-فـن النقائض :
(النقيضة ) في الشعر : هي قصيدة يقولها شاعر من الشعراء في هجاء شاعر آخر مع قومه ، فيرد الشاعر الثاني بنقيضة أخرى تظهر مخازي الأول وقومه تكون على الروي نفسه والقافية ذاتها ، وإن اختلفت بعض الحركات والقوافي أحيانا . وموضوعها الشتم والسباب والقذف وعدم مراعاة الحُرم والأعراف ، وقد كانت النقائض استمرارا لما حدث في العصر الجاهلي من مناقاضات ، كما حصل بين حسان بن ثابت رضي الله تعالى عنه والزبعرى ، عندما ذكر ابن الزبعرى أخت حسان بن ثابت ( عمرة ) وقـد نشأ هذا الفن وتطور في العصر الأموي بفعل عوامل اجتماعية وسياسية وعقلية .
1 - أما العوامل الاجتماعية فتنطلق مـن الفراغ الداخلي الذي أحدثه الأمويون فــي نفـوس الناس ، فمالوا إلى الفراغ .
2 - أما العوامل العقلية فتتمثل في نمـو العقل العربي ، ونمو الجدل والمناظرة في العقائد والتشريع وأحقية الخلافة .
3 - وأما العوامل السياسية ؛ فتمثل في محاولة الأمويين صرف الناس عن أمور الحكم وإشغال بعضهم ببعض .
لقد كانت النقائض في العصر الأموي استمراراً للهجاء القبلي في الجاهلية ، وكان يبعثها عادة خلاف بين قبيلتين أو أسرتين فينتصر شاعر لقومه أو أحلاف قومه ، فيرد عليه شاعر من هؤلاء ، فيعود الأول إلى الرد عليه ، ثم يلتحم الهجاء ويستطير . ولقد أذكى هذه النزعة في الشعراء قيام الأحزاب ، وتقرب هؤلاء الشعراء إلى الخلفاء والأمراء بهجاء خصومها تكسبا للمال . ولقد دلت النقائض على أن الحمية الجاهلية ظلت ذات أثر في النفوس حتى بعد أن انتشر الإسلام .. إلا أن شعراء النقائض لم ينسوا ، في غمرة نزاعهم القبلي المحلي ، إن يشيدوا بعظمة العرب وأن يشيروا إلى اتساع الفتوح الإسلامية ، وخصوصا في المشرق : ( في فارس والهند والصين ) . ولعل مجموع الشعر الأموي يدلنا على أن البداوة ظلت غالبة على المجتمع الأموي . وأن الشعر الأموي مملوء بالمفاخر الجاهلية والبدوية كالفخر بالأنساب وبأيام العرب ( ومعاركهم الجاهلية ) وبالكلام على الثأر. وظل شعراء المناقضات حتى أواخر العصر الأموي يعدون الحياة الحضرية في باب المعائب العربية ، فالأخطل قد هجا الأنصار لأنهم زراعون ، وجرير ظل إلى آخر حياته يهجو مجاشع لأنهم قيون ( حدادون ) ، ذلك لأن القيانة ( الحدادة ) وسائر الصناعات إنما كان يقوم بها العبيد في العصر الجاهلي . ولكن الشعر الأموي امتلأ أيضا بالألفاظ الإسلامية والآراء الإسلامية وذكر جرير والفرزدق وغيرهم الصلاة والحج في شعرها واقتبسوا كلهم من القرآن الكريم ظاهر . وللنقائض قيمة لغوية لاشك في ذلك ، فشعراء المناقضات قد حفظوا اللغة العربية صافية كما كانت في الجاهلية . فالألفاظ التي حفظت لنا ، في النقائض كانت كثيرة ، وكان أكثرها غريبا متصلا بالمعاني الجاهلية القديمة . بل لعل قسما من ألفاظ النقائض كانت أكثر غرابة من ألفاظ المعلقات . وكانت النقائض تقليداً واضحاً للمعلقات خاصة : تقليداً في شكل القصيدة وفي كثرة أغراضها وطول نفسها ، وفي كثير من خصائصها الأخرى كالفخر بالأنساب والهجاء القبلي والنسب في مطالع القصائد وكالغزل البدوي ، عفيفا وصريحاً . ومع أننا لا نعجب بالنقائض من الناحية الخلقية والاجتماعية فإننا لا ننكر أن شعراء المناقضات قد أضافوا إلى الشعر العربي فناً جديداً هو فن (الشعر السياسي ) ، أو أنهم على الأصح قد وسعوا هذا الفن ، الذي ظهرت طلائعه منذ الجاهلية عند النابغة خاصة ، توسيعا جعله فنا جديداً . والنقائض قد قامت على (( التكسب )) بخلاف أكثر الشعر الجاهلي . وإن شعراء النقائض عموماً لم يميلوا إلى حزب دون حزب بدافع المبدأ والعقيدة بل مالوا إلى كل حزب كان يفيض عليهم بالعطايا . وقد كان السبب المباشر في ظهور هذه النقائض أن شاعرا يربوعيا هجا جريراً فانقض عليه جرير بالهجاء، فاستغاث اليربوعي بالبعيث المجاشعي ، فأغاثه فهجا جريراً ، فانصبَّ جرير على مجاشع وأفحش بذكر النساء ، فاستغاثت نساء مجاشع بالفرزدق فهجا جريراً وهكذا تكاملت حلقة المناظرة وأصبح هذا الفن الذي دام خمسين عاما من أقبح فنون الشعر العربي قيمياً بحيث أبرز هذا الفن مدى التراجع الذي حلّ بالشعر العربي في قيمه بعد مرور خمسين عاما على دعوة الرسول عليه السلام ، يقول الفرزدق مفتخرا بشرفه وأصله وعزة بيته : إن الذي سمك السماء بنى لنا بيتا دعائمه أعــز وأطــول
بيتا بناه المليك وما بنــى حكـــم السماء فإنه لا ينقل
بيتا زراة محتب بفنائه ومجاشع وأبو الفوارس نهشل
وقد أجابه جرير قائلاً :
أخزى الذي سمك السماء مجاشعا وبنى بناءك في الحضيض الأسفل
إنـي بنـى لـي فـي المكارم أولــي ونفخت كيرك في الزمان الأول
ومن المناقضات التي انتشرت في ذلك العصر ؛ ما قاله الفرزدق معتداً بعقول قومه الراجحة في أيام السلم وشجاعتهم في أيام الحرب :
أحلامنا تزن الجبال رزانة وتخالنا جنا إذا ما نجهـل
وقد نقض جرير ذلك في قصيدة :
أبلغ بني وقبان أن حلومهم حفّت فما يزنون حبة خردل
وقد كان الفرزدق هجاء مقذعا يجاهر بما لا يحلّ من النساء فيذكر في هجائه ما يعف عن ذكره كما حصل معه في المدينة المنورة من ذلك :
هما دلتاني مـن ثمانين قامة كما انقض باز أقتم الريش كاسره
فردّ جرير متهكماً وساخراً :
تدليت تزني من ثمانين قامة وقصرت عن باع العلا والمكارم
ويقال : إن الأخطل التغلبي قد حكم للفرزدق بالسبق على جرير بعد أن أغراه بذلك بشر بن مروان والي العراق بأن ينحاز إلى الفرزدق بعد أن حكم بالسبق لجرير ،
يقول الأخطل :
اخسأ إليك كليب إن مجاشعا وأبا الفوارس نهشلا أخوان
وإذا سمعت بدارم قد أقبلوا فاهرب إليك مخافة الطوفان
فيرد عليه جرير :
يا ذا الغباوة إن بشراً قد قضى ألا تجوز حكومة النشوان
فدعوا الحكومة لستم من أهلها إن الحكومة في بني شيبان
5- الرثاء :
وهو فن استمر في العصر الأموي على ما كان معروفا عند الجاهليين ، فندبوا وأبَّنو ، وعزّوا أحياءهم وإن تغيرت مناقب التأبين ، وتبدلت شمائلها ؛ فأصبح المرثي يتصف بالتقوى والإيمان والخير والبر والرحمة والهداية والطهر. وقد يتناول الرثاء زوجة محببة لدى الشاعر تمنعه العاديات -( رثاء جرير لزوجته خالدة ) -أن يزور قبرها فيقول :
لولا الحياء لهاجني استعبار ولزرت قبرك والحبيب يزار
ولهت قلبي إذ علتني كبرة وذوو التمائم من بنيك صغار
صلى الملائكة الذين تخيروا والصالحون عليك والأبرار
أما رثاء الخوارج فيصف مناقب العُبَّاد من قيام الليل وصيام النهار ، يقول عمر بن الحصين راثياً عبد الله بن يحي، وأبا حمزة الخارجي :
كم من أخ لك قد فجعت به قوّام ليلته إلــى الفجـــر
متأوه يتلــو قو ارع مــن آي القران مفرّع الصــدر
6- قصائد الانتصارات :
نظراً لكثرة الغزوات والحروب الداخلية والخارجية التي خاضها العرب بعد الإسلام ، فقد كتب الشعراء الذين خاضوا تلك المعارك قصائد تمثل الانتصارات .
7- شعر الشكوى :
عبر الشعراء في العصر الأموي عن التظلّم ، واليأس من سوء العلاقات الاجتماعية ، وتوزيع الأموال والمناصب السياسية ، فقـد أخذ بالتحول البطيء باتجاه التخلي عـن القيم الإيجابية التي كان الإسلام قـد بدأ بغرسها فـي نفوس الناس ، وهذا هو الراعي النجدي يتوجه إلى الخليفة عبد الملك بن مروان منشداً إياه شكواه الشعرية من جباة الضرائب الذين جلدوا قومهم بالسياط لعجزهم عن دفع الضرائب :
أخليفة الرحمن إنا معشر حنفاء نسجد بكرة وأصيلا
عرب نرى لله فــي أموالنا حق الزكاة منزلا تنزيلا
إن السعاة عصوك يوم دعوتهم وأتوا دواهي لو علمت ونحولا
أخذوا العريف فقطعوا حيزومه بالأصبحية قائما مغلـــولا
إن الذين أمرتهم أن يعدلـوا لم يفعلـوا مما أمـرت فتيلا
وهذا الشاعر كعب الأشقري يستغيث بعمر بن عبد العزيز متظلماً من عماله :
إن كنت تحفظ ما يليك فإنما عمال أرضك بالبلاد ذئاب
لن يستجيبوا للذي تدعو له حتى تجلّد بالسيوف رقاب


المستشار الأدبي
حسين علي الهنداوي
شاعر وناقد
مدرس في جامعة دمشق
دراسات جامعية في الأدب العربي
صاحب الموسوعة الأدبية (المرصد الأدبي )
حجم الموسوعة( خمس عشرة ألف صفحة )
سوريا -درعا- hoshn55@gmail.com
السيرة الذاتية للمستشار الأدبي(حسين علي الهنداوي)
أ- أديب و شاعر وقاص ومسرحي و ناقد و صحفي
ب- له العديد من الدراسات الأدبية و الفكرية
ج-نشر في العديد من الصحف العربية
د- مدرس في جامعة دمشق - كلية التربية - فرع درعا
ه- ولد الأديب في سوريا – درعا عام 1955 م
و- تلقى تعليمه الابتدائي و الإعدادي و الثانوي في مدينة درعا
ح- انتقل إلى جامعة دمشق كلية الآداب – قسم اللغة العربية و تخرج فيها عام 1983
ك- حائز على إجازة في اللغة العربية
ص-حائز على دبلوم تأهيل تربوي جامعة دمشق
ع- عمل محاضراً لمادة اللغة العربية في معهد إعداد المدرسين - قسم اللغة العربية في مدينة درعا
ف- انتقل إلى التدريس في المملكة العربية الســـعودية عام (1994 /2000 ) في مدينتـــي عنيزة و تبوك 0
1- عضو اتحاد الصحفيين العرب
2- عضو اتحاد كتاب الانترنت العرب
3- عضو تجمع القصة السورية
4- عضو النادي الأدبي بتبوك
مؤلفاته :
أ*- الشعر :
1- هنا كان صوتي و عيناك يلتقيان/1990
2- هل كان علينا أن تشرق شمس ثبير/1994
3- أغنيات على أطلال الزمن المقهور /1994
4- سأغسل روحي بنفط الخليج /1996
5- المنشّى يسلم مفاتيح إيلياء/1996
6- هذه الشام لا تقولي كفانا / مخطوط
ب*- القصة القصيرة :
شجرة التوت /1995
ج – المسرح :
1- محاكمة طيار /1996
2- درس في اللغة العربية /1997
3- عودة المتنبي / مخطوط
4- أمام المؤسسة الاستهلاكية / مخطوط
د – النقد الأدبي :
1- محاور الدراسة الأدبية 1993
2- النقد و الأدب /1994
3- مقدمتان لنظريتي النقد و الشعر / مخطوط
4- أسلمة النقد الأدب
هـ - الدراسات الدينية :
1- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الأول
2- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الثاني
3- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الثالث
4- فتاوى و اجتهادات / جمع و تبويب
5- هل أنجز الله وعده !!!!!!
و- موسوعة (المرصد الأدبي) :
1-تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية ( معاني الأدب وعلاقاته)
2 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية قبل الإسلام (العصر الجاهلي )
3 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر صدر الإسلام )
4 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر الخلفاء الراشدين )
5 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر الخلفاء الأمويين)
6 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء العباسيين )
7 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء الأندلسيين )
8 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الدول المتتابعة )
9- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء العثمانيين )
10- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية في (العصر الحديث)
11- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية في (العهد المعاصر)