-أسلوب الإيجاز والإطناب
رؤية : الإيجاز والإطناب : هما من أعظم أنواع البلاغة حتى قيل: البلاغة هي الإيجاز والإطناب. وكما أنه يجب على البليغ في مظانّ الإجمال أن يجمل ويوجز، فكذلك الواجب عليه في موارد التفصيل أن يفصل ويشبع.
أ-والإيجاز هو أداء المقصود بأقل من عبارة المتعارف.
ب-والإطناب أداؤه بأكثر. منها لكون المقام خليقا بالبسط. الإيجاز التعبير عن المراد بلفظ غير زائد، والإطناب بلفظ أزيد. وقيل: إن المنقول من طرق التعبير عن المراد تأدية، أصله، إما بلفظ مساو للأصل المراد، أو ناقص عنه واف، أو زائد عليه لفائدة. والأول المساواة، والثاني الإيجاز، والثالث الإطناب. واحترز بواف عن الإخلال، وبقولنا لفائدة عن الحشو، وهو أن المساواة والإيجاز والاختصار بمعنى واحد، وقال بعضهم: وقيل: الاختصار خاص بحذف الجمل فقط بخلاف الإيجاز. والإطناب، قيل: بمعنى الإسهاب. والحق أنه أخص منه، فإن الإسهاب التطويل لفائدة أو لا لفائدة، والإيجاز قسمان: إيجاز قصر، وإيجاز حذف.
-فالأول -الإيجاز -: هو الوجيز بلفظه. وقيل: الكلام القليل إن كان بعضا من كلام أطول منه فهو إيجاز حذف، وإن كان كلاما يعطى معنى أطول منه فهو إيجاز قصر. وقيل: إيجاز القصر هو تكثير المعنى بتقليل اللفظ. وقيل: هو أن يكون اللفظ بالنسبة إلى المعنى أقل من القدر المعهود عادة، وسبب حسنه أنه يدل على التمكن في الفصاحة، ولهذا قال صلّى اللَّه عليه وسلم: «أوتيت جوامع الكلم» .
-والإيجاز الخالي من الحذف ثلاثة أقسام:
أحدها: إيجاز القصر، وهو أن تقصر اللفظ على معناه كقوله: { إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ } [ ] إلى قوله: { وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ } [ ] جمع في أحرف العنوان والكتاب والحاجة.
الثاني: إيجاز التقدير، وهو أن يقدر معنى زائد على المنطوق، ويسمى بالتضييق أيضا لأنه نقص من كلام ما صار لفظه أضيق من قدر معناه نحو: { فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى فَلَهُ ما سَلَفَ } [ ] أي خطاياه غفرت فهي له لا عليه.
الثالث: الإيجاز الجامع، وهو أن يحتوى اللفظ على معان متعددة نحو: { إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ } [ الآية ] ، فإن العدل هو الصراط المستقيم المتوسط بين طرفي الإفراط والتفريط المومى به إلى جميع الواجبات فى الاعتقاد والأخلاق والعبودية. والإحسان هو الإخلاص في واجبات العبودية لتفسيره في الحديث بقوله: «أن تعبد الله كأنك تراه» أي تعبده مخلصا في نيتك وواقفا في الخضوع آخذا أهبة الحذر إلى ما لا يحصى: وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى هو الزيادة على الواجب من النوافل. هذا في الأوامر، وأما النواهي فبالفحشاء الإشارة إلى القوة الشهوانية، وبالمنكر إلى الإفراط الحاصل من آثار الغضبية أو كل محرّم شرعا، وبالبغي إلى الاستعلاء الفائض عن الوهمية. ولهذا قيل: ما في القرآن آية أجمع للخير والشرّ من هذه الآية. ومن بديع الإيجاز قوله تعالى: { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ } [ ] إلى آخرها، فإنه نهاية التنزيه، وقد تضمنت الردّ على نحو أربعين فرقة. وقوله: { أَخْرَجَ مِنْها ماءَها وَمَرْعاها } [ ] دلّ بهاتين الكلمتين على جميع ما أخرجه من الأرض قوتا ومتاعا للأنام من الشى؟؟؟ والشجر والحب والثمر والعصف والحطب واللباس والنار والملح، لأن النار من العيدان والملح من الماء. وأجمع المعاندون على أن طوق البشر قاصر عن الإتيان بمثل بمثل هذه الآية بعد أن فتشوا جميع كلام العرب والعجم فلم يجدوا مثلها. وقوله تعالى: { يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ } [ الآية، ] جمع في هذه اللفظة أحد عشر جنسا من الكلام: نادت، وكنت، ونبهت، وسمعت، وأمرت، وقصت، وحذرت، وخصت، وعمت، وأشارت، وعذرت، فالنداء: يا، والكناية: أي، والتنبيه: ها، والتسمية: النمل، والأمر: ادخلوا، والقصص: مساكنكم، والتحذير: لا يحطمنكم، والتخصيص: سليمان، والتعميم: جنوده، والإشارة: هم، والعذر: لا يشعرون، فأدت خمسة حقوق: حق الله، وحق رسوله، وحقها، وحق رعيتها، وحق جنود سليمان. وما من اسم حذف في الحالة التي ينبغي أن يحذف فيها إلا وحذفه أحسن من ذكره كما سمى ابن جنى الحذف شجاعة العربية، لأنه يشجع على الكلام.
والحذف على أنواع:
أحدها: ما يسمى بالاقتطاع، وهو حذف بعض حروف الكلمة، ومنه فواتح السور على القول بأن كل حرف منها من اسم من أسمائه. وادعى بعضهم أن الباء في: { وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ } [ ] أول كلمة (بعض) ثم حذف الباقي. ويدخل في هذا النوع حذف همزة (إنا) في قوله: { لكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي } [ ]إذ الأصل: لكن أنا، حذفت همزة أنا تخفيفا وأدغمت النون في النون.
النوع الثاني: ما يسمى بالاكتفاء، وهو أن يقتضى المقام ذكر شيئين بينهما تلازم وارتباط، فيكتفى بأحدهما عن الآخر لنكتة، ويختص غالبا بالارتباط العطفي كقوله: { سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ } [ ] أي والبرد، وخص الحرّ بالذكر لأن الخطاب للعرب وبلادهم حارة والوقاية عندهم من الحرّ أهم، لأنه أشدّ عندهم من البرد. وقيل لأن البرد تقدم ذكر الامتنان بوقايته صريحا في قوله: { وَمِنْ أَصْوافِها وَأَوْبارِها وَأَشْعارِها } [ ] ، وفي قوله: { وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبالِ أَكْناناً } [ ] ، وفي قوله تعالى: { وَالْأَنْعامَ خَلَقَها لَكُمْ فِيها دِفْءٌ } [ ] . ومن أمثلة هذا النوع: { بِيَدِكَ الْخَيْرُ } [ ] أي والشر، وإنما خص الخير بالذكر لأنه مطلوب العباد ومرغوبهم، أو لأنه أكثر وجودا في العالم، أو لأن إضافة الشرّ إلى الله تعالى ليس من باب الآداب كمال . قال صلّى الله عليه وسلّم: «والشرّ ليس إليك» ومنه: { وَلَهُ ما سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهارِ} [ ] أي وما تحرّك، وخص السكون بالذكر لأنه أغلب الحالين على المخلوق من الحيوان والجماد، ولأن كل متحرّك يصير إلى السكون. ومنه: { الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ } [ ] أي والشهادة، لأن الإيمان بكل منهما واجب، وآثر الغيب لأنه أمدح ولأنه يستلزم الإيمان بالشهادة من غير عكس. ومنها { وَرَبُّ الْمَشارِقِ } [ ] أي والمغارب. ومنه: { هُدىً لِلْمُتَّقِينَ } [ ] أي وللكافرين.
النوع الثالث: ما يسمى بالاحتباك: ويسمى الحذف المقابلي . والاحتباك: أن يحذف من الأول ما أثبت نظيره في الثاني، ومن الثاني ما أثبت نظيره في الأول كقوله تعالى: { وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ } [ ] . والتقدير: ومثل الأنبياء والكفار كمثل الذى ينعق، والذى ينعق به، فحذف من الأول الأنبياء لدلالة الذى ينعق عليه، ومن الثاني الذى ينعق به، لدلالة الذين كفروا عليه. وقيل: الاحتباك أن يجتمع في الكلام متقابلان فيحذف من كل واحد منهما مقابله لدلالة الآخر عليه كقوله تعالى: { قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرامِي وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ } [ ] التقدير: إن افتريته فعلىّ إجرامي وأنتم برآء منه، وعليكم إجرامكم وأنا بريء مما تجرمون. ومأخذ هذه التسمية من الحبك الذى معناه الشدّ والإحكام وتحسين أثر الصنعة في الثوب، فحبك الثوب: سد ما بين خيوطه من الفرج وشدّه وإحكامه بحيث يمنع عنه الخلل مع الحسن والرونق. وبيان أخذه منه أن مواضع الحذف من الكلام شبهت بالفرج بين الخطوط، فلما أدركها الناقد البصير بصوغه الماهر في نظمه وحوكه فوضع المحذوف مواضعه كان حائكا له مانعا من خلل يطرقه، فسدّ بتقديره ما يحصل به الخلل مع ما أكسبه من الحسن والرونق.
النوع الرابع: ما يسمى بالاختزال، وهو أقسام، لآن المحذوف
1-إما كلمة: اسم أو فعل أو حرف، أو أكثر. ومن حذف الاسم: { الْحَجُّ أَشْهُرٌ } [ ] أي حج أشهرا أو أشهر الحج، { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ } [ ] أي نكاح أمهاتكم، { لَأَذَقْناكَ ضِعْفَ الْحَياةِ وَضِعْفَ الْمَماتِ } [ ] أي ضعف عذاب، { وَفِي الرِّقابِ } [ ] أي وفي تحرير الرقاب. وحذف المضاف إليه يكثر في ياء المتكلم نحو: { رَبِّ اغْفِرْ لِي } [ ] ، وفي الغايات نحو:{ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ } [ ] أي من قبل الغلب ومن بعده. وفي كل وأي، وبعض، وجاء في غيرهن كقراءة: { فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ } [ ] بضم بلا تنوين، أي فلا خوف شيء عليهم.
2-حذف المبتدأ يكثر في جواب الاستفهام نحو: { وَما أَدْراكَ ما هِيَهْ. نارٌ} [ ] أي هي نار.
3-وبعد فاء الجواب نحو: { مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ } [ ] أي فعمله لنفسه. وبعد القول نحو: { وَقالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ } [ ]. وبعد ما الخبر صفة له في المعنى نحو: { التَّائِبُونَ الْعابِدُونَ }. ووقع في غير ذلك نحو: { لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ. مَتاعٌ قَلِيلٌ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا ساعَةً مِنْ نَهارٍ بَلاغٌ } [ ] أي هذا. ووجب في النعت المقطوع إلى الرفع حذف الخبر: { أُكُلُها دائِمٌ وَظِلُّها } [ ] أي دائم. ويحتمل الأمرين: { فَصَبْرٌ جَمِيلٌ } [ ] أي أجمل، أو فأمرى صبر. أو فالواجب حذف الموصوف: { وَعِنْدَهُمْ قاصِراتُ الطَّرْفِ } [ ] ، أي حور قاصرات. حذف الصفة { يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ } [ ] أي صالحة، بدليل أنه قرىء (كذلك) ، وأن تعييبها لا يخرجها عن كونها سفينة. حذف المعطوف عليه: { أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ } [ ] أي فضرب فانفلق. حذف المعطوف مع العاطف: { لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ } [ ] أي ومن أنفق بعده. حذف المبدل منه وعليه: { وَلا تَقُولُوا لِما تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ } [ ] أي لما تصفه، والكذب بدل من الهاء. حذف الفاعل لا يجوز إلا في فاعل المصدر نحو: { لا يَسْأَمُ الْإِنْسانُ مِنْ دُعاءِ الْخَيْرِ } [ ] أي دعائه الخير. وقيل: مطلقا لدليل، وعليه: { إِذا بَلَغَتِ التَّراقِيَ } [ ]أي الروح. حذف المفعول، وهو كثير في مفعول المشيئة والإرادة ويرد في غيرها نحو: { إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ } [ ] أي إلها. حذف الحال يكثر إذا كان قولا نحو: { وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ سَلامٌ } [ ] أي قائلين.
4-حذف المنادى: { ألا يا اسجدوا}[ ] أي: يا هؤلاء اسجدوا .
5-وحذف العائد يقع في أربعة أبواب:
أ-الصلة نحو: { أَهذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا } [ ] أي بعثه.
ب-والصفة نحو: { وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ } [ ] أي فيه.
ج-والخبر نحو: { وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى } [ ] أي وعده.
د-والحال حذف مخصوص (نعم) : { إِنَّا وَجَدْناهُ صابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ } [ ] أي أيوب.
أيوب.
5-حذف الموصول: { آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ أي والذى أنزل إليكم } [ ] ، لأن الذى أنزل إلينا ليس هو الذى أنزل إلى من قبلنا، ولهذا أعيدت (ما) في قوله: { قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا وَما أُنْزِلَ إِلى إِبْراهِيمَ } [ ]. ومنه: حذف الفعل يطرد إذا كان مفسرا نحو: { وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ } [ ] ، ويكثر في جواب الاستفهام نحو: { وَإِذا قِيلَ لَهُمْ ماذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا خَيْراً } [ ] أي أنزل. وأكثر منه: حذف القول نحو: { وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ رَبَّنا } [ ] أي يقولان ربنا. حذف القول من حديث البحر، وقل لا حرج، ويأتي في غير ذلك نحو: { انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ } [ ] أي وائتوا.
6-ومن حذف الحرف. قيل: حذف الحرف ليس بقياس، لأن الحروف إنما دخلت الكلام لضرب من الاختصار، فلو ذهبت تحذفها لكنت مختصرا لها هي أيضا، واختصار المختصر إجحاف به.
أ-حذف همزة الاستفهام : ومنه: { سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ } [ ].
ب-حذف الموصول الحرفي : ولا يجوز إلا في «أن» نحو: { وَمِنْ آياتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ.} [ ]
ج-حذف الجار ويطرد مع أن وأنّ نحو:{ يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ }[ ]. { أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ } [ ] ، أي بأنكم. وجاء مع غيرهما نحو: { قَدَّرْناهُ مَنازِلَ }[ ] أي قدرنا له.
د-حذف العاطف ومنه: { وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ ما أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا } [ ] أي وقلت.
ه-وحذف فاء الجواب ومنه: { إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ. } [ ] .
و-حذف حرف النداء كثير: { ها أَنْتُمْ أُولاءِ } .
كثر حذف (يا) في القرآن من الربّ تنزيها وتعظيما، لأن في النداء طرفا من الأمر.
ز-حذف قد في الماضي إذا وقع حالا نحو: { أَوْ جاؤُكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ. }[ ]
ح-حذف لا النافية، يطرد في جواب القسم إذا كان النفي مضارعا نحو: { تَاللَّهِ تَفْتَؤُا } [ ] .
ط- وورد في غيره نحو: { وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ } [ ] أي لا يطيقونه.
ي-حذف لام التوطئة: { وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ. } [ ]
ك-حذف لام الأمر ومنه: { قُلْ لِعِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا } [ ] أي ليقيموا.
ل-حذف لام لقد يحسن مع طول الكلام نحو: { قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها } [ ] .
م-حذف نون التوكيد: { أَلَمْ نَشْرَحْ } [ ] بالنصب.
ن-حذف نون الجمع ومنه: { وَما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ } [ ].
ص-حذف التنوين ومنه: { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ } [ ] بالنصب.
ع-حذف حركة الإعراب والبناء ومنه: { فَتُوبُوا إِلى بارِئِكُمْ وَيَأْمُرُكُمْ } [ ] بسكون الثلاثة.
7-ومن حذف أكثر من كلمة:
أ-حذف مضافين: { فَإِنَّها مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ } [ ] أي فإن تعظيمها من أفعال ذوى تقوى القلوب { فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ } [ ] أي من أثر حافر الرسول.
ب-حذف ثلاثة متضايفات :{ فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ } [ ] أي فكان مقدار مسافة قربه مثل قاب.
ج-حذف ثلاثة من اسم (كان) وواحد من خبرها.
د-حذف مفعول باب ظن: { أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ } [ ] أي تزعمونهم شركائي.
ه-حذف الجار مع المجرور: { خَلَطُوا عَمَلًا صالِحاً } [ ] أي بسيء.
و-حذف العاطف مع المعطوف.
ز-حذف حرف الشرط وفعله يطرد بعد الطلب نحو: { فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ } [ ] أي إن اتبعتموني
ح-حذف جملة القسم: { لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً شَدِيداً } [ ] أي والله.
ط-حذف جوابه: { وَالنَّازِعاتِ غَرْقاً } [ ] أي لتبعثن.
ي -حذف جملة مسألة عن المذكور نحو: { لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْباطِلَ } [ ] أي فعل ما فعل.
ك-حذف جمل كثيرة نحو: { فَأَرْسِلُونِ. يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ} [ ] أي: فأرسلون إلى يوسف لأستعبره الرؤيا ففعلوه، فأتاه فقال له: يا يوسف. وتارة لا يقام شيء مقام المحذوف، وتارة يقام ما يدل عليه نحو: { فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ ما أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ } [ ] ، فليس الإبلاغ هو الجواب لتقدمه على توليهم، وإنما التقدير: فإن تولوا فلا لوم علىّ أو فلا عذر لكم لأنى أبلغتكم.
-والإطناب، قيل: بمعنى الإسهاب
-انقسام الإطناب :
وكما انقسم الإيجاز إلى إيجاز قصر وإيجاز حذف، كذلك انقسم الإطناب إلى بسط وزيادة.
فالأول: الإطناب بكثير الجمل كقوله تعالى: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ، أطنب فيها أبلغ إطناب لكون الخطاب مع الثقلين، وفي كل عصر وحين للعالم منهم والجاهل، والموافق منهم والمنافق.
والثاني: يكون بأنواع:
أحدها: دخول حرف فأكثر من حروف التأكيد السابقة في نوع الأدوات، وهى:
-( أن أنّ ولام الابتداء والقسم، وألا الاستفتاحية وأما وهاء التنبيه ).
-وأنّ وكأن في تأكيد التشبيه.
-ولكن في تأكيد الاستدراك.
-وليت في تأكيد التمنى.
-ولعل في تأكيد الترجى.
-وضمير الشأن، وضمير الفصل.
-وأما في تأكيد الشرط.
-وقد والسين وسوف والنونان في تأكيد الفعلية.
-ولا التبرئة.
-و( لن ولما في تأكيد النفي) ، وإنما يحسن تأكيد الكلام بها إذا كان المخاطب به منكرا أو مترددا. ويتفاوت التأكيد بحسب قوة الإنكار وضعفه كقوله تعالى، حكاية عن رسل عيسى إذا كذبوا في المرة الأولى: { إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ } [ ] فأكد بإن واسمية الجملة، وفي المرة الثانية: { رَبُّنا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ} [ ] فأكد بالقسم وإن واللام واسمية الجملة لمبالغة المخاطبين في الإنكار حيث { قالوا: ما أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا وَما أَنْزَلَ الرَّحْمنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ }[ ] . وقد يؤكد بها، والمخاطب به غير منكر لعدم جريه على مقتضى إقراره، فينزل منزلة المنكر. وقد يترك التأكيد وهو معه منكر، لأن معه أدلة ظاهرة لو تأملها لرجع عن إنكاره، ولذلك يخرج قوله تعالى: { ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذلِكَ لَمَيِّتُونَ ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ تُبْعَثُونَ } [ ] أكد الموت تأكيدين. وإن لم ينكر، لتنزيل المخاطبين لتماديهم في الغفلة تنزيل من ينكر الموت، وأكد إثبات البعث تأكيدا واحدا وإن كان أشد نكيرا، لأنه لما كانت أدلته ظاهرة كان جديرا بأن لا ينكر، فنزل المخاطبون منزلة غير المنكر حثّا لهم على النظر في أدلته الواضحة. وقيل: بولغ في تأكيد الموت تنبيها للإنسان على أن يكون الموت نصب عينيه، ولا يغفل عن ترقبه فإن مآله إليه، فكأنه أكدت جملته ثلاث مرات لهذا المعنى، لأن الإنسان في الدنيا يسعى فيها غاية السعي حتى كأنه يخلد، ولم يؤكد جملة البعث إلا بأن، لأنه أبرز في صورة المقطوع به الذى لا يمكن فيه نزاع ولا يقبل إنكارا. وقد يؤكد لقصد الترغيب نحو: { فَتابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ } [ ] أكد بأربع تأكيدات ترغيبا للعباد في التوبة، وإذا اجتمعت إن واللام كان بمنزلة تكرير الجملة ثلاث مرات، لأن «إن» أفادت التكرير مرتين فإذا دخلت اللام صارت ثلاثا. وكذلك نون التوكيد الشديدة بمنزلة تكرير الفعل ثلاثا، والخفيفة بمنزلة تكريره مرتين.
النوع الثاني: دخول الأحرف الزائدة. فكل حرف زيد في كلام العرب فهو قائم مقام إعادة الجملة مرة أخرى، فالباء في خبر ما وليس لتأكيد النفي، كما أن اللام لتأكيد الإيجاب. والزيادة في الحروف، وزيادة الأفعال قليل، والأسماء أقل. أما الحروف فيزاد منها: إن، وأن، وإذ، وإذا، وإلى، وأم، والباء، والفاء، وفى، والكاف، واللام، ولا، وما، ومن، والواو. وأما الأفعال فزيد منها: كان وخرج عليه: كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا. وأصبح، وخرج عليه: فَأَصْبَحُوا خاسِرِينَ. وقيل: العادة أن من به علة تزاد بالليل أن يرجو الفرج عند الصباح، فاستعمل أصبح، لأن الخسران حصل لهم فى الوقت الذى يرجون فيه الفرج فليست زائدة. وأما الأسماء فنص أكثر النحويين على أنها لا تزاد، ووقع في كلام المفسرين الحكم عليها بالزيادة في مواضع كلفظ (مثل) في قوله تعالى: { فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ ما آمَنْتُمْ بِهِ } [ ] أي بما.
النوع الثالث: للتأكيد الصناعي:
وهو أربعة أقسام:
أحدها: التوكيد المعنوي: بكل، وأجمع، وكلا، وكلتا، نحو: { فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ }. [ ] . وفائدته رفع توهم المجاوز وعدم الشمول، وكلهم أفادت ذلك، وأجمعون أفادت اجتماعهم على السجود، وأنهم لم يسجدوا متفرقين.
ثانيها: التأكيد اللفظي، وهو تكرار اللفظ الأول إما بمرادفه، نحو:{ ضَيِّقاً حَرَجاً } [ ] بكسر الراء. وإما بلفظه، ويكون في الاسم والفعل والحرف والجملة. فالاسم نحو: { قَوارِيرَا. قَوارِيرَا } [ ] . والفعل نحو: { فَمَهِّلِ الْكافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ } [ ] . واسم الفعل نحو: { هَيْهاتَ هَيْهاتَ لِما تُوعَدُونَ } [ ] . والحرف نحو: { فَفِي الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها } [ ] . والجملة نحو: { فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً } [ ] . ومن هذا النوع تأكيد الضمير المتصل بالمنفصل نحو: { اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ } [ ] . ومنه تأكيد المنفصل بمثله نحو: { وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ } [ ]
ثالثها: تأكيد الفعل بمصدره، وهو عوض من تكرار الفعل مرتين، وفائدته رفع توهم المجاز في الفعل، بخلاف التوكيد السابق فإنه لرفع توهم المجاز في المسند إليه.
والأصل في هذا النوع أن ينعت بالوصف المراد نحو: { اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً } [ ] . وقد يضاف وصفه إليه نحو: { اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ } [ ] . وقد يؤكد بمصدر فعل آخر واسم عين نيابة عن المصدر نحو:{ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا } [ ] ، والمصدر تبتلا، والتبتيل مصدر بتل.
رابعها: الحال المؤكدة نحو: { يَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا } [ ] .
النوع الرابع: التكرار. وهو أبلغ من التأكيد، وهو من محاسن الفصاحة، وله فوائد، منها: التقرير، وقد قيل: الكلام إذا تكرّر تقرّر، وقد نبه تعالى على السبب الذى لأجله كرّر الأقاصيص والإنذار في القرآن بقوله: { وَصَرَّفْنا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً } [ ] . ومنها: التأكيد. ومنها: زيادة التنبيه على ما ينفى التهمة ليكمل تلقى الكلام بالقبول، ومنه: { وَقالَ الَّذِي آمَنَ يا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشادِ. يا قَوْمِ إِنَّما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا مَتاعٌ } [ ] ، فإنه كرّر فيه النداء لذلك . ومنها: إذا طال الكلام وخشى تناسى الأول أعيد ثانيها تطرية له وتجديدا لعهده، ومنه: { ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها } [ ] . ومنها: التعظيم والتهويل نحو: { الْحَاقَّةُ مَا الْحَاقَّةُ } [ ] . وقيل: الاستخبار ما سبق أولا ولم يفهم حق الفهم، فإذا سألت عنه ثانيا كان استفهاما. وأدواته: الهمزة، وهل، وما، ومن، وأي، وكم، وكيف، وأين، أنى، ومتى، وأيان. ما عدا الهمزة نائب عنها، ولكونه طلب ارتسام صورة ما في الخارج في الذهن لزم ألا يكون حقيقة إلا إذا صدر من شاكّ مصدق بإمكان الإعلام، فإن غير الشاكّ إذا استفهم يلزم منه تحصيل الحاصل، وإذا لم يصدق بإمكان الإعلام انتفت عنه فائدة الاستفهام. وما جاء في القرآن على لفظ الاستفهام، فإنما يقع في خطاب الله على معنى أن المخاطب عنده علم ذلك الإثبات أو النفي حاصل. وقد تستعمل صيغة الاستفهام في غيره مجازا. وقد توسعت العرب فأخرت الاستفهام عن حقيقته لمعان، أو أشربته تلك المعاني.
الأول: الإنكار، والمعنى فيه على النفي، وما بعده منفى، ولذلك تصحبه (إلا) كقوله: { فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفاسِقُونَ } [ ] . وكثيرا ما يصحبه التكذيب، وهو في الماضي بمعنى لم يكن، وفى المستقبل بمعنى لا يكون نحو: { أَفَأَصْفاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ } [ الآية: ] أي لم يفعل ذلك.
الثاني: التوبيخ، وجعله بعضهم من قبيل الإنكار، إلا أن الأول إنكار إبطال وهذا إنكار توبيخ، والمعنى على أن ما بعده واقع جدير بأن ينفى، فالنفي هنا غير قصدي، والإثبات قصدي، عكس ما تقدم، ويعبر عن ذلك بالتقريع أيضا نحو: أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي. وأكثر ما يقع التوبيخ فى أمر ثابت ووبخ على فعله. ويقع على ترك فعل كان ينبغي أن يقع كقوله: { أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ ما يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ } [ ]
الثالث: التقرير، وهو حمل المخاطب على الإقرار والاعتراف بأمر قد استقرّ عنده. ولا يستعمل ذلك بهل، كما يستعمل بغيرها من أدوات الاستفهام. ومنها: أنه تعالى أنزل هذا القرآن وعجز القوم عن الإتيان بمثله، ثم أوضح الأمر في عجزهم بأن كرّر ذكر القصة في مواضع إعلاما بأنهم عاجزون عن الإتيان بمثله بأيِّ نظم جاءوا وبأيِّ عبارة عبروا. ومنها: أنه لما تحداهم قال: { فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ } [ ] فلو ذكرت القصة في موضع واحد واكتفى بها لقال العربي ائتونا أنتم بسورة من مثله، فأنزلها الله سبحانه وتعالى في تعداد السور فعالجتهم من كل وجه. ومنها: أن القصة الواحدة لما كرّرت كان في ألفاظها في كل موضع زيادة ونقصان وتقديم وتأخير، وأتت على أسلوب غير أسلوب الأخرى، فأفاد ذلك ظهور الأمر العجيب في إخراج المعنى الواحد في صور متباينة في النظم، وجذب النفوس إلى سماعها لما جبلت عليه من حبّ التنقل في الأشياء المتجددة واستلذاذها بها، وإظهار خاصة القرآن حيث لم يحصل مع تكرير ذلك فيه هجنة فى اللفظ ولا ملل عند سماعه فباين ذلك كلام المخلوقين. وقيل: ما الحكمة في عدم تكرير قصة يوسف وسوقها مساقا واحدا فى موضع واحد دون غيرها من القصص؟ وأجيب بوجوه:
أحدها: أن فيها تشبيب النسوة به، وحال امرأة ونسوة افتتنوا بأبدع الناس جمالا، فناسب عدم تكرارها لما فيه من الإغضاء والستر.
ثانيها: أنها اختصت بحصول الفرج بعد الشدة، بخلاف غيرها من القصص فإن مآلها إلى الوبال كقصة إبليس، وقوم نوح، وهود، وصالح وغيرهم، فلما اختصت بذلك اتفقت الدواعي على نقلها لخروجها عن سمت القصص.
ثالثها: إنما كرّر الله قصص الأنبياء وساق قصة يوسف مساقا واحدا إشارة إلى عجز العرب، كأن النبي صلّى الله عليه وسلم قال لهم: إن كان من تلقاء نفسى فافعلوا فى قصة يوسف ما فعلت في سائر القصص.
رابعها: هو أن سورة يوسف نزلت بسبب طلب الصحابة أن يقص عليهم، فنزلت مبسوطة تامة ليحصل لهم مقصود القصص من استيعاب القصة وترويج النفس بها والإحاطة بطرفيها.
وخامسها: أن قصص الأنبياء إنما كرّرت لأن المقصود بها إفادة إهلاك من كذّبوا رسلهم، والحاجة داعية إلى ذلك لتكرير تكذيب الكفار للرسول صلّى الله عليه وسلم، فكلما كذبوا نزلت قصة منذرة بحلول العذاب كما حلّ على المكذبين، ولهذا قال تعالى في آيات: { فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ } [ ] ، وقصة يوسف لم يقصد منها ذلك. وبهذا أيضا يحصل الجواب عن حكمة عدم تكرير قصة أصحاب الكهف، وقصة ذي القرنين، وقصة موسى مع الخضر، وقصة الذبيح.
النوع الخامس: الصفة وترد لأسباب:
أحدها: التخصيص في النكرة نحو:{ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ } [ ].
الثاني: التوضيح في المعرفة: أي زيادة البيان نحو: { وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ } [ ] .
الثالث: المدح والثناء، ومنه صفات اللَّه تعالى نحو: { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ } [ ] ، ومنه: { يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هادُوا } [ ] ، فهذا الوصف للمدح وإظهار شرف الإسلام والتعريض باليهود، وأنهم بعداء من ملة الإسلام الذى هو دين الأنبياء كلهم، وأنهم بمعزل عنها.
الرابع: الذم نحو: { فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ } [ ] .
الخامس: التأكيد لرفع الإبهام نحو { لا تَتَّخِذُوا إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ} [ ] ، فإن إلهين للتثنية، فاثنين بعده صفة مؤكدة للنهى عن الإشراك، والإفادة أن النهى عن اتخاذ إلهين إنما هو لمحض كونهما اثنين فقط، لا لمعنى آخر من كونهما عاجزين أو غير ذلك، ولأن الوحدة تطلق ويراد بها النوعية ، كقوله صلّى اللَّه عليه وسلم: «إنما نحن وبنو المطلب شيء واحد» ، وتطلق ويراد نفى العدة، التثنية باعتبارها. فلو قيل: لا تتخذوا إلهين فقط، لتوهم أنه نهى عن اتخاذ جنسي آلهة، وإن جاز أن يتخذ من نوع واحد عدد آلهة ولهذا أكد بالوحدة قوله: { إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ } [ ] . الصفة العامة لا تأتى بعد الخاصة، لا يقال: رجل فصيح متكلم، بل متكلم فصيح، وأشكل على هذا قوله تعالى في إسماعيل: { وَكانَ رَسُولًا نَبِيًّا } [ ] ، وأجيب بأنه حال لا صفة: أي مرسلا في حال نبوّته، وإذا وقعت الصفة بعد متضايقين، وأولهما عدد، جاز إجراؤها على المضاف وعلى المضاف إليه. فمن الأول: { سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً }[ ] . ومن الثاني: { سَبْعَ بَقَراتٍ سِمانٍ } [ ] . وإذا تكررت النعوت لواحد فالأحسن أن تباعد معنى الصفات العطف نحو: { هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْباطِنُ } [ ] ، وإلا تركه نحو: { وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ. هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ. مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ. عُتُلٍّ بَعْدَ ذلِكَ زَنِيمٍ } [ ] . وقطع النعوت في مقام المدح والذم أبلغ من إجرائها. وإذا ذكرت صفات في معرض المدح أو الذم فالأحسن أن يخالف في إعرابها، لأن المقام يقتضى الإطناب، فإذا خولف فى الإعراب كان المقصود أكمل، لأن المعاني عند الاختلاف تتنوّع وتتفنن، وعند الاتحاد تكون نوعا واحد. مثاله في المدح: { وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ } [ ] . ومثاله في الذم: { وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ } [ ].
والنوع السادس: البدل، والقصد به الإيضاح بعد الإبهام، وفائدته البيان والتأكيد.
أما الأول فواضح أنك إذ قلت: رأيت زيدا أخاك، بينت أنك تريد بزيد الأخ لا غير.
وأما التأكيد فلأنه على نية تكرار العامل فكأنه من جملتين، ولأنه دل على ما دل عليه الأول: إما بالمطابقة في بدل الكل، وإما بالتضمين في بدل البعض، أو بالالتزام في بدل الاشتمال. مثال الأول: { اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ. صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ } [ ] . ومثال الثاني: { وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا } [ ] . ومثال الثالث: { وَما أَنْسانِيهُ إِلَّا الشَّيْطانُ أَنْ أَذْكُرَهُ } [ ] .
النوع السابع: عطف البيان، وهو كالصفة في الإيضاح، لكن يفارقها في أنه وضع ليدل على الإيضاح باسم يختص به، بخلافها فإنّها وضعت لتدل على معنى حاصل في متبوعها. والفرق بينه وبين البدل أن البدل هو المقصود، وكأنك قررته في موضع المبدل منه، وعطف البيان وما عطف عليه كل منهما مقصود. وعطف البيان يجرى مجرى النعت في تكميل متبوعه، ويفارقه فى أن تكميل متبوعه بشرح وتبيين لا بدلالة على معنى المتبوع أو سببية، ومجرى التأكيد في تقوية دلالته، ويفارقه فى أنه لا يرفع توهم مجاز، ومجرى البدل فى صلاحيته للاستقلال، ويفارقه في أنه غير منوىّ الاطراح. ومن أمثلته: { فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ إِبْراهِيمَ } [ ] . وقد يأتي لمجرّد المدح بلا إيضاح ومنه: { جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرامَ } [ ] ، فالبيت الحرام عطف بيان للمدح لا للإيضاح.
النوع الثامن: عطف أحد المترادفين على الآخر: والقصد منه التأكيد أيضا، وجعل منه: { أنَّما أَشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي } [ ] .
النوع التاسع: عطف الخاص على العام: وفائدته التنبيه على فضله، حتى كأنه ليس من جنس العام تنزيلا للتغاير في الوصف منزلة التغاير في الذات. وهذا العطف، يسمى بالتجريد، كأنه جرّد من الجملة وأفرد بالذكر تفضيلا. ومن أمثلته: { حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى } [ ] . والمراد بالخاص والعام هنا ما كان فيه الأول شاملا للثاني.
النوع العاشر: عطف العام على الخاص: والفائدة فيه واضحة وهو التعميم. ومن أمثلته: { إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي } [ ] ، والنسك العبادة، فهو أعم.
النوع الحادي عشر: الإيضاح بعد الإبهام: يقولون: إذا أردت أن تبهم ثم توضح فإنك تطنب. وفائدته: إما رؤية المعنى في صورتين مختلفتين: الإبهام والإيضاح، أو لتمكن المعنى في النفس تمكنا زائدا لوقوعه بعد الطلب، فإنه أعزّ من المنساق بلا تعب، أو لتكمل لذة العلم به. فإن الشيء إذا علم من وجه ما تشوّقت النفس للعلم به من باقي وجوهه وتألمت، فإذا حصل العلم من بقية الوجوه كانت لذته أشد من علمه من جميع وجوهه دفعة واحدة. ومن أمثلته:{ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي } [ ] ، فإن اشرح يفيد طلب شرح شيء ما له، وصدري يفيد تفسيره وبيانه. ومنه التفصيل بعد الإجمال نحو: { إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً }[ ] إلى قوله: { مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ } [ ] . وعكسه كقوله: { ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ }[ ] أعيد ذكر العشرة لرفع توهم أن الواو في: { وَسَبْعَةٍ } بمعنى أو، فتكون الثلاثة داخلة فيها كما في قوله: { خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ } [ ] ، ثم قال: { وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ مِنْ فَوْقِها وَبارَكَ فِيها وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ } [ ] ، فإن من جملتها اليومين المذكورين أولا وليست أربعة غيرهما.
النوع الثاني عشر: التفسير: وهو أن يكون في الكلام لبس وخفاء فيؤتى بما يزيله ويفسره. ومن أمثلته: { إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً. إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً. وَإِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً } [ ] ، فقوله: إِذا مَسَّهُ تفسير للهلوع. ومتى كانت الجملة تفسيرا لم يحسن الوقف على ما قبلها دونها، لأن تفسير الشيء لا حق به ومتمم له وجار مجرى بعض أجزائه.
النوع الثالث عشر: وضع الظاهر موضع المضمر، وله فوائد: منها: زيادة التقرير والتمكين نحو: { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ. اللَّهُ الصَّمَدُ } [ ] ، والأصل: هو الصمد. ومنها: قصد التعظيم نحو: { وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ. }[ ] ، ومنها: قصد الإهانة والتحقير نحو: { أُولئِكَ حِزْبُ الشَّيْطانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطانِ هُمُ الْخاسِرُونَ } [ ] . ومنها: إزالة اللبس حيث يوهم الضمير أنه غير الأول نحو: { قُلِ اللَّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ } [ ] لو قال تؤتيه لأوهم أنه الأول. ومنها: قصد تربية المهابة وإدخال الروع على ضمير السامع بذكر الاسم المقتضى لذلك كما تقول: الخليفة أمير المؤمنين يأمرك بكذا، ومنه: { إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها } [ ] ، { إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ } [ ] . ومنها: قصد تقوية داعية- الأمور، ومنه: { فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ } [ ] . ومنها: تعظيم الأمر نحو: { أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ } [ ] . ومنها: الاستلذاذ بذكره، ومنه: { وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ } [ ] لم يقل منها، ولهذا عدل عن ذكر الأرض إلى الجنة. ومنها: قصد التوسل من الظاهر إلى الوصف، ومنه: { فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ } [ ] بعد قوله: { إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ } [ ] لم يقل فآمنوا باللَّه ربى ليتمكن من إجراء الصفا التي ذكرها ليعلم أن الذى وجب الإيمان به والاتباع له هو من وصف بهذه الصفات، ولو أتى بالضمير لم يمكن ذلك لأنه لا يوصف. ومنها: التنبيه على عليه الحكم نحو: { فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكافِرِينَ } [ ] ، لم يقل (لهم) إعلاما بأن من عادى هؤلاء فهو كافر، وأن اللَّه إنما عاداه لكفره. ومنها: قصد العموم نحو: { وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ } [ ] لم يقل إنها، لئلا يفهم تخصيص ذلك بنفسه. ومنها: قصد الخصوص نحو: { وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِّ } [ ] لم يقل (لك) تصريحا بأنه خاص به. ومنها: الإشارة إلى عدم دخول الجملة الأولى في حكم الأولى نحو: { فَإِنْ يَشَإِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلى قَلْبِكَ وَيَمْحُ اللَّهُ الْباطِلَ } [ ] ، فإن وَيَمْحُ اللَّهُ استئناف لا داخل فى حكم الشرط. ومنها: مراعاة الجناس، ومنه: { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ } [ السورة. ] ، ومنها: مراعاة الترصيع وتوازن الألفاظ في التركيب، ومنه قوله تعالى: { أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى } [ ] . ومنها: أن يتحمل ضميرا لا بد منه، ومنه: { أَتَيا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَما أَهْلَها } [ ] لو قال استطعماها لم يصح، لأنهما لم يستطعما القرية أو استطعماهم، فكذلك لأن جملة استطعما صفة لقرية النكرة لا لأهل، فلا بد أن يكون فيها ضمير يعود عليها، ولا يمكن إلا مع التصريح بالظاهر. وإعادة الظاهر بمعناه أحسن من إعادته بلفظه، نحو: { إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ }[ ]. وإعادته في جملة أخرى أحسن منه في الجملة الواحدة لانفصالها، وبعد الطول أحسن من الإضمار، لئلا يبقى الذهن متشاغلا بسبب ما يعود عليه فيفوته ما شرع فيه، كقوله: { وَتِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ عَلى قَوْمِهِ } [ ] بعد قوله: { وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ} [ ].
النوع الرابع عشر: الإيغال، وهو الإمعان، وهو ختم الكلام بما يفيد نكتة يتم المعنى بدونها، من ذلك: { يا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ. اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْئَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُهْتَدُونَ } [ ] فقوله: { وَهُمْ مُهْتَدُونَ } إيغال، لأنه يتم المعنى بدونه، إذ الرسول مهتد لا محالة، لكن فيه زيادة مبالغة في الحث على اتباع الرسل والترغيب فيه.
النوع الخامس عشر: التذليل، وهو أن يأتي بجملة عقب جملة، والثانية تشمل على المعنى الأول لتأكيد منطوقه أو مفهومه ليظهر المعنى لمن لم يفهمه ويتقرّر عند من فهمه نحو: { ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِما كَفَرُوا وَهَلْ نُجازِي إِلَّا الْكَفُورَ }.
النوع السادس عشر : الطرد والعكس، وهو أن يؤتى بكلامين يقرّر الأول بمنطوقه مفهوم الثاني وبالعكس كقوله تعالى: { لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ } [ ] إلى قوله: { لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلا عَلَيْهِمْ جُناحٌ بَعْدَهُنَّ } ، فمنطوق الأمر بالاستئذان في تلك الأوقات خاصة مقرّر لمفهوم رفع الجناح فيما عداها، وبالعكس.
النوع السابع عشر: التكميل، ويسمى بالاحتراس، وهو أن يؤتى فى كلام يوهم خلاف المقصود بما يدفع ذلك الوهم نحو: { أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ } [ ] ، فإنه لو اقتصر على أَذِلَّةٍ لتوهم أنه لضعفهم فدفعه بقوله أعزّة.
النوع الثامن عشر: التتميم، وهو أن يؤتى في كلام لا يوهم غير المراد بفضلة تفيد نكتة كالمبالغة في قوله: { وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ } [ ] أي مع حبّ الطعام: أي اشتهائه، فإن الإطعام حينئذ أبلغ وأكثر أجرا.
النوع التاسع عشر: الاستقصاء، وهو أن يتناول المتكلم معنى فيستقصيه، فيأتي بجميع عوارضه ولوازمه بعد أن يستقصى جميع أوصافه الذاتية بحيث لا يترك لمن يتناوله بعده فيه مقالا كقوله تعالى: { أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ } [ الآية، ] ، فإنه تعالى لو اقتصر على قوله جنة لكان كافيا، فلم يقف عند ذلك حتى قال في تفسيرها: { مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ } [ ] ، فإن مصاب صاحبها بها أعظم، ثم زاد: { تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ } [ ] متمما لوصفها بذلك، ثم كمل وصفها بعد التتميمين فقال له: { فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ } فأتى بكل ما يكون في الجنان ليشتد الأسف على إفسادها. ثم قال في وصف صاحبها: { وَأَصابَهُ الْكِبَرُ } ثم استقصى المعنى في ذلك بما يوجب تعظيم المصاب بقوله بعد وصفه بالكبر{ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ } ، ولم يقف عند ذلك حتى وصف الذرية بالضعفاء. ثم ذكر استئصال الجنة التي ليس لهذا المصاب غيرها بالهلاك في أسرع وقت حيث قال: { فَأَصابَها إِعْصارٌ } ، ولم يقتصر على ذكره للعلم بأنه لا يحصل به سرعة الهلاك فقال: فِيهِ نارٌ ثم لم يقف عند ذلك حتى أخبر باحتراقها لاحتمال أن تكون النار ضعيفة لا تفي باحتراقها لما فيه من الأنهار ورطوبة الأشجار فاحترس عن هذا الاحتمال بقوله: { فَاحْتَرَقَتْ } فهذا أحسن استقصاء وقع فيه كلام وأتمه وأكمله. والفرق بين الاستقصاء والتتميم والتكميل: أن التتميم يردّ على المعنى ليتم فيكمل.
والتكميل يردّ على المعنى التام أوصافه. والاستقصاء يردّ على المعنى التام الكامل فيستقصى لوازمه وعوارضه وأوصافه وأسبابه حتى يستوعب جميع ما تقع الخواطر عليه فيه فلا يبقى لأحد فيه مساغ.
النوع العشرون: الاعتراض، ويسمى الالتفات وهو الإتيان بجملة أو أكثر لا محل لها من الأعراب فى أثناء كلام أو كلامين اتصلا معنى لنكتة غير دفع الإيهام كقوله: { وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَناتِ سُبْحانَهُ وَلَهُمْ ما يَشْتَهُونَ } [ ] ، فقوله: -سُبْحانَهُ -اعتراض لتنزيه اللَّه سبحانه وتعالى عن البنات والشناعة على جاعليها. ووجه حسن الاعتراض حسن الإفادة مع أن مجيئه ميء ما لا يترقب فيكون كالحسنة تأتيك من حيث لا تحتسب.
النوع الحادي والعشرون: التعليل: وفائدته التقرير والأبلغية، فإن النفوس أبعث على قبول الأحكام المعللة من غيرها، وغالب التعليل في القرآن الكريم على تقدير جواب سؤال اقتضته الجملة الأولى، وحروفه: اللام، وإن، وأن، وإذ، والباء، وكى، ومن، ولعل. ومما يقتضى التعليل لفظ الحكمة: كقوله: { حِكْمَةٌ بالِغَةٌ } [ ] . وذكر الغاية من الخلق نحو قوله: { جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً وَالسَّماءَ بِناءً، } [ ]
و {أَ لَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهاداً. وَالْجِبالَ أَوْتاداً } [ ] .