فن الـوصايا
في العصر الجاهلي

أ – الوصية الجاهلية رؤى وأبعاد:
قول حكيم صادر عن مجرب يوجه إلى من يحب لينتفع به، وهي من ألوان النثر التي عرفها العرب في الجاهلية، وهـي قطعة نثرية تشبه الخطبة تحمل في طياتها تجربة من التجارب تقال علـى شكل حكم ونصائح قد تكون من أب إلى أبنائه ، أو من أم إلى ابنتها ، أو مـن زعيم إلى أفراد قبيلته ، كوصية أمامه بنت الحارث ابنتها أم إياس عند زواجها . وتلتقي الوصايا بالحكم والأمثال لتضمنها كثيراً من تلك الأقوال الموجزة النابعة من التجربة، حتى لكأن الوصايا أحياناً قائمة على جملة من الحكم والأقوال المأثورة. وتروي هذه الوصايا عادة على أ لسنة طوائف من الحكماء والمعمرين، الذين عرفوا بكثرة تجاربهم وخبرتهم في الحياة، من أمثال: ذي الإصبع العدواني، وزهير بن جناب الكلبي، وعامر بن الظرب العدواني، وحصن بن حذيفة الفزاري. ومن النساء: أمامه بنت الحارث. ويغلب على الظن أن هذه الوصايا جميعاً رويت بالمعنى، ولكنها لا تخلو من بعض العبارات الأصلية المحفوظة، ولاسيما في الوصايا القصيرة. وتقدم الوصايا صورة عن هذا الفن النثري، لأن من رووها أو حفظوها قد راعوا أصولها وتقاليدها. وقد تعددت الوصايا في العصر الجاهلي وتنوعت أغراضها على وفق الحدث المرتبط بها. واختلفت عن غيرها من صنوف الأدب، لأنها كانت نابعة من تجارب الإنسان وخبرته في الحياة. فالموصي يضع في وصيته عصارة فكره وخلاصة تجاربه في الحياة. فنراه يأتي في وصيته بجمل قصيرة مركزة تحمل أبلغ المعاني، وأسمى القيم. وصل إلينا من تلك الوصايا بعضه موجه إلى الأبناء والبنات، وبعضه الآخر موجه إلى أفراد من القبيلة. فالوصية بمعنى النصح والإرشاد والتوجيه، وهي قول بليغ مؤثر، ويتضمن حثًّا على سلوك طيب نافع، حبًا فيمن توجه إليه الوصية، ورغبة في رفعة شأنه وجلب الخير له. وعادة تكون من أولياء الأمور وبخاصة الأب والأم لأبنائهما عند حلول الشدائد، أو حدوث الأزمات أو الإحساس بدنو الفراق، وهي نتيجة الخبرة الطويلة والملاحظة الدقيقة، والعقل الواعي والتفكير السليم ويدفع إليها المودة الصادقة والحب العميق.
ب-أقسام الوصايا:
فيمكن تقسيم الوصايا إلى :
1-وصاياالملوك إلى أولياء العهد أو من يقوم مقامهم.
2-وصاياالحكماء إلى أبنائهم وأبناء العشيرة وغيرهم.
3-وصاياالآباء للأبناء وأبناء الأبناء.
4-وصاياالهداء(الزواج)..
5-وصاياالسفروالمسافرين.
6-وصاياالحرب.
7- وصايا دينية :
8 -وصايا اجتماعية: كالوصايا المتعلقة بالزواج، والمال، والصداقة، والعناية بالخيل وإكرامها، ومكارم الأخلاق كتهذيب اللسان، وتربية النفس، والحث على الصدق، والبذل والجود... ومن شواهدها وصية ذي الإصبع العدواني - لما احتضر - لابنه أسيد.
9- وصايا سياسية: تكون بين الراعي والرعية، والدعوة إلى الحرب، والدعوة إلى السلم والتحذير من التنازع.
10- وصايا الزواج :
11- وصايا السراق واللصوص
12 - وصايا الآباء للأبناء
ج- أجزاء الوصية الجاهلية:
تتألف الوصية من
أ- المقدمة: وفيها تمهيد وتهيئة لقبولها.
ب- الموضوع: وفيه عرض للأفكار في وضوح وإقناع هادىء للموصى له.
ﺠ - الخاتمة: وفيها إجمال موجز لهدف الوصية.
ولقد رأينا ذلك في (وصية أمامه بنت الحارث لابنتها عند زواجها(
د- ميزات الوصية الجاهلية تتميز الوصية الجاهلية عن غيرها من فنون النثر الجاهلي بما يلي:
أ- وضوح الألفاظ,وضوحا تاما من غير إبهام.
ب- قصر الجمل وإيجازها بحيث تؤدي المعنى بشكل موجز.
ﺠ- الإطناب بالتكرار والترادف والتعليل حين يحتاج الموقف للشرح.
د- تنوع الأسلوب بين الخبر والإنشاء.
ﻫ- الإقناع بترتيب الأفكار وتفصيلها وبيان أسبابها.
و- التنغيم الداخلي والإيقاع الموسيقي الجميل
وقد تجلى كل ذلك في وصية أمامه لابنتها
ه- الفرق بين الوصية والخطبة الجاهليتين:
والفرق بين الوصية والخطبة أن الخطبة هي فن مخاطبة الناس جميعا لاستمالتهم وإقناعه ، أما الوصية فهي قول حكيم لإنسان مجرب يوصي به من يحب لينتفع به في حياته. وتمتاز الوصايا في العصر الجاهلي بجمالها ، وتناسب جملها ورقتها .
و- نماذج من الوصايا الجاهلية:
1-وصية عمرو بن كلثوم :
جمع عمرو بن كلثوم بنيه حينما حضرته الوفاة ، وكان قد عاش مائة وخمسين سنة على ما يروى فقال : ـ" يا بَنيَّ ، قَدْ بَلغْتُ منْ العُمَرِ ما لمْ يَبْلغْهُ أحدٌ منْ آبائي ، ولا بدَّ أنْ يَنْزلَ بي ما نَزلَ بهم منَ الموْتِ . وإني واللهِ ما عيّرتُ أحداً بشيءٍ إلا عُيِّرتُ بمثْلهِ ، إنْ كانَ حقاً فَحقاً ، وإن كانَ بَاطلاً فبَاطلا ، ومنْ سَبَّ سُبَّ . فكُفُّوا عنِ الشتّمِ ،فإنّهُ أسْلمُ لَكمْ ، وأحسِنوا جِوارَكمْ ، يحسنْ ثناؤُكم ، وإذا حُدِّثْتم فَعوا ، وإذا حَدثْتم فأوْجِزوا ، فإن مع الإكثارِ يكونُ الأهْذار .أشجعُ القَومِ العَطوفُ عندَ الكرِّ ، كَما أن أكرمً المنايا القتلُ ، ولا خيرَ فيمن لا رَويّة لهُ عندَ الغضَبِ ، ولا منْ إذا عُوتبَ لم يُعْتِبْ ، ولا تَتزوجوا في حيِّكم ، فإنّه يودي إلى قُبْحِ البُغْضِ " . )

2 - وصية ذو الأصبع العدواني :
ذو الأصبع العدواني هو حرثان بن الحارث ناثر وشاعر من العصر الجاهلي ينتمي لقبيلة عدوان المضرية وسمي ذو الأصبع لوجود أصبع زائدة برجله ، وكان من حكماء العرب ، حين حضرته الوفاة أوصى ابنه أسيداً ببعض الوصايا التي تعينهفي إحنه ومحنه ومنها : " يا بُني ، إن أباكَ قد فَنِيَ وهوَ حيُّ ، وعاشَ حتَى سَئِمَ العَيشَ . وإنِّي مُوصيكَ بما إنْ حفظْته بَلغتَ في قَوْمكَ ما بَلغتُه : ألِنْ جانبَك لقَومك يُحبُّوكَ ، وتَواضعْ لهُمْ يرفَعوكَ ، وابسُطْ وجْهَكَ يُطيعوكَ ، ولا تستأثْر علَيهمْ بشيءٍ يسوِّدوكَ ، وأكْرِم صغارَهُمْ كَما تُكْرمْ كبارَهُمْ ، يُكْرمكَ كبارهُم ، ويَكبُرْ على مودَّتكَ صِغارَهُمْ ، واسْمحْ بمالكَ ، وأعززْ جارَكَ ، وأعنْ من اسْتعانَ بِكَ ، وأكرم ضَيفكَ ، وصُنْ وجهكَ ، عنْ مسألِة أحدٍ شيئاً ، فَبذلِكَ يَتمُّ سُؤْدُدُكَ ". والوصية وإن كانت تخرج لشخص واحد، فهي يمكن أن تفيد مجتمعا كاملا ويمكن عدها مرجعا يفيد كل من يحتاج إلى النصح والإرشاد. والطابع العام للوصايا الجاهلية هو الأسلوب المرسل، الذي يترك فيه الموصى نفسه على سجيتها، دون تنميق أو زخرفة، مؤثراً وضوح العبارات، ورشاقة التراكيب، وقصر الجمل بما يحقق المناسبة بين المعنى واللفظ وطبيعة المقام الذي تقال فيه الوصية.
3-وصية عامر بن الظرب لقومه:
ومنها: "يا معشر عدوان: لا تشمتوا بالذلة، ولا تفرحوا بالعزة، فبكل عيش يعيش الفقير مع الغني، ومن يَرَ يومًا يُرَ به، وأعدوا لكل أمر جوابه، إن مع السفاهة الندم، والعقوبة نكال، وفيها ذمامة، ولليد العليا العاقبة، وإذا شئت وجدت مثلك، إن عليك كما أن لك، وللكثرة الرعب، وللصبر الغلبة، ومن طلب شيئا وجده، وإن لم يجده أوشك أن يقع قريبا منه".
4-وصية زوجة عوف بن ملحم الشيباني لابنتها :
حينما زفت إلى زوجها الحارث بن عمرو ملك كندة، وفيها تقول: "أي بنية، إن الوصية لو تركت لفضل أدب؛ تركت لذلك منك؛ ولكنها تذكرة للغافل، ومعونة للعاقل، أي بنية إنك فارقت الجو الذي منه خرجت، وخلفت العش الذي فيه درجت إلى وكر لم تعرفيه، وقرين لم تألفيه، فكوني له أمة يكن لك عبدًا. يا بنية: احملي عني عشر خصال تكن لك ذخرًا وذكرًا، الصحبة بالقناعة، والمعاشرة بحسن السمع والطاعة، والتعهد لموقع عينه، والتفقد لموضع أنفه، فلا تقع عينه منك على قبيح؛ ولا يشم منك إلا أطيب ريح؛ والتعهد لوقت طعامه؛ والهدوء عند منامه؛ فإن حرارة الجوع ملهبة، وتنغيص النوم مغضبة، والاحتفاظ ببيته وماله، والإرعاء على نفسه وحشمه وعياله؛ فإن الاحتفاظ بالمال حسن التدبير، والإرعاء على الحشم والعيال جميل حسن التقدير، ولا تفشي له سرًّا، ولا تعصي له أمرًا؛ فإنك إن أفشيت سره لم تأمني غدره، وإن عصيت أمره أوغرت صدره، ثم اتقي -مع ذلك- الفرح إن كان ترحًا، والاكتئاب عنده إن كان فرحًا، فإن الخصلة الأولى من التقصير، والثانية من التكدير، وكوني أشد ما تكونين له إعظامًا، يكن أشد ما يكون لك إكرامًا، وأشد ما تكونين له موافقة، يكن أطول ما تكونين له مرافقة، واعلمي أنك لا تصلين إلى ما تحبين حتى تؤثري رضاه على رضاك، وهواه على هواك فيما أحببت وكرهت، والله يخير لك".



المستشار الأدبي
حسين علي الهنداوي
شاعر وناقد
مدرس في جامعة دمشق
دراسات جامعية-في الأدب العربي
صاحب الموسوعة الأدبية (المرصد الأدبي )
حجم الموسوعة( خمس عشرة ألف صفحة )
سوريا -درعا- hoshn55@gmail.com
السيرة الذاتية للمستشار الأدبي(حسين علي الهنداوي)
أ- أديب و شاعر وقاص ومسرحي و ناقد و صحفي
ب- له العديد من الدراسات الأدبية و الفكرية
ج-نشر في العديد من الصحف العربية
د- مدرس في جامعة دمشق - كلية التربية - فرع درعا
ه- ولد الأديب في سوريا – درعا عام 1955 م
و- تلقى تعليمه الابتدائي و الإعدادي و الثانوي في مدينة درعا
ح- انتقل إلى جامعة دمشق كلية الآداب – قسم اللغة العربية و تخرج فيها عام 1983
ك- حائز على إجازة في اللغة العربية
ص-حائز على دبلوم تأهيل تربوي جامعة دمشق
ع- عمل محاضراً لمادة اللغة العربية في معهد إعداد المدرسين - قسم اللغة العربية في مدينة درعا
ف- انتقل إلى التدريس في المملكة العربية الســـعودية عام (1994 /2000 ) في مدينتـــي عنيزة و تبوك 0
1- عضو اتحاد الصحفيين العرب
2- عضو اتحاد كتاب الانترنت العرب
3- عضو تجمع القصة السورية
4- عضو النادي الأدبي بتبوك
مؤلفاته :
أ*- الشعر :
1- هنا كان صوتي و عيناك يلتقيان/1990
2- هل كان علينا أن تشرق شمس ثبير/1994
3- أغنيات على أطلال الزمن المقهور /1994
4- سأغسل روحي بنفط الخليج /1996
5- المنشّى يسلم مفاتيح إيلياء/1996
6- هذه الشام لا تقولي كفانا / مخطوط
ب*- القصة القصيرة :
شجرة التوت /1995
ج – المسرح :
1- محاكمة طيار /1996
2- درس في اللغة العربية /1997
3- عودة المتنبي / مخطوط
4- أمام المؤسسة الاستهلاكية / مخطوط
د – النقد الأدبي :
1- محاور الدراسة الأدبية 1993
2- النقد و الأدب /1994
3- مقدمتان لنظريتي النقد و الشعر / مخطوط
4- أسلمة النقد الأدب
هـ - الدراسات الدينية :
1- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الأول
2- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الثاني
3- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الثالث
4- فتاوى و اجتهادات / جمع و تبويب
5- هل أنجز الله وعده !!!!!!
و- موسوعة (المرصد الأدبي) :
1-تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية ( معاني الأدب وعلاقاته)
2 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية قبل الإسلام (العصر الجاهلي )
3 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر صدر الإسلام )
4 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر الخلفاء الراشدين )
5 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر الخلفاء الأمويين)
6 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء العباسيين )
7 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء الأندلسيين )
8 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الدول المتتابعة )
9- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء العثمانيين )
10- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية في (العصر الحديث)
11- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية في (العهد المعاصر)