الحقيقة و المجاز في الحديث النبوي الشريف
1-المراد بالمجاز هنا : ما يشمل المجاز اللغوي والعقلي ، والاستعارة والكناية ، والاستعارة التمثيلية ، وكل ما يخرج من اللفظ أو الجملة عن دلالتها المطابقة الأصلية والمجاز أبلع من الحقيقة كما هو مقرر في علوم البلاغة.
2-والعربية لغة للمجاز فيها نصيب موفور ، والرسول الكريم أبلغ من نطق بالضاد و كلامه تنزيل من التنزيل ،فلا عجب أن يكون في أحاديثه الكثير من المجازات ، المعبرة عن المقصود بأروع صورة . وحمل الكلام على المجاز في بعض الأحيان يكون متعينا ، وإلا زلت القدم ،وسقط المرء في الغلط .وحين قال الرسول صلى الله عليه وسلم لنسائه من أمهات المؤمنين : (( أسرعكن لحوقا بي أطولكن يداً )) حملنه على طول اليد الحقيقي المعهود قالت عائشة : فكن يتطاولن __ رضي الله عنهن __ أيتهن أطول يدا ؟! بل في بعض الأحاديث أنهن أخذن ( قصبة ) لقياس أي الأيدي أطول يدا ؟! والرسول لم يقصد ذلك ، إنما قصد طول اليد في الخير وبذل المعروف .وهذا ما صدقه الواقع ، فكانت أول نسائه لحوقا به هي زينب بنت جحش ، كانت امرأة صناعا ، تعمل بيدها وتتصدق
3-روى البخاري عن عدي بن حاتم قال : لما نزلت هذه الآية { فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ، ثم أتموا الصيام إلى الليل } ([ البقرة : 187 ] عمدت إلى عقالين : أحدهما أسود ، و الآخر أبيض ، قال: فجعلتهما تحت وسادتي قال: فجعلت أنظر إليهما ، فلما تبين لي الأبيض من الأسود أمسكت ، فلما أصبحت غدوت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأخبرته بالذي صنعت قال ، فقال : (( إن وسادك إذن لعريض ! إنما ذلك بياض النهار من سواد الليل ))
4-ومثل ذلك قوله تعالى في الحديث القدسي المعروف : (( إن تقرب عبدي إلى بشبر تقربت إليه ذراعا ، وإن تقرب إلى ذراعا تقربت إليه باعا ، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة )) فقد شغب المعتزلة على أهل الحديث بروايتهم مثل هذا النص ، وعزوهم ذلك إلى الله تبارك و تعالى ، وهو يوهم تشبيهه تعالى بخلقه في القرب المادي و المشي و الهرولة ، وهذا لا يليق بكمال الألوهية .وقد رد على هؤلاء الإمام ابن قتيبة في كتابه : (( تأويل مختلف الحديث )) بقوله :إن هذا تمثيل وتشبيه وإنما أراد : من أتاني مسرعا بالطاعة أتيته بالثواب أسرع من إتيانه ، فكنى عن ذلك بالمشي والهرولة )) .
5-وفي حديث الشيخين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : ((اشتكت النار إلى ربها ، فقالت : يا رب أكل بعضي بعضا ! فأذن لها بنفسين نفس في الشتاء ، ونفس في الصيف فهو أشد ما تجدون من الحر ، وأشد ما تجدون من الزمهرير )) ،
6-ومثل ذلك حديث أبي هريرة في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال :(( إن الله خلق الخلق ، حتى إذا فرغ من خلقه ، قال الرحم : هذا مقام العائد بك القطيعة ! قال : نعم . أما ترضين أن أصل من أوصلك ، و أقطع من قطعك ؟
قالت بلى يا رب . قال : فهو لك . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فاقرؤوا إن شئتم { فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم ...} [ ] فهل كلام الرحم ـــ وهي القرابة ــــ هنا على الحقيقة أم على المجاز ؟ اختلف الشراح ولكن القاضي عياضاً حمل الحديث على المجاز، و أنه من باب ضرب المثل ومثله : { لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا }[ الآية ، ] ، وفي آخرها { وتلك الأمثال نضربها للناس } [ ] ، فمقصود هذا الكلام الأخبار بتأكيد أمر صلة الرحم ، و أنه تعالى أنزلها منزلة من استجار به فأجاره فأدخله في حمايته ، و إذا كان كذلك فجاره الله غير مخذول ،
7- وقد قال الله صلى الله عليه وسلم (( من صلى الصبح فهو في ذمة الله ، وإن من يطلبه الله بشيء من ذمته يدركه ثم يكبه على وجهه في النار )) أخرجه مسلم
8-هذا اللون من التأويل ، بحمل الحديث على المجاز ، لا يضيق الدين به ذرعا ، على أن يكون مقبولا غير متكلف ولا متعسف و أن يكون ثمت موجب للتأويل ، و الخروج من الحقيقة إلى المجاز ، فالتأويل بغير مسوغ مرفوض ، و التأويل التعسف مرفوض ، كما أن حمل الكلام على الحقيقة ، مع وجود المانع العقلي أو الشرعي أو العملي أو الواقعي ـــ مرفوض أيضا .وقد يكون رفض اللجوء إلى المجاز هنا باب فتنة للعقليين من الناس ، الذين علمهم الإسلام أن لا تعارض بين صحيح المنقول وصريح المعقول .
9-ولنقرأ هذا الحديث الذي رواه الشيخان عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله عليه وسلم : (( إذا صار أهل الجنة إلى الجنة ، و أهل النار إلى النار ،جيء بالموت ، حتى يجعل بين الجنة و النار ، ثم يذبح ! ثم ينادى مناد : يا أهل الجنة ، لا موت ، يا أهل النار لا موت ، فيزداد أهل الجنة فرحا إلى فرحهم ، ويزداد أهل النار حزنا إلى حزنهم )) و في حديث أبي سعيد عند الشيخين و غيرهما : (( يؤتى بالموت كهيئة كبش أملح) ترى ماذا يفهم من هذا الحديث ؟ وكيف يذبح الموت ؟ أو يموت الموت ؟ لقد وقف عنده القاضي أبو بكر بن العربي ، و قال : استشكل هذا الحديث ،لكونه يخالف صريح العقل . لأن الموت عرض ، والعرض لا ينقلب جسما ، فكيف يذبح ؟؟قال : فأنكرت طائفة صحة الحديث و دفعته . وتأولته طائفة فقالوا : هذا تمثيل ، ولا ذبح هناك حقيقة . و قالت طائفة : بل الذبح على حقيقته ، و المذبوح متولي الموت ،على أن الحافظ قال : لا مانع أن ينشىء الله من الأجساد أعراضا يجعلها مادة لها ، كما ثبت في صحيح مسلم في حديث (( إن البقرة و آل عمران تجيئان كأنهما غمامتان )) ونحو ذلك من الأحاديث ،
10- والمجاز كما يقع في أحاديث الأخبار ، يقع في أحاديث الأحكام ، فيجب على أهل الفقه التنبه له ، والتنبيه عليه ، و لمثل هذا اشترطوا في المجتهد أن يكون عالما بالعربية علما يمكنه من فهم دلالاتها المختلفة ، كما كان يفهمها العربي الخالص في عصر النبوة و الصحابة ، و إن كان هذا يعرفها بالسليقة وذاك يعرفها بالدراسة ، وقد قال الأعرابي :
ولست بنحوي يلوك لسانه ولكن سليقيّ أقول فأعرب !
11-وإغفال التفريق بين المجاز و الحقيقة يوقع في كثير من الخطأ ، إن إغلاق باب المجاز في فهم الأحاديث ، و الوقوف عند المعنى الأصلي الحرفي للنص ، يصد كثيرا من المثقفين المعاصرين عن فهم السنة ، بل عن فهم الإسلام ويعرضهم للارتياب في صحته إذا أخذوا الكلام على ظاهره في حين يجدون في المجاز ما يشبع نهمهم ، ويلائم ثقافتهم ، ولا يخرجون به على منطق اللغة ، ولا قواعد الدين ، وقد حكي عن بعض الصالحين أنه تأخر عن إخوانه يوما ، فسألوه عن ذلك فقال : (( كنت أمرغ خدي في رياض الجنة ، فقد بلغنا أن الجنة تحت أقدام الأمهات )) ! ولم يفهم إخوانه منه إلا أنه كان في خدمة أمه ، مبتغيا بذلك مثوبة الله تعالى وجنته .
12-وذكر ابن حزم هنا الحديث الصحيح (( سيحان و جيحان و النيل والفرات كل من أنهار الجنة )) ، و حديث (( بين بيتي و منبري روضة من رياض الجنة )) ، ثم قال : (( هذان الحديثان ليس على ما يظنه أهل الجهل من أن الروضة مقتطعة من الجنة ، و أن هذه الأنهار مهبطة من الجنة . هذا باطل وكذب . ثم ذكر ابن حزم أن معنى كون تلك الروضة من الجنة إنما هو لفضلها ، و أن الصلاة فيها تؤدي إلى الجنة . و أن تلك الأنهار لبركتها أضيفت إلى الجنة ، كما تقول في اليوم الطيب : هذا من أيام الجنة ، وكما في الضأن : (( إنها من دواب الجنة )) وكما قال عليه السلام : (( إن الجنة تحت ظلال السيوف )) . ومثل ذلك الحديث (( الحجر الأسود من الجنة )). يقول ابن حزم في هذه الأخبار: وإن تأويل الأحاديث والنصوص عامة ـ و إخراجها عن ظواهرها ، باب خطر ، لا ينبغي للعالم المسلم ولوجه إلا لأمر يقتضي ذلك من العقل أو النقل .وكثيرا ما تؤول الأحاديث ذاتية أو آنية أو موضعية ثم يظهر للباحث عكس ذلك





المستشار الأدبي
حسين علي الهنداوي
شاعر وناقد
مدرس في جامعة دمشق
دراسات جامعية-في الأدب العربي
صاحب الموسوعة الأدبية (المرصد الأدبي )
حجم الموسوعة( خمس عشرة ألف صفحة )
سوريا -درعا- hoshn55@gmail.com
السيرة الذاتية للمستشار الأدبي(حسين علي الهنداوي)
أ- أديب و شاعر وقاص ومسرحي و ناقد و صحفي
ب- له العديد من الدراسات الأدبية و الفكرية
ج-نشر في العديد من الصحف العربية
د- مدرس في جامعة دمشق - كلية التربية - فرع درعا
ه- ولد الأديب في سوريا – درعا عام 1955 م
و- تلقى تعليمه الابتدائي و الإعدادي و الثانوي في مدينة درعا
ح- انتقل إلى جامعة دمشق كلية الآداب – قسم اللغة العربية و تخرج فيها عام 1983
ك- حائز على إجازة في اللغة العربية
ص-حائز على دبلوم تأهيل تربوي جامعة دمشق
ع- عمل محاضراً لمادة اللغة العربية في معهد إعداد المدرسين - قسم اللغة العربية في مدينة درعا
ف- انتقل إلى التدريس في المملكة العربية الســـعودية عام (1994 /2000 ) في مدينتـــي عنيزة و تبوك 0
1- عضو اتحاد الصحفيين العرب
2- عضو اتحاد كتاب الانترنت العرب
3- عضو تجمع القصة السورية
4- عضو النادي الأدبي بتبوك
مؤلفاته :
أ*- الشعر :
1- هنا كان صوتي و عيناك يلتقيان/1990
2- هل كان علينا أن تشرق شمس ثبير/1994
3- أغنيات على أطلال الزمن المقهور /1994
4- سأغسل روحي بنفط الخليج /1996
5- المنشّى يسلم مفاتيح إيلياء/1996
6- هذه الشام لا تقولي كفانا / مخطوط
ب*- القصة القصيرة :
شجرة التوت /1995
ج – المسرح :
1- محاكمة طيار /1996
2- درس في اللغة العربية /1997
3- عودة المتنبي / مخطوط
4- أمام المؤسسة الاستهلاكية / مخطوط
د – النقد الأدبي :
1- محاور الدراسة الأدبية 1993
2- النقد و الأدب /1994
3- مقدمتان لنظريتي النقد و الشعر / مخطوط
4- أسلمة النقد الأدب
هـ - الدراسات الدينية :
1- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الأول
2- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الثاني
3- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الثالث
4- فتاوى و اجتهادات / جمع و تبويب
5- هل أنجز الله وعده !!!!!!
و- موسوعة (المرصد الأدبي) :
1-تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية ( معاني الأدب وعلاقاته)
2 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية قبل الإسلام (العصر الجاهلي )
3 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر صدر الإسلام )
4 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر الخلفاء الراشدين )
5 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر الخلفاء الأمويين)
6 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء العباسيين )
7 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء الأندلسيين )
8 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الدول المتتابعة )
9- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء العثمانيين )
10- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية في (العصر الحديث)
11- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية في (العهد المعاصر)