خطبة الجمعة
أولا - حكم خطبة الجمعة : اتفق الفقهاء على أن الخطبة شرط في الجمعة لا تصح بدونها لقوله تعالى (فاسعوا إلى ذكر الله )والذكر هو الخطبة ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل الجمعة دون الخطبة وهي خطبتان قبل الصلاة اتفاقاً أخرج مسلم عن جابر بن سمرة( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخطب قائماً ثم يجلس ثم يقوم فيخطب قائماً) وأخرج أبو داود عن ابن عمر قال(كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب خطبتين كان يجلس إذا صعد المنبر حتى يفرغ أذان المؤذن ثم يقوم فيخطب ثم يجلس فلا يتكلم ويقوم فيخطب) وجاء في كتاب شعب الإيمان أن خطبة الجمعة خطبتان يفصل بينهما بقعدة روى البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب خطبتين يقعد بينهما ومن المعلوم أن صلاة الجمعة فرضت قبل الهجرة ولكن الظروف القاهرة التي كانت تحيط برسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام رضي الله عنهم لم تمكنه من القيام بتلك الفريضة العظيمة إلى أن امتن الله عليه وعلى أمته بالهجرة المباركة إلى المدينة المنورة ولما بلغ قباء أقام فيها في بني عوف أيام الاثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس ثم تابع سيره نحو المدينة المنورة فلما وصل إلى بني سالم أدركته الجمعة فصلاها في المسجد الذي في بطن الوادي فكانت أول جمعة صلاها بالمدينة ومن ثم سمي المسجد بمسجد الجمعة وهو قريب من مسجد قباء
ثانيا - شروط خطبة الجمعة:
1-أن تكون خطيتين
2-أن تقع وقت الظهر
3-أن تتقدم على صلاة الجمعة
4- أن تكون بالعربية عند جمهور الفقهاء وأجاز الأحناف الخطبة بغير العربية وهذا أقرب للواقع حالياً فغالب المسلمين لا يعرفون العربية فيفوتهم الانتفاع بما تتضمن من علم وتوجيه .
5- الموالاة بين أركان الخطبة
6- الموالاة بين الخطبتين
7-الموالاة بين الخطبتين الثانية والصلاة
8- القيام عند الخطبة إذا كان الخطيب قادراً على القيام
9- أن يكون الخطيب ساتراً للعورة
10- أن يكون الخطيب طاهراً من الحدثين الأكبر والأصغر
11- أن يجلس بين الخطبتين ويسن بقدر سورة الإخلاص
12- أن يحضره أربعون ممن تنعقد بهم الجمعة كما في المذهب الشافعي وعند غيره يختلف العدد .
ثالثا - أركان خطبة الجمعة لخطبة :
للجمعة خمس أركان هي :
1- حمد الله تعالى بأي صيغة من صيغ الحمد مع الشهادتين
2- الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بأي صيغة من صيغ الصلاة
3- الوصية بالتقوى بأي صيغة كانت وهذه الأركان الثلاثة واجبة في الخطبتين
4- قراءة آية مفهومة في إحدى الخطبتين وفي الأولى أولى
5- الدعاء للمؤمنين والمؤمنات في الخطبة الثانية
رابعا -سنن خطبة الجمعة ، ولخطبة الجمعة سنن نذكر أبرزها :
1- أن تكون بلغة مفهومة واضحة
2- كونها على منبر أو موضع عال لأن الرسول صلى الله عليه وسلم اتخذ منبراً
3- أن يسلم الخطيب على المسلمين إذا دخل المسجد وعندما يصعد المنبر ويلتفت إلى المصلين بوجهه
4- أن يستقبل الخطيب الناس بوجهه وأن يضع يمناه على حرف المنبر
5- ترتيب أركان الخطبة
6- ويسن تقصير الخطبة تقصيراً معتدلاً حتى لا يملها الناس لقول جابر بن سمرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يطيل الموعظة يوم الجمعة إنما هي كلمات يسيرات وكون الثانية أقصر من الأولى وروى مسلم عن عمار مرفوعاً إن طول صلاة الرجل وقصر خطبته مئنة فقهه فأطيلوا الصلاة وأقصروا الخطبة والمئنة: العلامة والمظنة
7- أن يخاطب الناس على قدر عقولهم فلا يحدثهم بما لا يفهمون
خامسا - آداب خطبة الجمعة : ، ولخطبة الجمعة آداب منها :
1- يستحب للخطيب أن ينظف جسمه وثيابه ويلبس البياض ويتطيب لقوله صلى الله عليه وسلم : أحسن ما زرتم الله عز وجل به في قبوركم ومساجدكم البياض رواه ابن ماجه
2- يندب للخطيب أن يتأخر إلى وقت الخطبة
3- ألا يقعد إلا بعد أن يصلي تحية المسجد
كيفية خطبة الجمعة: يبدأ خطيب الجمعة خطبته بالحمد لله ولها صيغ عديدة منها(إن الحمد لله نحمده ونستعين به ونستهديه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له) ، ثم يتبعها بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم مسبقة بالشهادتين (وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله اللهم صلّ على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين بإحسان إلى يوم الدين) ، ثم يوصي المصلين بتقوى الله سبحانه ويكون ذلك إما بقراءة آية فيها وصية بالتقوى نحو قوله تعالى( يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً) النساء أو ( يا أيها الذين أمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون)آل عمران أو ( يا أيها الذين أمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً) الأحزاب وإما بكلام غير القرآن الكريم نحو قوله (أوصيكم ونفسي المخطئة بتقوى الله وأحثكم على طاعته) ثم يشرع الخطيب في الدخول بالموضوع الذي يريد أن يتحدث به في خطبته وحبذا أن يبدأ دخوله في موضوعه بقراءة الآية أو الآيات التي تدور في فلكها ثم يدخل في تفاصيل الموضوع مراعياً تناسق هيكله وتتابع مراحله بصورة مضبوطة وشكل متوازن فيبدأ بالمقدمة التي يستهل بها الدخول في موضوعه ثم يتناول موضوع خطبته مقسماً إياه إلى فقرات مرتبة ترتيباً مناسباً ثم ينهي خطبته الأولى بخاتمة يختم بها موضوعه وبهذا يكون قد حقق بناء موضوع خطبته بكامل مراحله . وقبل أن يجلس بين الخطبتين يأمر الناس بالاستغفار ولذلك صيغ منها( أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين فيا فوز المستغفرين استغفروا الله ).ثم يجلس بين الخطبتين جلسة قصيرة بمقدار ما يقرأ سورة الإخلاص ثم يقوم إلى الخطبة الثانية ويبدؤها بالحمد لله كما بدأ الخطبة الأولى ثم الشهادتين ثم الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم الوصية بالتقوى كما هو الشأن في الخطبة الأولى وبعضهم يميز بين الخطبة الأولى والخطبة الثانية بصيغة الحمد والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم والأمر بالتقوى مثال ذلك أن يقول في بدأ الخطبة الثانية: (الحمد لله حمداً كثيراً كما أمر أشكره تعالى وهو الذي وعد المزيد لمن شكر عباد الله اتقوا الله فيما أمر وانتهوا عما نهى عنه وزجر وأخرجوا حب الدنيا من قلوبكم فإنه إذا استولى أسر وحافظوا على الطاعات وحضور الجماعات واعلموا أن الله أمركم بأمر عظيم بدأ به بنفسه وثنى بملائكته قدسه فقال تعالى ولم يزل قائلاً حكيماً تشريفاً لقدر نبيه صلى الله عليه وسلم وتعظيماً وإرشاداً لنا وتعليماً ( إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً) اللهم صلّ على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين) ولا يشترط على الخطيب أن يلتزم في خطبته مثل هذه الصيغة بل له أن يأتي بأية صيغة شاء على أن تتوفر فيها الأركان الثلاثة ثم للخطيب بعد ذلك أن يتم ما تبقى من موضوعه في الخطبة الثانية إذا لم يكن قد أتمه في الخطبة الأولى . أو يذكر الناس ويعظهم بما يؤكد مضمون موضوع خطبته الأولى بحيث يكون ملخصاً بليغاً له في أذهانهم بعد أدائهم الجمعة وذهابهم إلى مقاصدهم ولقد استحسن أهل العلم أن يقرأ الخطيب قبل نزوله من فوق المنبر قوله تعالى ( إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون)
سادسا - هدي الرسول صلى الله عليه وسلم في خطب الجمعة:
جاء في زاد المعاد الجزء الأول : ( كان إذا خطب احمرت عيناه وعلا صوته واشتد غضبه حتى كأنه منذر جيش يقول صبحكم ومساكم ويقول بعثت أنا والساعة كهاتين ويقرن بين أصبعيه السبابة والوسطى ويقول أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة ثم يقول أنا أولى بكل مؤمن من نفسه من ترك مالاً فلأهله ومن ترك دَيناً أو ضياعاً فإلي وعلي رواه مسلم في لفظ كانت خطبة النبي صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة يحمد الله ويثني عليه بما هو أهله ثم يقول: ( من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وخير الحديث كتاب الله ) وفي لفظ للنسائي(وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار وكان يقول في خطبته بعد التحميد والثناء والتشهد أما بعد وكان يقصر الخطبة ويطيل الصلاة ويكثر الذكر ويقصد الكلمات الجوامع وكان يقول( إن طول صلاة الرجل وقصر خطبته مئنة من فقهه) وكان يعلم أصحابه في خطبته قواعد الإسلام وشرائعه ويأمرهم وينهاهم في خطبته إذا عرض له أمر أو نهي كما أمر الداخل وهو يخطب أن يصلي ركعتين ونهى المتخطي رقاب الناس عن ذلك وأمره بالجلوس وكان يقطع خطبته للحاجة تعرض أو السؤال لأحدٍ من أصحابه فيجيبه ثم يعود إلى خطبته فيتمها وكان ربما نزل عن المنبر للحاجة ثم يعود فيتمها كما نزل لأحد الحسن والحسين فأخذهما ثم رقى المنبر فأتم خطبته وكان يدعو الرجل في خطبته تعال اجلس يا فلان صل يا فلان وكان يأمرهم بمقتضى الحال في خطبته فإذا رأى منهم ذا فاقة وحاجة أمرهم بالصدقة وحضهم عليها وكان يشير بإصبعه السبابة في خطبته عند ذكر الله تعالى ودعائه وكان يستسقي بهم إذا قحط المطر في خطبته وكان يمهل يوم الجمعة حتى يجتمع الناس فإذا اجتمعوا خرج إليهم وحده من غير رجل يصيح بين يديه فإذا دخل المسجد سلم عليهم فإذا صعد المنبر استقبل الناس بوجهه وسلم عليهم ولم يدع مستقبل القبلة ثم يجلس ويأخذ بلال في الأذان فإذا فرغ منه قام النبي صلى الله عليه وسلم فخطب من غير فصل بين الأذان والخطبة لا بإيراد خبر ولا غيره ولم يكن يأخذ بيده سيفاً ولا غيره وإنما كان يعتمد على قوس وعصا قبل أن يتخذ المنبر وكان في الحرب يعتمد على قوس وفي الجمعة يعتمد على عصا ولم يحفظ عنه أنه اعتمد على سيف وكان منبره ثلاث درجات وكان قبل اتخاذه يخطب إلى جذع يستند إليه فلما تحول إلى منبر حن الجذع حنيناً سمعه أهل المسجد فنزل إليه صلى الله عليه وسلم وضمه قال أنس: حن لما فقد ما كان يسمع من الوحي وفقده التصاق النبي صلى الله عليه وسلم ولا يوضع المنبر وسط المسجد وإنما وضع في جانبه الغربي قريباً من الحائط وكان بينه وبين الحائط قدر ممر الشاة وكان إذا جلس عليه النبي صلى الله عليه وسلم في غير الجمعة أو خطب قائماً في الجمعة استدار أصحابه إليه بوجوههم وكان وجهه قبلهم في وقت الخطبة وكان يقوم فيخطب ثم يجلس جلسة خفيفة ثم يقوم فيخطب الثانية فإذا فرغ منها أخذ بلال في الإقامة وكان يأمر الناس بالدنو منه ويأمرهم بالإنصات ويخبرهم أن الرجل إذا قال لصاحبه أنصت فقد لغا ويقول من لغا لا جمعة له وكان يقول( من تكلم والإمام يخطب فهو كمثل الحمار يحمل أسفاراً والذي يقول له أنصت ليست له جمعة) رواه الإمام أحمد رحمه الله وقال أبي بن كعب : قرأ رسول الله يوم الجمعة- تبارك- وهو قائم فذكرنا بأيام الله وأبو الدرداء أو أبو ذر يغمزني فقال: متى أنزلت هذه السورة فإني لم أسمعها إلى الآن فأشار إليه أن اسكت فلما انصرفوا قال سألتك متى أنزلت هذه السورة فلم تخبرني فقال إنه ليس لك من صلاتك اليوم إلا ما لغوت فذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر له ذلك وأخبره بالذي قال له –أبي- فقال رسول الله صدق- أبي- ذكره ابن ماجه وسعيد ابن منصور وأصله في مسند الإمام أحمد وقال صلى الله عليه وسلم:( يحضر الجمعة ثلاثة نفر رجل حضرها يلغو وهو حظه منها ورجل حضرها بدعاء فهو رجل دعا الله عز وجل إن شاء الله أعطاه وإن شاء منعه ورجل حضرها بإنصات وسكوت ولم يتخط رقة مسلم ولم يؤذ أحداً فهي كفارة له إلى يوم الجمعة التي تليها وزيادة ثلاثة أيام وذلك أن الله عز وجل يقول( من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها) الأنعام – ذكره أحمد وأبو داود وكان إذا فرغ بلال من الأذان أخذ النبي صلى الله عليه وسلم في الخطبة ولم يقم أحد يركع ركعتين البتة ولم يكن الأذان إلا واحداً .
- القيام والجلوس في الخطبة: جاء في فتح الباري بشرح صحيح البخاري: باب الخطبة قائماً: حدثنا عبد الله بن عمر القواريري قال حدثنا خالد ابن الحارث قال حدثنا عبيد الله بن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال:( كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب قائماً ثم يجلس ثم يقوم كما تفعلون الآن قال ابن المنذر: الذي عليه جل أهل العلم من العلماء الأمصار ذلك ونقل غيره عن أبي حنيفة أن القيام في الخطبة سنة وليس بواجب وعن مالك رواية أنه واجب فإن تركه أساء وصحت خطبته وعند الباقين أن القيام في الخطبة يشترط للقادر كالصلاة .
سابعا - هيئات الخطبتين وآدابها:
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: ( كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة قائماً ثم يجلس كما تفعلون اليوم) رواه الجماعة وعن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال (كان النبي يخطب قائماً ثم يجلس ثم يقوم فيخطب قائماً فمن قال إنه يخطب جالساً فقد كذب فقد والله صليت معه أكثر من ألفي صلاة) رواه أحمد ومسلم وأبو داود ، وعن عمار بن ياسر رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:( إن طول صلاة الرجل وقصر خطبته مئنة من فقهه فأطيلوا الصلاة و أقصروا الخطبة) رواه أحمد ومسلم [ المئنة: العلامة والمظنة ] ، وعن عبد الله بن أوفى رضي الله عنه قال: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يطيل الصلاة ويقصر الخطبة) -رواه النسائي ؛ وعن جابر بن سمرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم ( أنه كان لا يطيل الموعظة يوم الجمعة إنما هي كلمات يسيرات) -رواه أبو داود ؛ وعنه رضي الله عنه قال:( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب احمرت عيناه وعلا صوته واشتد غضبه حتى كأنه منذر جيش يقول:( صبحكم ومساكم) رواه مسلم وابن ماجه ؛ وعن سهل بن سعد رضي الله عنه قال( ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شاهراً يديه قط يدعو على منبره ولا غيره ما كان يدعو إلا أن يضع يده حذو منكبه ويشير بأصبعه إشارة) رواه أحمد وأبو داود وقال فيه (لكن رأيته يقول هكذا وأشار بالسبابة وعقد الوسطى بالإبهام) .
ثامنا - الأذان حين جلوس الخطيب على المنبر:
جاء في الجزء الرابع من تفسير ابن كثير: (إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة) المراد بهذا النداء هو النداء الثاني الذي كان يفعل بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج فجلس على المنبر فإنه كان حينئذ يؤذن بين يديه فهذا هو المراد فأما النداء الأول الذي زاده أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه فإنما كان هذا لكثرة الناس كما رواه البخاري رحمه الله حيث قال: حدثنا آدم هو ابن أبي إياس حدثنا ابن أبي ذئب عن الزهري عن السائب بن يزيد قال: كان النداء يوم الجمعة أوله إذا جلس الإمام على المنبر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر فلما كان عثمان بعد زمن وكثر الناس زاد النداء الثاني على الزوراء يعني يؤذن به على الدار التي تسمى بالزوراء وكانت أرفع دار بالمدينة بقرب المسجد وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا أبو نعيم حدثنا إبراهيم حدثنا محمد بن راشد المكحول عن مكحول ( النداء كان في يوم الجمعة من مؤذن واحد حين يخرج الإمام ثم تقام الصلاة وذلك النداء الذي يحرم عنده الشراء والبيع إذا نودي به فأمر عثمان رضي الله عنه أن ينادي قبل خروج الإمام حتى يجتمع الناس)
تاسعا - ذكر الخطبتين قبل الصلاة:
جاء في صحيح مسلم بشرح النووي الجزء السادس تحت عنوان ذكر الخطبتين قبل الصلاة والجلسة بينهما: حدثنا عبيد الله بن عمر القواريري وأبو كامل الحجري جميعاً عن خالد قال أبو كامل حدثنا الحارث حدثنا عبد الله بن نافع عن ابن عمر قال:( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة قائماً ثم يجلس ثم يقوم قال كما تفعلون اليوم) وحدثنا يحيى بن يحيى وحسن بن الربيع وأبو بكر بن أبي شيبة قال يحيى: أخبرنا وقال الآخران: حدثنا أبو الأحوص عن سماك عن جابر بن سمرة قال( كانت للنبي صلى الله عليه وسلم خطبتان يجلس بينهما يقرأ القرآن ويذكر الناس) وحدثنا يحيى بن يحيى أخبرنا أبو خيثمة عن سماك قال: أنبأني جابر بن سمرة ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخطب قائماً ثم يجلس ثم يقوم فيخطب قائماً فمن نبأك أنه كان يخطب جالساً فقد كذب فقد والله صليت معه أكثر من ألفي صلاة)
عاشرا ـ صلاة ركعتين خفيفتين والإمام بخطب:
من السنة إذا دخل رجل المسجد والإمام يخطب الناس يوم الجمعة أن يصلي ركعتين قبل أن يجلس فقد جاء في فتح الباري بشرح صحيح البخاري الجزء الثالث حدثنا أبو النعمان قال: حدثنا حماد بن زيد عن عمرو بن دينار عن جابر بن عبد الله قال:( جاء رجل والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب الناس يوم الجمعة فقال (أصليت يا فلان) قال: لا, قال: قم فاركع وجاء في رواية مسلم أن الرجل هو سليك الغطفاني فقد جاء يوم الجمعة ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم على المنبر فقعد سليك قبل أن يصلي فقال له: (أصليت ركعتين) فقال لا فقال قم فاركعهما وبه يقول الشافعي وأحمد وإسحاق . وقال بعضهم إذا دخل والإمام يخطب فإنه يجلس ولا يصلي وهو قول سفيان وأهل الكوفة كما جاء في سنن الترمذي ودليلهم الحديث الصحيح( إذا قلت لصاحبك أنصت يوم الجمعة والإمام يخطب فقد لغوت) ، وقالوا: إذا كان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهو الواجب ممنوعاً ساعة خطبة الإمام وبه تلغى الجمعة فلأن تكون النافلة ممنوعة بالأولى وقالوا أيضاً إن المأمور بالركعتين في أثناء الصلاة فقير يحتاج إلى صدقة فأمره النبي بالقيام والصلاة ليروه فيصدقوا عليه روى الترمذي وقال حديث حسن صحيح والنسائي واللفظ له عن أبي سعيد الخدري قال: جاء رجل يوم الجمعة والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب بهيئة بذة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أصليت؟ قال لا قال صل ركعتين وحث الناس على الصدقة فألقوه ثياباً فأعطاه منها ثوبين ... الحديث وأنت أيها المسلم بأيهما عملت فقد هديت إن شاء الله تعالى .
حادي عشر - سنن الخطبة:
1- يسن للخطيب أن يلقي السلام على من بجوار المنبر قبل أن يصعد عليه إذا كان قد خرج عليهم من حجرته أو كان قادماً من خارج المسجد أما إذا كان جالساً بينهم فلا يسن له إلقاء السلام عليهم
2- ويسن للخطيب أن يسلم على الناس بعد صعود المنبر ويلتفت إليهم بوجهه فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعله فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال:( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دنا من منبره يوم الجمعة سلم على من عنده من الجلوس فإذا صعد المنبر استقبل الناس بوجهه ثم سلم قبل أن يجلس .
3- ويسن أن تكون الخطبة على مكان مرتفع حتى يراه الناس وقد كان للنبي صلى الله عليه وسلم منبر ثلاث درجات كما هو معلوم.
4- ويسن للخطيب أن يرفع صوته لإسماع الحاضرين وإظهار الشهامة وتفخيم أمر الخطبة والإتيان فيها بجزيل الكلام مع مراعاة مقتضى حال الحاضرين وما يحتاجون إليه من المواعظ والإرشادات روى مسلم عن جابر بن عبد الله (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خطب احمرت عيناه وعلا صوته واشتد غضبه كأنه منذر جيش يقول صبحكم ومساكم أي كأنه ينذر الناس باقتراب العدو منهم فهو قد يصل إليهم في الصباح أو في المساء وهذا إذا اقتضى الأمر ذلك وكان المقام مقام تخويف وإنذار وتذكير بأحوال الموت وأمور الآخرة وليس في جميع الأحوال إذ لكل حال مقال .
5- ويسن تقصير الخطبة تقصيراً معتدلاً حتى لا يملها الناس لقول جابر بن سمرة رضي الله عنه ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يطيل الموعظة يوم الجمعة إنما هي كلمات يسيرات .
ثاني عشر- ومما يتبع سنن الخطبة:
1-الطهارة وستر العورة سنة عند الجمهور وهي شرط عند الشافعية .
2- استقبال القوم بوجهه دون التفات يميناً أو شمالاً سنة بالاتفاق كما روى ابن ماجه عن عدي بن ثابت عن أبيه عن جده قال كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام على المنبر استقبله الناس بوجوههم .
3- الجلوس على المنبر قبل الشروع في الخطبة عملاً بالسنة لحديث ابن عمر السابق عند أبي داود وهو متفق عليه.
4- أن يؤذن مؤذن واحد لا جماعة بين يدي الخطيب إذا جلس على المنبر وهذا متفق عليه روى البخاري عن السائب بن يزيد أنه قال النداء يوم الجمعة أوله إذا جلس الإمام على المنبر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر فلما كان عثمان وكثر الناس زاد النداء الثالث على الزوراء ولم يكن للنبي مؤذن غير واحد .
ثالث عشر ـ- مكروهات الخطبة:
مكروهات الخطبة عند الحنفية والمالكية:
1- هي ترك سنة من السنن المتقدمة ومن أهمها: تطويل الخطبة وترك الطهارة فكلاهما مكروه .وليس ترك السنن المتقدمة عند الشافعية والحنابلة مكروهاً على إطلاقه بل منه ما هو مكروه ومنه ما هو خلاف الأولى .
2- من المكروه في الخطبة عند الشافعية أن يؤذن جماعة بين يدي الخطيب وهو مكروه عند الحنابلة ويكره دق درج المنبر ويكره الاحتباء للحاضرين في الخطبة لما صح من النهي عنه في حديث رواه أبو داود والترمذي وحسنه عن سهل بن معاذ:( أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الحبوة يوم الجمعة والإمام يخطب ولأنه يجلب النوم ومخل بآداب الجلوس في المجالس فما بالك بمجلس يوم الجمعة ومن خلاف الأولى عند الشافعية أن يغمض السامع والإمام عينيه لغير حاجة حال الخطبة ومن نعس انتقل من مكانه إن لم يتخط أحداً في انتقاله لحديث الترمذي وصححه وأبي داود ( إذا نعس أحدكم في مجلسه فليتحول إلى غيره) .
3- ومن المكروه عند الحنابلة استدبار الخطيب القوم حال الخطبة وأجاز الحنابلة الاحتباء مع ستر العورة لأنه فعله جماعة من الصحابة وضعفوا حديث النهي عنه كما أجازوا القرفصاء ويكره عند الحنابلة والشافعية التشبيك في المساجد ومن حين يخرج المصلي من بيته قاصداً المسجد لخبر أبي سعيد أنه صلى الله عليه وسلم قال:( إذا كان أحدكم في المسجد فلا يشبكن فإن التشبيك من الشيطان وإن أحدكم لا يزال في صلاة ما كان في المسجد حتى يخرج منه) رواه مسلم عن أبي هريرة قال بعض العلماء: إذا كان ينتظر الصلاة جمعاً بين الأخبار فإنه ورد أنه ( لما انفتل صلى الله عليه وسلم من الصلاة التي سلم قبل إتمامها شبك بين أصابعه)
وأما كراهة التشبيك أثناء الذهاب للمسجد فلحديث كعب بن عجرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:( إذا توضأ أحدكم فأحسن وضوءه ثم خرج عامداً إلى المسجد فلا يشبك بين أصابعه فإنه في صلاة) - ويكره العبث حال الخطبة لقول النبي صلى الله عليه وسلم ( من مس الحصا فقد لغا) رواه ابن ماجه عن أبي هريرة وهو حسن وصححه الترمذي . - ويكره الشرب ما لم يشتد عطشه ويكره التخطي للسؤال.
رابع عشر-أهمية خطبة الجمعة ومكانتها:
قال أحد المفكرين الإسلاميين إن صلاة الجمعة والحج دعامتان قويتان من دعامات الإسلام إذا زالتا أنذر بالخطر إن هذه الكلمة لا تتعارض مع قوله تعالى:( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) [الحجر] فنحن نؤمن إيماناً كبيراً بأن الله سبحانه تكفل بحفظ هذا الدين الحنيف ولكنه أناط هذا الحفظ بأسباب وعوامل منها: استقرار صلاة الجمعة وفريضة الحج وبقاؤهما حتى ترفع الكعبة فخطبة الجمعة ذات أهمية كبيرة وأثر بالغ في نشر الإسلام وترسيخ مبادئه السمحة في نفوس المسلمين الذين يجتمعون إليها في كل أسبوع فتكون بهم مظهراً رائعاً من مظاهر قوة الإسلام ورسوخ كلمته في الحياة كما هو الأمر في فريضة الحج ففريضة الجمعة تحشد المسلمين في بيوت الله على صعيد المصر أو القرية أو الحي وفريضة الحج تحشد المسلمين على صعيد العالم الإسلامي حيث يأتون من شتى بقاع الأرض فيجتمعون في وقت واحد بمكان واحد على عبادة يؤدونها على نسق واحد فتتجلى بذلك ضخامة الإسلام بأمته وقوته في أتباعه ويمكننا إدراك أهمية فريضة الجمعة وأثرها البالغ في حياة المسلمين من خلال ظاهرة تعبر عن واقعهم في هذا العصر وهي أننا نجد عدداً كبيراً من المسلمين كباراً وصغاراً قد يتهاونون الصلوات الخمس اليومية ويقصرون في أدائها ولكنهم إذا جاء يوم الجمعة تركوا أعمالهم ومشاغل دنياهم وانطلقوا مغتسلين متطيبين متزينين إلى المساجد التي تمتلئ بهم حيث يجلسون في رحابها يستمعون إلى خطبة الجمعة ثم يؤدون صلاتها ليرجعوا بعد ذلك إلى بيوتهم منشرحي الصدور وقد اغتبطوا بأنوار ما استمعوا إليه من الذكر والمواعظ النافعة وفي ذلك دليل واضح على القوة العجيبة التي أودعها الله في فريضة الجمعة وعلى التأثير البليغ في خطبتها


المستشار الأدبي
حسين علي الهنداوي
شاعر وناقد
مدرس في جامعة دمشق
دراسات جامعية-في الأدب العربي
صاحب الموسوعة الأدبية (المرصد الأدبي )
حجم الموسوعة( خمس عشرة ألف صفحة )
سوريا -درعا- hoshn55@gmail.com
السيرة الذاتية للمستشار الأدبي(حسين علي الهنداوي)
أ- أديب و شاعر وقاص ومسرحي و ناقد و صحفي
ب- له العديد من الدراسات الأدبية و الفكرية
ج-نشر في العديد من الصحف العربية
د- مدرس في جامعة دمشق - كلية التربية - فرع درعا
ه- ولد الأديب في سوريا – درعا عام 1955 م
و- تلقى تعليمه الابتدائي و الإعدادي و الثانوي في مدينة درعا
ح- انتقل إلى جامعة دمشق كلية الآداب – قسم اللغة العربية و تخرج فيها عام 1983
ك- حائز على إجازة في اللغة العربية
ص-حائز على دبلوم تأهيل تربوي جامعة دمشق
ع- عمل محاضراً لمادة اللغة العربية في معهد إعداد المدرسين - قسم اللغة العربية في مدينة درعا
ف- انتقل إلى التدريس في المملكة العربية الســـعودية عام (1994 /2000 ) في مدينتـــي عنيزة و تبوك 0
1- عضو اتحاد الصحفيين العرب
2- عضو اتحاد كتاب الانترنت العرب
3- عضو تجمع القصة السورية
4- عضو النادي الأدبي بتبوك
مؤلفاته :
أ*- الشعر :
1- هنا كان صوتي و عيناك يلتقيان/1990
2- هل كان علينا أن تشرق شمس ثبير/1994
3- أغنيات على أطلال الزمن المقهور /1994
4- سأغسل روحي بنفط الخليج /1996
5- المنشّى يسلم مفاتيح إيلياء/1996
6- هذه الشام لا تقولي كفانا / مخطوط
ب*- القصة القصيرة :
شجرة التوت /1995
ج – المسرح :
1- محاكمة طيار /1996
2- درس في اللغة العربية /1997
3- عودة المتنبي / مخطوط
4- أمام المؤسسة الاستهلاكية / مخطوط
د – النقد الأدبي :
1- محاور الدراسة الأدبية 1993
2- النقد و الأدب /1994
3- مقدمتان لنظريتي النقد و الشعر / مخطوط
4- أسلمة النقد الأدب
هـ - الدراسات الدينية :
1- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الأول
2- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الثاني
3- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الثالث
4- فتاوى و اجتهادات / جمع و تبويب
5- هل أنجز الله وعده !!!!!!
و- موسوعة (المرصد الأدبي) :
1-تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية ( معاني الأدب وعلاقاته)
2 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية قبل الإسلام (العصر الجاهلي )
3 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر صدر الإسلام )
4 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر الخلفاء الراشدين )
5 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر الخلفاء الأمويين)
6 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء العباسيين )
7 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء الأندلسيين )
8 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الدول المتتابعة )
9- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء العثمانيين )
10- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية في (العصر الحديث)
11- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية في (العهد المعاصر)