حركة الشعر في عهد النّبوة
أ-كثرة دواعي الشعر في عصر الرسول صلى الله عليه وسلم :
لما أخرجت قريش رسول الله صلى الله عليه وسلم واضطر إلى الهجرة من مكة إلى المدينة نشبت بين البلدتين حرب حامية الوطيس اشتبكت فيها السيوف والألسنة . ولم تكن مكة تعرف في الجاهلية بالشعر إلا بعض مقطوعات لشعراء مغمورين . فلما نشبت الحرب لمعت أسماء شعراء كثيرين : كأبي عزة الجمحى ، وأبي سفيان بن الحارث ، وعبد الله بن الزبعرى ، وضرار بن الخطاب ، وهبيرة بن أبي وهب . وأخذ شعراء قريش يسددون سهام شعرهم للرسول صلى الله عليه وسلم بهجائه والصد عن سبيل الله ، فعز ذلك عليه وطلب من أنصاره الرد عليهم ، فانبرى لهم حسان بن ثابت ، وكعب بن مالك ، وعبد الله بن رواحة ، واحتدم الهجاء بين الفريقين . ويشارك شعراءَ قريش شعراءُ اليهود ، وعلى رأسهم كعب بن الأشرف ، وقد بلغ به السوء أنه كان يشبب بنساء الرسول صلى الله عليه وسلم ونساء المسلمين ، فقتله الأنصار . وكان شعراء العرب من القبائل التي لم تسلم بعد يقفون مع قريش باكين قتلاها ومحرضين لها على مقاومة الرسول صلى الله عليه وسلم . و بفتح مكة ودخولها في الإسلام أدمجت الجزيرة كلها فيه ، وقدمت الوفود معلنة إسلامها ، وهرع الشعراء للاعتذار إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ومحاولة التكفير عما اقترفوه في جاهليتهم . ومن ذلك قول عبد الله بن الزبعرى :
يا رسـولَ المليـكِ إنَّ لسـاني راتقٌ ما فتقتُ إذ أنا بورُ
إذ أجاري الشيطانَ في سنن الغيـ ـيِ ومن مالَ ميلَهُ مثبورُ
يشهـدُ السمـعُ والفؤادُ بما قُلـ ـتَ ونفسي الشهيدُ وهي الخبيرُ
إنَّ ما جئتنـا بـهِ حقُّ صـدقٍ ساطِعٌ ونورُهُ مضيئٌ منيرُ
وكان كثير من الشعراء يمتدحون رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وينظمون المراثي في قتلى المسلمين . ولما انتقل الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى بكاه الشعراء بكاء حاراً ورثوه وتفجعوا عليه ، ومن ذلك قول أبي سفيان أيضاً :
لقد عظُمت مصيبتنا وجلَّتْ عشيةَ قيلَ قد قُبِضَ الرسولُ
نبيٌ كانَ يجلو الشك عنا بما يوحى إليهِ وما يقولُ
وكل هذا يوضح أن الشعر في تلك الفترة كان يجري على كل لسان وهكذا نشط الشعر إبان الدعوة الإسلامية كما كان هو عليه في عصر ما قبل الإسلام إلا أنه في هذه الفترة سلك سبيل الخير والمحبة والدعوة إلى الجهاد عند الكثير من الشعراء ، وإن كان القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف قد صرف عيون وآذان الكثير من الناس عن سماع الشعر . وقد شجع النبي صلى الله عليه وسلم الشعر الخيرّ وشد على عضد الشعراء وأخذ بأيديهم وصحبهم في أشعارهم حِلاً وترحالاً ونال الشعراء من النبي صلى الله عليه وسلم كل تقدير واحترام ورعاية إذا هو ما ذّب عن حياض الإسلام والمسلمين . وكذلك رافق الشعر المعارك الكبرى الفكرية والدينية والسياسية سواء ما قاله الشعراء المدافعون عن حياض الدين أو الشعراء المناقضون لهم بيد أن الشعر الذي قاله شعراء الإسلام عقيدةً وخلقاً وقيماً كان يتخذ من الطهر والفضيلة ومثل الخير شعاره . وللشعر دوره الكبير في حياة النبي صلى الله عليه وسلم فقد اتخذه أحد الأسلحة الفعالة في الدفاع عن الدين الجديد . وقد امتدح النبي صلى الله عليه الشعر وأشار إلى تأثيره في الناس من خلال دعوته للخير ((إن من الشعر لحكمة )) إذا كان قولاً صادقاً مطابقاً للحق نافعاً يمنع من السفه (( فالبيان من الله تعالى والعِيّ من الشيطان وليس البيان في كثرة الكلام ولكن البيان الفصل في الحق ، وليس العِيُّ قلة الكلام ولكن من سفه الحق )) ، وكذلك امتدح النبي صلى الله عليه وسلم الشعراء بأسمائهم لما عهد عنهم من الحكمة والحث على الفضيلة والخير والترهيب من الرذيلة والفساد ونصرة الحق وطهارة اللسان فقد قال صلى الله عليه وسلم: )) أصدق كلمة قالها شاعر كلمة لبيد )) -ألا كل شيء ما خلا الله باطل- . وقال صلى الله عليه وسلم ))كاد أمية بن أبي الصلت أن يسلم )) وقال عن عبدالله بن رواحه : (( إن أخاً لكم لا يقول الرفث – يعني عبدالله بن رواحة-))
قال عبد الله بن رواحة:
أتانا رسول الله يتلو كتابه إذا انشقّ معروف من الفجر ساطعُ
أرانا الحق بعد العمى فقلوبنا به موقنات أنّ ما قاله واقع
يبيت يجافي جنبه عن فراشه إذا استثقلت بالكافرين المضاجع
وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يستمع إلى الشعراء ينشدون الشعر في حضرته الشريفة وبين يديه كاستماعه لأنجشة الأسور وقوله له : (ويحك يا أنجشة رويدك سوقك بالقوارير ) يعني النساء وقد ذكر جابر بن سمرة رضي الله عنه أنه قال : (( جالست النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من مئة مرة فكان أصحابه يتناشدون الشعر ويتذاكرون أيام الجاهلية وهو ساكت فربّما تبسم معهم )) وكذلك عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( يقدم عليكم غداً قوم أرقّ قلوباً للإسلام منكم )) فقدم الأشعريون فلما دنوا جعلوا يرتجزون :
غداً نلقى الأحبةْ محمداً وصحبه
وما كان أكثر ما يستمع الشعر في المسجد ويضع لحسان منبراً في المسجد فيقوم حسان عليه يهجو من قال في رسول الله وكان يقول لحسان : (( إن روح القدس مع حسان ما نافح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم)) وكذلك استحسن رسول الله صلى الله عليه وسلم قصيدةً أنشدها إياه الشاعر خفاف بن نضلة الثقفي في المسجد بعد ما صرفه من الأباطيل مطلعها :
كم تحملتِ القلائص في الدجى في مهمهٍ قفرٍ من الفلوات
فهو صلى الله عليه وسلم يحب سماع الشعر الجيد ويطلب ممن يقوله أو يحفظه أن ينشده له وروى عمرو بن الشريع أن أباه قال : (( استنشدني الرسول صلى الله عليه وسلم من شعر أمية بن أبي الصلت فقال : ((لقد كاد أن يسلم في شعره )) ، كما أنه كان يستمع إلى الشعر مغنىً في يوم بُعاث حين دخل عليه أبو بكر في منزل عائشة وجاريتان من جواري الأنصار تغنيان ما تقاولت به الأنصار في هذا اليوم والنبي يسمع وأبو بكر ينكر فقال النبي (( إن لكل قوم عيداً وهذا عيدنا )) وقد طلب صلى الله عليه وسلم من عائشة بعد أن زفت امرأة إلى رجل من الأنصار أن تبعث معها جارية تضرب بالدف وتغني :
أتيناكم أتيناكم فحيانا وحياكم
ولولا الذهب الأحمر ما حلت بواديكم
ولولا الحنطة السمراء ما سمنت عذاريكم
وكذلك عن أنس بن مالك أنّ النبي صلى الله عليه وسلم مرّ ببعض أزقة المدينة فإذا هو بجوارٍ يضربن بدفهن ويتغنين ويقلن :
نحن جوارٍ من بني الأنصار يا حبذا محمد من جار
فقال النبي صلى الله عليه وسلم (( الله يعلم أني لأحبكنّ )) وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يتمثل بالشعر في مناسبات مختلفة كشعر بن أبي رواحة وببيت طرفة بن العبد : (( ويأتيك بالأخبار من لم تزود )) وبأبيات عامر بن الأكوع يوم الأحزاب حين كان ينقل التراب

والله لولا أنت ما اهتدينا ولا تصدقنا ولا صلينا
فأنزلن سكينة علينا إن الأولى قد بغوا علينا
إذا أرادوا فتنةً أبينا
وكذلك كان ينشد الشعر وهو ينقل اللِبن في بنيان المسجد النبوي في المدينة :
هذا الحِمال لا حِمال خيبر هذا أبرّ - ربنا – وأطهر




المستشار الأدبي
حسين علي الهنداوي
شاعر وناقد
مدرس في جامعة دمشق
دراسات جامعية-في الأدب العربي
صاحب الموسوعة الأدبية (المرصد الأدبي )
حجم الموسوعة( خمس عشرة ألف صفحة )
سوريا -درعا- hoshn55@gmail.com
السيرة الذاتية للمستشار الأدبي(حسين علي الهنداوي)
أ- أديب و شاعر وقاص ومسرحي و ناقد و صحفي
ب- له العديد من الدراسات الأدبية و الفكرية
ج-نشر في العديد من الصحف العربية
د- مدرس في جامعة دمشق - كلية التربية - فرع درعا
ه- ولد الأديب في سوريا – درعا عام 1955 م
و- تلقى تعليمه الابتدائي و الإعدادي و الثانوي في مدينة درعا
ح- انتقل إلى جامعة دمشق كلية الآداب – قسم اللغة العربية و تخرج فيها عام 1983
ك- حائز على إجازة في اللغة العربية
ص-حائز على دبلوم تأهيل تربوي جامعة دمشق
ع- عمل محاضراً لمادة اللغة العربية في معهد إعداد المدرسين - قسم اللغة العربية في مدينة درعا
ف- انتقل إلى التدريس في المملكة العربية الســـعودية عام (1994 /2000 ) في مدينتـــي عنيزة و تبوك 0
1- عضو اتحاد الصحفيين العرب
2- عضو اتحاد كتاب الانترنت العرب
3- عضو تجمع القصة السورية
4- عضو النادي الأدبي بتبوك
مؤلفاته :
أ*- الشعر :
1- هنا كان صوتي و عيناك يلتقيان/1990
2- هل كان علينا أن تشرق شمس ثبير/1994
3- أغنيات على أطلال الزمن المقهور /1994
4- سأغسل روحي بنفط الخليج /1996
5- المنشّى يسلم مفاتيح إيلياء/1996
6- هذه الشام لا تقولي كفانا / مخطوط
ب*- القصة القصيرة :
شجرة التوت /1995
ج – المسرح :
1- محاكمة طيار /1996
2- درس في اللغة العربية /1997
3- عودة المتنبي / مخطوط
4- أمام المؤسسة الاستهلاكية / مخطوط
د – النقد الأدبي :
1- محاور الدراسة الأدبية 1993
2- النقد و الأدب /1994
3- مقدمتان لنظريتي النقد و الشعر / مخطوط
4- أسلمة النقد الأدب
هـ - الدراسات الدينية :
1- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الأول
2- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الثاني
3- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الثالث
4- فتاوى و اجتهادات / جمع و تبويب
5- هل أنجز الله وعده !!!!!!
و- موسوعة (المرصد الأدبي) :
1-تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية ( معاني الأدب وعلاقاته)
2 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية قبل الإسلام (العصر الجاهلي )
3 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر صدر الإسلام )
4 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر الخلفاء الراشدين )
5 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر الخلفاء الأمويين)
6 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء العباسيين )
7 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء الأندلسيين )
8 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الدول المتتابعة )
9- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء العثمانيين )
10- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية في (العصر الحديث)
11- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية في (العهد المعاصر)