المناظرات في عصر صدر الإسلام

المناظرات من أهم أشكال الخطاب الأدبي في هذا العصر لأن القرآن الكريم قد فتح للناس باب الحوار للوصول إلى الحقيقة ومن المناظرات المتخيلة في هذا العصر
1- مناظرة الله عز وجل مع العبيد:
يروى :أن الله تعالى يخاطب عبده ويقول: ألم أكرمك وأسودك وأزوجك وأسخر لك الخيل والابل فيقول: بلى يا رب فيقول: أظننت أنك ملاقيّ فيقول: لا فيقول: إني أنساك كما نسيتني وقال النبي صلّى الله عليه وسلم: إن الله يدني المؤمن يوم القيامة حتى تقع عليه الهيبة فيقول: أي عبدي أتعرف ذنب كذا وكذا فيقول: نعم أي رب حتى إذا قرره بذنوبه، ورأى العبد في نفسه أنه قد هلك فيقول إني قد سترتها عليك في الدنيا وقد غفر بها لك اليوم، ثم يعطى كتاب حسناته بيمينه وقال الله تعالى { وَقُلْ لِعِبادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ، وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ ، وَيُؤْتُوا الزَّكاةَ} [ ]. يا موسى بن عمران قل لعبادي اعملوا ما شئتم، فإن مع اليوم غدا يا عبادي أنتم رفعتم أنسابكم ووضعتم نسبي، فاليوم أضع أنسابكم وأرفع نسبي أين المتقون، وقال: يا موسى أشكو إليك جفاء عبادي استقرضتهم فلم يقرضوني ودعوتهم فلم يجيبوني وأعطيتهم فلم يشكروني يا ابن آدم خلقتك لتربح عليّ ولم أخلقك لأربح عليك فاتخذني بدلا من كل شيء يا ابن آدم لو يعلم الناس منك ما أعلم لنبذوك ولكن سأغفر لك، ما لم تشرك بي.
2- مناظرة النبي صلّى الله عليه وسلم مع النصارى
جاء وفد نجران إلى النبي صلّى الله عليه وسلم وقالوا: إذا لم يكن عيسى ولد الله تعالى فمن أبوه فقال: النبي صلّى الله عليه وسلم : ألستم تعلمون أنه لا يكون ولد إلا وهو يشبه أباه ؟ قالوا بلى قال: ألستم تعلمون أن ربنا حي لا يموت وأن عيسى يأتي عليه الفناء ؟ قالوا بلى . قال: ألستم تعلمون أن ربنا قيوم على كل شيء، يحفظه ويرزقه ؟ قالوا بلى، قال: فهل يملك عيسى من ذلك شيئا ؟ قالوا لا قال: فإن ربنا صور عيسى في الرحم كيف شاء ؟ وربنا لا يأكل، ولا يشرب ولا يموت قالوا بلى قال: ألستم تعلمون أن عيسى حملته أمه كما تحمل المرأة ثم وضعته وغذي كما يغذى الصبي ثم كان يطعم ويشرب ويحدث ؟ قالوا بلى. قال: فكيف يكون ربنا؟ فسكتوا وانقطعوا.
6- مناظرة الروح
قال ابن عباس رضي الله عنهما: لم تزل الخصومة دائمة إلى يوم القيامة حتى تختصم الروح مع الجسد فيقول الجسد أي رب خلقتني كالجبة ولم تجعل لي يدا أبطش بها ولا رجلا أمشي بها ولا عينا أبصر بها حتى دخل هذا عليّ كالشهاب فبه نطق لساني وسمعت أذني وأبصرت عيني وبطشت يدي فأحل عليه العذاب ونجني من النار، فتقول الروح يا رب خلقتني كالريح، ولم تجعل لي يدا ولا رجلا وعينا وسمعا فلم أتحرك إلا بحركته ولم أسكن الا بسكونه فما ذنبي وما جرمي يا رب ؟ أحل عليه العذاب ونجني قال: فيضرب الله تعالى لهما مثلا : كالأعمى والمقعد يصطحبان أما الاعمى فلا يبصر والمقعد لا يقدر على المشي فبلغا إلى بستان فجلسا وتشاورا وطلبا حيلة فقال الأعمى أنا لا أبصر فمر أنت وائت بالعنب وقال المقعد: بل مر أنت فإني لا أقدر على المشي، ثم تناظرا وتناصفا وقالا هذا أمر لا يتم بأمر دون الآخر، يا أعمى، قم أنت فارفعني حتى أتسلق الحائط وأقطف العنب فلما توافقا قطعا العنب وأكلاه وقال المقعد: لولا أنت يا أعمى لما أكلت وقال الأعمى لولا أنت لما أكلت فكل واحد، محتاج إلى صاحبه لولا الروح لكان القالب خشبا مسندة ولولا القالب لما كان روح فكل واحد فاعل وعامل من وجه فيكون الخطاب والثواب والعقاب لهما جميعا فافهم واعلم.
4- مناظرة إبليس لعنه الله:
في الخبر أنه جاء إبليس الى النبي صلّى الله عليه وسلم وهو شيخ أعور كوسج ليس في وجهه غير تسع شعرات مشقوق طولا بخلاف الآدمي وله نابان خارجان، فقال النبي صلّى الله عليه وسلم: من أبغض الناس إليك؟ قال: أنت يا محمد قال: ثم من؟ قال: شاب تقي قال: ثم من؟ قال: عالم ورع قال: ثم من؟ قال: سلطان عادل والمقيم على الطهارة قال: ما تقول في أبي بكر؟ قال: لم يطعني في الجاهلية بكذبة فكيف في الاسلام، قال: فمن ضيفك من أمتي؟ قال: مبغض أبي بكر وعمر قال: فمن خازنك؟ قال: مانع الزكاة قال: فمن خليلك؟ قال: آكل الربا قال: فمن جليسك؟ قال: تارك الصلاة قال: فمن ضجيعك؟ قال: السكران والسارق قال: فمن صهرك؟ قال: الزاني قال: فمن رسولك؟ قال: الساحر قال: فمن قرة عينك؟ قال: الذي يحلف بالطلاق قال: فما يكسر ظهرك؟ قال: صهيل الفرس في سبيل الله عز وجل قال: فما يذيب جسمك؟ قال: توبة التائب قال: فما يخزى وجهك؟ قال: صدقة السر قال: فما يطمس عينك؟ قال: صلاة السحر قال: فأي الناس أشقى عندك؟ قال: الأسخياء، والقدرية إخواني ، والعلماء والفقهاء يغلبونا مرة ونغلبهم أخرى وإني نصحت نوحا فأمره الله تعالى أن يعمل بنصيحتي فقلت له: إياك والعجلة فان قابيل عجل قتل هابيل، فأصبح من النادمين وإياك والعجب فإني أول من أعجب بنفسه وإياك والحسد، فإني أول من حسد وإياك والكذب فاني أول من حلف بالله كاذبا، ثم قال: والذي بعثك بالحق إني ألعب بثلثي أمتك كما تلعب الصبيان بالكرة، ثم قال: ما حبائلك؟ قال: النساء، قال: وأين بيتك؟ قال: الحمامات قال: وأين مسكنك؟ قال: الأسواق قال: وما قرآنك؟ قال: الشعر والهجاء قال : وما غناؤك؟ قال: الأوتار والعود والطنبور، قال: ومن رسولك؟ قال : الكهان والمنجمون قال: ومن أمتك؟ قال: الشياطين ثم قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: هل لك أن تتوب يا أبا مرة وأضمن لك الجنة؟ قال: لو أراد مني التوبة لتبت ولكن قضاؤه غلب توبتي.
5-مناظرة أهل القبور مع أهل القصور:
واعلموا أنهم مناظرون أهل القصور بلسان الحال ولسان الحال أعدل من لسان المقال فيقولون يا أهل القصور لا تنسوا أهل القبور وارحموا ضعفنا ومسكنتنا، يا معشر الإخوان ارحمونا يرحمكم الله فقد أكلنا التراب وقد سالت العيون وتفرقت الخدود وتمزقت القدود مساكين أهل القبور عن يمينهم التراب وعن يسارهم التراب ومن خلفهم التراب ومن أمامهم التراب، كنا أهل القصور فصرنا أهل القبور كنا أهل النعمة، فصرنا أهل الوحشة والمحنة قد سالت العيون وصدئت الجفون وانقطعت الأوصال وبطلت الآمال. صار الضحك بكاء والصحة داء والبقاء فناء والشهوة حسرات والتبعات زفرات فما بيدنا إلا البكاء والحسرات نفدت الأعمار وبقيت الأوزار، هيهات هيهات ولات حين مناص حسرتنا أن ندرك وقتا نصلي فيه ركعتين ولا نقدر وأنتم تقدرون فاغتنموا معشر إخواننا نحن قوم محرومون وحيل بينهم وبين ما يشتهون فاذكرونا بالخير وواسونا بالصدقة فإنا مساكين وأنتم أغنياء ميامين مساكين أهل القبور ما أشد بلاءهم وأعظم حسراتهم، لنا الويل الطويل والحسرة والزفير وأنتم تفعلون ما تشتهون ونحن كما قال الله تعالى { وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ ما يَشْتَهُونَ } [ ] ، يا معشر الأصحاب الغياث من التراب، وإن نمنا فعلى التراب، وإن استيقظنا فعلى التراب، وإن اضطجعنا فعلى التراب، على اليمين تراب، وعلى الشمال تراب، واحسرتاه من التراب، واوحدتاه من التراب، فكم من حسرة تحت التراب
يا حسرة ما أكاد أحملها ...............آخرها مزعج وأولها
لنا ما قدمنا وعلينا ما خلفنا تبا للجاه والمال، وتعسا للدنيا وسوء الحال. أنوح على نفسي وأبكي خطيئة ... نقود خطايا أثقلت مني الظهرا
فيا لذة كانت قليلا بقاؤها ... ويا حسرة دامت ولم تبق لي عذرا
إني أرى هذه الدنيا وزخرفها ... خضاب غانية أو حلم وسنان
وإن امرأ دنياه أكبر همه ... لمستمسك منها بحبل غرور
إني لأعلم واللبيب خبير ... أن الحياة وإن حرصت غرور
ومن صحب الدنيا على جور حكمها ... فأيامه محفوفة بالمصائب
عجبا عجبت لغفلة الانسان ... قطع الحياة بغرة وتوان
فكرت في الدنيا فكانت منزلا ... عندي كبعض منازل الركبان
أبغي الكثير على الكثير تضاعفا ... ولو اقتصرت على القليل كفاني
مجرى جميع الخلق فيها واحد ... وكثيرها وقليلها سيان
لله در الوارثين كأنني ... بأخصهم متبرم بمكاني
يا معشر الإخوان لا تنسونا من الدعاء والصدقة فكنا زمانا أحياء بمنزلتكم فصرنا أسراء تحت صدقتكم اخبرونا كيف أيتامنا، أنشدكم الله كيف آباؤنا وأبناؤنا كيف معارفنا وأصدقاؤنا أين الآباء والاخوان أين الاصدقاء والولدان؟ .
أبكي فراقهم عيني وأرقها ... أن التفرق للأحباب بكاء
أخبرونا ما حال أزواجنا وما عاقبة أصدقائنا وما عاقبة أموالنا ارحموا أيتامنا وأعطفوا على أطفالنا، هيهات أن يرجع ما قد فات يا أيها المغرور بزهرة الدنيا وسلامة الوقت هلا اعتبرت بتغير الأزمان وموت الاخوان هذا والله غاية الظلم والعدوان أصحاب القصور ابكوا علينا { يا مالك ليقض علينا ربك } [ ] اشتقنا الى أولادنا وسئمنا طول مقامنا وطال حسابنا وعذابنا فما هذه العلل وحتام هذا المهل، يا أهل القصور الأعمال قد انقطعت والحسرات قد بقيت والاموال قد فنيت والأزواج قد نكحت والدور قد خربت، فيا أهل القصور: الاعتبار الاعتبار، ويا أهل الدور: الاعتذار، الاعتذار، كل يوم يأتينا خطاب الجبار كيف أنتم يا عبادي كيف أنتم أيها المحبوسون، كيف أنتم يا أهل القبور والسجون { أزفت الآزفة ليس لها من دون الله كاشفة } [ ].



(دخل أمير المؤمنين علي بن ألب طالب رضي الله عنه المقبرة) وقال: السلام عليكم إن دياركم قد سكنت، وإن أزواجكم قد نكحت وأموالكم قد قسمت هذا خبركم عندنا فما خبرنا عندكم فهتف به هاتف: عليكم السلام يا ابن أبي طالب خبرنا ما عملنا ربحنا وما قدمنا وجدنا وما خلفنا خسرنا، فأقبل علي على أصحابه وقال: يا أصحابي{ تَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى وَاتَّقُونِ يا أُولِي الْأَلْبابِ} [ ].
6-مناظرة الاغنياء مع الفقراء ومناظرة الفقراء مع الاغنياء
-قال الفقراء للأغنياء : نحن أفضل منكم فإن محمدا صلّى الله عليه وسلم اختار الفقر على الغنى
-وقال الاغنياء: بل نحن أفضل منكم إان الغني صفة الرب والله الغني وأنتم الفقراء -قال الفقراء: نحن أفضل فإن حسابنا أقل ومن قل شيئه قل حسابه ومن كثر شيئه كثر حسابه ومن طال حسابه طال عذابه ومن نوقش الحساب عذب على قدر جرم الفيل تبنى قوائمه
-وقال الاغنياء: بل نحن أفضل لأن صدقاتنا وزكواتنا أكثر فيكون ثوابنا أكثر
- قال الفقراء : يموت أحدنا وحاجته في صدره ولم تقض ويموت أحدكم وقد قضى منها وطرا فكيف يستويان؟ يقال لكم { أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا } [ ]
-قال الاغنياء: لا تتهيأ لكم شرائع الإسلام والإيمان فلا تحجون ولا تزكون ولنا فضول أموال نحج ونزكي ونغزوا والحسنة بعشر أمثالها وويل لمن غلبت آحاده عشراته فنحن أفضل منكم
-فقال: الفقراء إذا لم يجب علينا لا نطالب بقضائها وأدائها وأما أنتم فتسألون عن كل ذرة وحبة حرفا حرفا ، وتحاسبون ألفا ألفا ، وقد قال النبي صلّى الله عليه وسلم: (لا تزول قدما عبد عن الصراط حتى يسأل عن أربع عن عمره فيم أفناه وعن شبابه فيم أبلاه وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه ) ، فنحن أفضل منكم -فقال الاغنياء: نحن أفضل منكم نشتري بالمال الأسرى ونتصدق على المساكين ونسر المسلمين والمال سبب لإدخال السرور على الاخ المؤمن،
-قال الفقراء: إن كنتم اكتسبتم بها الأجر والثواب وإدخال السرور فأنا قد استفدنا بالفقر الراحة والقناعة وقلة الهم والغم، فإن الزهد في الدنيا يريح القلب والبدن والرغبة في الدنيا تكثر الهم والحزن
- قال الأغنياء: المال عدة الزمان وعدة الانسان والغنى قرة العين به يتقرب العبد إلى طاعة الله تعالى والنفس إذا أحرزت قوتها اطمأنت وأما الفقير فحيٌّ كميت لا عيش له ولا قرار،
-قال الفقراء: عرفتم شيئا وغابت عنكم أشياء فإن المال سبب الحرص والحسد والكبر والعجب والفتنة والخصومة وأهل الدنيا يتقاتلون عليها ويتناحرون وهذه الآفات بمنزلة العقارب والحيات، فمن سلم من الحيات لدغته العقارب وأما الفقراء فلا حرص ولا حسد ولا كبر ولا عجب طرحوا وفرحوا
-قال الاغنياء: أخطأتم شتان بين من قدر فترك وبين من لا يقدر فيعجز فأنتم أصحاب العجز ونحن أصحاب القدرة فكيف يتفقان إنا وجدنا الأموال واشترينا بها الجنان والثواب وعجزتم عن ذلك فانظروا إلى هذا البيان والبرهان
-قال الفقراء: المال روح الدنيا والدنيا يبغضها الله أما الفقر فهو غنى والغنى يحبه الله فإن الله موجود حقيقي ومن سواه فموجود مجازي
-قال الاغنياء: تأملوا ما تقولون فخلق المال من حكمة الله وتخصيص المال من كرامة الله
-قال الفقراء: إن فرعون كان من الأغنياء المسرفين ، فهو عند الله من الكافرين وكم من كافر منعم عليه وكم من مؤمن مقتر عليه
-قال الاغنياء: هذا القياس ينتقض ولا يصح إلا بقياس فإن سليمان كان من المرسلين وقد ملك الدنيا سنين وهذا داود كان له ثلاثة وثلاثون ألف حارس وكراسي من ذهب وفضة وهذا عثمان وعبد الرحمن وغيرهما،
- قال الفقراء: القياس صحيح فإن المال كان لهم ولم يكونوا هم للأموال فشتان بين من يكون للمال وبين من يملك المال
-قال الاغنياء: أهل الجنة أغنياء فرحون وإنهم على أطيب عيش وأعدل حال وأهل النار فقراء مغمومون فنحن أفضل،
- قال الفقراء: امسكوا فإن آلة المعصية ما أطغى وما أبغى ولم يتبع الهوى إلا كل ذي مال وأما الفقراء فحسبهم الخمول والسكون يطيعون ربهم شاؤوا أم أبوا؟
- قال الاغنياء: غلطتم فإن التقوى مركوزة في طباع المرء أفتقر أو استغنى
-قال الفقراء: أتسلمون لنا أن قلب المرء مع ماله، فالغني لا يحب الموت ويكره مفارقة الدنيا وأما الفقير فلم ير خيرا إلا من ربه فيقدم عليه كالغائب. غدا نلقى الأحبة محمدا وحزبه. والفقير قلبه إلى ربه ؛ فشتان بين من يميل إلى ربه وبين من يميل إلى الدنيا فلما أورد على الاغنياء هذه الحجة كادوا أن يتقطعوا
فقال الأغنياء : لا نسلم هذا هواجس وترهات دسائس بل الغني صفة الرب والله الغني ، ونحن أفضل فصاحوا وتهارشوا وقالوا أما غنى الرب فوصف ذاتي لا يتعدد ولا يتبدل هو واجب الوجود غني بذاته لا بالمال والحال وغناكم عرضي، يزول في حال فهذا قياس الملائكة بالحدادين فتحاكموا إلى قاضي العقل فنظر واعتبر وطول وهول
-قال قاضي العقل : قد تحيرت فيما بينكم إن قلت الفقر أفضل فيناديني الشرع كاد الفقر أن يكون كفرا وإن قلت الغنى أفضل سمعت القرآن { أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ } [ ]
-فبعثوا رسولا الى النبي صلّى الله عليه وسلم في مأثور الأخبار أن الفقراء شكوا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم الأغنياء وقالوا فازوا بخيري الدنيا والآخرة يزكون ويتصدقون ويحجون ويغزون ولهم فضول أموال ينفقونها ولا نجد شيئا فحالنا أفضل أم حالهم فرحب النبي صلّى الله عليه وسلم برسول الفقراء وقال جئت من عند أكرم قوم على الله قل لهم إن من صبر على الفقر لأجل الله يكون له ثلاث خصال لا تكون لأحد من الاغنياء
إحداها أن في الجنة قصورا يرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها ولا يسكنها إلا الأنبياء والفقراء والشهداء،
والثانية أن الفقراء يدخلون الجنة قبل الاغنياء بخمسمائة عام،
والثالثة إذا قال الفقير مرة واحدة سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ويقول الغني مثل ذلك فلا يبلغ درجة الفقراء أبدا فقالت الفقراء رضينا
فهذه مناظرة الفقراء مع الاغنياء ولا شك ولا خفاء أن الفقراء أفضل من الأغنياء قطعا.
7-مناظرة العافية مع النعمة
-قالت العافية : أنا أفضل فليس لي نظير في الدنيا كل أحد يحتاج إلي وأنا لا أحتاج إلى أحد، وأنا التي قالوا في حقي لو سألت من الله شيئا ما سألت سوى العافية وأنا التي قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: سلوا الله العافية في الدنيا والآخرة،
- قالت النعمة: كل من أصبح في عالم الله يطلبني ويذكرني الناس في المحاريب والمنابر يقولون نسألك الغنى عن الناس
- قالت العافية: كل العالمين يسألون من الله العافية،
- فقالت النعمة: ولكنهم يسألون الغنى عن الناس
- قالت العافية: إذا حضرت في موضع جاء الملك أو الرياسة
أجابت النعمة: إذا حضرت فقد جاء الفرح والسيادة
-قالت العافية: لا تتهيأ أمور الخلق إلا معي
-فقالت النعمة: أنا أكون معك
-قالت النعمة: والله الغني وأنتم الفقراء ولا يقال والله صاحب العافية فبهتت العافية
-قالت العافية : غنى الله صفة ذاته وهي قديمة وأنت محدثة فالمشاركة في الاسماء لا يوجب المشاركة في المعاني
-قالت العافية: إن كان يقنعك التعلق بالأسماء فأنا الذي لا عيب لي ولا قدح في والله بريء من العيوب،
-فقالت النعمة: إن صحبت واحدا ألف سنة فما لم أحضر لا يطيب عيشكما إن الجنة تطيب بحضوري وشهودي
-فقالت العافية: إن الحياة لا تطيب إلا معي وبي
-فأطنبا الكلام وأطالا المقام فتحاكما إلى قاضي العقل الذي لا يحيف فقضى بينهما وقال: أنتما أخوان ورضيعا لبان وفرسا رهان لا يستغني أحدكما عن الآخر فيا صاحب العافية لك البشرى ، ويا صاحب النعمة لا تقل بشرى ولكن بشريان.
8-مناظرة السخاء والبخل
وتناظر السخاء والبخل يوما
-فقال البخل: أنا أفضل فإني سبب الغنى وأنت سبب الفقر فصاحبي يمسكني فيصبح غنيا وصاحبك ينفقك فيصبح فقيرا فأنا قوة القلب وأنا حارس العرض وأنا قائد الغنى وبشير العلا وسائق الجيش وأنا أورث المال والفرج وأحفظ البيوت والدنيا وأغنى عن القرض وأذب عن العرض وأغنى عن الناس والغنى عن الناس هو الغنيمة العظمى والدولة الكبرى وأنا وأنا ...........؛
-واحتج عليه السخاء فقال : يا فل ابن فل يا ملوما بكل لسان يا مذموما عند كل إنسان أتتكلم في هذا الزمان ؟ أما تستحي وأنا ممدوح بكل لسان محمود عند كل إنسان أنا سبب المحبة أنا سبب الذكر الجميل أنا ساتر العيوب أنا الذي اذا عثرت
أخذ بيدي ربي أنا الذي يشار إليّ بالأصابع ! أنا الذي يحبني كل واحد من الناس أنا أنفع في الدنيا والآخرة أنا الذي وجودي للمنفعة وأنت الذي وجودك للمضرة والله جواد كريم وإبليس شحيح بخيل وكل سخي في الجنة وكل بخيل في النار وأنا شجرة في الجنة وأنت شجرة في النار وأنا قريب من الله وأنت بعيد من الله قريب إلى النار وأنا يحبني كل أحد وأنت يبغضك كل أحد وأنا أكون مع المؤمنين وأنت تصبح مع الكافرين ولي منشور توقيعه [ هذا دين أرتضيه لنفسي ولن يصلحه الا السخاء ] ولك منشور توقيعه [ سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة ] وأنا مع الأنبياء وكل نبي وولي سخي وأنت مع اليهود. فلما حاجّة بهذه الدلائل فكأنه ألقمه الحجر فهرب البخل إلى ديار الكفر خجلا وجلا نادما منقطعا فأمر الشرع حتى ينادي ألا فاسمعوا وعوا خلق الله الإيمان وحفه بالسخاء وخلق الكفر وحفه بالبخل والبخل دهليز ، وكل سخي فيه شعب وخصال من الايمان وكل بخيل فيه خصلة من الكفر
9-مناظرة الدولة مع العقل
اعلم أن الدولة سماوية والعقل رباني ولا حظ للعقل دون الدولة، والدولة قد تصحب من لا عقل له فإذا أقبلت الدولة أعطته محاسن غيره وإذا أدبرت الدولة سلبته محاسن نفسه فمن أقبلت عليه الدولة يصير خطأه صوابا وكذبه يعد صدقا ويجتني من الشجرة اليابسة ثمرا وتبيض الدجاجة على رأس الوتد فإذا أدبرت فقد جاءت المحن والفاقة بحيث لا طاقة له. في الأثر: لما نزل الايمان من السماء استقبلته جميع الطاعات فيقول كل انزل في بيتي فقال أنا أعرف بيتي فنزل في دار السخاء، وكل سخي صاحب إيمان أو فيه خصلة منه ولما نزل الكفر استقبلته جميع المعاصي فقال كل انزل بنا، فقال أنا أعرف بمكاني منكم ثم نزل في بيت البخلاء فلهذا قيل البخل أخو الكفر، وتناظر العقل والدولة
- فقال العقل : معي الخطاب
-وقالت الدولة : العيش معي وفي ناصيتي الجد والبخت،
-فقال العقل : بني الإسلام على أساسي
-فقالت الدولة : بقاء الدين والدنيا في ناصيتي
-فقال العقل : وقع على منشوري بك أخاطب وبك آمر، فقالت الدولة: وأعطاني تشريفا بقوله وتلك الأيام نداولها بين الناس
-فقال العقل : أنا حجة الله
-فقالت الدولة: أنا عطاء الله
- فقال العقل: أنا أصحب الأنبياء
-فقالت الدولة: ولا أخلو عن صحبتهم قال العقل: فمن عدمني فمثل البهيمة،
-فقالت الدولة: من عدمني فهو حي كميت
- فقال العقل: لقد ذكرني الله في القرآن بقوله:{ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ} [ ] { أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ }[ ] { لمن كان له قلب } [ ] أي :عقل
-فقالت الدولة: اسمي في القرآن { دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِياءِ مِنْكُمْ }[ ] وقوله تعالى: { نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ }[ ] { نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ} [ [
-فقال العقل: الدولة اتفاقات حسنة
-فقالت الدولة: هذا من كلام الفلاسفة أنا عطية الله وهدية الله
-قالت الدولة للعقل: أنت صاحب الحرمان لأن عقل الرجل محسوب من جملة رزقه وأنا صاحب النعمة والكرامة، يا عقل أنت صاحب الهموم والأحزان فإنه ما رؤى عاقل مسرورا،
-فقال العقل : يا دولة عرفت شيئا وغابت عنك أشياء لا تعيرني بإمارة خمسة أيام فالدنيا لعب ولهو والولاية وراءها العدل
-فقالت الدولة: أنا أجعل الخسيس شريفا والفقير غنيا وإذا حضرت وكشفت البرقع فملوك العالم يتبعوني ويعطلون التخوت والسرر،
- فقال العقل : أنت تجالسين الكفار فإن القرين بالقرين يقتدي،
- فقالت الدولة: أتشركني في العقل وتفردني باللائمة
-فقال عقل الملوك: صحبت أياما مع فرعون فأخرت عنه الصداع والعذاب أربعمائة سنة وصحبت أيام حاتم الطائي فبنيت له بيتا في النار باطنه الرحمة وأنا القوال الفعال وأنا لا أخطىء وما ضاع عرف بين الله والناس فطال بينهما القيل والقال فتحاكما إلى سليمان النبي عليه الصلاة والسلام،
فقال سليمان : وحق الله لأفصلن بينكما بحكم الله لا يحسن أحدكما إلا مع الآخر رب هب لي ملكا، فإن العقل لا يطيب إلا مع الدولة فمثالكما مثال الروح والنفس لا يحسن أحدهما إلا مع الآخر يا عقل إذا لم تكن مع الرجل فآخرته خراب ويا دولة إن لم تكوني مع الرجل فدنياه مكدرة -ومن كل شيء خلقنا زوجين -إن ازدواجكما لحسن وإن اجتماعكما لغاية النظام والتمام والفرد هو الله فلم ينطاعا له وتطاولا وتناغصا فحلفت الدولة أنها لا تسكن الأرض ولا تحصل بكسب الآدمي فذهبت الى السماء فالدولة سماوية والعقل نور رباني فهذه مناظرتهما ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة.



المستشار الأدبي
حسين علي الهنداوي
شاعر وناقد
مدرس في جامعة دمشق
دراسات جامعية-في الأدب العربي
صاحب الموسوعة الأدبية (المرصد الأدبي )
حجم الموسوعة( خمس عشرة ألف صفحة )
سوريا -درعا- hoshn55@gmail.com
السيرة الذاتية للمستشار الأدبي(حسين علي الهنداوي)
أ- أديب و شاعر وقاص ومسرحي و ناقد و صحفي
ب- له العديد من الدراسات الأدبية و الفكرية
ج-نشر في العديد من الصحف العربية
د- مدرس في جامعة دمشق - كلية التربية - فرع درعا
ه- ولد الأديب في سوريا – درعا عام 1955 م
و- تلقى تعليمه الابتدائي و الإعدادي و الثانوي في مدينة درعا
ح- انتقل إلى جامعة دمشق كلية الآداب – قسم اللغة العربية و تخرج فيها عام 1983
ك- حائز على إجازة في اللغة العربية
ص-حائز على دبلوم تأهيل تربوي جامعة دمشق
ع- عمل محاضراً لمادة اللغة العربية في معهد إعداد المدرسين - قسم اللغة العربية في مدينة درعا
ف- انتقل إلى التدريس في المملكة العربية الســـعودية عام (1994 /2000 ) في مدينتـــي عنيزة و تبوك 0
1- عضو اتحاد الصحفيين العرب
2- عضو اتحاد كتاب الانترنت العرب
3- عضو تجمع القصة السورية
4- عضو النادي الأدبي بتبوك
مؤلفاته :
أ*- الشعر :
1- هنا كان صوتي و عيناك يلتقيان/1990
2- هل كان علينا أن تشرق شمس ثبير/1994
3- أغنيات على أطلال الزمن المقهور /1994
4- سأغسل روحي بنفط الخليج /1996
5- المنشّى يسلم مفاتيح إيلياء/1996
6- هذه الشام لا تقولي كفانا / مخطوط
ب*- القصة القصيرة :
شجرة التوت /1995
ج – المسرح :
1- محاكمة طيار /1996
2- درس في اللغة العربية /1997
3- عودة المتنبي / مخطوط
4- أمام المؤسسة الاستهلاكية / مخطوط
د – النقد الأدبي :
1- محاور الدراسة الأدبية 1993
2- النقد و الأدب /1994
3- مقدمتان لنظريتي النقد و الشعر / مخطوط
4- أسلمة النقد الأدب
هـ - الدراسات الدينية :
1- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الأول
2- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الثاني
3- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الثالث
4- فتاوى و اجتهادات / جمع و تبويب
5- هل أنجز الله وعده !!!!!!
و- موسوعة (المرصد الأدبي) :
1-تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية ( معاني الأدب وعلاقاته)
2 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية قبل الإسلام (العصر الجاهلي )
3 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر صدر الإسلام )
4 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر الخلفاء الراشدين )
5 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر الخلفاء الأمويين)
6 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء العباسيين )
7 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء الأندلسيين )
8 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الدول المتتابعة )
9- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء العثمانيين )
10- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية في (العصر الحديث)
11- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية في (العهد المعاصر)