شعر الفتوح الإسلامي في العصر الراشدي
استطاع الإسلام إن يخترق نفوس العرب ، وأن يدفعهم بحثا عن الجهاد في سبيل الله تعالى ، وقد خرج هؤلاء العرب من جزيرتهم بعد حروب الردة يجاهدون في سبيل الله دولتي الفرس ، والروم ، فقضوا على الأولى ، وحرَّروا أهم ولايتين للثانية ، وهما : الشام ، ومصر . وكانوا في أثناء ذلك الجهاد ينظمون في الموضوعات التالية :
1- الأناشيد الحماسية التي يتغنون فيها بانتصاراتهم ، ويمتدحون شجاعتهم في فتوحهم ، بما يقدمونه في سبيل الله تعالى ، ودينه .
2-المراثي الرائعة لبعض من سقطوا من الشهداء في تلك الفتوح .
3-الحنين البالغ للديار ، والأهل .
4- الوصف لكثير مما شاهدوه في فتوحهم من المعاقل ، والحصون ، والحيوانات ، وتحدثوا عمّا نزل بهم من الأمراض ، والطواعين . ولم يظل الشعر العربي في عصر صدر الإسلام ثابتًا عند موضوعاته ، ومعانيه القديمة، وأن الإسلام لم يخلف فيه آثارًا واضحة إلا بعض خيوط ضئيلة مبثوثة في قصائد شعراء المدينة المنورة ، أما من وراءهم من شعراء نجد ، وغير نجد ؛ فقد ظلوا لا يتحولون ، ولا ينحرفون بأشعارهم عن صورة الشعر الجاهلي ، وما عبر عنه من مشاعر ، وأحاسيس، وأفكار وأخيلة. وكأن الشعراء حينئذ لم يمس الإسلام قلوبهم ، ولا نفوسهم مع تحولهم من الحياة الوثنية المادية إلى حياة الدين الحنيف الروحية، ومع تلاوتهم للقرآن الكريم ، وما يصور من عظمة الله وجلاله، ومع استئصال الإسلام لما كان في حياتهم من رذائل ؛ وآثام ، ومع إحيائه لضمائرهم ، واستشعارهم مراقبة الله الذي يعلم خائنة الأعين ، وما تخفي الصدور، ومع تبتلهم إليه ، وعباداتهم ،ورفضهم لعرض الدنيا الزائل انتظارًا لما عنده من النعيم الدائم، ومع جهادهم في نشر الإسلام ، وبذل أرواحهم في سبيله مخلصين صادقين. وفي ذلك مخالفة صريحة لطبائع الأشياء؛ إذ لا يستطيع أحد أن ينكر أن للأحداث الجسام آثارًا عميقة في حياة الناس ما تلبث أن تترك ظلالها ، وأصداءها في شعرائهم ، وما ينتجون من شعر، وهل الشعر إلا تعبير عن حياة الناس وكل ما يؤثر فيها من أحداث ؟؟؟!!! . ولم يكن الإسلام حدثًا جسيمًا ؛ فحسب ، بل كان حدثًا خطيرًا في حياة العرب الروحية ، والاجتماعية ، والسياسية، فقد أخرجهم من عالم التعبد للأوثان ، وقُوَى الطبيعة إلى عالم التوحيد ، والإيمان بالله تعالى ، مدبر الكون ومنشئه، ومن عالم البغي ، والظلم ، والعدوان ، واقتراف الآثام إلى عالم الأمن ، والعدل ، والمساواة ، والأخلاق الفاضلة، ومن عالم التشتت في وحدات قبلية متنابذة إلى عالم التجمع في أمة واحدة متكافلة متعاونة يشد بعضها بعضًا ، كالبنيان المرصوص. وطبيعي أن يترك ذلك كله آثارًا بعيدة في نفوس العرب، وأن يدفعهم إلى أنحاء جديدة من الإحساس ، والشعور ، والتفكير، إلا أن تكون عوائق تصدت لهم ، وصرفتهم عن الإسلام ، ودعوته وهداه ، وهو ما لم يحدث، إنما الذي حدث أنهم آمنوا به أخلص الإيمان ؛ وأصدقه ، وقاموا دونه يحمونه بسيوفهم ، وأرواحهم، حتى إذا أضاءت أقباسه في جميع أرجاء الجزيرة حملوها إلى أقطار الأرض في الشرق ، والشمال والغرب. ليس من شك إذن : في أن العرب قد تأثروا بالإسلام تأثرًا عميقًا، يستوي في ذلك الشعراء ، وغير الشعراء ، وما كان الشعراء ليحرموا هذا التأثر، وهم يمتازون بدقة الحس ، ورقة الشعور، وبتهيئهم دائمًا لتلقي الانطباعات من عصورهم ،وبيئاتهم. وكأنما غابت كل هذه الحقائق عن كثرة الباحثين في أدبنا العربي، فإذا هم يرددون أن روحانية الدين الحنيف لا تظهر في شعر صدر الإسلام ظهورًا بينًا، وهو ترديد مرده إلى أنهم لم يطلعوا اطلاعًا كافيًا على مادة هذا الشعر، ولا أحاطوا بها إحاطة دقيقة. وشعر الفتوحات الإسلامية في هذه الفترة يرسم صورة مشرقة للانطلاقة الهائلة الواسعة، التي انتزعت العربي من حيزه الضيق لتطوف به في أرجاء ممتدة ، وبعيدة لم يستشرفها من قبل ، كما أنه يرسم صورًا رائعة للفروسية العربية في ذلك الإطار الجديد الذي وضعه الإسلام لتقاليدها، وصورًا رائعة أخرى للإيمان القوى، والتصديق العميق بما وُعد به المؤمنون المجاهدون، ولصنيع هذا الإيمان بتلك النفوس؛ من اكتشافها لذواتها، ومعرفتها بقدرها، فراحت من ثم تدك بإيمانها معاقل الأكاسرة وعروش الأباطرة والجبابرة، وتقود ولاياتهم إلى حظيرة الإسلام. وعلى هذا: فإن شعر الفتح بتصويره للآثار النفسية لما تمثله العرب من روح الإسلام، يكشف في جلاء عن الأسباب الفاعلة في انتقال هذه الأمة من ضلال وضعف وتخبط في عمايات الفتن والتناحر، إلى ما صارت إليه من اقتدار على رسم خريطة جديدة للعالم وقتذاك. وفضلًا عن ذلك يرسم شعر الفتح صورًا لبأس المسلمين في حومات الوغى وزحمات القتال، لا يغادر في سبيل ذلك معركة أو اشتباكا، حتى ليعد وثيقة تاريخية هامة في هذا السبيل، تسجل النتائج الناجمة عن الفتوح، من احتكاك بالبيئات الجديدة، وتأثر النفوس العربية المنطلقة بتلك الأجواء الغربية في طبيعتها وحياتها، وسبل هذه الحياة، وعما استحدثته في ظروف البعد عن المواطن الأولى، من استشعار الاغتراب والحنين، وعن هجرة البذور الأولى للشعر العربي إلى الأمصار والمناطق المفتوحة، وتصوير حياة المسلمين في هذه البقاع، وعلاقاتهم بأولي الأمر فيها قبل استقرار المجتمعات الإسلامية. ولا شك أن تصوير الشعر لهذا الحديث الفذ في تاريخ العقيدة الإسلامية ليس إلا تصويرًا لجوانب الحياة الإسلامية عامة في الوقت نفسه ؛ إذ إن الحقيقة التي لا جدال فيها أن الفتوح كانت أهم ما شغل حياة المسلمين، سواء من كان منهم تحت ظلال السيوف أو على حافة الميادين، فما من شك في أنهم كانوا يتنسمون أخبارها، ويترقبون ما يمكن أن تسفر عنه هذه الحركة الهائلة. فإذا بأنبائها من يوم إلى آخر تطلع عليهم في أقاصيص ممتزجة بغبار الوقائع ، وصهيل الخيل ، وصليل السيوف ، وصياح المحاربين، وإذا بهذه الروايات تنتشر في ربوع الديار العربية لتشغل كل اهتمامات المسلمين، ولتصبح زادًا لسمرهم، لا يزالون يقصونها ، ويزخرفونها ، ويعجبون بها. ولقد يبدو غريبًا ونحن نعتبر شعر الحرب أناشيد بطولة الأمة ، وسجل عزها، وخلودها ألا نجد في الدراسات الأدبية عناية بشعر الشعراء المحاربين في هذا الآونة، بل إننا لنعجب أن كثرتهم مجهولون ، ومغمورون ، وبعيدون عن الأضواء، ومحرومون من الاحتفال بحيواتهم ، وشخصياتهم ، وشعرهم! ويبدأ شعر الفتوح بغزوات النبي صلى الله عليه وسلم، وينحدر إلى حروب الفتوح في ديار فارس وأرض الروم، وسائر الأقطار التي بلغ إليها المسلمون بسيوفهم ويرسم صورًا للالتحام ، والكر ، والفر ، والإقبال ، والإدبار، والرمي بالنبل والحجر، والطعن بالسيف والرمح، والخبط بالأعمدة وغيرها. ويصور أيضًا ما ينكشف القتال عنه من قهر ، أو ظفر، أو اندفاع الفائزين بالغنيمة ، والفخر، وانطواء الخاسرين على تضميد الجروح ، وإعداد الثأر ، وقد كانت حروب العرب مع الروم والفرس حوادث أساسية خارقة ، وعجيبة حقًّا، تناولها الشعراء والرواة والقصاصون، وصنعوا فيها القصائد والأناشيد والحكايات، وربما جسموها بالخيال، وموهوها بالمبالغة. فشعر الفتوح شعر غنائي، يتغنى فيه المجاهدون بجهادهم وبلائهم، ويفخرون فيه بشجاعتهم ، وتفانيهم ، وفعالهم بالعدو. ونجد شاعر الفتوح الإسلامية -شأنه شأن غيره من شعراء الحماسة- لا يملك اختيار موضوع بعينه، وإنما هو يصور ابتداء كل ما يعتمل في وجدانه، ومشاعره، وما يعيش خلاله من أحداث يظهر وجدانه الشخصي فيما ظهورًا تامًّا وأساسيًّا، فيغني عواطفه الخاصة فيما يعبر عنه من المشاعر، وما يصوره من الأحداث.
ب-خصائص شعر الفتوح الإسلامية :
يمثل شعر الفتوح الإسلامية كنوع جديد من الشعر خصائص متميزة من أهمها:
1-الانطباع بطابع الآداب الشعبية
2-لم يبلغ مبلغ أشعار كبار الشعراء في هذا العصر .
3-قائلو بعض هذه القصائد مجهولون .
4-استخدام وزن الرجز لسهولته .
5-الإيجاز ،
6- أنه شعر اللمحات السريعة
7- أنه المواقف الخاطفة
8-أكثره مقطوعات قصيرة .
9- البساطة
10-عدم التكلف
11-يجري فيه الشاعر على سجيته
12-لا يدقق في المعنى
13-لا ينقح اللفظ
14-في هذا الشعر القصص الخيالية التي صاغها الشعراء عن أبطال الفتوح ، وجهادهم
15- استخدام الخيال في القصص ، والأشعار .
وإذا توقفنا مع القادسية بين المسلمين ، والفرس ؛ فإننا نجد أسماء كثير من الشعراء تصايحوا بالشعر الحماسي، أشهرهم ( قيس بن المكشوح المرادي ) الذي أبلى في هذه المعركة بلاء حسناً ، وقتل رستم قائد الفرس في تلك المعركة في مقطوعته التي يصور فيها هذا :
1- جلبتُ الخيلَ منْ صنعاءَ تردي بكلِّ مدججٍ كالليثِ سامي
2- إلى وادي القُرى فديارِ كلبٍ إلى اليرموكِ فالبلدِ الشآمِ
3- وجئن القادسيةَ بعدَ شهرٍ مسومةً دوابرها دوامي
4- فناهضنا هنالكَ جمعَ كِسرى وأبناءَ المرازبةِ الكرامِ
5- فلما أن رأيتُ الخيلَ جالتْ قصدتُ لموقفِ الملِكِ الهُمامِ
6- فأضربُ رأسهُ فهوى صريعاً بسيفٍ لا أفلَّ ولا كَهامِ
7- وقد أبلى الإله هناكَ خيراً وفعلُ الخيرِ عندَ اللهِ نامِ
ج- المجاهدون الشعراء لا يعبؤون بضعف ذويهم:
لم يهتم الشعراء المجاهدون بصيحات ذويهم، وضعفهم ، فانساحوا في الأرض فانحين ، ناشرين لدين الله تعالى ؛ فهذه امرأة النابغة الجعدي تناشده الله أن يبقى، ولكنه يجيبها بأنه لا عذر له في القعود:
باتت تذكرني بالله قاعدة ... ............والدمع ينهل من شأنيهما سبلا
يابنت عمي كتاب الله أخرجني ... ........كرهًا وهل أمنعن الله ما بذلا
فإن رجعت فرب الناس أرجعني ... ........وإن لحقت بربي فابتغي بدلًا
ما كنت أعرج أو أعمى فيعذرني ... أو ضارعًا من ضنى لم يستطع حولًا
وكذلك كان الشبان من المسلمين في مقتبل العمر لا يستطيعون مقاومة اللهفة إلى الجهاد، فيخلفون وراءهم آباء ضعافًا، يخافون عليهم ويبكونهم، ولكنهم لا يحفلون بهم ولا بدموعهم. كما فعل شيبان بن المخبل السعدي مع أبيه؛ إذ خرج مع سعد بن أبي وقاص إلى غزو الفرس، وكان أبوه قد أسن وضعف، فما برح يناديه، ويتحسر على وحدته بعده، وجدًا عليه وإشفاقًا وهلعًا، يقول:
أيهلكني شيبان في كل ليلة ... .......لقلبي من خوف الفراق وجيب
ويخبرني شيبان أن لم يعقني ... .......تعق إذا فارقتني وتحوب
فإن يك غصني أصبح اليوم باليا ... وغصنك من ماء الشباب رطيب
فإن حنت ظهري خطوب تتابعت ... فمشيي ضعيف في الرجال دبيب
إذا قال صحبي يا ربيع ألا ترى ... أرى الشخص كالشخصين وهو قريب
أشيبان ما يدريك أن كل ليلة ... ........غبقتك فيها والغبوق حبيب
وهذا كلاب بن أمية بن الأسكر يسأل طلحة والزبير عن أفضل الأعمال، فيخبرانه أنه الجهاد في سبيل الله، فيقصد عمر رضي الله عنه يسأله الجهاد، فيبعث به إلى العراق، ولكن أباه يناشده الأبوة والعجز أن يبقى، فيوليه ظهره، ويتوجه إلى العراق مخلفًا أباه ينتحب ويقول:
لمن شيخان قد نشدا كلابا ... كتاب الله إن حفظ الكتابا
أناديه فولاني قفاه ... ........فلا وأبي كلاب ما أصابا
إذا سجعت حمامة بطن وج ... على بيضاتها دعوا كلابا
أتاه مهاجران تكنفاه ... ........عباد الله قد عقا وخابا
ركت أباك مرعشة يداه ... .....وأمك ما تسيغ لها شرابا
فإنك والتماس الأجر بعدي ... كباغي الماء يتبع السرايا
ولكن كلابًا لا يحفل به، فيذهب أمية إلى المسجد يبكي لعمر ويستعطفه أن يرد عليه ابنه، فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. والعقوق -في تصوره- معصية كبرى على هذه الصورة، ويعلن أنه سيشكو عمر إلى الله إذا لم يرد كلابًا:
أعاذل قد عذلت بغير قدري ... ولا تدرين عاذل ما ألاقي
فإما كنت عاذلتي فردي ... كلابا إذ توجه للعراق
فتى الفتيان في عسر ويسر ... شديد الركن في يوم التلاقي
فلا وأبيك ما بالبيت وجدي ... ولا شغفي عليك ولا اشتياقي
وإيقادي عليك إذا شتونا ... وضحكك تحت نحري واعتناقي
سأستأدي على الفاروق ربا ... له عمد الحجيج إلى بساق
وأدعو الله محتبسًا عليه ... ببطن الأخشبين إلى دفاق
إن الفاروق لم يردد كلابا ... على شيخين هامهما زواق
وهكذا كان داعي الله أشد أثرًا وأقوى فعلًا في نفوس المجاهدين من المسلمين، طغى على كل دعوة إنسانية، سواء أكانت من أب عاجز، أم من زوجة بائسة.
وعلام يحفلون بهذه الدعوات وهذه الدموع ما دام الله تعالى قد دعاهم؟ فهذا الحتات يجيب أباه لما جزع عليه وبكاه واستعطفه ليرجع:
ألا من مبلغ عني ذريحا ... فإن الله بعدك قد دعاني
فإن تسأل فإني مستقيد ... وإن الخيل قد عرفت مكاني
وهكذا كانوا يتسابقون إلى الجهاد، لا يعبئون بأهليهم الذين يناشدونهم عجزهم وضعفهم، فيضربون بكل هذا عُرْض الحائط، إيثارًا للآخرة، وحبًّا في الظفر، ورغبة في المثوبة. فهذا أبو خراش الهذلي يقدم إلى المدينة فيجلس بين يدي عمر؛ ليشكو إليه شوقه إلى ابنه خراش الذي أوغل مع جيوش المسلمين في أرض الشام وتركه وحيدًا، بعد أن انقرض أهله ومحبوه، وقتل إخوته، ولم يبقَ له ناصر أو معين، ثم ينشده:
ألا من مبلغ عني خراشا ... وقد يأتيك بالنبأ البعيد
وقد يأتيك بالأخبار من لا ... تجهز بالحذاء ولا تزيد
تناديه ليغبقه كليب ... ولا يأتي لقد سفه الوليد
فرد إناءه لا شيء فيه ... كأن دموع عينيه الفريد
وأصبح دون غابقة وأمسى ... جبال من حرار الشأم سود
ألا فاعلم خراش بأن خير الـ ... مهاجر بعد هجرته زهيد
رأيتك وابتغاء البر دوني ... كمخضوب اللبان ولا يصيد
وأكثر من ذلك نجد كثيرًا من المؤمنين والمؤمنات يدفعون بأبنائهم إلى الجهاد دفعًا؛ إذ ليسوا بحاجة إليهم، وقد انتفت حالات العجز والضعف التي دفعت بالخلفاء إلى رد الأبناء على آبائهم الضعاف، ومنعهم من الجهاد إلا بموافقتهم. فنجد الخنساء الشاعرة المعروفة تدفع ببنيهما الأربعة إلى الجهاد ليلة القادسية، وقد أخذت توصيهم قائلة: "إنكم أسلمتم طائعين، وهاجرتم مختارين، ووالله الذي لا إله إلا هو.. إنكم لبنو رجل واحد وامرأة واحدة، ما خنت أباكم، ولا فضحت خالكم، ولا هجنت حسبكم، ولا غيرت نسبكم، وقد تعلمون ما أعد الله للمسلمين من الثواب الجزيل في حرب الكافرين، وأن الدار الباقية خير من الدار الفانية { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [آل عمران: 200] ، فإذا أصبحتم ، فاغدوا إلى قتال عدوكم مستبصرين، وبالله على أعدائه مستنصرين، فإذا رأيتم الحرب شمرت عن ساقها واضطرمت لظى على سياقها وجللت على أوراقها، فيمموا وطيسها، وجالدوا رئيسها عند احتدام حميسها، تظفروا بالغُنْم والكرامة في دار الخلد والمقامة" . فإذا ببنيها يباكرون مراكزهم إلى الجلاء، وهم يتغنون بهذه النصيحة شعرًا ملتهبًا بالإيمان، يكشف عن تمكن روح الجهاد في نفوسهم وفعله بهم، يقول أولهم:
يا إخوتي إن العجوز الناصحة ... قد نصحتنا إذ دعتنا البارحة
مقالة ذات بيان واضحة ... فباكروا الحرب الضروس الكالحة
وإنما تلقون عند الصائحة ... وأنتم بين حياة صالحة
أو ميتة تورث غُنْمًا رابحة
ويتقدم فيقتل، ويحمل الثاني وهو يرتجز:
إن العجوز ذات حزم وجلد ... والنظر الأوفق والرأي السدد
قد أمرتنا بالسداد والرشد ... نصيحة منها وبرا بالولد
فباكروا الحرب حماة في العدد ... إما لفوز بارد على الكبد
أو ميتة تورثكم عز الأبد ... في جنة الفردوس والعيش الرغد
ويقاتل حتى يستشهد، فيحمل الثالث وهو ينشد:
والله لا نعصي العجوز حرفا ... قد أمرتنا حربًا وعطفا
نصحًا وبرًا صادقًا ولطفا ... فبادروا الحرب الضروس زحفا
حتى تلاقوا آل كسرى لفا ... أو يكشفوكم عن حماكم كشفا
إنا نرى التقصير منكم ضعفا ... والقتل فيكم نجدة وزلفى
ويظل يجالد الفرس حتى يصرع، فيحمل الرابع منشدًا:
لست لخنساء ولا للأخرم ... ولا لعمرو ذي السنا الأقدم
إن لم أرد في الجيش جيش الأعجم ... ماض على الحول خضم خضرم
إما لفوز عاجل ومغنم ... أو لوفاة في السبيل الأكرم
ويخر صريعًا فيلحق بإخوته إلى الرفيق الأعلى، وحين يبلغ الخبر إلى أمهم تلك التي جعلت من أساها على أخيها صخر مناحة أليمة في تاريخ الأدب العربي -نجدها لا تهتز له إلا فخرًا فتقول: "الحمد لله الذي شرفني باستشهادهم".
وهكذا نرى هذا الدافع العقدي الجبار يدفع بالأم إلى أن تقود بنيها جميعًا بيدها وبلسانها إلى الجهاد، وتعدهم له، ويدفع بالأبناء إلى أن يعصوا الأبوة في سبيل الجهاد ولا يحفلوا بشيء، ويدفع الرجال إلى أن يتركوا وراءهم كل ما يتشبث به، وكل من يتمسك ببقائهم، إنها قوة دافعة لا تقاوم، يغذيها الإيمان العميق، والإحساس الأصيل بضرورة الانطلاق بالرسالة إلى الناس كافة؛ ليتسنى لهم أن يخرجوا من عبادة العباد إلى عبادة الله ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، انطلقوا جميعًا يجيبون داعي الله، حتى غدت ديارهم خلاء موحشة، ليس فيها غير الذئاب، كما يصور ذلك أسامة بن الحارث الهذلي في قوله:
فموشكة أرضنا أن تعود ... خلاف الأنيس وحوشًا يبابا
ولم يدعوا بين عرض الوتـ ... ـير حتى المناقب إلا الذئابا


المستشار الأدبي
حسين علي الهنداوي
شاعر وناقد
مدرس في جامعة دمشق
دراسات جامعية-في الأدب العربي
صاحب الموسوعة الأدبية (المرصد الأدبي )
حجم الموسوعة( خمس عشرة ألف صفحة )
سوريا -درعا- hoshn55@gmail.com
السيرة الذاتية للمستشار الأدبي(حسين علي الهنداوي)
أ- أديب و شاعر وقاص ومسرحي و ناقد و صحفي
ب- له العديد من الدراسات الأدبية و الفكرية
ج-نشر في العديد من الصحف العربية
د- مدرس في جامعة دمشق - كلية التربية - فرع درعا
ه- ولد الأديب في سوريا – درعا عام 1955 م
و- تلقى تعليمه الابتدائي و الإعدادي و الثانوي في مدينة درعا
ح- انتقل إلى جامعة دمشق كلية الآداب – قسم اللغة العربية و تخرج فيها عام 1983
ك- حائز على إجازة في اللغة العربية
ص-حائز على دبلوم تأهيل تربوي جامعة دمشق
ع- عمل محاضراً لمادة اللغة العربية في معهد إعداد المدرسين - قسم اللغة العربية في مدينة درعا
ف- انتقل إلى التدريس في المملكة العربية الســـعودية عام (1994 /2000 ) في مدينتـــي عنيزة و تبوك 0
1- عضو اتحاد الصحفيين العرب
2- عضو اتحاد كتاب الانترنت العرب
3- عضو تجمع القصة السورية
4- عضو النادي الأدبي بتبوك
مؤلفاته :
أ*- الشعر :
1- هنا كان صوتي و عيناك يلتقيان/1990
2- هل كان علينا أن تشرق شمس ثبير/1994
3- أغنيات على أطلال الزمن المقهور /1994
4- سأغسل روحي بنفط الخليج /1996
5- المنشّى يسلم مفاتيح إيلياء/1996
6- هذه الشام لا تقولي كفانا / مخطوط
ب*- القصة القصيرة :
شجرة التوت /1995
ج – المسرح :
1- محاكمة طيار /1996
2- درس في اللغة العربية /1997
3- عودة المتنبي / مخطوط
4- أمام المؤسسة الاستهلاكية / مخطوط
د – النقد الأدبي :
1- محاور الدراسة الأدبية 1993
2- النقد و الأدب /1994
3- مقدمتان لنظريتي النقد و الشعر / مخطوط
4- أسلمة النقد الأدب
هـ - الدراسات الدينية :
1- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الأول
2- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الثاني
3- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الثالث
4- فتاوى و اجتهادات / جمع و تبويب
5- هل أنجز الله وعده !!!!!!
و- موسوعة (المرصد الأدبي) :
1-تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية ( معاني الأدب وعلاقاته)
2 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية قبل الإسلام (العصر الجاهلي )
3 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر صدر الإسلام )
4 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر الخلفاء الراشدين )
5 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر الخلفاء الأمويين)
6 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء العباسيين )
7 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء الأندلسيين )
8 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الدول المتتابعة )
9- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء العثمانيين )
10- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية في (العصر الحديث)
11- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية في (العهد المعاصر)