الشعور العام في المعلقات
ومن الملاحظ أن في كل معلقة شعور عام يسيطر عليها من أولها إلى آخرها: فمعلقة امرئ القيس تصوير لنفسية شاب يعشق الجمال فيقبل على الحياة، باحثًا عن نواحي الجمال فيها، ويحاول بكل ما يستطيع أن يستمتع بكل مظهر من مظاهر الجمال، ويؤلمه أن يعترضه ما يعكر صفو حياته، أو يقلل من سروره ومتعته، حتى ولو كان من مظاهر الفطرة التي لا دخل للإنسان فيها فيحاول التخلص منه، ويبحث عن المتعة والسرور في كل اتجاه. ومعلقة طرفة يسرد فيها شعور الطموح وحب الظهور، فالأطلال تلمع فهي ظاهرة واضحة، وموكب الارتحال ضخم عظيم، والحبيبة من طبقة مترفة تتحلى بالجواهر الثمينة، ووجهها يشع نورًا ودفئًا وحياة، وناقته ضخمة عظيمة، وشخصيته ذائعة الشهرة والصيت. وفي معلقة زهير، يشيع نقاء السريرة وحب الخير، فهي تصوير لنفسية رجل حلب الدهر أشطره، فعرف خيره وشره، وحلوه ومره، وثبت لديه أن الحياة لا قيمة لها بدون سلام. فجدير بالعاقل أن يبحث عنه، ويتمسك به، ويدعو به، حتى للجماد. وفي معلقة لبيد، نرى الرغبة في الوصول إلى الأهداف والغايات على أساس الحقيقة والواقع لا جريًا وراء الأوهام، ولا تعلقًا بالأماني والأحلام البعيدة المنال، مع اتخاذ الحيطة والحذر، ومعالجة الأمور بالعقل والتدبر، فالأطلال قد درست، والمكان تبدل بأنسه وبهجته الوحوش والوحشية، وأصبحت الأطلال لا خير له فيها، فلا جدوى من الوقوف بها والاستخبار عن أهلها، وكان ارتحال الحبيبة مثيرًا للشوق، ولكن ما فائدة تذكرها وقد بعدت وقطعت الصلة، فخير ما يجب أن يقطع صلة من قطعه، فالجزاء من جنس العمل، وليترك المكان بالسفر على ناقة دائمة النشاط والسرعة، مهما بلغ منها الإعياء، في سبيل الوصول إلى الغاية المنشودة، ولتكن في جريها كأتان حامل تهرب من حمار يطاردها بعنف فتجري، وتسلك مسالك وعرة، وتتحمل ما تتحمل من العناء والتعب في سبيل المحافظة على سلامتها وسلامة جنينها، أو لتكن الناقة في جريها كبقرة وحشية حزينة غفلت عن ولدها فافترسته الذئاب، وفاجأها الصيادون فولت هاربة في عنف وسرعة فائقة، حتى إذا أحست الخطر دخلت معركة عنيفة مع أعدائها فصرعتهم ونجت بحياتها، وناقته التي تلك سرعتها تعينه على إبعاد ما ينغص حياته أو يسبب اللوم أو المؤاخدة؛ لأنه هو وقومه يعرفون قيمة الحياة الكريمة، فيحافظون على ما يحمي شرفهم ويعلي مكانتهم مهما كلفهم من مشقات وتضحيات، فالكل يكافح ويقاسي في سبيل حب البقاء. أما معلقة عنترة ففيها الشهامة بمثلها العليا ومبادئها النبيلة، فيها الوفاء بالعهد للديار وإن أصبحت أطلالًا، فلها التحية والمهابة والاحترام، والوفاء بالعهد لمن سكنتها وإن باعدت بينهما الظروف، فلها كل محبة واحترام، وهو يدخل الحروب ويجابه الأخطار لأغراض سامية، لا طمعًا في كسب، ولا جريًا وراء نزوة، فيقاتل وينتصر فيتعفف عن الغنائم ولا ينظر إليها، ويقتل حليل الغانية الصنديد ولا يمسها بسوء، ويحافظ على شرف المرأة ولو كانت من الأعداء، ويدعو لحبيبته ألا تكون لأحد إلا عن طريق الحلال، وأمنيته أن تكون هي الحلال له، ويعرض بطولاته وأمجاده أمام حبيبته، ليؤكد لها أنه قادر على حمايتها والمحافظة عليها معززة مكرمة في وقت كانت النساء فيه نهبًا لمن استطاع أخذهن بالقوة حيث لا قانون إلا القهر والغلبة، وهو في أوقات الشدة وساعات الخطر محط الآمال وموطن الرجاء، وموضع الثناء والإعجاب. ومعلقة عمرو بن كلثوم، تصور الرغبة في التعالي وحب العظمة في النفس البشرية، لا في فرد واحد، ولكن في مجموعة، فهي تتغنى بصفات القبيلة المثالية تجاوبًا مع التيار العام السائد في العصر الجاهلي، حيث لا أمان إلا بالقوة والإرهاب، فما هي إلا ذكر المفاخر والأمجاد، وحديث عن الأصل والحسب والشرف والقوة والعزة والصلابة والعناد في هذه القبيلة. وقد انطلق الشاعر في كلامه بقوة وحماسة وحمية تجعل كلا من القارئ والسامع تنتفخ أوداجه، ويشمخ برأسه ويتطاول إلى السماء، كأنما يتمنى أن يكون واحدًا من هؤلاء الموصوفين: عزة وإباءً، وكثرة في البر، ورهبة في البحر. أما معلقة الحارث بن حلزة فيسيطر الغضب فيها؛ فقد امتلأت جوانح الشاعر غيظًا ألهب عواطفه، فثار ثورة عنيفة، فانطلق يروي ويروي مفصلًا ومبينًا حتى لتحس كأنما يهدد، ويرغي، ويزبد، ويتطاير منه الحمم كبركان ثائر يقذف بالجمر: فضح الخصوم وعدد مخازيهم، وسرد معايبهم في عرض قوي مثير، وأشاد بقومه في لباقة تثير العجب، وتجلى ذكاء الحارث، وعبقريته الفنية في مزجه مدح عمرو بن هند بذمه الأعداء وبفخره بقومه. وأعتقد أن من أسباب خلود المعلقات، أن كلا منها تشبع غريزة من غرائز النفس البشرية، فهناك حب الجمال في معلقة امرئ القيس، والطموح وحب الظهور في معلقة طرفة، والرغبة في الأمن والاطمئنان في معلقة زهير، وحب البقاء والكفاح في سبيل الحياة في معلقة لبيد، والإعجاب بالشهامة والمروءة في معلقة عنترة، وحب التعالي والعظمة في معلقة عمرو بن كلثوم، والغضب للشرف والكرامة في معلقة الحارث بن حلزة.



المستشار الأدبي
حسين علي الهنداوي
شاعر وناقد
مدرس في جامعة دمشق
دراسات جامعية-في الأدب العربي
صاحب الموسوعة الأدبية (المرصد الأدبي )
حجم الموسوعة( خمس عشرة ألف صفحة )
سوريا -درعا- hoshn55@gmail.com
السيرة الذاتية للمستشار الأدبي(حسين علي الهنداوي)
أ- أديب و شاعر وقاص ومسرحي و ناقد و صحفي
ب- له العديد من الدراسات الأدبية و الفكرية
ج-نشر في العديد من الصحف العربية
د- مدرس في جامعة دمشق - كلية التربية - فرع درعا
ه- ولد الأديب في سوريا – درعا عام 1955 م
و- تلقى تعليمه الابتدائي و الإعدادي و الثانوي في مدينة درعا
ح- انتقل إلى جامعة دمشق كلية الآداب – قسم اللغة العربية و تخرج فيها عام 1983
ك- حائز على إجازة في اللغة العربية
ص-حائز على دبلوم تأهيل تربوي جامعة دمشق
ع- عمل محاضراً لمادة اللغة العربية في معهد إعداد المدرسين - قسم اللغة العربية في مدينة درعا
ف- انتقل إلى التدريس في المملكة العربية الســـعودية عام (1994 /2000 ) في مدينتـــي عنيزة و تبوك 0
1- عضو اتحاد الصحفيين العرب
2- عضو اتحاد كتاب الانترنت العرب
3- عضو تجمع القصة السورية
4- عضو النادي الأدبي بتبوك
مؤلفاته :
أ*- الشعر :
1- هنا كان صوتي و عيناك يلتقيان/1990
2- هل كان علينا أن تشرق شمس ثبير/1994
3- أغنيات على أطلال الزمن المقهور /1994
4- سأغسل روحي بنفط الخليج /1996
5- المنشّى يسلم مفاتيح إيلياء/1996
6- هذه الشام لا تقولي كفانا / مخطوط
ب*- القصة القصيرة :
شجرة التوت /1995
ج – المسرح :
1- محاكمة طيار /1996
2- درس في اللغة العربية /1997
3- عودة المتنبي / مخطوط
4- أمام المؤسسة الاستهلاكية / مخطوط
د – النقد الأدبي :
1- محاور الدراسة الأدبية 1993
2- النقد و الأدب /1994
3- مقدمتان لنظريتي النقد و الشعر / مخطوط
4- أسلمة النقد الأدب
هـ - الدراسات الدينية :
1- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الأول
2- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الثاني
3- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الثالث
4- فتاوى و اجتهادات / جمع و تبويب
5- هل أنجز الله وعده !!!!!!
و- موسوعة (المرصد الأدبي) :
1-تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية ( معاني الأدب وعلاقاته)
2 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية قبل الإسلام (العصر الجاهلي )
3 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر صدر الإسلام )
4 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر الخلفاء الراشدين )
5 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر الخلفاء الأمويين)
6 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء العباسيين )
7 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء الأندلسيين )
8 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الدول المتتابعة )
9- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء العثمانيين )
10- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية في (العصر الحديث)
11- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية في (العهد المعاصر)