و-وجوه إعجاز القرآن الكريم :
ثمة ثلاثة أوجه من الإعجاز:
أحدها: يتضمن الإخبار عن الغيوب، وذلك مما لا يقدر عليه البشر ولا سبيل لهم إليه. فمن ذلك ما وعد اللَّه تعالى نبيه عليه الصلاة والسلام أنه سيظهر دينه على الأديان بقوله عز وجل: { هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ } [ ] ، ففعل ذلك. وكان أبو بكر الصديق رضى اللَّه عنه إذا أغزى جيوشه عرفهم ما وعدهم اللَّه من إظهار دينه ليثقوا بالنصر ويستيقنوا بالنجح. وكان عمر بن الخطاب رضى اللَّه عنه يفعل كذلك فى أيامه، حتى وقف أصحاب جيوشه عليه، فكان سعد بن أبى وقاص رحمه اللَّه وغيره من أمراء الجيوش من جهته يذكر ذلك لأصحابه، ويحرّضهم به، ويوثق لهم، وكانوا يلقون الظفر في مواجهاتهم، حتى فتح إلى آخر أيام عمر رضى اللَّه عنه إلى بلخ وبلاد الهند، وفتح فى أيامه مرو الشاهجان ومرو الروذ، ومنعهم من العبور بجيحون، وكذلك فتح فى أيامه فارس إلى إصطخر، وكرمان ومكران وسجستان وجميع ما كان من مملكة كسرى، وكل ما كان يملكه ملوك الفرس بين البحرين من الفرات إلى جيحون، وأزال ملك ملوك الفرس، إلى حدود أرمينية وإلى باب الأبواب، وفتح أيضا ناحية الشام والأردنّ وفلسطين وفسطاط مصر، وأزال ملك قيصر عنها، وذلك من الفرات إلى بحر مصر وهو ملك قيصر، وغزت الخيول فى أيامه إلى عمورية، فأخذ الضواحى كلها ولم يبق دونها إلا ما حجز دونه بحر أو حال عنه جبل منيع أو أرض خشنة أو بادية غير مسلوكة. وقال اللَّه عز وجل: { قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهادُ } [ ] ، فصدق فيه. وقال في أهل بدر: { وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّها لَكُمْ } [ ] ووفى لهم بما وعد. وجميع الآيات التي يتضمنها القرآن من الإخبار عن الغيوب تكثر جدا.
والوجه الثاني: أنه كان معلوما من حال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم أنه كان أميا لا يكتب ولا يحسن أن يقرأ وكذلك كان معروفا من حاله أنه لم يكن يعرف شيئا من كتب المتقدمين وأقاصيصهم وأنبائهم وسيرهم. ثم أتى بجملة ما وقع وحدث من عظيمات الأمور، ومهمات السير من حين خلق الله آدم عليه السلام إلى حين مبعثه. فذكر في الكتاب الذى جاء به معجزة له قصة آدم عليه السلام، وابتداء خلقه وما صار إليه أمره من الخروج من الجنة، ثم جملا من أمر ولده وأحواله وتوبته. ثم ذكر قصة نوح عليه السلام وما كان بينه وبين قومه وما انتهى إليه أمره. وكذلك أمر إبراهيم عليه السلام إلى ذكر سائر الأنبياء المذكورين في القرآن الكريم والملوك والفراعنة الذين كانوا في أيام الأنبياء صلوات اللَّه عليهم. وهذا مما لا سبيل إليه إلا عن تعلم، وإذا كان معروفا أنه لم يكن ملابسا لأهل الآثار وحملة الأخبار ولا مترددا إلى التعلم منهم، ولا كان ممن يقرأ فيجوز أن يقع إليه كتاب فيأخذ منه علم أنه لا يصل إلى علم ذلك إلا بتأييد من جهة الوحى، ولذلك قال عز وجل: { وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَارْتابَ الْمُبْطِلُونَ } [ ] ، وقال: { وَكَذلِكَ نُصَرِّفُ الْآياتِ وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ.} [ ]
والوجه الثالث: أنه بديع النظم عجيب التأليف متناه في البلاغة إلى الحدّ الذى يعلم عجز الخلق عنه، والذى يشتمل عليه بديع نظمه المتضمن للإعجاز وجوه:
منها: ما يرجع إلى الجملة، وذلك أن نظم القرآن على تصرّف وجوهه واختلاف مذاهبه خارج عن المعهود من نظام جميع كلامهم ومباين للمألوف من ترتيب خطابهم، وله أسلوب يختص به ويتميز في تصرفه عن أساليب الكلام المعتاد، وذلك أن الطرق التي يتقيد بها الكلام البديع المنظوم تنقسم إلى أعاريض الشعر على اختلاف أنواعه، ثم إلى أنواع الكلام الموزون غير المقفى، ثم إلى أصناف الكلام المعدل المسجع، ثم إلى معدل موزون غير مسجع، ثم إلى ما يرسل إرسالا فتطلب فيه الإصابة والإفادة وإفهام المعاني المعترضة على وجه بديع، وترتيب لطيف وإن لم يكن معتدلا في وزنه، وذلك شبيه بجملة الكلام الذى لا يتعمل ولا يتصنع له. وقد علمنا أن القرآن خارج من هذه الوجوه ومباين لهذه الطرق. ليس من باب السجع ولا فيه شيء منه، وليس من قبيل الشعر، لأن من الناس من زعم أنه كلام مسجع، ومنهم من يدعى أن فيه شعرا كثيرا، فهذا إذا تأمله المتأمل تبين بخروجه عن أصناف كلامهم وأساليب خطابهم أنه خارج عن العادة وأنه خصوصية ترجع إلى جملة القرآن وتميز حاصل في جميعه. ومنها: أنه ليس للعرب كلام مشتمل على هذه الفصاحة والغرابة والتصرّف البديع والمعاني اللطيفة والفوائد الغزيرة والحكم الكثيرة والتناسب في البلاغة، والتشابه في البراعة على هذا الطول وعلى هذا القدر، وإنما تنسب إلى حكيمهم كلمات معدودة وألفاظ قليلة، وإلى شاعرهم قصائد محصورة يقع فيها ما نبينه بعد هذا من الاختلال، ويعترضها ما نكشفه من الاختلاف، ويقع فيها ما نبديه من التعمل والتكلف والتجوّز والتعسف، وقد حصل القرآن على كثرته وطوله متناسبا فى الفصاحة على ما وصفه اللَّه تعالى به فقال عزّ من قائل: { اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللَّهِ، وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً } [ ] ، فأخبر أن كلام الآدمي إن امتدّ وقع فيه التفاوت وبان عليه الاختلال، وفى ذلك معنى ثابت وهو أن عجيب نظمه وبديع تأليفه لا يتفاوت ولا يتباين على ما يتصرف إليه من الوجوه التي يتصرف فيها، من ذكر قصص ومواعظ واحتجاج وحكم وأحكام، وإعذار وإنذار، ووعد ووعيد، وتبشير وتخويف، وأوصاف وتعليم أخلاق كريمة وشيم رفيعة وسير مأثورة، وغير ذلك من الوجوه التي يشتمل عليها. ونجد كلام البليغ الكامل والشاعر المفلق والخطيب المصقع يختلف على حسب اختلاف هذه الأمور. فمن الشعراء من يجود في المدح دون الهجو، ومنهم من يبرز فى الهجو دون المدح، ومنهم من يسبي في التقريظ دون التأبين، ومنهم من يجوز في التأبين دون التقريظ، ومنهم من يغرب في وصف الإبل والخيل أو سير الليل، أو وصف الروض. أو وصف الخمر أو الغزل أو غير ذلك مما يشتمل عليه الشعراء ويتداوله الكلام، ولذلك ضرب المثل: بامرىء القيس إذا ركب، والنابغة إذا رهب، وبزهير إذا رغب، ومثل ذلك يختلف في الخطيب والرسائل وسائر أجناس الكلام. ومتى تأملت شعر الشاعر البليغ رأيت التفاوت في شعره على حسب الأحوال التي يتصرف فيها، فيأتي بالغاية في البراعة في معنى، فإذا جاء إلى غيره قصر عنه ووقف دونه وبان الاختلاف على شعره. ثم نجد في الشعراء من يجود في الرجز ولا يمكنه نظم القصيد أصلا، ومنهم من ينظم القصيد، ولكن يقصر فيه مهما تكلفه أو عمله، ومن الناس من يجود في الكلام المرسل، فإذا أتى بالموزون قصر ونقص نقصانا عجيبا، ومنهم من يوجد بضد ذلك. وقد تأملنا نظم القرآن فوجدنا جميع ما يتصرف فيه من الوجوه التي قدمنا ذكرها على حدّ واحد في حسن النظم وبديع التأليف والرصف، لا تفاوت فيه ولا انحطاط عن المنزلة العليا، ولا إسفال فيه إلى الرتبة الدنيا. وكذلك قد تأملنا ما يتصرف إليه وجوه الخطاب من الآيات الطويلة والقصيرة، فرأينا الإعجاز في جميعه على حدّ واحد لا يختلف. وكذلك قد يتفاوت كلام الناس عند إعادة ذكر القصة الواحدة فرأيناه غير مختلف ولا متفاوت، بل هو على نهاية البلاغة وغاية البراعة، فعلمنا بذلك أنه مما لا يقدر عليه البشر، لأن الذى يقدون عليه قد بينا فيه التفاوت الكثير عند التكرار، وعند تباين الوجوه واختلاف الأسباب التي يتضمن.
ومعنى رابع: وهو أن كلام الفصحاء يتفاوت تفاوتا بينا فى الفصل والوصل، والعلوّ والنزال، والتقريب والتبعيد، وغير ذلك مما ينقسم إليه الخطاب عن النظم ويتصرف فيه القول عند الضم والجمع، ألا ترى أن كثيرا من الشعراء قد وصف بالنقص عن التنقل من معنى إلى غيره، والخروج من باب إلى سواه، حتى إن أهل الصنعة قد اتفقوا على تقصير البحتري مع جودة نظمه
وحسن وصفه فى الخروج من النسيب إلى المديح وأطبقوا على أنه لا يحسنه ولا يأتي فيه بشيء، وإنما اتفق له فى مواضع معدودة خروج يرتضى وتنقل يستحسن، وكذلك يختلف سبيل غيره عند الخروج من شيء إلى شيء والتحوّل من باب إلى باب، كالمتناسب والمتنافر في الإفراد إلى حد الآحاد، ويخرج به الكلام إلى حدّ العادة ويتجاوز العرف.
ومعنى خامس: فنظم القرآن وقع موقعا في البلاغة يخرج عن عادة كلام الإنس والجن، فهم يعجزون عن الإتيان بمثله كعجزنا ويقصرون دونه كقصورنا، وقد قال اللَّه عز وجل: { قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً} [ ] .
ومعنى سادس: وهو أن الذى ينقسم عليه الخطاب من البسيط والاختصار، والجمع والتفريق، والاستعارة والتصريح، والتجوز والتحقيق، ونحو ذلك من الوجوه التي توجد في كلامهم موجودة في القرآن، وكل ذلك مما لا يتجاوز حدود كلامهم المعتاد بينهم فى الفصاحة والإبداع والبلاغة.
ومعنى سابع: وهو أن المعاني التي تتضمن في أصل وضع الشريعة والأحكام والاحتجاجات في أصل الدين والرد على الملحدين على تلك الألفاظ البديعة، وموافقة بعضها بعضا في اللطف والبراعة مما يتعذر على البشر، ويمنع ذلك أنه قد علم أن تخير الألفاظ للمعاني المتداولة المألوفة والأسباب الدائرة بين الناس أسهل وأقرب من تخير الألفاظ لمعان مبتكرة، وأسباب مؤسسة مستحدثة، فلو أبرع اللفظ في المعنى البارع كان ألطف وأعجب من أن يوجد اللفظ البارع في المعنى المتداول المتكرّر والأمر المتقرّر المتصور. ثم إن انضاف إلى ذلك التصرّف البديع في الوجوه التي تتضمن تأييد ما يبتدأ تأسيسه ويراد تحقيقه بأن التفاضل فى البراعة والفصاحة، ثم إذا وجدت الألفاظ وفق المعنى والمعاني وفقها لا يفضل أحدهما على الآخر، فالبراعة أظهر والفصاحة أتم.
ومعنى ثامن: وهو أن الكلام يبين فضله ورجحان فصاحته، بأن نذكر منه الكلمة في تضاعيف كلام أو نقذف ما بين شعر فتأخذه الأسماع وتتشوّق إليه
النفوس، ويرى وجه رونقه باديا غامرا سائر ما يقرن به، كالدرّة التي ترى في سلك من خرز وكالياقوته في واسطة العقد، أنت ترى الكلمة من القرآن يتمثل بها في تضاعيف كلام كثير، وهى غرّة جميعه وواسطة عقده والمنادى على نفسه بتمييزه وتخصصه برونقه وجماله واعتراضه في جنسه ومائه. وهذا الفصل أيضا مما يحتاج فيه إلى تفصيل وشرح ونص ليحقق ما ادّعيناه منه، ولولا هذه الوجوه التي بيناها لم يتحير فيه أهل الفصاحة، ولكانوا يفزعون إلى التعمل للمقابلة والتصنع للمعارضة، وكانوا ينظرون فى أمرهم ويراجعون أنفسهم، أو كان يراجع بعضهم بعضا في معارضته ويتوقفون لها، فلما لم نرهم اشتغلوا بذلك علم أن أهل المعرفة منهم بالصنعة إنما عدلوا عن هذه الأمور لعلمهم بعجزهم عنه، وقصور فصاحتهم دونه، ولا يمتنع أن يلتبس على من لم يكن بارعا فيهم، ولا متقدما في الفصاحة منهم هذه الحال حتى لا يعلم إلا بعد نظر وتأمل، وحتى يعرف حال عجز غيره، إلا أنا رأينا صناديدهم وأعيانهم ووجوههم سلموا ولم يشتغلوا بذلك تحققا بظهور العجز وتبينا له. وأما قوله تعالى حكاية عنهم: قالُوا قَدْ سَمِعْنا لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هذا فقد يمكن أن يكونوا كاذبين فيما أخبروا به عن أنفسهم، وقد يمكن أن يكون هذا الكلام إنما خرج منهم وهو يدل على عجزهم، ولذلك أورده اللَّه مورد تقريعهم، لأنه لو كانوا على ما وصفوا به أنفسهم لكانوا يتجاوزون الوعد إلى الإنجاز، والضمان إلى الوفاء، فلما لم يستعملوا ذلك مع استمرار التحدّي، وتطاول زمان الفسحة فى إقامة الحجة عليهم بعجزهم عنه علم عجزهم، إذ لو كانوا قادرين على ذلك لم يقتصروا على الدعوى فقط، ومعلوم من حالهم وحميتهم أن الواحد منهم يقول في الحشرات والهوام والحيات وفى وصف الأزمة، والاتساع والأمور التي لا تؤبه لها ولا يحتاج إليها، ويتنافسون في ذلك أشد التنافس ويتبجحون به أشدّ التبجح، فكيف يجوز أن تمكنهم معارضته في هذه المعاني الفسيحة العبارات الفصيحة مع تضمن المعارضة تكذيبه والذبّ عن أديانهم القديمة، وإخراجهم أنفسهم من تسفيهه رأيهم وتضليله إياهم والتخلص من منازعته ثم من محاربته ومقارعته ثم لا يفعلون شيئا من ذلك، وإنما يحيلون أنفسهم على التعاليل ويعللونها بالأباطيل.
ومعنى تاسع: وهو أن الحروف التي بنى عليها كلام العرب ثمانية وعشرون حرفا، وعدد السور التي افتتح فيها بذكر الحروف ثمان وعشرون سورة، وجملة ما ذكر من هذه الحروف في أوائل السور من حروف المعجم نصف الجملة وهو أربعة عشر حرفا، ليدل بالمذكور على غيره، وليعرفوا أن هذا الكلام منتظم من الحروف التي ينظمون بها كلامهم، والذى ينقسم إليه هذه الحروف على ما قسمه أهل العربية، وبنوا عليها وجوهها أقسام، هي: فمن ذلك أنهم قسموها إلى حروف مهموسة وأخرى مجهورة.
فالمهموسة: منها عشرة وهى: الحاء والهاء والخاء والكاف والشين والثاء والفاء والتاء والصاد والسين. وما سوى ذلك من الحروف فهي مجهورة. وقد عرفنا أن نصف الحروف المهموسة مذكورة في جملة الحروف المذكورة في أوائل السور.
وكذلك نصف الحروف المجهورة على السواء لا زيادة ولا نقصان.
والمجهور: معناه أنه حرف أشبع الاعتماد فى موضعه ومنع أن يجرى معه حتى ينقضي الاعتماد ويجرى الصوت.
والمهموس: كل حرف ضعف الاعتماد فى موضعه حتى جرى معه النفس، وذلك مما يحتاج إلى معرفته لتبتنى عليه أصول العربية. وكذلك مما يقسمون إليه الحروف، يقولون: إنها على ضربين.
أحدهما حروف الحلق، وهى ستة أحرف: العين والحاء والهمزة والهاء والخاء والعين، والنصف من هذه الحروف مذكور في جملة الحروف التي تشتمل عليها الحروف المبينة في أوائل السور. وكذلك النصف من الحروف التي ليست بحروف الحلق. وكذلك تنقسم هذه الحروف إلى قسمين آخرين: أحدهما حروف غير شديدة. وإلى الحروف الشديدة، وهى التي تمنع الصوت أن يجرى فيه، وهى الهمزة والقاف والكاف والجيم والظاء والذال والطاء والباء. وقد علمنا أن نصف هذه الحروف أيضا هي مذكورة في جملة تلك الحروف التي بنى عليها تلك السور. ومن ذلك الحروف المطبقة وهى أربعة أحرف، وما سواها منفتحة. فالمطبقة: الطاء والظاء والضاد والصاد. وقد علمنا أن نصف هذه في جملة الحروف المبدوء بها فى أوائل السور. وكل ذلك يوجب إثبات الحكمة في ذكر هذه الحروف على حدّ يتعلق به الإعجاز من وجه:
ومعنى عاشر: وهو أنه سهل سبيله فهو خارج عن الوحشي المستكره والغريب المستنكر وعن الصنعة المتكلفة، وجعله قريبا إلى الأفهام، يبادر معناه لفظه إلى القلب، ويسابق المغزى من عبارته إلى النفس، وهو مع ذلك ممتنع المطلب عسير المتناول، غير مطمع مع قربه في نفسه ولا موهم مع دنوه فى موقعه أن يقدر عليه أو يظفر به، فأما الانحطاط عن هذه الرتبة إلى رتبة الكلام المبتذل والقول المسفسف، فليس يصح أن تقع فيه فصاحة أو بلاغة، فيطلب فيه الإعجاز، ولكن لو وضع في وحشى مستكره أو عمر بوجوه الصنعة، وأطبق بأبواب التعسف والتكلف لكان لقائل أن يقول فيه، ويعتذر ويعيب ويقرّع، ولكنه أوضح مناره وقرب منهاجه وسهل سبيله وجعله متشابها متماثلا وبين مع ذلك إعجازهم فيه، وقد علمت أن كلام فصحائهم وشعر بلغاتهم لا ينفك من تصرف في غريب مستنكر أو وحشى مستكره ومعان مستبعدة، ثم عدولهم إلى كلام مبتذل وضيع لا يوجد دونه فى الرتبة، ثم تحوّلهم إلى كلام معتدل بين الأمرين متصرف بين المنزلين
تعقيب على وجوه إعجاز القرآن:
من الإخبار عن الغيوب والصدق والإصابة فى ذلك كله فهو كقوله تعالى: { قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرابِ سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ } [ ] ، فأغزاهم أبو بكر وعمر رضى اللَّه عنهما إلى قتال العرب والفرس والروم. وكقوله: { الم غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ فِي بِضْعِ سِنِينَ } [ ] ، وراهن أبو بكر الصدّيق رضى اللَّه عنه في ذلك وصدق اللَّه وعده. وكقوله ف] قصة أهل بدر: { سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ} [ ] . وكقوله تعالى : { لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لا تَخافُونَ } [ ] . وكقوله تعالى : { وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّها لَكُمْ } [ ] في قصة أهل بدر. وكقوله تعالى : { وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً } [ ] ، فصدق اللَّه تعالى وعده في كل ذلك. وقال في قصة المتخلفين عنه في غزوته : { لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً وَلَنْ تُقاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا } [ ] ، فحق ذلك كله وصدق ولم يخرج من المخالفين الذين خوطبوا بذلك معه أحد. وكقوله تعالى : { لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ} [ ] . وكقوله تعالى : { فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ }[ ] ، فامتنعوا من المباهلة ولو أجابوا إليها اضطرمت عليهم الأودية نارا ما ذكر في الخبر. وكقوله تعالى : { قُلْ إِنْ كانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ. وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ } [ ] ، ولو تمنوه لوقع بهم هذا وما أشبهه. ومن إخباره عن قصص الأولين وسير المتقدمين، فمن العجيب الممتع على من لم يقف على الأخبار ولم يشتغل بدرس الآثار، وقد حكى في القرآن الكريم تلك الأمور حكاية من شهدها وحضرها، ولذلك قال اللَّه تعالى: { وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَارْتابَ الْمُبْطِلُونَ} [ ].
وقال: { وَما كُنْتَ بِجانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنا إِلى مُوسَى الْأَمْرَ وَما كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ ] . وقال: { وَما كُنْتَ بِجانِبِ الطُّورِ إِذْ نادَيْنا وَلكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أَتاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ } [ ] . فبين وجه دلالته من إخباره بهذه الأمور الغائبة السالفة. وقال: { تِلْكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيها إِلَيْكَ ما كُنْتَ تَعْلَمُها أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ } [ ]. ومن الإعجاز الواقع في النظم والتأليف والرصف، فهو على وجوه:
منها: أنه نظم خارج عن جميع وجوه النظم المعتاد في كلامهم ومباين لأساليب خطابهم، لم وهو ليس من قبيل الشعر ولا السجع ولا الكلام الموزون غير المقفى، لأن قوما من كفار قريش ادّعوا أنه شعر. ومن الملحدة من يزعم أن فيه شعرا. ومن أهل الملة من يقول إنه كلام مسجع. ومنهم من يدعى أنه كلام موزن.
فلا يخرج بذلك عن أصناف ما يتعارفونه من الخطاب.
ز-الوقوف على إعجاز القرآن
لا يتهيأ لمن كان لسانه غير العربية من العجم والترك وغيرهم أن يعرفوا إعجاز القرآن إلا أن يعلموا أن العرب قد عجزوا عن ذلك، فإن عرفوا هذا بأن علموا أنهم قد تحدّوا على أن يأتوا بمثله، وقرّعوا على ترك الإتيان بمثله، ولم يأتوا به، تبينوا أنهم عاجزون عنه، وإذا عجز أهل ذلك اللسان فهم عنه أعجز. ثم إن من كان من أهل اللسان العربي إلا أنه ليس يبلغ في الفصاحة الحدّ الذى يتناهى إلى معرفة أساليب الكلام ووجوه تصرف اللغة وما يعدونه فصيحا بليغا بارعا من غيره، فهو كالأعجمي فى أنه لا يمكنه أن يعرف إعجاز القرآن إلا بمثل ما يعرف به الفارسي، وهو من ليس من أهل اللسان سواء. فأما من كان قد تناهى فى معرفة اللسان العربي، ووقف على طرقها ومذاهبها، فهو يعرف القدر الذى ينتهى إليه وسع المتكلم من الفصاحة، ويعرف ما يخرج عن الوسع ويتجاوز حدود القدرة، فليس يخفى عليه إعجاز القرآن كما يميز بين جنس الخطب والرسائل والشعر، وكما يميز بين الشعر الجيد والرديء والفصيح والبديع والنادر والبارع والغريب، وهذا كما يميز أهل كل صناعة صنعتهم. وربما اختلفوا فيه لأن من أهل الصنعة من يختار الكلام المتين والقول الرصين . ومنهم من يختار الكلام الذى يروق ماؤه وتروع بهجته ورواؤه، ويسلس مأخذه، ويسلم وجهه ومنفذه، ويكون قريب المتناول غير عويص اللفظ ولا غامض المعنى. كما يختار قوم ما يغمض معناه ويغرب لفظه، ولا يختار ما سهل على اللسان وسبق إلى البيان. ومنهم من يختار الغلوّ في قول الشعر والإفراط فيه، حتى ربما قالوا: أحسن الشعر أكذبه. وأكثرهم على مدح المتوسط بين المذهبين فى الغلوّ والاقتصاد وفى المتانة والسلامة. ومنهم من رأى أن أحسن الشعر ما كان أكثر صنعة وألطف تعملا، وأن يتخير الألفاظ الرشيقة للمعاني البديعة والقوافي الواقعة. والكلام موضوع للإبانة عن الأغراض التي فى النفوس، وإذا كان كذلك وجب أن يتخير من اللفظ ما كان أقرب إلى الدلالة على المراد، وأوضح في الإبانة عن المعنى المطلوب، ولم يكن مستكره المطلع على الأذن، ومستنكر المورود على النفس، حتى يتأبى بغرابته في اللفظ عن الأفهام، أو يمتنع بتعويض معناه عن الإبانة، ويجب أن يتنكب ما كان عليه اللفظ مبتذل العبارة، ركيك المعنى سفساف الوضع، مجتنب التأسيس، على غير أصل ممهد، ولا طريق موطد. فأما نهج القرآن ونظمه وتأليفه ورصفه، فإن العقول تتيه فى جهته وتحار فى بحره ونضل دون وصفه. وقد، سماه اللَّه عز ذكره حكيما وعظيما ومجيدا وقال: { لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ.
وقال: لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ.} [ ] ، وقال: { وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعاً.
وقال: قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً } [ ] . وعن عليَ رضى اللَّه عنه قال: ( قيل: يا رسول اللَّه إن أمتك ستفتتن من بعدك، فسأل أو سئل، ما المخرج من ذلك؟ فقال: بكتاب اللَّه العزيز الذى { لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ }[ ] من ابتغى العلم في غيره أضله اللَّه، ومن ولى هذا من جبار فحكم بغيره قصمه اللَّه، وهو الذكر الحكيم والنور المبين والصراط المستقيم، فيه خبر من قبلكم، وتبيان من بعدكم، وهو فصل ليس بالهزل، وهو الذى سمعته الجن فقالوا:{ إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ } [ ] لا يخلق على طول الرد ) . وعن أبى أمامة قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: «من قرأ ثلث القرآن أعطى ثلث النبوّة، ومن قرأ نصف القرآن أعطى نصف النبوّة، ومن قرأ القرآن كله أعطى النبوّة كلها، غير أنه لا يوحى إليه» [ ] . ولو لم يكن من عظم شأنه إلا أنه طبق الأرض أنواره، وجلل الآفاق ضياؤه، ونفذ في العالم حكمه، وقبل فى الدنيا رسمه، وطمس ظلام الكفر بعد أن كان مضروب الرواق ممدود الأطناب، مبسوط الباع مرفوع العماد، ليس على الأرض من يعرف اللَّه حق معرفته أو يعبده حق عبادته أو يدين بعظمته، أو يعلم علوّ جلالته، أو يتفكر في حكمته، فكان كما وصفه اللَّه تعالى جلّ ذكره من أنه نور فقال: { وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ وَلكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ.} [ ] ، فأما أن يتقدموهم أو يسبقوهم فلا. ومنها أنا قد علمنا عجز أهل سائر الأعصار كعلمنا بعجز أهل العصر الأول، والطريق في العلم بكل واحد من الأمرين طريق واحد، لأن التحدي في الكل على جهة واحدة، والتنافي في الطباع على حدّ والتكلف على منهاج لا يختلف، ولذلك قال اللَّه تبارك وتعالى: { قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً} [ ] .
ح-تحدى القرآن الكريم للإنس والجن:
ومن حكم المعجزات إذا ظهرت على الأنبياء أن يدّعوا فيها أنها من دلالتهم وآياتهم، لأنه لا يصح بعثة النبي من غير أن يؤتى دلالة ويؤيد بآية، لأن النبي لا يتميز من الكاذب بصورته، ولا بقول نفسه ولا بشيء آخر سوى البرهان الذى يظهر عليه فيستدل به على صدقه، فإذا ذكر لهم أن هذه آيتي وكانوا عاجزين عنها صح له ما ادّعاه، ولو كانوا غير عاجزين عنها لم يصح أن يكون برهانا له، وليس يكون ذلك معجزا إلا بأن يتحداهم إلى أن يأتوا، فإذا تحداهم وبأن عجزهم صار معجزا، وإنما احتيج في باب القرآن إلى التحدي لأن من الناس من لا يعرف كونه معجزا، فإنما يعرف أولا إعجازه بطريقه، لأن الكلام المعجز لا يتميز من غيره بحروفه وصورته، وإنما يحتاج إلى علم وطريق يتوصل به إلى معرفة كونه معجزا، فإن كان لا يعرف بعضهم إعجازه فيجب أن يعرف هذا حتى يمكنه أن يستدل به، ومتى رأى أهل ذلك اللسان قد عجزوا عنه بأجمعهم مع التحدي إليه والتقريع به والتمكين منه صار حينئذ بمنزلة من رأى اليد البيضاء وانقلاب العصا ثعبانا تتلقف ما يأفكون. وأما ما كان من أهل صنعة العربية والتقديم في البلاغة ومعرفة فنون القول ووجوه المنطق، فإنه يعرف حين يسمعه عجزه عن الإتيان بمثله، ويعرف أيضا أهل عصره ممن هو في طبقته أو يدانيه في صناعته عجزهم عنه فلا يحتاج إلى التحدي حتى يعلم به كونه معجزا، ولو كان أهل الصنعة الذين صفتهم ما بينا لا يعرفون كونه معجزا حتى يعرفوا عجز غيرهم عنه لم يجز أن يعرف النبي صلّى اللَّه عليه وسلم أن القرآن معجز حتى يرى عجز قريش عنه بعد التحدّي إليه. وإذا عرف عجز قريش لم يعرف عجز سائر العرب عنه حتى ينتهى إلى التحدّي إلى أقصاهم، وحتى يعرف عجز مسيلمة الكذاب عنه، ثم يعرف حينئذ كونه معجزا. وهذا القول إن قيل أفحش ما يكون من الخطأ فيجب أن تكون منزلة أهل الصنعة في معرفة إعجاز القرآن بأنفسهم منزلة من رأى اليد البيضاء، وفلق البحر بأن ذلك معجز. وأما من لم يكن من أهل الصنعة فلا بد له من مرتبة قبل هذه المرتبة، يعرف بها كونه معجزا فيساوى حينئذ أهل الصنعة، فيكون استدلالها في تلك الحالة به على صدق من ظهر ذلك عليه على سواه إذا ادّعاه دلالة على نبوّته وبرهانا على صدقه . فأما من قدّر أن القرآن لا يصير معجزا إلا بالتحدي إليه، فهو كتقدير من ظن أن جميع آيات موسى وعيسى عليهما السلام ليست بآيات حتى يقع التحدّي إليها، والحضّ عليها، ثم يقع العجز عنها، فيعلم حينئذ أنها معجزات. وقد سلف من كلامنا في هذا المعنى ما يغنى عن الإعادة، ويبين ما ذكرناه في غير البليغ أن الأعجمي الآن لا يعرف إعجاز القرآن إلا بأمور زائدة على الأعجمي الذى كان في ذلك الزمان مشاهدا له، لأن من هو من أهل العصر يحتاج أن يعرف أولا أن العرب عجزوا عنه، وإنما يعلم عجزهم عنه بنقل الناقلة إليه أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قد تحدّى العرب إليه فعجزوا عنه، ويحتاج في النقل إلى شروط، وليس يصير القرآن بهذا النقل معجزا، كذلك لا يصير معجزا بأن يعلم العربي الذى ليس ببليغ أنهم قد عجزوا عنه بأبلغهم، بل هو معجز في نفسه، وإنما طريق معرفة هذا وقوعهم على العلم بعجزهم عنه.


المستشار الأدبي
حسين علي الهنداوي
شاعر وناقد
مدرس في جامعة دمشق
دراسات جامعية-في الأدب العربي
صاحب الموسوعة الأدبية (المرصد الأدبي )
حجم الموسوعة( خمس عشرة ألف صفحة )
سوريا -درعا- hoshn55@gmail.com
السيرة الذاتية للمستشار الأدبي(حسين علي الهنداوي)
أ- أديب و شاعر وقاص ومسرحي و ناقد و صحفي
ب- له العديد من الدراسات الأدبية و الفكرية
ج-نشر في العديد من الصحف العربية
د- مدرس في جامعة دمشق - كلية التربية - فرع درعا
ه- ولد الأديب في سوريا – درعا عام 1955 م
و- تلقى تعليمه الابتدائي و الإعدادي و الثانوي في مدينة درعا
ح- انتقل إلى جامعة دمشق كلية الآداب – قسم اللغة العربية و تخرج فيها عام 1983
ك- حائز على إجازة في اللغة العربية
ص-حائز على دبلوم تأهيل تربوي جامعة دمشق
ع- عمل محاضراً لمادة اللغة العربية في معهد إعداد المدرسين - قسم اللغة العربية في مدينة درعا
ف- انتقل إلى التدريس في المملكة العربية الســـعودية عام (1994 /2000 ) في مدينتـــي عنيزة و تبوك 0
1- عضو اتحاد الصحفيين العرب
2- عضو اتحاد كتاب الانترنت العرب
3- عضو تجمع القصة السورية
4- عضو النادي الأدبي بتبوك
مؤلفاته :
أ*- الشعر :
1- هنا كان صوتي و عيناك يلتقيان/1990
2- هل كان علينا أن تشرق شمس ثبير/1994
3- أغنيات على أطلال الزمن المقهور /1994
4- سأغسل روحي بنفط الخليج /1996
5- المنشّى يسلم مفاتيح إيلياء/1996
6- هذه الشام لا تقولي كفانا / مخطوط
ب*- القصة القصيرة :
شجرة التوت /1995
ج – المسرح :
1- محاكمة طيار /1996
2- درس في اللغة العربية /1997
3- عودة المتنبي / مخطوط
4- أمام المؤسسة الاستهلاكية / مخطوط
د – النقد الأدبي :
1- محاور الدراسة الأدبية 1993
2- النقد و الأدب /1994
3- مقدمتان لنظريتي النقد و الشعر / مخطوط
4- أسلمة النقد الأدب
هـ - الدراسات الدينية :
1- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الأول
2- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الثاني
3- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الثالث
4- فتاوى و اجتهادات / جمع و تبويب
5- هل أنجز الله وعده !!!!!!
و- موسوعة (المرصد الأدبي) :
1-تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية ( معاني الأدب وعلاقاته)
2 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية قبل الإسلام (العصر الجاهلي )
3 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر صدر الإسلام )
4 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر الخلفاء الراشدين )
5 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر الخلفاء الأمويين)
6 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء العباسيين )
7 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء الأندلسيين )
8 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الدول المتتابعة )
9- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء العثمانيين )
10- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية في (العصر الحديث)
11- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية في (العهد المعاصر)