أحدث المشاركات
صفحة 1 من 3 123 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 10 من 28

الموضوع: العروض الرقمي

  1. #1
    الصورة الرمزية عبدالستارالنعيمي شاعر
    تاريخ التسجيل : Aug 2015
    الدولة : بلد الرشيد
    المشاركات : 2,833
    المواضيع : 151
    الردود : 2833
    المعدل اليومي : 0.89

    افتراضي العروض الرقمي

    العروض الرقمي

    لم يكتف خصمنا بتجنيد الشعراء والأدباء لتغيير وطمس التراث العربي عبر تخليق الشعر (الحر)أو التفعيلة؛بل سعى لقلع وتخريب أساس هذا التراث من الجذور؛فهيّأ عملاءه ودربّهم على المكر والخديعة والخذلان ؛ثم رفعهم كما فعل بشعراء التفعيلة-بواسطة أبواق الإعلام الصارخة في آذان السذّج من الشباب ؛رفعهم إلى واجهات العروض العربي البارزة ليطمسوا العروض الأصيل وليأتوا بكل مستحدث هزيل البنية متزحزح المقام
    اقترح جلال الحنفي (في القرن العشرين) عروضا رقمية تعد أول خروج عن نظام الخليل وقد رمز للمقطع القصير فيها بالرمز 1 وللمقطع الطويل بالرمز 2 والمقطع المديد بالرمز 3

    ولقد كتب وعوض التفاعيل بالأرقام محمد طارق عام 1971م
    ثم أحمد مستجير وضع كتاب(في بحور الشعر: الأدلة الرقمية لبحور الشعر العربي، عام 1980)
    ثم عبدالعزيز غانم ألف كتابه العروض الرقمي
    ومثله خشان محمد خشان

    لفد اتخذ الإنكليزي في الأعاريض الغربية الكمي منها والنبري الرقم 1 والرقم 2 لوزنها ؛وهذا ما اقتبسه منحرفو العروض الرقمي وطبقوه على الشعر في العروض العربي ليطمسوا تفاعيل الخليل في محيط الماضي ويبرزوا العروض الرقمي الذي لا يمت إلى الحس والحياة اللتان تتدفقان في الشعر العربي
    إن الشعر شعور وجداني يفيض به نبض الإنسانية فينطلق من بين اثنين وثلاثين سنّا ولسان وشفتين بعدما مخاض غير قصير عبر القلب والحلقوم؛فإذا أردنا ترجمته على الورق لا ينبغي لذاك النبض أن يوأد أويخنق بمنديل الرموز الرقمية تلك التي لا حياة فيها ولا فائدة إلا إذا زوجّتْ بأجساد دون أرواح؛فالأرقام ابتكرها الإنسان للتعبير الجامد في الموضوعات العلمية البحتة وهي دلالات نسبية غير ثابتة على شيء معيّن؛بل إنها مشتركة للتعبير بها عن أكثر من مليون شيء في آن واحد؛مثلا الرقم 2 نرمز به لكتابين-قلمين-غرفتين---وهكذا نجد الأرقام لم تكن لغة للأرواح إنما هي لغة الأجساد المادية يحاكى بها الجوامد وليس روح الشعر الرهيفة؛ هي وسيلة للتعبير عن عدد الشيء وليست علما قائما بحد ذاته؛وحتى لو كانت علما فهو علم جامد لا تستمرئه الروح عند خلجاتها وشجونها للتعبير بها إذ لم نسمع أو نقرأ عن إنسان تعرض لنكبة فقال وا اثنيناه وا اثنيناه---
    إن الشاعر الأوليّ حتما كان لديه الأداة التي يزن بها شعره وينقيه من الشوائب والكسور ؛ولكن نستبعد أنه كان يستخدم الأرقام لذلك؛ حتى جاء الخليل في عام 100هـ فوضع موازين البحور العربية للشعر بعقلية فذّة وبرؤيا شاملة فنراه أيضا لم يستخدم لغة الأرقام الجامدة—لماذا؟
    لأنه يتعامل مع كلمات رقيقة جذابة مليئة بشهد اللسان وعطور الروح النقية والبيان لا مع الطابوق والإسمنت والمداخن الصناعية التي تفوح منها روائح الموت القذرة والدخان
    صحيح نحن في عصر ورقي وأكتب شعري منتظما على الورق لكن الشعر ليس نثرا كي أجلس أمام الطاولة وأكتبه؛بل الشعر أكبر مما نتخيله إنه هبّات خيال ناعم لا ندري متى يدركنا ومتى يغيب؛ولو كنت في عمل يومي بعيدا عن الطاولة والورق وجاء الإيحاء الشعري يطاردني فبماذا أقيس كلماتي لتكون موزونة؟هل أقول؛223 بلا إيقاع روحي وتناغم خيالي ليستقيم الوزن؛أم أردد ؛مستفعلن مستفعلن مستفعلن لتبدأ الكلمات والأشياء من حولي بالتراقص الإيقاعي والاهتزاز المنتظم
    الفرق بين الكلمة الخارجة من الشفاه وبين التي تكتب على الورق هو كالزهرة الريانه تهتز من نسيم عليل والزهرة الذابلة على رصيف الحديقة تسحق بالأحذية دون أن تشعر؛
    فما الذي نجنيه من الزهور بعد موتها؟وهل الشعر إلا أداة تستنطق الموتى!
    هذه هي الفروق بين العروض الخليلي والرقمي من الناحية المعنوية؛أما من الناحية التطبيقية فلا يزال تدريس وتعليم العروض الخليلي قائما في المدارس الإعدادية والعالية على قدم وساق وهم يرددون التفاعيل الخليلية ثم أبيات الشعر وبشكل جماعي وطبيعي وهل يعقل ترديد الأرقام محلها!
    لقد جوبه العروض الرقمي شأنه شأن الشعر الحر بالرفض والاستياء من أصحاب الأقلام الأصيلة المنصفة وهم يعلنون رفضه لما فيه من أخطاء وشذوذ عن منهجنا العربي غير آبهين لنفخ النافخين في أبواق الدعاية والإعلان عبر الوسائل الأجنبية المشبوهة والعميلة المنبوذة

    --يتبع

  2. #2
    الصورة الرمزية عبدالستارالنعيمي شاعر
    تاريخ التسجيل : Aug 2015
    الدولة : بلد الرشيد
    المشاركات : 2,833
    المواضيع : 151
    الردود : 2833
    المعدل اليومي : 0.89

    افتراضي

    لقد حاول خصوم العروبة والإسلام أن يطمسوا كنوز لغتنا الثرية عبر كتابات المستشرقين وتجنيد بعض من رواد الأدب والشعر وعروضه لولا أن تصدّتْ لهم أصحاب الأيادي الوضيئة الحريصون على الاحتفاظ بلغتهم الجميلة وتراثهم الأصيل ؛فما أخبثهم وما أخبث عميلهم عميد الأدب –كما لقبوه- وهو يكذّب كتاب الله تعالى أصدق كتاب وأتم قول:
    (ليس ما يمنع قريشا من تقبل هذه الإسطورة التي تفيد أن الكعبة من تأسيس إسماعيل وإبراهيم كما قبلت روما قبل ذلك ولأسباب مشابهة أسطورة أخرى صنعها لها اليونان تثبت أن روما متصلة بإيناس بن بريام صاحب طروادة)
    وهذا هو السياب يتجاوز مقامه الدنيء ويكفر بالله خالقه:
    (فنحن جميعا أموات
    أنا ومحمد والله
    وهذا قبرنا أنقاض مئذنة معفرة
    عليها يكتب اسم محمد والله
    على كسرة مبعثرة من الآجر والفخار)

    أليس من واجبنا أن نتصدى لهم ونجردهم على حقيقتهم أمام أنظار شبابنا المؤمن ليكونوا عبرة لمن اعتبر؟
    يقول طه حسين:
    "فأنت ترى أن منهج ديكارت هذا ليس خصبا في العلم والفلسفة والأدب فحسب؛وإنما هوخصب في الأخلاق والحياة الاجتماعية"
    طه حسين من أوائل المتأثرين من العرب بحضارة الغرب؛فسلك سلوك أدبائهم في الشك(أريد أن أصطنع في الأدب هذا المنهج الفلسفي الذي استحدثه ديكارت) في كل ما حوله من أدب قديم متخذا مذهب ديكارت مسندا له وما أن رجع من أوربا حتى ألّف كتاب"الشعر الجاهلي"الذي أنكر فيه الشعر الجاهلي وموروث الأدب العربي غير حافل بسخط الساخط ولا مكترث بازورار المزور كما يقول وهو لا يعلم أن إعجاب الأديب ببحثه وبكتابته وإيمانه بهما إيمانا مطلقا لا يكسبانهما ذرة من الحقيقة .
    أنا أتساءل هنا أليس على الأديب الذي ينكر تأريخ أمته وأدبه أن يتنحى عن الأدب وأن يحذف"عميد الأدب العربي" من قاموسه إذا كان هو القائل(فهم-أي جماعته-ينتهون إلى تغيير التأريخ العربي أو ما اتفق الناس على أنه تأريخ)
    و(هم –أي اتباعه-لا يعرفون أن العرب ينقسمون إلى باقية وبائدة وعاربة ومستعربة ولا أن امرئ القيس وطرفة وابن كلثوم قالوا هذه المطولات)! وأيضا يقول(لا أشك في أن ما من الشعر الجاهلي الصحيح قليل جدا لا يمثل شيئا ولا يدل على شيء ولا ينبغي الاعتماد عليه في استخراج الصورة الأدبية الصحيحة للشعر الجاهلي)؛فأين عميد الأدب من الشعراء المخضرمين الذين اعتنقوا الإسلام مثل حسان بن ثابت وكعب بن زهير وكعب بن مالك والنابغة الجعدي وعبدالله بن رواحة ومتمم بن نويرة ولبيد؛فهل هؤلاء الشعراء نبغوا جميعا عند إسلامهم فقالوا الشعر؛بل أين هلوسة طه حسين من القرآن الكريم حين يصف الشعراء بأنهم في كل واد يهيمون أم يريد طه حسين أن ينكر حتى التأريخ الإسلامي ؟!
    لقد أكسى سربال "مرغليوث"جسد وكبد "عميدنا" طه حسين؛فلنرى من هو مرغليوث؛
    هو دافيد صمويل مرغليوث،(1858م-1940) إنجليزى يهودى، من كبار المستشرقين، متعصب جدا ضد الإسلام، عين أستاذ للعربية في جامعة أكسفورد له كتب عن الإسلام والمسلمين، لم يكن مخلصاً فيها للعلم أبدا ؛مات سنة 1940م من مؤلفاته : "التطورات المبكرة في الإسلام"، و"محمد ومطلع الإسلام"، و"الجامعة الإسلامية" وغير ذلك؛وهو أول من أنكر على العرب أشعارهم في العصر الجاهلي في كتابه(أصول الشعر العربي)فبذلك يكون هذا اليهودي هو العرّاب لدكتورنا عميد الأدب العربي طه حسين الذي قاد حركة التغيير الأدبي في البلاد العربية ؛ولا شك أنه كان للإعلام الغربي والشرقي-المناهض للعرب-دورا بارزا في توصيله للعمادة لما طبلوا وزمروا لكل مستحدث يلغي حضارة وتراث أمتنا المجيدة
    ولأنهم درسوا تأريخنا وعلموا حجم تأثير الشعر الجاهلي على أدب أجيالنا عبر التأريخ؛لذلك بدأت محاولاتهم -منذ القرون الماضية حتى اليوم-لطمس تراث الشعر العربي
    فجنّدوا لعملهم هذا جل من يبرز على الساحة الأدبية فأسندوه ودعموه ماديا واجتماعيا وإعلاميا لكي ينفذ مآربهم على أتم وجه
    وإذا تتبعنا هؤلاء النفر في تأريخهم الأسود نجدهم يلتقون في هذه النقاط:
    آ-من البارزين على الساحة الأدبية
    ب - من أصحاب الشهادات الجامعية أو الفخرية
    من الذين سافروا إلى دول الغرب أو الشرق ؛وهناك احتضنتهم الأحزاب الماسونية أو الشيوعية فأصبحوا عملاء لها
    ج-لا يكون نتاجهم الأدبي إلا حديثا أو خارجا عن المألوف الاجتماعي والديني واللغوي:
    (لأنني أحبّك،يحدث شيء غير عادي
    في تقاليد السماء،يصبح الملائكة أحرارا في ممارسة الحبّ،ويتزوج الله حبيبته)
    هذا من الشعر الوقح الحديث لنزار قباني إن كان يسمى شعرا؛وقوله:

    أريد أن أسأل:
    يا الله..
    هل أنت قد صاهرتهم
    حقاً؟..
    يصبح صهر الله ؟؟
    أريد أن أسأل:
    يا الله..
    هل أنت قد صاهرتهم
    حقاً؟..

    د - يدافعون عن مذهبهم الحداثي بكل قوة وإيمان غير آبهين للغير في مسيرتهم وكأنهم يتباهون بخلفيتهم الأجنبية؛فاقرأ بعض أقاويلهم عن نتاجاتهم(هذا نحو من البحث عن تأريخ الشعر العربي جديد؛لم يألفه الناس عندنا من قبل وأكاد أثق بأن فريقا سيلقونه ساخطين عليه؛وفريقا آخر سيزورّون عنه ازورارا. ولكني على سخط أولئك وازورار هؤلاء أريد أن أذيع هذا البحث)
    فانظر للعبارة الأخيرة المتهكمة وعدم قبوليتها في الأدب إذ لو يعلم الأديب برفض المتلقي لما يكتب فلمن يكتب!

    هـ - من ينتقدهم يكن في مصاف الجهلة حسب نظرتهم ؛ويوجهون أسماعهم نحو من يصفق لهم فقط ذلك ما يعزز لديهم القناعة بأنهم هم المنتصرون دائما ؛فاقرأ ما يكتبه بعضهم على صفحات نقد نتاجاتهم في العروض الرقمي:
    (هناك طائفتان لا ينبغي أن نرد عليهما، ولا ندخل في حوار معهما؛الطائفة الأولى التي تزعم أننا نخرب اللغة وأننا عملاء لأعداء الأمة.والطائفة الثانية التي لا ترى من الرقمي إلا أنه شكل بلا مضمون.)
    و-الدعاية والإعلان الكاذب أبرز نشاطهم؛وهو أسلوب الأحزاب الماسونية والشيوعية العالمية فهذا قول لهم يشهد له التأريخ بالتبجح بالكذب(اكذب ثم اكذب حتى يصدقك الناس)
    وفي فضائيات عصرنا خير دليل؛حيث الإعلانات الكاذبة لتحقيق الباطل مقابل المال الحرام لأصحاب تلك الفضائيات.


    إن الشعر أوالأدب العربي لسان أمتنا فلا نسمح بقطعه ونظل ننافح عنه وننافح أعدائه كي لا تولد أجيالنا خرسانا لا من طرش؛بل من فقدان ألسنتهم

    يتبع--

  3. #3
    الصورة الرمزية عادل العاني مشرف عام
    شاعر

    تاريخ التسجيل : Jun 2005
    المشاركات : 7,783
    المواضيع : 246
    الردود : 7783
    المعدل اليومي : 1.13

    افتراضي

    الأخ الدكتور عبدالستار

    أحييك على هذه الصراحة وأقدر عاليا فيك حرصك على تراثنا ولغتنا وشعرنا العربي ..

    ونتابع معك خطوة خطوة ... وسننتظر حتى تنتهي حتى نبدي أي ملاحظة أو رأي.

    أردت فقط أن أذكر أن بدر السياب وهو من رواد الشعر الحر , وما تفضلت بذكره عنه هو ناجم عما كان يؤمن به حينها وهو كان من متبني الفكر الشيوعي الذي لا يؤمن بالدين ولا الله.

    بل اعتناق الماركسية والإيمان بالماديات.

    تحياتي وتقديري
    التعديل الأخير تم بواسطة عادل العاني ; 31-05-2016 الساعة 12:06 PM

  4. #4
  5. #5
    الصورة الرمزية عبدالستارالنعيمي شاعر
    تاريخ التسجيل : Aug 2015
    الدولة : بلد الرشيد
    المشاركات : 2,833
    المواضيع : 151
    الردود : 2833
    المعدل اليومي : 0.89

    افتراضي

    ولقد حاول البعض الانخراط في سلك الحداثة ليُلبس الشعر والأدب العربي ثياب الأدب الغربي متسابقا مع الزمن الحديث؛ فحداثة القصيدة أو القطعة النثرية ليست مماشاة لتقليعة، أخاذة، شائعة؛ هذه المماشاة قد يكون لها سحرها المؤقت، لكنها بضاعة مستوردة سريعة الافتضاح لا تمت إلى تراث أمتنا بصلة.
    والخروج على نظام البيت الواحد في الشعر في حدّ ذاته، لا يضمن للقصيدة جدّتها؛ بل إحساس الشاعر، أو إدراكه للحياة ، ووعيه للعالم من حوله وعياً جماليّاً مغايراً وجِدّة القصيدة ليست في الجلد الذي ترتديه،بل في روحها الجديدة ، وفي توترها الجماليّ، وفرديتها الفريدة التي تحصنها ضد التماثل
    ومن هنا ليس من المتاح لكلّ شاعر أن يكون جديداً حقّاً، حتى لو كانت قصيدته قد امتثلت لكل متطلبات الحداثة المتداولة، أو الشائعة؛ لأنّ حداثةً كهذه لا تعدو كونها حداثةً جاهزة تقع خارج عذابات الروح، ولا تمس من الحداثة إلاّ ضواحيها البعيدة أو قشرتها الخارجية. وهكذا فإن الشعر، في كثير من الحالات، ليس صفة للنص. إنّه جمال آسر لسحر لا يستيقظ إلاّ على يَدَيْ شاعر مقتدر. والقصيدة المتحققة هي ما تتلقاه اللغة من فيض الروح، واندفاعات الخيال الخصبة المحيرة لا من السير وراء قطار الحداثة المزركشة إذ ربما يهوي هذا القطار سريعا في أعماق المتاهة والنسيان
    والأدب هو الصورة المقابلة للتراث الثقافي في كل مجتمع أو أمة؛لذلك يسعى المحتلّ لبلد ما أن يطمس أدبه بكافة وسائله الشائنة من إحراق وإغراق الكتب وغيرها من الوسائل الإعلامية وتجنيد العملاء لماذا؟ لأنه (الاستعمار) يعلم أن مقاتلته تكون بخناجر الشعراء والأدباء عاجلا أم آجلا.
    الانحراف عن الأصل
    لقد تجلّت أولى المحاولات الشعرية إلى التجديد في الشعر الأندلسي؛فتوجّت محاولاتهم تلك بابتكار نمط جديد لم يألفه الشاعر ما قبل الإسلام ذلك هو الموشح الذي يمتاز بجمالية الحرف والقالب العربي يقول ابن خلدون:
    "وأما أهل الأندلس فلّما كثر الشعر في قطرهم وتهذَّبت مناحيه وفنونه، وبلغ التنميق في الغاية،استحدث المتأخرون منهم فنَّاً سموه بالموشح ينظمونه أسماطاً أسماطاً وأغصاناً أغصاناً،واستظرفه الناس جملةً، الخاصة والكافَّة، لسهولة تناوله وقرب طريقه...
    وكان المخترع لها بجزيرة الأندلس مقدم بن معافرالفريري ، وأخذ ذلك عنه عبد االله بن عبد ربه صاحب العقد الفريد"
    وقد وافقه في هذا الصلاح الصفدي 76هـ في الوافي بالوفيات
    أوزان الموشحات لا تخلو من أن تكون مجارية لأوزان الشعر العربي، عند ابن زيدون وغيره،و لفيدريكو مقال يتحدث فيه عن دعوى بعض المستشرقين من أن عروض الموشح من أصل أسباني يقول:" إن العلماء العرب مع طول اطَّلاعهم على التوشيح والزجل لم يروا فيهما غير استنباط أندلسي طريف كانوا يعدونه من مفاخر أهل الأندلس ... أما العلماء الغربيون فإنهم لما تعرفوا على وجود الفنين في أواخر القرن الماضي،واطَّلعوا على عدد من نماذجهما في المخطوطات المشرقية قبل المغربية، وكان رائدهم في ذلك الألماني هارتمان، فسرعان ما لاحظوا الفوارق البنيوية بينها وبين الشعر العربي المقصد؛فتبادر إلى عقول بعضهم أنها ترجع إلى أن أصلها أندلسي ،
    وظن بعضهم أن مصدر ذلك الاستنباط الغريب إنما هو بقاء تراث عربي أسباني قديم ذي شأن عظيم في بلاد الأندلس بحيث أن العوام من الملل الثلاث المسلمين والنصارى واليهود ظلوا يؤلفون ويغنون أغانيهم الرسمية والشعبية بأعاريضها الأصلية وأغانيهم الخاصة بهم، ثم أتى بعض الشعراء الأندلسيين المعجبين بها فنسجوا على منوالها الموشحات في مرحلة أولى بلغة الموشحات الأندلسية؛بلغة وعروض عربية فصيحة ما عدا خرجاتها العامية أو الأعجمية، ثم تجاوزوا ذلك المقدار من الجرأة في التحرر من قيود التقاليد في مرحلة ثانية، على أن غارسيا غوميز كان قد شطَّ في هذا شططاً لم يكن من اليسير التغاضي عنه عندما اقترح تقطيع الموشحات بأعاريض غير عربية
    ودخل فيديركو كورنتي في تفصيل طويل لهذه الأقوال غير أنه خلص إلى الآتي:" قال"فيتبيَّن من هذا القول أن الزجل القديم كان عبارة عن دوبيت يقوله الشعب بالعامية أو بالأعجمية ببنية عروضية خليلية محورة من القرن الثالث فصاعداً على الأقل، كما يثبته تقطيع ذلك الزجل الراجع إلى سنة 300 هـ، إن ابن بسام قال الحق وأفادنا خبراً كان يكفينا لمعرفة حقيقة هذا الأمر لو لم تتسلَّط علينا الهواجس عندما قال عن مخترع التوشيح محمد ابن محمود بن القبري الضرير أنه كان يصنعها على أشطار الأشعار غير أن أكثرها على الأعاريض الخليلية المهملة غيرالمستعملة، يأخذ اللفظ العامي والعجمي ويسميه المركز ويضع عليه الموشحة.. أي أن عروضه خليلي إذ إن الأعاريض المهملة جزء من العروض الخليلي، وإن قلَّ استعمالها كما قال سيد غازي في كتابه " أصول التوشيح" وأن المركز أو الخرجة كلام عامي أو أعجمي موزون بالعروض الخليلي ". وليت سائر المستشرقين تحلَّوا بروح الإنصاف التي تحلَّى بها كورينتي، فقد عرض المستشرق إميليو غارسيا غومث في كتابه ""الموشحات الأندلسية والعروض الأسباني لسبعة ألوان من إيقاعات الشعر وموسيقاه أراد بها ضم الموشَّحات التي يضمها "جيشُ التوشيح" للسان الدين ابن الخطيب إلى العروض الأسباني وهكذا نجد أنفسنا أمام فريقين متنازعين في نسبة الأوزان وأكثرهم من المتعصبين للحضارة الغربية،وقليل منهم من تحلوا بروح الإنصاف.
    الشيء الأهم هنا ؛أن الموشحات لم تخرج عن القالب العربي في البناء النحوي والعروض الخليلي؛فلقد كان التجديد في شكل القصيدة وليس في تغيير ترابط التفعيلة مع أخواتها ضمن القصيدة الواحدة أو ترك القافية المنتهية بالشطر والعجز كما جاء كل ذلك في نظام الشعر العمودي الأصيل
    إن الفرق بين التجديد والتغيير واضح جدا؛فالتجديد هو؛ كالترميمات التي تجرى على دار سكن مثلا وبعد مرور حقبة من الزمن عليها؛يجدد طلاؤها أو ملاطها أو غير ذلك…
    أما التغيير؛فهو تغيير خارطة الدار من الأساس وذلك بردم البناء القديم وإنشاء دار حديثة عليها؛ذلك ما حصل للشعر العربي على أيد قذرة لا تعرف الشعر حق معرفته سوى إنهم اندمجوا في دوامة التغيير المفبركة من قبل السلالات الحاقدة على الإسلام عامة وعلى العرب خاصة؛فوظفت كل طاقاتها من أجل طمس حضارة ومجد العرب بدوافع دينية أو حزبية أو شوفينية ضيقة
    بدأت محاولاتهم تلك مع حملات الغزو والاحتلال في أواخر الحكم العباسي ودخول التأريخ العربي الإسلامي في فترتها المظلمة؛ فأحرقت الكتب وأغرقت مكتبات كبيرة في أمواه دجلة على يد المغول وما تلتها من غزوات ارتدادية على معاقل المسلمين ولا تزال إلى يومنا هذا 20015م
    إن محاولات شعراء (الحر) يراد به فك عمود الشعر العربي على منوال الشعر الغربي الذي يماثل النص النثري؛ وتجريد القصيدة العربية من القافية وهاتان الصفتان هما القاعدة المترسخة التي أرساها الشاعر العربي والفرق جلي بين الشعر والنثر
    فالمَنْظُومٌ : مُرَتَّبٌ ، مَضْمُوم بَعْضُهُ إِلَى بَعْضٍ ، الْمَنْظُوم : شِعْر ، كلام موزون مُقفًّى ، خلاف المنثور .
    والمَنْثُور : مُتَفَرِّق ، مُتَشَتِّت ذهَب هباءً منثورًا : انتهى إلى لا شيء ، كَلاَم مَنْثُور : الكَلاَمُ الْمَكْتُوبُ نَثْراً عَكْسُ الْمَنْظُومِ
    ومما جاء في كتاب سر الفصاحة لابن سنان الخفاجي في التمييز بين الكلام المنظوم والمنثور :
    ما يقال في تفضيل أحدهما على الآخر :
    حد الشعر : هو كلام موزون مقفى يدل على معنى ، وقلنا: كلام ليدل على جنسه ، وقلنا : موزون لنفرق بينه وبين الكلام المنثور الذي ليس بموزون ، وقلنا : مقفى لنفرق بينه وبين المؤلف الموزون الذي لا قوافي له ، وقلنا : يدل على معنى لنحترز من المؤلف بالقوافي الموزون الذي لا يدل على معنى .
    وسمّي شعراً من قولهم شعرتُ بمعنى فطنت والشعر الفطنة كأن الشاعر عندهم قد فطن لتأليف الكلام، وإذا كان هذا مفهوماً ما فأقل ما يقع عليه اسم الشعر بيتان لأن التقفية لا تمكن في أقل منهما، ولا تصح في البيت الواحد لأنها مأخوذة من قفوت الشيء إذا تلوته، وقد ذهب العروضيون إلى أن أقل ما يطلق عليه اسم الشعر ثلاث أبيات وليس الأمر على ما ذهبوا إليه لأن الحد الصحيح قد ذكرناه وهو يدل على أن البيتين شعر، فأما اعتلال بعضهم بأن البيتين قد يتفقان في كلام لا يقصده قائل الشعر ولا يتفق ثلاثة أبيات فيما لا يقصد مؤلفه الشعر فاعتلال فاسد، لأنه إن كان يريد بالبيتين مثل قول امرئ القيس :
    قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل *بسقط اللوى بين الدخول فحومل
    فتوضح فالمقراة لم يعف رسمها**لما نسجتها من جنوب وشــــمأل
    فهو شعر؛فالشعر بيّن والنثر بيّن لأولي الألباب؛ولكن أين لبّ الذي يطلق على النثر قصيدة!يكتب نثرا ويسميه بقصيدة النثر
    نحن لسنا ضد التجديد والتطور في القصيدة العربية؛بل تواقون لذلك التجديد الذي يشمل هيكلة ولغة القصيدة دونما تغيير في قالبها الشعري المبني على تساوي التفاعيل والتقفي المنتظم؛فالأندلسيون جددوا في الموشح من غير هجر العمود بل أعادوا التركيب ونوعوا في القوافي دون ترك فكان الموشح صورة لواقعهم ؛ وكان قالب الموشح قالبا موسيقيا محكما
    إن أولى حملات التغيير المفبركة في الشعر كانت في أواسط القرن التاسع عشر حيث التراجم الكثيرة لشعر الغرب ومؤلفات المستشرقين الهادفة لوأد الأدب العربي وزيارات أرباب الأدب العربي لأوربا وأمريكا وغيرها ؛ثم انتشار جواسيسهم بين طلاب الجامعات العربية؛كل ذلك أدى إلى التغرير بذوي النفوس الضعيفة للوقوع في شراك الرذيلة ونكرانهم للقيم الأصيلة مما أدى إلى إبراز نوع متغير من الأصل في الشعر العربي ذلك الشعر الهجين المسمى بالشعر الحر أو التفعيلي.

  6. #6
    الصورة الرمزية عبدالستارالنعيمي شاعر
    تاريخ التسجيل : Aug 2015
    الدولة : بلد الرشيد
    المشاركات : 2,833
    المواضيع : 151
    الردود : 2833
    المعدل اليومي : 0.89

    افتراضي

    شكرا للأستاذ العروضي عادل العاني وقد أصابت يداه الفلاح والأصالة

  7. #7
    الصورة الرمزية عبدالستارالنعيمي شاعر
    تاريخ التسجيل : Aug 2015
    الدولة : بلد الرشيد
    المشاركات : 2,833
    المواضيع : 151
    الردود : 2833
    المعدل اليومي : 0.89

    افتراضي

    وهنا نجد الأدلة الدامغة لما تقدمنا به في الكتاب المثير( من دفع أجرة العازف) الصادر سنة 1999للباحثة الانجليزية التي تخرجت من جامعة أكسفورد فرانسيس ستونر سوندرز مع عنوان فرعي( المخابرات الأمريكية وحرب الثقافة)
    عنوان الكتاب بالانكليزية هو :
    ـ Who paid the piper
    والكتاب الذي أثار ضجة عالمية يعتمد في عنوانه على مثل انجليزي يقول( من يدفع أجر العازف يختار اللحن) وهو وثيقة دامغة بالوثائق والشهادات عن أساليب تجنيد المخابرات الامريكية للنخب الثقافية والسياسية والعلمية في العالم بوعي من هؤلاء ودون وعي من بعضهم من أجل مصالح سياسية أمريكية عليا، وعمليات التمويل والغطاء السياسي لهذا التمويل، أو الغطاء الثقافي للنماذج التي لا تقبل العمل المباشر في وكالة المخابرات يجري إيجاد( تسوية) مقبولة لها للحفاظ على الكرامة أو الواجهة. ويشير الكتاب إلى قلة من الكتّاب والشعراء والفنانين والمؤرخين ( الذين لم ترتبط اسماؤهم بطريقة ما بهذا المشروع السري) في القرن الماضي.
    وفي اعتراف صريح لأهم رجال المخابرات البريطانية في تلك الحقبة هو السيد توم برادن فإن لعبة تجنيد هذه النخب كانت تتم من خلال ندوات أو مؤتمرات أو حلقات دراسية وتركهم يعتقدون أنهم أحرار في التفكير وفي إصدار القرارات ولكنهم لا يعرفون أن المخابرات هي التي تحركهم كالدمى من وراء ستار.
    يقول:
    ( لم يكن الهدف من دعم الجماعات اليسارية هو التدمير أو الهيمنة، بل تحقيق اقتراب ذكي أو غير محسوس من تفكير هذه الجماعات ومراقبته، وتوفير أداة تعبير لهم يستطيعون من خلالها التنفيس، ثم في نهاية المطاف ممارسة نوع من حق الاعتراض ـ فيتو ـ على مطبوعاتهم، أو أفعالهم، إذا أمكن، إذا حاولوا أن يصبحوا تقدميين أكثر من اللازم...).!
    ومن ضحايا هذا الأسلوب في التجنيد عن طريق الدعم أو صنع غطاء الدعم الثقافي والسياسي في العالم العربي في منتصف القرن الماضي هم:
    ـ مجلة حوار اللبنانية.
    ـ مجلة شعر اللبنانية.
    ـ مجلة فصول المصرية.
    ومن( ضحايا) هذا الأسلوب من الشعراء والكتّاب العرب( أدونيس، ويوسف الخال وغيرهم) حيث أنهم لم يكونوا على معرفة إلا بصورة متأخرة بهذه الصورة من صور التجنيد السياسي التي لم تكن مألوفة في العالم العربي، وقد أدى انكشاف هذه الطريقة إلى صدمة نفسية وأخلاقية لم يتخلص منها بعض هؤلاء حتى اليوم وصارت وصمة عار في تاريخهم
    أما تجنيد الباقين من الأدباء والشعراء فكان مكشوفا بدون غطاء ومنهم أولاء الذين سنذكرهم كنماذج وليس ككل
    الشعر الحر:
    برزت حركة الشعر الحر في النصف الأول من القرن التاسع عشر ؛لاسيما بعد الهجمات العسكرية والثقافية على الوطن العربي ؛حيث اطلع بعض الشعراء العرب على أشعار الغرب من خلال الترجمة أو من خلال الزيارات المتبادلة بين الغرب والعرب؛ ففي تصريح السياب في اذاعة B.B.c في نهاية الخمسينات أنه تساءل لماذا لاتكون لدينا قصائد مثل قصائد شلي. والشعر الحر هنا في العراق!
    إن الشعر الغربي يختلف عن أشعارنا في النقاط التالية:
    آ- لا يلتزم بنظام الشطر والعجز؛ولا ينساق بين إيقاع تفعيلاتها بالتساوي
    ب- ولا يلتزم بوحدة القافية؛كما في أبيات الشاعر الانكليزي:
    *****
    Shall I compare thee to a summer's day
    Thou art more lovely and more temperate
    Rough winds do shake the darling buds of May
    And summer's lease hath all too short a date

    Sometimes too hot the eye of heaven shines
    And often is his gold complexion dimmed
    And every fair from fair sometimes declines
    By chance or nature's changing course untrimmed
    But thy eternal summer shall not fade
    Nor lose possession of that fair thou owest
    Nor shall death brag thou wanderest in his shade
    when in eternal lines to time thou growest

    So long as men can breathe, or eyes can see
    So long lives this. and this gives life to thee

    من ذا يقارن حسنك المغرى بصيف قد تجلى
    وفنون سحرك قد بدت فى ناظرى أسمى وأغلى
    تجنى الرياح العاتيات على البراعم وهى جذلى
    والصيف يمضى مسرعا اذ عقده المحدود ولى
    كم أشرقت عين السماء بحرها تلتهب
    ولكم خبا فى وجهها الذهبى نور يغرب
    لابد للحسن البهى عن الجميل سيذهب
    فالدهر تغير واطوار الطبيعة قلب
    لكن صيفك سرمدى ما اعتراه ذبول
    لن يفقد الحسن الذى ملكت فيه بخيل
    والموت لن يزهو بظلك فى حماه يجول
    ستعاصرين الدهر فى شعرى وفيه أقول:
    ما دامت الأنفاس تصعد والعيون تحدق
    سيظل شعرى خالداً وعليك عمراً يغدق.

    ****
    (من أنت من تختار يا مهيار
    أنى اتجهت الله أو هاوية الشيطان
    هاوية تذهب أو هاوية تجيء
    و العالم اختيار لا الله اختار و لا الشيطان
    كلاهما جدار كلاهما يغلق لي عيني
    هل أبدل الجدار بالجدار)

    هذا نموذج لانحراف (الشعر الحر)يوحي بتهالك الشاعر(أدونيس)على قدم العمالة وتقبيلها لكي يمولّه بالدولار!
    ومن تعريفها للشعر الحر (هو شعر ذو شطر واحد ليس له طول ثابت وإنما يصح أن يتغير عدد التفعيلات من شطر إلى شطر ) أثبتت نازك الملائكة بأن (الحر) خارج عن قانون الشعر العربي الذي له طول ثابت في الشطر والعجز ولا يمكن حذف حرف واحد منه فكيف إذا حُذفتْ تفعيلات كاملة!
    ومن أبرز السمات الفنية لشعر التفعيلة(الشعر الحر) هي:

    1. يقوم على وحدة التفعيلة، ولا يتقيد بعدد التفعيلات العروضية في كل سطر.
    2. يقوم على تشكيل الصور الشعرية الجديدة والإكثار منها.
    3. لا يتقيد بوحدة القافية.
    4. يهتم بالأساطير والرموز الدينية والأبعاد الفلسفية، مما طبع جلّ قصائده بالغموض الذي قد يصل إلى درجة الإبهام.

    إن واقع شعر التفعيلة أو الحر هو الخروج عن قواعد وأسس الشعر العربي والالتحاق بالشعر الغربي الغريب عن واقعنا وبيئتنا وثقافتنا ؛فأقرأ ما كتبه د صالح عبدالعظيم:
    وقد بدأتُ البحث وفي ذهني بعض التصورات التي ترسَّبت من خلال كوني قارئًا متذوقًا للشِّعر، وظهرت لي في شكل قواعد عامَّة:
    1- خروج شِعر التفعيلة على النظام الكمي المستقر في عروض الخليل.
    2- وكون ذلك الخروج من باب التَّوسُّع، المقابل للتضييق الذي فرَضه أصحاب شعر التفعيلة على أوزانهم.
    فالعروض الخليلية تُعطي الشاعر مجالاً واسعًا أساسه خمس دوائر عروضية، يتخرَّج عليها ستة عشر بحرًا، إضافة إلى الصور المتنوعة للأعاريض والأضرب؛ بحيث صارت أوزان الشعر العربي "تزيد في أشكالها على السبعين شكلاً،وهذه الأشكال قد تَختلف فيها بعض التفعيلات من بيت لآخر داخل القصيدة الواحدة، وذلك جائز ما دامت هذه التفعيلات لم تخرج على الأوزان المسموح بها في كل بحر
    أمَّا شعر التفعيلة، فقد حصره أصحابه في ست تفعيلات، وكان متوقعًا أن يؤدي ذلك إلى الخروج على النسق، بالتوسع في الزحافات والعلل، وبالاختلال في الوزن، وبالتلفيق بين صور مختلفة للموسيقا، والتنويع في أطوال الأبيات إلى حدِّ الشذوذ والتنفير أحيانًا، إلى غير ذلك من صور التعويض عن محدودية الشكل الموسيقي الذي يبدو - على خلاف الواقع - أوسع مجالاً من عروض الخليل.

    3- إطلاق الزحاف والعلَّة على التغييرات الواقعة في شِعر التفعيلة ليس على الحقيقة؛لأن النظام العروضي- الموسيقي - فيه مباين للنظام في الشعر العمودي؛ ولذلك فما هو حادث من التغييرات في الشعر العمودي مِمَّا يسمَّى زحافًا وعلَّة ليس موافقًا بذاته لما هو حادث في شعر التفعيلة، وإن كان الظاهر توافقهما.
    نتائج مهمَّة:
    أظهرنا عددًا من النتائج الجديرة بالتسجيل؛ فمن تلك النتائج:
    1- أنَّ الوزن في شعر التفعيلة ذو أساس نَبري؛ ولذلك كان مختلفًا عن الوزن في الشعر العمودي ذي الأساس الكمي.
    2- أن القافية في شعر التفعيلة لا تشترط التساوي كمًّا وسجعًا، بل يكفي فيه التشابه السجعي؛ ولذلك تحدث المراوحة بين (فعول) و(مفعول) على سبيل المثال.
    3- أن الزحاف والعلة حين نُقلا من الشعر العمودي إلى شعر التفعيلة أصبَحا طريقًا لتوسيع المجال العروضي الذي ضاق اختيارًا؛ حيث ثبت أنَّ تفعيلات شِعر التفعيلة كلها لا تزيد على ثلاث تفعيلات.
    4- أن شعر التفعيلة غير ملزم باصطلاحات الزحاف والعلة المعروفة في الشعر العمودي؛ من جهة لاختلاف الأساس الموسيقي في كل منهما، ومن جهة أخرى لورود أنماط من الزحاف في شعر التفعيلة لم تُعرف على الإطلاق، وعلى ضوء ذلك تُصبح تسميته زحافًا من باب التوسع والتجوُّز، ويلزم الباحثين المنظِّرين لهذا الشعر وضعُ مصطلحات جديدة تخصه.

    5- يؤدي الزحاف والعلة في بعض الأحيان إلى اختلال صوتي يضرُّ بشكل القصيدة، ويُفقدها قدرًا كبيرًا من موسيقاها وتوازنها.

    6- أظهر الزحاف والعلة في شعر التفعيلة سهولة تحوُّل هذا النوع من الشِّعر إلى نثر، في حين لم يكن الأمر كذلك لدى ورودِهما في الشعر العمودي.

    7- أنَّ ادِّعاء صلة أوزان شعر التفعيلة بأوزان الشعر العمودي أو اشتقاقها منها ادِّعاء ضعيف لا تُؤيده الأدلة الصوتية والعروضية.

    8- أن احتفاء شعر التفعيلة بالتفعيلة المنفردة جزء من منظومة فكرية تُعلي من شأن الألفاظ المفردة وتُهمِل حق النحو والسياق.

    9- قدَّم البحث تفسيرًا لورود بعض التفعيلات، يقوم هذا التفسير على مبدأ انقسام التفعيلة وانقلابها.

    10- كما قدم رصدًا لأحد عشر شكلاً جديدًا من أشكال الزحاف والعلة في بحري الرجز والخبب، هي:
    • (مفاعيلن)، و(مُتَف)، و(مفعولْ)، و(فعولْ)، و(مستفعلان) في الرجز.
    • (فاعلاتن)، و(فعْلانْ)، و(فَعْلْ)، و(فَعْ)، و(فاعلُ)، و(فَعِلَتُ) في الخبب.

  8. #8
    الصورة الرمزية عبدالستارالنعيمي شاعر
    تاريخ التسجيل : Aug 2015
    الدولة : بلد الرشيد
    المشاركات : 2,833
    المواضيع : 151
    الردود : 2833
    المعدل اليومي : 0.89

    افتراضي

    المنحرفون( نماذج أربعة)

    إن تشجيع خصم العروبة والإسلام لإنحراف مجتمعنا عن جادة الحق من جميع النواحي-جعل له أتباع من بيننا متنكرين لتراثهم وعروبتهم ودينهم وهم كما قلنا من الطبقة المثقفة المتعلّمة القادرة على التلاعب بالألفاظ المنمقة وخداع المقابل بتلك الثقافة المزيفة ما جعل لهم بيننا طبقة مشجعة تابعة من المثقفين المنخدعين بالتجديد وهم لم يلتفتوا إلى جذور الشعر أو الأدب المستحدث وصفة المستحدثين ونواياهم وموقفهم من الأصالة والتراث ؛
    علي أحمد باكثير:
    فتح علي أحمد باكثير عينيه على نور الحياة في بلد بعيد عن أرض العروبة، حيث ولد في إندونيسيا في سورابايا من أبوين عربيين سنة 1910 وأرسل إلى حضرموت وهو صغير لينشأ في وطن آبائه على عادة اليمنيين في المهاجر ليتلقى ثقافته العربية في مدينة (سيئون) بحضرموت والتي تعد الآن من أكبر محافظات الجمهورية اليمنية.. في بلد الآباء واِلأجداد حفظ الكثير من القرآن الكريم، وتلقى أصول العربية على بعض الشيوخ وقرأ الكثير من الشعر، وتأثر به؛ثم انتقل إلى مصر وحصل على الليسانس في اللغة الإنكليزية من(كلية الآداب)المصرية؛وترجم مسرحية(روميو وجوليت)وها هو يقول:

    والنَّظْمُ الذي تراه في هذا الكتاب، هو مزيج من النَّظْم المرسل المنطلق، والنَّظْم الحُرّ، فهو مرسل من القافية، وهو منطلق بانسيابه بين السطور. فالبيت هنا ليس وحدة، وإنما الوحدة هي الجملة التّامة المعنى التي قد تستغرق بيتين أو ثلاثة أو أكثر، دون أن يقف القارئ إلا عند نهايتها. وهو -أعني النَّظْم- حرٌ كذلك بعدم التزام عدد معيَّن من التفعيلات في البيت الواحد، ولست أقصد بهذا البيان التحديد الاصطلاحي لهذا الضرب الجديد من النظم، وإنما قصدي أن أعطي القارئ فكرة عامة عنه قد تساعده على تذوّقه".
    "وقد وجدت أن البحور التي يمكنني استعمالها على هذه الطريقة هي البحور التي تفعيلاتها واحدة مكرّرة كالكامل والرَّمَل والمتقارب والمتدارك.. إلخ.. أمّا البحور التي تختلف تفعيلاتها كالخفيف والطويل.. إلخ.. فغير صالحة لهذه الطريقة، فكان أن استعملت البحور الصالحة كلَّها في ترجمة روميو وجولييت، ثم لاحظت أن أصلح هذه البحور كلها، وأكثرها مرونة وطواعية لهذا النوع الجديد من الشعر، هو البحر المتدارك، فالتزمته في هذه المسرحية"
    إن نازك الملائكة قد استفادت من هذا الكلام عندما كتبتْ في كتابها: (قضايا الشعر المعاصر) عن العروض العامّ للشعر الحرّ -ص51 وما بعدها- فقد اتفقت مع باكثير اتفاقاً تامّاً، وهو السابق لها بسنين عدة، ولكنه ذكر ما ذكره عَرَضاً----
    وهكذا نخلص إلى أن المنحرف الأول عن الشعر المؤصل هو علي أحمد باكثير، لأنه أول من استخدم التفعيلة في البيت،تقليدا للشعر الإنكليزي واكتشف البحور الصافية، وميّزها عن غيرها من البحور المزدوجة التفعيلة، كما اهتدى إلى صلاحية بعض البحور في النَّظْم المسرحيّ دون بعض. وأمّا أنّه تحلّل -أو كاد- من القافية، فخير جواب على ذلك قوله الذي أصاب شاكلة الحقّ، فقد جاء في محاضراته عن (فن المسرحية من خلال تجاربي الشخصية) التي ألقاها على طلبة معهد الدراسات العربية العالية في القاهرة ما يلي وبعد أن ذكر نماذج من مسرحية أخناتون ونفرتيتي- :
    "في هذه النماذج ترون الجمل المسرحية في معظمها طويلة منسرحة يمكن أن يلقيها الممثّل في نَفَس واحد لو استطاع، وقد تبصرون فيها القافية أحياناً، ولكنها لا تجزّئ الصورة، ولا تتلاحق في رتابة وجمود، بل تظهر هنا وهناك في ومضات كالبرق الخاطف، فتضاعف موسيقيّة الجملة المنطلقة دون أن تحبسها أو تحدَّ من انطلاقها وانسيابها حتى منتهاها".
    فإنه يرى أن القافية لا تصلح دوماً للشعر المسرحيّ، حتى لا تتجزّأ الصورة، أو تتلاحق في رتابة وجمود، وهذه أولى محاولات الانفلات من القافية في الشعر التمثيلي والشعر الغنائي، وهو ما سار على منواله من تلاه من الشعراء المسرحيّين من أمثال عبد الرحمن الشرقاوي وصلاح عبد الصبور وغيرهما.


    نازك الملائكة:
    ولدت نازك الملائكة في بغداد عام 1923م ، ونشأت في بيت أدب ، فأمها الشاعرة سلمى عبد الرزاق أم نزار الملائكة وأبيها الأديب الباحث صادق الملائكة ، فهُيئتْ لها أسباب الثقافة . وما أن أكملتْ دراستها الثانوية حتى انتقلت إلى دار المعلمين العالية وتخرجت فيها عام 1944 بدرجة امتياز ، ثم توجهت إلى الولايات المتحدة الأمريكية عام 1950 لدراسة الإنكليزية بالإضافة إلى آداب اللغة العربية التي أُجيزت فيها حتى حصلت على الماجستير . عملت أستاذة مساعدة في كلية التربية في جامعة البصرة .
    تجيد من اللغات الإنجليزية والفرنسية والألمانية واللاتينية ، بالإضافة إلى اللغة العربية ، وتحمل شهادة الليسانس باللغة العربية من كلية التربية ببغداد ، والماجستير في الأدب المقارن من جامعة وسكونس أميركا .
    مثّلت العراق في مؤتمر الأدباء العرب المنعقد في بغداد عام 1965 .
    نشرت ديوانها الأول " عاشقة الليل " في عام 1947 ،
    ثم نشرت ديوانها الثاني شظايا ورماد في عام 1949 ، وثارت حوله ضجة عارمة حسب قولها في قضايا الشعر المعاصر ، وتنافست بعد ذلك مع بدر شاكر السياب حول أسبقية كتابة الشعر الحر ، وادعى كل منهما انه اسبق من صاحبه ، وانه أول من كتب الشعر الحر ونجد نازك تقول في كتابها قضايا الشعر المعاصر " كانت بداية حركة الشعر الحر سنة 1947 ، ومن العراق ، بل من بغداد نفسها ، زحفت هذه الحركة وامتدت حتى غمرت الوطن العربي كله وكادت ، بسبب تطرف الذين استجابوا لها ، أن تجرف أساليب شعرنا العربي الأخرى جميعاً ، وكانت أول قصيدة حرة الوزن تُنشر قصيدتي المعنونة " الكوليرا " وهي من الوزن المتدارك ( الخبب) . ويبدو أنها كانت متحمسة في قرارها هذا ثم لم تلبث أن استدركت بعض ما وقعت فيه من أخطاء
    (وكادت ، بسبب تطرف الذين استجابوا لها ، أن تجرف أساليب شعرنا العربي الأخرى جميعاً)
    إقرأ هذة الجملة بشيء من التدقيق ستجدها أسلوب إعلاني رخيص لرفع معنويات الشعر الحر بعد نكوصه وتراجعه نتيجة هجمات الأقلام الحرة الأصيلة والتي وقفت لها بالمرصاد ؛هذا الأسلوب هو بعينه ما يميز عملاء الماسونية والشيوعية الذين وقعوا في شراك الرذيلة فباعوا تراث وأمجاد آبائهم وأوطانهم
    ثم قارن شعرها أدناه بما ذكرناه آنفا في وصف أرباب الشعر الحديث عندما قلنا (لا يكون نتاجهم الأدبي إلا حديثا أو خارجا عن المألوف الاجتماعي والديني واللغوي):

    كرهتُ ارتعاشَ الشفاهْ

    برَجعِ الصلاهْ

    ففي كلِّ لفظٍ خطيئهْ

    تجيشُ بها رَغباتٌ دنيئهْ
    هكذا هم يقولون ما يطيب لأسيادهم حتى لو كان طعنا في مبادئ الإسلام والعروبة ؛فالأسياد يصفقون دائما للكلمات البذيئة والمسمومة:

    والدهرُ يسألُ من أنا

    أنا مثلهُ جبّارةٌ أطوي عُصورْ

    وأعودُ أمنحُها النشورْ

    أنا أخلقُ الماضي البعيدْ

    من فتنةِ الأمل الرغيدْ

    وأعودُ أدفنُهُ أنا

    نزار قباني:
    يقول عن نفسه : "ولدت في دمشق في آذار (مارس) 1923 ببيت وسيع، كثير الماء والزهر، من منازل دمشق القديمة، والدي توفيق القباني، تاجر وجيه في حيه، عمل في الحركة الوطنية ووهب حياته وماله لها. تميز أبي بحساسية نادرة وبحبه للشعر ولكل ما هو جميل. ورث الحس الفني المرهف بدوره عن عمه أبي خليل القباني الشاعر والمؤلف والملحن والممثل وباذر أول بذرة في نهضة المسرح المصري.
    تخرج نزار قباني من كلية الحقوق بدمشق 1944 ، ثم التحق بالعمل الدبلوماسي ، وتنقل خلاله بين القاهرة ، وأنقرة ، ولندن ، ومدريد ، وبكين ، ولندن.
    وفي ربيع 1966 ، ترك نزار العمل الدبلوماسي وأسس في بيروت دارا للنشر تحمل اسمه ، وتفرغ للشعر. وكانت ثمرة مسيرته الشعرية إحدى وأربعين مجموعة شعرية ونثرية، كانت أولاها " قالت لي السمراء " 1944 ، وكانت آخر مجموعاته " أنا رجل واحد وأنت قبيلة من النساء " 1993 .
    طالب رجال الدين في سوريا بطرده من الخارجية وفصله من العمل الدبلوماسي في منتصف الخمسينات ، بعد نشر قصيدة " خبز وحشيش وقمر " التي أثارت ضده عاصفة شديدة وصلت إلى البرلمان .

    أي ضعفً و انحلالْ..

    يتولاّنا إذا الضوء تدفقْ

    فالسجاجيدُ.. و آلاف السلالْ..

    و قداحُ الشاي .. و الأطفالُ..تحتلُّ التلالْ

    في بلادي

    حيث يبكي الساذجونْ

    و يعيشونَ على الضوء الذي لا يبصرونْ..

    في بلادي

    حيث يحيا الناسُ من دونِ عيونْ..

    حيث يبكي الساذجونْ..

    و يصلونَ..

    و يزنونَ..

    و يحيونَ اتكالْ..

    منذ أن كانوا يعيشونَ اتكالْ..

    و ينادون الهلال:

    " يا هلالْ..

    أيُّها النبع الذي يُمطر ماسْ..

    و حشيشاً..و نعاسْ..

    أيها الرب الرخاميُّ المعلقْ

    أيها الشيءُ الذي ليس يصدَّق"..

    دمتَ للشرق..لنا

    عنقود ماسْ

    للملايين التي عطَّلت فيها الحواسْ
    ويخاطب (قباني) عشيقه بكل صلف:
    (إن كنت نبيا
    خلصني من هذا السحر
    من هذا الكفر
    حبك كالكفر فطهرني
    من هذا الكفر)

    فهذا ما نجده في الحداثة؛المجاهرة بالكفر والانتماء إليه هو جزء لا يتجزأ من الانتماء للماركسية أو الوجودية البغيضة
    ----------
    صلاح عبدالصبور:
    وُلد في إحدى قرى شرقيّ دلتا النيل, وتلقى تعليمه في المدارس الحكومية. ثم درس اللغة العربية في كلية الآداب بجامعة فؤاد الأول (القاهرة حاليا), وفيها تتلمذ على الرائد المفكر الشيخ أمين الخولي الذي ضم تلميذه النجيب إلى جماعة (الأمناء) التي كوّنها, ثم إلى (الجمعية الأدبية) التي ورثت مهام الجماعة الأولى. وكان للجماعتين تأثير كبير على حركة الإبداع الأدبي والنقدي في مصر.
    كان ديوان (الناس في بلادي) (1957) هو أول مجموعات عبد الصبور الشعرية, كما كان ـ أيضًا ـ أول ديوان للشعر الحديث (أو الشعر الحر, أو شعر التفعيلة) في الأدب المصري في ذلك الوقت.
    ومن شعر عبدالصبور ما يطغى به الحرف كزملائه المنحرفين:

    و أن حقيقة الدنيا هي الفلسان فوق الكف

    وأن الله قد خلق الأنام ، ونام

    و أن الله في مفتاح باب البيت

    ولا تسأل غريقاً كُبّ في بحرٍ على وجهه

    لينفخ بطنه عشباً وأصدافاً وأمواها

    كذلك كنت---

    وفي الكلام الآتي تلخيص لرؤية الشاعر عن الله تعالى والإنسان:
    ما غاية الإنسان من أتعابه؟ما غاية الحياة؟

    يا أيها الإله كم أنت قاس موحش

    يا أيها الإله

    فانظر كم يعاني شاعر (الحر) من غربة حضارية وانحراف عقيدي وأخلاقي و من غبش في التصوّر،ولعلّ ذلك ما جلب لهم الشهرة التي صنعتها لهم الأوساط الغربية المستحوذة على ساحة الأدب ووسائل الإعلام ، وقد تصدّى لعبثهم أصحاب الأيدي المتوضئة والأقلام النزيهة ، فأنتجوا أشعارا رائدة يجلجل صداها في نفوس مؤمنة ،لكنهم مازالوا قلّة مهمّشة لا تذكرهم وسائل إعلام الغرب وزبانيتُها
    إن الشعر أدب إيقاعي منحوت بقالب ذهبي أوجده العرب قبل الاف السنين وتغنوا به وحفظوه وحفظ تأريخهم وحروبهم عبر فترة زمنية طويلة وهذه احدى ميزاته (الحفظ) حتى من قبل من يجهل القراءة والكتابة فكيف نساويه بكلام غير منسق تشمئز منه النفس الشاعرية لاخفاقه بتساوي عدد التفعيلات في كل شطر وعجز ؛اما الميزة الاخرى للشعر العربي الاصيل (العمودي)فهي قابليته اللينه على التغني فيه ولم نسمع الى الآن بطرب أصيل إلا من خلال القصيدة العمودية والسؤال هنا :هل من طرب في غناء مثل هذه الاسطر في التفعيلي(اراك--وقدلا اراك كيف اين لماذا لم تسمع صوتي من هناك) قل لي بربك هل من ايقاع موسيقي غنائي في أمثال هذه السطور!!!
    إن العرب استفردوا في القوالب الذهبية للشعر عندما تساوت وتناسقت التفعيلات في البيت الشعري لديهم؛عكس الغرب الذي يعاني من ركاكة القالب الإيقاعي في اشعارهم ففي اللغة العربية التي حبانا الله بها امتداد واسع جدا للشعر المقولب وهذاما ينعكس على الواقع حيث آلاف القصائد العربية قيلت في عصر بلوغ اللغة اوج ذروتها واليوم حيث تردي اللغة نتيجة اختلاطه بلغات الاعاجم وتلوثه بمفرداتها حدا ببعض المستغربين والمستشرقين ونتيجة عجزهم- الى اللجوء للطريقة الغربية في نظم الشعر والتي هي أصل اشعارهم
    إن دعاة هذا النوع هم أعجز من أن يأتوا ببيت شعري متكامل وزنا وقافية ويزعمون أنهم قد تحرروا نحو التجديد ناسين بذلك ركسهم في مستنقع التقليد للشعرالغربي والدليل هو ظهور شلتهم بعد ترجمة قصائد غربية بلا شروط الشعر العربي فمضوا في شأنهم بتقليب موازين الاصالة واللجوء الى تقليد القصيدة المترجمة هذا من ناحيةوالناحية الاخرى هي دس الافكار الغربية بين صفوف الشعراء الشباب آنذاك واغرائهم بالأموال والشهرة وتجنيدهم لتنفيذ ما رسموا له والدليل هو انتماء قادة شعراء التفعيلة للحركات والاحزاب الغربية او الشرقية والتي يتحكم بها اليهود في العالم كالماسونية والشيوعية وغيرها كثير
    لقد برز في عصرنا شعراء شباب لم ينجروا وراء شعر التفعيلة او الحر(الذي كان عبدا فأعتق) !وابدعوا في نظم القصيدة العمودية ؛لكنهم اصطدموا بالواقع الهش لاستقبال اشعارهم وكأنهم غرباء على الشعر والشعراء حتى قيل لبعضهم بعد الالقاء(من قال هذه القصيدة)وكأنهم نسبوها لشاعر قديم!
    إن وظيفة الشاعر العربي تتمثل في استخراج الدفائن المكنوزة وإظهار الإبداع الكامن من لغته، فحسبه ذلك خدمة لهذه اللغة الشريفة التي تمكِّن الشاعر على الصياغة والبناء في نطاق قدرتها وقوتها الإبداعية، ذلك أنها وفرتْ له كل أسباب الإبداع الجمالي التي ينبغي للشاعر الانتفاع بها فمتى أبدع الشاعر في لغته الشعرية الغنية بكنوز الإبداع ؛لا يحتاج إلى أي تغيير في أعاريض الخليل الأصيلة
    إن اللغة التي يؤول إليها الشاعر العربي في نظمه ، تحفل بذخيرة غنية من الإمكانات التعبيرية والسمات الأسلوبية ما يبرز التمايز بين لغة الشعر وما عداه من أشكال الإبداع اللغوي هذه الخصوصية التي تساهم في زيادة أسهمه الشعرية، وبهذه الخصوصية يختلف عن الخطاب العادي، الذي يهتم أول ما يهتم بالهدف الإبلاغي عكس الخطاب الإبداعي الذي تتعانق فيه الوظيفة الجمالية الشعرية مع الوظيفة الإبداعية، وبذلك يكون التعبير الإبداعي أكثر أثراً في النفس وأداة للتطهير عبر ما يستعمله من أساليب تخص بنى النسيج اللغوي صورة وإيقاعاً ومفردات،وتعطي اللغة الشعرية النص قدرة على الوصول إلى القارئ، وقد تبدأ من استفادة الشاعر من الرصيد الدلالي الذي تمتاز به هذه اللغة.
    إن الألفاظ موجودة قبل الشعر (كمواد أولية)، لكن الشعر ينسقها وينظمها بطريقة ما بحيث يخرجها عن عاديتها ليجعلها بالتواصل مع سواها شعرية متميزة وذلك بطريقة التركيب وبالمساق الذي تردد فيه وبوساطة الخلق التصويري الذي يكون معادلاً لانفعال الشاعر، هذا الانفعال الذي يحث الخيال على إعادة تحليل وتركيب البناء اللغوي، وذلك ببث حيوية مخصبة في الحياة الجميلة الهادئة الزاهية في أعراق تلك العلاقات التي يزيل عنها رتابتها المعهودة
    إن عدداً من العناصر تسهم في تحفيز ذاكرة الكلمات من أهمها طبيعة تركيب الجملة والاستخدام الشعري للغة كطاقات وقوى توجه مسير العبارة وتؤثر بفضل تسلسل أنغامها غير العادية تأثيراً سحرياً غير عادي وهذا التأثير يساهم بالمقدار نفسه في خلق الإحساس بالموقف الشعري أو التجربة الشعرية ، كما أن للغة الشعرية القدرة على الإيحاء بما لا تستطيع اللغة العادية أن تقوله فالأدب يوجد بقدر ما ينجح في قول ما لا تستطيع اللغة العادية أن تقوله، ولو كان يعني ما تعنيه اللغة العادية لم يكن مبرر لوجوده
    لذلك يستطيع الشاعر المبدع أن يخرج من دائرة التقليد إلى التجديد متى ما استعمل لغته بلغة شاعرية فذة يوحي من خلالها بالإبداع والتفرد في قصيدته الحديثة؛وليس من خلال تغيير نمط القالب الشعري الذي اتخذه العرب لآلاف السنين
    إن المحدثين الذين ابتدعوا الشعر التفعيلي والعروض الرقمي دائما يتشدقون بكلمات أكبر من حجمهم وحجم نتاجهم الأدبي؛تماما كالضفدعة حينما تنفخ صدرها لتظهر بصورة أكبر من حجمها ؛فأنهم يحسبون أنفسهم أذكى من ملايين البشر الحاضرة والبائدة منذ أكثر من ألف وأربعمائة سنة لأن هذه الملايين لم تقدر أن تحذف من تفاعيل البحور شيئا أو أن تستبدل التفاعيل بالأرقام --أليس هذا هو الجهل المستحدث!

  9. #9
    الصورة الرمزية عبدالستارالنعيمي شاعر
    تاريخ التسجيل : Aug 2015
    الدولة : بلد الرشيد
    المشاركات : 2,833
    المواضيع : 151
    الردود : 2833
    المعدل اليومي : 0.89

    افتراضي

    يحاول المنحرف الحداثي بما ملك من وسائل أن يخلق جيلا حديثا منفصلا عن جذوره لا يملك من تراث أمته قشة؛فإن نظرنا إلى غد بعيد سيكون هذا الجيل نموذجا صرفا لما تمناه الحداثي من تشويه صورة المجد العربي وإبرازه بالشكل الذي رسم له خصم العروبة
    إن افتقار موروث التراث العربي عند زعماء الحداثة (النقد -شعر التفعيلة-العروض الرقمي) من خلال ادعاءآتهم الواهية للتجدد والتحرر؛ما هو إلا انحراف مشبوه وتشبث عنيد بمبادئ الغرب وإقرار بتخلف حضارة العرب المجيدة
    إن معظم الشعراء سلكوا ذلك المنحى دون التفاتة لأدبنا وتراثنا العربي وهم يسبحون مع التيار متناسين ما يكمن فيه من مخاطر تهدد تراث أمة عظيمة ؛بل الأغرب سلوك النقاد العرب الشاذ إزاء ذلك حيث لم نقرأ -الا القليل - لناقد عربي ومنذ بدأعصر الحداثة منتقدا ذلك سلبا ولا بد من الاستشهاد هنا بالآستاذ (علي صديقي) حيث يقول:
    تجاذبت أغلبَ مفكري النهضة العربية ونقادها نزعتان: نزعة التأثر المقرون بالإعجاب والانبهار بالغرب وحضارته وثقافته، ونزعة الإقرار بتخلف العرب. لذلك، دعا بعض رواد النهضة العربية الحديثة إلى محاكاة الغرب قصد تحقيق النهضة. ومن هاتين النزعتين، انبثق ذلك السؤال المعروف الفاسد: لماذا تقدم الغرب وتأخر الشرق؟ وهو فاسد لأنه ينطوي على إعجاب لا نظير له بما حققه الغرب من تقدم حضاري، وإقرار بتخلف حضارة «الأنا»، وهو إقرار لم يتم بناءً على مقاييس الذات ورؤاها وتصوراتها لمفهوم التقدم، وإنما باعتماد مقاييس الآخر وتصوراته. الأمر الذي يحصر غاية النهضة في اللحاق بالآخر «المتقدم»، وهذا اللحاق لا يمكن أن يتم، من وجهة النظر هاته، إلا بمحاكاة هذا الآخر، والأخذ بأسباب تقدمه وتحضره. وهذا ما جعل كثيراً من رواد النهضة العربية يتهافتون على الفكر الغربي ويدعون إليه. وبالمقابل، «يحتقرون» التراث النقدي العربي، إلا ما استجاب منه لمقاييس الفكر الغربي وانسجم معها. وهدف هذه الدراسة هو الكشف عن تحيز بعض أفراد تلك الحركة النقدية التي بدأت في التشكل مطلع القرن العشرين، وهي الحركة التي ينسب إليها، من قبل كثيرين، دور كبير في «تحديث» النقد العربي و «تجديده»، نتيجة «وعيها» بإشكالية المنهج في النقد العربي، بسبب اتصالها المباشر أو غير المباشر، بمناهج النقد الغربي، ولعل من أبرز روادها: عباس محمود العقاد ، وإبراهيم عبد القادر المازني ، وميخائيل نعيمة ، وطه حسين ومحمد مندور ؛وتمتد هذه الحركة إلى حدود منتصف العقد السادس من القرن الماضي، قبل أن نشهد، منتصف العقد السابع ومطلع العقد الثامن، ميلاد حركة نقدية جديدة يمكن تسميتها ب«المعاصرة»، حاولت الإفادة من المناهج النقدية الغربية الحديثة التي ظهرت نتيجة التطور الذي حصل في الدراسات اللسانية الغربية، وفي مقدمتها البنيوية. من هنا، فالفارق بين الحديث والمعاصر، في هذه الدراسة، فارق زمني فحسب، وليس فنيًّا:
    تحيز العقاد والمازني
    رغم أن البازعي يحمِّل أحمد ضيف مسؤولية التقابل بين التراث العربي القديم والفكر الغربي الحديث، لأنه بسبب كتاباته «ترسخت فكرة الارتباط، بل التماهي، بين مفهوم «الحديث» و«الأوروبي» أو «الغربي» في الثقافة العربية المعاصرة، ليغدو «النقد الحديث» مثل «الفكر الحديث» و«العلم الحديث» لا يحيل على شيء، سوى ما ينتجه الغرب من فكر ومناهج ومفاهيم» ، إلا أنه يمكن اعتبار كتاب «الديوان» للعقاد والمازني، الصادر عام 1921، أول محاولة بارزة في مسيرة النقد العربي الحديث؛ لأنه مع هذا الكتاب، تبدأ أولى محاولات التمرد على التراث النقدي العربي وإعلان القطيعة معه، والتحيز الكلي إلى الحضارة الغربية وتراثها. ولذلك تمثل هذه المحاولة «بداية أول قطيعة حادة مع التراث بوجه عام، ومن ثم، بداية تعويل الناقد العربي (الحديث) على أصول نقدية، ليست من صنعه، ولا من تراثه، بل من صنع الغرب (المتقدم) الذي أصبح اللحاق به منذ ذلك الوقت حلًّا لأزمة التخلف» .
    وهذا ما يتضح من خلال الهدف الذي يحدده العقاد والمازني لدراستهما، وهو «إقامة حد بين عهدين لم يبق ما يسوغ اتصالهما والاختلاط بينهما» ، الأمر الذي قادهما إلى رفض النموذج العربي القديم والحديث معاً، في الأدب والنقد، والدعوة إلى مذهب جديد، وهذا المذهب الجديد ليس إلَّا المذهب الغربي الذي يعبر العقاد والمازني عن انبهارهما به. يقول العقاد، في سياق حديثه عن الآداب الغربية: «إن المرء ليزهى بآدميته حين يُلقي بنفسه في غمار الآداب الغربية، وتجيش أعماق ضميره بتدافع تياراتها وتعارض مذاهبها ومتجهاتها وتجاوب أصدائها وأصواتها..». وبالمقابل، يزدري أحمد شوقي وأتباعه من أنصار المذهب القديم، ويرفض اعتبارهم قدوة الأمة وقوادها، لأن أدب هؤلاء وعالمهم، لا يشبه أدب أولئك وعالمهم، أدب الأدباء الغربيين، «معلمي الإنسانية» و «قدوتها»، فهم مجرد «صعاليك فكريين»، و«أميين عارفين بالكتابة»، و«جهلة متدثرين بلباس المعرفة»... ولذلك، فمن «الجناية على مصر والشين لها أن يُسمى هؤلاء النفر بعد اليوم أدباءها وتراجمة حياة الروح والفكر فيها» .
    وبرغم استعانة العقاد والمازني بكثير من المناهج التقليدية التي أعلنا القطيعة معها والثورة عليها، مما حال دون تحقق «القطيعة الإبستمولوجية والفلسفية بين النقد الوجداني والنقد التقليدي»، فإن هذه الاستعانة لا تلغي المسؤولية التاريخية لكتابهما في التمرد على الماضي الأهلي، والدعوة إلى الحاضر الأجنبي، بل وإلى ماضيه أيضاً؛ لأن هذه المحاولة «التوفيقية» بين معطيات النقد الغربي الحديث ومعطيات النقد العربي القديم، لا يمكن تفسيرها على أنها محاولة واعية من جانب الناقدين بتوظيف ما أعلنا التمرد عليه، بل هي تندرج في إطار ذلك «التناقض» الذي هو «خاصية المرحلة الأولى من مراحل نقدنا الحديث» .
    تحيز نعيمة
    أما المحاولة البارزة الثانية، فهي كتاب «الغربال» لميخائيل نعيمة، الذي صدر عام 1923. فمع هذه الدراسة لم يعد الهدف هو إقامة الحد بين الماضي والحاضر فحسب، بل تجاوزه إلى تصفية الحساب مع هذا الماضي.
    لقد كان ميخائيل نعيمة أكثر جرأة من سابقيه في احتقار التراث العربي وأعلامه، وإعلان القطيعة التامة معه؛ فهو يؤكد أن العقل العربي لم يقدم أي شيء للإنسانية، لم يقدم أدباً ولا فنًّا ولا فكراً ولا قائداً من قواد الإنسانية في أي مجال من مجالات الحياة، فهو عقل «جامد»، و«متخلف»، و«فقير». أما امرؤ القيس، والنابغة، وعنترة، والمتنبي، وابن رشد، وابن سينا، وغيرهم من القدماء والمحدثين، فإن «غثهم أكثر من سمينهم». ويتابع نعيمة قائلاً: «... وعلى كل لا أظنكم ظالمين إلى حد أن ترفعوا أحداً منهم إلى مصاف هوميروس وفرجيل ودانت وشكسبير وملتون... أولئك عاشوا وماتوا ليتغزلوا بظباء الفلاة ولمعان المشرفيات ووقع سنابك الخيل وسفك الدماء ومشي الإبل وأطلال المنازل ونار القرى ... إلخ» .
    ومقابل هذا الازدراء للتراث العربي وأعلامه، يبدي نعيمة انبهاره بتراث الغرب وأعلامه؛ فهؤلاء «اختارتهم السماء أصفياءها وأسكنتهم الأولمب ولمست شفاههم بجمرة الحق... هؤلاء شموع موقدة، في دياجير العالم لتهدي العالم إلى النور... هؤلاء معلمو الإنسانية وقوادها دعوهم في أعاليهم فنحن قاصرون عن إدراكهم..» .
    اتسائل هنا هل كان هؤلاء النقاد - العقاد والمازني ونعيمة - حقا من العرب !فان كان الجواب ايجابا هذا يعني تواطأهم المبين مع الغرب بكل اشكاله ,وكفرهم بمقدسات العرب الاسلامية اذ يطعن نعيمة حتى بالقائد العربي !!!
    تحيز طه حسين
    يمكن اعتبار كتاب طه حسين «في الشعر الجاهلي»، الصادر عام 1926، أخطر دراسة نقدية وتاريخية في تاريخ النقد العربي الحديث؛ لأنها ستمنح الشرعية لما سبقها من دراسات نقدية، من جهة. وستؤسس لنموذج جديد لما سيأتي بعدها من محاولات في تأريخ الأدب العربي ونقده، من جهة أخرى.
    يستهل طه حسين دراسته بقوله: «هذا نحو من البحث عن تاريخ الشعر العربي جديد، لم يألفه الناس عندنا من قبل. وأكاد أثق بأن فريقاً منهم سيلقونه ساخطين عليه، وبأن فريقاً آخر، سيزورون عنه ازوراراً، ولكني على سخط أولئك وازورار هؤلاء أريد أن أذيع هذا البحث» . ويضيف، مؤكداً اقتناعه بنتائج بحثه الجديد في الشعر الجاهلي: «ولقد اقتنعت بنتائج هذا البحث اقتناعاً ما أعرف أني شعرت بمثله في تلك المواقف المختلفة التي وقفتها من تاريخ الأدب العربي» . وبسبب هذا الاقتناع، فإنه يصر على تقييد هذا البحث ونشره، وتقديمه إلى تلك الفئة القليلة من «المستنيرين»، الذين هم «عدة المستقبل، وقوام النهضة الحديثة، وذخر الأدب الجديد» .
    ويؤكد بوثوقية تامة، رغم ادعائه اصطناع مذهب الشك الديكارتي، والتزامه بمعايير البحث العلمي «الصحيح»، أننا تجاه الأدب العربي وتاريخه بين أمرين اثنين لا ثالث لهما؛ فإما أن نقبل بما قاله القدماء في حق هذا الأدب، وإما أن نضع هذا الأدب وعلم المتقدمين كله موضع شك. يقول: «نحن بين اثنين: إما أن نقبل في الأدب وتاريخه ما قال القدماء... وإما أن نضع علم المتقدمين كله موضع البحث. لقد أنسيت، فلست أريد أن أقول البحث وإنما أريد أن أقول الشك» .
    وتبعاً لتقسيمه الأدب إلى قديم وجديد، يقسم أنصاره إلى قدماء ومحدثين، ويرى أن الطريق أمام أنصار القديم واضحة، والأمر عليهم سهل، فمذهبهم في الأدب هو مذهب الفقهاء في الفقه بعد إغلاق باب الاجتهاد. وأهم ما يتميز به هذا المذهب هو الاطمئنان إلى ما قاله القدماء في حق الأدب العربي وتاريخه. أما أنصار الجديد، فالطريق أمامهم، في نظره، معوجة ملتوية، ذلك أنهم لا يؤمنون بشيء، ولا يطمئنون إلى رأي، ويجدون في الشك لذة، وفي الاضطراب رضا، وهم لا يريدون أن يخطوا في الأدب خطوة حتى يتبينوا موضعها، «وهم لا يطمئنون إلى ما قال القدماء، وإنما يلقونه بالتحفظ والشك» . أما نتائج هذا المذهب الجديد، فهي «عظيمة جليلة الخطر، فهي إلى الثورة أقرب منها إلى أي شيء آخر» .
    ولا يتوقف طه حسين، في توضيحه لنتائج هذا المذهب، عند حدود ادعاء إحداث ثورة في الأدب وتاريخه، بل يتوقع من هذا المذهب «تغيير التاريخ» نفسه، و«الشك في المحظور». يقول: «وليس حظ هذا المذهب منتهياً عند هذا الحد، بل هو يتجاوزه إلى حدود أخرى أبعد منه مدى وأعظم أثراً. فهم قد ينتهون إلى تغيير التاريخ أو ما اتفق الناس على أنه تاريخ. وهم قد ينتهون إلى الشك في أشياء لم يكن يباح الشك فيها» .
    وإذا كان الشك مبدأ أنصار الجديد، فإن طه حسين ينطلق منه ليشك في أولى مراحل الشعر العربي؛ فشك في الشعر الجاهلي، أو ألحَّ عليه الشك كما يقول، لأن هذا الشعر لا يمثل حياة الجاهليين. أما تلك الأشعار التي تنسب إلى الجاهليين ف«ليست من الجاهلية في شيء، وإنما هي منتحلة مختلقة بعد ظهور الإسلام، فهي إسلامية تمثل حياة المسلمين وميولهم وأهواءهم أكثر مما تمثل حياة الجاهليين» . ويذهب إلى «أن ما بقي من الشعر الجاهلي الصحيح قليل جدًّا لا يمثل شيئاً ولا يدل على شيء، ولا ينبغي الاعتماد عليه في استخراج الصورة الأدبية الصحيحة لهذا العصر الجاهلي» . أما الذي يصور هذا العصر تصويراً صحيحاً وواضحاً، ويمكن الوثوق به والاعتماد عليه، فهو «القرآن من ناحية، والتاريخ والأساطير من ناحية أخرى» .
    وبعد توضيح مذهبه الجديد، وعرض مبادئه التي يعد الشك أهمها، ينتقل إلى توضيح منهجه في البحث. يقول طه حسين: «أريد أن أصطنع في الأدب هذا المنهج الفلسفي الذي استحدثه (ديكارت) للبحث عن حقائق الأشياء في أول هذا العصر الحديث» . ويمضي موضحاً المبدأ الأول والأساس في هذا المنهج، وهو مبدأ التجرد من كل الأحكام السابقة، والشك في كل الآراء الموجودة؛ إذ يجب على الباحث أن يتجرد «من كل شيء كان يعلمه من قبل، وأن يستقبل موضوع بحثه خالي الذهن مما قيل فيه خلوًّا تامًّا» .
    وعملاً بهذا المبدأ الديكارتي، يدعونا، عند البحث في الأدب العربي وتاريخه، إلى التجرد من كل شيء قد يؤثر علينا فنتسرع أو نتحيز في أحكامنا، فيجب أن «ننسى قوميتنا وكل مشخصاتها، وأن ننسى ديننا وكل ما يتصل به، وأن ننسى ما يضاد هذه القومية وما يضاد هذا الدين، يجب ألَّا نتقيد بشيء ولا نذعن لشيء إلا مناهج البحث العلمي الصحيح» .
    ويرى أن إخلاص المسلمين القدماء في حبهم للإسلام، وتأثرهم به في مباحثهم العلمية قد أفسد علمهم، ولو أنهم استطاعوا أن يتجردوا من عواطفهم وأهوائهم، «وأن يفرقوا بين عقولهم وقلوبهم وأن يتناولوا العلم على نحو ما يتناوله المحدثون لا يتأثرون في ذلك بقومية ولا عصبية ولا دين ولا ما يتصل بهذا كله من الأهواء، لتركوا لنا أدباً غير الأدب الذي نجده بين أيدينا، ولأراحونا من هذا العناء الذي نتكلفه الآن... وأنت تستطيع أن تقول هذا الذي نقوله في كل شيء. فلو أن الفلاسفة ذهبوا في الفلسفة مذهب (ديكارت) منذ العصور الأولى، لما احتاج (ديكارت) إلى أن يستحدث منهجه الجديد» .
    وانطلاقاً من هذه الفوائد «الجليلة» لمنهج ديكارت، الذي «جدد» فلسفة العصر الحديث وعلمه وفنه وأدبه، حتى صار «الطابع الذي يمتاز به هذا العصر» ، لا يترك طه حسين أمامنا أي خيار سوى خيار التأثر بهذا المنهج، «سواء رضينا أو كرهنا». وهل هناك من مسوغ للتأثر بهذا المنهج في دراساتنا العلمية والأدبية أكثر من تأثر أهل الغرب به من قبلنا؟ لا خيار أمامنا، إذاً، إلَّا اصطناع هذا المنهج «في نقد آدابنا وتاريخنا كما اصطنعه أهل الغرب في نقد آدابهم وتاريخهم» .
    ويسارع إلى رد أي اعتراض قد يرد عليه بدعوى عدم مراعاة خصوصية الأدبين الغربي والعربي، نافياً كل خصوصية أو تميّز للعقلية العربية عن نظيرتها الغربية، ومؤكداً تقارب العقليتين، بل ونزوعهما نحو الاتحاد، إن «عقليتنا نفسها -يؤكد طه حسين- قد أخذت منذ عشرات من السنين تتغير وتصبح غربية، أو قل أقرب إلى الغربية منها إلى الشرقية، وهي كلما مضى عليها الزمن جدت في التغيير وأسرعت في الاتصال بأهل الغرب» .
    وإذا كان أنصار القديم في مصر ما زالوا يعيقون هذا التقارب بين العقليتين، بسبب عدم اصطباغ عقليتهم بهذه الصبغة الغربية، فإن انتشار العلم الغربي وتعميمه، «سيقضي غداً أو بعد غد بأن يصبح عقلنا غربيًّا، وبأن ندرس آداب العرب وتاريخهم متأثرين بمنهج (ديكارت) كما فعل أهل الغرب في درس آدابهم وآداب اليونان والرومان» .
    ويختم حديثه عن مبادئ منهجه في البحث وفوائده بقوله: «فالمستقبل لمنهج (ديكارت) لا لمناهج القدماء»! .
    وإذا كان طه حسين قد قسم الأدب والنقد العربيين إلى قديم وجديد، والأدباء العرب إلى قدماء ومحدثين، فإن هذا التقسيم لا ينطبق على الآداب الأوروبية وأعلامها، فصفة القديم يبدو أنها لازمة لما هو عربي فقط، أما ما هو يوناني أو غربي حديث فهو «إنساني» و«خالد»، ولا يمكن أن يكون قديماً. وهذا ما يؤكده في سياق رده على أولئك الذين يتغنون بالجديد فقط لأنه جديد، ويرفضون القديم فقط لأنه قديم: «.. قل لهم: إن فلسفة اليونان وآدابهم وفنونهم ليست قديمة ولا يمكن أن تكون قديمة، وإنما هي أشياء أراد الله لها أن تحتفظ بقوتها ونضرتها وشبابها ما بقي من الدهر وما كان للإنسان عقل وشعور» .
    ولذلك، فهو لا يضع علوم المتقدمين الغربيين موضع الشك كما يفعل مع الأدب العربي، ويكفي أن نلقي نظرة على ما يقوله في حق أرسطو وفلسفته، وفي حق أدب اليونان وفنه، بل وفي أعلام الأدب والفكر الغربي الحديث، لنقف على مقدار تحيزه للحضارة الغربية. يقول عن أرسطو، في سياق إشادته بترجمة لطفي السيد لكتاب «الأخلاق» لأرسطو: «أريد أن أعلم إلى أي مؤلف أو إلى أي عالم أو إلى أي فيلسوف نستطيع أن نقرن أرسطا طاليس! أما أنا فلست أعرف له نظيراً منذ ظهرت الفلسفة الإنسانية، وما أعتقد أن أحداً غيري يستطيع أن يجد له نظيراً. ومهما يكن من شيء فأرسطا طاليس هو المعلم الأول حقًّا كما سماه العرب، وهو أبو الفلاسفة حقًّا، وهو زعيم الفلاسفة حقًّا وأبقاهم سلطاناً وأرفعهم مكاناً وأشدهم ثباتاً للدهر وقوةً على الأيام» .
    ويضيف، في نبرة تكشف بوضوح عن انبهاره بالحضارة الغربية ومصادرها اليونانية، انبهاراً أعماه عن رؤية نقائصها وإدراك تحيزاتها، وجعله يصف كل ما أنتجه الغرب ب«الكوني» و«الإنساني» و«الخالد»، قائلاً: «كانت تلك المذاهب في المنطق والأخلاق والسياسة والبيان مذاهب شخصية تضاف إلى أصحابها وتطبع بطابعهم. فلما جاء أرسطا طاليس أصبحت هذه العلوم علوماً إنسانية لا فردية ولا مذهبية، وأصبحت تمتاز بشيئين متناقضين، فهي شخصية من جهة، ولا شخصية من جهة أخرى: شخصية لأن شخص أرسطا طاليس أقوى وأظهر من أن يخفى... وهي في الوقت نفسه لا شخصية، لأن أرسطا طاليس لم يكن يريد أن يسلك في الفلسفة مسلك الذين تقدموه، وإنما كان يريد أن ينظم جهود العقل الإنساني ونتائج هذه الجهود، وأن يرسم لهذا العقل سبيله إلى الرقي العلمي والأدبي، وقد وفق أرسطا طاليس فأصبحت فلسفته فلسفة الإنسانية» .
    ويواصل تمجيده لأرسطو، وبيان آثاره على الإنسانية، وتأكيد كونية فلسفته الخالدة التي لا تنالها يد الاندثار، ولا تخضع لمنطق التاريخ، لأنها متجاوزة له، ومتعالية عليه وعلى أي خصوصية حضارية أو تحيز معرفي، إلى أن يصل إلى الحديث عن فضله في النهضة العربية الأولى، وفي النهضة الأوروبية الحديثة، ليخلص إلى القول بأن «كل شيء من آثار أرسطا طاليس غريب؛ فإنك لا تسلك مذهباً من مذاهبه الفلسفية إلا أحسست فيه شيئين: الأول أن هذا المذهب ملائم للعصر الذي نشأ فيه، والثاني أنه ملائم للعصور الإنسانية على اختلافها» . ويدعم رأيه بشهادة بعض الفرنسيين الذين يرون أن فلسفة أرسطو تشكل أساساً لكل حضارة جديدة يمكن أن تقوم، إلى أن يقول: «وفي الحق أن اليونان والرومان عاشوا في العصر القديم على فلسفة أرسطا طاليس وأن الشرق والغرب عاشا في القرون الوسطى على فلسفة أرسطا طاليس، وأن أوروبا الحديثة تعيش الآن وستعيش غداً على فلسفة أرسطا طاليس» .
    غير أنه إذا أمكننا تجاوز تناقض طه حسين مع نفسه بين ما يقوله هنا في حق أرسطو، وبين ما قرره في حق منهج ديكارت حين رأى أن هذا المنهج قد جدد العلم والفلسفة تجديداً، فإنه لا يمكن تجاوز ما تنطوي عليه هذه الآراء من مغالطات تاريخية يدركها كل من لديه أدنى اطلاع على أسس النهضتين العربية الأولى والأوروبية الحديثة. ذلك أن فلسفة أرسطو، لم تكن، في أي يوم من الأيام، من مواجهات النهضة العربية الأولى، بل كانت على العكس من ذلك تماماً، من أكبر عوائقها التي ساهمت في تعثرها. وهذا ما يؤكده ابن تيمية حين يقرر أن الأمة الإسلامية في القرون الثلاثة الأولى، كانت أعلم الأمم في العلوم والمعارف، ولكن بعد ترجمة كتب أرسطو صار الاختلاف والجهل أهم سماتها. يقول ابن تيمية: «فإن القرون الثلاثة من هذه الأمة -الذين كانوا أعلم بني آدم علوماً ومعارف- لم يكن تكلف هذه الحدود من عادتهم، فإنهم لم يبتدعوها، ولم تكن الكتب الأعجمية الرومية عُرِّبت لهم. وإنما حدثت بعدهم من مبتدعة المتكلمين والفلاسفة ومن حين حدثت صار بينهم من الاختلاف والجهل ما لا يعلمه إلا الله» .
    ويعبر أبو يعرب المرزوقي عن الرأي نفسه حين يربط تعثر النهضة العربية الأولى بالفلسفة الأرسطية، لأن هذه النهضة «لم تقدر فعل التفلسف حق قدره»، فحصرت إياه «في مجرد استيراد النظريات الحاصلة بدلاً من تعلم فعل التنظير، وقد حصل أمر عجب جعل معارضي الفلسفة أكثر فهماً لها بصفتها فعل تنظير من الذين تبنوها» .
    أما النهضة الغربية الحديثة، فلا جدال في أنها قد قامت أساساً على التخلص من فلسفة أرسطو وشروحها.
    فكيف يسمح طه حسين لنفسه بالوقوع في التناقض من جهة، وتجاوز الحقائق التاريخية من جهة أخرى، ليحتفي بترجمة كتاب من كتب أرسطو، ويدعي بعد ذلك تجرده من كل الأهواء والعواطف، والتزامه بمناهج البحث العلمي الصحيح؟ ثم نتساءل: ما هي مناهج البحث العلمي الصحيح هذه؟
    إن القارئ لكتب طه حسين النقدية سيكتشف، منذ الوهلة الأولى، أن هذه المناهج ليست إلا تلك المناهج الغربية التي تلقاها عن المستشرقين، أساتذته في الجامعات المصرية والغربية، والتي يدعونا إلى استيرادها وتوظيفها دون أدنى مساءلة أو نقد، ودون أدنى فحص لمدى ملاءمتها لطبيعة موضوعه، بل ودون أن يكلف نفسه أدنى عناء لتقريبها إلى القارئ العربي، بشرح عناصرها وبسطها، وكشف خلفياتها التاريخية والمعرفية، حتى يكون هذا القارئ على بينة من أمره في قبول هذه المناهج أو رفضها.
    إن النظرة الدونية للنفس تمثلت ب(عميد الادب العربي) كما وصفه الغرب -طه حسين- الذي نفى الوجود الادبي في تأريخ العرب وأنكر عليهم قول الشعر والخطابة في العصر الجاهلي وهو العصر الذهبي للشعر والنثر مشيحا بذلك وجهه عن العرب ومسلما فكره المخذول للآدب الغربي بكل اشكاله حتى في قرون بالغة في القدم
    وجزا الله الدكتور ابراهيم عوض خيرا حين يبين لنا انكار طه حسين للنثر والشعر الجاهليين فيقول:
    على كل حال، فطه حسين إنما يسير في إنكاره للنثر الجاهلي على ذات الدَّرب المُتخبِّط الأهوج الذي سار عليه في نفْيه للشعر الجاهلي كله تقريبًا، مشايعًا المحترق مرجليوث في خَرَقه وضلاله، وعَمى منطقه وبصيرته!

  10. #10
    الصورة الرمزية عادل العاني مشرف عام
    شاعر

    تاريخ التسجيل : Jun 2005
    المشاركات : 7,783
    المواضيع : 246
    الردود : 7783
    المعدل اليومي : 1.13

    افتراضي

    نتابع معك هذا الإستعراض الوافي وتوضيح ما خفي على الأدباء والكتاب والمثقفين العرب من حقائق ..

    وسنترك الحوار حتى تنتهي لاستنتاجاتك ..

    بارك الله فيك, ورمضان مبارك أعاده الله عليكم وعلينا وعلى أمتينا العربية والإسلامية وحالنا أفضل .. وربما استرجعنا بعض ما فاتنا أو سقط منا أو أسقط عنا

    تحياتي وتقديري

صفحة 1 من 3 123 الأخيرةالأخيرة

المواضيع المتشابهه

  1. العروض الرقمي (1)
    بواسطة كلمات في المنتدى مَدْرَسَةُ الوَاحَةِ الأَدَبِيَّةِ
    مشاركات: 67
    آخر مشاركة: 11-01-2013, 02:41 AM
  2. تاريخ العروض الرقمي
    بواسطة خشان محمد خشان في المنتدى مَدْرَسَةُ الوَاحَةِ الأَدَبِيَّةِ
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 18-12-2010, 05:54 PM
  3. دليل العروض الرقمي
    بواسطة خشان محمد خشان في المنتدى مَدْرَسَةُ الوَاحَةِ الأَدَبِيَّةِ
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 14-01-2006, 05:09 AM
  4. العروض الرقمي - لماذا ؟
    بواسطة خشان محمد خشان في المنتدى مَدْرَسَةُ الوَاحَةِ الأَدَبِيَّةِ
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 22-12-2003, 10:01 AM
  5. عالمية العروض الرقمي
    بواسطة خشان محمد خشان في المنتدى مَدْرَسَةُ الوَاحَةِ الأَدَبِيَّةِ
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 08-06-2003, 11:13 PM