د- خطب علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه :
كان بيان علي -رضي الله عنه- الخطابي يفوق ما شهدناه الخلفاء -رضي الله عنهم أجمعين- ، وما أثر عنه فكر ثاقب لنظام الحكم ، وآداب الرعية بالشكل الذي رأيناه عند أبي بكر ، وعمر رضي الله عنهما، وبلاغة علي من أعلى البلاغة مستوى لأنه تربى في كنف النبي سلى الله عليه وسلم.
1-خطبة لعلي رضي الله تعالى عنه في حق الرعية على الحاكم وبالعكس:
( أما بعد: فإن لي عليكم حقا، وإن لكم علي حقا، فأما حقكم علي ، فالنصيحة لكم ما صبحتكم، وتوفير فيئكم عليكم، وتعليمكم كيما لا تجهلوا، وتأديبكم كي تعلموا، وأما حقي عليكم ، فالوفاء للبيعة، والنصح لي في الغيب ، والمشهد، والإجابة حين أدعوكم، والطاعة حين آمركم، فإن يرد الله بكم خيراً انتزهتم عما أكره، وترجعوا إلى ما أحب، تنالوا ما تطلبون، وتدركوا ما تأملون"( الطبري جـ5 ص90-91).
انصب كلام علي رضي الله تعالى عنه على آداب الرعية، فقد جعل علي -كرم الله وجهه- حق الرعية عليه النصيحة لهم ، وتأديبهم ، وتعليمهم، وهكذا انصهرت حقوق الرعية ، وواجباتها حتى كادت الحقوق ، والواجبات لا تشتمل إلا على الآداب ، والأخلاق التي ينبغي على الرعية أن تتحلى بها فيما بينها ، وبين أنفسها، وفي طاعتها ، واستجابتها لراعيها.
2-خطبة علي بن أبي طالب رضي الله عنه في الجهاد:
)أما بعد : فإن الجهاد باب من أبواب الجنة فتحه الله لخاصة أوليائه ، وهو لباس التقوى ، ودرع الله الحصينة ، وجنته الوثيقة ؛ فمن تركه رغبة عنه ألبسه الله ثوب الذل ، وشملة البلاء ، وديث بالصغار ، والقماء ، وضرب على قلبه بالأسداد ، وأديل الحق منه بتضييع الجهاد ، وسيم الخسف ، ومنع النصف . ألا ، وإني قد دعوتكم إلى قتال هؤلاء القوم ليلاً ، ونهاراً ؛ وسراً ، وإعلاناً ؛ وقلت لكم : اغزوهم قبل أن يغزوكم ، فوالله ما غزي قوم قط في عقر دارهم إلا ذلوا ؛فتواكلتم ، وتخاذلتم حتى شنت عليكم الغارات ، وملكت عليكم الأوطان . هذا أخو غامد قد وردت خيله الأنبار ، وقد قتل حسان بن حسان البكري ، وأزال خيلكم عن مسالحها ، ولقد بلغني أن الرجل منهم كان يدخل على المرأة المسلمة ، والأخرى المعاهدة ، فينتزع حجلها، وقلبها ، ورعاثها ما نال رجلاً منهم كلم ، ولا أريق لهم دم ؛ فلو أن مسلماً مات من بعد هذا أسفاً ما كان به ملوماً ! ؛ بل كان به جديراً . فيا عجباً ! والله يميت القلب !!!، ويجلب الهمَّ اجتماع هؤلاء القوم على باطلهم ، وتفرقهم عن حقكم ؛ فقبحاً لكم ، وترحاً حين صرتم غرضاً يرمى : يغار عليكم ، ولا تغيرون ، وتغزون ، ويعصى الله ، وترضون ؛ فإذا أمرتكم بالسير إليهم في أيام الصيف قلتم : هذه حمارة القيظ ! أمهلنا ينسلخ عنا الحر ؛ وإذا أمرتكم بالسير إليهم في الشتاء قلتم : هذه صبارة القرِّ! أمهلنا ينسلخ عنا البرد. كل هذا فراراً من الحر، والقر ؛ فأنتم –والله- من السيف أفرُّ. يا أشباه الرجال !!، ولا رجال !!! حلوم الأطفال ، وعقول ربات الحجال. لوددت أني لم أركم ، ولم أعرفكم معرفة -والله -جرت ندماً ، وأعقبت سدماً . قاتلكم الله !! لقد ملأتم قلبي قيحاً ، وشحنتم صدري غيظاً ، وجرعتموني نغب التهام أنفاساً ، وأفسدتم علي بالعصيان ، والخذلان حتى قالت قريش : إن ابن أبي طالب رجل شجاع ، ولكن لا علم له بالحرب . لله أبوهم ! وهل أحد منهم أشد لها مراساً ، وأقدم فيها مقاماً مني ؟؟؟!!!!! . لقد نهضت فيها ، وما بلغت العشرين، وها أنذا قد ذرفت على الستين ، ولكن لا رأي لمن لا يطاع .
شرح المفردات : جنته : وقايته – بالصغار : ذل بالوضاعة –القماء: الذل –الأسداد: الحجب التي تحول دون بصيرته –سيم الخسف : كلف المشقة –النصف: العدل –وعقر الدار : وسطها- تواكلتم: ألقى كل منكم الأمر على صاحبه –شنت عليكم الغارات : أتتكم متفرقة من كل جانب –أخو غامد : سفيان بن عوف بعثه معاوية لشن الغارات على العراق –الأنبار: بلدة على الشاطئ الشرقي للفرات –المسالح: جمع مسلحة وهي الثغر ، أو المرقب حيث يخشى مجيء الأعداء – الحجل : الخلخال- القلب :السوار- الرعاث: جمع رعثة وهو القرط – الاسترجاع: ترديد الصوت بالبكاء- وافرين: تامين- الكلم: الجرح- الترح: الهم ، أو الفقر- حمارة القيظ: شدة الحر- صبارة القر: شدة البرد- الحجال: جمع حجلة-،وهي قبة تضرب للعروس- وربات الحجال: النساء- السدم: الهم مع أسف ، وغيظ- النغب جمع نغبة ، وهي الجرعة- التهمام : الهم- أنفاساً : جرعة بعد جرعة- المراس: المزاولة والمعاناة- ذرفت على الستين: زدت عليها .
تحليل الخطبة:
هذه الخطبة من أشهر الخطب التي وصلتنا عن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه ، ومن أصدقها في التعبير عن نفسيته حال الخلافات التي جرت في خلافته ، وتتضمن باقة من الأفكار الهامة:
أولاً: أهمية الجهاد ، فهو الباب العريض إلى الجنة عندما يستشهد المجاهد ، والدرع الحصينة التي يتقي بها الأعداء ، ومن يتركه يعش ذليلاً
ثانياً: تقريع القوم على تقاعسهم عن الجهاد ، فتواكلوا ، وتخاذلوا حتى أتتهم الغارات من كل جانب ، وتقريعهم لعدم دفاعهم عن حقهم في حين اجتمع خصومهم على باطلهم ، وتقاعسوا عن الجهاد في الشتاء متعللين بالبرد ، وتقاعسوا عن الجهاد في الصيف متعللين بشدة الحر ؛ والحقيقة أنهم جبناء يفرون من مقارعة السيوف ؛ ولا بد من توبيخهم بقسوة تتناسب مع جبنهم ، وخذلانهم ؛ فهم أشباه رجال، وليسوا رجالاً
ثالثاً: اعتداده بشجاعته، وتمرسه بالحرب رداً على من اتهمه بالجبن ، والخذلان ؛ وحمَّل قومه مسؤولية النكول عن الحرب.
رابعاً: ولغيظه ، ونقمته عليهم تمنى لو أنه لم يعرفهم إذ من العار أن يكون أمير قوم جبناء .


المستشار الأدبي
حسين علي الهنداوي
شاعر وناقد
مدرس في جامعة دمشق
دراسات جامعية-في الأدب العربي
صاحب الموسوعة الأدبية (المرصد الأدبي )
حجم الموسوعة( خمس عشرة ألف صفحة )
سوريا -درعا- hoshn55@gmail.com
السيرة الذاتية للمستشار الأدبي(حسين علي الهنداوي)
أ- أديب و شاعر وقاص ومسرحي و ناقد و صحفي
ب- له العديد من الدراسات الأدبية و الفكرية
ج-نشر في العديد من الصحف العربية
د- مدرس في جامعة دمشق - كلية التربية - فرع درعا
ه- ولد الأديب في سوريا – درعا عام 1955 م
و- تلقى تعليمه الابتدائي و الإعدادي و الثانوي في مدينة درعا
ح- انتقل إلى جامعة دمشق كلية الآداب – قسم اللغة العربية و تخرج فيها عام 1983
ك- حائز على إجازة في اللغة العربية
ص-حائز على دبلوم تأهيل تربوي جامعة دمشق
ع- عمل محاضراً لمادة اللغة العربية في معهد إعداد المدرسين - قسم اللغة العربية في مدينة درعا
ف- انتقل إلى التدريس في المملكة العربية الســـعودية عام (1994 /2000 ) في مدينتـــي عنيزة و تبوك 0
1- عضو اتحاد الصحفيين العرب
2- عضو اتحاد كتاب الانترنت العرب
3- عضو تجمع القصة السورية
4- عضو النادي الأدبي بتبوك
مؤلفاته :
أ*- الشعر :
1- هنا كان صوتي و عيناك يلتقيان/1990
2- هل كان علينا أن تشرق شمس ثبير/1994
3- أغنيات على أطلال الزمن المقهور /1994
4- سأغسل روحي بنفط الخليج /1996
5- المنشّى يسلم مفاتيح إيلياء/1996
6- هذه الشام لا تقولي كفانا / مخطوط
ب*- القصة القصيرة :
شجرة التوت /1995
ج – المسرح :
1- محاكمة طيار /1996
2- درس في اللغة العربية /1997
3- عودة المتنبي / مخطوط
4- أمام المؤسسة الاستهلاكية / مخطوط
د – النقد الأدبي :
1- محاور الدراسة الأدبية 1993
2- النقد و الأدب /1994
3- مقدمتان لنظريتي النقد و الشعر / مخطوط
4- أسلمة النقد الأدب
هـ - الدراسات الدينية :
1- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الأول
2- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الثاني
3- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الثالث
4- فتاوى و اجتهادات / جمع و تبويب
5- هل أنجز الله وعده !!!!!!
و- موسوعة (المرصد الأدبي) :
1-تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية ( معاني الأدب وعلاقاته)
2 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية قبل الإسلام (العصر الجاهلي )
3 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر صدر الإسلام )
4 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر الخلفاء الراشدين )
5 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر الخلفاء الأمويين)
6 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء العباسيين )
7 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء الأندلسيين )
8 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الدول المتتابعة )
9- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء العثمانيين )
10- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية في (العصر الحديث)
11- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية في (العهد المعاصر)