واقعية النقد
في عصر صدر الإسلام
ترك الإسلام للشعراء والنقاد الحرية في ممارسة حياتهم الاجتماعية والدينية من خلال موقف القرآن الكريم من الشعر والشعراء وموقف الرسول صلى الله عليه وسلم كذلك . فقد وردت مادة شعر في القرآن الكريم في سياقات مختلفة قال تعالى في سورة يس الآية / 69 / { وما علمنه الشعر وما ينبغي له أن هو إلا ذكر وقرآن مبين } [ ] ، فما جاء به الرسول الكريم عليه السلام من القرآن لم يكن شعرا لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يتتلمذ على يد شاعر قبله كما كان العرب سابقا كما أن الله تعالى لم يعلمه الشعر ولم يلهمه إياه ولم يعرفه بقوانينه وإذا كان الشعر يرفع من قدر الوضيع الخامل مثلما يضع من قدر الشريف الكامل ، فإنه لا يرتقي إلى مرتبة النبوة ولا يليق بالأنبياء وأن الشعراء مهما يبلغوا من مراتب القيم فإنهم لا يدركون مرتبة الأنبياء الذين اصطفاهم الله تعالى برسالته رسالة (التوحيد) التي ليست هي لب رسالة الشعر ناهيك عن أن بعض الشعراء يفسقون ويكذبون ويلهون وحاشا للنبوة ذلك على العكس من ذلك فقد كانت العرب تعتقد أن لكل شاعر شيطانه سواء أكان ذكراً أم أنثى وبذلك صرح الشعراء أنفسهم .
إني وكل شاعر من البشر شيطانه أنثى وشيطاني ذكر
وكذلك هناك فارق بين طبيعة الشعر وطبيعة القرآن الكريم . فطبيعة الشعر مصدرها الإلهام والإحساس الزائد وطبيعة القرآن الكريم هي كلام الله الذي هو صفة من صفاته كما وأن النص الشعري يختلف عن النص القرآني . وقد ذكر القرآن الكريم لفظة شاعر في مواضع أربعة :
1-{ بل أضغاث أحلام بل افتراه بل هو شاعر }[ الأنبياء -5 ]
2-{ ويقولون أإنا لتاركو آلهتنا لشاعر مجنون } [ الصافات - 36 ]
3- { أم يقولون شاعر نتربص به ريب المنون } [الطور - 30 ]
4-{ وما هو بقول شاعر قليلا ما تؤمنون }[ الحاقة -41 ]
وكل الآيات الأربعة تشير إلى أن كلمة شاعر فيها لا تخرج عن معنى العرب له: ( هو من يتخيل ما لا حقيقة له ) . والشاعر في المواقع الأربعة في موقع ذم ويكفي اختلاف مرتبة الشاعر عن النبي مع ما حصل بين (ضمار الطبيب) الذي ورد على مكة والرسول صلى الله عليه وسلم حين عرض على النبي عليه الصلاة والسلام أن يداويه مما هو معتقدا أنه ما جاء به من القرآن هو نوع من الجنون أو الشعر أو السحر ، فأسمعه النبي صلى الله عليه وسلم :( إن الحمد لله نحمده ونستعينه من يهده الله فلا مضل له ومن يضل فلا هادي له وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله ) فقال: سمعت قول الكهنة وقول السحرة وقول الشعراء فما سمعت مثل كلماتك هؤلاء ......هات يدك أبايعك على الإسلام فبايعه . . . ) . أما ما ورد في سورة الشعراء [ 221 – 227 ] { هل أنبئكم على من تنزل الشياطين تنزل على كل أفّاك أثيم يلقون السمع وأكثرهم كاذبون والشعراء يتبعهم الغاوون ألم تر أنهم في كل واد يهيمون وأنهم يقولون ما لا يفعلون إلا الذين امنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيرا وانتصروا من بعد ما ظلموا وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون } ، فقد بين أن الشعراء يخبطون في أقوالهم كخبط الهائم في سيره في الأودية لما يجولون فيه من أفانين القول في أنواع التشبيب وتمزيق الأعراض والقدح في الأنساب والافتخار بالباطل ومدح من لا يستحقون وكل ذلك قلب للحقائق وهذا كله لا يناسب مقام الأنبياء صلوات الله عليهم ولا يناسب مقام المؤمنين وقد استثنى الله تعالى من شعراء القدح والذم والنهش والنبش المؤمنين الذين يدافعون عن العقيدة ويدعون للفضائل ومكارم الأخلاق وإذا كانت مهمة الرسول محمد عليه الصلاة والسلام ليست أصلا تشتغل بالشعر أو النقد بل في بناء مشروع حضاري ( ديني – دنيوي ) فإنها لا بد أن يكون لها رؤية في حركة الشعر في عصره وخاصة أن الشعراء كانوا يخوضون في دعوته أحيانا ويدافعون عنها أحيانا أخرى وأنه اتخذ الشعراء المدافعين عن العقيدة سلاحا للدفاع عن الدين الجديد وقد كان للرسول صلى الله عليه وسلم موقف من الشعر فقد نسب إليه صلى الله عليه وسلم في السنن الكبرى ((الشعر كلام حسنه كحسن الكلام و قبيحه كقبيحه )) وقوله : (( إن من البيان لسحرا وإن من الشعر لحكما )) المستدرك على الصحيحين م 6568 / لما يحمله البيان من جودة المعاني وجماليات الألفاظ وما ينطوي عليه من الحكمة . والسحر بعضه عقلي ينتمي إلى الكلام المشتمل على غريب المعنى وبعضه طبيعي وهو ما يظهر من آثار الطبيعة في عناصرها المتهيئة وموادها المستبيحة وبعضه صناعي وهو ما يوجد في خفة الحركات وتصريفها في الوجوه الخفية عن الأبصار وبعضه سحر إلهي وهو ما يبدو في الأنفس الكريمة الطاهرة لفظا وفعلا والبيان الإنساني يجمع بين السحر العقلي والإلهي .أما ما جاء عنه صلى الله عليه وسلم ( لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحا خير له من أن يمتلئ شعرا ) سنن أبي داوود وفي مسند أبي يعلى الموصلي ( لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحا أو دما خير له من أن يمتلئ شعرا هجيت به ) . فإنما هو نهي عن الشعر في هجاء النبي صلى الله عليه وسلم ويقاس عليه كل شعر هجاء يهجى به غير المشركين والكافرين ويشمل كل شعر يقدح بالآخرين ويتعدى قيم الحق والخير والإنسان . أما نقد النبي للشعراء الجاهلين فقد ورد في مسند الإمام أحمد بن حنبل عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( امرؤ القيس صاحب لواء الشعراء إلى النار ) وفي المعجم الكبير للطبراني . . . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ذاك رجل مذكور في الدنيا منسي في الآخرة شريف في الدنيا خامل في الآخرة يجيء يوم القيامة بيده لواء الشعراء يقودهم إلى النار ) وكذلك قال صلى الله عليه ( وما سمعت بأعرابي فاشتهيت أن أراه إلا عنترة ) ومما يدل على شرعية الشعر سماع النبي له وأنه طلب من والد عمرو بن الشريد أن يسمعه بعض شعر أمية بن أبي الصلت فأسمعه مئة بيت وكذلك ما روي من سماعه الشعر الخنساء رضي الله عنها وكذلك ما نشده عبد الله بن رواحة الأنصاري حين كان آخذا بخطام ناقة النبي عليه الصلاة والسلام في وسط مكة المكرمة في عمرة القضاء :
خلوا بني الكفار عن سبيله إني شهيد أنه رسوله
خلوا فكل الخير في رسوله يا رب إني مؤمن بقيله
أعرف حق الله في قبوله نحن قتلناكم على تأويله
كما قتلناكم على تنزيله ضربا يزيل الهام عن مقيله
ويذهل الخليل عن خليله
وكذلك ما قاله عامر بن الأكوع في الليل حين مسير القوم إلى خيبر
اللهم لولا أنت ما اهتدينا ولا تصدقنا ولا صلينا
وكذلك ما استمعه رسول الله صلى الله عليه وسلم من كعب بن زهير
وما سعاد غداة البين إذ رحلوا إلا أغن غضيض الطرف مكحول
وربما ارتجز الرسول صلى الله عليه وسلم بكلمة عبد الله بن رواحة حين كان ينقل تراب الخندق : (اللهم لولا أنت ما اهتدينا ) ، ويتمثل قول طرفة ( ويأتيك بالأخبار من لم تزود ) وقول عبد بني الحسحاس ( كفى الشيب والإسلام للمرء ناهيا ) ولكنه كان يقلب ويقدم الكلمات ويؤخر بعضها . وإن استماع الرسول صلى الله عليه وسلم للشعر واستحسانه له عند سماعه له أو عطائه إنما هي جزء من مواقفه العملية التي يتوجها موقف الرسول صلى الله عليه وسلم من شعراء الدعوة واختياره شاعرا خاصا مكلفا بالدفاع عن الدعوة الإسلامية والذود عن حياض المسلمين بالشعر إلى جانب السيف وقد كان يهجو رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة شعراء مشركين ( ابن الزبعرى – أبو سفيان – عمرو بن العاص ) في مكة المكرمة طلب من علي رضي الله عنه أن يهجوهم وقيل للرسول في ذلك فقال صلى الله عليه وسلم ( ليس هناك ) ثم قال للأنصار ما يمنع القوم الذين نصروا رسول الله بسلاحهم أن ينصروه بألسنتهم ) ، فقال حسان بن ثابت رضي الله عنه (أنا لها) فقال رسول الله عليه السلام : ( كيف تهجوهم وأنا منهم ) فقال حسان :(إني أسلك منهم كما تسل الشعرة من العجين ) وقد شارك حسان في هجاء شعراء المشركين كعب بن مالك وعبد الله بن رواحة رضي الله عنهم...ز يعارضونهم ويعيرونهم بالمثالب والوقائع والكفر وإعراض الرسول صلى الله عليه وسلم عن علي وهو من فحول الشعراء وتقديم حسان غرضه سياسي ( شد الأنصار إلى الحرب الإعلامية وربطهم بالدعوة وتكريم شاعرهم ليكون شاعر الإسلام وشاعر الدعوة ) وكذلك كان الرسول صلى الله عليه وسلم يستمع إلى النابغة الجعدي الذي قال أتيت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأنشدته :
وإنا لقوم ما تعود خيلنا إذا ما التقينا أن تحيد وتنفرا
وننكر يوم الروع ألوان خيلنا من الطعن حتى نحسب الجون أشقرا
بلغنا السماء مجدنا وجدودنا وأنا لنبغي فوق ذلك مظهرا
فقال النبي صلى الله عليه وسلم :(إلى أين ؟ ) فقلت إلى الجنة قال: ( نعم إن شاء الله )، ومن الأحكام النقدية للرسول عليه الصلاة والسلام على الشعر قوله في الحديث المروي عن أبي هريرة رضي الله عنه ( أصدق بيت قالته الشعراء ) : (ألا كل شيء ما خلا الله باطل ). وقوله صلى الله عليه وسلم قال عن عبد الله بن رواحة ( إن أخا لكم لا يقول الرفث ) كما أنه صلى الله عليه وسلم قال لحسان رضي الله عنه بعد أن طلب من شعراء الدعوة أن يهجو قريشا فهجوها فلم يرض هجاءهم النبي ( إن روح القدس لا يزال يؤيدك ما نافحت عن الله ورسوله ) وقال أيضا: ( هجاهم حسان فشفى وأشفى )
ومما قاله حسان بن ثابت في دفاعه عن النبي مخاطبا أبا سفيان :
هجوت محمدا فأجبت عنه وعند الله في ذاك الجزاء
هجوت محمدا برا حنيفا رسول الله شيمته الوفاء
فإن أبي ووالده وعرضي لعرض محمد منكم وقاء
وقد انصب نقد الرسول صلى الله عليه وسلم للشعر من جهة إصابة الحق وإقامة الشعر على الصدق ومعاملة الخصم بالمثل لو كان هجاء دون أن يخرج هجاء الشعراء المسلمين عن حد القيم الإسلامية وقد اختلف في قول الرسول صلى الله عليه وسلم للشعر على اعتبار أن القرآن دافع عن كونه ليس بشاعر فنقلوا أنه قال في إصبع له دميت حين أصابه حجر وهو يمشي
هل أنت إلا إصبع دميت؟ وفي سبيل الله ما لقيت
وأنه صلى الله عليه وسلم قال يوم حنين :
أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب
واختلفوا في كون ذلك رجزا أو شعرا كما اختلفوا في حد الشعر والشاعر وأن من يقول بيتا أو بيتين لا يعد شاعرا .





المستشار الأدبي
حسين علي الهنداوي
شاعر وناقد
مدرس في جامعة دمشق
دراسات جامعية-في الأدب العربي
صاحب الموسوعة الأدبية (المرصد الأدبي )
حجم الموسوعة( خمس عشرة ألف صفحة )
سوريا -درعا- hoshn55@gmail.com
السيرة الذاتية للمستشار الأدبي(حسين علي الهنداوي)
أ- أديب و شاعر وقاص ومسرحي و ناقد و صحفي
ب- له العديد من الدراسات الأدبية و الفكرية
ج-نشر في العديد من الصحف العربية
د- مدرس في جامعة دمشق - كلية التربية - فرع درعا
ه- ولد الأديب في سوريا – درعا عام 1955 م
و- تلقى تعليمه الابتدائي و الإعدادي و الثانوي في مدينة درعا
ح- انتقل إلى جامعة دمشق كلية الآداب – قسم اللغة العربية و تخرج فيها عام 1983
ك- حائز على إجازة في اللغة العربية
ص-حائز على دبلوم تأهيل تربوي جامعة دمشق
ع- عمل محاضراً لمادة اللغة العربية في معهد إعداد المدرسين - قسم اللغة العربية في مدينة درعا
ف- انتقل إلى التدريس في المملكة العربية الســـعودية عام (1994 /2000 ) في مدينتـــي عنيزة و تبوك 0
1- عضو اتحاد الصحفيين العرب
2- عضو اتحاد كتاب الانترنت العرب
3- عضو تجمع القصة السورية
4- عضو النادي الأدبي بتبوك
مؤلفاته :
أ*- الشعر :
1- هنا كان صوتي و عيناك يلتقيان/1990
2- هل كان علينا أن تشرق شمس ثبير/1994
3- أغنيات على أطلال الزمن المقهور /1994
4- سأغسل روحي بنفط الخليج /1996
5- المنشّى يسلم مفاتيح إيلياء/1996
6- هذه الشام لا تقولي كفانا / مخطوط
ب*- القصة القصيرة :
شجرة التوت /1995
ج – المسرح :
1- محاكمة طيار /1996
2- درس في اللغة العربية /1997
3- عودة المتنبي / مخطوط
4- أمام المؤسسة الاستهلاكية / مخطوط
د – النقد الأدبي :
1- محاور الدراسة الأدبية 1993
2- النقد و الأدب /1994
3- مقدمتان لنظريتي النقد و الشعر / مخطوط
4- أسلمة النقد الأدب
هـ - الدراسات الدينية :
1- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الأول
2- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الثاني
3- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الثالث
4- فتاوى و اجتهادات / جمع و تبويب
5- هل أنجز الله وعده !!!!!!
و- موسوعة (المرصد الأدبي) :
1-تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية ( معاني الأدب وعلاقاته)
2 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية قبل الإسلام (العصر الجاهلي )
3 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر صدر الإسلام )
4 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر الخلفاء الراشدين )
5 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر الخلفاء الأمويين)
6 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء العباسيين )
7 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء الأندلسيين )
8 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الدول المتتابعة )
9- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء العثمانيين )
10- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية في (العصر الحديث)
11- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية في (العهد المعاصر)