أحاديث البطولة في شعر الفتوح الراشدي:
لا ريب أن أنباء الفتح وأخبار المسلمين مع الفرس والروم وأقاصيص غزواتهم العديدة وما كان يلقى المسلمون هنا وهناك من تقدم أو تقهقر أو عسر أو يسر كان ينتقل بين الميادين المختلفة، وتنعكس أصداؤه على المسلمين في شبه الجزيرة العربية؛ حيث كانوا هناك يستشرفون هذه الأخبار وينتظرونها بشغف، ويتتبعونها في حرص ولهفة، ذلك أنهم وجهوا كل اهتمامهم آنذاك إلى ما قد تتمخض عنه هذه الحركة الهائلة في تاريخهم وتاريخ عقيدتهم. وكان هذا الاهتمام يظهر في وضوح في أثناء المعارك المهمة والفاصلة؛ إذ يروي الرواة أن العرب كانوا يتوقعون وقعة القادسية فيما بين العذيب إلى عدن، وفيما بين الأبلة وأيلة، ويرون أن ثبات ملكهم وزواله بها. وكانت كل بلد مصيخة إليها، تنظر ما يكون من أمرها، حتى إن الرجل كان يريد الأمر فيقول: لا أنظر فيه حتى أنظر ما يكون من أمر القادسية ، وكان المسلمون يتلهفون على أبناء المعارك والانتصارات. وكان الفاتحون وكثرتهم من المسلمين العاديين الذين انطلق الشعر على ألسنتهم ولم يكونوا يعرفون به من قبل يسجلون انتصاراتهم ويغتبطون بها، وكان كل هذا يتجمع في روايات الرواة، في صورته الأولى التي صدر فيها، والتي لم تصل إلينا على كل حال؛ إذ إن هذه المرويات المأثورة من أخبار الأبطال وبلائهم، وأفانين بسالتهم، وما يروون لهم أو عنهم من الشعر في إطار زمني يحدد سير المعارك قد تعرضت في صورتها البسيطة الواقعية لغير قليل من محاولات النسج، والسبك والتضخيم، والإغراق، ودخلها كثير من الخيال الشعبي. فهو يعني: إحاطته سبحانه وتعالى بالخلق، وكأنه ينظر في قوله عز وجل على لسان نوح عليه السلام لابنه حين قال: { قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ } [هود: 43] . وينتهي ليذكر الفاتحين التي أجراها الله على أيديهم، في إزالتهم ملك فارس فيقول:
يأيها الناس هل ترون إلى ... فارس بادت وجدها رغما
أمسوا عبيدًا يرعون شاءكم ... كأنما كان ملكهم حلما
أو سبأ الحاضرين مأرب إذ ... يبنون من دون سيله العرما
وآية هذا أن طوابع إسلامية قد طبعت الشعر الإسلامي في الفتوح من جراء صدوره في ظروف أثرت في شكله، ونزعت به إلى التخفف من المقدمات الغزلية والطللية، التي لا تتلاءم مع ما يتحمل الفاتحون من مسئوليات سامية وجادة، وما هم مشتغلون به عما سواه. وقد أتاح هذا للرجز أن يصبح قالبًا من قوالب الشعر، يتحمل موضوعات القصائد. وكان من أبرز الطوابع التي طبعت المضمون الشعري صدور الشعر عن روح الجماعة الإسلامية، وعن وجدانها الجماعي، الذي استنفد القوميات المحلية والعصبيات القبلية وصاغها صياغة جديدة، في إطار جديد. كما صدر الشعر عن المثل الإسلامية الرفيعة، وعُنِيَ بنقلها، وصور تطبيق النظم الإسلامية في الأمصار الجديدة. كذلك طبع الشعر بمثل ما طبعت به النفوس المؤمنة من المشاعر الدينية، والأحاسيس الروحية السامية، التي تجلت في الإيمان العميق بالله، والحرص على الفوز بما وعد، والاستسلام لقضائه، وما بثه الإسلام في العرب من اعتزاز بأنفسهم تضاءلت أمامه هيبة الدول، التي تسلطت عليهم بالأمس فأدالوها وسادوها، بما دفعه الإسلام فيهم من روح جديدة، أكدت لهم ضرورة هدايتهم العالمين إلى ما هداهم به ربهم. وقد اصطبغ الشعر في ألوانه وضروبه جميعًا بصبغ إسلامي، واضح في معانيه وتعبيراته وألفاظه، وكان من أبرز هذه الطوابع الإسلامية ما حاوله بعض الشعراء من محاكاة المعاني الإسلامية، والتعاليم الدينية وآيات القرآن الكريم . ولا ريب أن أنباء الفتح وأخبار المسلمين مع الفرس والروم وأقاصيص غزواتهم العديدة وما كان يلقى المسلمون هنا وهناك من تقدم أو تقهقر أو عسر أو يسر كان ينتقل بين الميادين المختلفة، وتنعكس أصداؤه على المسلمين في شبه الجزيرة العربية؛ حيث كانوا هناك يستشرفون هذه الأخبار وينتظرونها بشغف، ويتتبعونها في حرص ولهفة، ذلك أنهم وجهوا كل اهتمامهم آنذاك إلى ما قد تتمخض عنه هذه الحركة الهائلة في تاريخهم وتاريخ عقيدتهم. وكان هذا الاهتمام يظهر في وضوح في أثناء المعارك المهمة والفاصلة؛ إذ يروي الرواة أن العرب كانوا يتوقعون وقعة القادسية فيما بين العذيب إلى عدن، وفيما بين الأبلة وأيلة، ويرون أن ثبات ملكهم وزواله بها. وكانت كل بلد مصيخة إليها، تنظر ما يكون من أمرها، حتى إن الرجل كان يريد الأمر فيقول: لا أنظر فيه حتى أنظر ما يكون من أمر القادسية. وكان المسلمون يتلهفون على أبناء المعارك والانتصارات. وكان الفاتحون وكثرتهم من المسلمين العاديين الذين انطلق الشعر على ألسنتهم ولم يكونوا يعرفون به من قبل يسجلون انتصاراتهم ويغتبطون بها، وكان كل هذا يتجمع في روايات الرواة، في صورته الأولى التي صدر فيها، والتي لم تصل إلينا على كل حال؛ إذ إن هذه المرويات المأثورة من أخبار الأبطال وبلائهم، وأفانين بسالتهم، وما يروون لهم أو عنهم من الشعر في إطار زمني يحدد سير المعارك قد تعرضت في صورتها البسيطة الواقعية لغير قليل من محاولات النسج، والسبك والتضخيم، والإغراق، ودخلها كثير من الخيال الشعبي. فقد ظلت هذه الآثار تتناقل على الألسن زمنًا قبل تدوينها، وأسهم القصاص الذين كانوا يتحدثون إلى الناس في مساجد الأمصار -فيذكرون لهم من أخبار المغازي والفتوح ما يمثل لهم أهواءهم وشهواتهم ومثلهم- إسهامًا خطيرًا في البعد بهذه المرويات المأثورة من الواقع إلى الخيال البعيد. فقد كان هؤلاء القصاص يمضون مع الخيال إلى حيث يستطيع الخيال أن يذهب بهم، لا إلى حيث يلزمهم العلم والصدق أن يقفوا. وكأن الناس كلفين بهؤلاء القصاص، مشغوفين بما يلقون إليهم من حديث . كما كان القصاص كلفين بإرضاء روح الشعب الذين كانوا يتحدثون إليه، والذي يطلب المعجزة في كل شيء، فعنوا عناية كبيرة بالأساطير والمعجزات وغرائب الأمور، وصوروا له تاريخه وفتوحه كما يحب أن يراها وأن يسمعها، ورسموا له صور الأبطال الذين يعجب بهم ويتمثلهم رسمًا خياليًّا أسطوريًّا. وكانت هذه الأحاديث شأنها شأن القصص الشعبي كله في حاجة إلى الشعر، فالبطل لا بد أن يكون شاعرًا إلى جانب فروسيته، وعاشقًا ومستخفًّا بكل المصاعب التي يواجهها. وهذه المواقف في حاجة إلى الشعر؛ لتزيينها، وتشويق الشعب لسماعها. ورصعت هذه الأحاديث بالشعر، وأضيفت هذه الأشعار إلى الشعراء وغير الشعراء، ونتجت أشعار تنسب إلى غير قائل، وأشعار أخرى تنسب إلى الجن، وولدت الروايات، وامتلأت بالأعاجيب والتهاويل، حتى ليذهب بعض الباحثين المحدثين إلى أن الأخبار التي استخلص منها تاريخ العرب ليست إلا المظهر القصصي للحياة العربية القديمة، ذكرها العرب بعد أن استقروا في الأمصار، فزادوا فيها ونموها وزينوها بالشعر. وظلت الروايات هذه تتعرض لعمل الرواة والقصاص، وتتأثر بالظروف التي تروى خلالها؛ حيث اشتدت العداوة السياسية، وعادت العصبية جذعة عقب الانتهاء من الفتوح، واشتعلت الفتن، ولعبت هذه الظروف -فضلًا عن تعلق روح الشعب الذي شغف برواية أخبار الفتوح- دورها في تغيير صور هذه الآثار إلى ما يرضي نزعات الشعب، من الإغراب والإعجاب وما يساير نزعات السياسة والعصبية، وبعد هذا كله عن الوقائع، إلى أن أصبحت أساطير أو كادت، حتى دونت في القرن الثاني الهجري. ومن بين هذه العوامل جميعًا نجد روح الشعب أكثر فاعلية في البعد بهذه الأحاديث عن الواقع؛ إذ إن المسلمين الذين تحققت على أيديهم المعجزة فدكوا صروح الفرس والروم بهرتهم المعجزة التي صنعوها بأيديهم، فراح وجدانهم يطلب الإعجاز في تبريرها، ويسهم بطريق غير مباشر في رواية تاريخ الفتوح، رواية تشبع مطامحه وترضي اعتزازه، كما يبدو في تصوير بلاء الفرسان الأفذاذ؛ كخالد بن الوليد، والقعقاع، والمثنى، وعمرو بن العاص، وأبي محجن الثقفي، وعمرو بن معد يكرب، وغيرهم من الأبطال الذين نسبت إليهم أفعال معجزة لا تكاد تصدق. بل إن هذه الأفعال كثيرًا ما نسبت إلى المحاربين العاديين. فهذا حياص بن قيس بن الأعور القشيري، الذي قطعت رجله يوم اليرموك يقتل ألفًا من الروم وحده في هذا اليوم ، ولو رحنا نعدد القتلى الذين قتلهم المسلمون من الفرس والروم في الوقائع المختلفة جميعًا لربا مجموعهم على كل ما نعرف الآن من ضخامة الجيوش الحديثة. ونحن لا نذهب مذهب الشك الخالص في هذه الروايات، وما احتوت عليه من الأخبار والأشعار والقصص، فإنها على حد زعم المتشككين مظهر للوقائع الحقيقية، تدل عليها وتصورها، وتعطينا صورة لروح الشعب في ذلك الوقت. وسنرى فيما بعد كيف لعبت هذه العوامل دورها في البعد بالروايات وأحاديث البطولة من الواقع التاريخي إلى التاريخ الأسطوري، الذي نسجه الخيال الشعبي.




المستشار الأدبي
حسين علي الهنداوي
شاعر وناقد
مدرس في جامعة دمشق
دراسات جامعية-في الأدب العربي
صاحب الموسوعة الأدبية (المرصد الأدبي )
حجم الموسوعة( خمس عشرة ألف صفحة )
سوريا -درعا- hoshn55@gmail.com
السيرة الذاتية للمستشار الأدبي(حسين علي الهنداوي)
أ- أديب و شاعر وقاص ومسرحي و ناقد و صحفي
ب- له العديد من الدراسات الأدبية و الفكرية
ج-نشر في العديد من الصحف العربية
د- مدرس في جامعة دمشق - كلية التربية - فرع درعا
ه- ولد الأديب في سوريا – درعا عام 1955 م
و- تلقى تعليمه الابتدائي و الإعدادي و الثانوي في مدينة درعا
ح- انتقل إلى جامعة دمشق كلية الآداب – قسم اللغة العربية و تخرج فيها عام 1983
ك- حائز على إجازة في اللغة العربية
ص-حائز على دبلوم تأهيل تربوي جامعة دمشق
ع- عمل محاضراً لمادة اللغة العربية في معهد إعداد المدرسين - قسم اللغة العربية في مدينة درعا
ف- انتقل إلى التدريس في المملكة العربية الســـعودية عام (1994 /2000 ) في مدينتـــي عنيزة و تبوك 0
1- عضو اتحاد الصحفيين العرب
2- عضو اتحاد كتاب الانترنت العرب
3- عضو تجمع القصة السورية
4- عضو النادي الأدبي بتبوك
مؤلفاته :
أ*- الشعر :
1- هنا كان صوتي و عيناك يلتقيان/1990
2- هل كان علينا أن تشرق شمس ثبير/1994
3- أغنيات على أطلال الزمن المقهور /1994
4- سأغسل روحي بنفط الخليج /1996
5- المنشّى يسلم مفاتيح إيلياء/1996
6- هذه الشام لا تقولي كفانا / مخطوط
ب*- القصة القصيرة :
شجرة التوت /1995
ج – المسرح :
1- محاكمة طيار /1996
2- درس في اللغة العربية /1997
3- عودة المتنبي / مخطوط
4- أمام المؤسسة الاستهلاكية / مخطوط
د – النقد الأدبي :
1- محاور الدراسة الأدبية 1993
2- النقد و الأدب /1994
3- مقدمتان لنظريتي النقد و الشعر / مخطوط
4- أسلمة النقد الأدب
هـ - الدراسات الدينية :
1- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الأول
2- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الثاني
3- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الثالث
4- فتاوى و اجتهادات / جمع و تبويب
5- هل أنجز الله وعده !!!!!!
و- موسوعة (المرصد الأدبي) :
1-تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية ( معاني الأدب وعلاقاته)
2 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية قبل الإسلام (العصر الجاهلي )
3 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر صدر الإسلام )
4 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر الخلفاء الراشدين )
5 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر الخلفاء الأمويين)
6 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء العباسيين )
7 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء الأندلسيين )
8 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الدول المتتابعة )
9- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء العثمانيين )
10- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية في (العصر الحديث)
11- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية في (العهد المعاصر)