ب-خطب عمر بن الخطاب رضي الله عنه:
لقد كان عمر بن الخطاب نافذ البصيرة وصادق العزم وبليغ اللسان، كما كان صفي رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقد أعز الله به الإسلام في مكة المكرمة حين أعلن ولاءه لرسوله صلى الله عليه وسلم ، وما زال منقطعا ًإليه ، والرسول -صلى الله عليه وسلم- يقربه منه، ويتخذه موضع مشورته، حتى توفي ، وخلفه أبو بكر، فكان له نعم المعين، ولما أسندت إليه مقاليد الخلافة نهض بها في رجاحة عقل ، وقوة نفس، فقد كان الفاروق مهيب الجانب ، يرهبه المسلمون، ولم تكن رهبة العنف ، والظلم ، والقسوة، وإنما هي رهبة من الانحراف عن الصواب، فهي ليست رهبة مصحوبة بالرعب من الحاكم، وإنما هي الرهبة التي تخلق الأمن ، وتنشر الطمأنينة. فما كان عمر -رضي الله عنه- ليرضى أن يخرج من الرعية عن الطريق القويم ، وهذا ما نلاحظه في خطبه.
1- خطبة عمر بعد توليه الخلافة:
إن الله عز، وجل قد ولاني أمركم، وقد علمت أنفع ما بحضرتكم لكم، وإني أسأل الله أن يعينني عليه، وأن يحرسني عنده، كما حرسني عند غيره، وأن يلهمني العدل في قسمكم ، كالذي أمرني به. وإني أمرؤ مسلم ، وعبد ضعيف، إلا ما أعان الله عز ، وجل، ولن يغير الذي وليت من خلافتكم من خلقي شيئا إن شاء الله، إنما العظمة لله عز ، وجل، وليس للعباد منها شيء، فلا يقولن أحد منكم: إن عمر تغير منذ ولي، أعقل الحق من نفسي، وأتقدم ، وأبين لكم أمري، فأيما رجل كانت له حاجة، أو ظلم مظلمة ، أو عتب علينا في خلق، فليؤذنِّي، فإنما أنا رجل منكم، فعليكم بتقوى الله في سركم وعلانيتكم ، وحرماتكم ، وأعراقكم، وأعطوا الحق من أنفسكم، ولا يحمل بعضكم بعضا على أن تحاكموا إلي، فإنه ليس بيني وبين أحد من الناس هوادة، وأنا حبيب إليَّ صلاحُكم، عزيز عليَّ عَنَتُكم، وأنتم أناسٌ عامتكم حضر في بلاد الله، وأهل بلد ، لا زرع فيه ، ولا ضرع، إلا ما جاء الله به إليه، وإن الله -عز وجل- قد وعدكم كرامة كثيرة، وأنا مسؤول عن أمانتي ، وما أنا فيه، ومطلع على ما يحضرني بنفسي إن شاء الله، لا أكله إلى أحد، ولا أستطيع ما بعد منه إلا بالأمناء؛ وأهل النصح منكم للعامة، ولست أجعل أمانتي إلى أحد سواهم إن شاء الله. كما وردت الخطبة في( تاريخ الطبرى جـ4 ص 215.) . إذاً : كانت قوة عمر ممنوحة من الله، لذلك لم تكن لتغير القوة من خلقه شيئًا، فهو امرؤ مسلم ، وعبد ضعيف، إن بدرت منه قوة ، فهي من تأييد الله، وأما العظمة ، رضي الله تعالى عنه ، فهي لله وحده، ثم إن الحق قد بين الله حدوده، وأما عمر رضي الله تعالى عنه ، فسيأخذ الناس بهذه الحدود، وما على الناس إلا أن يلتزموا بها، ومن هنا نرى حرص عمر على صلاح رعيته أشد الحرص، وتمسكه بالعدل أشد التمسك، ونراه صارمًا ليس بينه ، وبين أحد هوادة، يعالج أمور رعاياه كلها بنفسه . لا يَكِلُ شيئا منها إن بعد عنه إلا إلى من عرف فيه الأمانة ، والنصح، وتتضح هنا معاني الحق التي بلورتها سيرة عمر رضي الله تعالى عنه ، وأخلاقه على نحو فريد، فعمر رجل من الناس قريب منهم ، يستمع إلى حاجاتهم، ويعينهم على أمورهم، ليس بينهم ، وبينه حجاب، لم يغير الحكم من خلقه شيئا، يعطي الحق من نفسه قبل أن يأمر الناس أن يعطوا الحق من أنفسهم.



2- خطبته في منهجه مع المسلمين:
( أيها الناس، لوددت أن أنجو كفاف ، لا لي ، ولا علي، وإني لأرجو إن عمرت فيكم يسيراً ، أو كثيرا أن أعمل بالحق فيكم إن شاء الله، وألا يبقى أحد من المسلمين -وإن كان في بيته - إلا أتاه حقه ، ونصيبه من مال الله، ولا يعمل إليه نفسه، ولم ينصب إليه يوما، وأصلحوا أموالكم التي رزقكم الله، وتقليل في رفق خير من كثير في عنف ) ، كما ورد في( الطبري جـ4 ص 216.) . لم يعرف التاريخ أعدل من عمر رضي الله تعالى عنه في إعطاء الحقوق ، وتصريف الأموال ، وتقسيم الأرزاق ؛ فالخروج عن ذلك معصية لله تعالى، ومعصية الله تسقط حقه في طاعة الناس له، فالحق عند الفاروق بيِّن لا شبهة فيه، وهو يخشى الله في الناس ولا يخشى الناس في الله.
3- خطبته في الدعاء:
(يا أيها الناس، إني داعٍ فأمِّنُوا، اللهم إني غليظ فلَيِّنِّي لأهل طاعتك، بموافقة الحق؛ ابتغاء وجهك ، والدار الآخرة، وارزقني الغلظة ، والشدة على أعدائك ، وأهل النفاق، من غير ظلم مني، ولا اعتداء عليهم. اللهم إني شحيح، فسخِّنِي في نوائب المعروف، قصدًا من غير سرف ، ولا تبذير ، ولا رياء ،ولا سمحة، واجعلني أبتغي بذلك وجهك ، والدار الآخرة، اللهم ارزقني حفض الجناح، ولين الجانب للمؤمنين، اللهم إني كثير الغفلة ، والنسيان، فألهمني ذكرك على كل حال، وذكر الموت في كل حين، اللهم إني ضعيف عن العمل بطاعتك، فارزقني النشاط فيها، والقوة عليها، بالنية الحسنة التي لا تكون إلا بعزتك ، وتوفيقك، اللهم ثبتني باليقين ، والبر ، والتقوى، وذكر المقام بين يديك، والحياء منك، وارزقني الخشوع فيما يرضيك عني، والمحاسبة لنفس، وإصلاح الساعات، والحذر من الشبهات اللهم ارزقني التفكر، والتدبر لما يتلوه لساني من كتابك ، والفهم له، والمعرفة بمعانيه، والنظر في عجائبه، والعمل بذلك ما بقيت، إنك على كل شيء قدير ، كما ورد في ( العقد الفريد جـ4 ص 65.) ؛ هذه الخطبة تبرز جانب الحق في عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- ، وهي صورة صادقة تنطبق على أخلاقه ، وسلوكه في حكمه، ولعل أهم ما يلفت النظر في هذا الدعاء استهلاله بمعنى الحق ، وهو : البند الأول في دستور حكمه، ويرتبط بهذا معنى العدل ؛ إذ يدعو الخليفة الله أن يعينه على التزامه به حتى مع الأعداء ؛ وأهل النفاق، فإن هؤلاء يستحقون الشدة، ولكن هذه الشدة في غير ظلم ، أو تعسف. وهنا تظهر الإنسانية في صورتها المثلى التي تكمن في روح الإسلام ، وتنطلق بها ألسنة أعلامه. وأما البند الثاني: الذي يقيد به الخليفة نفسه فهو روح العدل ولكن طبيعة العدل تقتضي أن يعاقب المسيء على إساءاته ، ويجب ألا يسوى بينه ، وبين من أحسن عملا. ونحن نرى أن معنى الحق لم يحرص عليه على هذا النحو حاكم من حكام المسلمين ، كما حرص عليه عمر -رضي الله عنه- ، ولم ينطبق الفعل على القول، وينفذ العدل المطلق كما نفذ في خلافته.
4-خطبة لعمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه-باب العدل الاعتبار:
("إن الله تعالى إنما ضرب لكم الأمثال، وصرف لكم القول؛ ليحيي به القلوب؛ فإن القلوب ميتة في صورها حتى يحييها الله، من علم شيئا ، فلينتفع به، وإن للعدل أماراتٌ ؛ وتباشيرُ، فأما الأمارات ، فالحياء ، والسخاء ، والهين ، واللين، وأما التباشير ، فالرحمة، وقد جعل الله لكل أمر بابًا، ويسر لكل باب مفتاحًا، فباب العدل الاعتبار ، ومفتاحه الزهد، والاعتبار ذكر الموت بتذكر الأموات، والاستعداد له بتقديم الأعمال، والزهد أخذ الحق من كل أحد قبله حق، وتأدية الحق إلى كل أحد له حق. ولا تصانع في ذلك أحدًا، واكتف بما يكفيك من الكفاف، فإن من يكفه الكفاف لم يغنه شيء، إني بينكم ، وبين الله، وليس بيني ، وبينه أحد، وإن الله قد ألزمني دفع الدعاء عنه، فأتوا شكاتكم إلينا، فمن لم يستطع ، فإلى من يبلغناها آخذ له الحق غير متعتع" ) ، كما ورد في( الطبري جـ4 ص485.) . ونلاحظ أن عمر -رضي الله عنه- يؤكد على معنى الحق، وينطبق فعله على قوله، ويتحدث عن عدله المطلق الذي أدى إلى عدم الشكوى؛ لأنه بين الله ، وبينهم، وأن الله قد ألزمه رفع الدعاء عنه
5-خطبة لعمر يبين فيها وجوب شكر الله:
("واذكروا عباد الله بلاء الله عندكم، واستتموا نعمة الله عليكم، في مجالسكم مثنى ، وفرادى؛ فإن الله عز ، وجل قال لموسى: {أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ} [ ] ، وقال لمحمد صلى الله عليه وسلم: {وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ} [ ] . ، "فلو كنتم إذ كنتم مستضعفين محرومين خير الدنيا على شبعة من الحق، تؤمنون بها، وتستريحون إليها، مع المعرفة بالله ، ودينه، وترجون بها الخير فيما بعد الموت؛ لكان ذلك، ولكنكم كنتم أشد الناس معيشة، وأثبتهم بالله جهالة، فلو كان هذا الذي انتشلكم منه لم يكن معه حظ في دنياكم، غير أنه ثقة لكم في آخرتكم التي إليها المعاد ، والمنقلب، وأنتم من جهد المعيشة على ما كنتم عليه أحرياء أن تشحوا على نصيبكم منه، وأن تظهروه على غيره، فالله قد جمع لكم فضيلة الدنيا ، وكرامة الآخرة، ومن شاء أن يجمع له ذلك منكم. فأذكركم الله الحائل بين قلوبكم إلا ما عرفتم حق الله فعملتم له، وقسرتم أنفسكم على طاعته، وجمعتم مع السرور بالنعم خوفا لها ، ولانتقالها، ووجلا منها ، ومن تحويلها؛ فإنه لا شيء أسلب للنعمة من كفرانها، وإن الشكر أمنُّ للغير، ونماء للنعمة، واستيجاب للزيادة، هذا لله علي من أمركم ونهيكم واجب".) كما ورد في ( الطبرى جـ 4 ص217-218.) . هذا ويبين عمر -رضي الله عنه- أن شكر الناس لله على نعمه التي لا تحصى لا يستطاع إلا بعون من الله ، ورحمته ، ولطفه، ويحث الناس على شكر الله على نعمه التي أعمها عليهم، كما بين لهم المعاني الخلقية التي يشتمل عليها مفهوم شكر الله تعالى ، ويذكرهم بما يضمن لهم السعادة في الدنيا ؛ والآخرة، فإن استمرار هذه السعادة موقوف على عرفان المعروف ، والشكر عليه، ثم لا شيء يسلب النعمة سوى إغفال الشكر لله عليها. وهو يمزج بين الموعظة وما يكمن فيها من إيمان نقي ، وبين الحجج العقلية؛ ليصل إلى صلاح أمر الناس صلاحاً قائماً على إدراك فضل الله، والوعي الكامل بنعمه ، ثم الشكر ، ودوام الحمد؛ ليرتبط الإنسان بربه


المستشار الأدبي
حسين علي الهنداوي
شاعر وناقد
مدرس في جامعة دمشق
دراسات جامعية-في الأدب العربي
صاحب الموسوعة الأدبية (المرصد الأدبي )
حجم الموسوعة( خمس عشرة ألف صفحة )
سوريا -درعا- hoshn55@gmail.com
السيرة الذاتية للمستشار الأدبي(حسين علي الهنداوي)
أ- أديب و شاعر وقاص ومسرحي و ناقد و صحفي
ب- له العديد من الدراسات الأدبية و الفكرية
ج-نشر في العديد من الصحف العربية
د- مدرس في جامعة دمشق - كلية التربية - فرع درعا
ه- ولد الأديب في سوريا – درعا عام 1955 م
و- تلقى تعليمه الابتدائي و الإعدادي و الثانوي في مدينة درعا
ح- انتقل إلى جامعة دمشق كلية الآداب – قسم اللغة العربية و تخرج فيها عام 1983
ك- حائز على إجازة في اللغة العربية
ص-حائز على دبلوم تأهيل تربوي جامعة دمشق
ع- عمل محاضراً لمادة اللغة العربية في معهد إعداد المدرسين - قسم اللغة العربية في مدينة درعا
ف- انتقل إلى التدريس في المملكة العربية الســـعودية عام (1994 /2000 ) في مدينتـــي عنيزة و تبوك 0
1- عضو اتحاد الصحفيين العرب
2- عضو اتحاد كتاب الانترنت العرب
3- عضو تجمع القصة السورية
4- عضو النادي الأدبي بتبوك
مؤلفاته :
أ*- الشعر :
1- هنا كان صوتي و عيناك يلتقيان/1990
2- هل كان علينا أن تشرق شمس ثبير/1994
3- أغنيات على أطلال الزمن المقهور /1994
4- سأغسل روحي بنفط الخليج /1996
5- المنشّى يسلم مفاتيح إيلياء/1996
6- هذه الشام لا تقولي كفانا / مخطوط
ب*- القصة القصيرة :
شجرة التوت /1995
ج – المسرح :
1- محاكمة طيار /1996
2- درس في اللغة العربية /1997
3- عودة المتنبي / مخطوط
4- أمام المؤسسة الاستهلاكية / مخطوط
د – النقد الأدبي :
1- محاور الدراسة الأدبية 1993
2- النقد و الأدب /1994
3- مقدمتان لنظريتي النقد و الشعر / مخطوط
4- أسلمة النقد الأدب
هـ - الدراسات الدينية :
1- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الأول
2- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الثاني
3- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الثالث
4- فتاوى و اجتهادات / جمع و تبويب
5- هل أنجز الله وعده !!!!!!
و- موسوعة (المرصد الأدبي) :
1-تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية ( معاني الأدب وعلاقاته)
2 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية قبل الإسلام (العصر الجاهلي )
3 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر صدر الإسلام )
4 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر الخلفاء الراشدين )
5 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر الخلفاء الأمويين)
6 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء العباسيين )
7 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء الأندلسيين )
8 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الدول المتتابعة )
9- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء العثمانيين )
10- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية في (العصر الحديث)
11- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية في (العهد المعاصر)