن المقهور /1994
4- سأغسل روحي بنفط الخليج /1996
5- المنشّى يسلم مفاتيح إيلياء/1996
6- هذه الشام لا تقولي كفانا / مخطوط
ب*- القصة القصيرة :
شجرة التوت /1995
ج – المسرح :
1- محاكمة طيار /1996
2- درس في اللغة العربية /1997
3- عودة المتنبي / مخطوط
4- أمام المؤسسة الاستهلاكية / مخطوط
د – النقد الأدبي :
1- محاور الدراسة الأدبية 1993
2- النقد و الأدب /1994
3- مقدمتان لنظريتي النقد و الشعر / مخطوط
4- أسلمة النقد الأدب
هـ - الدراسات الدينية :
1- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الأول
2- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الثاني
3- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الثالث
4- فتاوى و اجتهادات / جمع و تبويب
5- هل أنجز الله وعده !!!!!!
و- موسوعة (المرصد الأدبي) :
1-تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية ( معاني الأدب وعلاقاته)
2 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية قبل الإسلام (العصر الجاهلي )
3 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر صدر الإسلام )
4 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر الخلفاء الراشدين )
5 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر الخلفاء الأمويين)
6 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء العباسيين )
7 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء الأندلسيين )
8 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الدول المتتابعة )
9- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء العثمانيين )
10- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية في (العصر الحديث)
11- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية في (العهد المعاصر)