فن الخطابـــة
في العصر الجاهلي
أ- تعريف الخطابة :
أقدم فنون النثر، لأنها تعتمد علي المشافهة، وهي فن مخاطبة الجمهور بأسلوب يعتمد علي الاستمالة وعلى إثارة عواطف السامعين، وجذب انتباههم وتحريك مشاعرهم، وذلك يقتضي من الخطيب تنويع الأسلوب ، وجودة الإلقاء وتحسين الصوت ونطق الإشارة.أما الإقناع فيقوم علي مخاطبة العقل، وذلك يقتضي من الخطيب ضرب الأمثلة وتقديم الأدلة والبراهين التي تقنع السامعين. وللخطابة شأن عظيم عند الجاهليين يضاهي شأن الشعر ، إذ أن هذه الخطابة كانت نظرا لعدم وجود قوانين مدونة ، ونظم حكومية يلجأ إليها للدفاع عـن النفس والقوم والقبيلة ومفاخـرة القبائل الأخرى والدعوة إلى الصلح في المواسم والمحافل . وقد اختلف الدارسون في منزلة الخطيب فاعتبرها البعض كعمرو بن العلاء فوق منزلة الشاعر نظرا لتكسب الشعراء بشعرهم ،وردها الجاحظ إلى كثرة الشعراء وقد كان للعرب الجاهليين سنن خاصة فـي خطابتهم كأن يخطبون وهم يركبون رواحلهم في المواسم أو أن يقفوا على نثر من الأرض وأن يشيروا أثناء خطبهم بالعصي والقسي والقنا وقـد امتدح الدارسون فــي الخطيب جهارة الصوت وفخامته وظهـور المحبة وثبات الجنان وذمّوا البهر عند الخطيب والارتعاش والرعدة والحصر والعـي ، والخطابة حديث يقصد به إثارة المشاعر وإلهاب العواطف في الحال. والحياة الجاهلية جعلت الخطابة ضرورية لهم، فهم في اجتماعاتهم وفي عرض آرائهم، وفي القيام بواجباتهم في السفارات والوفود كانوا -ولا شك- يحتاجون إلى الإفصاح عما يريدونه؛ رغبة في الوصول إلى مقاصدهم وكلما كان إفصاحهم أقوى وأعذب كان تأثيره في القلوب أشد، فساعد ذلك على وجود الخطابة بينهم. وقد ثبت أنهم كانوا يخطبون في مناسبات شتى، فبالخطابة كانوا يحرضون على القتال؛ استثارة للهمم، وشحذًا للعزائم، وبها كانوا يحثون على شن الغارات؛ حبًّا في الغنيمة، أو بثًّا للحمية رغبة في الأخذ بالثأر، وبالخطابة كانوا يدعون للسلم؛ حقنًا للدماء، ومحافظة على أواصر القربى أو المودة والصلة، ويحببون في الخير والتصافي والتآخي، ويبغضون في الشر والتباغض والتنابذ، وبالخطابة كانوا يقومون بواجب الصلح بين المتنافرين أو المتنازعين، ويؤدون مهام السفارات جلبًا لمنفعة، أو درءًا لبلاء، أو تهنئة بنعمة، أو تعزية أو مواساة في مصيبة، فوق ما كانت الخطابة تؤديه هذه المصاهرات، فتلقى الخطب ربطًا لأواصر الصلة بين العشائر، وتحبيب المتصاهرين بعضهم في بعض.
ب-مكان الخطيب في العصر الجاهلي :
كان الخطباء في العصر الجاهلي يحفلون بخطبهم، ويتخيرون لها أشرف المعاني، وأقوى الألفاظ، وأشدها وقعًا على القلوب؛ ليكون تأثيرها أعظم، ويقال إنهم كانوا يخطبون، وعليهم العمائم، وبأيديهم المخاصر، ويعتمدون على الأرض بالقسي، ويشيرون بالعصي والقنا، راكبين أو واقفين على مرتفع من الأرض . وقد أثارت الشعوبية في موقفها من العرب عادة اتخاذهم العصي والمخاصر في أثناء خطابتهم، فرد عليهم الجاحظ في كتابه البيان والتبيين، مبينًا فوائد العصا، ومما قاله: "إن حمل العصا والمخصرة دليل على التأهب للخطبة والتهيؤ للإطناب والإطالة. وذلك شيء خاص في خطباء العرب، ومقصور عليهم، ومنسوب إليهم، حتى إنهم ليذهبون في حوائجهم، والمخاصر بأيديهم إلفًا لها، وتوقعًا لبعض ما يوجب حملها، والإشارة بها". ونجد أمثلة من خطب الجاهليين في كتب الأدب والتاريخ؛ مثل العقد الفريد لابن عبد ربه؛ والأغاني؛ والأمالي؛ والبيان والتبيين للجاحظ، وفتوح الشام لأبي إسماعيل البصري، وفتوح الشام للواقدي، وفتوح البلدان للبلاذري وتاريخ الطبري، وابن الأثير. لما كان للخطيب والخطابة في العصر الجاهلي من شأن عظيم، إذ كانوا يستخدمونها في منافراتهم ومفاخراتهم، وفي النصح والإرشاد، وفي الحث على قتال الأعداء ، وفي الدعوة إلى السلم وحقن الدماء، وفي مناسباتهم الاجتماعية المختلفة كالزواج، والإصهار إلى الأشراف ، وكانوا يخطبون في الأسواق والمحافل العظام، والوفادة على الملوك والأمراء، متحدثين عن مفاخر قبائلهم ومحامدها، ونحن نعرف قصة وفد تميم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما كان من قيام عطارد بين حاجب بن زرارة خطيبا بين يديه، ويقول أوس بن حجر في رثاء فضالة بن كلدة:
أبا دليجة من يكفي العشيرة إذ ... أمسوا من الخطب في نار وبلبال
أم من يكون خطيب القوم إذ حفلوا ... لدى الملوك ذوي أيد وأفضال
ويقول فيه أيضا :
ألهفا على حسن آلائه ... على الحابر الحي والحارب
ورقبته جثمات الملو ... ك بين السرادق والحاجب
ويكفي المقالة أهل الدحا ... ل غير معيب ولا عائب
ورقبته: انتظاره إذن الملوك، وقد تجعله بين السرادق، والحاجب ليدل على مكانة من الملك. وهناك دلائل مختلفة تدل على أن منزلة الخطيب في الجاهلية كانت فوق منزلة الشاعر، ويقول أبو عمرو بن العلاء: "كان الشاعر في الجاهلية يقدم على الخطيب، لفرط حاجتهم إلى الشعر الذي يقيد عليهم مآثرهم، ويفخم شأنهم، ويهول على عدوهم ومن غزاهم، ويهيب من فرسانهم، ويخوف من كثرة عددهم، ويهابهم شاعر غيرهم فيراقب شاعرهم، فلما كثر الشعر والشعراء واتخذوا الشعر مكسبة، ورحلوا إلى السوقة، وتسرعوا إلى أعراض الناس صار الخطيب عندهم فوق الشاعر" ، وتابعه الجاحظ يقول: "كان الشاعر أرفع قدرا من الخطيب، وهم إليه أحوج لرده مآثرهم عليهم، وتذكيرهم بأيامهم. فلما كثر الشعراء وكثر الشعر صار الخطيب أعظم قدرا من الشاعر" . وواضح أن الجاحظ يجعل كثرة الشعر والشعراء وحدها هي السبب في تقدم الخطباء، أما أبو عمرو فيرد ذلك إلى أن هذه الكثرة استتبعت تحول الشعراء إلى التكسب بشعرهم، ومسارعتهم إلى الطعن في الأعراض، ونظن ظنا أن تفوق الخطيب على الشاعر في الجاهلية يرجع إلى طائفة متشابكة من الأسباب منها أن الخطابة كانت من لوازم سادتهم الذين يتكلمون باسمهم في المواسم والمحافل العظام، ومن أجل ذلك كانت تقترن بها الحكمة والشوق والرياسة5، كما تقترن بها الشجاعة، ويتضح ذلك في مراثيهم، ومدائحهم لسادتهم على نحو ما تقدم في رثاء أوس بن حجر لفضالة بن كلدة، ويقول الأعشى في مديح قوم:
فيهم الخصب والسماحة والنجـ ... ـدة جمعا والخاطب الصلاق
ويقول زبان بن سيار الغزاري:
ولسنا كأقوام أجدوا رياسة ... يرى مالها ولا يحس فعالها
يريغون في الخصب الأمور، ونفعهم ... قليل إذا الأموال طال هزالها
وقلنا بلا عي وسسنا بطاقة ... إذا النار نار الحرب طال اشتعالها
ويقول عامر المحربي:
أولئك قومي إن يلذ ببيوتهم ... أخو حدث يوما فلن يتهضما
وكم فيهم من سيد ذي مهابة ... يهاب إذا مار رائد الحرب أضرما
وهم يدعمون القول في كل موظن ... بكل خطيب يترك القوم كظما
يقوم فلا يعيا الكلام خطيبنا ... إذا الكرب أنسى الحبس أن يتكلما
وأيضا إلى هذا السبب تفوق الخطيب على الشاعر في الجاهلية اتساع وظيفته، إذ كان يفاخر وينافر عن قومه، فيشترك بذلك مع الشاعر كما يشترك معه في الحض على القتال، ثم ينفرد بمواقف خاصة به كالوفادة على الملوك، وكالنصح والإرشاد، وخطبهم في الإملاك والزواج مشهورة، ومن أهم المواقف التي كان ينفرد بها أنه كان يدعو إلى السلم، وأن تضع الحرب بين القبائل المتخاصمة أوزارها، أما الشاعر فلم يكن يدعو إلا إلى الأخذ بالثأر، وإشعال نار الحرب، ولعل ذلك ما جعل ربيعة بن مقروم الضبي يقول:
ومتى تقم عند اجتماع عشيرة ... خطباؤنا بين العشيرة يفصل
ويقول أبو زبيد الطائي:
وخطيب إذا تمعرت الأو ... جه يوما في مأقط مشهود
ويقول بشر بن أبي خازم :
وكنا إذا قلنا: هوازن أقبلي ... إلى الرشد لم يأت السداد خطيبها
ج-أشهر الخطباء في العصر الجاهلي :
تتردد في كتاب البيان والتبيين للجاحظ وغيره من كتب الأدب أسماء طائفة كبيرة من خطباء الجاهلية الذين اشتهروا بالفصاحة، ووضوح الدلالة والبيان عما في أنفسهم، مما جعل الأسماع والقلوب تهش إليهم، ويعظم في الناس خطرهم، ويشيع في الآفاق ذكرهم، وكانوا ينتشرون في الجزيرة بمكة، والمدينة وما وراءهما من قبائل البادية، أما مكة المكرمة ، فقد كانت بها دار الندوة، وهي أشبه بمجلس شيوخ مصغر، كان يجتمع فيها سادة العشائر القرشية يتشاورون في أمورهم، وفي أثناء ذلك يخطبون ويتحاورون
وأشهر الخطباء في الجاهلية:
1-قس بن ساعدة الأيادي، وقد أدركه النبي صلى الله عليه وسلم فرآه في سوق عكاظ على جمل أحمر،
2-وسحبان بن وائل الباهلي الذي ضرب بفصاحته المثل. فقيل: "أخطب من سحبان" ويقال إنه كان إذا خطب يسيل عرقًا، ولا يعيد كلمة ولا يتوقف ولا يقعد حتى ينتهي من كلامه
3-ومن خطباء تميم المشهورين: ضمرة بن ضمرة،
4-وأكثم بن صيفي،
5-وعمرو بن الأهتم المنقري،
6- وقيس بن عاصم.
7-ومن خطبائهم المفوهين عتبة بن ربيعة، وهو خطيب قريش يوم بدر،
8- ومن خطبائها سهيل بن عمرو الأعلم، وهو الذي قال فيه عمر للنبي صلى الله عليه وسلم: "يا رسول الله انزع ثنيتيه السفليين حتى يدلع لسانه، فلا يقوم عليك خطيبا أبدا، فقال الرسول عليه السلام: "لا أمثل فيمثل الله بي، وإن كنت نبيا، دعه يا عمر فعسى أن يقوم مقاما تحمده". وقد أسلم وحسن إسلامه، وكانت له مواقف محمودة.
9-ولقريش أيضا خطباء كان ينفر إليهم العرب أمثال هاشم وأمية ،
10-ونفيل ابن عبد العزى جد عمر بن الخطاب، وإليه نفر عبد المطلب بن هاشم، وحرب بن أمية .
11- وأما المدينة المنورة ، فذكر الجاحظ من خطبائها قيس بن الشماس،
12- وثابت بن قيس بن شماس خطيب الرسول صلى الله عليه وسلم،
13-وسعد بن الربيع، وهو الذي اعترضت ابنته الرسول صلوات الله عليه، فقال لها: "من أنت؟ فقالت: ابنة الخطيب النقيب الشهيد سعد بن الربيع" .
14-وإذا تركنا مكة والمدينة إلى القبائل المنبطحة في البادية، وجدنا ممن اشتهروا فيها بالخطابة ابن عمار الطائي، وهو خطيب مذحج كلها،
15-وهانئ بن قبيصة خطيب شيبان يوم ذي قار،
16-وزهير بن جناب خطيب كلب وقضاعة،
17-وربيعة بن حذار خطيب بني أسد، وإليه احتكم الزبرقان بن بدر والمخبل السعدي، وعبدة بن الطبيب وعمرو بن الأهتم أيهم أشعر.
18-ومن الخطباء المشهورين في القبائل أيضا عامر بن الظرب أحد حكام العرب في الجاهلية، ومن كانوا يقضون بينهم في خصوماتهم.
19-وممن اشتهر باللسن والخطابة، والشعر لبيد بن ربيعة العامري، ومن قوله:
وأخلف قسا ليتني ولو أنني ... وأعيي على لقمان حكم التدبر
ومن قوله أيضا:
وأبيض يجتاب الحروق على الوجى ... خطيبا إذا التف المجامع فيصلا
20-ومن خطبائهم هرم بن قطبة الفزاري ، وهو صاحب المنافرة المشهورة بين علقمة بن علاثة، وعامر بن الطفيل، وقد رآه عمر بن الخطاب يوما في المسجد، فقال له: "أرأيت لو تنافرا إليك -يعني علقمة وعامر- أيهما كنت تنفر: يا أمير المؤمنين لو قلت فيهما كلمة لأعدتها جذعة، فقال عمر: لهذا العقل تحاكمت إليك العرب" .
21-ومن الخطباء البلغاء عمرو بن كلثوم خطيب تغلب.
22-وهيذان بن شيخ الذي قال فيه الرسول عليه السلام: "رب خطيب من عبس" 23-والعشراء ابن جابر
24- وخويلد بن عمرو خطيب يوم الفجار
25- وقيس بن خارجة بن سنان، ويقال: إنه خطب في حرب داحس والغبراء يوما إلى الليل، وكل هؤلاء من غطفان.
26-ومن الخطباء حنظلة بن ضرار خطيب بني ضبة، وقد طال عمره حتى أدرك يوم الجم.
27-ولم تشتهر قبيلة بالخطابة كما اشتهرت إياد وتميم، ومن إياد قس بن ساعدة الذي قال فيه الرسول صلى الله عليه وسلم: "رأيته بسوق عكاظ على جبل أحمر، وهو يخطب في الناس".
28-ومن خطباء تميم المفوهين ضمرة بن ضمرة،
29- وأكثم بن صيفي وقيس بن عاصم ،
30-وعطارد بن حاجب بن زرارة خطب وفد تميم بين يدي الرسول،
31-وعمرو بن الأهتم المنقري، ولم يكن في بادية العرب في زمانه أخطب منه.


د- سنن الخطيب الجاهلي :
وما من ريب في أن هذه الكثرة من الخطباء -ووراءهم كثير لم نذكرهم- تدل دلالة بينه على ما كنت عليه الخطابة من رقي وازدهار. وكان للخطباء حينئذ سنن خاصة في أداء خطابتهم، منها أنهم كانوا يخطبون على رواحلهم في المواسم العظام، والمجامع الكبار, وكان من عادتهم لوث العمائم على رءوسهم، والإشارة في أثناء خطابتهم بالعصي والمخاطر والقنا والقضبان والقسي . وفي ذلك يقول لبيد:
ما إن أهاب إذا السرادق غمه ... قرع القسي وأرعش الرعديد
وقد حملت الشعوبية حملة شعواء على العرب لاتخاذهم في خطابتهم
المخاصر والعصي، ووصل أيمانهم بالقضبان والقسي، ورد عليهم الجاحظ ردا طويلا مفحما في فاتحة الجزء الثالث من كتاب البيان والتبيين. والعرب يمدحون جهارة الصوت وشدته، ويعيبون ضيقه، ودقته كمان يعيبون على الخطيب أن يعترضه البهر، والارتعاش والرعدة، أو يعتريه شيء من الحصر والعي، يقول أبو العيال الهذلي:
ولا حصر بخطبته ... إذا ما عزت الخطب
وكان يكرهون أن يمس الخطيب ذقنه، وسباله وشواربه، يقول معن بن أوس المزني في بعض هجائه:
إذا اجتمع القبائل جئت ردفا ... وراء الماسحين لك السبالا
فلا تعطي عصا الخطباء فيهم ... وقد تكفى المقادة والمقالا
وإذا كانوا قد عابوا ذلك في الخطيب، فقد مدحوا فيه -على نحو ما يلاحظ ذلك الجاحظ في بيانه- شدة العارضة، وظهور الحجة، وثبات الجنان وكثرة الريق، والعلو على الخصوم في مضايق الكلام، ومآزق الخصام. ومن سنن وتقاليد إلقاء الخطب أنه :
1- كأن يقف الخطيب على مرتفع من الأرض، معتمداً على قوسه، أو ممسكاً بعصا يشير بها،
2- وقد يخطب راكباً على ناقته، وبيده الرمح، وقد لاث العمامة على رأسه.
-ومما يمدح به الخطيب عندهم:
1- حضور البديهة،
2- وقلة التلفت،
3- وقوة الجنان،
4- وظهور الحجة،
5- جهارة الصوت.
- ومن عيوب الخطيب :
1- التنحنح،
2- والانقطاع،
3- والاضطراب،
4- والتعثر في الكلام.
ه - أنواع الخطابة في العصر الجاهلي :
تعددت أنواع الخطابة في هذا العصر:
1 - خطب المنافرة المفاخرة
2-خطب النصح والإرشاد
3-خطب الحث على القتال
4- خطب الدعوة للسلم وحقن الدماء
5- خطب الزواج والمصاهرة
6-خطب الأسواق والمحافل العظام
7- الوفادة على الملوك والأمراء
8-الحديث على مفاخر القبيلة و محامدها
و-ميزات الخطابة الجاهلية:
1- قصر العبارة
2- وكثرة الحكـم والأمثال
3- واللجوء إلـــى السجــع القصير الفواصل
4- الإحاطة بالتجويد والصور ومخارج الكلمة
وقد ازدهرت الخطابة عند العرب متأخرة في الزمن، لأن الشعر كان متفوقاً عليها، فلما أصبح الشعر مطية للتكسب صارت منزلة الخطيب هي المقدَّمة. واشتهر في العصر الجاهلي خطباء كثيرون، مثل: قس بن ساعدة الإيادي، وهانئ بن قبيصة الشيباني وعامر بن الظَّرب العدواني، وعمرو بن كلثوم التغلبي، وأكثم بن صيفي وعمرو بن الأهتم التميميان، وهاشم بن عبد مناف القرشي. عمرو بن معد يكرب عمرو بن كلثوم ، ، عمرو بن الأهتم المنقري وتعد قبيلة تميم من أشهر القبائل العربية خطابة .
ز- أغراض الخطابة الجاهلية :
وقد تعددت أغراض الخطابة الجاهلية وأنواعها، إزاء هذا الازدهار، فكانت
1- وسيلة للتحريض على القتال،
2- أو للأخذ بالثأر،
3- وربما كانت في الوقت نفسه سبيلاً إلى إصلاح ذات البين أو إرساء قواعد السلم.
4- وقد تكون في إشاعة المفاخر، والإشادة بالأنساب أمام الملوك وزعماء القبائل، والأمراء.
5- وقد تلقى الخطب في مناسبات الزواج، والمصاهرات بين ذوي الأحساب والأنساب، فيتكلم خطيب من كل جانب. قال الجاحظ: «كانت خطبة قريش في الجاهلية، يعني خطبة النساء: باسمك اللهم ذكرت فلانة، وفلان بها مشغوف. باسمك اللهم، لك ما سألت، ولنا ما أعطيت».
ح- خصائص الخطابة في العصر الجاهلي :
الخطابة مظهر من مظاهر السيادة عند العرب وعلامة من علامات كبريائهم واعتزازهم وسبيل من سبل التأثير والإقناع تحتاج إلى حذاقة اللسان ونصاعة البيان وطلاقة البديهة والعرب ذوو نفوس حساسة وإباء وأولو غيرة ونجدة فكان لهم فيها القدم السابقة والقدح المعلى يلجأ إليها المرء للدفاع عن نفسه وقومه في مواقف المفاخرة والذود عن الشرف والذمار وإصلاح ذات البين بين حي وحي أو بين قبيلة وقبيلة والدعوة إلى التفاهم والصلح كما كان يدعو الخطيب إلى الحرب وسفك الدماء ، وكانوا كثيراً ما يخطبون في وفادتهم على الأمراء والملوك إذ يقف رئيس الوفد بين يدي الأمير أو الملك فيحييه متحدثاً بلسان قومه يقول الجاحظ في كتابه البيان والتبيين اعلم أن جميع خطب العرب من أهل المدر والوبر والبدو والحضر على ضربين منها الطوال ومنها القصار ولكل ذلك مكان يليق به وموضع يحسن فيه ومن الطوال ما يكون مستوياً في الجودة ومتشاكلاً في استواء الصنعة ومنها ذوات الفقر الحسان والنتف الجياد ووجدنا عدد القصار أكثر ورواة العلم إلى حفظها أسرع وقد اتخذ العرب من مجالسهم ومن أسواقهم ومن وفاداتهم على الأمراء والملوك ميادين لإظهار براعتهم في فنون الكلام وما فطروا عليه من فصاحة وحضور بديهة وكادت منزلة الخطيب تعلو منزلة الشاعر لولا حاجتهم إلى الشعر الذي يعزز شأنهم ويرفع منزلتهم ويهيب من فرسانهم عرف العرب لونين من الخطابة لوناً مسجوعاً ولوناً مرسلاً إذ كانوا يبتغون التجويد في كلامهم تارة بما يصوغونه فيه من سجع وتارة أخرى بما يخرجونه من استعارات وأخيلة فجاء أسلوب الخطابة عندهم رائع اللفظ خلاب العبارة واضح المنهج قصير السجع كثير الأمثال يعتمد على الخيال والبلاغة
-وأهم خصائص أسلوب الخطبة الجاهلية فهي:
1-وضوح الفكرة.
2- جودة العبارة وسلامة ألفاظها.
3- الإكثار من السجع غير المتكلف.
4- التنوع في الأسلوب بين الخبري والانشائي.
5- قلة الصور البيانية..
6-استخدام الأسلوب المرسل في خطب المحافل وإصلاح ذات البين، و لا يغفل صاحب الأسلوب المرسل- في الوقت نفسه عن تجويد وتنقيح خطبته، والتروي فيها، سعياً إلى إثارة السامعين واستمالتهم.
7 - إيثار قصر العبارة ، وتوشيحها ببعض الحكم والأمثال،
8- قد تطول الخطبة ، وقد تقصر، ولكل منهما مقام وموضع وقدر من العناية.
ط -أجزاء الخطبة الجاهلية : للخطبة أجزاء ثلاثة هي :
(المقدمة – والموضوع – والخاتمة)
أما أهداف الخطبة فهي: الإفهام والإقناع والإمتاع والاستمالة.
ي- أسباب ازدهار الخطبة في العصر الجاهلي:
ازدهرت الخطبة في العصر الجاهلي للأسباب التالية :
1-حرية القول.
2 - وجود دواعي الخطابة كالحرب والصلح والمغامرات.
3 -الفصاحة فكل العرب كانوا فصحاء.
ولقد اجتمعت كل هذه الخصائص في خطبة (قس من ساعدة الإيادي) والجدير بالذكر أنه ليس بين أيدينا نصوص وثيقة من الخطابة الجاهلية، لما قلناه من بعد المسافة بين العصر الذي قيلت فيه وعصور تدوينها؛
ل- الصنعة في الخطابة الجاهلية:
من الصفات التي تميز عرب الجاهلية أنهم كانوا يحبون البيان، والطلاقة والتحبير والبلاغة، ودفعهم ذلك إلى الاحتفال بخطابتهم احتفالا شديدا، لا من حيث الصقل، وتجديد الألفاظ فحسب، بل أيضا من حيث مخارج الكلم، ولعلهم من أجل ذلك كانوا يتزيدون في جهارة الأصوات، كما كانوا ينتحلون سعة الأشداق، وهدل الشفاه، حتى إن فريقا منهم كانوا يتخللون كلامهم بألسنتهم ، ومن لم يصنع ذلك عمد إلى ضروب من التقعير والتمطيط والجهورة والتفخيم . وليس بين أيدينا نصوص وثيقة نستطيع بها أن نحكم أحكاما دقيقة على خطابتهم وصناعتهم فيها، وحقا نجد بعض خطب مبثوثة في الطبري، والأغاني والأمالي والعقد الفريد، ولكن هذه الخطب جميعا ينبغي أن نتلقاها بشيء من الاحتراس، وخاصة ما رواه الكتاب الأخير من خطب طويلة لهم في وفودهم على كسرى وغير كسرى، فإن الانتحال ظاهر فيها، أما الخطب الأخرى، فأكبر الظن أن الرواة جمعوا بعض شظايا ، وزادوا عليها من خيالهم، ومن ثم لا يصح الاستدلال بهذه الخطب جميعا على أنها تمثل الخطابة الجاهلية تمثيلا صحيحا، وهذا الجاحظ على كثرة ما روى في بيانه من خطب لم يستطع الاستشهاد للجاهليين، إلا بجمل وصيغ متفرقة لا تكون خطبة كاملة. ومهما يكن فنحن نؤمن بأن أكثر ما يروى من الخطابة الجاهلية لا يصح الاطمئنان إليه من الوجه التاريخية لطول المسافة بين روايته وكتابته، وإن كان ذلك لا يمنعنا من تسجيل بعض الظواهر، والخصائص لتلك الخطابة، فإن من يرجع إلى ما روي منها من كتب الأدب والتاريخ يلاحظ أن أغلب ما روي من خطب القوم روي مسجوعا، ويؤكد الجاحظ أن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي روى خطبة قس بن ساعدة الإيادي في سوق عكاظ، ويقول: إنه إسناد تعجز عنه الأماني، وتنقطع دونه الآمال، ومع ذلك لم يستطع روايتها كاملة إنما روى أجزاء منها،. وواضح أن هذه القطع من خطابة قس بنيت على السجع، وقد روى الطبري كلمة لنفيل بن عبد العزوى في منافرة عبد المطلب بن هاشم، وحرب بن أمية، وهي مسجوعة كما روى أبو عبيدة في النقائض منافرة جرير بن عبد الله البجلي، وخالد بن أرطاة الكلبي إلى الأقرع بن حابس، وهي مسجوعة أيضا، وبنيت على السجع كذلك منافرة علقمة بن علاثة، وعامر بن الطفيل . ولم نسق ذلك لنسلم بصحة هذه المرويات من المنافرات وصحة صياغتها، ولكنا سقناه لتخلص منه إلى أنه ثبت عند من كانوا يروون المنافرات والخطب الجاهلية أنها كانت تعتمد اعتمادا شديدا على السجع، ويؤيد ذلك قول الجاحظ: إن "ضمرة بن ضمرة وهرم بن قطبة، والأقرع بن حابس ونفيل بن عبد العزى كانوا يحكمون وينفرون بالأسجاع، وكذلك ربيعة بن حذار" ، وقد اشتمل هذا النص على خطباء من تميم، وأسد وفزارة وقريش، وفي ذلك ما يدل على شيوع السجع في الخطابة الجاهلية. وما من شك في أن صناعة السجع تحتاج إلى قيم موسيقية كثيرة، حتى تتم معادلاته الصوتية وموازناته الإيقاعية، وكانوا يدمجون كثيرا من الصور والتشبيهات والاستعارات في هذا السجع، كما كانوا يدمجون كثيرا من التجويد والتحبير، ويشهد لهم الجاحظ بما كانوا يعانونه في خطبهم وخاصة الطويلة منها إذ يقول: "لم نرهم يستعملون مثل تدبيرهم في طوال القصائد، وفي صنعة طوال الخطب ... وكانوا إذا احتاجوا إلى الرأي في معاظم التدبير، ومهمات الأمور مثلوه في صدورهم، وقيدوه على أنفسهم، فإذا قومه الثقات وأدخل الكير وقام على الخلاص أبرزوه محككاً منقحا، ومصفى من الأدناس مهذبا" ، وقد عبر العرب أنفسهم في شعرهم بصور مختلفة عن مدى تجويدهم في خطابتهم، وانظر إلى لبيد يقول لهرم بن قطبة في حكومته بين علقمة بن علاثة، وعامر بن الطفيل :
إنك قد أوتيت حكما معجبا ... فطبق المفصل واغنم طيبا
يقول له: احكم بين الرجلين بكلمة فصل تفصيل بها بين الحق، والباطل كما يفصل الجزار الحاذق مفصل العظمين. ويقول لبيد عن نفسه مدلا ببيانه وبراعته، وما أوتي من حسن الجدل والعلو على خصومه:
ومقام ضيق فرجته ... ببيان ولسان وجدل
ويقول قيس بن عاصم المنقري التميمي واصفا ما فيه قومه من الخطابة والفصاحة، وإحسان هذا الجانب من البيان والبلاغة:
إني أمرؤ لا يعتري خلقي ... دنس يفنده ولا أفن.
من منقر في بيت مكرمة ... والأصل ينبت حوله الغصن
خطباء حين يقوم قائلهم ... بيض الوجوه مصاقع لسن
وعلى نحو ما وصفوا الخطيب بأنه مصقع، ولسن وصفوه بأنه مدره، يقول زهير بن أبي سلمى في مديح هرم بن سنان:
ومدرة حرب جميعا يتقى به ... شديد الرجام باللسان وباليد
وواضح أنه يشبه ما يلقيه من لسانه كلاما بما يلقيه من يده سهامًا. وقد وصفوا اللسان بأنه عصب وقاطع وجارح، كما وصفوا الخطيب بأنه لوذعي، يقول شاعرهم:
هو الشجاع والخطيب اللوذعي ... والفارس الحازم والشهم الأبي
ولعل من الطريف أننا نجدهم يصفون خطابهم بأنها كالوشي المنمق، ففيها تدبيح، وتزيين يشبه ما يجدونه في الثياب اليمانية الموشاة، يقول أبو قرد ودة الطائي في رثاء ابن عمار خطيب طيئ، وقد مات مقتولًا:
يا جفنة كإزاء الحوض قد هدموا ... ومنطقا مثل وشي اليمنة الحبرة
ويقول فيه أيضًا:
ومنطق خرق بالعواسل ... لذ كوشي اليمنة المراحل
فأبو قردودة يحس في خطب ابن عمار ما يحسه في وشي الحلل المنمقة، وهو إحساس بالغ، عبر به هو وأضرابه عن عنايتهم بخطابتهم، ومقدار ما كانوا يحققون لها من مهارة وصنعة، وبلغ من جمال بعض خطبهم أن اقترحوا لها أسماء، وإن كانوا يحفظونها ويتوارثونها، لروعة بيانها وجودة فصاحتها وبلاغتها، يقول الجاحظ: "ومن خطب العرب العجوز، وهي خطبة لآل رقبة، ومتى تكلملوا فلا بد لهم منها، أو من بعضها ومنها العذراء، وهي خطبة قيس بن خارجة في حرب داحس والغبراء، سميت بذلك؛ لأنه كان أبا عذرها5. والحق أن خطباء العصر الجاهلي نهضوا بخطابتهم نهضة واسعة، ولذلك لم يكن غريبا أن يستمع الرسول صلى الله عليه وسلم إلى بعضهم وهو يخطب، فيقول: "إن من البيان لسحرا". ولم يكن هذا البيان الساحر شيئا خاصا بهذا الخطيب، بل كان شيئا عاما بين الخطباء، إذ ذهبوا جميعا مذهب التجويد والتحبير، حتى يستميلوا الأسماع ويخلبوا الألباب


المستشار الأدبي
حسين علي الهنداوي
شاعر وناقد
مدرس في جامعة دمشق
دراسات جامعية-في الأدب العربي
صاحب الموسوعة الأدبية (المرصد الأدبي )
حجم الموسوعة( خمس عشرة ألف صفحة )
سوريا -درعا- hoshn55@gmail.com
السيرة الذاتية للمستشار الأدبي(حسين علي الهنداوي)
أ- أديب و شاعر وقاص ومسرحي و ناقد و صحفي
ب- له العديد من الدراسات الأدبية و الفكرية
ج-نشر في العديد من الصحف العربية
د- مدرس في جامعة دمشق - كلية التربية - فرع درعا
ه- ولد الأديب في سوريا – درعا عام 1955 م
و- تلقى تعليمه الابتدائي و الإعدادي و الثانوي في مدينة درعا
ح- انتقل إلى جامعة دمشق كلية الآداب – قسم اللغة العربية و تخرج فيها عام 1983
ك- حائز على إجازة في اللغة العربية
ص-حائز على دبلوم تأهيل تربوي جامعة دمشق
ع- عمل محاضراً لمادة اللغة العربية في معهد إعداد المدرسين - قسم اللغة العربية في مدينة درعا
ف- انتقل إلى التدريس في المملكة العربية الســـعودية عام (1994 /2000 ) في مدينتـــي عنيزة و تبوك 0
1- عضو اتحاد الصحفيين العرب
2- عضو اتحاد كتاب الانترنت العرب
3- عضو تجمع القصة السورية
4- عضو النادي الأدبي بتبوك
مؤلفاته :
أ*- الشعر :
1- هنا كان صوتي و عيناك يلتقيان/1990
2- هل كان علينا أن تشرق شمس ثبير/1994
3- أغنيات على أطلال الزمن المقهور /1994
4- سأغسل روحي بنفط الخليج /1996
5- المنشّى يسلم مفاتيح إيلياء/1996
6- هذه الشام لا تقولي كفانا / مخطوط
ب*- القصة القصيرة :
شجرة التوت /1995
ج – المسرح :
1- محاكمة طيار /1996
2- درس في اللغة العربية /1997
3- عودة المتنبي / مخطوط
4- أمام المؤسسة الاستهلاكية / مخطوط
د – النقد الأدبي :
1- محاور الدراسة الأدبية 1993
2- النقد و الأدب /1994
3- مقدمتان لنظريتي النقد و الشعر / مخطوط
4- أسلمة النقد الأدب
هـ - الدراسات الدينية :
1- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الأول
2- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الثاني
3- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الثالث
4- فتاوى و اجتهادات / جمع و تبويب
5- هل أنجز الله وعده !!!!!!
و- موسوعة (المرصد الأدبي) :
1-تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية ( معاني الأدب وعلاقاته)
2 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية قبل الإسلام (العصر الجاهلي )
3 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر صدر الإسلام )
4 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر الخلفاء الراشدين )
5 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر الخلفاء الأمويين)
6 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء العباسيين )
7 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء الأندلسيين )
8 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الدول المتتابعة )
9- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء العثمانيين )
10- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية في (العصر الحديث)
11- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية في (العهد المعاصر)