فتوح العرب المسلمين في الشرق في العصر الراشدي-جزء-1-

لم يبدأ فتح العراق إلا بعد الفراغ من حروب الردة، وأن فتح الشام لم يبدأ إلا بعد أن استقر الأمر للمسلمين في العراق ، ففتح العراق بدأ ، وحروب الردة لا تزال قائمة. وفتح الشام بدأ في أعقاب حروب الردة، وجيوش خالد بن الوليد لا تزال تعالج إقرار السكينة في أرجاء العراق، وتتوقع غزوات جديدة. وقد أسهمت حروب الردة في توجيه أنظار المسلمين إلى الامتداد خارج شبه الجزيرة، فضلًا عن تأكيدها لوَحْدَة الأمة الإسلامية، وصهرها في بوتقة الصراع الدامي، كتمهيد لما ينتظرها بعد من تحمل لرسالتها الجليلة. فلم يكد أبو بكر رضي الله عنه يقضي على عبس ، وذبيان ، وبني بكر ، ومن انضم إليهم في الأبرق حتى انحاز لهم إلى طليحة الأسدي ببزاخة ، ورجع الصديق إلى المدينة المنورة ، وهو يفكر في الوسيلة التي يقضي بها على المرتدين. وكان جيش أسامة قد وصل إلى المدينة المنورة ، وقضى أيامًا جم فيها، فخرج الصديق إلى ذي القصة حيث وزع جنده لمحاربة المرتدين أحد عشر لواء، جعل لكل منها أميرًا، وأمره أن يستنفر من يمره به من المسلمين أولي القوة، وأن يسير لقتال المرتدين. وقد وزع الألوية توزيعًا مناسبًا في عددها وأمرائها، مع قوة القبائل التي وجهت إليها، ومبلغ إلحالحها في الردة. فتوجه خالد بن الوليد إلى طليحة بن خويلد في بني أسد، فإذا فرغ منه سار إلى مالك بن نويرة، زعيم بني تميم في البطاح. وبنو أسد وبنو تميم كانوا أقرب القبائل المرتدة إلى المدينة؛ ولهذا بدأ بهم المسلمون، ووجهوا إليهم خالدًا. وتوجه عكرمة بن أبي جهل على اللواء الثاني إلى مسيلمة في بني حنيفة باليمامة، وشرحبيل بن حسنة على اللواء الثالث، ليعين عكرمة على مسيلمة. فإذا فرغا منه لحق شرحبيل بقضاعة، مدداً لعمرو بن العاص ، وقد استعصت اليمامة على عكرمة، كما استعصت على شرحبيل. ثم كان النصر لخالد بعد أن قتل مسيلمة في عقرباء. وعقد للمهاجر بن أمية المخزومي اللواء الرابع لقتال الأسود العنسي باليمن ، وعمرو بن معد يكرب الزبيدي، وقيس بن مكشوح المرادي ورجالهم، فإذا فرغ منهم قصد كندة وحضرموت لقتال الأشعث بن قيس والمرتدين معه. وعقد اللواء الخامس لسويد بن مقرن الأوسي؛ ليتوجه إلى تهامة باليمن. وعقد اللواء السادس للعلاء الحضرمي، لقتال الحطم بن ضبيعة أخي بن قيس بن ثعلبة، والمرتدين معه بالبحرين. ووجه حذيفة بن محصن الغلفاني من حمير على رأس اللواء السابع، لقتال ذي التاج لقيط بن مالك الأزدي المتنبي في عُمان. وكانت وجهة اللواء الثامن إلى مهرة، وعليه عرفجة بن هرثمة. كما توجهت ألوية ثلاثة إلى الشمال، على أحدها : عمرو بن العاص لقتال قضاعة، وعلى الثاني: معن بن حاجز السلمي، لقتال بني سليم ومن معهم من هوازن. وعلى الثالث : خالد بن سعيد بن العاص لاستبراء مشارف الشام، واحتفظ الخليفة بقوة لحماية المدينة، وكانت دون لواء من هذه الألوية عددًا. وكانت مهمة ألوية الجنوب صعبة؛ إذ إن موقع هذه المناطق الجغرافي جعل لبلاط كسرى في هذه الأنحاء من الصلة بها، بل من السلطان عليها ما لم يكن له بغيرها من بلاد العرب، ولسنا نستطيع أن نتجاهل أثر هذا السلطان في تحريك البواعث التي أدت إلى انتقاض العرب وردتهم. فقد رأى عاهل الفرس فيمن رأوا في رسالة محمد إليه وإلى غيره من الملوك والأمراء؛ ليدينوا بالإسلام مما أدى به إلى أن يعمل على إيقاظ نار الفتنة في بلاد ليس بها من أسباب الوحدة غير الدين الجديد، الذي يجمع كلمتها، ويضاعف قوتها، ولا شيء كالفتنة يضعضع العزائم، ويفت في أعضاء الأمم. ولقد كان سلطان فارس على اليمن ممتدًا إلى أن دخل عاملها لكسرى في الإسلام، وصار عاملًا للنبي صلى الله عليه وسلم عليها، ولكن سلطان فارس كان أكثر وضوحًا في البحرين وعمان؛ حيث كان من أبناء فارس عدد كبير استوطنهما، وعلت كلمته فيهما، لما كانت تمدهم به فارس من نفوذها وقواتها كلما خشيت ثورة العرب الخلص بهم، أو محاولتهم القضاء على سلطانها في ربوعهم. فليس عجبًا إذن أن تكون هذه البلاد آخر من دان بالإسلام على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم في عام الوفود، وأن تكون أول من ارتد حين قبض، ثم تكون آخر من يعود إلى الإسلام بعد حروب طاحنة، تختم حروب الردة، وتعيد إلى البلاد العربية وحدتها الدينية، وتقيم فيها الوحدة السياسية. كانت الثورات في الجنوب إذن أعنف مظاهر الانتقاض على الدين الجديد في بلاد العرب بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم. لكن اليمامة وما حاذى الخليج العربي من القبائل كان يتلظى ببذور الثورة في هذا العهد، وكان المسلمون على حذر ليظل سلطانهم قائمًا وكلمتهم مسموعة، فلا عجب إذن أن يكون ذلك أمر حواضر وبواد تبعد عن منزل الوحي بمكة والمدينة، تتصل بالفرس وتبادلهم التجارة وتقر لهم بتفوق الحضارة، بل لا عجب أن تكون للفرس يد خفية في تحريك هذه الحواضر والبوادي؛ لتنقض على الدين الجديد والسلطان الناشئ، ولكن المسلمين استطاعوا أن يعيدوا الأمر إلى نصابه، وأن يقضوا -في صرامة وحزم- على كل بواعث الفتنة قضاء مبرمًا. عادت الألوية الظافرة إلى المدينة المنورة ، إلا أن بعضها انساح في الأرض يؤمن تخوم شبه الجزيرة وأطرافها، فأقسام العلاء الحضرمي في البحرين بعد أن أرسل بانتصاره إلى الصديق، لا يخشى شيئًا إلا غارة قبائل البادية التي ألفت الغزو والسلب، ودسائس الفرس الذين تقلص نفوذهم في جنوب الجزيرة. على أنه كان مطمئنًا بعض الشيء إذا انضم إليه قبل ذهابه إلى دارين من قبائل البحرين ، ومن الأبناء من كفوه مؤونة ما يخشى. وكان عتيبة بن النهاس والمثنى بن حارثة الشيباني على رأس من انضم إليه، وقد قعدوا بكل طريق للمنهزمين، وللذين يعيثون في الأرض فسادًا. وتابع المثنى المسير على شاطئ الخليج العربي ، يقاوم دسائس الفرس، ويقضي على أنصارهم من القبائل والأبناء، حتى بلغ مصب الفرات، فكان لبلوغه هذا المبلغ ولاتصاله بأرض العراق ولدعوته إلى الإسلام هناك أثر كان مقدمة لفتح العراق.
فمذ قضى خالد بن الوليد على مسيلمة باليمامة، ومذ نشر المهاجر بن أمية وعكرمة بن أبي جهل لواء الإسلام في أرجاء اليمن وما جاورها، أيقن أبو بكر أن الأمر صائر إلى ما يرضي المسلمين، من الوحدة الفكرية والسياسية لشبه الجزيرة العربية، ولكنه كان يخشى أن يستنيم المسلمون لهذا النصر، وينسوا ما تنطوي عليه صدور العرب من حفيظة قد تضطرم فتضرم الثورة كرة أخرى، وربما يكون في اتجاه أنظار هؤلاء العرب إلى ما وراء الحدود في شبه الجزيرة ما يجعلهم ينسون حفائظهم وأحقادهم. واتجه ذهن أبي بكر رضي الله تعالى عنه إلى اقتحام مشارف الشام وحرب قيصر، بعدما كان من سياسة الرسول صلى الله عليه وسلم نحو تأمين التخوم العربية بحملاته الشهيرة مما يصرف أذهان العرب عن ثاراتهم، ويجعل لهم من الفخار ما ينسيهم ضغنهم على المدينة المنورة وأهلها، ويمهد لانتشار كلمة الله تعالى في الإمبراطورية الرومية، ولكن.. ألا يمكن أن تنقلب الآية فلا يحالف النصر ألوية المسلمين، فتتعرض شبه الجزيرة لما هو أكثر شرًّا من الثورة التي أخمدتها حروب الردة؟ حقًّا لقد قامت بين إمبراطورية الروم وفارس حروب استطالت على السنين، تداولوا فيها النصر والهزيمة، حتى انتهى الغلب فيها للروم، وقد استنفدت هذه الحروب من قوة الدولتين ما يحتاج جهدًا ضخمًا وزمنًا طويلًا لتعويضه، ولكن بريق النصر الذي انتهى إليهم في هذه الحروب لا يزال يبهر أنظار العرب ويصدهم عن حربهم، ويجعل التفكير فيها مغامرة غير مضمونة العواقب. وعلى الرغم مما لاقى العرب من دسائس الفرس في فتنة الردة فلم يدر بخاطر أبي بكر رضب الله تعالى عنه أن يحارب "فارس"، فضلًا عن استشراء نفوذها في اليمن، فإن الحجاز لا يتصل بفارس. والبلاد العربية التي تتاخم الفرس هي البلاد التي فشت فيها الردة؛ ولهذا لا يمكن الاعتماد عليها، أو الركون إلى أهلها في غزو دولة لا يزال لها سلطانها عليهم. ومن هذا يتضح ضعف تلك الآراء التي تجعل من الصراع الشهير بين الدولتين الفارسية والرومية حافزًا للعرب على الفتوح. فالحقيقة السافرة أن هزيمة الدولة الفارسية على أيدي الروم لم تقضِ عليها، ولم تؤد بها إلى الانهيار، ولم تدفع العرب إلى الانقضاض عليها وإدخالها مثخنة بالجراح إلى حظيرة الإسلام ، فقد كان لها بعد كل هذا جيوشها الجرارة، ونظامها وسلطانها. فإن كسرى أنوشروان الذي ولد لأول عهد النبي صلى الله عليه وسلم كان قد جعل هدفه تجديد شباب الدولة الساسانية، فمضى في سلسلة من الإصلاحات، تناولت شتى النظم الإدارية والمالية والعسكرية. ورد إلى الدولة الساسانية شبابها، فاستطاعت أن تنتزع من الإمبراطورية الرومية آسيا الصغرى وأرمينيا والشام، ونجحت في أن تلطم العالم المسيحي لطمة قاسية بإدخالها بيت المقدس في حوزة الوثنيين، واستيلائها على صليب الصلبوت، كما استولت على مصر، وبلغ الأمر بها أن هددت أبواب القسطنطينية ذاتها. وحتى لو فرضنا أن الدولة الفارسية انهارت على يدي "هرقل"، ألم يكن أقرب إلى المنطق والعقل أن يلتهمها الروم أنفسهم، الذين طرقوا أبواب عاصمتها "المدائن" بعد هزيمتها المنكرة في نينوى، وإرغامها على صلح مشين في 628م بطريقة أسهل من استيلاء العرب عليها، إذا ما قارنا بين حالة الروم وحالة العرب وقتذاك؟! ولا ريب في أن أبا بكر رضي الله تعالى عنه كان يقدر قوة الفرس ومبلغ سلطانهم على الجنوب وأثره في فتنة العرب، وأنه ليفكر ويقدر في موقف المسلمين من هاتين القوتين دون أن يجرؤ على التفكير في حربهما؛ إذ تترامى إليه الأنباء بأن المثنى بن حارثة الشيباني قد سار بقواته شمالًا في البحرين حتى وضع يده على القطيف وهجر، وحتى بلغ مصب دجلة والفرات، وأنه قضى في مسيرته على الفرس وعمالهم، ممن عاونوا المرتدين بالبحرين، وأنه تابع مسيره مساحلًا الخليج العربي إلى الشمال، حتى نزل في قبائل العرب الذين يقيمون بدلتا النهرين، فتحدث إليهم وتعاهد معهم. وفكر أبو بكر رضي الله تعالى عنه فيما جاءه من أنباء، فإذا به يفكر من ثم في دفع المسلمين إلى خارج شبه الجزيرة، حتى يصرفهم عن ثاراتهم الأولى، فربما ينجح المثنى في التوغل إلى العراق، فيفتح للمسلمين المتعطشين إلى الجهاد أبوابه. وبدأت عناصر نجاح هذا التدبير تتداعَى إلى خاطره، وقبائل العرب في العراق من بني لخم وتغلب وإياد والنمر وبني شيبان تهوى نفوسهم إلى منابتهم في شبه الجزيرة، ولم تبعد أنسابهم بعد عن أنسابها. وبرغم أن أكثر هذه القبائل قد نعم بالحضر وترفه إلا أنها ظلت شديدة التعلق بالبادية تسكن مشارفها، وهي في هذا لا تستطيع مقاومة الوراثة البدوية المتغلغلة في نفوسها، التي تأبى الاستقرار والركون إلى حياة الحضر الوادعة، فسكنت على شفا الصحراء، بين البادية والحضر، لتجد في الحضر رزقها، وفي البادية ما يستهويها من الحرية والسحر والجمال. وتردد فيما جاءت به أنباء المثنى أن قبائل العرب التي استقرت بدلتا النهرين، الغنية بالزروع والفاكهة والطير والحيوان، مالت إلى الحضر والإقامة فعمل أبناؤها في زراعة الأرض، وأن دهاقين الفرس يستولون على غلاتها، فلا ينال أولئك العرب منها إلا القليل الذي يجود به الدهاقين عليهم، مما يجعلهم أدنى إلى الاستجابة لكل دعوة عربية. فمعاملة الدهاقين تعدهم للثورة بهم، وتمهد للمسلمين أن يستخدموهم أدوات لبث دعوتهم، وتأمين شبه الجزيرة من دسائس الفرس وعدوانهم. هذا فضلًا عن أن بطونا من ربيعة ومضر استقرت في سواد العراق والجزيرة، فصارت لهم هناك ديار ومراعٍ، ونزلوا على خفارة فارس. وكذلك استقرت قبيلة تنوخ غربي نهر الفرات من الحدود الفارسية، حتى أنشأ لهم سابور الأول ملك الفرس إمارة الحيرة عام- 240م-، وأمر عليها عمرو بن عدي؛ لتكون هذه الإمارة درعًا يكفي دولة فارس من وراءها من الروم والأعراب، ولكن هذه العلاقة الوطيدة بين العرب والفرس لم تمنع القبائل العربية من الإحساس بعصبيتها وتوحدها ضد الفرس في يوم ذي قار. فالعراق إذن لم يكن يومًا ما غريبًا عن عرب الجزيرة، بل كان دائمًا امتدادًا لمنازلهم، ودار هجرة لهم، يجتذبهم إليه بخصبه واستقرار الحياة فيه، ويجوسون خلاله في معاناة التجارة وخفارتها، ويجدون في رحيلهم إلى الشرق والغرب فرصة مواتية للاختلاط بسكان هذه المناطق، اختلاطًا يتعدى الناحية الاقتصادية إلى التأثير والتأثر، وتعميق المعرفة بأحوالهم وبظروف حياتهم، وكان في أسواق العرب مجال لاختلاط التجار العرب والفرس، وبخاصة في دومة الجندل على أطراف العراق وشبه الجزيرة، وعلى امتداد خط القوافل بمحاذاة الخليج العربي. وكان التجار الأعاجم يقدمون إلى مكة المكرمة-قبل أن يلي هاشم شئون التجارة- فيشتري منهم العرب، ويتبايعون فيما بينهم ويبيعون من حولهم. ثم أخذ العرب بعد ذلك يقتحمون العراق وفارس بتجارتهم؛ إذ اختص نوفل بن هاشم بالتجارة مع فارس وعقد معها حلفًا ومعاهدة تجارية فيما يقال. وليس أدل على قوة هذه الصلات من أن سكان الحيرة والأنبار كانوا يكتبون اللغة العربية، فقد وجد خالد بن الوليد بعد فتح الأنبار قومًا يكتبون بها فسألهم: ممن تعلمتم؟ فقالوا: من إياد، وأنشدوه:
قومي إياد لو أنهم أمم ... أولو أقاموا فتهزل النعم
قوم لهم باحة العراق إذا ... ساروا جميعًا والخط والقلم
وكذلك وجد قوم من العرب كانوا يجيدون اللغة الفارسية إجادة مكنتهم من الاشتغال لدى ملوك الفرس بالكتابة والترجمة، من مثل عدي بن زيد التميمي، الذي كان يكتب لكسرى أنوشروان ويترجم له. وخلفه في عمله ابنه زيد. وكانت وفادات العرب على ملوك الفرس لا تنقطع، وفي كل مرة كان العرب يعودون وقد حملوا معهم إلى موطنهم ألوانًا من المعرفة والحضارة، كما فعل الحارث بن كلدة من وفوده على كسرى أنوشروان ، وابنه النضر بن الحارث الذي تعلم في فارس صناعة الألحان والطب، وكان يجلس ليتحدى الرسول صلى الله عليه وسلم بأحاديثه من ملوك فارس . ومثل: عبد الله بن جدعان الذي وفد على كسرى فاستطاب من أطعمة فارس الفالوذج ، فابتاع غلامًا أعجميًّا يصنعه له. ولا يزال التاريخ يحفظ وفادات الشعراء العرب على أمراء الحيرة العرب، التي استمرت طوال مدة حكمهم. فقد وفد عليهم: طرفة بن العبد، والحارث بن حلزة، وعمرو بن كلثوم، والنابغة الذبياني؛ إذ كان هؤلاء الأمراء يعنون باللغة والأدب، ويحبون الشعر والشعراء، ويهتمون بجمع الأشعار وتسجيلها وحفظها في قصورهم. هذا، وقد شاع في الأدب العربي، وفي الحياة العقلية للعرب بعامة كثير من آثار العراق وفارس، سقطت إلى العرب عن طريق الحيرة؛ كأحاديث جذيمة بن الأبرش، وأساطير الزباء، والخورنق والسدير، وسنمار وجزائه، ويومي البؤس والنعيم اللذين استنهما النعمان بن المنذر، هذا فضلًا عما سقط إلى اللغة العربية من ألفاظ فارسية تجلت في استخدام القرآن الكريم لها. هذه الصلات الوثيقة وما يعززها من قرابة الدم والجوار واللغة، وتلك العلاقات العقلية والحضارية والسياسية كانت كفيلة كلها بتوجيه أنظار المسلمين إلى العراق. ولم يكن خافيًا على أبي بكر رضي الله تعالى عنه ما وصلت إليه فارس صاحبة السلطان في العراق من اضطرابات داخلية، ضربت بجرانها في البلاط الفارسي؛ إذ يسعى كل أمير ليقتل الجالس على العرش ليأخذ مكانه، حتى ليدعي هذا العرش في أربع سنوات تسعة من الأمراء كانوا يقتتلون عليه، يقتل بعضهم بعضًا جهرًا وغيلة. وقد بدأ هذا الاضطراب في عهد كسرى أبرويز، الذي أرسل إليه الرسول صلى الله عليه وسلم يدعوه إلى الإسلام، فكان جوابه أن كتب إلى عامله في اليمن بأن يرسل إليه ذلك الراعي ليرى رأيه فيه. وحدث أن ثار عليه ابنه شيرويه فقتله واستلب العرش، ولكنه لم يتمتع بالملك طويلًا فمات بعد قليل، تاركًا العرش لابنه الصغير، الذي ثار به أحد القواد فقتله ونصب نفسه ملكًا، واستهدف هذا الملك لثورة الأسرة المالكة به، فقتل بعد أربعين يومًا من ثورته. حتى آل الأمر إلى بوران بنت كسرى أبرويز، وكان ذلك في آخر حياة الرسول صلى الله عليه وسلم. ولمح المسلمون في كل هذه الظروف المواتية فرصتهم وبشير سعودهم، وقد ارتفعت معنوياتهم بإعادة الأمور إلى نصابها، والظفر بأهل الردة، وبفرض كلمة الحق بالسلطان الصارم، فراحوا يستشرفون مثل هذه الغاية التي أعدوا لها أنفسهم منذ أن كان فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذه فرصة ثمينة، يجب أن تكون خطوة لما بعدها. ولئن حالف المسلمين النجاح في هذا الخطوة لتكونن البشير لخطوات واسعة، فبقاع العراق الخصبة، التي أطلق عليها "جنة الأرض" تموج بكثرة غلالها ووفرة خيراتها وجمالها، وقد رأى أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه ما يذكره المثنى، ورأى أن من الواجب على المسلمين أن يقوموا بتأمين العرب من أهلها، فإذا استجاب هؤلاء العرب من بعد للدعوة الإسلامية، ولم يصرفهم الفرس عنها فذاك، وإلا قاتل المسلمون الفرس؛ ليكون المجال فسيحًا أمام كلمة الحق التي ستنتصر لا محالة. ويجمع أبو بكر رضي الله تعالى ولاة أمر المسلمين وأولي الرأي منهم؛ للتداول في عناصر نجاح تدبيره. وما أن ينتهي حتى يخطو الخطوة الأولى في فتح العراق، فيأمر المثنى بن حارثة الشيباني بأن يسير بمن معه من قومه لقتال أهل فارس. ولما بلغته أخبار انتصاراته بدلتا النهرين رأى أن يمده، فكتب إلى خالد بن الوليد في المحرم من سنة 12هـ يأمره أن يجمع بقية جنده ويمضي إلى العراق فيدخله من أسفله، وأمر عياض بن غنم أن يسير إلى دومة الجندل ليخضع أهلها المرتدين، ثم يدخل العراق من أعلى، متجهًا شرقًا إلى الحيرة، فإن بلغها قبل خالد فالأمر فيها له، وخالد فيها من قواده، وإن سبقه خالد إليها فالأمر والقيادة له، وعياض من قواده. فإذا اجتمعتما في الحيرة وقد فضضتما مسالح فارس وأمنتما أن يُؤتَى المسلمون من خلفهم فليكن أحدكم ردءًا للمسلمين ولصاحبه بالحيرة، وليقتحم الآخر على عدو الله وعدوكم من أهل فارس دارهم ومستقر عزهم المدائن. وهكذا تهدف الخطة التي وضعها أبو بكر مباشرة إلى الحيرة، ومنها إلى المدائن. وعلى هذا يمكننا أن نجعل الفتوح الشرقية مراحل ثلاث؛ أولاها: ما قبل الحيرة، والثانية: تشمل ما بين الحيرة والمدائن، والثالثة: تشمل ما بعد المدائن.








أ-المرحلة الأولى
كانت وصية أبي بكر لأمرائه أن يتجهوا إلى الحيرة، على ألا ينالوا العرب الفلاحين بسوء، فهم عرب، فضلًا عما يشعرون به من ظلم الفرس الذي يجب أن يزول حين مقدم العرب؛ ليعمهم العدل على أيدي بني عمومته كان جنود خالد قد قل عددهم بعد قتال اليمامة، وتسريح من شاء الرجوع بإذن الخليفة، حتى لا يستفتح بمتكاره، وألا يكون معه في الغزو أحد ممن ارتد حتى يرى الخليفة رأيه فيه؛ ولهذا استمد خالد أبا بكر، فأمده بالقعقاع بن عمرو التميمي، فلا يهزم جيش فيه مثله، كذلك أمد عياضًا بعبد بن عوف الحميري. ولم يلبث خالد أن حشد ثمانية آلاف من ربيعة ومضر إلى ألفين كانا معه، ثم سار إلى العراق على رأس عشرة آلاف قدم بهم، على ثمانية آلاف كانوا مع أمراء الجند المسلمين الذي سبقوه إليه، والمثنى في مقدمتهم. وكان أمر أبي بكر إلى خالد أن يبدأ بالأبلة، ولكن الرواة يجمعون على أن أول غزاة بالعراق كانت في الحفير، بينما يختلفون في أمر الأبلة، هل كان فتحها في عهد أبي بكر أو على عهد عمر؟ وكان أمير منطقة الحفير من قبل فارس يدعى "هرمز"، ومن أسوأ أمراء الثغور معاملة للعرب، حتى ليضرب به المثل في الخبث والكفر، وكان يعتبر نفسه حامي البلاد؛ لصده هجمات العرب وغاراتهم في البر، وقراصنة الهنود في البحر. وقد سار خالد من اليمامة إلى العراق على رأس عشرة آلاف من الجند. وما إن بلغ حدود هرمز حتى ألفى المثنى وجنده في انتظاره، وحينئذ قسم الجند كله ثلاث فرق، وجه كل واحدة منها إلى طريق، على أن يلتقوا جميعًا بالحفير. وسارت الفرقة الأولى بقيادة المثنى، وتبعتها بعد يوم فرقة أخرى على رأسها عدي بن حاتم الطائي، وبعد يوم آخر سار خالد في المؤخَّرة، وكان خالد قد أرسل إنذارًا إلى هرمز الذي بلغه مع كتاب خالد أنباء جند المسلمين ومسيرهم فكتب إلى أردشير بالخبر، وجمع جموعه وسار إلى الكواظم ليلقى فيها خالدًا، ولكن أنباء أخيرة جاءته بأن خالدًا أمر أصحابه بالسير إلى الحفير، فأسرع بجنده إليها، ونزل على الماء فيها. وقدم خالد ليجد جنده على غير ماء، فيقرر معهم ضرورة مجالدتهم على الماء. وكان على مجنبتي هرمز أميران من بيت الملك في فارس، هما: "قباذ" و"أنوشجان"، وأدرك هرمز أنه لن يدرك غرضه إلا بقتل خالد، فناداه وعهد إلى جماعة من فرسانه أن ينقضوا عليه فيقتلوه. وسمع خالد النداء، فمشى إلى هرمز والتقيا، فاغتنمها فرسان هرمز، وشدوا يريدون قتل خالد واستخلاص قائدهم من يده، لكن القعقاع بن عمرو لم يمهلهم، فشد المسلمون وانهزم أهل فارس، وطارد المسلمون الفرس إلى الليل، حتى بلغوا الجسر الأعظم من الفرات، وطار المثنى في أثرهم يلاحقهم . وكان لهذه الغزوة الأولى أثر عظيم، ألهب حمية المسلمين، فقد قتل هرمز بين يدي خالد، وغنم المسلمون ما شاء الله لهم أن يغنموا، حتى بلغ نفل الفارس ألف درهم خلا السلاح. وزاد نصر المسلمين جلالًا تنفيذ خالد للسياسة التي رسمها أبو بكر مع العرب الفلاحين بالعراق، فسبى المسلمون أبناء المقاتلة الذين كانوا يقومون بأمور الأعاجم، أما الفلاحون فتركوا وأقروا، وجعلت لهم الذمة. وما لبث أردشير بعد أن تسلم رسالة هرمز أن دعا إليه أحد الأمراء الفارسيين المسمى قارن بن قريانس، وجعله على رأس قوة عظيمة سارت مددًا لجيش الثغور، وانضم إليها قباذ وأنوشجان على رأس فلول المنهزمين وعسكروا بالمذار، وعلم المثنى في عودته من مطاردة الفالة بأمر هذا الحشد، وخشي أن يقابله دون خالد، فكاتبه بتفصيل ما عنده وأنزل جنده منزلًا قريبًا من المذار، وطار خالد بجيشه فبلغ المذار وقارن يعد للقاء المثنى. وأخاف قدوم خالد الفرس الموتورين ، وإن لم يضعف عزمهم، وخيل إلى قارن أنهم إن هاجموا خالدًا قبل أن يتخذ للموقف عدته لم يفتهم الظفر بالمسلمين وردهم إلى ديارهم. ولكن خالدًا كان على أهبة الاستعداد، فشد عليهم. ورأى المثنى في قدوم خالد معجزة أمد الله تعالى بها المسلمين ، فانقلب جنده من الخوف إلى اليقين بالنصر أسودًا كاسرة، والتحم الجمعان فإذا بقارن وقباذ وأنوشجان يُذبَحون بأعين جنودهم، وسيوف المسلمين تطيح برؤوس الفرس من كل جانب، فيفرون إلى السفن يتخذونها مطاياهم للنجاة . وقد أخذ الفرس تحت وطأة الهزيمة يحشدون عرب الضاحية والدهاقين لمعركة يثأرون فيها، وفي الولجة أوقع بهم خالد، وكانت الإصابة في بكر بن وائل فادحة. ورأى العرب من نصارى بكر بن وائل أن يثأروا لهزيمتهم، فكاتبوا الفرس واجتمعوا على أليس، ولكن خالدًا تمكن منهم، وقتل من العرب والفرس سبعين ألفًا . واستمر خالد في طريقه إلى أمغيشيا؛ لأن أليس من مسالحها، فخربها وفرق أهلها . ثم استقل خالد النهر، متخذًا من سفن أمغيشيا التي غنمها المسلمون مطية إلى مرزبان الحيرة، الذي نهض في عسكره إلى خارج الحيرة، وأمر ابنه فسد قناطر الفرات؛ ليحول دون مسيل الماء فيما وراءها، فيعوق ذلك مسير السفن إليهم. وبينما خالد وجنده يدفعون بسفنهم شمالًا إلى الحيرة إذ جنحت السفن وارتطمت بقاع النهر، فخرج خالد في كتيبة من فرسانه، فلقي ابن المرزبان على فم العقيق، وقتلوه في جنده شر قتلة، وأعاد خالد الماء يجري في النهر، فعادت المياه تقل السفن إلى الخورنق، حيث نزل المسلمون يستعدون لفتح الحيرة . وكان أهل الحيرة متحصنين بقصورهم، فحاصرهم خالد، بأن جعل أصحابه يحاصر كل منهم قصرًا، ثم دعوهم وأجلوهم يومًا فأبوا، فناوشهم المسلمون، وانتهت المناوشة باستجابتهم إلى الجزية وعقد الصلح . وما إن سقطت الحيرة حتى أخذ الدهاقين يتتابعون على صلح المسلمين؛ إذ كانوا يترقبون ما يصنع أهل الحيرة. وبذلك بلغ سلطان المسلمين شاطئ دجلة، وأصبحوا مهددين له، ومن ثم أخذ خالد يكتب إلى أمراء فارس ومرازبتهم يدعوهم وينذرهم ويتوعدهم. وبينما ينهى خالد ما نيط به من خطة أبي بكر رضي الله تعالى عنه بدخوله الحيرة لا نسمع شيئًا عن شريكه عياض، الذي يدفع بخالد إلى إرجاء المرحلة الثانية من الخطة حتى يستنقذه، فيخلف القعقاع بن عمرو على الحيرة في طريقه إلى الأنبار، وكان أهلها قد تحصنوا وخندقوا وأشرفوا من حصونهم، فأمر خالد بأن ترشق عيونهم، فأصاب منهم المسلمون ألف عين؛ ولهذا فقد سميت تلك الوقعة بذات العيون . وأفلح خالد في أن يسد الخندق بالمناحر، واجتازه المسلمون، وفضوا الحصون، وأعملوا في سكانها السيوف، ثم خلف عليها الزبرقان بن بدر. وانطلق بعد أن صالحه أهل كلواذى يريد عين التمر؛ حيث اجتمع على حربه فيها جمع كبير من الفرس والعرب من النمر وتغلب وإياد، جعلهم الفرس في مواجهة المسلمين، حتى يقاتلوا وهم أقوياء، إذا لم يثبت العرب أمام المسلمين، ولم يثبت العرب أمام المسلمين، فقتل عقة بن أبي عقة زعيم العرب، وفر مهران قائد الفرس، وتمكن خالد من اقتحام الحصن الذي فر إليه الفرس وقتلهم فيه جميعًا . وبعث خالد بالأخماس إلى أبي بكر مع الوليد بن عقبة، واستطاع أبو بكر أن يقف منه على سأم خالد من بقائه بالحيرة، وضيقه بانتظار عياض، وكان أبو بكر يرى موقف عياض مضعفًا لروح المسلمين، فأمر الوليد أن يتجه لعياض بدومة الجندل، وألفى الوليد عياضًا يحاصر القوم ويحاصرونه، وقد أخذوا عليه الطريق، فأشار الوليد بالاستنجاد بخالد، وما كان لعياض أن يتردد وقد بقي سنة لا يقوى على خصومه، فبعث رسولًا إلى خالد أدركه يوم فراغه من عين التمر. وما كاد خالد يفض كتاب عياض حتى تهلل، ورد الرسول لساعته يحمل كتابًا إلى عياض فيه: إياك أريد:
البث قليلًا تأتك الحلائب ....... يحملن آسادا عليها القاشب
كتائب تتبعها كتائب
وخلف خالد على عين التمر عويم بن الكاهل الأسلمي، وخرج يحث السير في جنده إلى دومة الجندل، وبينه وبينها ثلاثمائة ميل، وقطعها في أقل من عشرة أيام بعزم لا يعرف الخطر. وما إن تسامعت القبائل بمقدمه حتى بهتت واختلفت. وكانت القبائل المعسكرة بدومة الجندل قد تضاعف عددها عما كان عليه منذ عام؛ ذلك أن بني كلب وبهراء وغسان نفروا من العراق منحدرين إلى دومة الجندل ليثأروا من عياض لهزائمهم أمام خالد. وكان على هذه القبائل أكيدر بن عبد الملك، والجودي بن ربيعة، وكان من رأي أكيدر الصلح، فلما لم يتسن له حمل قومه عليه تركهم نجاة بنفسه، فأرسل خالد إليه من أتى به وقتله. ونزل خالد عليهم فأظفر الله المسلمين، بعد أن أسروا رؤساء القوم، وقتلوا من التجأ إلى الحصن، عدا حلفاء تميم من كلب، فقد أجارهم عاصم بن عمرو. وكان لعرب الجزيرة أن يثأروا لمقتل عقة، ولهزيمة عين التمر، فكاتبوا الفرس فخرج روزمهر وروزبه يريدان الأنبار، واتعدا حصيدًا والخنافس، وفي الوقت نفسه خرج الهذيل بن عمران فعسكر بالمصيخ، بينما عسكر ربيعة بن بجير بالثني، وعلم الزبرقان بن بدر أمير الأنبار بأمر هذا الترتيب الحربي، فكاتب القعقاع أمير الحيرة الذي بعث إليه بأعبد بن فدكي السعدي، وأمره بالحصيد، وبعروة بن الجعد البارقي، وأمره بالخنافس، فخرجا فحالا بين روزمهر وروزبه ومقصديهما. وبلغت الأنباء خالدًا فحث السير إلى الحيرة؛ حيث خلف عليها عياضًا، ورمى بالقعقاع وأبي ليلى بن فدكي أمامه إلى عين التمر، فلما وافاهما وجه القعقاع إلى الحصيد وأبا ليلى إلى الخنافس؛ ليعطي القوم فرصة للتجمع حتى يقاتلهم مرة واحدة مجتمعين. وسار القعقاع إلى الحصيد وعليه روزيه، فاستغاث هذا بروزمهر فأغاثه بنفسه، والتقى المسلمون بالفرس في الحصيد، فقتلهم الله شر قِتْلَة، وقتل القعقاع روزمهر، وقتل عبد الله الضبي روزبه. وسار أبو ليلى إلى الخنافس وعليها المهبوذان ، فانهزم أمام المسلمين دون قتال، وفر جنده إلى المصيخ، يلتحقون بمن فيها من العرب. وعقد خالد اجتماعًا لقواده، واتفقوا على اللقاء بالمصيخ في ساعة بعينها، توافوا إليها من ثلاث جهات، فبيتوا الهذيل ومن معه، وملئوا الفضاء بجثث القتلى. ورأى خالد أن يبغت تغلب في دارها، فتقدم إلى قائديه القعقاع وأبي ليلى بأن يرتحلا أمامه، وواعدهما الغارة على تغلب في ليلة بعينها، واجتمع القواد الثلاثة من ثلاثة أوجه، فلم يكد يفلت من جيش بني تغلب أحد. وذاعت أنباء خالد وفعاله بالقبائل وعجزها عن مقاومته، ففت ذلك في أعضاد رجال البادية بالعراق، فألقوا سلاحهم وطلبوا الأمان. وجعل خالد يسير على شاطئ الفرات فيما حوله فلا يلقى إلا الإذعان، حتى بلغ الفراض، وهي تخوم العراق والشام، فوجد الروم في مواجهته، ليس بينه وبينهم غير مجرى الفرات. وقد أغاظ الروم أن يقيم جيش المسلمين في مواجهتهم، وأن يطيل المقام غير عابئ بهم، ولا بكتائب الفرس القريبة، ولا بأهل البادية من تغلب والنمر وإياد المنتشرين حولهم في كل مكان. ولم يلبث هؤلاء وأولئك أن انضموا إلى الروم وحرضوهم وأمدوهم، فسار خالد حتى إذا لم يبقَ بينه وبينهم غير الماء بعثوا إليه يخبرونه بين أن يعبروا إليه أو أن يعبر إليهم، فاختار عبورهم. وفيما يعبرون صف خالد صفوفه ودبر خطته، والتقى الجمعان، وأبلى المسلمون بلاء لم يعهده أعداؤهم، فلم يثبتوا لهم، وانكشفوا وأدبروا، والمسلمون من ورائهم يمعنون في قتلهم، حتى بلغ من قتل في هذه الواقعة مائة ألف من أعداء المسلمين . وأقام خالد عشرة أيام بعد وقعة الفراض، ثم أذن في الناس بالرجوع إلى الحيرة، لخمس بقين من ذي القعدة من السنة الثانية عشرة، وأمر عاصم بن عمرو أن يسير بالمسلمين، وأظهر أنه بالساقة، وفي الوقت نفسه أمر شجرة بن الأعز أن يسوقهم. ومن ثم مضى هو إلى الحج -لا يعلم أحد بذلك- في طريق غير مطروقة، متعسفًا البلاد، ومتسمتًا مكة. وما إن قضى نسكه حتى سارع إلى جنده ، فأدركهم في دخولهم الحيرة، فالتحق بالساقة كأن لم يكن شيء. وقد اعتبر أبو بكر هذا العمل -حينما علم به بعد ذلك- زهوًا من خالد بنفسه واغترارًا. وحدث أن مست الحاجة إلى رمي الروم بمثل ما رمى به الفرس، فتلقى خالد بالحيرة كتابًا من أبي بكر رضي الله تعالى عنه يأمره بأن يسير حتى يأتي جموع المسلمين باليرموك، فقد شجوا وأشجوا، على ألا يعود لمثل ما فعل، وألا يدخله عُجْب، وألا يدل بعمل. على أن يستخلف المثنى على العراق في نصف الناس، وأن يأخذ معه النصف، "فإذا فتح الله عليكم فارددهم إلى العراق وأنت معهم، ثم أنت على عملك".


المستشار الأدبي
حسين علي الهنداوي
شاعر وناقد
مدرس في جامعة دمشق
دراسات جامعية-في الأدب العربي
صاحب الموسوعة الأدبية (المرصد الأدبي )
حجم الموسوعة( خمس عشرة ألف صفحة )
سوريا -درعا- hoshn55@gmail.com
السيرة الذاتية للمستشار الأدبي(حسين علي الهنداوي)
أ- أديب و شاعر وقاص ومسرحي و ناقد و صحفي
ب- له العديد من الدراسات الأدبية و الفكرية
ج-نشر في العديد من الصحف العربية
د- مدرس في جامعة دمشق - كلية التربية - فرع درعا
ه- ولد الأديب في سوريا – درعا عام 1955 م
و- تلقى تعليمه الابتدائي و الإعدادي و الثانوي في مدينة درعا
ح- انتقل إلى جامعة دمشق كلية الآداب – قسم اللغة العربية و تخرج فيها عام 1983
ك- حائز على إجازة في اللغة العربية
ص-حائز على دبلوم تأهيل تربوي جامعة دمشق
ع- عمل محاضراً لمادة اللغة العربية في معهد إعداد المدرسين - قسم اللغة العربية في مدينة درعا
ف- انتقل إلى التدريس في المملكة العربية الســـعودية عام (1994 /2000 ) في مدينتـــي عنيزة و تبوك 0
1- عضو اتحاد الصحفيين العرب
2- عضو اتحاد كتاب الانترنت العرب
3- عضو تجمع القصة السورية
4- عضو النادي الأدبي بتبوك
مؤلفاته :
أ*- الشعر :
1- هنا كان صوتي و عيناك يلتقيان/1990
2- هل كان علينا أن تشرق شمس ثبير/1994
3- أغنيات على أطلال الزمن المقهور /1994
4- سأغسل روحي بنفط الخليج /1996
5- المنشّى يسلم مفاتيح إيلياء/1996
6- هذه الشام لا تقولي كفانا / مخطوط
ب*- القصة القصيرة :
شجرة التوت /1995
ج – المسرح :
1- محاكمة طيار /1996
2- درس في اللغة العربية /1997
3- عودة المتنبي / مخطوط
4- أمام المؤسسة الاستهلاكية / مخطوط
د – النقد الأدبي :
1- محاور الدراسة الأدبية 1993
2- النقد و الأدب /1994
3- مقدمتان لنظريتي النقد و الشعر / مخطوط
4- أسلمة النقد الأدب
هـ - الدراسات الدينية :
1- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الأول
2- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الثاني
3- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الثالث
4- فتاوى و اجتهادات / جمع و تبويب
5- هل أنجز الله وعده !!!!!!
و- موسوعة (المرصد الأدبي) :
1-تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية ( معاني الأدب وعلاقاته)
2 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية قبل الإسلام (العصر الجاهلي )
3 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر صدر الإسلام )
4 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر الخلفاء الراشدين )
5 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر الخلفاء الأمويين)
6 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء العباسيين )
7 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء الأندلسيين )
8 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الدول المتتابعة )
9- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء العثمانيين )
10- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية في (العصر الحديث)
11- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية في (العهد المعاصر)