فن المناظرات
في العصر الجاهلي

أ - تعريف المناظرة الجاهلية :
المناظرة حوار ومحاججة بين شخصين خصمين أو شيئين متباينين في صفاتهما بحيث تظهر خواص كل شخص أو شيء على حدة من خلال نصرته لنفسه وتفنيد مزاعم نفيره بأدلة من شأنها أن ترفع من قدره وتحط من مكانة ومقام خصمه بحيث يميل السامع عنه إليه مصوغة ضمن معاني ومراجعات ترتب على سياق محكم ليزيد ذلك أنشاط السامع وتنمي فيه الرغبة في حل المشكل .
ب - شروط المناظرة :
للمناظرة شروط متعددة منها .
1- أن تكون بين خصمين متضادين ومتباينين في الصفة
2- إظهار خواص كل خصم
3- استخدام الحجج والبراهين من قبل كل خصم
4- رفع قدر كل خصم أمام مناظره
5- محاولة جذب ميل السامع للمناظرة
6- صياغة المناظرة بمعاني حسنة
7- حل المشكلة التي دفع التدافع والتناظر عليها .
ج – نماذج من المناظرات :
1 - مناظرة النعمان بن المنذر وكسرى أنو شروان في شأن العرب :
روى ابن القطامي عن الكلبي قال : قدم النعمان بن المنذر على كسرى وعنده وفود الروم والهند والصين فذكروا من ملوكهم وبلادهم – فافتخر النعمان بالعرب وفضلهم على جميع الأمم لا يستثني فارساً ولا غيرها فقال كسرى وأخذته عزة الملك : يا نعمان لقد فكرت في أمر العرب وغيرهم من الأمم ونظرت في حالة من يقدم عليّ من وفود الأمم – فوجدت للروم حظا في اجتماع ألفتها وعظم سلطانها وكثرة مدائنها ووثيق بنيانها وأن لها دينا يبين حلالها وحرامها ويرد سفيهها ويقيم جاهها – ورأيت الهند نحوا من ذلك في حكمتها وصبها مع كثرة أنهار بلادها وثمارها وعجيب صناعتها وطيب أشجارها ودقيق حسابها وكثرة عددها وكذلك الصين في اجتماعها وكثرة صناعات أيديها وفروسيتها في آلة الحرب وصناعة الحديد وأن لها ملكا يجمعها – والترك والخزر على ما بهم من سوء الحال وقلة الريف والثمار والحصون وما هو رأس عمارة الدنيا من المساكن والملابس لهم ملوك تضم قواصيهم وتدبر أمرهم ولم أر للعرب شيئا من خصال الخير في أمر دين ولا دنيا ولا حزم ولا قوة ومع أن مما يدل على مهانتها وذلها وصغر همتها محلتهم التي هم بها مع الوحوش النافرة والطيور الحائرة يقتلون أولادهم من الفاقة ويأكل بعضهم بعضا من الحاجة قد خرجوا من مطاعم الدنيا وملابسها ومشاربها ولهوها فأفضل طعام ظفر به ناعمهم لحوم الإبل التي يعافها كثير من السباع لثقلها وسوء طعمها وخوف دا ئها وأن قرى أحدهم ضيفا عدها مكرمة وإن أطعم أكلة عدها غنيمة تنطق بذلك أشعارهم وتفتخر بذلك رجالهم ما خلا هذه التنوخية التي أسس جدي اجتماعا وشد مملكتها ومنعها من عدوها فجرى لها ذلك إلى يومنا هذا وأن لها مع ذلك آثارا ولبوسا وقرى وحصونا وأمورا تشبه بعض أمور الناس ( يعني اليمن ) . ثم لا أراكم تستكينون على ما بكم من المذلة والقلة والفاقة والبؤس حتى تفتخروا وتريدوا أن تنزلوا فوق مراتب الناس . قال النعمان : أصلح الله الملك . حق لأمة الملك منها أن يسمو فضلها ويعظم خطبها وتعلو درجتها إلا أن عندي جوابا في كل ما نطق به الملك في غير رد0عليه ولا تكذيب له فإن أمنني من غضبه نطقت به قال كسرى : قل فأنت آمن قال النعمان : أما أمتك أيها الملك : فليست تنازع في الفضل لموضعها الذي هي به من عقولها وأحلامها وبسطة محلها وبحبوحة عزها وما أكرمها الله به من ولاية أبائك وولايتك . وأما الأمم التي ذكرت فأية أمة تقرنها بالعرب لأفضلتها قال كسرى : بماذا ؟ قال النعمان : بعزها ومنعتها وحسن وجوهها وبأسها وسخائها وحكمة ألسنتها وشدة عقولها وأنفتها ووفائها .فأما عزها ومنعتها فإنها لم تزل مجاورة لآبائك الذين دوخوا البلاد ووطدوا الملك وقادو الجند لم يطمع فيهم طامع ولم ينهلهم نائل حصونهم ظهور خيلهم ومهادهم الأرض وسقوفهم السماء وجنتهم السيوف وعدتهم الصبر , إذ غيرها من الأمم إنما عزها الحجارة والطين وجزائر البحور . وأما حسن وجوهها وألوانها فقد يعرف فضلهم في ذلك على غيرهم من الهند والصين المنحفة والترك المشوهة والروم المقشرة . أما أنسابها وأحسابها : فليست أمة من الأمم إلا وقد جهلت آباءها وأصولها وكثيرا من أولها حتى أن أحدهم ليسأل عمن وراء أبيه دنيا فلا ينسبه ولا يعرفه وليس أحد من العرب إلا يسمى آباءه أبا فأبا حاطوا بذلك أحسابهم وحفظوا به أنسابهم فلا يدخل رجل في غير قومه ولا ينتسب إلى غير نسبه ولا يدعى إلى غير أبيه . وأما سخاؤها : فإن أدناهم رجلا الذي تكون عنده البكرة والناب عليها بلاغة في حمولة وشبعه ورية فيطرقه الطارق الذي يكتفي بالفلذة ويجتزي بالشربة فيعقرها له ويرضى أن تخرج عن دنياه كلها فيما يكسبه حسن الأحدوثة وطيب الذكر . أما حكمة ألسنتهم :فإن الله تعالى أعطاهم في أشعارهم ورونق كلامهم وحسنه ووزنه وقوافيه مع معرفتهم بالأشياء وضربهم للأمثال وإبلاغهم في الصفات ما ليس لشيء من ألسنة الأجناس – ثم خيلهم أفضل الخيل ونساؤهم أعف النساء ولباسهم أفضل اللباس ومعادنهم الذهب والفضة وحجارة جبالهم الجزع ومطاياهم التي لا يبلغ مثلها سفر ولا يقطع بمثلها بلد قفر . وأما دينها وشريعتها : فإنهم متمسكون به حتى يبلغ أحدهم من نسكه بدينه أن لهم أشهر حرما محرما وبيتا محجوبا ينسكون فيه مناسكههم ويذبحون فيه ذبائحهم فيلقى الرجل قاتل أبيه أو أخيه وهو قادر على أخذ ثأره وأدراك رغمه منه فيحجزه كرمه ويمنعه دينه عن تناوله بأذى . وأما وفاؤها :فإن أحدهم يلحظ اللحظة ويومئ الإيماءة لا يحلها إلا خروج نفسه وأن أحدهم يرفع عودا من الأرض فيكون رهنا بدينه فلا يغلق رهنه ولا تخفر ذمته وأن أحدهم ليبلغه أن رجلا استجار به وعسى أن يكون نائيا عن داره فيصاب فلا يرضى حتى يفني تلك القبيلة التي أصابته أو تفنى قبيلته لما أخفر من جواره وأنه ليلجأ إليهم المجرم المحدث من غير معرفة ولا قرابة فتكون أنفسهم دون نفسه وأموالهم دون ماله ؛ وأما قولك أيها الملك يئدون أولادهم فإنما يفعله من يفعله منهم بالإناث أنفة من العار وغيرة من الأزواج . وأما قولك إن أفضل طعامهم لحوم الإبل على وصفت منها فما تركوا ما دونها إلا احتقاراً له فعمدوا إلى أجلها وأفضلها فكانت مراكبهم وطعامهم مع أنها أكثر البهائم شحوما وأطيبها لحوما وأرقها ألبانا وأقلها غائلة وأحلاها مضغة وأنه لا شيء من اللحمان يعالج به لحمها إلا استبان فضلها عليه . أما تحاربهم وأكل بعضهم لبعض وتركهم الانقياد لرجل يسوسهم ويجمعهم فإنما يفعل ذلك من يفعله من الأمم إذا أنست من نفسها ضعفا وتخفوت نهوض عدوها إليها بالزحف وأنه إنما يكون في المملكة العظيمة أهل بيت واحد يعرف فضلهم على سائر غيرهم فيلقون أمورهم وينقادون لهم بأزمتهم . وأما العرب فإن ذلك كثير فيهم حتى لقد حاولوا أن يكونوا ملوكا أجمعين مع أنفتهم من أداء الخراج والوطس أي الضرب الشديد بالرجل على الأرض بالعسف وأما اليمن التي وصفها الملك فإنما أتى جد الملك إليها الذي أتاه عنده غلبة الجيش له على ملك متسق وآمر مجتمع فأتاه مسلوبا طريدا مستصرخا ولولا ما وتر به من العرب لمال إلى مجال ولوجد من يجيد الطعان ويغضب للأحرار من غلبة العبيد الأشرار . قال : فعجب كسرى لما أجابه النعمان به وقال : إنك لأهل لموضعك الرياسة في أهل إقليمك ثم كساه من كسوته وسرحه إلى موضعه من الحيرة فلما قدم النعمان الحيرة وفي نفسه ما فيها مما سمع من كسرى من تنقص العرب وتهجين أمرهم بعث إلى أكثم بن صيفي وحاجب بن زرارة التميميين وإلى الحارث بن ظالم وقيس بن مسعود البكرين وإلى خالد بن جعفر وعلقمة بن علائة وعامر بن الطفيل العامريين وإلى عمرو بن الشريد السلمي وعمرو بن معد يكرب الزبيدي والحارث بن ظالم المري – فلما قدموا عليه في الخورنق قال لهم قد عرفتم هذه الأعاجم وقرب جوار العرب منها وقد سمعت من كسرى مقالات تخوفت أن يكون لها غور أو يكون إنما أظهرها لأمر أراد أن يتخذ به العرب خولا كبعض طماطمته في تأديتهم الخراج إليه كما يفعل بملوك الأمم الذين حوله – فاقتص عليهم مقالات وما رد به عليه فقالوا : أيها الملك وفقك الله ما أحسن ما رددت وأبلغ ما حججته فمرنا بأمرك وادعنا إلى ما شئت . قال : إنما أنا رجل منكم وإنما ملكت وعززت بمكانكم وما يتخوف من ناحيتكم وليس شيء أحب إلي مما سدد الله أمركم وأصلح به شأنكم وأدام به عزكم – والرأي أن تسيروا بجماعتكم أيها الرهط وتنطلقوا إلى كسرى فإذا دخلتم : نطق كل رجل منكم بما حضره ليعلم أن العرب على غير ما ظن أو حدثته نفسه ولا ينطق رجل منكم بما يغضبه فإنه ملك عظيم السلطان كثير الأعوان مترف معجب بنفسه ولا تنخذلوا له انخذال الخاضع الذليل وليكن أمر بين ذلك تظهر به دماثه حلومكم وفضل منزلتكم وعظيم أخطاركم وليكن أول من يبدأ منكم بالكلام أكثم بن صيفي ثم تتابعوا على الأمر من منازلكم التي وضعتكم بها فإنما دعاني إلى التقدمة إليكم علمي بميل كل رجل منكم إلى التقدم قبل صاحبه فلا يكونن ذلك منكم فيجد في آدابكم مطعنا فإنه ملك مترف وقادر مسلط ثم دعا لهم بما في خزانته من طرائف حلل الملوك وأعطى كل رجل منهم حلة وعممه عمامة وختمة بياقوته وأمر لكل رجل منهم بنجيبة مهرية وفرس نجيبة وكتب معهم كتابا :
أما بعد : فإن الملك ألقى إلي من أمر العرب ما قد علم وأجبته بما قد فهم مما أحببت أن يكون منه على علم ولا يتلجلج في نفسه أن أمة من الأمم التي احتجزت دونه بمملكتها وحمت ما يليها بفضل قوتها تبلغها من الأمور التي يتعزز بها ذوو الحزم والقوة والتدبير والمكيدة – وقد أوفدت أيها الملك رهطا من العرب لهم فضل في أحسابهم وأنسابهم وعقولهم وآدابهم فليسمع الملك وليغمض لا عن جفاء أن ظهر من منطقهم وليكرمني بإكرامهم وتعجيل سراحهم .وقد نسبتهم في أسفل كتابي هذا إلى عشائرهم . فخرج القوم في أهبتهم حتى وقفوا بباب كسرى بالمدائن فدفعوا إليه كتاب النعمان فقرأه وأمر بإنزالهم إلى أن يجلس لهم مجلسا منهم فلما أن كان بعد ذلك بأيام أمر مرازبته ووجوه أهل مملكته فحضروا وجلسوا على كراسي عن يمينه وشماله ثم دعا بهم على الولاء والمراتب التي وصفهم النعمان بها في كتابه وأقام الترجمان ليؤدي إليه ثم أذن لهم في الكلام .
فقام أكثم بن صيفي فقال : إن أفضل الأشياء أعاليها وأعلى الرجال ملوكها وأفضل الملوك نفعا وخيراً لأزمنة أخصبها وأفضل الخطباء أصدقها . الصدق منجاة والكذب مهواة والشر لجاجة والحزم مركب صعب والعجز مركب وطيء, آفة الرأي الهوى والعجز مفتاح الفقر وخير الأمور الصبر وحسن الظن ورطة وسوء الظن عصمة وإصلاح فساد الرعية خير من إصلاح فساد الراعي ومن فسدت بطانته كان كالغاصّ بالماء . شر البلاد بلاد لا أمير بها, وشر الملوك من خافه البريء. المرء يعجز لا محالة أفضل الأولاد البررة, خير الأعوان من لم يراء بالنصيحة أحق الجنود بالنصر من حسنت سيرته. يكفيك من الزاد ما بلغك المحل . حسبك من شر سماعه. الصمت حكم وقليل فاعله. البلاغة الإيجاز. من شدد نفر ومن تراخى تألف فتعجب كسرى من أكثم ثم قال : ويحك يا أكثم ما أحكمك وأوثق كلامك لولا وضعك كلامك في غير موضعه قال أكثم : الصدق ينبئ عنك لا الوعيد قال كسرى : لو لم يكن للعرب غيرك لكفى قال أكثم : رب قول أنفذ من صول ثم قام حاجب بن زرارة التميمي وقال : وري زندك, وعلت يدك وهيب سلطانك – إن العرب أمة قد غلظت أكبادها واستحصدت مرتها ومنعت درتها وهي لك وامقة ما تألفتها مسترسلة ما لا ينتها سامعة إن سامحتها وهي العلقم مرارة وهي الصاب غضاضة والعسل حلاوة والماء الزلال سلاسة . نحن وفودها إليك وألسنتها لديك ذمتنا محفوظة وأحسابنا ممنوعة وعشائرنا فينا سامعة مطيعة إن نؤبْ لك حامدين خيرا فلك بذلك عموم محمدتنا وإن نذم لم نخض بالذم دونها قال كسرى : يا حاجب ما أشبه حجر التلال بألوان صخرها قال حاجب : بل زئير الأسد بصولتها قال كسرى : كفى ذلك ثم قام الحارث البكري فقال : دامت لك المملكة باستكمال جزيل حظها وعلو سنائها من طال رشاؤه كثر متحه ومن ذهب ماله قل منحه تناقل الأقاويل يعرف اللب وهذا مقام سيوجف بما تنطق الركب وتعرف به كنه حالنا العجم والعرب ونحن جيرانك الأدنون وأعوانك المعينون خيولنا جمة وجيوشنا فخمة إن استنجدتنا فغير ربص وإن استطرقتنا فغير جهض وإن طلبتنا فغير غمص ولا ننئ لذعر ولا نتنكر لدهر رماحنا طوال وأعمارنا قصار .قال كسرى :أنفس عزيزة وأمة ضعيفة قال الحارث : أيها الملك وأنى يكون لضعيف عزة أو لصغير مرة ؟ قال كسرى : لو قصر عمرك لم تستولِ على لسانك نفسك قال الحارث : أيها الملك إن الفارس إذا حمل نفسه على الكتيبة مغررا بنفسه على الموت فهي منية استقبلها وجنان استدبرها والعرب تعلم أن أبعث الحرب قدما وأحسبها وهي تصرف بها حتى إذا جاشت نارها وسعرت لظاها وكشفت عن ساقها جعلت مقادها رمحي وبرقها سيفي ورعدها زئيري ولم أقصر عن خوض خضخاضها حتى أنغمس في غمرات لججها وأمون فلكا لفرساني إلى بحبوحة كيشها فاستمطرها هادما وأترك حماتها جزر السباع وكل نسر قشعم ثم قال كسرى لمن حضره من العرب : كذلك هو ؟ قالوا : فعاله أنطق من لسانه قال كسرى : ما رأيت كاليوم وفدا أحشد ولا شهودا أوفد .
ثم قام عمرو بن الشريد السلمي فقال : نعم بالك ودام في السرور حالك إن عاقبة الكلام متدبرة وأشكال الأمور معتبرة وكثير ثقله وفي قليل بلغة وفي الملوك سورة العز وهذا منطق له ما بعده : شرف فيه من شرف وخمل فيه خمل لم نأت لضيمك ولم نفد لسخطك ولم نتعرض لرفدك إن في أموالنا منتقدا وعلى عزنا معتمدا إن أورينا نارا أثقبنا وإن أود دهر بنا اعتدالنا إلا أنا مع هذا لجوارك حافظون ولمن رامك كافحون حتى يحمد الصدر ويستطاب الخبر قال كسرى :ما يقوم قصد منطقك بإفراط ولا مدحك بذمك قال عمرو : كفى قصدي هاديا وبأيسر إفراطي مخبرا ولم يلم من غربت نفسه عما يعلم ورضي من القصد بما يبلغ قال كسرى : ما كل ما يعرف المرء ينطق به اجلس . ثم قام خالد بن جعفر الكلابي فقال : أحضر الله الملك إسعادا وأرشده إرشادا إن لكل منطق فرصة ولكل حاجة غصة وعي المنطق أشد من عي السكوت وعثار القول أنكأ عن عثار الوعث وما فرصة المنطق عندنا إلا بما نهوى وغصة المنطق بما لا نهوى غير مستساغة وتركي ما أعلم من نفسي ويعلم من سمعي إنني له مطيق أحب إلي من تكلفي ما أتخوف وأتخوف مني وقد أوفدنا إليك ملكنا النعمان وهو لك من خير الأعوان ونعم حامل المعروف والإحسان أنفسنا بالطاعة لك باخمة ورقابنا بالنصيحة خاضعة وأيدينا لك بالوفاء رهينة قال كسرى : نطقت بعقل وسمرت بفضل وعلوت بنبل . ثم قام علقمة بن علاثة العامري فقال : نهجت لك سبل الرشاد وخضعت لك رقاب العباد إن للأقاويل مناهج وللآراء موالج وللعويص مخارج وخير القول أصدقه وأفضل الطلب أنجحه – أنا وإن كانت المحبة أحضرتنا والوفادة قربتنا فليس من حضرتك منا بأفضل ممن عزب عنك بل لو قست كل رجل منهم وعلمت منهم ما علمنا لوجدت له في آبائه دنيا أندادا وأكفاء كلهم إلى الفضل منسوب وبالشرف والسؤدد موصوف وبالرأي الفاضل والأدب الناقد معروف يحمي حماه ويروي نادماه ويذود أعداه ولا تخمد ناره ولا يتحرز منه جاره أيها الملك من يبل العرب يعرف فضلهم فاصنع العرب فإنها الجبال الرواسي عزا والبحور الزواخر طميا والنجوم الزواهر شرفا والحصى عددا فإن تعرف لهم فضلهم يعزوك وإن تستصرخهم لا يخذلوك قال كسرى وخشى أن يأتي منه كلام يحمله على السخط عليه : حسبك أبلغت وأحسنت . ثم قام قيس بن مسعود الشيباني فقال : أطاب الله بك المر أشد وجنبك المصائب ووقاك مكروه الشدائد ما أحقنا إذ أتيناك بأسماعك مالا يحنق صدرك ولا يزرع لنا حقدا في قلبك لم نقدم أيها الملك لمساماة ولم ننتسب لمعاداة ولكن لتعلم أنت ورعيتك ومن حضرك من وفود الأمم أنا في المنطق غير محجمين وفي الناس غير مقصرين إن جورينا فغير مسبوقين وإن سومينا فغير مغلوبين قال كسرى : غير أنكم إذ عاهدتم غير وافين وهو يعرض به في تركه الوفاء بضمانة السواد قال قيس : ما كنت في ذلك إلا كواف غدر به أو كخافر أخفر بذمته قال كسرى : ما يكون لضعيف ضمان ولا لذليل خفارة قال قيس : أيها الملك ما أنا فيما أخفر من ذمتي أحق بإلزامي العار منك فيما قتل من رعيتك وانتهك من حرمتك قال كسرى :ذلك لأن من ائتمن الخونة واستنجد الأئمة ناله من الخطأ ما نالني وليس كل الناس سواء – كيف رأيت حاجب بن زرارة لم يحكم قواه فيبرم ويعهد فيوفي ويعد فينجز ؟ ؟ قال وما أحقه بذلك وما رأيته إلا لي قال كسرى : القوم بزل فأفضلها أشدها ثم قام عامر بن الطفيل العامري فقال :كثر فنون المنطق ولبس القول أعمى من حندس الظلماء وإنما الفخر في الفعال والعجز في النجدة والسؤدد مطاوعة القدرة وما أعلمك بقدرنا وأبصرك بفضلنا والحري أن أدالت الأيام وثابت الأحلام أن تحدث لنا أمورا لها أعلام قال كسرى : وما تلك الأعلام ؟ قال مجتمع الأحياء من ربيعة ومضر على أمر يذكر قال كسرى : وما الأمر الذي يذكر ؟ قال عامر : مالي علم بأكثر مما خبرني به مخبر قال كسرى : متى تكاهنت يا بن الطفيل ؟ قال : لست بكاهن ولكني بالرمح طاعن ؟ قال كسرى : فإن أتاك آت من جهة عينك العوراء ما أنت صانع ؟ قال : ما هيبتي في قفاي بدون هيبتي في وجهي وما أذهب عيني عبث ولكن مطاوعة العبث ثم قام عمرو بن معد يكرب الزبيدي فقال : إنما المرء بأصغريه قلبه ولسانه فبلاغ المنطق الصواب وملاك النجدة الارتياد وعفو الرأي خير من استكراه الفكرة وتوفيق الخبرة خير من اعتساف الحيرة فاجتذب طاعتنا بلفظك واكظم بادرتنا بحلمك وألن لنا كنفك يسلس لك قيادنا فإنا أناس لم يوقس صفاتنا قراع مناقير من أردنا قضما ولكن منعنا حمانا من كل من رام لنا هضما . ثم قام الحارث بن ظالم المري فقال : إن من آفة المنطق الكذب ومن لؤم الأخلاق الملق ومن خطل الرأي خفنة الملك المسلط فإن أعلمناك أن مواجهتنا لك عن ائتلاف وانقيادنا لك عن تصاف فما أنت لقبول ذلك منا بخليق ولا للاعتماد عليه بحقيق ولكن الوفاء بالعهود وأحكام ولت العقود والأمر بيننا وبينك معتدل مالم يأت من قبلك ميل أو زلل قال كسرى : من أنت ؟ قال : الحارث بن ظالم قال : إن في أسماء أبائك لدليلا على قلة وفائك وأن تكون أولى بالغدر وأقرب من الوزر قال الحارث : إن في الحق مغضبة والسر في التغافل ولن يستوجب أحد الحلم إلا مع القدرة فلتشبه أفعالك مجلسك قال كسرى :هذا فتى القوم ثم قال : قد فهمت ما نطقت به خطباؤكم وتفنن فيه متكلموكم وأولا إني أعلم أن الأدب لم يثقف أودكم ولم يحكم أمركم وأنه ليس لكم ملك يجمعكم فتنطقون عنده منطق الرعية الخاضعة الباخعة فنطقتم بما استولى على ألسنتكم وغلب على طباعكم لم أجز لكم كثيرا مما تكلمتم به وإني لأكره أن أجبه وفودي أو أحنق صدورهم والذي أحب من إصلاح مدبركم وتآلف شواذكم والإعذار إلى الله فيما بيني من خلل فانصرفوا إلى ملككم فأحسنوا مؤازرته والتزموا سفهاءكم أودهم وأحسنوا أدبهم فإن في ذلك صلاح العامة ؟ روى عن الكلبي أنه قال : كان كسرى يحفل بالعرب ويستأنس بمشاهدتهم ويرغب في سماع محادثاتهم ومفاخراتهم ومنافراتهم ولم يدخر وسعا إلا بذله للحصول على ذلك ومما اتفق له أن النعمان بن المنذر كان بمجلسه يوما فقال له : هل في العرب من قبيلة تشرف على قبيلة ؟ قال فبأي شيء ؟ قال : من كانت له ثلاثة آباء متوالية رؤساء واتصل ذلك بمزية رابعة فبيته أشرف بيت وإليه تنسب القبيلة وبه تعلو على غيرها قال : أحضر من هذه صفتهم فطلبهم النعمان فلم يصبهم إلا في آل حذيفة بني بدر وآل ذي الجحدين وآل الأشعث بن قيس بن كندة فأحضرهم في جملة من عشائرهم فقعد لهم كسرى مجلسا عاما حضره الحكام والعدول والأعيان ثم قال : ليتكلم منكم بمآثر قومه وليصدق . فانتصب حذيفة بن بدر قائما وكان ألسن القوم فقال : قد علمت العرب أن فينا الشرف الأقدم والفخر الأعظم فقيل له : لم ذاك يا أخا فزارة ؟ قال : ألسنا الدعائم التي لا ترام ؟ والعز لا يضام ؟ فقيل له : صدقت ثم قام شاعرهم فقال :
فزارة بيت العز والعز فيهم فزارة بدر حسب بدر نضالها
لها العزة القعساء والحسب الذي بناه لبدر في القديم رجالها
فهيهات قد أعيا القرون التي مضت مآثر بدر مجدها وفعالها
وهل أحد أن مد يوما بكفه إلى الشمس في مجرى النجوم ينالها
فإن يصلحوا يصلح لذاك جميعنا وإن يفسدوا يفسد على الناس حالها
ثم قام الأشعث بن قيس فقال : لقد علمت العرب أنا نقاتل عديدها الأكثر ونقهر جمعها الأكبر وأنا غياث اللزبات زبناة المكرمات فقيل له لم يا أخا كندة ؟ قال : لأنا ورثنا ملك كندة فاستظللنا بأفيائه وتقلدنا منكبه الأعظم وتوسطنا يحبوحه الأكرم . ثم قام شاعرهم فقال :
فسائل أبيت اللعن عنا فإننا دعائم هذا الناس عند الجلائل
ثم قام قيس بن عاصم السعدي فقال : لقد علم هؤلاء أنا أرفعهم في المكرمات وأثبتهم في النائبات فقيل له : لم ذاك يا أخا بني سعد ؟ فقال : لأنا أدركهم للثأر وأمنعهم للجار لا نتكلل إذا حملنا ولا نرام إذا حللنا ثم قام شاعرهم فقال :
لقد علمت قيس وخندف أننا وجل تميم والجموع التي ترى
بأنا ليوث البأس في كل مأزق إذا جز بالبيض الجماجم والطلى
وأنا إذا داع دعانا لنجدة أجبنا سراعا في العلائم من دعا
فهيهات قد أعيا الجميع فعالهم وقاموا بيوم الفخر مسعاة من سعى
فقال كسرى حينئذ : ليس منها إلا سيد لموضعه ثم أعظم صلاتهم أجمعين وردهم إلى أقوامهم معظمين



المستشار الأدبي
حسين علي الهنداوي
شاعر وناقد
مدرس في جامعة دمشق
دراسات جامعية-في الأدب العربي
صاحب الموسوعة الأدبية (المرصد الأدبي )
حجم الموسوعة( خمس عشرة ألف صفحة )
سوريا -درعا- hoshn55@gmail.com
السيرة الذاتية للمستشار الأدبي(حسين علي الهنداوي)
أ- أديب و شاعر وقاص ومسرحي و ناقد و صحفي
ب- له العديد من الدراسات الأدبية و الفكرية
ج-نشر في العديد من الصحف العربية
د- مدرس في جامعة دمشق - كلية التربية - فرع درعا
ه- ولد الأديب في سوريا – درعا عام 1955 م
و- تلقى تعليمه الابتدائي و الإعدادي و الثانوي في مدينة درعا
ح- انتقل إلى جامعة دمشق كلية الآداب – قسم اللغة العربية و تخرج فيها عام 1983
ك- حائز على إجازة في اللغة العربية
ص-حائز على دبلوم تأهيل تربوي جامعة دمشق
ع- عمل محاضراً لمادة اللغة العربية في معهد إعداد المدرسين - قسم اللغة العربية في مدينة درعا
ف- انتقل إلى التدريس في المملكة العربية الســـعودية عام (1994 /2000 ) في مدينتـــي عنيزة و تبوك 0
1- عضو اتحاد الصحفيين العرب
2- عضو اتحاد كتاب الانترنت العرب
3- عضو تجمع القصة السورية
4- عضو النادي الأدبي بتبوك
مؤلفاته :
أ*- الشعر :
1- هنا كان صوتي و عيناك يلتقيان/1990
2- هل كان علينا أن تشرق شمس ثبير/1994
3- أغنيات على أطلال الزمن المقهور /1994
4- سأغسل روحي بنفط الخليج /1996
5- المنشّى يسلم مفاتيح إيلياء/1996
6- هذه الشام لا تقولي كفانا / مخطوط
ب*- القصة القصيرة :
شجرة التوت /1995
ج – المسرح :
1- محاكمة طيار /1996
2- درس في اللغة العربية /1997
3- عودة المتنبي / مخطوط
4- أمام المؤسسة الاستهلاكية / مخطوط
د – النقد الأدبي :
1- محاور الدراسة الأدبية 1993
2- النقد و الأدب /1994
3- مقدمتان لنظريتي النقد و الشعر / مخطوط
4- أسلمة النقد الأدب
هـ - الدراسات الدينية :
1- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الأول
2- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الثاني
3- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الثالث
4- فتاوى و اجتهادات / جمع و تبويب
5- هل أنجز الله وعده !!!!!!
و- موسوعة (المرصد الأدبي) :
1-تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية ( معاني الأدب وعلاقاته)
2 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية قبل الإسلام (العصر الجاهلي )
3 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر صدر الإسلام )
4 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر الخلفاء الراشدين )
5 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر الخلفاء الأمويين)
6 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء العباسيين )
7 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء الأندلسيين )
8 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الدول المتتابعة )
9- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء العثمانيين )
10- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية في (العصر الحديث)
11- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية في (العهد المعاصر)