مطالع المعلقات الجاهلية
تبدأ المعلقات الجاهلية كلها بالحديث عن الأطلال وموكب الارتحال إلا معلقة عمرو بن كلثوم، فقد استبدل بالأطلال طلب الصبوح، كأنما يريد أن يغيب عن وعيه فلا يرى ارتحال الظعينة ولا يحس ألم الفراق، والحديث عن الأطلال، والارتحال، من أشد مثيرات الوجدان، فالمكان يترك أثرًا عميقًا في الإنسان والارتحال يفرق بين قلبين إلى مدى لا يدرى كلاهما عقباه، وساكن المكان يشتد حنينه إليه بعد تركه، فإذا مر به اعتراه شعور غريب، وملأه إحساس عجيب، وقد يجد نفسه مدفوعًا إلى الوقوف به أو محاولة الدخول فيه، ومعرفة ما آل إليه، والمكان يعيد لصاحبه ما كان له فيه من ذكريات فينتابه الحنين ويعتريه الأسى، ولا شك أن التأثر يكون أكثر وأقوى إذا كان للإنسان في هذا المكان ذكريات حلوة جميلة لا أمل في استرجاعها، وبقدر ما فقد المرء من المتعة تكون درجة التأثر عمقًا وشدة، وحينئذ لا غرابة أحيانًا إن سيطر الحزن على الإنسان، أو عصرته اللوعة، أو ملأه الهم والغم، ولا عجب إن حاول التفريج عن نفسه بالبكاء، فلعل الدموع تطفئ نار الوجد، أو تقلل من ثقل الحزن، لهذا أعتقد أن الشعراء الجاهليين كانوا صادقين في تصوير انفعالاتهم بآثار الديار وموكب الارتحال، فذلك تعبير عن مشاعر حقيقة للنفس البشرية في هذه المواقف، ولا شك أن الشاعر في هذه الأحوال يكون في أوج التهيج والانفعال، ومن ثم فليس عجيبًا إن تواردت الخواطر وتتابعت الأفكار وجاء الفيض الشعري الذي نراه في المطولات. وأصحاب المعلقات الذين بدؤوها بالأطلال ومواطن الارتحال، إن اتفقوا في الفكرة فقد اختلفوا في الصورة، فقد لمس كل منهم الفكرة من زاوية خاصة، وعرضها بصورة خاصة، ومن يتأمل هذه المطالع فسيتضح له أن كلا منهم كان يحاول أن يجعل الافتتاحية ملائمة للشعور العام الذي يسيطر عليه في القصيدة كلها. ففي معلقة امرئ القيس، أطلال لديار عفت وسكنتها الآرام، وظعائن تسير، والشاعر يقف باكيًا حزينًا، وفي معلقة طرفة أطلال تكاد آثارها لا ترى والشاعر واقف بها في أسى ولوعة، والظعائن تسير في موكب ضخم عظيم تشق الوديان في سرعة ونشاط، وعند زهير أطلال أصبحت مواطن أمن واستقرار للبقر والظباء وأولادها فيحييها ويدعو لها بالخير. وظعائن مترفات منعمات يصلن إلى مكان أمين مريح، وعند لبيد ديار تخربت وأصبحت مرعى لقطعان الماشية فلا أمل له منها يرتجى، وظعائن فارقن وقطعن الصلة، أما عنترة فديار حبيبته لها واجب التحية والوفاء، والحبيبة وإن بعدت فلها كل محبة وإكرام، وظعينة عمرو بن كلثوم يسألها عن حقيقة شعورها نحوه: قطيعة أم خيانة للعهد، أما الحارث بن حلزة فقد أعلمته الحبيبة بالرحيل، وقد خلت الديار منها فلا جدوى من البكاء عندها، وذلك يوضح أن الشاعر وإن اتفق مع غيره في الفكرة فإن جانب الانفعال لديه كان يختلف، من هنا تأتي الصورة متغايرة. ومن ناحية مناسبة البدء لفحوى القصيدة، نجد ذلك متحققًا، مما يدل على أن الشاعر كان ذكيًّا دقيق الإحساس، فمعلقة امرئ القيس لوحات لبعض مظاهر الجمال في الطبيعة والإنسان، وافتتاحيتها حسرة وألم لما فاته من متعة بالجمال، ومعلقة طرفة تصوير للطموح. وحب العظمة، والأطلال فيها وإن قاربت أن تطمس، فإنها تلمع وتبرق، وموكب الحبيبة ضخم عظيم، وفي معلقة زهير روح الأمن والسلام، ومقدمتها أطلال أصبحت مأوى البقر والظباء تعيش فيها آمنة مستقرة فيرضيه هذا ويدعو للربع بالنعيم والسلام، وظعائن تسير حتى تصل إلى مكان الراحة والاطمئنان فيدخل منظرهن في نفسه البهجة والسرور، ومعلقة لبيد رمز للكفاح ومحاولة التصرف مع الواقع بما يناسبه بدون تشبث بالأوهام والخيالات، وأطلاله أصبحت لا جدوى منها فلا ينبغي أن يعيش في الأحلام، والحبيبة قد بعدت وقطعت الصلة، فليعاملها بالمثل، أما عنترة فيصور الشهامة ومن أهم مبادئها الوفاء بالعهد وحماية المرأة وصون شرفها، فالطلل وإن أقوى وأقفر فله التحية، وهي وإن بعدت فهو باقٍ على عهدها قد تمكن حبها في قلبه منذ أن رآها عرضًا، ومع بعدها وعداوة قومها له، فسيظل أمينًا مخلصًا لها. وأما عمرو بن كلثوم فيصور في معلقته التعالي وحب العظمة، وبدؤه تحقق فيه ذلك، فهو يطلب الصبوح، ويأبى إلا أن يكون من أجود الأنواع، ولا يحب أن يكون فراق الظعينة لقطيعة أو خيانة للعهد، وإلا كان له في ذلك شأن، وأما الحارث بن حلزة فهو في معلقته غضوب ثائر لكرامته، يحب الصراحة، ويحارب التآمر في الخفاء، فكذلك كان بدؤه فصارحته الحبيبة بالرحيل، وبعدت عنه فصرح بأنه لا أمل له في شيء منها، فليتجه نحو ما يهمه وما يعنيه.



المستشار الأدبي
حسين علي الهنداوي
شاعر وناقد
مدرس في جامعة دمشق
دراسات جامعية-في الأدب العربي
صاحب الموسوعة الأدبية (المرصد الأدبي )
حجم الموسوعة( خمس عشرة ألف صفحة )
سوريا -درعا- hoshn55@gmail.com
السيرة الذاتية للمستشار الأدبي(حسين علي الهنداوي)
أ- أديب و شاعر وقاص ومسرحي و ناقد و صحفي
ب- له العديد من الدراسات الأدبية و الفكرية
ج-نشر في العديد من الصحف العربية
د- مدرس في جامعة دمشق - كلية التربية - فرع درعا
ه- ولد الأديب في سوريا – درعا عام 1955 م
و- تلقى تعليمه الابتدائي و الإعدادي و الثانوي في مدينة درعا
ح- انتقل إلى جامعة دمشق كلية الآداب – قسم اللغة العربية و تخرج فيها عام 1983
ك- حائز على إجازة في اللغة العربية
ص-حائز على دبلوم تأهيل تربوي جامعة دمشق
ع- عمل محاضراً لمادة اللغة العربية في معهد إعداد المدرسين - قسم اللغة العربية في مدينة درعا
ف- انتقل إلى التدريس في المملكة العربية الســـعودية عام (1994 /2000 ) في مدينتـــي عنيزة و تبوك 0
1- عضو اتحاد الصحفيين العرب
2- عضو اتحاد كتاب الانترنت العرب
3- عضو تجمع القصة السورية
4- عضو النادي الأدبي بتبوك
مؤلفاته :
أ*- الشعر :
1- هنا كان صوتي و عيناك يلتقيان/1990
2- هل كان علينا أن تشرق شمس ثبير/1994
3- أغنيات على أطلال الزمن المقهور /1994
4- سأغسل روحي بنفط الخليج /1996
5- المنشّى يسلم مفاتيح إيلياء/1996
6- هذه الشام لا تقولي كفانا / مخطوط
ب*- القصة القصيرة :
شجرة التوت /1995
ج – المسرح :
1- محاكمة طيار /1996
2- درس في اللغة العربية /1997
3- عودة المتنبي / مخطوط
4- أمام المؤسسة الاستهلاكية / مخطوط
د – النقد الأدبي :
1- محاور الدراسة الأدبية 1993
2- النقد و الأدب /1994
3- مقدمتان لنظريتي النقد و الشعر / مخطوط
4- أسلمة النقد الأدب
هـ - الدراسات الدينية :
1- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الأول
2- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الثاني
3- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الثالث
4- فتاوى و اجتهادات / جمع و تبويب
5- هل أنجز الله وعده !!!!!!
و- موسوعة (المرصد الأدبي) :
1-تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية ( معاني الأدب وعلاقاته)
2 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية قبل الإسلام (العصر الجاهلي )
3 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر صدر الإسلام )
4 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر الخلفاء الراشدين )
5 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر الخلفاء الأمويين)
6 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء العباسيين )
7 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء الأندلسيين )
8 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الدول المتتابعة )
9- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء العثمانيين )
10- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية في (العصر الحديث)
11- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية في (العهد المعاصر)