تمثل المعاني الإسلامية في شعر العهد الراشدي
ولعل أكثر الطوابع الإسلامية مباشرة وأبرزها ظهورًا في شعر الفتوح محاولة تمثل بعض المعاني الإسلامية الخالصة، تمثلًا قريبًا من صورتها في آي الذكر الحكيم، كما حدث في شعر النابغة الجعدي، الذي اتخذ زوال دولة الفرس موضوعًا له، فصوره معجزة من المعجزات الباهرة، التي وفق الله المسلمين إليها، حتى ليجعلنا نعتقد أنه وضع أمامه آيات بعينها من الكتاب العزيز، وراح ينظمها نظمًا، حافظ خلاله -جاهدًا- على ألفاظها. وهي محاولة طريفة، إذا تتبعنا أبياته لنرى إلى أي مدى تمثل هذه المعاني. يقول النابغة:
الحمد لله لا شريك له ... من لم يقلها فنفسه ظلما
وهذا معنى يتردد كثيرًا في القرآن الكريم، من مثل قوله عز وجل على لسان لقمان وهو يعظ ابنه: { يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ } [ لقمان: 13 ] ثم يأخذ في تعداد الآيات الكونية فيقول:
المولج الليل في النهار وفي ... الليل نهارًا يفرج الظلما
وكأنه يعني قوله تعالى: { أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ} [ لقمان: 29] .
ثم ينتقل إلى آية أخرى من الآيات الكونية فيقول:
الخافض الرافع السماء على ... الأرض ولم يبن تحتها دعما
وهذا معنى قوله سبحانه: {خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ} [لقمان: 10] وينتقل إلى معنى آخر فيقول:
الخالق البارئ المصور في الـ ... أرحام ماء حتى يصير دما
من نطفة قدرها مقدرها ... يخلق منها الأبشار والنسما
م عظاما أقامها عصب ... ثمت لحمًا كساه فالتأما
ثم كسا الريش والعقائق أبشـ ... ـارا وجلدا تخاله أدما
وهو يقصد بهذه الأبيات، إلى التدليل على أن البعث حق، وكأنه يعني قوله تعالى: { يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ } [الحج: 5] . أو قوله تعالى: { وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ، ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ، ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ، ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ، ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ } [المؤمنون: 12-16] . ثم يتحدث عن أنعم الله على الإنسان من كساء يواري به سوآته، مصداق قول تعالى: { يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ} [الأعراف: 26] . ثم يتحدث من بعد ذلك عن قدرته تعالى، في اختلاف الخلق، وأصواتهم، وألوانهم، فيقول:
والصوت واللون والمعايش والـ ... أخلاق شتى وفرق الكلما
ذلك المعنى الذي تعبر عنه الآية الكريمة: { وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ } [الروم: 22] . وهذا كله من أجل أن يدلل على صحة البعث والنشور ليقول:
ثمت لا بد أن سيجمعكم ... والله جهرًا شهادة قسما
فائتمروا الآن ما بدا لكم ... واعتصموا إن وجدتم عصما
في هذه الأرض والسماء ولا ... عصمة منه إلا لمن رحما
فهو يعني: إحاطته سبحانه وتعالى بالخلق، وكأنه ينظر في قوله عز وجل على لسان نوح عليه السلام لابنه حين قال: { قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ } [هود: 43] . وينتهي ليذكر الفاتحين التي أجراها الله على أيديهم، في إزالتهم ملك فارس فيقول:
يأيها الناس هل ترون إلى ... فارس بادت وجدها رغما
أمسوا عبيدًا يرعون شاءكم ... كأنما كان ملكهم حلما
أو سبأ الحاضرين مأرب إذ ... يبنون من دون سيله العرما
وآية هذا أن طوابع إسلامية قد طبعت الشعر الإسلامي في الفتوح من جراء صدوره في ظروف أثرت في شكله، ونزعت به إلى التخفف من المقدمات الغزلية والطللية، التي لا تتلاءم مع ما يتحمل الفاتحون من مسئوليات سامية وجادة، وما هم مشتغلون به عما سواه. وقد أتاح هذا للرجز أن يصبح قالبًا من قوالب الشعر، يتحمل موضوعات القصائد. وكان من أبرز الطوابع التي طبعت المضمون الشعري صدور الشعر عن روح الجماعة الإسلامية، وعن وجدانها الجماعي، الذي استنفد القوميات المحلية والعصبيات القبلية وصاغها صياغة جديدة، في إطار جديد. كما صدر الشعر عن المثل الإسلامية الرفيعة، وعُنِيَ بنقلها، وصور تطبيق النظم الإسلامية في الأمصار الجديدة. كذلك طبع الشعر بمثل ما طبعت به النفوس المؤمنة من المشاعر الدينية، والأحاسيس الروحية السامية، التي تجلت في الإيمان العميق بالله، والحرص على الفوز بما وعد، والاستسلام لقضائه، وما بثه الإسلام في العرب من اعتزاز بأنفسهم تضاءلت أمامه هيبة الدول، التي تسلطت عليهم بالأمس فأدالوها وسادوها، بما دفعه الإسلام فيهم من روح جديدة، أكدت لهم ضرورة هدايتهم العالمين إلى ما هداهم به ربهم. وقد اصطبغ الشعر في ألوانه وضروبه جميعًا بصبغ إسلامي، واضح في معانيه وتعبيراته وألفاظه، وكان من أبرز هذه الطوابع الإسلامية ما حاوله بعض الشعراء من محاكاة المعاني الإسلامية، والتعاليم الدينية وآيات القرآن الكريم.



المستشار الأدبي
حسين علي الهنداوي
شاعر وناقد
مدرس في جامعة دمشق
دراسات جامعية-في الأدب العربي
صاحب الموسوعة الأدبية (المرصد الأدبي )
حجم الموسوعة( خمس عشرة ألف صفحة )
سوريا -درعا- hoshn55@gmail.com
السيرة الذاتية للمستشار الأدبي(حسين علي الهنداوي)
أ- أديب و شاعر وقاص ومسرحي و ناقد و صحفي
ب- له العديد من الدراسات الأدبية و الفكرية
ج-نشر في العديد من الصحف العربية
د- مدرس في جامعة دمشق - كلية التربية - فرع درعا
ه- ولد الأديب في سوريا – درعا عام 1955 م
و- تلقى تعليمه الابتدائي و الإعدادي و الثانوي في مدينة درعا
ح- انتقل إلى جامعة دمشق كلية الآداب – قسم اللغة العربية و تخرج فيها عام 1983
ك- حائز على إجازة في اللغة العربية
ص-حائز على دبلوم تأهيل تربوي جامعة دمشق
ع- عمل محاضراً لمادة اللغة العربية في معهد إعداد المدرسين - قسم اللغة العربية في مدينة درعا
ف- انتقل إلى التدريس في المملكة العربية الســـعودية عام (1994 /2000 ) في مدينتـــي عنيزة و تبوك 0
1- عضو اتحاد الصحفيين العرب
2- عضو اتحاد كتاب الانترنت العرب
3- عضو تجمع القصة السورية
4- عضو النادي الأدبي بتبوك
مؤلفاته :
أ*- الشعر :
1- هنا كان صوتي و عيناك يلتقيان/1990
2- هل كان علينا أن تشرق شمس ثبير/1994
3- أغنيات على أطلال الزمن المقهور /1994
4- سأغسل روحي بنفط الخليج /1996
5- المنشّى يسلم مفاتيح إيلياء/1996
6- هذه الشام لا تقولي كفانا / مخطوط
ب*- القصة القصيرة :
شجرة التوت /1995
ج – المسرح :
1- محاكمة طيار /1996
2- درس في اللغة العربية /1997
3- عودة المتنبي / مخطوط
4- أمام المؤسسة الاستهلاكية / مخطوط
د – النقد الأدبي :
1- محاور الدراسة الأدبية 1993
2- النقد و الأدب /1994
3- مقدمتان لنظريتي النقد و الشعر / مخطوط
4- أسلمة النقد الأدب
هـ - الدراسات الدينية :
1- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الأول
2- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الثاني
3- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الثالث
4- فتاوى و اجتهادات / جمع و تبويب
5- هل أنجز الله وعده !!!!!!
و- موسوعة (المرصد الأدبي) :
1-تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية ( معاني الأدب وعلاقاته)
2 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية قبل الإسلام (العصر الجاهلي )
3 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر صدر الإسلام )
4 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر الخلفاء الراشدين )
5 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر الخلفاء الأمويين)
6 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء العباسيين )
7 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء الأندلسيين )
8 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الدول المتتابعة )
9- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء العثمانيين )
10- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية في (العصر الحديث)
11- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية في (العهد المعاصر)