رؤية في مضمون المعلقات
تبين من خلال دراسة المعلقات الجاهلية ، أن كل معلقة تحتوي على أفكار متعددة، ولكن الشاعر كان يحاول أن يجعل أفكاره في قصيدته متسلسلة، تسلسلًا طبيعيًّا، والروابط بين الأفكار واضحة في جميع المعلقات إلا في معلقة امرئ القيس فإنها تحتاج في تبينها إلى قليل من التأمل: ففي معلقة امرئ القيس نجد أن الشاعر بدأها بالوقوف على الأطلال، ووصف ما آلت إليه الديار فجره ذلك إلى الحديث عن سبب ذلك وهو ترك الحبيبة لها، فتحدث عن موكب الارتحال، وأثر ذلك في نفسه، فعاد به ذلك إلى تذكر ما كان من مواقف مع الحبيبة وسبب تأثيرها عليه، وهو جمالها فوصفها، فأثار ذلك كله الهموم التي أقضت مضجعه في الليل، فوصف ما يعانيه المهموم الحزين من الليل، وحتى إذا أصبح فلن يسرّى عنه الهم ما دام في جو الذكريات، وحينئذ ليس أمامه إلا أن يترك هذا المكان بأسرع ما يستطيع فيخرج مبكرًا في رحلة صيد ممتعة يعجبه فيها كل شيء، فيصف الحصان ومنظر البقر الوحشي، ومعركة الصيد، وكيف كانت نهايتها حلوة يتناول ما لذ وطاب من ألوان اللحوم، وفي إحدى روحاته أو غدواته تغير الجو وتلبدت السماء بالغيوم، ونزل المطر، فسالت الأودية والروابي، وعم الخير وعبق العطر، فانتشى الطير، وازينت الأرض فاكتست حللًا جميلة، متنوعة الأشكال والألوان، فالروابط في المعلقة تكاد تكون خفية تحتاج إلى تأمل. أما في معلقة طرفة فالصلة بين الأفكار واضحة إذ كان الشاعر ينتقل من جزئية إلى أخرى بتمهيد صريح: فقد بدأ بالأطلال والوقوف عليها، فجره ذلك إلى موكب الارتحال، ووصف من كان يحب في هذا الموكب. فعلاه الهم فلم يجد وسيلة لتسليته خيرًا من ناقته القوية السريعة، فيصفها وصفًا بديعًا، مبينًا قوتها وسرعتها وطعامها والعناية بها، ثم نسب إليها أنها هي التي تساعده على القيام بالأمور الخطيرة والأعمال الجليلة، فكان ذلك مدخلًا لطيفًا للحديث عن نفسه، فانطلق في فخر شخصي، وكأنما أحس أنه بما نسبه لنفسه من صفات وأمجاد محبوب من جميع الناس وموضع احترامهم؛ ولذلك تعجب من سلوك ابن عمه معه الذي كله تعنت وعناد وظلم، وقارن بين شعور كل منهما تجاه الآخر فكان ذلك مدعاة للحديث عن نفسه مرة أخرى في فخر شخصي آخر، وفي أثناء حديثه عن سلوكه وأحواله يتخلل كلامه بعض الحكم التي ساقها لمناسبات اقتضتها، فالروابط بين أجزاء معلقة طرفة واضحة صريحة. وأما زهير فقد بدأ معلقته بالحديث عن ديار الحبيبة وما آلت إليه، فجره ذلك أيضا إلى الحديث عن موكب الارتحال، والعلاقة بين هذين واضحة، ثم انتقل إلى الحديث عن الساعين في الصلح بين المتحاربين، وهذا اقتضاه أن يتحدث إلى المتحاربين لتبصيرهم بمغبة الاندفاع وراء الأهواء، وما ينتج عن الحروب من المحن والآلام، وساق في النهاية حكمًا تدعم ما يتحدث فيه ليتم مشروع الصلح بنجاح، والصلة وثيقة بين الديار وموكب الارتحال، وهي كذلك وثيقة بين الحديث عن الساعين في الصلح والحديث إلى المتحاربين، وقد يبدو أن هناك فجوة في الانتقال من موكب الارتحال إلى مدح الساعين في الصلح، ولكن إذا تأملنا نفسية الشاعر فسوف نجد أن الشاعر قد ألف قصيدته وهو تحت سيطرة الانفعال بحب الأمن والسلام، فكلما تحقق ذلك رضي به واطمأن، وهذا الرباط النفسي وجد في جميع جزئيات القصيدة، فحينما تحدث عن الأطلال وما آلت إليه بعد هجر الحبيبة عنها منذ عشرين سنة وتكاثرت فيها الظباء والبقر والنعام، وظهر عليهن جميعًا الأمن والراحة والاستقرار، سره ذلك، فرضي به، ودعا للربع في النهاية بالنعيم والسلام، وكذلك حينما تحدث عن موكب الارتحال، ومن كن فيه، وما ظهر عليه من مظاهر الترف والنعيم، وصل بهن إلى منزل طيب جميل نزلن فيه نزول المقيم الآمن الهادئ، فكان منظرًا أنيقًا، أقر عينه وأثلج فؤاده وأرضاه، ولذلك لم نره يسفح دمعة واحدة لا عند الأطلال ولا في أثر الارتحال، وإذا كان ذلك أثار إعجابه وسروره، فلا شك أن من يضحي في سبيل السلام أشد إثارة للإعجاب والسرور، ويستحق المدح والثناء فانتقل إلى الإشادة به، ففكرة الأمن والاستقرار والسلام هي التي سيطرت على الشاعر، فكانت الرباط الوثيق بين جزئيات القصيدة من أولها إلى آخرها. وأما لبيد فقد بدأ بالحديث عن ديار الحبيبة التي هجرتها من سنين، وتعاورتها الرياح والأمطار فتخربت، وسكنتها الوحوش، ووقف يسألها، ولكنه تعجب من سؤال أصم لا يبين، وجره ذلك إلى الحديث عن الأظعان وابتعادهن، وانقطاع الصلة بينه وبين من كان يحب، وتعجب كذلك من تأثره بفراق من قطع الصلة، وجزاؤه قطع الصلة بالابتعاد عنه على ناقة قوية سريعة، صور سرعتها بسرعة أتان حامل يطاردها حمار عنيف، كلفها عناء ومشقة شديدين، فكانت تولي هاربة منه بسرعة فائقة وكذلك صور سرعة ناقته بسرعة بقرة وحشية حزينة طاردها الصيادون وكلابهم، فانطلقت فزعة بسرعة شديدة لتنجو بحياتها، ثم قال: إن هذه الناقة هي التي تجعله يقوم بجميع ما عليه من واجبات والتزامات، فكان ذلك تمهيدًا للبدء في فخر شخصي انتقل منه إلى فخر قبلي بأنه من قوم شأنهم كيت وكيت، فالترابط واضح في المعلقة من أولها إلى آخرها. وأما عنترة فقد بدأ بالديار وتحيتها والدعاء لها بالخير لأن حب من سكنها تمكن من قلبه بالرغم من عدواته لقومها، وبعدها عنه، وتمنى أن توصله إليها ناقة قوية شديدة أخذ في وصفها، وكأنه يتخيل أنه وصل فوجدها محجبة دونه، فقال: إنه خبير بتمزيق دروع الأبطال، وانطلق يحكي صفاته وأخلاقه وسلوكه، وأخذ يضرب أمثلة لشهامته ومروءته بما يثبت أنه بطل كريم، ذو مروءة وأخلاق، فهي قصيدة محبوكة تتسلسل فيها الأفكار في تتابع مرتب منسق. وأما عمرو بن كلثوم فقد بدأ بطلب الصبوح، ثم أعقبه بالحديث عن الظعينة، وسألها عن سبب الارتحال، وما وراءه بالنسبة للصلة بينهما، ثم عقب على ذلك بأن المستقبل غيب، لا يعلم عنه المرء شيئًا، فكأنه بذلك كان يريد أن يعرف حقيقة شعورها نحوه من ناحية، ويترقب ما يجيء به المستقبل من أحداث من ناحية أخرى، وخصوصًا مما يتصل بعمرو بن هند الذي يبدو أنه حدث بينهما ما لم يكن مرغوبًا فيه، فوجه إليه الحديث في غضب وثورة مهددًا ومتوعدًا، بدأه بنصحه في تهكم بالتريث؛ ليعرف حقيقة قوم الشاعر، ثم أخذ عمرو يعرض مفاخر قومه وأمجادهم وعزتهم وإباءهم وأسلافهم السابقين من ذوي الشهرة والحسب، ثم وجه الحديث إلى بني بكر خصوم قومه محذرًا، واستمر في فخره القبلي إلى آخر القصيدة. وأما الحارث بن حلزة فقد بدأ بأن الحبيبة أعلمته بالارتحال، وأنها أصبحت بعيدة عنه، ولن يجديه البكاء شيئًا، فتسلى بناقته التي يسلى بها الهموم، ولكن يبدو أن همًّا ثقيلًا عنيفًا قد استحوذ عليه، فأثار حفيظته، فانطلق ينفس عن ثورته، فقد أسيء إلى قومه ظلمًا وعدوانًا، ووشى الوشاة ضدهم بالنميمة حقدًا وضغنًا، وأخذ يعرض أمجاد قومه، ثم انتقل إلى تحقير خصومهم، فسرد مخازيهم، وما حاق بهم من الهوان في تهكم وسخرية، ثم ذكر مواقف معينة عظيمة لقومه تدل على علو شأنهم. من هذا ترى أن الوحدة الموضوعية متحققة في كل المعلقات، فكان الشاعر ينتقل من جزئية إلى أخرى لمناسبة تقتضيها، وبمجرد أن يبدأ تتوالى عليه الأفكار، فيسير في عرضها متتابعة حتى ينتهي مما يري





المستشار الأدبي
حسين علي الهنداوي
شاعر وناقد
مدرس في جامعة دمشق
دراسات جامعية-في الأدب العربي
صاحب الموسوعة الأدبية (المرصد الأدبي )
حجم الموسوعة( خمس عشرة ألف صفحة )
سوريا -درعا- hoshn55@gmail.com
السيرة الذاتية للمستشار الأدبي(حسين علي الهنداوي)
أ- أديب و شاعر وقاص ومسرحي و ناقد و صحفي
ب- له العديد من الدراسات الأدبية و الفكرية
ج-نشر في العديد من الصحف العربية
د- مدرس في جامعة دمشق - كلية التربية - فرع درعا
ه- ولد الأديب في سوريا – درعا عام 1955 م
و- تلقى تعليمه الابتدائي و الإعدادي و الثانوي في مدينة درعا
ح- انتقل إلى جامعة دمشق كلية الآداب – قسم اللغة العربية و تخرج فيها عام 1983
ك- حائز على إجازة في اللغة العربية
ص-حائز على دبلوم تأهيل تربوي جامعة دمشق
ع- عمل محاضراً لمادة اللغة العربية في معهد إعداد المدرسين - قسم اللغة العربية في مدينة درعا
ف- انتقل إلى التدريس في المملكة العربية الســـعودية عام (1994 /2000 ) في مدينتـــي عنيزة و تبوك 0
1- عضو اتحاد الصحفيين العرب
2- عضو اتحاد كتاب الانترنت العرب
3- عضو تجمع القصة السورية
4- عضو النادي الأدبي بتبوك
مؤلفاته :
أ*- الشعر :
1- هنا كان صوتي و عيناك يلتقيان/1990
2- هل كان علينا أن تشرق شمس ثبير/1994
3- أغنيات على أطلال الزمن المقهور /1994
4- سأغسل روحي بنفط الخليج /1996
5- المنشّى يسلم مفاتيح إيلياء/1996
6- هذه الشام لا تقولي كفانا / مخطوط
ب*- القصة القصيرة :
شجرة التوت /1995
ج – المسرح :
1- محاكمة طيار /1996
2- درس في اللغة العربية /1997
3- عودة المتنبي / مخطوط
4- أمام المؤسسة الاستهلاكية / مخطوط
د – النقد الأدبي :
1- محاور الدراسة الأدبية 1993
2- النقد و الأدب /1994
3- مقدمتان لنظريتي النقد و الشعر / مخطوط
4- أسلمة النقد الأدب
هـ - الدراسات الدينية :
1- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الأول
2- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الثاني
3- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الثالث
4- فتاوى و اجتهادات / جمع و تبويب
5- هل أنجز الله وعده !!!!!!
و- موسوعة (المرصد الأدبي) :
1-تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية ( معاني الأدب وعلاقاته)
2 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية قبل الإسلام (العصر الجاهلي )
3 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر صدر الإسلام )
4 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر الخلفاء الراشدين )
5 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر الخلفاء الأمويين)
6 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء العباسيين )
7 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء الأندلسيين )
8 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الدول المتتابعة )
9- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء العثمانيين )
10- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية في (العصر الحديث)
11- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية في (العهد المعاصر)