تعريف النثر وميزاته
أ -تعرف العرب الجاهليين على النثر:
يقصـد بالنثر الجاهلي كل ما قيل مـن كلام غيـر موزون وغير مقفى ، وهـو ضربان : نثر عادي و نثر فني ؛
1-فالنثر العادي : ما عبـر عـن قضايا مختلفة بلغـة لا تحمل قيما بلاغية ،
2-والنثر الفنـي : ما عبـر عـن مـواقف مختلفة بلـغة فنية بلاغية مقصودة ؛ والنثـر فـي العصـر الجاهلــي إذا ما قيس بالشعـر كان نزرا قليلا لأسباب متعددة إضافة إلى أن حظ العرب في العصر الجاهلـي كان قليلاً فـي الكتابة والتأريخ، والأدب في حقيقته تأريخ بلغة فنية . ولا نعرف من الكتابة عند العرب إلا ما كان (يصفه لنا أمية بن أبي الصلت وهو من الشعراء الحنفاء الذين كانوا يكتبون الكتاب العبراني يترجمون الكتاب المقدس مـن العبرية إلـى العربية ، وما ورد عـن ورقة بن نوفل الذي كان أيضاً يكتب الكتاب العبرانـي ) ، والنثر، هو الكلام الذي لم ينظم في أوزان وقواف، وهو على ضربين:
أما الضرب الأول فهو النثر العادي يقال في لغة التخاطب، وليست لهذا الضرب الضرب قيمة أدبية، إلا ما يجرى فيه أحيانا من أمثال وحكم،
وأما الضرب الثاني، فهو النثر الذي يرتفع فيه أصحابه إلى لغة فيها فن ومهارة وبلاغة، وهذا الضرب هو الذي يعنى النقاد في اللغات المختلفة ببحثه ودرسه، وبيان ما مر به من أحداث وأطوار، وما يمتاز به في كل طور من صفات وخصائص، وهو يتفرع إلى الخطابة والكتابة الفنية -ويسميها بعض الباحثين باسم النثر الفني- وتشمل القصص المكتوب، كما يشمل الرسائل الأدبية المحبرة، وقد يتسع فتشمل الكتابة التاريخية المنمقة. ومن يرجع إلى العصر الجاهلي، وأخباره يجد هذا الضرب الأخير من النثر يلعب دورا مهما في حياة العرب حينئذ، إذ كان عرب الجاهلية مشغوفين بالتاريخ والقصص عن فرسانهم ووقائعهم وملوكهم، يقطعون بذلك أوقات سمرهم في الليل وحول خيامهم، وقد دارت بينهم أطراف من أخبار الأمم المجاورة لهم ممتزجة بالخرافات والأساطير، ففي السيرة النبوية المشرفة أن النضر بن الحارث المكي، كان يقص على قريش أحاديث عن أبطال الفرس أمثال رستم وإسفنديار، وأكثر ما كان يستهويهم من القصص أحاديث قصاصهم عن أيامهم وحروبهم في الجاهلية، مما يصوره لنا كتاب شرح النقائض لأبي عبيدة، وكتاب الأغاني لأبي الفرج الأصبهاني، وقد تلاهما اللغويون والأدباء يعنون بتلك الأيام والحروب عناية واسعة على نحو ما هو معروف عن ابن عبد ربه في "العقد الفريد" وابن الأثير في الجزء الأول من كتابه "الكامل"، والميداني في الفصل التاسع والعشرين من كتابه "مجمع الأمثال". وينبغي أن لا نعلق أهمية تاريخية، أو أدبية على هذا القصص، فإن الرواة حرفوا فيه كثيرا قبل أن يأخذ شكله النهائي عند أبي عبيدة، وغيره من مؤلفي العصر العباسي، وتوضح ذلك توضيحا تاما قصة الزباء ملكة تدمر ببادية الشام في القرن الثالث الميلادي، وهي تلك القصة التي رويت في الكتب العربية عن هشام بن محمد الكلبي، والتي تزعم أنها بنت عمرو بن الظرب العمليقي، وأن حروبا نشبت بينه وبين جذيمة الأبرش ملك الحيرة، وتنوخ انتهت بقتل عمرو، فاحتالت بنته الزباء على جذيمة، حتى قدم عليها فقتلته، وخلفه ابن أخته عمرو بن عدي، فاحتال بمساعدة أحد أتباعه -ويسمى قصيرًا- حتى انتقم منها في مدينتها التي بنتها على الفرات، بأن حمل إلى حصنها رجالا في جواليق أو صناديق، وفتحت له الحصن، وهي تظنه يحمل بعض عروض التجارة، وخرج الرجال من الجواليق، فقتلوها واستولوا على المدينة. وهي أسطورة لا تتفق في شيء ووثائق التاريخ الروماني الصحيحة عن الزباء، أو كما يسمونها زنبوبيا زوج أذينة الذي قتل غدرا، وقد نشرت سلطانها على العراق والشام ومصر وآسيا الصغرى، وصارعت الرومان صراعا عنيفا، حتى تصدى لها "أورليان" وانتصر على جيوشها، وحاصر حاضرتها تدمر، وطال الحصار ويئست من النصر، فحاولت الفرار ولكن جنوده تعقبوها وأسرارها، وأخذها معه أسيرة إلى روما حيث قضيت بقية أيامها. وكأن لا علاقة بين شخصية زنوبيا التاريخية، وشخصية الزباء في القصة العربية، فقد غيرت في القصة جميع المعالم التاريخية، حتى مدينتها تدمر وضع القصاص مكانها مدينتين بنتهما على الفرات، وحتى اسمها وهو "زنوبيا" حرف إلى الزباء، وقد جلبوا جذيمة من الحيرة ليحل محل زوجها أذينه الذي قتل غدرًا. وإذا كنا لا نستطيع أن نعتمد على هذا القصص في حوادث التاريخ، فأولى لنا أن لا نعتمد عليه في وصف صورة النثر الجاهلي، وبيان خصائصه الفنية؛ لأنه لم يكتب في العصر الجاهلي، ولا في عصر قريب منه، وإنما كتب في العصر العباسي، ومن أجل ذلك كنا لا نستطيع أن نعتد -من الوجهة الأدبية- بما يروى عن هذا العصر من عناصر القصص والتاريخ؛ لأن الرواة حرفوا لفظه، بل لقد حرفوا معناه على نحو ما حرفوا قصة زنوبيا، أو بنت زباي وأخبارها، ولو أن العرب كتبوا تاريخهم، وقصصهم في العصر الجاهلي لاعتددنا بهذا اللون من نثرهم، ولكنهم لم يكتبوا منه شيئا. أما ما يروى عن هشام بن محمد الكلبي من أنه رأى في بيع الحيرة بعض مدونات استخراج منها أخبار العرب، فإننا لا نستطيع الاعتماد على روايته؛ لأنه متهم في كثير مما يرويه، وحتى لو صحت روايته، فأغلب الظن أن ما شاهده من تلك المدونات لم يكن مكتوبا بالعربية، إنما كان مكتوبا بالسريانية التي كانت شائعة في الحيرة قبل الإسلام. والحق أنه لا يوجد تحت أيدينا دليل مادي على أن العرب تركوا في العصر الجاهلي مدونات تاريخية أو أدبية، وليس معنى ذلك أن الخط العربي لم يكن قد نشأ، فالنقوش المكتشفة حديثا تؤكد أنه تم تكونه في الحجاز منذ القرن السادس الميلادي، ومنها انتشر في بعض البيئات الصحراوية، وقد جاء الإسلام . وفي مكة المكرمة سبعة عشر كاتبا، وفي المدينة أحد عشر، وكان بين البدو من يعرف الكتابة مثل أكثم بن صيفي حكيم وخطيبها، وكان ابن أخيه حنظلة بن الربيع من كتاب الرسول صلى الله عليه وسلم . ومن الشعراء المتبدين الذين اشتهروا بمعرفة الكتابة في هذا العصر المرقش الأكبر وهو من بكر، ولبيد بن ربيعة، وهو من بني عامر بن صعصعة. ولعل من الدليل على شيوع الكتابة بين البدو أننا نجد شعراءهم يصفون الأطلال كثيرا بنقوش الكتابة، يقول المرقش في فاتحة قصيدة له معروفة:
الدار قفر والرسوم كما ... رقش في ظهر الأديم قلم
ويقول لبيد في مطلع معلقته:
عفت الديار محلها فمقامها ... بمنى تأبد غولها ورجامها
فمدافع الريان عري رسمها ... خلقا كما ضمن الوحي سلامها
والوحي: الكتابة، والسلام: الحجارة البيض والعظام التي كانوا يكتبون عليها، وكانوا يكتبون أيضا في الأدم أولا والأديم الذي مر عند المرقش وهو الجلد المدبوغ، كما كانوا يكتبون في عسب النخل، ويستمر لبيد في معلقته، فيقول:
وجلا السيول عن الطلول كأنها ... زبر تجد متونها أقلامها
والزبر: الكتب. ويقول الأخنس بن شهاب التغلبي: لابنة حطان بن عوف منازل : ( كما رقش العنوان في الرق كاتب) والرق: الجلد الرقيق، ويقول سلامة بن جندل الفارس المعروف:
لمن طلل مثل الكتاب المنمق ... خلا عهده بين الصليب فمطرق
وقد رد شعراء البادية هذه الصورة كثيرًا في شعرهم. وما من ريب في أن ذلك يؤكد أن الكتابة كانت معروفة في العصر الجاهلي، ولكن هذه المعرفة شيء، وأن العرب أحدثوا بها آثار فنية مكتوبة شيء آخر، هم عرفوها، ولكنها معرفة محدودة، فلم يكتبوا بها كتبا ولا قصصًا ولا رسائل أدبية، وإنما كتبوا بها بعض أغراضه تجارية وأخرى سياسية، ولذلك لم يكن غريبا أن تشيع في مكة المكرمة ؛ لأنها كانت مركزا تجاريا عظيما، ويحدثنا الجاحظ أنهم كانوا يكتبون بعض عهودهم السياسية، وكانوا يسمون تلك العهود المكتوبة "مهارق"، وقد جاء ذكر هذه المهارق في معلقة الحارث بن حلزة مشيرا بها إلى ما كتب من عهود بين بكر وتغلب، إذ يقول:
واذكروا حلف ذي المجاز وما قـ ... ـدم فيه العهود والكفلاء
حذر الجور والتعدي وهل ينـ ... ـقض ما في المهارق الأهواء
وإذا: فالعرب استخدموا الكتابة في العصر الجاهلي لأغراض سياسية وتجارية، ولكنهم لم يخرجوا بها إلى أغراض أدبية خالصة تتيح لنا أن نزعم أنه وجد عندهم لون من ألوان الكتابة الفنية، ومن المؤكد أن الكتابة لم تكن حينئذ تؤدي بجانب أغراضها السياسية، والتجارية أغراضها أدبية، أو فنية من تجويد وتحبير، إذ لم تكن أكثر من كتابة ساذجة أدت أغراضها خاصة في عصرها، وانتهت بانتهاء هذا الغرض. ومما لا شك فيه أنه لا يوجد تحت أيدينا وثائق نستطيع أن ندعي بها أن الجاهليين عرفوا الكتابة الفنية، إنما الذي نستطيع أن ندعيه لهم حقا -عن طريق الوثائق الصحيحة- هو الأمثال، فقط أكثروا من ضربها، وهناك كتب مشهورة تتخصص ببحثها، وبجانب الأمثال نعرف أنه كان لهم خطابة وخطب كثيرة، وقد أخذت الخطابة عندهم صورتهم: صورة اجتماعية عامة في منافراتهم ومفاخراتهم، ومجامعهم وأسواقهم وحروبهم، وصورة خاصة في سجع الكهان، وما كان ينزلق على ألسنتهم أثناء تكهنهم. وقد سلمت لنا طائفة واسعة من الأمثال تناقلتها أجيالهم، والأجيال التي تلتها في الإسلام مما أتاح لها أن تحتفظ بصورتها الجاهلية، ومعروف أن الأمثال لا تتغير بل تظل طويلا على هيئتها التي صيغت عليها، وأما الخطابة وسجع الكهان، فضاعت نصوصهما إلا قليلا جدًّا، إذ بقيت بعض قطع وبعض صيغ منثورة في ثنايا الكتب التاريخية والأدبية ، وتؤيد الطبيعة الجاهلية والعقل العربي أن الجاهليين كان لهم نثر أدبي، فليس هناك مانع يجعل ذلك مستحيلًا أو معدومًا، وإذا كان لهم شعر، فلا بد أنه كان لهم نثر، يتحلل فيه القائل من قيود الشعر التي قد تقف أمام الأديب فلا يستطيع أن يلتزمها، والواقع أنه كان لهم نثر، وأنهم حتمًا كانوا يجيدون النثر الأدبي، بدليل نزول القرآن، وفهمهم له، ومجادلتهم للنبي صلى الله عليه وسلم فيما كان ينزل عليه، وما يتلوه عليهم، وبدليل تحدي القرآن الكريم لهم أن يأتوا بمثله أو بعضه، والقرآن الكريم ليس شعرًا، والتحدي لا يكون له معنى إلا إذا كان في الناحية التي يزعم المتحدى أن له فيها نبوغًا، ويدعي لنفسه عليها قوة واقتدارًا، ومن ثم لا بد أن الله غز وجلَّ قد أعجز أمة ذات قدرة فائقة على النثر. ونثر الجاهليين لا شك أنه كان كثيرًا، يفوق في الكم ما كان لهم من شعر، وقد سبق أن وضحنا ذلك، ولكن سنة الكون دائما تجعل الشعر أوفر حظًّا من العناية والاهتمام، فيحفظ، ويتناقل، ويروى على مر الأجيال أكثر من الشعر. ولهذا نتوقع أن يكون ما حفظ لنا من نثر الجاهليين أقل بكثير مما حفظ لنا من شعرهم. وإذا كان في الشعر قافية موحدة، ومقاطع موسيقية منتظمة تجعله أسهل علوقًا بالذهن، وأكثر دوامًا بالذاكرة، فإن ذلك أيضًا جعله يثبت في الحفظ، ويتناقل من جيل إلى جيل بالألفاظ والعبارات نفسها اللهم في القليل النادر، فيغلب على الظن؛ حينئذ أن عدم وجود هذه الخاصية في النثر قد أثرت في حفظه وفي روايته، فكان أشق في الحفظ، وأقل دوامًا في الذاكرة، ثم كان عرضة للتغيير أو التحوير، مع المحافظة على المعنى المقصود، بطبيعة الحال، ومن هنا لا شك أن النثر الجاهلي كان من الصعب على الرواة أن يحفظوه كله، وإذا حفظوا بعضه، فالغالب أنه قد ضاعت منهم بعض ألفاظه. ولكن مهما يكن، فمن المؤكد أنه بقيت نصوص منه كان لها حظ الرعاية والاهتمام، فظلت سليمة كما صنعها أصحابها، حتى تسلمتها بطون الكتب وأمهات المراجع، فوصلتنا صحيحة سليمة.
ب-دواعي النثر الجاهلي:
إنَّ ظروف الحياة التي كان يعيش فيها الجاهليون كانت تدعوهم إلى القول النثري، ولا شك أن هذه الظروف نتج عنها نثر لهؤلاء الموهوبين في صناعة الكلام وليس لديهم موهبة الشعر، لقد كان للعرب اجتماعات خاصة وعامة، وعلى نطاق ضيق وعلى نطاق واسع، وكانت بينهم منافسات وتسابق في المفاخر، والأمجاد، والأفعال، والعادات، وحدثت بينهم مشكلات، وخصومات، وعداوات، كما كانت لهم تجارب في الحياة، فتكونت لديهم خبرات، كانوا يحبون -بطبيعة الحال- أن يضعوها بين أيدي من يحبون الأدب ، لكي يستفيدوا بها في حياتهم، كل هذه المناسبات كانت تستدعي القول المؤثر الذي يحفل به صاحبه، ويودع فيه من طاقات الإثارة كل ما يستطيع ؛ فالقبيلة في مجتمعها الخاص، وبخاصة حينما ينتهون من مشاغلهم اليومية، ويجتمعون بالليل في مجالس السمر، كانوا يتجاذبون أطراف الحديث فيما يجري من شؤونهم أو شؤون غيرهم، أو يستمعون إلى من أوتي حظًّا أوفر من القدرة على الكلام الفصيح، ولا شك أن أحسن ما كان يشوقهم أن يستمعوا إليه أحاديث الآباء والأجداد، وما كان لهم من مفاخر وأمجاد، ومن ثم لا بد أنه كان هناك قصص طريف يحاول فيه القصاص أن يستعيد الحوادث، ويسردوها للسامعين بأسلوب شيق أخاذ ، ولا ريب أن هؤلاء القصاصين قد اتخذوا من الحوادث الجارية، والأحداث السابقة مادة لقصصهم، ومن هنا وجدت قصص الأيام التي تحكي تاريخ الحروب بين الجاهليين، وقد حفلت بها كتب كثيرة من أهمها شرح النقائض لأبي عبيدة، وغني عن البيان أن ما يحكيه أبو عبيدة وأمثاله عن الأيام وغيرها مما يتصل بالجاهليين، ليس من نثر الجاهليين ولا يمثل أسلوبهم، إلا ما يجيء في ثنايا كلام المؤلفين من محفوظات بنصوصها تنسب إلى قائلين فهذه جاهلية بالطبع، كذلك حفلت كتب التاريخ القديم بقصص الجاهليين عن ملوك المناذرة، والغساسنة، والحميريين, والفرس، وغيرهم، وبأخبار سادتهم، ورؤسائهم، وكهانهم، وعشاقهم، وشعرائهم، وما كان لهم من أساطير. وهم في اتصالاتهم بعضهم ببعض، ومع غيرهم كانوا يتحدثون عن خبراتهم وتجاربهم في مختلف الاتجاهات، أو يتبارون في السيادة والشرف، أو في القوة والهيبة، أو في المكانة والاحترام، أو يتناقشون ويتبادلون الآراء لحل المشكلات وفض المنازعات، أو يتآلفون بالمحالفات أو المصاهرات، أو يزجون أوقات فراغهم بما يسر آذانهم ويمتع أفئدتهم، كل هذا هيأ فرصًا كثيرة لمن لديهم موهبة أدبية، وليست فيهم مقدرة شعرية لكي يمارسوا فنونًا أدبية نثرية متعددة. ومن ثم وردت لهم في كتب الأدب والتاريخ أنواع من النثر الأدبي، نجد منها: الحكم، والأمثال، والقصص، والمفاخرات، والمنافرات، والخطب، والوصايا، وسجع الكهان. ولم يلق النثر الجاهلي من العناية والاهتمام مثل ما لقي الشعر، فما بقي منه ما زال مبعثرًا في بطون الكتب، وعند قراءته تبين أنه كان يوجد في جميع المناسبات ومختلف الظروف، ولكن إلى الآن لم نجد من اهتم بجمع هذا النثر وتحقيقه وتصنيفه ودراسته. ولا شك أن هذا يحتاج إلى رغبة صادقة، وأناة، ومقدرة على البحث والدارسة، والقيام بذلك عمل عظيم يستحق أسمى التقدير.
ج - خصائص النثر الجاهلي:
شمل النثر الجاهلي عدة نواح في الحياة الجاهلية، فطرق جميع المسائل التي تهم الإنسان في حياته واستخدم وسيلة فعالة في التأثير على النفوس، وفعلا كان -وما زال- له أثر كبير لا يقل عن أثر الشعر النفسي فهو بذلك نثر أدبي. ومن الفنون الجميلة الرفيعة. كما أنه صور كثيرًا من المشاعر الإنسانية، فجاء في أغراض مختلفة وبخاصة ما كان منه في الخطابة والحكم والوصايا وتبعًا لذلك جاء في صور متعددة. وأساليب متباينة. طبقًا للنواحي التي يعالجها. وفي النماذج النثرية التي سقناها للجاهليين، تجد منها ما هو طويل، ومنها ما هو قصير. ويتجلى القصر بشكل ظاهر في الحكم والأمثال. وتتراوح الخطب والوصايا بين الطول والقصر، ومن عادتهم في الخطب في الزواج يقول الجاحظ: إن الخاطب كان يطيل، ويقصر المجيب ويقول عن خطابتهم بوجه عام: ( اعلم أن جميع خطب العرب من أهل المدر والوبر والبدو والحضر على ضربين: منها الطوال، ومنها القصار. ولكل ذلك مكان يليق به، وموضع يحسن فيه. ومن الطوال ما يكون مستويًا في الجودة، ومتشاكلًا في استواء الصنعة ومنها ذوات الفقر الحسان. والنتف الجياد. ووجدنا عدد القصار أكثر، ورواة العلم إلى حفظها أسرع) . وفي النثر الجاهلي تتجلى العصبية القبيلة. في الفخر بالأحساب والأنساب في المفاخرات والمنافرات، ويظهر الحب والمودة والرغبة في الخير لأفراد الأسرة أو العشيرة الواحدة في النصائح والوصايا. ولئن شاع عنهم الغضب وسرعة التهور والحمق والسفه، فإننا نرى من خلال هذه النماذج أنه كان فيهم ميل للصلح وحب للخير كهذا الذي نراه في كثير من تصرفات الحكام في المفاخرات والمنافرات وفي مساعي الصلح بين الأعداء والمتخاصمين لفض النزاع بالطرق السلمية. وربما تكون القصص والأخبار التي تحكي عن حوادث معينة لم تحتفظ بألفاظ النص الجاهلي وعباراته نفسها ، فاعتراها التغيير من جانب الرواة والقصاصين لكن لا شك أن الأحداث التي فيها، لها أصل تاريخي. أما الحكم والأمثال المنسوبة إلى الجاهليين، فهي في الغالب صحيحة في نسبتها إليهم، خصوصًا ما جاء عن راوية موثوق به كالمفضل الضبي؛ ذلك لأن الحكم والأمثال -على العموم- سرعان ما تعلق بالذهن، وتظل بالذاكرة مدة طويلة وبخاصة إذا أتيحت لها الفرص لإعادتها وتكرارها؛ ثم إنها دونت في عهد مبكر، منذ القرن الأول، فقد كتب فيها عبيد بن شرية كتابًا. وإن كان هذا الكتاب قد فقد، فغلب على الظن أن من كتب فيها من بعده قد انتفع بكتابه هذا. على أن النصوص الدخيلة يغلب على الظن أن تكون تقليدًا مطابقًا للأصل بحيث نستطيع أن نتبين منها خصائص النثر في العصر الجاهلي. والقصص الخرافية والأمثال الفرضية لا شك أنها كانت ترمي إلى تصوير حالات وتصرفات إنسانية ولم يرض مؤلفوها أن يكتبوا عن هذه الحالات أو التصرفات بالتصريح والتعيين، فاخترعوا هذه القصص مكتفين للوصول إلى أغراضهم بالتلميح والإشارة من طرف خفي. ولا ريب أنها كانت ترمي كذلك إلى الناحية التهذيبية والتوجيه إلى الخير والنفع وبخاصة ما كان منها حكمًا وأمثالًا. ولا ريب أن تأليفها يدل على الذكاء، وقوة الملاحظة، وخصوبة الخيال لدى مؤلفيها. وفي النثر الجاهلي ألفاظ وعبارات قد تبدو لنا غريبة. ولكن ذلك ليس لغرابتها في الأصل؛ ولكن لعدم استعمالنا لها، وفي بعض القطع النثرية تبدو السهولة في التعبير والمعنى بشكل واضح، ولا يجوز أن تكون هذه السهولة وحدها سببًا في الطعن في أصالة هذه النصوص، فليست السهولة متعارضة مع الأصالة الجاهلية، فكثير من النصوص الجاهلية شعرية ونثرية، سهلة الأسلوب، وهي مقطوع بصحتها وأصالتها، وفي القرآن الكريم يتجلى الأسلوب السهل الواضح في كثير من آياته، بل في كل سورة من سوره بأكملها. وواضح جدا أن أصحاب النثر الجاهلي كانوا يعنون عناية ظاهرة بالألفاظ والعبارات فكانوا -على ما يبدو- يختارون ويدققون في الاختيار، ويظهر ذلك في القوة والجزالة، والتنغيم الموسيقي الذي نراه في الجمل النثرية على اختلاف الأشكال والأساليب ففي جميع أنواع النثر الجاهلي نجد الرصانة والانسجام التام بين الكلمات والعبارات بعضها وبعض، كما تظهر الناحية الموسيقية ظهورًا تامًّا في كل جملة، حتى إن الجملة قد تصلح أن تكون شطر بيت من الشعر لما فيها من النغمات الموسيقية المنتظمة، وبخاصة في الحكم والأمثال، مثل: "وتحت الرغوة اللبن الصريح"، فهي شطر من الوافر. وجاء في النثر الجاهلي :
1-نثر مرسل: ويغلب النثر المرسل في خطب الصلح والمعاهدات
2-ونثر مسجع: وأما النثر المسجع ففي المفاخرات والمنافرات وفي نثر الكهان، بل إنه التزم في هذا الأخير التزامًا فكان الكهان لا يقولون إلا سجعًا ولذلك أطلق على نثرهم "سجع الكهان" ويظهر أن الجاهليين كانوا يعجبون بالنثر المسجع، حتى إنه كان يجيء أحيانا في الجملة الواحدة، مثل "إذا فزع الفؤاد ذهب الرقاد" و "ليس من العدل سرعة العذل" و "رب قول أنفذ من صول" ولكنه على العموم كان سجعًا لطيفًا وجميلًا في موقعه مما يوحي بأنه طبيعي لا أثر للصنعة فيه، إلا في سجع الكهان، فالتكلف واضح فيه. ويغلب في النثر الجاهلي الميل إلى الجمل القصيرة وبخاصة في الحكم والأمثال حتى إن الجملة قد تجيء مكونة من لفظتين فقط مثل "حر انتصف" و"سميعًا دعوت". كما كان يتخلل نثرهم، وبخاصة الخطابة، أبيات شعرية، فتضفي على الكلام جمالًا، وروعة. وفي النثر الجاهلي الوضوح والصراحة بحيث لا يحتاج إلى كد الذهن أو التعمق في الخيال، وليس هناك غموض إلا في سجع الكهان، وقد ذكرنا آنفًا أن الكهان كانوا يتعمدون الإبهام في سجعهم، فكانوا يقصدون إليه قصدًا. وقد ورد في النثر بعض المحسنات البلاغية كالتشبيهات والاستعارات، والجناس؛ كما في "العدل" و"العذل" في "ليس من العدل سرعة العذل"؛ وكما في "قول" و"صول" في "رب قول أنفذ من صول". ومن هذا كله يتبين أن النثر الجاهلي يمكن أن نعتمد عليه في تصوير الحياة واللغة العربية في العصر الجاهلي تصويرًا صادقًا، ومن أنواعه المختلفة يتضح أنه كان متنوع الأغراض متعدد الاتجاهات. وهو يدل دلالة واضحة على قوة الملاحظة، ودقة الإحساس، ورقة الشعور لدى أصحابه، ويتجلى فيه ذوقهم الفني بما تحقق لهم فيه من حسن التعبير وجمال التصوير.
د- ميزات النثر الجاهلي :
يتميز النثر الجاهلي بالميزات التالية: 1- أنه وليد الطبع غالبا . 2- بعيد عن الصنعة والزخرف والغلو في معظمه. 3- يعتمد على السجع الذي يأتي على السجية 4-يعتمد على قوة الألفاظ ومتانة التراكيب 5- سطحي الفكرة 6- لا توجد فيه روابط بين الأفكار 7- ينزع إلى الإيجاز والموسيقا في الجملة والأسلوب .






المستشار الأدبي
حسين علي الهنداوي
شاعر وناقد
مدرس في جامعة دمشق
دراسات جامعية-في الأدب العربي
صاحب الموسوعة الأدبية (المرصد الأدبي )
حجم الموسوعة( خمس عشرة ألف صفحة )
سوريا -درعا- hoshn55@gmail.com
السيرة الذاتية للمستشار الأدبي(حسين علي الهنداوي)
أ- أديب و شاعر وقاص ومسرحي و ناقد و صحفي
ب- له العديد من الدراسات الأدبية و الفكرية
ج-نشر في العديد من الصحف العربية
د- مدرس في جامعة دمشق - كلية التربية - فرع درعا
ه- ولد الأديب في سوريا – درعا عام 1955 م
و- تلقى تعليمه الابتدائي و الإعدادي و الثانوي في مدينة درعا
ح- انتقل إلى جامعة دمشق كلية الآداب – قسم اللغة العربية و تخرج فيها عام 1983
ك- حائز على إجازة في اللغة العربية
ص-حائز على دبلوم تأهيل تربوي جامعة دمشق
ع- عمل محاضراً لمادة اللغة العربية في معهد إعداد المدرسين - قسم اللغة العربية في مدينة درعا
ف- انتقل إلى التدريس في المملكة العربية الســـعودية عام (1994 /2000 ) في مدينتـــي عنيزة و تبوك 0
1- عضو اتحاد الصحفيين العرب
2- عضو اتحاد كتاب الانترنت العرب
3- عضو تجمع القصة السورية
4- عضو النادي الأدبي بتبوك
مؤلفاته :
أ*- الشعر :
1- هنا كان صوتي و عيناك يلتقيان/1990
2- هل كان علينا أن تشرق شمس ثبير/1994
3- أغنيات على أطلال الزمن المقهور /1994
4- سأغسل روحي بنفط الخليج /1996
5- المنشّى يسلم مفاتيح إيلياء/1996
6- هذه الشام لا تقولي كفانا / مخطوط
ب*- القصة القصيرة :
شجرة التوت /1995
ج – المسرح :
1- محاكمة طيار /1996
2- درس في اللغة العربية /1997
3- عودة المتنبي / مخطوط
4- أمام المؤسسة الاستهلاكية / مخطوط
د – النقد الأدبي :
1- محاور الدراسة الأدبية 1993
2- النقد و الأدب /1994
3- مقدمتان لنظريتي النقد و الشعر / مخطوط
4- أسلمة النقد الأدب
هـ - الدراسات الدينية :
1- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الأول
2- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الثاني
3- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الثالث
4- فتاوى و اجتهادات / جمع و تبويب
5- هل أنجز الله وعده !!!!!!
و- موسوعة (المرصد الأدبي) :
1-تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية ( معاني الأدب وعلاقاته)
2 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية قبل الإسلام (العصر الجاهلي )
3 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر صدر الإسلام )
4 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر الخلفاء الراشدين )
5 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر الخلفاء الأمويين)
6 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء العباسيين )
7 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء الأندلسيين )
8 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الدول المتتابعة )
9- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء العثمانيين )
10- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية في (العصر الحديث)
11- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية في (العهد المعاصر)