فتوح العرب المسلمين لمصر وإفريقية في العصر الراشدي
كانت مسيرة عمرو بن العاص إلى مصر بإذن من عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه ؛ لكن عمر لم يأذن بهذا السير إلا بعد تردد طويل، استمر عامين أو أكثر، فالمتواتر أن ابن العاص خاطب الخليفة في غزو مصر حين فتحت بيت المقدس أبوابها للمسلمين، وبعد أن صالح أمير المؤمنين أهلها في السنة السادسة عشرة من الهجرة، حينما انسحب قائد الروم الأرطبون بقواته من فلسطين إلى مصر. ولعل عمرًا أشار على الخليفة بتعقبه وهو منهزم، قبل أن تتاح له فرصة التحصن والدفاع والمقاومة في بلاد منيعة الحصون وفيرة الميرة، ولا سيما أن إطالة أمد التفاوض في حصار بيت المقدس، وطلب حضور الخليفة بنفسه لعقد الصلح لم يكن الهدف من وارئهما إلا كسب الوقت؛ حتى يتمكن أرطبون من الانسحاب بجنده إلى مصر. ولعله أيضًا ذكره بما صنعه الروم حينما رأوا التجمع في مصر ليشنوا منها هجومًا على المسلمين. مستغلين في ذلك إمكانياتها البحرية كما حدث في حملة قسطنطين، التي خرجت من شواطئ الإسكندرية واستولت على أنطاكية. وكادت بمساعدة القبائل أن تزعزع فتوحات المسلمين. وليس شك في أن إدراك هذه الصلة بين مصر والشام ينم عن فهم لطبيعة المنطقة الجغرافية، والضرورات الحربية التي تحتم على المسلمين الاستيلاء على مصر لضمان استقرار مكاسبهم في الشام. ولكن الخليفة تردد وطال تردده، فقد كانت الحرب سجالًا بين المسلمين والفرس، وكان شمال الشام يعج بالثورة والانتقاض، بينما حدثت الكارثة التي هددت شبه الجزيرة بالفناء. ولم تكد المجاعة تنتهي حتى فشا طاعون بفلسطين وامتد حتى البصرة. وكان طبيعيًّا إذن أن ينسى الخليفة كل ما حدثه به عمرو بن العاص عن مصر. ولما عادت شبه الجزيرة إلى مألوف حياتها، وبرئت الشام من الوباء، وجاء الخليفة إليها يصلح شئونها لزم ابن العاص أمير المؤمنين، يدلي إليه بحجج جديدة حتى يزيل تردده، فلو قنع المسلمون بموقفهم لحسبهم أعداؤهم تضعضعوا تحت وطأة الوباء والجوع، ولهاجموهم في الشام عن طريق مصر، أما إذا نهد لهم المسلمون في مصر ذاتها وقفوا موقف المدافع، وتعطلت سياسة الهجوم تمامًا. ولا بد أن ابن العاص قد أفاض في تزيين الفتح لأمير المؤمنين إفاضة العليم بمصر ومدنها وطرقها وحصونها، لما أتيح له من زيارتها، وما استخلصه من أسرى الروم الذين يعرفونها حق المعرفة. فمصر ولاية غنية بطبيعتها وثرواتها، تسيطر على منافذ العالم المعروف كله، وهي مركز تجارته، وأساطيلها التجارية تشق عباب البحرين من أقدم العصور إلى الجنوب من بلاد العرب، تحمل إليه التجارة، وتجيء منه بمختلف السلع، وتتصل عن طريق سيناء بطريق القوافل المنحدر إلى مكة واليمن. وهذا الاتصال أتاح احتكاكًا مباشرًا بين العرب وأهل مصر، وأدى إلى استقرار عدد غير قليل من العرب ببوادي مصر، وإلى استقرار جالية مصرية على طريق القوافل، كانت نواة لمدينة يثرب، كما يذكر مؤرخو العصور القديمة. وظلت هذه الصلات التجارية متصلة بين مصر وبلاد العرب حتى أضعفها استيلاء الروم على مصر زمنًا، ثم عادت إلى مثل ما كانت عليه؛ ذلك أن العرب ظلوا يقومون برحلة الصيف إلى الشام، كان منهم من ينحدر إلى مصر عن طريق القوافل عند آيلة، وكان أكثرهم يسيرون إلى الشام، فإذا قضوا وطرًا من التجارة توجهوا إلى مصر، وذلك ما كان يصنعه تجار مكة كعمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة وعثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه .وكان العرب بحكم هذه الصلات يعرفون الكثير عن مصر. وقد تحدث القرآن الكريم عنها في مواضع كثيرة، فزود العرب المسلمين بها علمًا؛ بنهرها العظيم وأرضها المعطاء وزروعها الناضرة وخيراتها الوفيرة، في قصص إبراهيم وموسى وعيسى، فأثار في نفوسهم صورة مصر الطبيعية، وصورًا من تاريخها منذ أقدم العهود إلى عهدهم. ولم تكن معرفة المسلمين بمصر مقصورة على ما كان من أمرها في العصور الأولى، بل كانوا يعرفون من أمرها في زمانهم أكثر مما يعرفونه من تاريخها؛ ذلك أن العرب كانوا يتابعون ما يجري بين فارس والروم بعناية بالغة، قد اتصل القتال بين الدولتين بمصر زمنًا غير قليل، ذلك أن الفرس دخلوها في سنة 616م وأقاموا بها تسع سنوات، حتى أجلاهم هرقل عنها وعن الشام. وخلال هذه السنوات كان المسلمون يمدون أبصارهم إلى تلك الأرجاء، مؤمنين بأن الروم سيغلبون الفرس لا محالة كما أوحى الله إلى نبيه صلى الله عليه وسلم. فلما تمت هزيمة الفرس كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد هاجر إلى المدينة، وكانت سراياه تسير منها إلى ما حولها، فلما استتب الأمر بعث رسله إلى كسره وقيصر وملوك الحيرة وغسان وأمراء الجنوب من شبه الجزيرة، وإلى حاكم مصر يدعوهم جميعًا إلى الإسلام. وقد يلفت النظر أن المقوقس حاكم مصر كان أجمل الملوك والأمراء ردًّا على رسالة النبي صلى الله عليه وسلم وأكثرهم مجاملة له، فبعث مع حاطب بن أبي بلتعة رسول النبي صلى الله عليه وسلم إليه بكتاب يشير فيه إلى أنه يعتقد أن نبيًّا سيظهر، ولكنه ظن أنه سيظهر في الشام. ويذكر أنه استقبل رسوله بما يجب له من إكرام، وأنه بعث معه بهدية جاريتين وبغلة بيضاء وحمار ومقدار من المال وبعض من خيرات مصر. وقد اصطفى محمد صلى الله عليه وسلم مارية القبطية إحدى الجاريتين لنفسه، فولدت له إبراهيم، فرفعها النبي صلى الله عليه وسلم إلى مقام زوجاته، وكان يقول: "استوصوا بالقبط خيرًا، فإن لهم ذمة ورحما".
وقد عرف المسلمون من أهل الشام ما يعرفونه عن مصر، وفضلًا عن معرفة عمرو الشخصية بما بها، كانت صورة مصر واضحة في ذهنه عن هذه السبل، عندما بدأ يفاتح الخليفة في فتحها ويزينه له ويغريه بشتى الطرق، ويضع أمثلة لخصبها ووفرة إنتاجها تحت عينيه، ويفيض فيما يظنه دافعًا له على الإذن بفتحها؛ فهي مركز خطير الأهمية بالنسبة لدولة الروم، وهي مخزن إمداد للميرة والمؤن والغلال والجند، وفتحها قوة للمسلمين وعون لهم؛ إذ هي أكثر البلاد أموالًا2، وهو في نفس الوقت حرمان للروم من أهم الشرايين التي تبعث فيهم الحياة. وظل عمرو يلح على أمير المؤمنين مغريًا إياه بأن يأذن له، عارضًا عليه ما آل إليه حال المصريين تحت حكم الروم من الظلم والعسف والاضطهاد، وأثر المبادئ الإسلامية التي بلغتهم عدالتها وسماحتها فيهم في تيسير الفتح. وقد أصاب عمرو في إشارته إلى هذه السياسة الظالمة التي اتبعها الروم ولم يكن إلحاحه وليد حبه للمغامرة التي يظهر فيها مواهبه في مباراة خالد بن الوليد، كما يزعم بعض المؤرخين1، فإن هدفًا متناهيًا في السمو كهذا لا يمكن أن يعزى إلى سبب شخصي؛ إذ لا يعقل أن يقدم خليفة حذر كابن الخطاب على فتح مصر دون أن تكون هناك دوافع لها خطرها. وكل ما هنالك أن عمرًا قد أدرك مدى الخطر الذي يمكن أن يسببه بقاء مصر في حوزة الروم، بعدما رأى إبان فتح فلسطين وبيت المقدس، ولأنه أحسن بما يدور في مصر ولمس بنفسه أخبارها، وهجرة الألوف من أبنائها إلى الشام فرارًا من الاضطهاد الديني والمذهبي. وعرف عن تعذيب اليعاقبة الشيء الكثير كما عرف ما يرزح تحته المصريون من أعباء الفتن والضرائب والمكوس الباهظة. فقد استهدف المصريون منذ اعتناقهم المسيحية لعدوان الروم، فتوالت عليهم النقم من قياصرتهم قتلًا وتعذيبًا وتشريدًا، حتى جاء القيصر دقلديانوس فأغلق كنائسهم وأسرف في قتلهم؛ بغية استئصال شأفتهم أو ردهم إلى الوثنية، وترتب على هذا قيام الثورات في الإسكندرية، مما اضطر القيصر إلى إخمادها بنفسه، بعد أن حاصر المدينة ودمر أبنيتها، وراحت النظم الإدارية بعد هذا ترمي إلى التشدد في تقديس الإمبراطور وإكباره ؛ بغية تحويله من رئيس ديني إلى ما يشبه الإله الذي يُعبد وتقدم إليه القرابين. وقد أثارت هذه السياسة سخط المصريين. فلقي الروم في سبيل تأليه إمبراطورهم مقاومة عنيفة وعنادًا شموسًا، حتى أصبح عصر دقلديانوس مما يؤرخ به في مصر؛ إذ اعتبر اعتلاؤه العرش مبدأ تاريخ الشهداء لكثرة القتلى والمعذبين فيه ؛ وعندما اعتلى قسطنطين العرش اعتنق المسيحية، ولكن القبط خلصوا من اضطهاد الحكومة ليقعوا في اختلافات مذهبية حول كنه العلاقة التي يمكن أن تكون بين الله وعيسى. ولم يكد ثيودوسيوس يقبض على أزمة الأمور حتى قرر تنصير الإمبراطورية في نهاية القرن الرابع، ولكن الخلافات المذهبية لم تتوقف، وإنما تبلورت في مذهبين متقابلين : هما اليعقوبية والملكانية . ويعتقد اليعاقبة من أهل البلاد، بأنه قد صار للمسيح طبيعة واحدة بعد تجسده؛ نتيجة امتزاج الطبيعة الإلهية البشرية، وأن هذا الامتزاج كامتزاج الخمر بالماء، حتى يصيرا شيئًا واحدًا، بينما يرى الملكانيون من الروم الحاكمين أن الابن مولود من الأب قبل كل الدهور، غير مخلوق، وهو جوهره ونوره، وأن الابن اتحد بالإنسان المأخوذ من مريم فصارا واحدًا هو المسيح، وهذا الاتحاد كاتحاد النار في الصفيحة المحماة. وبرغم أن المذهبين ينتهيان إلى ما يشبه النهاية الواحدة المتفقة، فهما يختلفان في التفاصيل، وقد انعقد مؤتمر خلقدونيا في مطلع النصف الثاني من القرن الخامس، فأقر المذهب الملكاني وأوصى بعزل بطريق الإسكندرية ومؤسس المذهب اليعقوبي، وبقتل كل من يقول بمذهبه، واستقبل هذا القرار بالثورة، وازداد عسف الحكام بالشعب، فأباحوا المدن وأبطلوا الأعياد وأغلقوا الحمامات، وزجوا بزعماء الثورة في الهياكل وأحرقوها بهم، وقطعوا إعانة الغلال، واستمر الاضطهاد عنيفًا، ووقعت المعارك الدموية وأحرقت الإسكندرية وقتل مائتا ألف في كنيستها بأمر البطريق أبو ليناريس، الذي فرضه عليهم يوستنيانوس في مطلع القرن السادس، وجعل منه حاكمًا للإسكندرية تئول إليه جميع أملاك الكنيسة ؛ وأثمرت هذه السياسة الدموية المتعسفة في مصر عداء دائمًا وبغضًا للروم لا حد له. وأتيح للقبط في مطلع القرن السابع أن ينعتقوا من جحيم الروم لمدة يسيرة إبان غزو الفرس لمصر، ولكن هرقل أعادهم إلى ما كانوا فيه من التعذيب والاضطهاد، وازداد الحال سوءًا في محاولته فرض مذهب ابتكره له سرجيوس ؛ للتوفيق بين الملكانيين واليعاقبة ، وليقضي به على الخلافات الناجمة عن التعرض لكنه المسيح وصفته وطبيعته. ويقضي هذا المذهب بأن للمسيح إرادة واحدة وقضاء واحدًا، وكان استقبال القبط لهذا المذهب سيئًا للغاية، وحاربوه حربًا أشد من حربهم للوثنية، وتجددت الفظائع واضطر المصريون إلى الفرار إلى الصحراء، وشاع الاتجاه إلى الرهبنة كما فعل بنيامين البطريق، الذي أعوز بعد فراره إلى القبط بألا يقاوموا العرب، فكان أن لم يجد عمرو في طريقه إلى الفرما إلى بابليون مقاومة عنيفة، وقد صاحب الاضطهاد الديني اضطهاد سياسي واجتماعي، لا يقلان في آثارهما عنه، فإن مصر لم تكن في اعتبار الروم غير مزرعة للغلال. وبينما كانوا يستنزفون خيراتها كان أبناؤها يعانون الكثير من الفقر والمرض والجهل، واشتعال الفتن والحرمان من حقوقهم ومن تولى المناصب الرفيعة، ومن فرض الضرائب الباهظة المتعددة على الأشخاص والأشياء، وعلى المارة والموتى وصناع السفن والعاهرات وزوجات الجنود، وتذاكر المرور وختمها، وأثاثات المنازل وشراعات السفن وصواريها، فضلًا عما كان مفروضًا على الأهالي من وجوب إيواء الموظفين والجند، وتقديم ما يحتاجونه من وسائل النقل والغذاء ؛ ولا شك في أن هذه العوامل كلها لاقت اهتمامًا من الخليفة، الذي استمع إلى عمرو وإغرائه بفتح مصر، واقتنع بوجاهة رأيه، وكفالة كل هذه العوامل لإنجاح فتح المسلمين لمصر فعقد له لواءها. والروايات التاريخية تختلف اختلافًا بعيدًا حول إذن الخليفة لعمرو بالفتح، بين أن يكون عمرو قد حبذ الفتح إلى الخليفة، أو أن يكون الخليفة هو الذي أمر به عمرًا، وبين أن يكون عمرو قد استأذن في الفتح قبل تقدمه أو بعده ؛ إلا أن هذه الروايات المختلفة جميعًا تتفق على تلك الإحالة التي تكاد أن تكون استخارة، تمثلت في الكتاب الذي أرسله الخليفة إلى عمرو. والظاهر أن متابعة هذه الأقوال لا يتفق وتلك البواعث الجادة الملحة التي لا يخالطها ريب أو تردد في فتح مصر، استكمالًا لفتح الشام والقضاء على الدولة البيزنطية قضاء مبرمًا. والذي يمكننا أن نتقبله في ذلك هو أن الخليفة أذن لعمرو في فتح مصر، وأنه عقد له على أربعة آلاف رجل، ولكنه عاد فتخوف وندم بعد أن أبان له عثمان حرج موقف عمرو لقلة من معه. فكتب إلى عمرو كتابه الشهير، يعده بإمداده إن كان قد دخل أرض مصر فعلًا. وعلى هذا النحو تستقيم مدافعة عمرو للرسول الذي حمل كتاب الخليفة إلى أن يكون قد دخل بالفعل في أرض مصر. وقد أدرك الكتاب عمرًا على قرية بين العريش ورفح داخل حدود مصر حيث فض الكتاب، ثم سار على بركة الله وبعونه . فبلغ العريش بعد أن اخترق رمال سيناء، وكان ذلك أواخر سنة 18هـ، ولم يلقَ كبير عناء في فتحها. وانصرف عمرو متجهًا نحو الغرب، دون أن يشترك مع جند الروم في قتال حتى وصل الفرما أو بيلوز، وهي مدينة قديمة العهد حصينة، لها كنائس وأديرة وميناء على البحر، يصل إليها جدول من النيل، وكانت تمثل مفتاح مصر في ذلك الوقت، وكان جند الروم يعتصمون بحصونهم، فحاصرهم عمرو، واستطاع المسلمون أن يسبقوهم ذات مرة إلى هذه الحصون فافتضوها، وتم لهم احتلال المدينة أوائل سنة 19هـ2. وتقدم عمرو دون أن يجد مدافعة، بعد الاستيلاء على مفتاح مصر وعلى القاعدة التي يستطيع النكوص منها إن اقتضى الأمر تراجعًا، وتلقى الأمداد عن طريقها إذا ما تقدم. ووصل إلى بلبيس، وبعد حرب دامت شهرًا تم للمسلمين فتحها، وهزم الروم وألحق بهم خسائر فادحة . وبالاستيلاء على بلبيس أصبح المسلمون على مسيرة يوم واحد من رأس الدلتا ؛ ومضى عمرو حتى أتى أم دنين4 شمال حصن بابليون، وهي قرية على النيل عند مأخذ خليج تراجان، الذي يصل مدينة مصر بالبحر الأحمر عند السويس، وكانت حصينة يجاورها مرفأ فيه سفن كثيرة، وكانت مسلحتها طليعة الدفاع عن حصن بابليون العظيم. وأدرك عمرو دقة الموقف فإن الروم قد لاذوا إلى الحصن بكل قواتهم، وأمدوا أم دنين بمسلحة قوية، وتهيئوا بذلك لقتال فاصل. وجاءته عيونه بأنباء عرف منها أنه لن يستطيع أن يفتض هذا الحصن أو يحاصره بمن معه من الجند، فضلًا عن فتح مدينة مصر التي تقع في حماية الحصن، فعول على حصار أم دنين وحصنها، فإن استولى عليه سارت السفن تحت إمرته ، وأصبح في مقدوره أن يدبر أمره . وكان الحذر يقتضي عمرًا ألا يفرط في رجاله ، وأن يستعجل الخليفة المدد ليضاعف الأمل في قلوب جنده، فبعث رسالة إلى عمرو وأذاع في الجند أن المدد موشك أن يجيء، ثم تقدم إلى أم دنين فحاصرها، ووقف قبالتها يمنع عنها العتاد والميرة، ولم يفكر الروم المقيمون في الحصن أن يخرجوا، بعدما رأوا مصير بلبيس. أما مسلحة أم دنين فكانت تخرج إلى القتال أحيانًا ثم ترتد إلى حصنها، ولم يتغير الموقف خلال أسابيع، وإذا بالمدد قد أقبل ورآه أهل الحصن فأسقط في أيديهم. وكان عمرو قد عرف مداخل الحصن ومخارجه، فتخير وقتًا أمر فيه أصحابه أن يشدوا جميعهم شدة رجل واحد، وسار في طليعتهم، ففتحه الله عليهم بعد مقتلة عظيمة، وبعد أن أسروا من بقى فيه حيًّا ؛ ونزل عمرو أم دنين، ثم عبر مع جنده النيل في سفنها، وساروا يتخطون الصحراء مجتازين أهرام الجيزة، وهناك على الجانب الغربي على النيل دارت معركة حامية كانت للمسلمين على حنا وجنده. ثم عاد عمرو إلى بابليون؛ لما علم بنبأ الأمداد التي في طريقها إليه ؛ واستطاع أن يلتقي بالمدد، ويبلغ عسكر المسلمين في هليوبوليس؛ حيث ضيع على تيودور الفرصة، واغتبط عمرو بالمدد الذي أتاه، وفيه الزبير بن العوام وعبادة بن الصامت والمقداد بن الأسود ومسلمة بن مخلد، وعسكر المسلمون في عين شمس وجاءته الأنباء بأن تيودور أمير جند الروم قد تداول مع أصحابه، فرأوا أن مقامهم بالحصن يظهرهم أمام المصريين بمظهر الجبن والخور، ويغري الناس بالانضمام إلى المسلمين ومعاونتهم، فعزموا على الخروج لإجلاء المسلمين عن عين شمس، ودبر عمرو خطته، فسير خمسمائة من رجاله تحت الليل من وراء الجبل حتى دخلوا مغار بني وائل عند قلعة الجبل، وأخرج خارجة بن حذافة في خمسمائة آخرين ساروا قبيل الفجر إلى أم دنين، ولما تنفس الصبح سار بمن معه حتى بلغ مكان العباسية الآن وأقام ينتظر. وخرج الروم وتقدموا إلى عين شمس فبلغهم أن عمرًا تقدم يريد لقاءهم، فاستخفهم الطرب وأيقنوا بالظفر، وتعاهدوا على الاستبسال. والتقى الفريقان فأنشبوا القتال، وإنهم لكذلك؛ إذ انحدرت الكتيبة المختبئة في مغار بني وائل فعصفت بمؤخَّرة الروم عصفا فاضطربوا وأخذهم الفزع وتقهقروا إلى أم دنين، وعندئذ خرج كمين خارجة فأمعن فيهم قتلًا, ولاذ معظمهم بالفرار، وبلغت طائفة منهم الحصن فلاذت به، وفزع آخرون إلى النهر، ومال العرب فاستولوا على حصن أم دنين كرة أخرى، وانتصروا نصرًا مؤزرًا وطد أقدامهم في مصر ؛ ثم نقل عمرو عسكره من عين شمس إلى شرقي الحصن وشماله، وجاءته الأنباء بفرار حامية الروم إلى نقيوس، فجهز كتيبة استولت على إقليم الفيوم كله، وقوة أخرى استولت على إقليم المنوفية. وحينئذ أخذ الناس يفرون إلى الإسكندرية هلعًا . ولم يكن عمرو ليبطره الظفر فيقصد إلى الإسكندرية قبل أن يفتض حصن بابليون، وحاصره وهو يعلم أن الحصار سيطول؛ لارتفاع النهر وتدافع تياره، ولمناعة الحصن واكتفائه بما فيه من ميرة وماء وعتاد. وكان الروم يرمون المسلمين بالمنجنيق، فيجيبهم العرب بالحجارة والسهام، ومضى شهر ولم يتزحزح المسلمون، بينما وهن الروم ويئسوا من وصول أمداد إليهم، فتشاور المقوقس مع قومه على التفاوض مع العرب، ورأوا أن تكون المفاوضة سرية، فتسلل مع جماعة من قومه، وركبوا السفن إلى جزيرة الروضة؛ حيث أرسلوا إلى عمرو يطلبون التفاوض معه، وكان رد عمرو بعد أن احتجز الرسل يومين أن يختاروا بين الإسلام أو الجزية أو القتال، فرد رسله يطلبون أن يرسل المسلمون رسلًا يحادثونهم. فبعث عمرو بعبادة بن الصامت ونفر معه. وتكلم عبادة وذكر ما جاءهم به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحق والهدى، وأعجب المقوقس بكلامه، ومال إلى تهديده وإغرائه فلم يفلح معه، ولم يتزحزح عن واحدة من ثلاث خصال، وفشلت المفاوضات وعادت الحرب، وأمهلهم عمرو ثلاثة أيام، غير أن عمل المقوقس ذاع في الناس فثارت ثائرتهم، وأبوا إلا القتال. وتجهز أهل الحصن، وخرجوا عند انتهاء الهدنة بغتة، فأخذوا العرب المسلمين على غرة، ولم تذهل البغتة العرب، وأسرعوا إلى سلاحهم، وقاتلوا الروم قتالًا شديدًا، فتكاثر المسلمون عليهم وألجئوهم إلى الحصن، بعد أن قتلت منهم مقتلة عظيمة ؛ وخاطب المقوقس عمرًا في الصلح فأجابه إليه4. وعلق نفاذ الصلح على رضا الإمبراطور، فإن قبل ذلك ورضيه جاز عليهم، وإلا كانوا جميعًا على ما كانوا عليه ؛ واستدعى الإمبراطور المقوقس إلى القسطنطينية؛ حيث أنَّبه واتهمه بالخيانة، ونفاه وهدده بالقتل . وعلم المسلمون برفض الصلح، فانتهت الهدنة وعاد القتال بين الفريقين، فألقى الروم في الخندق حسك الحديد، وعطلوا تقدم المسلمين إلى الحصن، وأقاموا على التراشق بالحجارة والسهام حتى تصرمت أشهر الشتاء، وجاءت الأنباء بموت هرقل؛ ولكن الحصن ظل يقاوم. وضاق العرب بطول الحصار الذي استمر شهورًا سبعة، وهانت عليهم أنفسهم حتى وهب الزبير نفسه لله، وأتى في جنح الليل بكتيبة آزرته فطموا الخندق، ووضعوا سلمًا علاه الزبير، وانطلق يكبر وتبعه أصحابه وكبروا، وأجاب المسلمون من خارج الحصن، فلم يشك الروم في أن العرب اقتحموا الحصن فهربوا، وعمد الزبير إلى باب الحصن ففتحه، ودخله المسلمون واستولوا عليه . وبعد سقوط بابليون انفتح الطريق أمام المسلمين نحو مصر السفلى وريفها، ولكن الترع والفيضانات والقنوات وفيضان الماء، كل هذا جعلهم يطلبون مساعدة الأهالي، الذين استجابوا لهم وصاروا لهم أعوانًا3. واستغرق مسير عمرو إلى الإسكندرية اثنين وعشرين يومًا، وكان الروم قد تقهقروا إليها للاحتماء بها، فهي قصبة البلاد وسقوطها يعني زوال سلطان الروم عن مصر زوالًا تامًّا؛ ولهذا فقد أخذت الجيوش الجرارة تنتهي إليها عن طريق البحر، والحاميات تفر إليها عن طريق البر، وأغلقت حامياتها الأبواب وتحصنوا. وكان أول صدام للمسلمين في طريقهم بالروم عند عبورهم فرع رشيد إلى الغرب، عند ترنوط4، وكان قتال طفيف، انتصر فيه المسلمون . وأرسل عمرو من هناك حملة بقيادة شريك بن سمى، لقيت الروم عند الكوم الذي سمي باسمه، فنصر الله المسلمين . ومضى عمرو إثر استنجاد شريك به، فالتقى بالروم في سطليس أو سنطيس ؛ حيث اقتتلوا قتالًا عنيفًا بها، وكانت العاقبة للمسلمين. وبعد مسيرة عشرين ميلًا التقى المسلمون بالروم عند الكربون، وكانت مسلحة عليها خيل ورجال ، وهناك اقتتلوا بضعة عشر يومًا قتالًا شديدًا، فقد كانت الكريون آخر سلسلة من الحصون قبل الإسكندرية، وإليها فر المنهزمون في سطليس ، وانضموا إلى سائر جند الروم في مسلحة الكريون، وعليهم تيودور، الذي استمات في الصمود أمام العرب؛ إذ أدرك أنهم إن ينهزموا بالكريون تنكشف العاصمة أمام العرب، فرأى الحيلولة بين الغزاة وبلوغ الإسكندرية خيرًا من الدفاع عنها. وأخذ الروم ينسلون من الإسكندرية إلى الكريون، وأقبلت حاميات من سخا وخيس وبلهيب. والتقى عمرو بالروم واشتد القتال شدة لم تؤلف فيما سبقها من المعارك، وظلوا هكذا حتى فصل بينهم الظلام، ثم استحر القتال في صبيحة اليوم الثاني، ثم انفصل الفريقان في آخره، وظل القتال هكذا دائرًا بضعة عشر يومًا، ترجح فيه كفة المسلمين تارة وترجح كفة الروم تارات، وأظهر الروم من ضروب البراعة والبسالة وشدة البأس وصلابة العود ما أدخل الروع في قلوب المسلمين، حتى لقد صلى عمرو صلاة الخوف ركعة وسجدتين مع كل طائفة من جنده، ولكن هذا لم يذهب عزم المسلمين ولم يضعف روحهم، بل زادهم صلابة وإيمانًا، ثم أنزل الله نصره وتم فتح الله للمسلمين، وقتل منهم المسلمون مقتلة عظيمة، وأتبعوهم حتى بلغوا الإسكندرية ؛ وكان الروم قد تحصنوا بالإسكندرية. وقدر عمرو أن هزيمتهم في الكريون لا بد أن تكون قد أدخلت الروع إلى نفوسهم، فلم يتردد عندما رأى ترقب الجند وحماستهم، فأمرهم أول مقدمهم باقتحام أسوار المدينة وأبراجها، ولم يشك المسلمون في أن المدينة ستفتح أبوابها لقاء هجمتهم، فاندفعوا مهللين فلم يرعهم إلا الحجارة العظيمة تتساقط عليهم مقذوفة من المجانيق المنصوبة فوق أسوار المدينة، ذلك أن تيودور أيقن أن الظفر ؛ سينسى المسلمين الحيطة، فيندفعون إلى مهاجمة المدينة، فأدخل الجيش حصون المدينة وأخلى ضواحيها، وأقام القاذفين على أسوارها، فعاود عمرًا حذره وانسحب وراء مرمى المجانيق، فعسكر بجنده وتأمل عمرو موقفه، فالمدينة حصينة حصانة طبيعية، يحيمها البحر من شمالها والإمدادات مستمرة عن طريقه ، وبحيرة مريوط تحميها من الجنوب، وترعة الثعبان تدور حولها من الغرب، وليس أمامه إلا الشرق وهو الطريق بينها وبين الكريون، ومن هذه الناحية كانت الحصون والأسوار أشد مناعة. واستقر رأيه أن يقف بعيدًا عن مرمى المجانيق، فإذا طال الحصار بالروم شعروا بما في ذلك من مذلة فيخرجون، ويتمكن المسلمون منهم، فأقام بجنده بين الحلوة وقصر فاروس شهرين كاملين ، ثم نقل عسكره إلى المقس، فخرجت إليه الجند من ناحية البحيرة، فواقعوه وقتلوا من المسلمين نفرًا بكنيسة الذهب ، وارتدوا إلى حصونهم. وظل الروم محصورين لا يخرجون، وبقي المسلمون قبالتهم لا يريمون، لكن عمرًا رأى أن الموقف قد يتجمد على هذا النحو، مما يدفع إلى نفوس جنده السأم، ويشعرهم بالعجز عن مناجزة عدوهم. وقد اهتدى إلى أن يحقق أغراضه جميعًا، فيزيل سأم جنده بأن يرسل كتائب تجوس خلال بلاد الدلتا تطارد الروم فيها، وأن تبقى كثرة الجند على حصار الإسكندرية، وبذلك يستكمل أيضًا ما كان بدأه من بعوث، وهو على حصار بابليون. وظلت كثرة الجند أمام الإسكندرية ولم يتغير الموقف، إلا ما كان يحدث من مناوشات طفيفة لا تبلغ أن تكون حربًا على أن إمدادات الإسكندرية عن طريق البحر ما لبثت أن توقفت بعد قليل، فقد شغل أهل بيزنطة بما ساد بلاطهم من اضطراب، وما حل بعاصمتهم من انتقاضات بعد موت هرقل4، وتزعزت الروح المعنوية لحماة الإسكندرية، وفت في أعضادهم توقف الأمداد، وازدادت مخاوفهم من أن يتغلب العرب على البلاد الساحلية، فيقطعوا عنهم ميرتها، بعدما وصل إليهم من انتشارهم في الدلتا ومصر العليا والسفلى. وفي هذه الفترة كان الخليفة بالمدينة يتميز غيظًا من إبطاء الفتح، الذي كان يتنسم أنباءه يومًا إثر يوم، وراح يعلل لصحابته إبطاء الفتح بما أحدث المسلمون، وبما أغرتهم به خيرات مصر من تعلق بالدنيا وشره إلى نعيمها، فكتب إلى عمرو كتابًا ضمنه هذا ودعاه فيه إلى أن يحض الجند، وأن يرغبهم في الصبر وحسن النية، وأن يقدم الأربعة الذين عد كل واحد منهم بألف رجل حينما أمده بهم. ورأى عمرو الكتاب في جنده، ودعا بالأربعة الذي ذكروا فقدمهم، وأمر الناس أن يتطهروا وأن يصلوا ركعتين، ثم يرغبوا إلى الله عز وجل ويسألوه النصر على عدوهم، ثم دعا بعبادة بن الصامت فعقد له وأولاه قتال الروم، ثم انطلق إلى بابليون، يدير حركة بعوثه إلى أقاليم الدلتا والصعيد. وفتح الله الإسكندرية على يدي عبادة ودحر الروم، وسارع المقوقس إلى عمرو في بابليون؛ ليعقد معه معاهدة الإسكندرية التي تعرف بمعاهدة بابليون الثانية؛ تمييزًا لها عن معاهدة بابليون الأولى. وقد نص فيها على أن يرجع المسلمون عامهم هذا حتى يرحل عنها جيش الروم، خلال أحد عشر شهرًا تنتهي في أواخر سنة 21هـ . ولما دخل المسلمون الإسكندرية ذهلوا لروعة عمارتها ومدارسها ومكاتبها وقبابها ومنارتها ومسلتها ومعابدها ، وأخذوا بعد ذلك يستقرون بمصر، ويبنون الفسطاط والخطط، ويرسلون البعوث لإتمام فتح مصر جميعها. وأخذوا كذلك في حفر قناة تراجان، وما تمضي ثلاث سنوات حتى يحيك قسطنطين بن هرقل مؤامرة تستهدف استنفاذ مصر، بقيادة "منويل" الخصي الأرمني، الذي نزل الإسكندرية في أسطول بيزنطي كبير، فاحتل الإسكندرية ونكل بالمسلمين تنكيلًا. ويضطر عثمان بن عفان خليفة المسلمين حينذاك إلى أن يصلح الأمر بما صلح به أوله، فاستدعى عمرو بن العاص ذلك الفاتح الرائد؛ ليعين والي مصر عبد الله بن سعد بن أبي سرح لدرايته بحرب الروم، بناء على رغبة أهل مصر؛ وبرغم استماتة الروم فقد أذاقهم عمرو نفس الكأس، وهزمهم هزيمة منكرة عند نقيوس، وعاد منويل طائرًا إلى الإسكندرية فتحصن بها، ونصب المجانيق على أسوارها . ويقف عمرو أمام هذه الأسوار التي دوخته من قبل، ليقسم أن يسوي التراب بها، وأن يجعلها كبيت الزانية يُؤتى من كل مكان، واحتال حتى استمال حراس المدينة، ثم أعمل السيف في حاميتها وقتل منويل، وكان ذلك في السنة الخامسة والعشرين للهجرة. وعلى الرغم من ذلك فإن الروم لم تيئسهم هزيمتهم، فقد حاولوا بعد تسع سنوات في عهد الإمبراطور قسطانز أن يعاودوا هجماتهم البحرية، وأعدوا لذلك أسطولًا جديدًا، غير أن المسلمين كانوا قد ركبوا البحر وحذقوا حروبه، فأوقعوا بالأسطول البيزنطي، ولقيت فلوله عاصفة هوجاء أتت عليها، وهكذا استتب الأمر في مصر للمسلمين ؛ وخضع للمسلمين إقليم مصر، من الإسكندرية إلى أسوان، ورأى عمرو أن تتجه بعض بعوث الجيش إلى الجنوب لتأمين الحدود؛ حيث تضرب القبائل في أرض النوبة، تلك الأرض التي تشبه أرض شبه الجزيرة؛ إذ تغلب عليها الصحراء، وتربطها بها صلات تجارية دفعت بعض التجار العرب في الجاهلية إلى التسرب إليها. ولعل هذا الشبه وهذه الصلات، وما كان من غلبة المسلمين على مصر، ومتاخمتهم لأرض النوبة هي التي أغرتهم بهذه البعوث. ويروي البلاذري: أن جيش المسلمين بقيادة عقبة بن نافع الفهري اضطر أن يعود بعد معركة قاسية، أصابت فيها سهام أهل النوبة أحداق المسلمين، فقفلوا بالجراحات، وذهاب الحدق من جودة الرمي، وسمي أهل النوبة برماة الحدق4. وظل القتال ينشب بعد ذلك حتى انتهى إلى الصلح على هدية عدة رءوس منهم يؤدونها إلى المسلمين في كل سنة، ويهدي إليهم المسلمون كل سنة طعامًا مسمى، وكسوة من نحو ذلك . وقد أمضى هذا الصلح عثمان بن عفان، في ولاية عبد الله بن سعد بن أبي سرح، وأقره الولاة والأمراء من بعده نظرًا منه للمسلمين وإبقاء عليهم . ويبدو من هذا أن الجنوب قد استعصى، حتى إن الخليفة يضطر إلى قبول هذا الصلح إبقاء على المسلمين. وهذا يوضح ما كان من صدوف المسلمين عن هذا الميدان؛ إذ لم يجدوا ما يغريهم فيه، فمضوا عنه يجوبون البلاد في غربي مصر، ويجهزون على ما تبقى من ولايات بيزنطة في هذا الصقع من الأرض. وكان ضروريًّا أن تؤمن حدود مصر الغربية ضد هجمات الروم، إذا حدثتهم أنفسهم باستردادها. فحدود مصر الغربية تلاصق ولاية ليبيا البيزنطية في هذا الوقت، وكانتا تحت الحكم البيزنطي سواء، وكثيرًا ما كان إقليم مريوط يضاف إلى ليبيا تعويضًا عن إقفارها ؛ فسار عمرو في أواخر سنة 21هـ بعد فتح الإسكندرية في كتيبة من فرسانه حتى وصل إلى برقة، وهي حد مصر من الغرب، ولم يلقَ المسلمون في فتحها كبير كبد؛ إذ لم يذهب إليها غير الخيل، ويغلب أن تكون قد فتحت صلحًا ، ثم بعث عمرو عقبة بن نافع الفهري فافتتح زويلة صلحًا، وأصبح ما بين برقة وزويلة ملكًا للمسلمين . وسار عمرو حتى وصل إلى طرابلس، وحاصرها عدة أسابيع إلى أن استسلمت، بعد أن كاد الجوع وشدة القتال يهلكان أهلها، وعاد من ثم إلى برقة، فكتي إلى أمير المؤمنين عمر: "إنا قد بلغنا طرابلس، وبينها وبين إفريقية "تونس" تسعة أيام، فإن رأى أمير المؤمنين أن يأذن لنا في غزوها فعل". فكتب إليه عمر ينهاه، ويأمره بالوقوف عند هذا الحد، فعاد من هناك كارهًا، واستخلف عقبة بن نافع الفهري، الذي صار إليه بعد ذلك فتح المغرب1، وإن كان فتح برقة وطرابلس مؤمنًا لحدود مصر، فإنه كان من ناحية أخرى مقدمة للانسياح في إفريقية. وقد ساعد على هذا أن هاتين البلدتين كانتا هادئتين، وكان أهلهما يبعثون بخراجهم إلى والي مصر، من غير أن يأتيهم حاث أو مستحث، ولم تدخل بلادهم فتنة ؛ وأخذ المسلمون يتوسعون في المناطق الداخلية في برقة وطرابلس، فاستولوا على فزان وودان، وتولى الأولى بشر بن أبي أرطاة، والثانية عقبة بن نافع. وكان ذلك في أوائل سنة 23هـ. وتقدم المسلمون غربي طرابلس إلى سبرت . ومن ثم أخذ اسم عقبة بن نافع يتلألأ في هذه المناطق، وتوالت البعوث الإسلامية للاستطلاع. فكان عمرو يرسل الجريدة من الخيل فتصيب الغنائم ثم ترجع4. وكذلك فعل عبد الله بن سعد بن أبي سرح5.
وفي عهد عثمان استأذن عبد الله بن سعد بن أبي سرح في فتح إفريقية سنة 25هـ فأذن الخليفة له بعد المشورة، وانتدب الناس، وأمر عليهم الحارث بن الحكم، إلى أن يقدموا على عبد الله فيكون له الأمر. وتقدم عبد الله في عشرين ألفًا؛ حيث دارت معركة عنيفة بين المسلمين بقيادته وجيش جرجير، وانتصر المسلمون بعدما قتل عبد الله بن الزبير جرجير، واضطر جيشه للهرب، وتعقبه المسلمون وبثوا سراياهم في المنطقة، فعادوا بغنائم كثيرة. ولما رأى ذلك رؤساء إفريقية طلبوا إلى ابن أبي سرح أن يصالحهم على الخروج من بلادهم، وأن يأخذ في مقابل ذلك أموالًا، فقبل ورجع إلى مصر، دون أن يولي أحدًا عليها، أو يتخذ قيروانًا مكتفيًا بالريادة والاستطلاع، وما حاز عن غنائم، وربما كان سبب هذا الإجراء وصول أنباء حملة قسطنطين إليه. ثم لا نسمع شيئًا عن هذا الميدان طوال حكم الراشدين؛ حيث لعبت الأحداث دورها في تعطيل الفتح، وأسهمت الفتنة في صرف المسلمين عنه. ولكن عندما يجتمع الأمر لمعاوية، ويتولى مصر معاوية بن خديج يتجه المسلمون من جديد إلى إفريقية ليدخلوها في إطار الدولة الإسلامية.




المستشار الأدبي
حسين علي الهنداوي
شاعر وناقد
مدرس في جامعة دمشق
دراسات جامعية-في الأدب العربي
صاحب الموسوعة الأدبية (المرصد الأدبي )
حجم الموسوعة( خمس عشرة ألف صفحة )
سوريا -درعا- hoshn55@gmail.com
السيرة الذاتية للمستشار الأدبي(حسين علي الهنداوي)
أ- أديب و شاعر وقاص ومسرحي و ناقد و صحفي
ب- له العديد من الدراسات الأدبية و الفكرية
ج-نشر في العديد من الصحف العربية
د- مدرس في جامعة دمشق - كلية التربية - فرع درعا
ه- ولد الأديب في سوريا – درعا عام 1955 م
و- تلقى تعليمه الابتدائي و الإعدادي و الثانوي في مدينة درعا
ح- انتقل إلى جامعة دمشق كلية الآداب – قسم اللغة العربية و تخرج فيها عام 1983
ك- حائز على إجازة في اللغة العربية
ص-حائز على دبلوم تأهيل تربوي جامعة دمشق
ع- عمل محاضراً لمادة اللغة العربية في معهد إعداد المدرسين - قسم اللغة العربية في مدينة درعا
ف- انتقل إلى التدريس في المملكة العربية الســـعودية عام (1994 /2000 ) في مدينتـــي عنيزة و تبوك 0
1- عضو اتحاد الصحفيين العرب
2- عضو اتحاد كتاب الانترنت العرب
3- عضو تجمع القصة السورية
4- عضو النادي الأدبي بتبوك
مؤلفاته :
أ*- الشعر :
1- هنا كان صوتي و عيناك يلتقيان/1990
2- هل كان علينا أن تشرق شمس ثبير/1994
3- أغنيات على أطلال الزمن المقهور /1994
4- سأغسل روحي بنفط الخليج /1996
5- المنشّى يسلم مفاتيح إيلياء/1996
6- هذه الشام لا تقولي كفانا / مخطوط
ب*- القصة القصيرة :
شجرة التوت /1995
ج – المسرح :
1- محاكمة طيار /1996
2- درس في اللغة العربية /1997
3- عودة المتنبي / مخطوط
4- أمام المؤسسة الاستهلاكية / مخطوط
د – النقد الأدبي :
1- محاور الدراسة الأدبية 1993
2- النقد و الأدب /1994
3- مقدمتان لنظريتي النقد و الشعر / مخطوط
4- أسلمة النقد الأدب
هـ - الدراسات الدينية :
1- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الأول
2- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الثاني
3- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الثالث
4- فتاوى و اجتهادات / جمع و تبويب
5- هل أنجز الله وعده !!!!!!
و- موسوعة (المرصد الأدبي) :
1-تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية ( معاني الأدب وعلاقاته)
2 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية قبل الإسلام (العصر الجاهلي )
3 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر صدر الإسلام )
4 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر الخلفاء الراشدين )
5 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر الخلفاء الأمويين)
6 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء العباسيين )
7 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء الأندلسيين )
8 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الدول المتتابعة )
9- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء العثمانيين )
10- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية في (العصر الحديث)
11- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية في (العهد المعاصر)