فنية الشعر الجاهلي
بلغ الشعر الجاهلي من حيث الصنعة المتقنة مبلغا عظيما حيث أصبحت النماذج الجاهلية من الشعر مبلغا سامقاً لم يطاوله إلى يومنا هذا أي عصر من العصور، وما يزال النقاد حتى يومنا هذا يعجبون لهذه القدرة الفنية العظيمة عند هؤلاء الشعراء ولقد تميز الشعر الجاهلي بميزات كثيرة على رأسها
1 - ملابسة الطَّبع للصّنعة ملابسة تموّهها وتخفيها حتى لتغفل عنها العين البصيرة، بل ربّما خفيت وجوه هذه الصنعة حتى ظُنَّ أنّها غير موجودة وهذا موجود عند الحارث بن حلّزة في قصيدته :
( لمن الديار عفون بالحبس آياتها كمهارق الفرس )

2 - تعلّق الشّعر بالحقيقة أو الواقعيّة: فهو يتعلَّقُ بالواقع تعلّقاً يجعلُ التشبية صورة منعكسة عن هذا الواقع انعكاساً أصيلاً، ويتركُ له من الدلالة وقوّة الأداء عن النَّفس مالا سبيل إلى التعبير عنهُ بسواه من أساليبِ التعبير، وهذا النحوُ من التشبيه نجدُه عند عنترة في تصويره المشهور للذُبابُ في الرّوضة:
وخلا الذُّباب بها فليس بارحٍ
هزجـاً يحـُكُّ ذراعـهُ بذراعـــهُ غرداً كفعل الشاربٍ المُترنِّمِ
فدحَ المُكِـبُّ علـى الزِّنـاد الأجـذَمِ
3- رقةُ الإحساس بالحياة وقوةُ الشعور بالجمال : وهي تتمثَّل بأظهر وجوهها في التعلّق بوصف جمال المرأة وفي أصالةِ الإحساس بها، وبآثارها في نفس الشاعر وحياته، فالقصيدة الجاهلية مهما يكن غرضها تستفتح بالغزل، فمنهم من يبكي الدّيار الدارسة، ومنهم من يصفها ومنهم من يصف المرأة جسديّاً، ومنهم من يصف رحيل الأحبّة ، ومن ذلك استجلاء جمال الطبيعة بكل مظاهرها والتعريج على الصور الجميلة الواضحة الجمال. ولا شيء أبلغ من الدلالة على الإحساس بجمال الصُّبح من تلك اللمحة الخاطفة يلقبها علقمة بن عبدة في معرض الحديث عن إبله يوردها حين يقول:
أوردتُها وصدورُ العيس مسنفةٌ

تباشروا بعدما طال الوجيف بهم

بدت سوابقُ من أولاهُ تعرفها

والليلُ بالكوكبِ الدُرّيّ منجورُ

بالصُّبح لما بدّتْ منهُ تباشيرُ

وكبرهُ في سّوادِ الليلِ مستورُ

4 - الاعتدالُ في تناول الأمور، والاتزان في تقديرها، والسّلامة في الإحساس بها وهذا بين في شعرهم الغزلي والوصفيّ، يتناولون مشاعرهم في قصد، دون غلوّ أو إفراط، وصفةُ الاعتدال غالبةُ على الشعر العربي الجاهلي، حتى إن ما خرج منه عنها أمكنَ عدّه وتتبّعه، وهو عدد ضئيل من الأبيات، فعابوا على المهلهل التزيُّد في شعره والمبالغة، وعندهم أنّ أكذب بيت قاله هو:
فلـولا الرّيـح أسـمع مـن بحَجـرْ ....... صليـلّ البيـض تقـرعُ بالذكـور
وكان منزلهُ على شاطئ الفرات من أرض الشّام، وحجرُ هي ((اليمامة)) وقالوا هو أخطأ وكذب، فبينَ موضع الوقعة التي ذكرها وبين حجرِ مسافةُ بعيدة جداً وعندي ليس بكذب بمعناه الحقيقي بل هو مبالغة من مبالغات الشعراء التي قال فيها القرآن الكريم ( ألم تر أنهم في كل واد يهيمون وأنهم يقولون ما لا يفعلون ) .
5 - المحافظةُ والتقليدُ، وهي خلةُ من خلال النفس العربية امتدت آثارها إلى الشعر، فتركت عليه طابعاً قوياً لازمه من أقدم عصوره.. ومن أظهر مظاهر المحافظة التزامُ الشّعراء بالافتتاحية الغزلية، يأخذُه اللاّحقُ عن سابقيه، وليست هذه المحافظة بالتي تبلغُ من النّفس مبلغاً يُجمدُ بها عن التطور مع الحياة، ويحولُ بينها وبين مواجهة الحقائق الجديدة فيها، وإنّما هي خلَّة تقفُ بها النفسُ عند حدٍّ محمودٍ من التماسك والصُّمود، وإقامةِ الشخصيّة الفنيّة على أساس وثيق من الماضي العنيد وليست كل محافظة وتقليد مذمة كما يعتقد بعضهم،
6- الإيجاز، وهو صفة من أبرز ما يتصّف به الشعر العربي بعامة، والجاهلّي بخاصة، من خلال قلّة اللفظ مع تأديته للمعنى الغزير الكثير ، فالشاعر يكتفي بالبيت عن القصيدة، وباللفظة المعبِّرة عن العبارة، وقد أحسّ المتأخّرون بقيمة هذه الخّاصية إحساساً دفعهم إلى الغلو فيها حتى جعلوا البيت وحدهُ الشعر العربيّ، مع أن هذا لم يكن من شأن الشعر الجاهليّ وما أطول القصّة التي تمثّل وراءَ هذين البيتين للحارث بن مضاض:
كأنْ لم يكنْ بين الحجون إلى الصّفا
بلــى، نحنُ كنّا أهلها فأبادنا أنيسٌ ولم يسمرْ بمكَّة سامرُ
صروفُ الليالي والجدود العواثرُ

7- المثاليّة والتسامي في تصوُّر الأمور وتصويرها، فالشاعر الجاهلي ينزع إلى اختيار الأجملِ والأكمل ((وليس ألصقَ بطباع العربيّ من الشّهامة والتضحية)) وأروعُ ما في هذه المثالية ذلك الإحساس العميقُ بالتقاربِ بين مظاهرِ الجمال في الوجود ..جمالُ يقعُ في القلب، وجمالُ يقع على العين، وصورٌ تتباعد وتتقاربُ حتى يغدو الشيئان وكأنهما شيء واحد ...



المستشار الأدبي
حسين علي الهنداوي
شاعر وناقد
مدرس في جامعة دمشق
دراسات جامعية-في الأدب العربي
صاحب الموسوعة الأدبية (المرصد الأدبي )
حجم الموسوعة( خمس عشرة ألف صفحة )
سوريا -درعا- hoshn55@gmail.com
السيرة الذاتية للمستشار الأدبي(حسين علي الهنداوي)
أ- أديب و شاعر وقاص ومسرحي و ناقد و صحفي
ب- له العديد من الدراسات الأدبية و الفكرية
ج-نشر في العديد من الصحف العربية
د- مدرس في جامعة دمشق - كلية التربية - فرع درعا
ه- ولد الأديب في سوريا – درعا عام 1955 م
و- تلقى تعليمه الابتدائي و الإعدادي و الثانوي في مدينة درعا
ح- انتقل إلى جامعة دمشق كلية الآداب – قسم اللغة العربية و تخرج فيها عام 1983
ك- حائز على إجازة في اللغة العربية
ص-حائز على دبلوم تأهيل تربوي جامعة دمشق
ع- عمل محاضراً لمادة اللغة العربية في معهد إعداد المدرسين - قسم اللغة العربية في مدينة درعا
ف- انتقل إلى التدريس في المملكة العربية الســـعودية عام (1994 /2000 ) في مدينتـــي عنيزة و تبوك 0
1- عضو اتحاد الصحفيين العرب
2- عضو اتحاد كتاب الانترنت العرب
3- عضو تجمع القصة السورية
4- عضو النادي الأدبي بتبوك
مؤلفاته :
أ*- الشعر :
1- هنا كان صوتي و عيناك يلتقيان/1990
2- هل كان علينا أن تشرق شمس ثبير/1994
3- أغنيات على أطلال الزمن المقهور /1994
4- سأغسل روحي بنفط الخليج /1996
5- المنشّى يسلم مفاتيح إيلياء/1996
6- هذه الشام لا تقولي كفانا / مخطوط
ب*- القصة القصيرة :
شجرة التوت /1995
ج – المسرح :
1- محاكمة طيار /1996
2- درس في اللغة العربية /1997
3- عودة المتنبي / مخطوط
4- أمام المؤسسة الاستهلاكية / مخطوط
د – النقد الأدبي :
1- محاور الدراسة الأدبية 1993
2- النقد و الأدب /1994
3- مقدمتان لنظريتي النقد و الشعر / مخطوط
4- أسلمة النقد الأدب
هـ - الدراسات الدينية :
1- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الأول
2- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الثاني
3- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الثالث
4- فتاوى و اجتهادات / جمع و تبويب
5- هل أنجز الله وعده !!!!!!
و- موسوعة (المرصد الأدبي) :
1-تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية ( معاني الأدب وعلاقاته)
2 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية قبل الإسلام (العصر الجاهلي )
3 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر صدر الإسلام )
4 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر الخلفاء الراشدين )
5 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر الخلفاء الأمويين)
6 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء العباسيين )
7 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء الأندلسيين )
8 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الدول المتتابعة )
9- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء العثمانيين )
10- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية في (العصر الحديث)
11- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية في (العهد المعاصر)