بناء القصيدة الجاهلية
والوحدة فيها
كان الشاعر الجاهلي يبدأ قصيدته -إذا كانت تتضمن أفكارًا كثيرة متعددة- بافتتاحية يجعلها مقدمة لما سيأتي بعدها، وكان أكثر هذه الافتتاحات دورانًا على ألسنة الشعراء الحديث عن الأطلال وارتحال الحبيبة وأثرهما في نفس الشاعر، وكان من بين الافتتاحيات: الحديث عن الصبا والشباب، والشيب، والخمر، والطيف، ثم الحديث عن ذكريات الحبيبة وجمالها، ومحاولة التسلي عنها، وبعد ذلك تتوالى الأفكار حسب ما يراه الشاعر، وأن الشاعر الجاهلي كان يحاول أن يعرض أفكاره في تسلسل منطقي، كل فكرة ترتبط بسابقتها برباط عقلي، ظاهر أو خفي، حتى الافتتاحية التي كان الشاعر يبدأ بها قصيدته كان يأتي بها مناسبة للفكرة الأساسية في القصيدة، والشعور العام الذي استولى عليه فيها. ومن أهم ما يمتاز به الشعر العربي الجاهلي اتحاد الوزن والقافية في جميع أبيات القصيدة الواحدة إلى آخرها، مهما كان طولها، كما تمسك العربي في شعره بوحدة البيت الواحد، وضرورة تمامه بنفسه، وأنه يجب ألا يكون معناه التام متوقفًا على شيء في بيت سابق أو بيت لاحق. فطريق الشعر طويل وشاق يحتاج إلى موهبة وكفاءات ومؤهلات، والشعراء يختلفون في الجودة والمكانة، وبعضهم يجعل الشعراء أربعة أنواع:
1- شاعر خنذيذ وهو الذي يجمع إلى جودة شعره رواية الجيد من شعر غيره.
2- شاعر مفلق وهو الذي لا رواية له، لكنه مجيد.
3- شاعر فقط وهو فوق الرديء بدرجة.
4- شعرور وهو لا شيء.
ومن أطراف ما قيل في ذلك شعرًا:
الشعراء فاعلمنّ أربعة ... فشاعر يجري ولا يجرى معه
وشاعر يخوض وسط المعمعة ... وشاعر لا تشتهي أن تسمعه
وشاعر لا تستحي أن تصفعه ، وقد ذكر بعض المستشرقين أن اتحاد القافية في القصيدة في الشعر العربي، نشأ عن الحاجة إلى إعانة الذاكرة في عصر كان لا يعتمد في حفظ الأشياء فيه إلا على الذاكرة . كما أرجعوا إلى السبب نفسه تمسك العربي بوحدة البيت الواحد، وضرورة تمامه بنفسه. ولا شك أن وحدة الوزن والقافية في القصيدة الواحدة، تساعد الذاكرة على تلقيها بسرعة وسهولة، كما تعمل على بقائها فيها مدة أطول، وعلى ترديدها وقت الحاجة في يسر وتتابع. كما أنه لا ريب في أن وحدة الوزن والقافية في القصيدة الواحدة، وبخاصة إذا كانت طويلة تدل على اتساع الأفق اللغوي، وامتلاك زمام البيان، ودقة الحس الفني، وقوة النفس الشعري لدى الشاعر، وأعتقد أن العرب في تمسكهم بوحدة الوزن والقافية والبيت في شعرهم، كانوا يقصدون السمو بالشعر، والاحتفاظ له بدرجة عليا، بحيث لا يصل إليها إلا من توافرت فيه مؤهلات خاصة، وكفاءات فنية ممتازة، بحيث يكون قادرًا على التزام وحدة الوزن والقافية والبيت، مهما كان طولها، وواضح أن هذا يتطلب ثروة لغوية هائلة، وثقافة أدبية واسعة، ومقدرة فائقة على التنويع والتطوير في التعبير والتصوير. لكن وحدة البيت الواحد في القصيدة التي تعني استقلاله استقلالًا تامًّا في تركيبه وبنائه عن سابقه وعن لاحقه، ليست مما يعين الذاكرة على حفظ القصيدة بأكملها. بل إن ذلك ربما كان سببًا في حدوث شيء من الخلط في نظام القصيدة ومواضع الأبيات فيها، مما يظهر القصيدة في بعض الأحيان مختلطة مضطربة في الترتيب والنظام، ومن المعلوم، أنه كلما تماسكت أجزاء القصيدة بتشابك كل بيت فيما قبله وفيما بعده بأي نوع من أنواع الترابط، كانت أشد بناءً وأحكم نسجًا، فتجيء القصيدة كلًا واحدًا كالسلسلة الواحدة المتصلة الحلقات، المتينة الأحكام، فتتحقق فيها الوحدة الكاملة. وذلك يجعل القصيدة أسهل حفظًا، وأسرع علوقًا بالذهن، وأكثر بقاء في الذاكرة. وأيسر تذكرًا، وأكمل إلقاء، وأضبط رواية. وهذا الترابط الوثيق بين أبيات القصيدة، وبخاصة إذا كانت طويلة له الفضل الأكبر في حفظها تامة وروايتها كاملة. فحينما تجيء القصيدة مترابطة الأبيات في جميع أجزائها، تأتي كأنها قصة تسوق كل جزئية من الراوي أو القارئ أو السامع إلى ما يليها، كأنما ينتقل إليها من تلقاء نفسه بدون شعور بأدنى عسر أو مشقة. وإذا وجد اضطراب في ترتيب بعض الأبيات في قصيدة جيدة، فأغلب الظن أن ذلك حدث من الرواة الذين يعتمدون على الذاكرة فهي عرضة للخلط والنسيان بسبب كثرة المحفوظ فيها. ومن المستبعد أن يكون هذا الاضطراب من الشاعر صاحبها، فالقصيدة الرائعة لابد أن يكون مؤلفها بارعًا ممتازًا، والشعراء الممتازون دائمًا أصحاب عقول ناضجة، وأذواق فنية مرهفة، تجعل تفكيرهم مرتبطًا منظمًا، لهذا لابد أن يجيء تعبيرهم متقنًا محكمًا في تسلسل منطقي دقيق. وبسبب هذا تعرضت القصيدة الجاهلية للقيل والقال، من حيث وجود الوحدة فيها وعدمها، وأثارت هذه القضية جدلًا كثيرًا بين النقاد والباحثين.



المستشار الأدبي
حسين علي الهنداوي
شاعر وناقد
مدرس في جامعة دمشق
دراسات جامعية-في الأدب العربي
صاحب الموسوعة الأدبية (المرصد الأدبي )
حجم الموسوعة( خمس عشرة ألف صفحة )
سوريا -درعا- hoshn55@gmail.com
السيرة الذاتية للمستشار الأدبي(حسين علي الهنداوي)
أ- أديب و شاعر وقاص ومسرحي و ناقد و صحفي
ب- له العديد من الدراسات الأدبية و الفكرية
ج-نشر في العديد من الصحف العربية
د- مدرس في جامعة دمشق - كلية التربية - فرع درعا
ه- ولد الأديب في سوريا – درعا عام 1955 م
و- تلقى تعليمه الابتدائي و الإعدادي و الثانوي في مدينة درعا
ح- انتقل إلى جامعة دمشق كلية الآداب – قسم اللغة العربية و تخرج فيها عام 1983
ك- حائز على إجازة في اللغة العربية
ص-حائز على دبلوم تأهيل تربوي جامعة دمشق
ع- عمل محاضراً لمادة اللغة العربية في معهد إعداد المدرسين - قسم اللغة العربية في مدينة درعا
ف- انتقل إلى التدريس في المملكة العربية الســـعودية عام (1994 /2000 ) في مدينتـــي عنيزة و تبوك 0
1- عضو اتحاد الصحفيين العرب
2- عضو اتحاد كتاب الانترنت العرب
3- عضو تجمع القصة السورية
4- عضو النادي الأدبي بتبوك
مؤلفاته :
أ*- الشعر :
1- هنا كان صوتي و عيناك يلتقيان/1990
2- هل كان علينا أن تشرق شمس ثبير/1994
3- أغنيات على أطلال الزمن المقهور /1994
4- سأغسل روحي بنفط الخليج /1996
5- المنشّى يسلم مفاتيح إيلياء/1996
6- هذه الشام لا تقولي كفانا / مخطوط
ب*- القصة القصيرة :
شجرة التوت /1995
ج – المسرح :
1- محاكمة طيار /1996
2- درس في اللغة العربية /1997
3- عودة المتنبي / مخطوط
4- أمام المؤسسة الاستهلاكية / مخطوط
د – النقد الأدبي :
1- محاور الدراسة الأدبية 1993
2- النقد و الأدب /1994
3- مقدمتان لنظريتي النقد و الشعر / مخطوط
4- أسلمة النقد الأدب
هـ - الدراسات الدينية :
1- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الأول
2- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الثاني
3- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الثالث
4- فتاوى و اجتهادات / جمع و تبويب
5- هل أنجز الله وعده !!!!!!
و- موسوعة (المرصد الأدبي) :
1-تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية ( معاني الأدب وعلاقاته)
2 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية قبل الإسلام (العصر الجاهلي )
3 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر صدر الإسلام )
4 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر الخلفاء الراشدين )
5 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر الخلفاء الأمويين)
6 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء العباسيين )
7 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء الأندلسيين )
8 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الدول المتتابعة )
9- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء العثمانيين )
10- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية في (العصر الحديث)
11- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية في (العهد المعاصر)