الخطابة في العهد الراشدي
أولاً-خطوات الخطابة في العصر الراشدي:
1-ترسمت الخطابة في العهد الراشدي خطا الخطابة في عصر صدر الإسلام ، ونهجت السبيل نفسها في عصر صدر الإسلام ، وتميزت بالخصائص نفسها، فكانت تتحدث عن الموضوعات نفسها. فالجاحظ يقول: "كانت الخطباء تتكلم عند الخلفاء الراشدين، فتكون في تلك الخطب أسجاع كثيرة"4، ومن يرجع إلى حروب الردة يرى بعض المتنبئين مثل مسيلمة الكذاب يتكهنون، ويسجعون في كهانتهم، وكان مسيلمة خاصة "يسجع السجاعات، ويقولها مضاهاة للقرآن الكريم" ، ويقول الجاحظ: إنه "عدا على القرآن فسلبه، وأخذ بعضه وتعاطى أن يقارنه". وقد انتهت هذه الموجة من سجع المتنبئين بانتهاء حروب الردة، ولكن السجع بعامة لم ينته معها تماما، فقد ظلت الخطباء تسجع بين يدي الخلفاء على نحو ما يلاحظ الجاحظ.
2-وإذا نظرنا فيما أثر من خطب عند أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه ، ومن تبعه من الخلفاء الراشدين رضوان الله تعالى عنهم ، وجدناهم يقتدون بالرسول صلى الله عليه وسلم في خطابتهم، فهم لا يستخدمون السجع فيها، وهم يفتتحونها بحمد الله، وتمجيده والصلاة على رسوله ويوشونها بآيات من القرآن الكريم، وببعض أحاديث نبيه العظيم، مستمدين من هذين الينبوعين الغزيرين في وعظهم، وفيما يسوقونه من وصايا وتعاليم. وكان الصديق رضي الله تعالى عنه في الذروة من البلاغة ، ومن البيان ، والفصاحة، ومن خطبة له يقول : "إلا إن أشقى الناس في الدنيا ، والآخرة الملوك : ألا إن الفقراء هم المرحومون، ألا ؛ وإنكم اليوم على خلافة النبوة، ومفرق المحجة ، وإنكم سترون بعدي ملكا عضوضاً ، وملكاً عنودا ، وأمة شعاعا ، ودما مفاحاً ، فإن كانت للباطل نزوة، ولأهل الحق جولة، يعفو لها الأثر، وتحيا بها الفتن، وتموت لها السنن، فالزموا المساجد ، واستثيروا القرآن ، واعتصموا بالطاعة، ولا تفرقوا الجماعة". وكان كثيراً رضي الله تعالى عنه ، ما يخطب في الجيوش الخارجة إلى الغزو، فيوصيها ويوصي قادتها باتباع هدى الإسلام، وبالجهاد في سبيله ؛ وله وصية مشهورة يوصي فيها عمر حين استخلفه عند موته بتقوى الله، واتباع الحق حتى لا يلقي بيده إلى التهلكة ، وهو في كل ما أثر عنه يحسن اختيار لفظه، في أسلوب مرسل يشف عن دقة حسه، ومعرفته بمواضع الكلم، ولعل مما يدل على ذلك أنه مر برجل معه ثوب، فقال له: أتبيع الثوب؟ فقال: لا، عافاك الله، فقال أبو بكر: لقد علمتم لو كنتم تعلمون، قل: لا، وعافاك الله" وذلك حنى يفهم السامع أن –لا- هي حرف استئناف ، وليست حرف عطف .
3-وكان عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه مثل صاحبه في الأفق الأعلى من روعة البيان ، والخطابة، وله خطب تدور في كتب الأدب ، والتاريخ نكتفي منها بهذه القطعة : " اقدعوا هذه النفوس عن شهواتها، فإنها طلعة، وإنكم إلا تقدعوها تنزع بكم إلى شر غاية، وحادثوها بالذكر فإنها سريعة الدثور، إن هذا الحق ثقيل مريء، وإن الباطل خفيف وبيء، وترك الخطيئة خير من معالجة التوبة، ورب نظرة زرعت شهوة ، وشهوة أورثت حزنا طويلًا"". وله وصايا كثيرة يوصي فيها قواد الجيوش الفاتحة بجنودهم، وبمن يغزونهم من الأمم، ومن أروع وصاياه وصيتة للخليفة من بعده، ونسوق منها بعض نصائحه له، يقول: "أوصيك بتقوى الله لا شريك له، وأوصيك بالمهاجرين الأولين خيرًا : أن تعرف سابقتهم، وأوصيك بالأنصار خيرا، فاقبل من محسنهم، وتجاوز عن مسيئتهم، وأوصيك بأهل الأمصار خيرا، فإنهم ردء العدو، وجباة الأموال والفيء . لا تحمل فيئهم إلا عن فضل منهم، وأوصيك بأهل البادية خيراً. فإنهم أصل العرب ، ومادة الإسلام: أن تأخذ من حواشي أموال أغنيائهم فترد على فقرائهم، وأوصيك بأهل الذمة خيرًا: أن تقاتل من ورائهم، ولا تكلفهم فوق طاقتهم، وأوصيك بتقوى الله وشدة الحذر منه، ومخافة مقته أن يطلع منك على ريبة. وأوصيك أن تخشى الله في الناس، ولا تخشى الناس في الله، وأوصيك بالعدل في الرعية والتفرغ لحوائجهم، وثغورهم ، ولا تؤثر غنيهم على فقيرهم.. وآمرك أن تشتد في أمور الله ، وفي حدوده، ومعاصيه على قريب الناس، وبعيدهم.. واجعل الناس سواء عندك لا تبالي على من وجب الحق، ولا تأخذك في الله لومة لائم، وإياك ؛ والأثرة ؛ والمحاباة فيما ولاك الله مما أفاء الله على المؤمنين، فتجور ؛ وتظلم، وتحرم نفسك من ذلك ما قد وسعه الله عليك". والوصية طويلة، وهي أشبه بدستور قديم، يضمنه عمر مواد الحكم كما في شريعة الله ، وسنة رسوله، وهي تجري -شأنها شأن خطبه- في هذا الأسلوب الناصع البريء من الفضول ، ومن التكلف، والذي يملأ السمع بجزالته ، ورصانته ، وقوته، وكان خطيبا لا يبارى في مخارج كلامه، حتى قالوا: إنه كان يستطيع أن يخرج الضاد من أي شدقيه شاء . ولم يكن عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه يبلغ من الفصاحة ، والبيان مبلغ صاحبيه، ويروى أنه صعد المنبر ذات يوم، فأرتج عليه، فقال: "إن أبا بكر وعمر كان يعدان لهذا المقام مقالا، وأنتم إلى إمام عادل أحوج منكم إلى إمام خطيب" . وأما علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه ، فإنه لم يكن يقل عن أبي بكر، وعمر شأوا في خطابته، وقد أثرت عنه خطب كثيرة، ولا نقصد الخطب التي يحتويها بين دفتيه كتاب "نهج البلاغة"، فأكثره مصنوع ومحمول عليه، وقد أشار إلى ذلك كثير من العلماء، واختلفوا هل هو من عمل الشريف المرتضى المتوفى سنة 436 للهجرة، أو هو من عمل أخيه الشريف الرضي المتوفى سنة 406 للهجرة، يقول ابن خلكان في ترجمة أولهما بكتابه وفيات الأعيان: "قد اختلفت الناس في كتاب نهج البلاغة المجموع من كلام الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه، هل هو جمعه أم جمع أخيه الرضي، وقد قيل: إنه ليس من كلام علي رضي الله تعالى عنه ، وإنما الذي جمعه ، ونسبه إليه هو الذي وضعه". ويردد هذا الكلام اليافعي في مرآة الجنان، وابن العماد في شذرات الذهب ، ويؤكد الذهبي في ميزان الاعتدال أن الشريف المرتضى هو الذي وضعه ، ويذهب مذهبه ابن حجر العسقلاني في لسان الميزان، يقول: "من طالع نهج البلاغة جزم بأنه مكذوب على أمير المؤمنين علي رضي الله عنه، ففيه السب والصراح، والحط على السيدين: أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، وفيه من التناقض والأشياء الركيكة والعبارات التي من له معرفة بنفس القرشيين الصحابة، وبنفس غيرهم ممن بعدهم من المتأخرين جزم بأن الكتاب أكثره باطل". ويذهب النجاشي المتوفى سنة 450 للهجرة في كتابه "الرجال" إلى أن مؤلف الكتاب هو الشريف الرضي2، وهذا هو الصحيح بشهادة الرضي نفسه، وشهادة شراح كتابه، فقد ذكر في الجزء الخامس المطبوع من تفسيره أنه هو الذي ألفه، ووسمه باسمه نهج البلاغة ، كما ذكر ذلك في كتابه "مجازات الآثار النبوية"4 ونجد ابن أبي الحديد المتوفى سنة 655 في شرحه للكتاب يعترف بأن خطبته من عمل الشريف الرضي، ويذهب ابن ميثم البحراني في شرحه عليه إلى أنه من تأليف الشريف. وإذن فالكتاب من عمل الشريف الرضي وصنعه، ويظهر أنه لم يؤلفه جميعاً، فقد أضاف قبله كثير من أرباب الهوى، وفصحاء الخطب، وأقوالا إلى علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه ، يدل على ذلك ما جاء في مروج الذهب للمسعودي إذ يقول: "الذي حفظ الناس عن علي رضي الله تعالى عنه من خطبه في سائر مقاماته أربعمائة خطبة، ونيف ؛ وثمانون خطبة يوردها على البديهة، تداول الناس ذلك عنه قولا ، وعملا"، وكأن الشريف الرضي وجد مادة صاغ منها كتابه، وهي مادة بنيت على السجع، ونفي ذلك نفسه ما يدل على كذب نسبتها إلى علي، رضي الله تعالى عنه إذ ليس من الطبيعي أن يسجع علي رضي الله تعالى عنه في خطابته، بينما ينهى الرسول الكريم عن السجع، ويتحاماه أبو بكر وعمر وعثمان رضي الله تعالى عنهم في خطابتهم. ومعنى هذا كله أنه لا يصح الاعتماد على هذا الكتاب في تصور خطابة علي، وأنه ينبغي الرجوع إلى المصادر الأولى، مثل البيان والتبيين للجاحظ، وقد روى طرفا من خطبة ، وكلامه ، ومواعظه، وقد دفعته حروبه مع طلحة ، والزبير ، وعائشة رضي الله تعالى عنها ، ثم مع معاوية إلى أن يكثر من دعوة جنوده إلى جهاد أعدائه، وتحميسهم للكفاح، والنضال في سبيل مبدئهم وفكرتهم ؛ ولعل في كل ما قدمنا ما يدل على نهضة الخطابة في هذا العصر من عصور الإسلام، إذ أتيح لها من نبوة الرسول، ورسالته وبيانه ، وبلاغته ما اتخذه خلفاؤه الراشدون -رضوان الله تعالى عنهم -لهم إماما، وفرق بعيد بين خطب هذا العصر، وخطب الجاهلية، فالأخيرة جمل وصيغ لا رابط بينها تأخذ في الأكثر شكل حكم متناثرة، يسردها الخطيب سردًا، أما في هذا العصر، فقد أصبح للخطبة غاية دينية واضحة تسمو بالعربي في مراقي الفلاح الروحي، وقد تخوض في تنظيمات حربية ؛ أو اجتماعية، وكل ذلك معناه أنها أصبحت ذات موضوع تدور عليه، وأنها ارتقت رقياً بعيداً.
ثانياً-نماذج من الخطل في العصر الراشدي :
أ-من خطب أبي بكر الصديق رضى الله عنه:
كان أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- أول من أسلم من الرجال، وكان أحب رفيق إلى الرسول -صلى الله عليه وسلم- وقد نوه القرآن الكريم بذكره كما ذكر (أبو منصور عبد الملك بن محمد الثعالبي "350-429هـ" الاقتباس من القرآن الكريم جـ1 تحقيق الدكتورة ابتسام مرهون الصفار -ص 108-109- الهيئة العامة لقصور الثقافة ) حيث قال سبحانه: {وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ} [ سورة الزمر: الآية 33.] ، وقال في مصاحبته رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الغار: {ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ} [ سورة التوبة: الآية 40.] ، وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- استشاره ، وعمر -رضي الله عنهما- في أسرى قريش، فأشار أبو بكر بالمنِّ عليهم، وإطلاقهم، وأشار عمر بعرضهم على السيف واستصفاء أموالهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "الحمد لله الذي أيدني بكما، أما أحدكما فسهل رحيم رفيق مثله كمثل إبراهيم عليه السلام إذ قال : { فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ } [ سورة إبراهيم: الآية 36. ] ، وكمثل عيسى عليه السلام إذ قال: { إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } [ سورة المائدة: الآية 118.] ، وأما الآخر فصلب في دين الله، قوي شديد مثله كمثل نوح -عليه السلام- إذا قال: { رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا } [ سورة نوح: الآيتان: 26، 27.] ، وموسى عليه السلام إذ قال: { رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ } [ سورة يونس: الآية 88.] وأبو بكر -رضى الله عنه- خير من يمثل المسلم بأخلاقه ، وفضائله ، وحميته للدين ،وتأثره بهدي القرآن الكريم ، وبالرسول الكريم-صلى الله عليه وسلم- تأثراً استحوذ على كل نفسه، فإذا لسانه يتدفق تدفق السيل، بما استشعر من معاني الإسلام، وقيمه الروحية، وقد أثرت عنه خطب كثيرة، تدل دلالة واضحة على شدة شكيمته في الدين ، ويقظته ، وصدق حسه، وأنه حقاً كان أجدر أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بخلافته.
1- خطبته رضي الله تعالى عنه بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم:
لما قبض الله نبيه صلوات الله وسلامه عليه لم يجسر أحد من المسلمين على نعيه ، واضطرب الناس ؛ وماجوا، وقالوا ، وقال معهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه: إن رسول الله لم يمت. أقبل الصديق رضي الله تعالى عنه ، فكشف عن وجه النبي -صلى الله عليه وسلم- فقبله، وقال: بأبي أنت وأمي !!! طبت حيا ، وطبت ميتا ؛ وخرج من عنده ، فبدر الصحابة --رضوان الله تعالى عنهم -بخطبته المشهورة بعد أن حمد الله، وأثنى عليه: "أيها الناس إن من كان يعبد محمدًا، فإن محمدا قد مات، ومن كان يعبد الله ، فإنَّ الله حيٌّ لا يموت، والله قد نعاه الله إلى نفسه في أيام حياته فقال: {إ ِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ } [ سورة الزمر: الآية 30. ] ، ثم قال: { وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ } [ سورة الأنبياء: الآية 34. ] و{ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ } [ سورة آل عمران: الآية 185. ] ، ثم قال: { وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ } [ سورة آل عمران: الآية 144. ] إلا أن محمدا قد مضى لسبيله، ولا بد لهذا الأمر من قائم يقوم به، فدبروا، وانظروا، وهاتوا آراءكم"، فبكى الناس، ونادوه من كل جانب، نصبح ، وننظر من ذلك إن شاء الله كما ورد في (- الثعالبي، الاقتباس من القرآن الكريم ص109، 110 ).
2- خطبته في سقيفة بني ساعدة:
انتقل الرسول -صلى الله عليه وسلم- إلى الرفيق الأعلى..، وهنا تميد الأرض تحت أقدام القوم في المدينة المنورة من هول الصدمة.. ويقف المهاجرون ، والأنصار أمام امتحان الأخوة في مدرسة الأخلاق، ويلتف الأنصار حول سعد بن عبادة رضي الله تعالى عنه في السقيفة، فيتحدث سعد إليهم مبيناً سابقتهم في الدين، وتحليهم بالفضيلة ، والكرامة ، والإعزاز للرسول -صلى الله عليه وسلم- ، والمنع لأصحابه، ثم لقد رضي عنهم الرسول الكريم صلى الله عليه وسام ، ونصر الله بهم دينه، فليستبدوا إذن بهذا الأمر دون الناس؛ لأنه لهمكما ورد في( تاريخ الطبري جـ3 ص218.) ، وقد أوصى الرسول المهاجرين بهم خيرًا قبل وفاته كما ورد في ( سيرة ابن هشام جـ4 ص399) . ولكن أبا بكر يتدارك الأمر، فيقف خطيبا من القوم، يردهم إلى معنى الأخوة الذي ضربوه من قبل للناس مثلا، ويؤكد لهم عزيز مكانتهم في الإسلام، ولكنه يذكرهم بمكانة المهاجرين، فهم أسبق إلى الإسلام منهم، يقول بعد أن حمد الله وأثنى عليه: " ... نحن المهاجرون، أول الناس إسلاما، وأوسطهم دارا، وأكرم الناس أحسابا، وأحسنهم وجوها، وأكثر الناس ولادة في العرب ، وأمهم رحماً برسول الله -صلى الله عليه وسلم- أسلمنا قبلكم، وقدمنا في القرآن الكريم عليكم، فأنتم إخواننا في الدين ، وشركاؤنا في الفيء، وأنصارنا على العدو، أويتم ونصرتم ، وآسيتم، فجزلكم الله خيراً . نحن الأمراء ، وأنتم الوزراء . لا تدين العرب إلا لهذا الحي من قريش، وأنتم محقوقون ألا تنفسوا على إخوانكم من المهاجرين ما ساق الله إليهم"كما ورد في ( البيان والتبين جـ3 ص 297، عيون الأخبار جـ2 ص233-234.) ، فأبو بكر هنا يشير إلى هذه المعاني التي تعددت في حياة القوم؛ لتبرز معنى الأخوة، فالمناصرة والإيواء والمواساة. كل ذلك يجزيهم الله عنه خيرا؛ لأن الله أمر به، وهم أطاعوا واستجابوا لأخلاق الدين ... ولكن الأخوة ينبغي أن تبقى وأن تستمر، بقاء الإيمان بالدين واستمراره، والتآلف بين القلوب نعمة من نعم الله ينبغي المحافظة عليها. والإخوان بعد هذا ينبغي أن يذكروا فضل المهاجرون وسبقهم في الدين، ومكانة قريش في العرب. وبذلك اتفقت الكلمة ونزلت الرحمة، وتمت له البيعة.
3-خطبة أبي بكر الصديق رضي الله عنه بعد بيعته بالخلافة :
( أما بعد : فإني وليت عليكم ، ولست بخيركم ، ولكن نزل القرآن ، وسنَّ النبي صلى الله عليه وسلم ، وعلمنا ، فعلمنا ؛ واعلموا أن أكيس الكيس التقى ، وأن أحمق الحمق الفجور ؛ وإن أقواكم عندي الضعيف حتى أخذ له الحق ؛ وإن أضعفكم عندي القوي حتى آخذ منه الحق . أيها الناس! إنما أنا متبع ، ولست بمبتدع ، فإذا رأيتموني على حق فأعينوني ، وإن رأيتموني على باطل ، فردوني أطيعوني ما أطعت الله فيكم ، فإذا عصيته ، فلا طاعة لي عليكم أقول قولي هذا ، واستغفر الله لي ، ولكم )
المفردات اللغوية :الكيس : الفطانة –الحمق: ضعف التفكير وعدم التروي في الأمور
-تحليل الخطبة :
هذه خطبة تولي الخلافة بين فيها خليفة الرسول صلى الله عليه وسلم منهجه في الحكم
أولاً: الولاية لا تعني أفضلية الوالي على غيره من حيث الأصول الإنسانية ، فالناس سواسية أكرمهم عند الله أتقاهم
ثانياً: كمل دين الله ، وأصبحت أصوله واضحة ، وعلومه بينة ؛ فلتعلم الإسلام من كان حريصاً عليه ليلتزم به ، ويهتدي بهديه ؛ فلا عذر لمقصر ؛ والفطن الذكي هو الذي يسلك طريق الهدى والتقوى ، ويحصلها ليصوغ قلبه ، ونفسه وفق مقتضاها ؛ والأحمق الذي أعرض عن هدي الله وسلك طريق الفجور ، والضلال الذي يؤدي به إلى شقاء الدارين
ثالثاً: إن رائد الخليفة في حكمه هو الحق ، ونصرة المظلوم ، وإعادة حقه إليه ، والأخذ بيده إلى الحياة الكريمة ؛ فهو قوي بحقه ، والضرب على يد الظالم ، وأخذ الحق منه ، وردعه ؛ وبظلمه سيكون ضعيفاً ، لأن القوة ترتبط بالحق ، والضعف يرتبط بالباطل مهما طغى ، وبغى .
رابعاً: إعلان الالتزام بما جاء في كتاب الله تعالى ، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ؛ فالخليفة متبع ، لا يبتدع شيئاً من عند نفسه
خامساً: الرعية هي التي تقوَّم سلوك ، وعمل الخليفة ؛ فإن سار في طاعة الله في حكمه ، فعلى الرعية أن تساعده على أداء مهمته ؛ وإن هو خالف أمر الله ، وظلم ، وانحرف ، فعلى الرعية أن ترده إلى جادة الصواب ؛ وبذلك يكون قد أعلن عن (حرية الرأي والمشاركة في العمل السياسي) .


المستشار الأدبي
حسين علي الهنداوي
شاعر وناقد
مدرس في جامعة دمشق
دراسات جامعية-في الأدب العربي
صاحب الموسوعة الأدبية (المرصد الأدبي )
حجم الموسوعة( خمس عشرة ألف صفحة )
سوريا -درعا- hoshn55@gmail.com
السيرة الذاتية للمستشار الأدبي(حسين علي الهنداوي)
أ- أديب و شاعر وقاص ومسرحي و ناقد و صحفي
ب- له العديد من الدراسات الأدبية و الفكرية
ج-نشر في العديد من الصحف العربية
د- مدرس في جامعة دمشق - كلية التربية - فرع درعا
ه- ولد الأديب في سوريا – درعا عام 1955 م
و- تلقى تعليمه الابتدائي و الإعدادي و الثانوي في مدينة درعا
ح- انتقل إلى جامعة دمشق كلية الآداب – قسم اللغة العربية و تخرج فيها عام 1983
ك- حائز على إجازة في اللغة العربية
ص-حائز على دبلوم تأهيل تربوي جامعة دمشق
ع- عمل محاضراً لمادة اللغة العربية في معهد إعداد المدرسين - قسم اللغة العربية في مدينة درعا
ف- انتقل إلى التدريس في المملكة العربية الســـعودية عام (1994 /2000 ) في مدينتـــي عنيزة و تبوك 0
1- عضو اتحاد الصحفيين العرب
2- عضو اتحاد كتاب الانترنت العرب
3- عضو تجمع القصة السورية
4- عضو النادي الأدبي بتبوك
مؤلفاته :
أ*- الشعر :
1- هنا كان صوتي و عيناك يلتقيان/1990
2- هل كان علينا أن تشرق شمس ثبير/1994
3- أغنيات على أطلال الزمن المقهور /1994
4- سأغسل روحي بنفط الخليج /1996
5- المنشّى يسلم مفاتيح إيلياء/1996
6- هذه الشام لا تقولي كفانا / مخطوط
ب*- القصة القصيرة :
شجرة التوت /1995
ج – المسرح :
1- محاكمة طيار /1996
2- درس في اللغة العربية /1997
3- عودة المتنبي / مخطوط
4- أمام المؤسسة الاستهلاكية / مخطوط
د – النقد الأدبي :
1- محاور الدراسة الأدبية 1993
2- النقد و الأدب /1994
3- مقدمتان لنظريتي النقد و الشعر / مخطوط
4- أسلمة النقد الأدب
هـ - الدراسات الدينية :
1- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الأول
2- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الثاني
3- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الثالث
4- فتاوى و اجتهادات / جمع و تبويب
5- هل أنجز الله وعده !!!!!!
و- موسوعة (المرصد الأدبي) :
1-تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية ( معاني الأدب وعلاقاته)
2 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية قبل الإسلام (العصر الجاهلي )
3 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر صدر الإسلام )
4 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر الخلفاء الراشدين )
5 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر الخلفاء الأمويين)
6 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء العباسيين )
7 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء الأندلسيين )
8 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الدول المتتابعة )
9- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء العثمانيين )
10- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية في (العصر الحديث)
11- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية في (العهد المعاصر)