إعجاز القرآن الكريم اللغوي والأدبي
أ -تعريف الإعجاز: ضعف في القدرة الإنسانية في محاولة المعجزة واستمرار هذا الضعف على تراخي الزمن وتقدمه ، المعجزة: أمر خارق للعادة، مقرون بالتحدى، سالم عن المعارضة
ب -مصدر الإعجاز: وقد جاء إعجاز القران من أنه في الدرجة العليا من البلاغة التي لم يعهد مثلها ، ومما اشتمل عليه من النظم الغريب المخالف لنظم العرب ونثرهم ، ومن سلامة ألفاظه من التعقيد والاستكراه ، ومن ( نظم القرآن ) ومن فصاحة ألفاظه والبلاغة في معانيه وصورة نظمه والإعجاز باق إلى يوم القيامة وهذا الإعجاز يتأتى من عدة جوانب عرفنا بعضها وستتعرف الأجيال على الباقي في كل العصور وكان الله تعالى أراد أن يكون لكل عصر نصيبه من معجزات قرآنه ، فإذا فتشنا فيما مضى من الدهور وجدنا أن العلماء كشفوا عن جوه إعجاز في النظم والتركيب والأسلوب والتنظير والمقابلة واكتناه الروح التاريخية وفي وجوه البلاغة وأسرار الوضع اللغوي التي مرجعها إلى الإبانة عن حياة المعنى بتركيب حي من الألفاظ ، فالقرآن الكريم معجز في تاريخه وأثره الإنساني وفي حقائقه وأحكامه وشرائعه وموافقة من الطبيعة الإنسانية والفطرة البشرية والكونية والعلمية وعجائب آيات الله الكونية والوجه البياني لهذا الإعجاز والتصوير الفني القرآني لكثير من القضايا والمشاهد الماضية والحاضرة والمستقبلية إضافة إلى مشاهد تغيرات الكون وقيام الساعة وكيف عبرت كلمات القرآن الكريم عن ذلك في إعجاز القرآن و المعجزة أمر خارق للعادة مقرون بالتحدي سالم عن المعارضة وهي إما حسية وإما عقلية وأكثر معجزات بني إسرائيل كانت حسية و معجزة هذه الأمة عقلية لأن هذه الشريعة لما كانت باقية على صفحات الدهر إلى يوم القيامة خصت بالمعجزة العقلية الباقية ليراها ذوو البصائر كما قال صلى الله عليه وسلم: (ما من الأنبياء نبي إلا أعطي ما مثله آمن عليه البشر وإنما كان الذي أوتيته وحيا أوحاه الله إلي فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا) أخرجه البخاري ، فمعجزات الأنبياء انقرضت بانقراض أعصارهم فلم يشاهدها إلا من حضرها ومعجزة القرآن مستمرة إلى يوم القيامة وخارقه للعادة والقرآن الكريم معجز في أسلوبه وبلاغته وإخباره بالمغيبات فلا يمر عصر من العصور إلا ويظهر فيه شيء مما أخبر به أنه سيكون ... يدل على صحة دعواه والمعجزات الواضحة الماضية كانت حسية تشاهد بالأبصار (كناقة صالح وعصا موسى ) و(معجزة القرآن ) تشاهد بالبصيرة فيكون من يتبعه لأجلها أكثر لأن الذي يشاهد بعين الرأس ينقرض بانقراض مشاهده والذي يشاهد بعين العقل باق يشاهده كل من جاء بعد الأول مستمرا ولا خلاف بين العقلاء أن كتاب الله تعالى معجز لم يقدر واحد على معارضته بعد تحديهم بذلك قال تعالى : { وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله } [ ] ، فلولا أن سماعه حجة عليه لم يقف أمره على سماعه ولا يكون حجة إلا وهو معجزة وقال تعالى : { وقالوا لولا أنزل عليه آيات من ربه قل إنما الآيات عند الله وإنما أنا نذير مبين أو لم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم } [ ] ، فأخبر أن الكتاب آية من آياته كاف في الدلالة قائم مقام معجزات غيره وآيات من سواه من الأنبياء ولما جاء به النبي إليهم وكانوا أفصح الفصحاء ومصاقع الخطباء وتحداهم على أن يأتوا بمثله وأمهلهم طول السنين فلم يقدروا كما قال تعالى : { فليأتوا بحديث مثله إن كانوا صادقين } [ ] ثم تحداهم بعشر سور منه في قوله تعالى: { أم يقولون افتراه قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين فإن لم يستجيبوا لكم فاعلموا أنما أنزل بعلم الله } [ ] ، ثم تحداهم بسورة في قوله : { أم يقولون افتراه قل فأتوا بسورة من مثله . . } الآية ثم كرر في قوله : { وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله . .} [ ] الآية فلما عجزوا عن معارضته والإتيان بسورة تشبهه على كثرة الخطباء فيهم والبلغاء نادى عليهم بإظهار العجز وإعجاز القرآن فقال : { قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا } [ ]... هذا وهم الفصحاء , وقد كانوا أحرص شيء على إطفاء نوره وإخفاء أمره فلو كان في مقدرتهم معارضته لعدلوا إليها قطعا للحجة ، ولم ينقل عن أحد منهم أنه حدث نفسه بشيء من ذلك ولا رامه بل عدلوا إلى العناد تارة وإلى الاستهزاء أخرى فتارة قالوا سحر وتارة قالوا شعر وتارة قالوا أساطير الأولين وقد أخرج الحاكم عن ابن عباس قال: ( جاء الوليد بن المغيرة إلى النبي فقرأ عليه القرآن فكأنه رق له فبلغ ذلك أبا جهل فأتاه فقال يا عم إن قومك يريدون أن يجمعوا لك مالا ليعطوكه فإنك أتيت محمدا لتعرض لما قبله قال قد علمت قريش أني من أكثرها مالا قال فقل فيه قولا يبلغ قومك إنك كاره له قال وماذا أقول فوالله ما فيكم رجل أعلم بالشعر مني ولا برجزه ولا بقصيده ولا بأشعار الجن والله ما يشبه الذي يقول شيئا من هذا ووالله إن لقوله الذي يقول حلاوة وإن عليه لطلاوة وإنه لمثمر أعلاه مغدق أسفله وأنه ليعلو ولا يعلى عليه وأنه ليحطم ما تحته قال لا يرضى عنك قومك حتى تقول فيه قال دعني حتى أفكر فلما فكر قال هذا سحر يؤثر يأثره عن غيره ) وقد بعث الله محمدا أكثر ما كانت العرب شاعرا وخطيبا وأحكم ما كانت لغة وأشد ما كانت عدة فدعا أقصاها وأدناها إلى توحيد الله وتصديق رسالته فدعاهم بالحجة فلما قطع العذر وأزال الشبهة وصار الذي يمنعهم من الإقرار الهوى والحمية دون الجهل والحيرة حملهم على حظهم بالسيف فنصب لهم الحرب ونصبوا له لما ثبت كون القرآن معجزة نبينا وجب الاهتمام بمعرفة
ج - وجه الإعجاز:
1 - زعم قوم أن التحدي وقع بالكلام القديم الذي هو صفة الذات
2- أنه وقع بالدال على القديم وهو الألفاظ
3- زعم النظام أن إعجازه بالصرفة أي أن الله صرف العرب عن معارضته وسلب عقولهم وكان مقدورا لهم لكن عاقهم أمر خارجي فصار كسائر المعجزات وهذا قول فاسد بدليل قوله تعالى: { قل لئن اجتمعت الإنس والجن . . الآية } [ ] ، فإنه يدل على عجزهم مع بقاء قدرتهم ولو سلبوا القدرة لم يبق لهم فائدة لاجتماعهم لمنزلته منزلة اجتماع الموتى وليس عجز الموتى مما يحتفل بذكره هذا مع أن الإجماع منعقد على إضافة الإعجاز إلى القرآن فكيف يكون معجزا وليس فيه صفة إعجاز بل المعجز هو الله تعالى حيث سلبهم القدرة على الإتيان بمثله وأيضا فيلزم من القول بالصرفة زوال الإعجاز بزوال زمان التحدي وخلو القرآن من الإعجاز وفي ذلك خرق لإجماع الأمة أن معجزة الرسول العظمى باقية ولا معجزة له باقية سوى القرآن الكريم
4 - قال قوم وجه إعجازه ما فيه من الإخبار عن الغيوب المستقبلة
5 - قال آخرون ما تضمنه من الإخبار عن قصص الأولين وسائر المتقدمين حكاية من شاهدها وحضرها
6 - وقال آخرون ما تضمنه من الإخبار عن الضمائر من غير أن يظهر ذلك منهم بقول أو فعل كقوله : { إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا} [ ] { ويقولون في أنفسهم لولا يعذبنا الله}
7- وجه إعجازه ما فيه من النظم والتأليف والترصيف وأنه خارج عن جميع وجوه النظم المعتاد في كلام العرب ومباين لأساليب خطاباتهم
8 - أن الإعجاز في بعض القرآن أظهر وفي بعضه أدق وأغمض
9- وجه الإعجاز الفصاحة وغرابة الأسلوب والسلامة من جميع العيوب
10- وجه الإعجاز راجع إلى التأليف الخاص به لا مطلق التأليف بأن اعتدلت مفرداته تركيبا وزنة وعلت مركباته معنى بأن يوضع كل فن في مرتبته العليا في اللفظ والمعنى
11- وجه إعجازه أنه بنظمه وصحة معانيه وتوالي فصاحة ألفاظه وذلك أن الله أحاط بكل شيء علما وأحاط بالكلام كله علما ، فإذا ترتبت اللفظة من القرآن علم بإحاطته أي لفظة تصلح أن تلي الأولى وتبين المعنى بعد المعنى ثم كذلك من أول القرآن إلى آخره وكتاب الله تعالى لو نزعت منه لفظة ثم أدير لسان العرب على لفظة أحسن منها لم يوجد ونحن تتبين لنا البراعة في أكثره ويخفي علينا وجهها في مواضع كما قامت الحجة في معجزة موسى بالسحرة وفي معجزة عيسى بالأطباء ، فإن الله إنما جعل معجزات الأنبياء بالوجه الشهير أبرع ما تكون في زمن النبي الذي أراد إظهاره فكان السحر قد انتهى في مدة موسى إلى غايته وكذلك الطب في زمن عيسى والفصاحة في زمن محمد
12- وجه الإعجاز في القرآن من حيث استمرت الفصاحة والبلاغة فيه من جميع أنحائها في جميعه استمرارا لا يوجد له فترة ولا يقدر عليه أحد من البشر وكلام
13- وجهة المعجزة في القرآن تعرف بالتفكر في علم البيان
14 -أن إعجاز القرآن ذكر من وجهين أحدهما إعجاز يتعلق بنفسه والثاني بصرف الناس عن معارضته ، فالأول إما أن يتعلق بفصاحته وبلاغته أو بمعناه أما الإعجاز المتعلق بفصاحته وبلاغته فلا يتعلق بعنصره الذي هو اللفظ والمعنى فإن ألفاظه ألفاظهم قال تعالى : { قرآنا عربيا } [ ] بلسان عربي ولا بمعانيه فإن كثيرا منها موجود في الكتب المتقدمة قال تعالى: { وإنه لفي زبر الأولين } [ ] ، وما هو في القرآن من المعارف الإلهية وبيان المبدأ والمعاد والإخبار بالغيب فإعجازه ليس براجع إلى القرآن من حيث هو قرآن بل لكونها حاصلة من غير سبق تعليم وتعلم ويكون الإخبار بالغيب إخبارا بالغيب سواء كان بهذا النظم أو بغيره موردا بالعربية أو بلغة أخرى بعبارة أو بإشارة فإذن النظم المخصوص صورة القرآن واللفظ والمعنى عنصره وباختلاف الصور يختلف حكم الشيء واسمه لا بعنصره
15- الإعجاز المختص بالقرآن يتعلق بالنظم المخصوص وبيان كون النظم معجزا يتوقف على بيان نظم الكلام ثم بيان أن هذا النظم مخالف لنظم ما عداه ، ولهذا قال تعالى : { وإنه لكتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه} [ ] تنبيها على أن تأليفه ليس على هيئة نظم يتعاطاه البشر فيمكن أن يغير بالزيادة والنقصان كحالة الكتب الأخرى قال
16- إن إعجاز القرآن يدرك ولا يمكن وصفه كاستقامة الوزن تدرك ولا يمكن وصفها وكالملاحة وكما يدرك طيب النغم العارض لهذا الصوت ولا يدرك تحصيله لغير ذوي الفطرة السليمة إلا بإتقان علمَيْ المعاني والبيان والتمرين فيهما
17-إن القرآن إنما صار معجزا لأنه جاء بأفصح الألفاظ في أحسن نظوم التأليف مضمنا أصح المعاني من توحيد لله تعالى وتنزيهه له في صفاته ودعاء إلى طاعته وبيان لطريق عبادته من تحليل وتحريم وحظر وإباحة ومن وعظ وتقويم وأمر بمعروف ونهي عن منكر وإرشاد إلى محاسن الأخلاق وزجر عن مساويها واضعاً كلّ شيء منها موضعه الذي لا يرى شيئاً أولى منه ولا يتوهم في صورة العقل أمر أليق به منه مودعاً أخبار القرون الماضية وما نزل من مثيلات الله بمن مضى وعاند منهم منبئاً عن الكوائن المستقبلة في الأعصر الآتية من الزمان جامعا في ذلك بين الحجة والمحتج له والدليل والمدلول عليه ليكون ذلك أوكد للزوم ما دعا عليه وإنباء عن وجوب ما أمر به ونهي عنه ومعلوم أن الإتيان بمثل هذه الأمور والجمع بين أشتاتها حتى تنتظم وتتسق أمر تعجز عنه قوى البشر ولا تبلغه قدرتهم فانقطع الخلق دونه وعجزوا عن معارضته بمثله أو مناقضته في شكله ثم صار المعاندون له يقولون مرة إنه شعر لما رأوه منظوما ومرة أنه سحر لما رأوه معجوزا عنه غير مقدور عليه ،وقد كانوا يجدون له وقعا في القلوب وقرعا في النفوس يرهبهم ويحيرهم ، فلم يتمالكوا أن يعترفوا به نوعا من الاعتراف ولذلك قالوا إن له لحلاوة وإن عليه لطلاوة وكانوا مرة بجهلهم يقولون أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلا مع علمهم أن صاحبهم أمي وليس بحضرته من يملي أو يكتب في نحو ذلك من الأمور التي أوجبها العناد والجهل والعجز
18- في إعجاز القرآن وجه ذهب عنه الناس وهو صنيعه في القلوب وتأثيره في النفوس فإنك لا تسمع كلاما غير القرآن منظوما ولا منثورا إذا قرع السمع خلص له إلى القلب من اللذة والحلاوة في حال ومن الروعة والمهابة في حال آخر ما يخلص منه إليه قال تعالى : { لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله} [ ] ، وقال تعالى : { الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم} [ ]
19- هو الإيجاز مع البلاغة وقال آخرون هو البيان والفصاحة وقال آخرون هو الرصف والنظم وقال آخرون هو كونه خارجا عن جنس كلام العرب من النظم والنثر والخطب والشعر مع كون حروفه في كلامهم ومعانيه في خطابهم وألفاظه من جنس كلماتهم وهو بذاته قبيل غير قبيل كلامهم وجنس آخر متميز عن أجناس خطابهم حتى إن من اقتصر على معانيه وغير حروفه أذهب رونقه ومن اقتصر على حروفه وغير معانيه أبطل فائدته فكان في ذلك أبلغ دلالة على إعجازه وقال آخرون هو كون قارئه لا يكل وسامعه لا يمل وإن تكررت عليه تلاوته
20- هو ما فيه من الإخبار عن الأمور الماضية وقال آخرون هو ما فيه من علم الغيب والحكم على الأمور بالقطع وقال آخرون هو كونه جامعا لعلوم يطول شرحها ويشق حصرها
21- أن الإعجاز وقع بجميع ما سبق من الأقوال لا بكل واحد على انفراده فإنه جمع ذلك كله فلا معنى لنسبته إلى واحد منها بمفرده مع اشتماله على الجميع بل وغير ذلك مما لم يسبق فمنها الروعة التي له في قلوب السامعين وأسماعهم سواء المقر والجاحد ، ومنها أنه لم يزل ولا يزال غضا طريا في أسماع السامعين وعلى ألسنة القارئين ومنها جمعه بين صفتي الجزالة والعذوبة وهما كالمتضادين لا يجتمعان غالبا في كلام البشر ومنها جعله آخر الكتب غنيا عن غيره وجعل غيره من الكتب المتقدمة قد يحتاج إلى بيان يرجع فيه إليه كما قال تعالى: { إن هذا القرآن يقص على بني إسرائيل أكثر الذي هم فيه يختلفون } [ ]
22- أن القرآن منطوٍ على وجوه من الإعجاز كثيرة وتحصيلها من جهة ضبط أنواعها في أربعة وجوه
أولها : حسن تأليفه والتئام كلمه وفصاحته ووجوه إيجازه وبلاغته الخارقة عادة العرب الذين هم فرسان الكلام وأرباب هذا الشأن
الثاني: صورة نظمه العجيب والأسلوب الغريب المخالف لأساليب كلام العرب ومنهاج نظمها ونثرها الذي جاء عليه ووقفت عليه مقاطع آياته وانتهت إليه فواصل كلماته ولم يوجد قبله ولا بعده نظير له قال وكل واحد من هذين النوعين الإيجاز والبلاغة بذاتها والأسلوب الغريب بذاته نوع إعجاز على التحقيق لم تقدر العرب على الإتيان بواحد منهما إذ كل واحد خارج عن قدرتها مباين لفصاحتها وكلامها خلافا لمن زعم أن الإعجاز في مجموع البلاغة والأسلوب
الثالث : ما انطوى عليه من الإخبار بالمغيبات وما لم يكن فوجد كما ورد
الرابع : ما أنبأ به من أخبار القرون السالفة والأمم البائدة والشرائع الداثرة مما كان لا يعلم منه القصة الواحدة إلا الفذ من أحبار أهل الكتاب الذي قطع عمره في تعلم ذلك فيورده على وجهه ويأتي به على نصه وهو أمي لا يقرأ ولا يكتب ؛ وقد أسلم جماعة عند سماع آيات منه كما وقع لجبير بن مطعم أنه سمع النبي يقرأ في المغرب بالطور قال فلما بلغ هذه الآية: { أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون } [ ] إلى قوله : { المسيطرون } كاد قلبي أن يطير قال وذلك أول ما وقر الإسلام في قلبي وقد مات جماعة عند سماع آيات منه أفردوا بالتصنيف ثم قال ومن وجوه إعجازه كونه آية باقية لا يعدم ما بقيت الدنيا مع تكفل الله بحفظه ومنها أن قارئه لا يمله وسامعه لا يمجه بل الانكباب على تلاوته يزيده حلاوة وترديده يوجب له محبة وغيره من الكلام يعادي إذا أعيد ويمل مع الترديد ولهذا وصف القرآن بأنه لا يخلق على كثرة الرد ومنها جمعه لعلوم ومعارف لم يجمعها كتاب من الكتب ولا أحاط بعلمها أحد في كلمات قليلة وأحرف معدودة
د - القدر المعجز من القرآن:
اختلف في قدر المعجز من القرآن
1 - أنه متعلق بجميع القرآن:
2 - يتعلق الإعجاز بسورة طويلة كانت أم قصيرة:
2 - يتعلق بقليل القرآن وكثيره: لقوله : { فليأتوا بحديث مثله إن كانوا صادقين} [ ]
4 - بسورة منه:
وأن أقل، ما يعجز عنه من القرآن السورة: قصيرة كانت أو طويلة أو ما كان بقدرها. فإذا كانت الآية بقدر حروف سورة، وإن كانت سورة الكوثر، فذلك معجز. ولم يقم دليل على عجزهم عن المعارضة في أقل من هذا القد.
وقيل: إن كل سورة برأسها فهي معجزة، ومعروف أنه تحداهم تحديا إلى السور كلها ولم يخص، ولم يأتوا الشيء منها بمثل، فعلم أن جميع ذلك معجز. وأما قوله عز وجل:{ فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ } [ ] ، فليس بمخالف لهذا، لأن الحديث التام لا تتحصل حكايته في أقل من كلمات سورة قصيرة، وإن كان قد يتأول قوله: { فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ } [ ] على أن يكون راجعا إلى القبيل دون التفصيل. وكذلك يحمل قوله تعالى: { قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ } [ ] على القبيل لأنه لم يجعل الحجه عليهم عجزهم عن الإيتان بجميعه من أوله إلى آخره. وما علم به كون جميع القرآن معجزا موجود فى كل سورة صغرت أو كبرت، فيجب أن يكون الحكم في الكل واحدا.
ه-القرآن الكريم معجزة:
القرآن الذى هو متلوّ محفوظ مرسوم في المصاحف هو الذى جاء به النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، وأنه هو الذى تلاه على من في عصره ثلاثا وعشرين سنة، والطريق إلى معرفة ذلك هو النقل المتواتر الذى يقع عنده العلم الضروري به، وذلك أنه قام به في الموقف، وكتب به إلى البلاد، وتحمله عنه إليها من تابعه، وأورده على غيره من لم يتابعه، حتى ظهر فيهم الظهور الذى لا يشتبه على أحد، ولا يحتمل أنه قد خرج من أتى بقرآن يتلوه ويأخذه على غيره، ويأخذه غيره على الناس، حتى انتشر ذلك في أرض العرب كلها، وتعدىّ إلى الملوك المعاقبة، كملك الروم والعجم القبط والحبش وغيرهم من ملوك الأطراف ولما ورد ذلك مضاداّ لأديان أهل ذلك العصر كلهم، ومخالفا لوجوه اعتقاداتهم المختلفة فى الكفر، وقف جميع أهل الخلاف على جملته، ووقف أهل دينه الذين أكرمهم اللَّه بالإيمان على جملته وتفاصيله، وتظاهر بينهم حتى حفظه الرجال، وتنقلت به الرحال، وتعلمه الكبير والصغير، إذ كان عمدة دينهم وعلما عليه، والمفروض تلاوته في صلواتهم، والواجب استعماله في أحكامهم. ثم تناقله خلف عن سلف، ثم مثلهم في كثرتهم، وتوفر دواعيهم على نقله حتى انتهى إلينا ما وصفناه من حاله. فلن يتشكك أحد، ولا يجوز أن يتشكك مع وجود هذه الأسباب في أنه أتى بهذا القرآن من عند اللَّه، فهذا أصل. وإذا ثبت هذا الأصل وجودا، ولقد تحداهم إلى أن يأتوا بمثله، وقرعهم على ترك الإتيان به طول السنين التي وصفناها فلم يأتوا بذلك، والذى يدل على هذا الأصل أنا قد علمنا أن ذلك مذكور في القرآن في المواضع الكثيرة، كقوله:
{ وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ. فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ} [ ] ، وكقوله: { أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ. فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّما أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَنْ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } [ ]. فجعل عجزهم عن الإتيان بمثله دليلا على أنه منه، ودليلا على وحدانيته. وذلك يدل على بطلان قول من زعم أنه لا يمكن أن يعلم بالقرآن الوحدانية، وزعم أن ذلك مما لا سبيل إليه إلا من جهة العقل، لأن القرآن كلام اللَّه عز وجل، ولا يصح أن يعلم الكلام حتى يعلم المتكلم أولا، وإذا ثبت بما تبين إعجازه، وأن الخلق لا يقدرون عليه، ثبت أن الذى أتى به غيرهم، وأنه إنما يختص بالقدرة عليه من يختص بالقدرة عليهم وأنه صدق، وإذا كان كذلك كان ما يتضمنه صدقا. ومن ذلك قوله عز وجل: { قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً وقوله أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لا يُؤْمِنُونَ. فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كانُوا صادِقِينَ.} [ ] ، فقد ثبت بما تبين أنه تحدّاهم إليه ولم يأتوا بمثله. وفى هذا أمران: أحدهما التحدّي إليه. والآخر أنه لم يأتوا له بمثل. والذى يدل على ذلك النقل المتواتر الذى يقع به العلم الضروري، فلا يمكن جحود واحد من هذين الأمرين. وإن قال قائل: لعله لم يقرأ عليهم الآيات التي فيها ذكر التحدي، وإنما قرأ عليهم ما سوى ذلك من القرآن. كان كذلك قولا باطلا يعلم بطلانه مثل ما يعلم به بطلان قول من زعم أن القرآن أضعاف هذا، وهو يبلغ حمل جمل، وأنه كتم وسيظهره المهدى. ويدعى أن هذا القرآن ليس هو الذى جاء به النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، وإنما هو شيء وضعه عمر أو عثمان رضى اللَّه عنهما حيث وضع المصحف. أو يدعى فيه زيادة أو نقصانا. وقد ضمن اللَّه حفظ كتابه أن يأتيه الباطل من بين يديه أو من خلفه، ووعده الحق. ومعروف أن العدد الذين أخذوا القرآن في الأمصار وفى البوادي وفى الأسفار والحضر وضبطوه حفظا من بين صغير وكبير، وعرفوه حتى صار لا يشتبه على أحد منهم حرف، لا يجوز عليهم السهو والنسيان ولا التخليط فيه والكتمان، ولو زادوا ونقصوا أو غيروا لظهر. وقد علمت أن شعر امرىء القيس وغيره لا يجوز أن يظهر ظهور القرآن ولا أن يحفظ كحفظه ولا أن يضبط كضبطه، ولا أن تمس الحاجة إليه مساسها إلى القرآن، لو زيد فيه بيت أو نقص منه بيت، لا بل لو غير فيه لفظ، لتبرأ منه أصحابه وأنكره أربابه، فإذا كان كذلك مما لا يمكن في شعر امرىء القيس ونظائره، مع أن الحاجة إليه تقطع لحفظ العربية، فكيف يجوز أو يمكن ما ذكروه في القرآن مع شدة الحاجة إليه في أصل الدين، ثم في الأحكام والشرائع واشتمال الهمم المختلفة على ضبطه. فمنهم من يضبطه لإحكام قراءته ومعرفة وجوهها وصحة أدائها. ومنهم: من يحفظه للشرائع والفقه. ومنهم من يضبطه ليعرف تفسيره ومعانيه. ومنهم من يقصد بحفظه الفصاحة والبلاغة. ومن الملحدين من يحصله لينظر في عجيب شأنه. وكيف يجوز على أهل هذه الهمم المختلفة والآراء المتباينة، على كثرة أعدادهم، واختلاف بلادهم، وتفاوت أغراضهم، أن يجتمعوا على التغيير والتبديل والكتمان. وإنك إذا تأملت ما ذكر في أكثر السور في ردّ قومه عليه وردّ غيرهم وقولهم: لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هذا وقول بعضهم: إِنْ هذا إِلَّا اخْتِلاقٌ إلى الوجوه التي يصرف إليها قولهم في الطعن عليه. فمنهم من يستهين بها، ويجعل ذلك سببا لتركه الإتيان بمثله. ومنهم من يزعم أنه مفترى فلذلك لا يأتي بمثله. ومنهم من يزعم أنه دارس وأنه أساطير الأولين. ولو جاز أن يكون بعضه مكتوما جاز على كله. ولو جاز أن يكون بعضه موضوعا جاز ذلك فى كله، فثبت من هذا أنه تحدى إليه، وأنهم لم يأتوا له بمثل. فإذا ثبت هذا وجب أن يعلم أن تركهم للإتيان بمثله كان لعجزهم عنه. والذى يدل على أنهم كانوا عاجزين عن الإتيان بمثل القرآن أنه تحداهم إليه حتى طال التحدي، وجعله دلالة على صدقه وثبوته. وتضمن أحكامه استباحة دمائهم وأموالهم وسبى ذريتهم، فلو كانوا يقدرون على تكذيبه لفعلوا وتوصلوا إلى تخليص أنفسهم وأهليهم وأموالهم من حكمه بأمر قريب هو عادتهم في لسانهم، ومألوف من خطابهم، وكان ذلك يغنيهم عن تكلف القتال وإكثار المراء والجدال، وعن الجلاء عن الأوطان، وعن تسليم الأهل والذرية للسبي. فلما لم يحصل هناك معارضة منهم على أنهم عاجزون عنها. ومعلوم أنهم لو عارضوه بم تحداهم إليه لكان فيه توهين أمره، وتكذيب قوله، وتفريق جمعه، وتشتيت أسبابه، وكان من صدق به يرجع على أعقابه، ويعود في مذهب أصحابه. فلما لم يفعلوا شيئا من ذلك مع طول المدة، ووقوع الفسحة، وكان أمره يتزايد حالا فحالا، ويعلو شيئا فشيئا، وهم على العجز عن القدح في آياته، والطعن في دلالته، علم أنهم كانوا لا يقدرون على معارضته ولا على توهين حجته. وقد أخبر اللَّه تعالى عنهم أنهم قوم خصمون وقال: { وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُدًّا } [ ] ، وقال: { خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ } [ ] ، وعلم أيضا أن ما كانوا يقولونه من وجوه اعتراضهم على القرآن مما حكى اللَّه عز وجل عنهم من قولهم: { لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هذا إِنْ هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ } [ ] ، وقولهم : { ما هذا إِلَّا سِحْرٌ مُفْتَرىً } [ ] ، { وَما سَمِعْنا بِهذا فِي آبائِنَا الْأَوَّلِينَ } [ ] ، وقالوا: { يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ} [ ]
وقالوا:{ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ} [ ] ، وقالوا: { أَإِنَّا لَتارِكُوا آلِهَتِنا لِشاعِرٍ مَجْنُونٍ } [ ] ، { وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذا إِلَّا إِفْكٌ افْتَراهُ وَأَعانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جاؤُ ظُلْماً وَزُوراً. وَقالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَها فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا وَقالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُوراً } [ ] ، وقوله: { الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ } [ ] .....إلى آيات كثيرة في نحو هذا تدل على أنهم كانوا متحيرين في أمرهم متعجبين من عجزهم، يفزعون إلى نحو هذه الأمور من تعليل وتعذير ومدافعة بما وقع التحدّي إليه وعرف الحث عليه. وقد علم منهم أنهم ناصبوه الحرب وجاهروه ونابذوه، وقطعوا الأرحام وأخطروا بأنفسهم، وطالبوه بالآيات والإتيان بغير ذلك من المعجزات يريدون تعجيزه ليظهروا عليه بوجه من الوجوه، فكيف يجوز أن يقدروا على معارضته القريبة السهلة عليهم، وذلك يدحض حجته ويفسد دلالته ويبطل أمره، فيعدلون عن ذلك إلى سائر ما صاروا إليه من الأمور التي ليس عليها مزيد في المنابذة والمعاداة، ويتركون الأمر الخفيف هذا مما يمتنع وقوعه في العادات، ولا يجوز إتقانه من العقلاء. ويمكن أن يقال إنهم لو كانوا قادرين على معارضته والإتيان بمثل ما أتى به لم يجز أن يتفق منهم ترك المعارضة، وهم على ما هم عليه من الذرابة والسلاقة والمعرفة بوجوه الفصاحة، وهو يستطيل عليهم بأنهم عاجزون عن مباراته، وأنهم يضعفون عن مجاراته، ويكرر فيما جاء به ذكر عجزهم عن مثل ما يأتي به ويقرعهم ويؤنبهم عليه، ويدرك آماله فيهم، وينجح ما يسعى له بتركهم المعارضة، وهو يذكر فيما يتلوه تعظيم شأنه وتفخيم أمره حتى يتلوا قوله تعالى: { قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً وقوله: يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ} [ ]
وقوله، { وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ } [ ] ، وقوله: { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ } [ ] ، وقوله: { وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْئَلُونَ } [ ] ، وقوله: { هُدىً لِلْمُتَّقِينَ } [ ] ، وقوله: { اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللَّهِ } [ ] إلى غير ذلك من الآيات التي تتضمن تعظيم شأن القرآن. فمنها ما يتكرّر في السورة في مواضع منها. ومنها ما ينفرد فيها. وذلك مما يدعوهم إلى المباراة، ويحضهم على المعارضة وإن لم يكن متحديا إليه. ألا ترى أنهم قد كان ينافر شعراؤهم بعضهم بعضا؟ ولهم في ذلك مواقف معروفة وأخبار مشهورة وأيام منقولة. وكانوا يتنافسون على الفصاحة والخطابة والذلاقة، ويتبجحون بذلك ويتفاخرون بينهم. فلن يجوز والحالة هذه أن يتغافلوا عن معارضته لو كانوا قادرين عليها تحدّاهم إليها أو لم يتحداهم. ولو كان هذا القبيل مما يقدر عليه البشر لوجب فى ذلك أمر آخر، وهو أنه لو كان مقدورا للعباد لكان قد اتفق إلى وقت مبعثه من هذا القبيل ما كان يمكنهم أن يعارضوه به، وكانوا لا يفتقرون إلى تكلف وضعه وتعمل نظمه في الحال. فلما لم نرهم احتجوا عليه بكلام سابق وخطبة متقدمة ورسالة سالفة ونظم بديع، ولا عارضوه به فقالوا هذا أفصح مما جئت به، وأغرب منه أو هو مثله، علم أنه لم يكن إلى ذلك سبيل، وأنه لم يوجد له نظير، ولو كان وجد له مثل لكان ينقل إلينا ولعرفناه كما نقل إلينا أشعار أهل الجاهلية، وكلام الفصحاء والحكماء من العرب، وأدى إلينا كلام الكهان وأهل الرجز والسجع والقصيد، وغير ذلك من أنواع بلاغتهم، وصنوف فصاحاتهم. فإن قيل: الذى بنى على الأمر في تثبيت معجزة القرآن أنه وقع التحدي إلى الإتيان بمثله وأنهم عجزوا عنه بعد التحدي إليه، ومما يؤكد هذا أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قد دعا الآحاد إلى الإسلام محتجاّ عليهم بالقرآن، لأنا نعلم أنه لم يلزمهم تصديقه تقليدا، ونعلم أن السابقون الأولين إلى الإسلام لم يقلدوه، وإنما دخلوا على
بصيرة، ولم نعلمه قال لهم: ارجعوا إلى جميع الفصحاء، فإن عجزوا عن الإتيان بمثله فقد ثبتت حجتي، بل لما رآهم يعلمون إعجازه، ألزمهم حكمه فقبلوه وتابعوا الحق وبادروا إليه مستسلمين، ولم يشكوا في صدقه ولم يرتابوا في وجه دلالته، فمن كانت بصيرته أقوى ومعرفته أبلغ كان إلى القبول منه أسبق، ومن اشتبه عليه وجه الإعجاز، واشتبه عليه بعض شروط المعجزات، وأدلة النبوات، كان أبطأ إلى القبول، حتى تكاملت أسبابه واجتمعت له بصيرته وترادفت عليه مواده. ونحن نعلم تفاوت الناس في إدراكه ومعرفة وجه دلالته، لأن الأعجمي لا يعلم أنه معجزا إلا بأن يعلم عجز العرب عنه، وهو يحتاج في معرفة ذلك إلى أمور لا يحتاج إليها من كان من أهل صنعة الفصاحة. فإذا عرف عجز أهل الصنعة حل محلهم وجرى مجراهم في توجه الحجة عليه. وكذلك لا يعرف المتوسط من أهل اللسان من هذا الشأن ما يعرفه العالي في هذه الصنعة، فربما حلّ في ذلك محل الأعجمي في أن لا يتوجه عليه الحجة حتى يعرف عجز المتناهي في الصنعة عنه. وكذلك لا يعرف المتناهي في معرفة الشعر وحده أو الغاية في معرفة الخطب أو الرسائل وحدهما غور هذا الشأن ما يعرف من استكمل معرفة جميع تصاريف الخطاب، ووجوه الكلام وطرق البراعة، فلا تكون الحجة قائمة على المختص ببعض هذه العلوم بانفرادها دون تحققه بعجز البارع في هذه العلوم كلها عنه. فأما من كان متناهيا في معرفة وجوه الخطاب وطرق البلاغة والفنون التي يمكن فيها إظهار الفصاحة فهو متى سمع القرآن عرف إعجازه، لأنه يعرف من حال نفسه أنه لا يقدر عليه، ويعرف من حال غيره مثل ما يعرف من حال نفسه، ومتى علم البليغ المتناهي فى صنوف البلاغات عجزه عن القرآن علم عجز غيره، لأنه كهو لأنه يعلم أن حاله وحال غيره في هذا الباب سواء. فالبليغ المتناهي في وجوه الفصاحة يعرف إعجاز القرآن وتكون معرفته حجة عليه إذا تحدّى إلى وعجز عن مثله وإن لم ينتظر وقوع التحدي في غيره وما الذى يصنع ذلك الغير. فلو قيل: لو كان هذا لوجب أن يكون حال الفصحاء الذين كانوا في عصر النبي صلّى اللَّه عليه وسلم على طريقة واحدة في إسلامهم عند سماعه. قيل: لا يجب ذلك، لأن صوارفهم كانت كثيرة: منها أنهم كانوا يشكّون. ومنهم من يشك في إثبات الصانع. وفيهم من يشك في التوحيد. وفيهم من يشك في النبوة . ألا ترى أن أبا سفيان بن حرب لما جاء إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ليسلم عام الفتح قال له النبي عليه الصلاة والسلام: «أما آن لك أن تشهد أن لا إله إلا اللَّه؟ قال: بلى، فشهد، قال: أما آن لك أن تشهد أنى رسول اللَّه، قال: أما هذه ففي النفس منها شيء» . فكانت وجوه شكوكهم مختلفة، وطرق شبههم متباينة. فمنهم من قلت شبهه وتأمل الحجة حق تأملها ولم يستكبر فأسلم. ومنهم من كبرت شبهه وأعرض عن تأمل الحجة حتى تأملها أو لم يكن في البلاغة على حدود النهاية، فتطاول عليه الزمان إلى أن نظر واستبصر وراعى واعتبر، واحتاج إلى أن يتأمل عجز غيره عن الإتيان بمثله فلذلك وقف أمره. ولو كانوا في الفصاحة على مرتبة واحدة، وكانت صوارفهم وأسبابهم متفقة، لتوافقوا إلى القبول جملة واحدة.


المستشار الأدبي
حسين علي الهنداوي
شاعر وناقد
مدرس في جامعة دمشق
دراسات جامعية-في الأدب العربي
صاحب الموسوعة الأدبية (المرصد الأدبي )
حجم الموسوعة( خمس عشرة ألف صفحة )
سوريا -درعا- hoshn55@gmail.com
السيرة الذاتية للمستشار الأدبي(حسين علي الهنداوي)
أ- أديب و شاعر وقاص ومسرحي و ناقد و صحفي
ب- له العديد من الدراسات الأدبية و الفكرية
ج-نشر في العديد من الصحف العربية
د- مدرس في جامعة دمشق - كلية التربية - فرع درعا
ه- ولد الأديب في سوريا – درعا عام 1955 م
و- تلقى تعليمه الابتدائي و الإعدادي و الثانوي في مدينة درعا
ح- انتقل إلى جامعة دمشق كلية الآداب – قسم اللغة العربية و تخرج فيها عام 1983
ك- حائز على إجازة في اللغة العربية
ص-حائز على دبلوم تأهيل تربوي جامعة دمشق
ع- عمل محاضراً لمادة اللغة العربية في معهد إعداد المدرسين - قسم اللغة العربية في مدينة درعا
ف- انتقل إلى التدريس في المملكة العربية الســـعودية عام (1994 /2000 ) في مدينتـــي عنيزة و تبوك 0
1- عضو اتحاد الصحفيين العرب
2- عضو اتحاد كتاب الانترنت العرب
3- عضو تجمع القصة السورية
4- عضو النادي الأدبي بتبوك
مؤلفاته :
أ*- الشعر :
1- هنا كان صوتي و عيناك يلتقيان/1990
2- هل كان علينا أن تشرق شمس ثبير/1994
3- أغنيات على أطلال الزمن المقهور /1994
4- سأغسل روحي بنفط الخليج /1996
5- المنشّى يسلم مفاتيح إيلياء/1996
6- هذه الشام لا تقولي كفانا / مخطوط
ب*- القصة القصيرة :
شجرة التوت /1995
ج – المسرح :
1- محاكمة طيار /1996
2- درس في اللغة العربية /1997
3- عودة المتنبي / مخطوط
4- أمام المؤسسة الاستهلاكية / مخطوط
د – النقد الأدبي :
1- محاور الدراسة الأدبية 1993
2- النقد و الأدب /1994
3- مقدمتان لنظريتي النقد و الشعر / مخطوط
4- أسلمة النقد الأدب
هـ - الدراسات الدينية :
1- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الأول
2- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الثاني
3- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الثالث
4- فتاوى و اجتهادات / جمع و تبويب
5- هل أنجز الله وعده !!!!!!
و- موسوعة (المرصد الأدبي) :
1-تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية ( معاني الأدب وعلاقاته)
2 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية قبل الإسلام (العصر الجاهلي )
3 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر صدر الإسلام )
4 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر الخلفاء الراشدين )
5 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر الخلفاء الأمويين)
6 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء العباسيين )
7 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء الأندلسيين )
8 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الدول المتتابعة )
9- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء العثمانيين )
10- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية في (العصر الحديث)
11- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية في (العهد المعاصر)