ثم تحدث في مكان أوسع عن جمال التركيب مقتفيا أثر ابن سنان في «سرّ الفصاحة»، إنه يقول: «إن تفاوت التفاضل يقع في تركيب الألفاظ، أكثر مما يقع في مفرداتها، لأن التركيب أعسر وأشقّ، ويخيّل للسامع أن هذه الألفاظ ليست تلك التي كانت مفردة. فالمفردة هي جزئيات النظم، وقد اعترف ابن الأثير بجمال الطرفين المفردة والنظم، بمعياره الذوقي المتعلق بالجانب الموسيقى. ومثل هذا صحيح إلا في مساواة الخطابي بعبد القاهر، لأن الأول عني بدقّة اختيار القرآن لمفرداته في مواضع كثيرة من رسالته على ضآلة حجمها، مشيرا إلى الفروق والإيحاءات ، وعبد القاهر عند ما يقول إن الكلمة المفردة ليست بليغة فهو لا ينفي عنها فصاحتها وهذا يعني إدراكه لجمال شكلها ؛ وقد ورد في القرآن الكريم دعوة إلى عدم استخدام لفظة مكان لفظة، مراعاة للمواقف بكل أطرافها، وهناك آيتان وردت فيهما الدعوة المنوّهة بالفروق وإن كانت غير مباشرة، لكنها كسب لهذه الفقرة، فالمقصد الأساسي فيها كان تهذيبا أخلاقيا ودينيا، إذ يقول تعالى: { قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا، قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا، وَلكِنْ قُولُوا: أَسْلَمْنا، وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ } [ سورة الحجرات، الآية 14] ، فهناك فرق شاسع بين طواعية شكلية تدلّ على استسلام ظاهري، وبين الإيمان وهو التصديق الداخلي الراسخ، يقول أبو السعود في أسباب نزول الآية: نزلت في نفر من بني الأسد، قدموا المدينة في سنة جدب، فأظهروا الشهادتين ، وكانوا محيطين بالمدينة. ويقول حفني محمد شرف حول هذه الآية: «كل لفظة من ألفاظ القرآن وضعت لتؤدي نصيبها من المعنى أقوى أداء، ولذلك لا نجد فيه ترادفا، بل كل كلمة تحمل إليك معنى جديدا» ( شرف، د. حفني محمد، 1970، الإعجاز البياني بين النظرية والتطبيق، ط/ 1، المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، القاهرة، ص/ 222)..ومن المحدثين من وقف على الآية الثانية التي يستدل بها على دعوة القرآن إلى عدم الترادف، وهي قوله تعالى: { يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا راعِنا، وَقُولُوا انْظُرْنا } [ سورة البقرة، الآية: 104.] ، وفي هذا يقول أبو السّعود: «المراعاة المبالغة في الرعي، وهو حفظ الغير، وتدبير أموره، أي راقبنا وانتظرنا، وتأنّ بنا حتى نفهم كلامك ونحفظه، وكانت لليهود كلمة عبرانية أو سريانية يتسابّون بها فيما بينهم، وهي كلمة (راعينا)، قيل معناها (اسمع لا سمعت ) ، فلما سمعوا بقول المؤمنين ذلك افترصوه ، واتخذوه ذريعة إلى انتقاص النبي صلى الله عليه وسلم بتلك المسبّة، أو نسبته إلى الرّعن، وهو الحمق والهوج» ( أبو السعود، إرشاد العقل السليم، مج/ 1: 1/ 141) ، ومن ذلك نستنتج أن الكلمة المرادفة، هي أقرب الكلمات من حيث اشتراك المعنى في بعض أجزائه، ولا تعني المطابقة تماما، و يؤكد صبحي الصالح فكرة الترادف في سياق الآيات القرآنية، وكأنما لم يتمكن له النظر إلى سياق القرآن الذي تفردت فيه كل كلمة بمعناها الخاص ، وهو يعزو سبب الترادف إلى اختلاف لهجات العرب أو لغاتهم على الأصحّ ثم تعايش هذه اللغات، مما يدعو إلى استعمال كلا المفردتين، وقد قدم شواهد قرآنية تدعم رأيه، ومن هذه الشواهد استعمال القرآن للفعلين: أقسم وحلف، فهو يرى أنهما لغتان عربيتان مدلولهما واحد. وندفع هذه المقولة بالرجوع إلى السياق الخاص للقرآن، يقول عزّ وجلّ: { يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ ما قالُوا، وَلَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ} [ سورة التّوبة، الآية: 74.] ، وقد ذكر الحلف مختصا بالكذب والمنافقين، أما القسم فقد خصّ بالصدق والمؤمنين، يقول تعالى: { فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ إِنَّا لَقادِرُونَ } [ سورة المعارج، الآية : 40] ، فهناك فرق في الاستعمال . وقد اهتمت عائشة عبد الرحمن بهذا الشأن، واتسم أسلوبها بالاستقراء الشامل للمفردات التي تتعرض لها، فهي بعد أن تذكر ما ورد في الشعر القديم مما يؤكد الترادف، وعدم التفريق بين هاتين الدّلالتين في الاستعمال تقول: «العرب تقول: حلفة فاجر وأحلوفة فاجر، ولم يسمع حلفة برّ، وأحلوفة صادقة إلا أن تأتي في بيت شعر» « فالشعراء لم يكونوا يفرقون بينهما، إذ ترى أن فعل حلف يسند إلى المنافقين في القرآن، وأسند مرة واحدة إلى المؤمنين في قوله تعالى : { ذلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمانِكُمْ إِذا حَلَفْتُمْ } [ سورة المائدة، الآية: 89 ] ، فوجبت عليهم الكفّارة لخطئهم. وتبرّر ذكر القسم أيضا على لسان الكفار قائلة: «يسند القسم إلى الضالين حين يكون قسمهم عن اقتناع منهم بالصدق قبل أن ينكشف لهم أنهم على ضلال» ) (عبد الرحمن، د. عائشة، 1971، الإعجاز البياني للقرآن، ط/ 1 دار المعارف بمصر، ص/ 206) ويصبح القسم حسب تعبيرها هنا بمنزلة الحلف كما في قوله عز وجل: { وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِها، قُلْ: إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللَّهِ، وَما يُشْعِرُكُمْ أَنَّها إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ } [ سورة الأنعام، الآية: 109] ، فذكر القسم هنا يدلّ على إصرارهم على المعجزات المادية، وعلوّ عنجهيّتهم وسخريتهم، والشّدّة في طلبهم، ويرافق هذا الإصرار كذبهم، فهم لن يؤمنوا، وإن جاءت المعجزات المادية، والله عليم بقلوبهم، ولهذا لم يحقّق لهم ما أرادوه. ولا تدلّ ظاهرة الترادف في لغتنا على نقيصة، بل تدل على سعة الفكر العربي وابتكاره، والترادف على أية حال ظاهرة لغوية ملموسة، ولكن الاستعمال القرآني واقع أدبي خاص يتنزّه عن إمكان تبديل كلماته من غير أن يتغيّر معنى المقام المطلوب. يرى المبرّد أن جواز العطف يعني تفرّد كل اسم بمعنى خاص مستشهدا بالآية: { لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً } [ سورة المائدة، الآية: 48] ويقول: «عطف شرعة على منهاج، لأن الشّرعة لأوّل الشيء والمنهاج لمعظمه ومتّسعه، ويعطف الشيء على الشيء، وإن كانا يرجعان إلى شيء واحد إذا كان في أحدهما خلاف للآخر» ، والذي قاله هاهنا في العطف يدل على أن جميع ما جاء في القرآن، وعن العرب من لفظين جاريين مجرى ما ذكرنا من العقل واللب، والكسب والجرح، والعمل والفعل معطوفا أحدهما على الآخر، فإنما جاز هذا لما بينهما من الفرق ؛ ومن مظاهر استيفاء المفردة القرآنية لطرفي الشكل والمضمون ما جاء في الآية : { تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنا } [ سورة يوسف، الآية: 91 ] ، وقد جاء في الاتقان عن البارزي هبة الله بن عبد الرحيم الجهني الحموي، قاض وحافظ للحديث، من أكابر فقهاء الشافعية أنّه أعجب ب «آثرك» وحسنها الزائد على «فضّلك» ، وظنّ أن الأم هو هذا المدّ الطويل بعد الهمزة ثم الفتح على حرف لثويّ خفيف، وصعوبة الوقوف والتّشديد على الضاد، وهو من حروف الإطباق. ويضاف أن القرآن ذكر «فضّل» في سبعة عشر مكانا، مثل قوله تعالى: { فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجاهِدِينَ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقاعِدِينَ دَرَجَةً } [ سورة النساء، الآية: 95] فالتفضيل كما توحي المقارنة كان نتيجة عمل، ولم يكن له سابق تصميم أو إرادة، إنما هو نتيجة عمل، وإذا عدنا إلى «آثر» مثل: { وَآثَرَ الْحَياةَ الدُّنْيا } [ سورة النازعات، الآية: 38.]، وقوله تعالى: { وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ } [ سورة الحشر، الآية: 9.] ، فالعدالة السماوية تتأكد في سابق اختيار المرء للشر، والإيثار يكون له ثواب عند ما لا يكون جبرا، فيؤثر المؤمن أخاه عن سابق اختيار ، ودلالة «آثر» في القرآن أقرب إلى الذهنيات منها للمحسوسات، أو هي اختيار بعد اختيار، يقول أبو هلال: «الفرق بين الاختيار والإيثار أن الإيثار على ما قيل هو الاختيار المقدّم» ؛ وعلى سبيل المثال تورد الدكتورة عائشة عبدالرحمن تفسيرا لهذه الآية مفاده : { إِنَّما تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ } [ سورة يس، الآية: 11] أنها «تفترق الخشية عن الخوف، بأنها تكون عن يقين صادق بعظمة من نخشاه، كما يفترق الخشوع، بأننا لا نخشع إلا عن انفعال صادق بجلال من نخشع له، أما الخوف فيجوز أن يحدث عن تسلّط بالقهر والإرهاب، كما أن الخضوع قد يكون تكلّفا عن نفاق وخوف تقيّة ومداراة، والعرب تقول خشع قلبه، ولا تقول خضع قلبه إلا تجوّزا» ( عبد الرحمن، د. عائشة، الإعجاز البياني للقرآن، ص/ 229.) . إن خصوصية الانتقاء القرآني تدعو إلى الإقرار بتفرّد كل كلمة بمعناها الخاص، مستندة إلى السياق القرآني ؛ والقرآن يشير إلى تكوين العبارات في نسق موسيقي ممتع من خلال انتقائه للحروف المقطعة، وبذلك يكون معجزا للمشركين بسلاح كانوا يدركونه، خصوصا أن مسألة الفواتح أمر فريد من نوعه، لم يعرفوه في استعمالهم، ولا في أشعارهم، ونستدل من القرآن على نموذجين من الجمال الموسيقى: الأول: ظاهر يتجلّى في الفواصل والحروف المقطعة، والفواصل تشبه قوافي الشعر، وتختلف عنها بالتمكن والتنوع. والثاني: جمال خفيّ مكنون بين الحرف والحركة، ومن خلال الانسجام بين الصفير والإطباق والبطش والانزلاق، وذلك في نسيج متكامل يأخذ كلّ جزء منه مكانه الطبيعي، ووفق ما يناسب الموضوع شدة ولينا، ولم يستطيعوا التعبير عن هذا النوع، على الرغم من اعتراف فطرتهم به، لندرته في الشعر، ومجيئه فيه آليا من غير قصد، وربّما بشيء من الفوضى والتنافر ؛ ومن أوائل الثناء على أسلوب القرآن ما جرى على لسان الوليد بن المغيرة «فو الله للذي يقول حلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإنّه لمثمر أعلاه، مغدق أسفله، وإنه يعلو ولا يعلى عليه، وإنه ليحطم ما تحته» لقد تناقل دارسو الإعجاز هذه العبارة بلا تعمّق في ماهية الكلمات، وأبعادها، فلا شك أنها تمثل نظرة فنية عميقة، ووعيا للأثر الموسيقى، فالرجل مدرك بفطرته ميزات ما يسمع واختلافه عما عهد، فيقدّم رأيا معياريا، إنه يريد بالحلاوة سهولة النطق بمفردات القرآن، وهذا يتأتّى من جنس الحروف ونسقها وانسيابها ولينها، وهو رقيق حلو لدى القارئ والسامع، ولعلّه يؤكد هذه المزيّة من خلال ذوقه بوصفه «مثمرا أعلاه»، فإذا كان هذا العلوّ هنا هو اللحن المختوم في الفواصل التي تتخذ لها أردافا من المدود غالبا، فإن «المغدق أسفله» هو الموسيقا الداخلية المبثوثة فيما قبل الفاصلة، فهناك إذن تلذّذ في النطق والسمع، وفي البداية والنهاية، وذكر الوليد للمساحة مستمدّ من فهمه لشكل البيت الشعري، ففيه ضرب وعروض وقافية وصدر وعجز، والمتعة في الآية كلّها، وقد بدأ بالفاصلة لشدّة ظهورها، ومن ثمّ عاد إلى نسق الكلمات داخل الآية، فلا خلل حتى الوصول إلى إشباع هذه الموسيقية بالفاصلة، وكلمة «مغدق» تشير إلى كثرة المياه، ولذلك اتصلت بالكرم، فقالوا: أغدق عليه، أي أكثر العطاء، وهاهنا تدل على سلاسة النطق، ولين الحروف، وهذا أيضا في «طلاوة» التي تنمّ على اللّيونة لا الخشونة، والقرآن لم ينزع إلى غريب وحشي، فقد نبذ ما هو سوقي ومستثقل، ووثّق للأمة العربية ما هو رفيع سام، وكأنّ «الطلاوة» ذلك التأنّق الفائق الحسن. ولم ينس الوليد جزالة القرآن وفخامته، فهو «يحطم ما تحته»، والعبارة هنا تشير إلى مناسبة الكلمات للمواقف، فهي شديدة في موقف مثل قوله تعالى : { إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ } [ سورة البروج، الآية: 12] ، ولينة في مواقف الرحمة والعطف، والانسجام متحقق في الطرفين، فمن دواعي الشدة والوعيد وجود الطاء والشين، والوقوف على الدال وتكريرها، وسكون الطاء، ومثل هذا كثير. لقد اعترف بموضوعية خالصة بتفوق القرآن على الشعر، وقد وردت مقارنة القرآن بالشعر على لسان مشركين آخرين، ومنهم من آمن، بعد أن انتهى إلى سمو النظم القرآني، ومخالفته للشعر، فقد روى أبو ذر الغفاري عن أنيس أخيه رضي الله عنهما- وقد كان شاعرا-: «لقد سمعت قول الكهنة فما هو بقولهم، ولقد وضعت قوله على أقراء الشعر، فما يلتئم على لسان أحد بعدي أنه شعر، والله إنه لصادق، وإنهم لكاذبون» . وقرين هذا الوعي ما حصل عند مجيء عتبة بن ربيعة الذي كلّفه المشركون بتقديم المغريات للنبي صلى الله عليه وسلم، لكي يتخلّى عن الدعوة الإسلامية، وقد كان ردّ الرسول الكريم: «أقد فرغت يا أبا الوليد؟». قال: نعم، قال: «فاستمع مني» قال: أفعل، فقال:{ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، حم تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ بَشِيراً وَنَذِيراً فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ وَقالُوا: قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ } [ سورة فصّلت، الآية: 1 – 5] ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها يقرؤها عليه، فلمّا سمعها منه عتبة أنصت إليها، وألقى يديه خلف ظهره معتمدا عليهما يسمع منه، ثم انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السجدة منها فسجد، ثم قال: «قد سمعت يا أبا الوليد ما سمعت، فأنت وذاك» فقام عتبة إلى أصحابه، فقال بعضهم لبعض: نحلف بالله لقد جاءكم أبو الوليد بغير الوجه الذي ذهب به، فلما جلس إليهم قالوا: ما وراءك يا أبا الوليد؟ قال: ورائي أني سمعت قولا والله ما سمعت مثله قطّ، والله ما هو بالشّعر، ولا هو بالسحر، ولا بالكهانة» ( ابن هشام، سيرة النبي: 1/ 313). لقد أنصت بارتياح إلى هذا النص الإلهي، وأبعد عنه تهمة الشعر لما وجد فيه من حلاوة خاصة تتخلل كلماته، وذلك النسق الفريد الذي اتسم به. ولا يقتصر مفهوم الأقراء- القوافي- في كلام أنيس رضي الله عنه على الكلمة الأخيرة من الآية أو البيت الشعري، بل يشمل كل النشاط الفني، ويبدو أنه تنبه إلى تنوع روي الفواصل، وهذا يتّضح في السور المكية التي كان هذا الرأي وغيره في زمنها، ولقد لمس التفاوت الكبير بين القرآن والشعر، وإن كان أقلّ تعمقا من الوليد. حار العرب في أمر القرآن، وقد عجزوا عن معارضته، بماذا يواجهون هذا الإعجاز؟ فجعلوا القرآن شعرا، واتهموا النبي بالكهانة والسحر، وكل هذا يدل على اضطرابهم، وفقدان الموضوعية في اتهاماتهم، فالدقائق الفنية الموسيقية في القرآن تثبت وجودها، وتؤكد عجزهم، يقول دراز: «إن أول شيء أحسته الأذن العربية في نظم القرآن، هو ذلك النظام الصوتي الذي قسّمت فيه الحركة والسكون تقسيما منوعا يجدّد نشاط السامع لسماعه، ووزّعت في تضاعيفه حروف المدّ والغنّة توزيعا بالقسط يساعد على ترجيع الصوت به .. إلى أن يصل إلى الفاصلة، فيجد عندها راحته العظمى» . وموسيقا القرآن واضحة لكل نظر دقيق، وهي ذات هدف ديني جمالي معا، فهي رمز هادف، ولربما توضّح هذا في حلاوة ألفاظ بعض الغزل، ولكنه لم يطرد في كل معاني الشعر، وفي القرآن نجد أن الموسيقا أداة طيّعة في إبراز معاني الشدة والرحمة، التهديد والتّلطّف، وللمفردة القرآنية إسهام في الجمال البصري ( التجسيم) فقد أراد الخالق عز وجل أن يسهّل على عباده فهم القرآن، فجسّم لهم كثيرا من المعاني الدينية، إذ نقلها البيان القرآني من حيّز المجرّد الذهني إلى حيّز المادي المحسوس بوساطة الاستعارة، ومن هذا القبيل التعبير عن الهدى بالضياء، والضلال بالظلام، وكان هذا الأسلوب الحسي من عوامل استمرار تأثير الصورة القرآنية، كما أنه استخدم هذا في المتشابه المعنوي كالتعبير عن القدرة باليد والهيمنة بالكرسي ، و«التجسيم» يعني إعطاء الفكرة جسما، وإبراز الماهيات والأفكار العامة والعواطف في رسوم وصور وتشابيه محسوسة، هي في واقعها رموز معبرة عنها ، والتجسيم جزء من التصوير، لأن التجسيم يتضمن إسباغ المظهر الحسي على الشيء المعنوي، والتصوير يشمل تشبيه المعقول بالمحسوس، والمحسوس بالمحسوس، فهو مصطلح أعمّ، ويستخدم التصوير وسائل مختلفة، كالحروف والأفعال والحوار وغير هذا. أما وسائل التجسيم الموجودة في البيان القرآني، فهي مفردات مستمدة من الطبيعة الجامدة، والطبيعة المتحركة، ولا بدّ من الوقوف عند الرمّاني لمعرفة منهج الدارسين حسب التسلسل التاريخي في استخدام المفردة المجسّمة، يقول في الآية الكريمة: أَعْمالُهُمْ كَرَمادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عاصِفٍ : بيان قد أخرج ما لا تقع عليه الحاسّة إلى ما تقع عليه» . وهذا لا يبتعد عن مفهومنا للتجسيم الذي يقدّم المعنى في صورة بصرية لغاية التأثير، وإن كان هنا لا يؤكد أهمية مفردة الرّماد، «ومما يصوّر لك الكلام الواقع في الصفة تصوير ما في النفس، وتشكيل ما في القلب، حتى تعلمه كأنك مشاهده، وإن كان يقع بالإشارة، ويحصل بالدّلالة والأمارة قوله تعالى: { رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً } [ سورة الأعراف، الآية: 126] ، وقوله تعالى: قالُوا: { لا ضَيْرَ إِنَّا إِلى رَبِّنا مُنْقَلِبُونَ } [ سورة الشعراء، الآية: 50 ] ، وإن جمال «أفرغ» يكمن في تشبيه النفوس بالأوعية الفارغة الظامئة إلى الصبر الذي يسكب برويّة ليس فيها قوّة الصّبّ، وكذلك تجسّم كلمة «منقلبون» في قوة حركتها سرعة الانقلاب، واتجاه السّحرة إلى الخالق اتجاها كاملا يعبّر عنه الانقلاب، وليس فيه ذبذبة. ومن الشواهد التي يتفرّد بتذوقها أبو هلال العسكري قوله تعالى: { وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذابِ الْأَدْنى دُونَ الْعَذابِ الْأَكْبَرِ} [ سورة السّجدة، الآية: 21] فهو يقول: «حقيقته لنعذّبنّهم، والاستعارة أبلغ، لأن حسّ الذائق أقوى لإدراك ما يذوقه، وللذوق فضل على غيره من الحواس، ألا ترى أن الإنسان إذا رأى شيئا لم يعرفه شمّه، فإن عرفه، وإلا فذاقه لما يعلم أن للذوق فضلا في تبيين الأشياء» . وهكذا يقترب أبو هلال من مفهوم التأثير الأكبر في قرب المباشرة، ولقد ورد فعل الذوق في القرآن ثلاثا وستين مرة. معظمها في مجال الوعيد، ولم يذكر إلا في نطاق الاستعارة، أي لم يستخدم على وجه الحقيقة إلا في قوله تعالى: { فَلَمَّا ذاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما } [ سورة الأعراف، الآية: 22 ] في الحديث عن آدم عليه الصلاة والسلام وزوجته، ولم يذكر الذوق في بسط جمال الجنة، والتلذّذ بمباهجها وشرابها وطعامها، مما يدلّ على أنه خصص للكافرين والعاصين والجبابرة، وهو يدل على مرتبة بهيمية، هي شأن أهل النار الذي يطعمون من العذاب لتملأ البطون. والذوق حاسّة دنيا إلى جانب اللمس والشم من حواسّ الإنسان، أما الحواس العليا فهما السمع والبصر، إلا أن الكلمة تجسّم للبصر معاناتهم للعذاب، وحسّية التذوق تبعث على التهويل، فكان حقيقا بأن تقرن بعذاب الآخرة، وفيها أقصى المباشرة في التّلقي، وقد وردت أيضا في تذوق الرحمة، كما وردت في تذوق الوبال والبأس والعذاب إذ تبعث في الذهن صورة النار تأكل الأحشاء بعد أن تصل إلى اللسان. يقول تعالى: { وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ } [ سورة البقرة، الآية: 61 ]. يقول الشريف الرضي: «وهذه استعارة، والمراد بها صفة لشمول الذّلّة، وإحاطة المسكنة بهم كالخباء المضروب على أهله» ونحن نلمس جمالية التجسيم في مصطلح الاستعارة، ومما يحمد له في هذا المقام إلقاء الضوء على أهمية المفردة المستعارة من حيث الأثر النفسي المخزون فيها، فالذّلّة والمسكنة مشاعر، وتجسيمها بفعل الضرب يوحي بظهورها للعيان وكأنها خيمة تضرب عليهم، والكلمة توحي بالعنف المناسب، وكأن الذلة والمسكنة أداة يضرب بها هؤلاء اليهود ضربا. وكذلك عند وقوفه على الآية الكريمة: { وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ} [ سورة الأحزاب، الآية: 26] إذ يقول الشريف الرضي: «ألقى الرعب في قلوبهم من أثقل جهاته، وعلى أقطع بغتاته تشبيها بقذفه الحجر إذا صكّت الإنسان على غفلة منه» «4». فهو يقترب من إيحاء أثر المفاجأة في اختيار هذا الفعل الذي يجسّم الإحساس بالرعب، وهو لا يعنى بتفصيلات عن نوع الاستعارة بقدر ما يلمح إلى ظلال القذف الذي يهزّ قلوب المشركين، وقد أدرك مدلول السرعة والقوة في الفعل، ونظير هذا قوله تعالى عن موسى عليه الصلاة والسلام { وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي } [ سورة طه، الآية: 39 ] ، فالإلقاء هنا يدلّ على القوة، ليوحي بالثبات، وينفي الضّعف الذي تصوره النبيّ الكريم. ولا يبتعد الزمخشري عن هذا المفهوم للتجسيم، وهو يعدّه في بعض الأحيان ضربا من المجاز، ففي الآية الكريمة : { فَأَذاقَهَا اللَّهُ لِباسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ } [ سورة النّحل، الآية: 112] يقول: «أما الإذاقة فقد جرت عندهم مجرى الحقيقة لشيوعها في البلايا والشدائد، وما يمسّ الناس منها، فيقولون: ذاق فلان البؤس والضرّ، وأذاقه العذاب، وأما إيقاع الإذاقة على لباس الجوع والخوف، فلأنه لما وقع عبارة عما يغشى منهما ويلابس، وكأنه قيل: فأذاقه ما غشيهم من الجوع والخوف» والقرآن استعمل الذوق للعذاب والبؤس، وهذه الاستعارة جديدة لم يعرفها العرب، والفعل يدلّ على إشراك حاسّة الذوق التي تكون منفذا إلى الرّهبة في النفس،. وإذا كان يفسّر هنا العلاقة بين المعنوي والحسي بالمجاز، فإنه في مكان آخر يعدّها «مثلا» فقد جاء في تفسيره للآية: { وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلى حَرْفٍ فَإِنْ أَصابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ، وَإِنْ أَصابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلى وَجْهِهِ } [ 4سورة الحج، الآية: 11 ] على حرف: على طرف من الدين لا في وسطه وقلبه، وهذا مثل لكونهم على قلق واضطراب في دينهم لا على سكون وطمأنينة» . فقد أدرك جمالية كلمة «حرف» وإسهامها في تجسيم الحالة الشعورية لمضطربة لدى المنافقين، ويعدّ هذه السمة في مكان آخر تمثيلا»، ففي الآية: { وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ، أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وادٍ يَهِيمُونَ } [ سورة الشعراء، الآيتان: 224 – 225 ] قال: «ذكر الوادي والهيوم فيه تمثيل لذهابهم في كل شعب من القول واعتسافهم، وقلّة مبالاتهم بالغلوّ في المنطق، ومجاوزة حدّ القصد فيه» والمثل والتمثيل شيء واحد كما يقرر البلاغيون. ويقول ابن الأثير في تعليقه على قوله تعالى: { وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ، أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وادٍ يَهِيمُونَ } [ سورة الشعراء، الآيتان: 224 – 225 ] «استعار الأودية للفنون والأغراض الشعرية التي يقصدونها، وإنما خصّ الأودية بالاستعارة، ولم يستعر الطرق والمسالك، أو ما جرى مجراهما، لأن معاني الشعر تستخرج بالفكرة والرّويّة، والفكرة والرّويّة فيهما خفاء وغموض، فكانت استعارة الأودية لها أشبه وأليق» . وهكذا استمد ابن الأثير من معرفته اللغوية فضل الوادي على الطريق أو المسلك، وهنا يقصد بالوادي الغرض الشعري، وهذه الكلمة تنمّ أيضا على العمق البشري، إذ تجسّم إيحاء الشعراء في قلوب المستمعين أو القارئين، فالشاعر يستميل قلب المتلقي من خلال تشكيل الكلمات، وكأن القلب واد يحاول الشاعر التوغّل فيه، ليحرّك ما فيه من مشاعر مكنونة، وقوله تعالى: { فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ } [ سورة الحجر، الآية: 94 ] يقول ابن أبي الإصبع المصري، وهو الذي أفاض في حسية هذه المفردة «اصدع» وفضلها في رسم معنى الدعوة الإسلامية ومشقّتها إذ قال: «المستعار منه الزجاجة، والمستعار الصدع، وهو الشق، والمستعار له عقوق المكلّفين، والمعنى صرّح بجميع ما أوحي إليك، وبين كل ما أمرت ببيانه، وإن شقّ ذلك على بعض القلوب فانصدعت، والمشابهة بينهما فيما يؤثره التصديع في القلوب، فيظهر أثر ذلك على ظاهر الوجوه من التقبّض والانبساط، ويلوح عليها من علامات الإنكار والاستبشار، كما يظهر ذلك على الزّجاجة المصدوعة المطروقة في باطنها» . وهاهنا الصّدع يعني بقاء أثر الدعوة ظاهرا، ولا يكون هذا في التحطيم، فكأن كلمات الخالق عز وجل تشقّ القلوب، وهذا لا يقلّل من شأن ما ذكره ابن أبي الإصبع، فقد ربط بين التصوير الحسي، وبين أبعاده النفسية . ويمكن أن نفهم جمالية هذا التجسيم من قول القزويني المتوفى سنة 739 هـ: «فإن المستعار منه صدع الزجاجة، وهو كسرها، وهو حسي، والمستعار له تبليغ الرسالة والجامع لها التأثير، وهما عقليان، كأنه قيل أبن الأمر إبانة لا تنمحي كما لا يلتئم صدع الزجاجة». ونظير هذا ما ذكره يحيى العلوي في تعليقه المسهب على قوله تعالى: { فَأَذاقَهَا اللَّهُ لِباسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ } [ ]، من أن هذه الاستعارة تخييل، لأن الله تعالى لما ابتلاهم لكفرهم باتصال هاتين البليّتين، ولما استعار اللباس هنا للمبالغة في الاشتمال عليهم أخذ الوهم في «تصوير» ما للمستعار منه من التّغطية والستر والاسترسال رعاية لمزيد البيان في ذلك، وإن جعلته من باب التحقيق للاستعارة فتقريره هو أن ما يرى على الإنسان عند شدة الخوف والجوع من الضعف والهزال وامتقاع اللون، وعلوّ الصّفرة، ورثاثة الهيئة، وركّة الحال، وحصول القلق والفشل، يضاهي الملابس في اختلاف أحوالها وألوانها. وتختلف نظرات الباحثين إلى تجسيم المفردات القرآنية، فبعضهم يرى هذا التجسيم في الأصوات وبعضهم جعله في حيّز التصوير ، وقرنه بالتشخيص والتمثيل والتخييل، وربما أعاد بعضهم مصطلحات القدامى وتقسيماتهم للصورة الفنية، ومنهم من اكتفى بإشارات بسيطة. ويرى أحمد بدوي أنّ حسية التصوير كامنة في اختيار المفردات الحسية في الاستعارة، مما يزيد في قدرة التوصيل، والقرآن يعبّر عن المعنى المعقول بألفاظ تدلّ على محسوسات ذلك أن تصوير الأمر المعنوي في صورة الشيء المحسوس يزيده تمكّنا في النفس وتأثيرا فيها ، لأن المرحلة المحسوسة للمفردة تقدم إيحاءات جديدة للمعنى النفسي، فالمفردة المستعارة تضخّ لما حولها من الطاقة الشعورية عند ما يرتدّ إليها النظر. وخير من يقدم فيضا من التحليل الفني للمفردة المجسّمة سيد قطب ، لأن التصوير عماد البيان القرآني، وأنه ليس زينة، بل لا يقوم المضمون من غير هذا التصوير، فهو وسيلة إيضاح وتأثير، ويشمل التصوير فيما يبدو كل الأسلوب القرآني من تخييل وتصيير، وتجسيم ورسم مشاهد ... ، وهو يقول عن التجسيم في تفسيره: «إن كل كلمة أشبه بخط من خطوط الريشة في رسم الملامح وتحديد الصفات- وسرعان ما ينتفض النموذج المرسوم كائنا حيّا، مميّز الشخصية، حتى لتكاد تشير بإصبعك إليه، إنها عملية خلق أشبه بعملية الخلق التي تخرج كل لحظة من يد البارئ في عالم الأحياء» ( قطب، سيد، في ظلال القرآن، مج/ 1: 2/ 204) . ويمتزج هنا الوازع الديني بالجانب الفني، إلا أنّ قطبا أثبت مرارا أن هذه الرّوعة التصويرية نابعة من النص، فالكلمة تستقل برسم مشهد أو نقل حركة أو تشخيص فكرة، وهو يصرّح باسم التجسيم قائلا: «وظاهرة أخرى تتضح في تصوير القرآن، وهي «التجسيم»: تجسيم المعنويات المجردة، وإبرازها أجساما أو محسوسات على العموم، إنه ليصل في هذا إلى مدى بعيد، حتى ليعبّر به في مواضح حساسة جدّ الحساسية، يحرص الدين الإسلامي على تجريدها كامل التجريد، كالذات الإلهية وصفاتها» ( قطب، سيد، 1956، التصوير الفني في القرآن، ط/ 2، دار المعارف بمصر ص/ 57.) ؛ فالتجسيم جزء من التصوير، لأنه يقتصر على نقل المجرد إلى المجال لمحسوس،. ولنقرأ قوله تعالى: { وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ } [ سورة البقرة، الآية: 93] وننظر كيف يلقي لضوء في مفردة «أشربوا» إذ يقول: «تلك الصورة الساخرة الهازئة: صورة لعجل يدخل في القلوب إدخالا، ويحشر فيها حشرا، حتى ليكاد ينسى المعنى الذهني الذي جاءت به هذه الصورة المجسّمة لتؤديه، وهو حبهم الشديد لعبادة لعجل» ( قطب، سيّد- في ظلال القرآن، مج/ 1: 2/ 265. )، ويقول تعالى: { وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلى حَرْفٍ، فَإِنْ أَصابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ، وَإِنْ أَصابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيا وَالْآخِرَةَ } [ سورة الحج، الآية: 11] يقول سيّد قطب: «إن الخيال ليكاد يجسّم هذا الحرف الذي يعبد الله عليه هذا البعض من الناس، وإنه ليكاد يتخيل الاضطراب الحسي في وقفتهم، وهم يترجّحون بين الثبات والانقلاب» . ولقد دلّ الزمخشري على غاية القلق في كلمة «حرف»، لكن سيّد قطب يضيف إثارة الخيال لتملّي الجمال القرآني، وغالبا ما يستثير الخيال في صورة تدلّ على الحركة، فالقرآن في منظوره صور تتحرك، وأشخاصه كائنات لها فاعلية مستمرة، فالموقف المضطرب عند الزمخشري، وتخيّل الحرف عند قطب. ومثل هذا في قوله تعالى: { وَأَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ } [ سورة البقرة، الآية: 80 ] يقول سيد قطب: «تجسيم لهذا المعنى، وأي تعبير ذهني عن اللّجاجة في الخطيئة ما كان ليشعّ مثل هذا الظل الذي يصوّر المجترح الآثم حبيس خطيئته: يعيش في إطارها، ويتنفس في جوّها، ويحيا معها ولها» فالقرآن يقدم أفكارا محسوسة، ويبعدها عن التجريد الذهني لأجل التأثير بأقصى فاعليته. ويستعرض دراز في كتابه «النبأ العظيم» بعض السمات الفنية والفكرية في سورة البقرة، وهو الذي يقول: «تقرأ القطعة من القرآن، فتجد في ألفاظها من الشّفوف والملامسة والإحكام .. كأنك لا تسمع كلاما ولغات، بل ترى صورا وحقائق ماثلة»( دراز، د. محمد عبد الله، النبأ العظيم، ص/ 111.) ويقف على حسية كلمة «ختم» في قوله تعالى: { خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ } [ من سورة البقرة، الآية: 7 ] وكلمة «مرض» التي جسمت ذهنية مساوئ الدخيلة البشرية في قوله تعالى: { فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ } [ سورة البقرة، الآية: 10] ، وهو يوازن بين الكلمتين، ويوافق المفسرين في أن الآيتين كليهما في صفة المنافقين، ويقول عن «ختم»: «وهذه الظلمات الثابتة المستقرة التي ليس فيها بصيص من نور، وليس فيها تقلّب ولا تذبذب .. إن المثل الأول يصوّر حال المنافقين في بواطنهم، وهو الأمر الذي يشاركون فيه سائر الكفار، والمثل الثاني يصوّر حالهم في ظواهرهم، وهو الأمر الذي يتقلّب عندهم بتقلّب الداعي، لأن تقبّلهم إنما هو في الظاهر لا الباطن» ، والحق أن الختم على القلوب يوحي بالقوة، وبثبات الفكر في أعماق المنافق، وأعراض المرض تفيد التقلّب، ومثل نظرة دراز تستأهل التقدير لدقّة النظر، وقد قال تعالى: { أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها } [ سورة محمد، الآية: 24]، فالقفل يفيد القوة والثبات. فإذا أردنا أن نتحدث عن تجسيم كلمة «ثقيلا» في قوله تعالى: { وَيَذَرُونَ وَراءَهُمْ يَوْماً ثَقِيلًا } [ سورة الإنسان، الآية: 27] . فلا بدّ من استقصاء لوجود هذه الكلمة في حيز الاستعارة لتتبدّى لنا معالم جماليتها فنذكر قوله تعالى: { إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا } [ سورة المزّمّل، الآية: 5] . في مخاطبة النبي الكريم عليه الصلاة والسلام، وقوله عن الساعة: { ثَقُلَتْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً } [ سورة الأعراف، الآية: 187] ،


المستشار الأدبي
حسين علي الهنداوي
شاعر وناقد
مدرس في جامعة دمشق
دراسات جامعية-في الأدب العربي
صاحب الموسوعة الأدبية (المرصد الأدبي )
حجم الموسوعة( خمس عشرة ألف صفحة )
سوريا -درعا- hoshn55@gmail.com
السيرة الذاتية للمستشار الأدبي(حسين علي الهنداوي)
أ- أديب و شاعر وقاص ومسرحي و ناقد و صحفي
ب- له العديد من الدراسات الأدبية و الفكرية
ج-نشر في العديد من الصحف العربية
د- مدرس في جامعة دمشق - كلية التربية - فرع درعا
ه- ولد الأديب في سوريا – درعا عام 1955 م
و- تلقى تعليمه الابتدائي و الإعدادي و الثانوي في مدينة درعا
ح- انتقل إلى جامعة دمشق كلية الآداب – قسم اللغة العربية و تخرج فيها عام 1983
ك- حائز على إجازة في اللغة العربية
ص-حائز على دبلوم تأهيل تربوي جامعة دمشق
ع- عمل محاضراً لمادة اللغة العربية في معهد إعداد المدرسين - قسم اللغة العربية في مدينة درعا
ف- انتقل إلى التدريس في المملكة العربية الســـعودية عام (1994 /2000 ) في مدينتـــي عنيزة و تبوك 0
1- عضو اتحاد الصحفيين العرب
2- عضو اتحاد كتاب الانترنت العرب
3- عضو تجمع القصة السورية
4- عضو النادي الأدبي بتبوك
مؤلفاته :
أ*- الشعر :
1- هنا كان صوتي و عيناك يلتقيان/1990
2- هل كان علينا أن تشرق شمس ثبير/1994
3- أغنيات على أطلال الزمن المقهور /1994
4- سأغسل روحي بنفط الخليج /1996
5- المنشّى يسلم مفاتيح إيلياء/1996
6- هذه الشام لا تقولي كفانا / مخطوط
ب*- القصة القصيرة :
شجرة التوت /1995
ج – المسرح :
1- محاكمة طيار /1996
2- درس في اللغة العربية /1997
3- عودة المتنبي / مخطوط
4- أمام المؤسسة الاستهلاكية / مخطوط
د – النقد الأدبي :
1- محاور الدراسة الأدبية 1993
2- النقد و الأدب /1994
3- مقدمتان لنظريتي النقد و الشعر / مخطوط
4- أسلمة النقد الأدب
هـ - الدراسات الدينية :
1- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الأول
2- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الثاني
3- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الثالث
4- فتاوى و اجتهادات / جمع و تبويب
5- هل أنجز الله وعده !!!!!!
و- موسوعة (المرصد الأدبي) :
1-تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية ( معاني الأدب وعلاقاته)
2 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية قبل الإسلام (العصر الجاهلي )
3 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر صدر الإسلام )
4 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر الخلفاء الراشدين )
5 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر الخلفاء الأمويين)
6 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء العباسيين )
7 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء الأندلسيين )
8 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الدول المتتابعة )
9- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء العثمانيين )
10- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية في (العصر الحديث)
11- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية في (العهد المعاصر)