النقد الأدبي في العصر الأموي
أولاً-شذرا ت مهمة في النقد :
أ- توطئة :
استطاع القرآن الكريم أن يفتح أعين العرب على العلم والثقافة والمعرفة ؛ فنشط الفكر والأدب وأصبح هم الناس التزي بالعلم ؛ وعندما استقر العرب في المدن والأمصار وتأثروا بالحضارات الأجنبية مادياً وعقلياً وازدهر الشعر تبعا للتطور الطبيعي في المناطق المختلفة من أصقاع الدولة الإسلامية كالحجاز والشام والعراق، بدأ النقاد يوازنون بين الشعراء، تارة بين شعراء المذهب الواحد، وأخرى بين شعراء البيئة الواحدة، وظهرت كلمات نقدية جديدة ترجع كل شاعر إلى مذهبه، ومن عباراتهم التي تداولوها :
1-جرير أشعر عند العامة،
2-والفرزدق أشعر عند الخاصة . وقد كان خلفاء بني أمية يعقدون المجالس الأدبية يتحدث فيها الحاضرون عن الشعر والشعراء، ويلقي المادحون قصائدهم فتنال الاستحسان أو الإعراض والانتقاد،
ب- فمعاوية بن أبي سفيان:
1-ألقى عن المادحين فضول الكلام،
2-وأشعر أهل الإسلام كعب بن زهير ، ومعز بن أوس ..........................
ج-واشتهر الخليفة عبد الملك بن مروان: بأحكامه النقدية،
1- فيروى عنه أنه قال لمادحيه : «تشبهونني مرة بالأسد ومرة بالبازي ومرة بالصقر، أما قلتم كما قال كعب الأشقري :
-ملوك ينزلون بكل ثغر
إذا ما الهام يوم الروع طارا
-رزان في الأمور ترى عليهم
من الشيخ الشمائل والنجارا
-نجوم يهتدي بهم إذا ما
أخو الظلماء في الغمرات جارا
2-وقد مدحه الشاعر عبد الله بن قيس الرقيات بقصيدة منها :
-إن الأغر الذي أبوه أبو الـ
ـعاصي عليه الوقار والحجب
-يعتدل التاج فوق مفرقة
على جبين كأنه الذهب
فقال له : تمدحني لتاج كأني من العجم وتقول في مصعب بن الزبير :
-إنما مصعب شهاب من اللـ
ـه تجلت عن وجهه الظلماء
-ملكه ملك عزة ليس فيه
جبروت منه ولا كبرياء
3-وفي هذه الأحكام نقد دقيق موجه يدل على ذوق عبد الملك العربي الخالص.
د-ومنها حكم الشعراء بعضهم على بعض،
1-كحكم جرير على الأخطل بأنه يجيد مدح الملوك،
2-وحكم الأخطل على جرير بأنه يغرف من بحر،
3-وعلى الفرزدق بأنه ينحت من صخر......................................
ه-وإذا أتينا إلى أواخر القرن الأول الهجري : نجد أن النقد قد بدأ ينمو أكثر نتيجة لعدة عوامل منها :
1-المجالس الأدبية التي يعقدها الخلفاء،
2-والاحتكاك بين الشعراء والتنافس الأدبي بينهم،
3-والمنافسات القبلية ، بحيث تريد كل قبيلة أن يكون أشعر الشعراء منها ، 4-تأثير الفوز بالأولية في الشعر بالبحث عن أشعر شاعر الشيء الذي يفسر تعدد الأجوبة كلما طرح السؤال : من أشعر الشعراء؟
4-تسارع سير النقد بخطوات سريعة نحو التطور الذي عرفته كل معالم الثقافة العربية ابتداء من هذا العهد.
5-ظهور نقاد اختصوا في النقد وجعلوه همهم بعد أن رأينا النقد في العصر الجاهلي خطرات ذهن فطري متوقد يحكم على البيت أو البيتين، ويهمل تعليل الأحكام أو يورد بعض التعليلات الجزئية، وسار في الاتجاه نفسه تقريبا في العصر الإسلامي مع بعض التطور الذي يتجلى في المفاضلة بين الشعراء، وفي غلبة طابع الاهتمام اللغوي عليه، والمعنوي أحيانا أخرى، وهذا قد أهله ليتقبل التطور الذي ينتظره.
6-تكون نواة المذاهب والمدارس والتيارات النقدية حين بدأت حركة التدوين في مختلف ميادين الثقافة العربية على أوسع نطاق.
ثانياً-رؤيا النقد في الحجاز والعراق والشام :
نما النقد الأدبي في العصر الأموي وازدهر في بيئات ثلاث هي : الحجاز، والعراق، والشام، وقد تلوّن في كل بيئة بلون الحياة والظروف الاجتماعية والسياسية التي أحاطت بكل بيئة؛ لأن الأدب انعكاس للواقع، وباختلاف ظروف كل بيئة اختلف الشعر، فأدى ذلك إلى اختلاف النقد بين هذه البيئات.
أ-النقد في الحجاز :
1-النقد معطى أدبي :
خلال الحكم الأموي ازدادت أهمية الحجاز ومكانتها ، فقد أصبح خزانة للأموال التي جمعها الأمراء وقادة الجيوش الإسلامية من خلال الفتوحات . وقد لجأ إليه بسبب ما كان عليه من ثراء واستقرار العديدُ من أعيان العرب وأثريائهم من مختلف الجهات. وأصبح مركزا دينيا يدرس فيه القرآن، ويشرح فيه الحديث من قبل أهل العلم بالدين والفقه، وصار العديد من الرجال المسلمين يفدون إليه من مختلف الأقطار الإسلامية وتحول إلى بيئةً للهو والترف في آنٍ واحد بسبب تدفق الأموال من جهة ، وإقصاء السياسة عنه وظهور الجواري غير العربيات اللاتي جئن من مختلف النواحي. وقد ازداد بمرور السنين تدفق الأموال من الشام ( مركز الخلافة ) على أهل الحجاز؛ لجلب ولائهم وتأييدهم، وإسكات المعارضين للخلافة، وصرف نظرهم عن المطالبة بالسلطة، نتيجة للخلاف الذي كان حول من هو أحق بالخلافة بين الأمويين وبين من شايعوا عليًّا. وقد عكس هذا الجو وهذه الحياة الناعمة ذوقا أدبيا جديدا أدى إلى بروز جيل جديد متفائل مرح عكسه الشعراء في شعرهم ، حيث مالوا هم كذلك إلى شعر الغزل الذي رسموا فيه صورا عن واقع الحياة في بيئتهم، وامتد ذلك إلى (النقد) كذلك؛ حيث انكب النقاد حول هذا اللون من الشعر؛ يحللون، ويبحثون ما فيه من مظاهر الضعف، أو القوة والجمال.
2-ومن أبرز الأسماء (الناقدة) :
أ-والسيدة سُكَيْنَة بنت الحسين بن أبي طالب حفيدة الرسول .
ب- أبي عتيق الذي ينتمي نسبه إلى أبي بكر الصديق.




أ-النقد عند السيدة سُكَيْنَة بنت الحسين بن أبي طالب حفيدة الرسول .
ترجمت أحكامُ السيدةِ سُكينةَ النقديةُ ذوقَ جيلِ ذلك العصرِ، وكان العديد من الشعراء يفدون إليها، ويلتقون بها في مجالسها تطالبهم بصور ومعان شعرية مغايرة لما كان عليه الحال في العصر الجاهلي، فقد راحت السيدة (سُكَيْنَة) تتأمل النصوص الشعرية، وتفحص الصورة التي رسمها الشاعر للمرأة، وتحاول أحيانا أن تجري عليها بعض التعديلات؛ حتى تتلاءم مع ذوق المرأة من خلال ما كانت تبديه من ملاحظات، وقد قال عنها صاحب (الأغاني) يصفها : "إنها كانت من أجمل نساء عصرها، وكانت برزة تجالس الأجلاء من قريش، ويجتمع إليها الشعراء، وكانت ظريفة مزاحة ...وكانت سكينة تجيء في ستارة يوم الجمعة فتقوم بإزاء ابن مطيرة وهو خالد بن عبدالملك بن الحارث بن الحكم إذا صعد المنبر فإذا شتم عليا - - شتمته هي وجواريها، فكان يأمر الحرس فيضربون جواريها" الأغاني [16 /151] ، وقد كان لنسبها الكريم أثره في أحكامها النقدية التي كانت مرجعيتها ذلك الاحترام والتقدير الذي يكنه الرسول -  - للمرأة، المستمد من روح القرآن .
3- نماذج من النقد عند ( سُكينة ) :
ومما ورد عنها من شواهد نقدية في هذا الموضع
أ-حكمها على بيت جرير: عوانة بن الحكم -قال جاء جرير إلى باب سكينة بنت الحسين عليه السلام يستأذن عليها فلم تأذن له وخرجت إليه جارية لها فقالت تقول لك سيدتي أنت القائل
طَرَقَتْكَ صائدةُ القلوب وليس ذا حينَ الزيارةِ فارْجِعِي بسلامِ
قال نعم. قالت أفلا أخذت بيدها فرحبت بها وأدنيت مجلسها وقلت لها ما يقال لمثلها. أنت عفيف وفيك ضعف فخذ هذين الألفي الدرهم فالحق بأهلك./الأغاني [8 /42]/ ,فقد فرقت الناقدة بين الكلام عن الأحاسيس العاطفية وبين الأخلاق .
ب-وقد روت عنها كتب الأدب نماذج كثيرة من نقدها الظريف ، فقد سمعت(نُصَيْبا) يقول:
أَهِيمُ بِدَعْدٍ مَا حَيِيتُ فَإِنْ أَمُتْ فَوَاحُزْنَا مَنْ ذَا يَهِيمُ بِهَا بَعْدِي
فعابت عليه صرف نظره إلى من يعيش مع ( دَعْد ) بعده ورأت الصواب أن يقول :
أَهِيمُ بِدَعْدٍ مَا حَيِيتُ فَإِنْ أَمُتْ فَلاَ صَلُحَتْ دَعْدٌ لِذِي خُلَّةٍ بَعْدِي
ج-تفضيلها جريرا على الفرزدق: عن الشعبي أن الفرزدق خرج حاجا فلما قضى حجه عدل إلى المدينة فدخل إلى سكينة بنت الحسين عليهما السلام فسلم فقالت له يا فرزدق من أشعر الناس؟ قال أنا ، قالت كذبت أشعر منك الذي يقول
بنفسِي مَنْ تَجَنُّبُه عزيزٌ ... عليّ ومَنْ زيارتُه لِمَامُ
ومَنْ أمسِي وأُصبِح لا أَراه ... ويَطْرُقُنِي إذا هَجَع النِّيام
فقال والله لو أذنت لي لأسمعتك أحسن منه قالت أقيموه فأخرج ثم عاد إليها من الغد فدخل عليها فقالت يا فرزدق من أشعر الناس ؟ قال : أنا ، قالت : كذبت ..صاحبك جرير أشعر منك حيث يقول
لولا الحياءُ لعادني استعبارُ ... ولَزُرْتُ قبرك والحبيبُ يُزَارُ
كانت إذا هَجَر الضَّجِيعُ فِراشَها ... كُتِمَ الحديثُ وعَفَّت الأسرارُ
لا يَلْبَثُ القُرَنَاءُ أنْ يتفرَّقوا ... ليلٌ يكُرّ عليهمُ ونهارُ
فقال والله لئن أذنت لي لأسمعنك أحسن منه فأمرت به فأخرج ثم عاد إليها في اليوم الثالث وحولها مولدات لها كأنهن التماثيل فنظر الفرزدق إلى واحدة منهن فأعجب بها وبهت ينظر إليها فقالت له سكينة يا فرزدق من أشعر الناس ؟ قال : أنا قالت : كذبت ! صاحبك أشعر منك حيث يقول:
إنَّ العيونَ التي في طَرْفِها مَرَضٌ ... قتلْنَنَا ثم لم يُحْيِينَ قَتْلانا
يَصْرَعْنَ ذا اللُّبِّ حتى لا حَرَاكَ به ... وهنّ أضعفُ خَلْقِ اللَّه اركانا
أَتْبعتُهم مُقْلةً إنسانُها غَرِقٌ ... هل ما تَرَى تاركٌ للعين إنسانا
فقال والله لئن تركتني لأسمعنك أحسن منه فأمرت بإخراجه فالتفت إليها وقال يا بنت رسول الله إن لي عليك حقا عظيما قالت وما هو قال ضربت إليك آباط الإبل من مكة المكرمة إرادة التسليم عليك فكان جزائي من ذلك تكذيبي وطردي وتفضيل جرير علي ومنعك إياي أن أنشدك شيئا من شعري وبي ما قد عيل منه صبري وهذه المنايا تغدو وتروح ولعلي لا أفارق المدينة حتى أموت فإذا أنا مت فمري بي أن أدرج في كفني وأدفن في حر هذه يعني الجارية التي أعجبته فضحكت سكينة وأمرت له بالجارية فخرج بها آخذا بريطتها وأمرت الجواري فدفعن في أقفيتهما ونادته يا فرزدق احتفظ بها وأحسن صحبتها فإني آثرتك بها على نفسي " الأغاني [8 /44] ، وقد امتد هذا اللون من النقد في موضوع الغزل إلى نساء أخريات.
د-فقد عاتبت ( عَزَّةُ ) ( كُثَيِّرًا ) في وصفه لها بالمظاهر الشكلية غير الطبيعية ، وقالت له لم لا تقول مثل ما قال امرؤ القيس في وصفه المرأة :
أَلَمْ تَرَنِي كُلَّمَا جِئْتُ طَارِقًا وَجَدْتُ بِهَا طِيبًا وَإِنْ لَمْ تَتَطَيَّبِ
ه-وقد استرققت " عَزَّة " قول "الأحْوَص" وفضّلته على ( كثير ) في بعض معانيه في وصف المرأة مثل قوله :
وَمَا كُنْتُ زَوَّارًا وَلَكِن الْهَوَى إِذَا لَمْ يُزَرْ لاَبُدَّ أَنْ سَيَزُورَ
ب-النقد عند عبد الله بن أبي عتيق
1- ملأ ابن أبي العتيق الحجاز نقدًا ظريفًا لأكثر شعراء الغزل في عصره، وكان يعتمد ‏في نقده على ذوق مرهف وحِسّ مترف، وقريحة وقّادة، وبصيرة نافذة في التمييز بين جيّد الشعر ‏ورديئه، صحيحه وزائفه، وإلى جانب ذلك كله كان محيطاً بثقافة عصره ومعارفه، وثيق الصلة ‏بحياته الأدبية، عليماً بتيّاراتها واتجاهاتها، أكثر من الاهتمام بعمر بن أبي ربيعة، فقد كان مصاحباً له داعماً لشعره حتى اتهمه نقاد عصره بالانحياز ‏إليه ، فمثل ظاهرة الناقد المتخصص.‏ من أمثلة ذلك أنه حضر ابن أبي عتيق عمرَ ابن أبي ربيعة وهو ينشد قوله‎:
ومَن كانَ محزوناً بإهـراق عَبرَةٍ ‎وَهَـى غَربُـــها فَلْــيأتـِـنـا نُبكِـه غَدا
نُعِنْهُ على الإثكالِ إنْ كــانَ ثاكِلاً‎ وإنْ كان مَحروباً وإنْ كانَ مُقصَدا
فعاب عليه الغلو والمبالغة وذلك منهي عنه في الشعر.
-وأنشد عمر بن أبي ربيعة ابنَ أبي عتيق في أحد الأيام قائلاً‎:
بينما يَـنعَتنَنِــــي أبـصـرنَنِـي‎ * دونَ قِيد الميل يعدو بـي الأغرْ‎
قالت الكبرى: أَتَعرِفنَ الفتى؟‎ * قالت الوُسـطـى: نعـم هذا عمرْ‎
قالت الصـــغـرى وقَد تَـيَّمتُها: * ‎قد عرفناهُ... وهل يخفى القَمَرْ؟‎
-فقال له ابن أبي عتيق: أنت لم تنسُب بها، وإنما نسبتَ بنفسك! كان ينبغي أن تقول: قلتُ لها فقالت ‏لي، فوضعتُ خدّي فوطِئَت عليه‎ .!‎فعاب عليه أنه كان يمدح نفسه أكثر من الممدوح. -ومن نماذج من نقده لعبد الله بن قيس الرقيات:
نقد قوله:
تعدت بي الشهباء نحو ابن جعفر سـواء عـليها لـيلها ونـهارها‏‎‎
وقد أخذ عليه في هذه الأبيات الغموض فيها من حيث المعنى؛ إذ إنه في قوله
-سواء عليها ليلها ‏ونهارها
-جعلها كالعمياء وليس هذا المراد بل إن المراد هو الكناية عن شدة تعبها، وهذا المعنى ‏ليس بظاهر في الأبيات بل إنه ملبس كما ذكرت.‏
-وقد برز إلى جانب هؤلاء النقاد نفر من (الشعراء) مارسوا النقد إلى جانب الشعر، فقد سمع عمر بن أبي ربيعة ( كُثَيِّرًا ) يقول :
ألا لَيْتَنا يا عَزَّ كُنَّا لِذِي غِنًى بعيرينِ نرعى في الخلاءِ ونعزُبُ
كِلانا به عَرٌّ فمَنْ يَرَنا يقُلْ على حسنِها جرباءُ تُعدي وأجربُ
إذا ما وَردنا مَنْهلاً صَاحَ أهلُهُ علينا فما ننفكُّ نُرمى ونُضربُ
نكونُ بعيريْ ذي غنىً فيُضيعُنا فلا هُوَ يرْعانا ولا نَحْن نُطْلَبُ
يُطّرِدُنا الرُّعيانُ عَنْ كُلِّ تلْعةٍ ويمنعُ مِنّا أَنْ نُرى فيه نَشْرَبُ
وددتُ وبيتِ اللهِ أنّكِ بكرةٌ هجانٌ وأنّي مُصعَبٌ ثمَّ نهرُبُ
فقال عمر : تمنيت لها ولنفسك الرّق والجرب والرمي والطرد والمسخ ، فأي مكروه لم تتمن لها ولنفسك ، لقد أصابها منك قول القائل : " معاداة عاقل خير من مودة أحمق ".
-وقد حدد النقاد الحجازيون مقياس الغلو و المبالغة في رسم العاطفة ، ومن ثمة صار إذا ما عبر الشاعر عن عاطفته بغُلُوّ أو بصورة خارجة عن المألوف كانت غريبة مضحكة تشبه النوادر .
- قال عمر بن أبي ربيعة شعرا فيه غلو :
ومَـن كانَ مَحْـزُونًا بإهْرَاقِ عَبْرَةٍ وهــى غَرْبُهَـــا فلْيَأتِنَا نَبْكِهِ غَدَا
نُعِنْهُ عَلى الإثْكَال إنَ كانَ ثَاكلاً وإنْ كان مَحزونًا وإن كَان مَقصِدَا
فمضى ابن أبي عتيق إلى عمر وقال له : جئناك لموعدك ، قال: وأي موعد بيننا ، قال: قولك : " فليأتِنَا نَبْكِهِ غَدَا ". وقد جئناك و الله لا نبرح أو تبكي إن كنت صادقا أو ننصرف على أنك غير صادق ثم مضى وتركه.
2 - النقد في العراق :
-دوافع الشعر :
كان الشعر في العراق يشبه إلى حد كبير الشعر الجاهلي في مضمونه وأسلوبه، بسبب العصبية القبلية التي عادت إلى الظهور، وكانت أغلب موضوعات الشعر في العراق في:
أ- الافتخار
ب-والاعتزاز
ج-وهجاء الخصوم بالهجاء المر المقذع .
د-النقائض الشعرية التي حمل لواءها : الفرزدق وجرير والأخطل في سوق الشعر ( سوق المربد ) ، يفد إليه الناس من كل جهة، ويجتمع فيه الشعراء ينشدون الأشعار من مفاخرة بالأنساب وتعاظم بالكرم والشجاعة وإبراز ما لقوم كل شاعر من فضائل وأيام .
-وقائع النقائض :
لقد كان لكل شاعر حلقة ينشد فيها شعره ويحمس أنصاره في جو مملوء بالهرج والنقاش حتى قيل أن والى البصرة ضج بما أحدثه هؤلاء الشعراء من صخب واضطراب في أوساط الناس فأمر بهدم منازلهم. وقد احتفظ العديد من الكتب النقدية القديمة بصور ونماذج من هذه الحركة الشعرية والنقدية ، وما كان يجري بين جرير و الفرزدق والأخطل حيث يقوم الشاعر بنظم قصيدة في هجاء خصمه والافتخار بذاته وبقومه على وزن خاص وقافية خاصة ، فيقوم الآخر بنقضها بنظم قصيدة مماثلة ويحوّلها إلى هجاء مضاد على نفس الوزن و القافية . وقد تشكلت في هذا الإطار ثلاثة معسكرات ، كل واحد تعصب لشاعر وفضله على خصمه والتمس محاسن شعره فيشيعها، ويبحث عن معايب الآخر فيشهّر بها .
وقيل إن الأخطل تحالف مع الفرزدق ضد جرير لكن جريرا أفحمهما . وقيل إن كذا وأربعين شاعرا تحالفوا ضده فأسكتهم لقدراته ومهارته في هذا الفن. وقد كانت هذه الخصومات سببا في غلبة هذا الاتجاه على الشعر والنقد في العراق حتى عُدَّ الشاعر غير السائر على طريقة هؤلاء في المدح و الهجاء شاعرا متخلفا ضعيفا.
قال ذو الرمة مرة للفرزدق : مالي لا ألحق بكم معشر الفحول ؟ فقال له : لتجافيك في المدح والهجاء واقتصارك على الرسوم و الديار . أي أنه مازال ينظم على منوال القدماء ولم يساير الظروف.
-نقد جديد( محكمة الشعر) :
حين نفتش عن النقد في هذه البيئة نجد نقدا آخر يتلاءم مع طبيعتها وما كان فيها من شعر حيث اتجه النقاد هناك إلى الموازنة بين الشعراء، وأي الثلاثة أشعر ؟ وسموا هذا :
1-قضاء
2-وسموا الذي يحكم قاضيا،
3- وسموا الحكم والحاكم أي الناقد " حكومة " .
وقال جرير في الأخطل لما فضل الفرزدق عليه :
فدعوا الحكومة لستمُ من أهلها ...........إن الحكومة في بني شيبان
غير أن هذا النوع من النقد لم يكن الوحيد في العراق لأن هناك بعض الشعراء من قال شعرا خارج شعر النقائض ، ولذلك راح بعض النقاد يعنى بمميزات شعر الشاعر ، وما تفرد به عن غيره، و البحث عن مواطن ضعفه وقوته وموازنته بغيره وإصدار الحكم عليه.
أ-نماذج نقدية في غير النقائض:
1-حكم الفرزدق على النابغة الجَعْدِيّ بأنه صاحب ( خُلْقَان ) و البيت يساوي عنده آلاف الدراهم والبيت لا يساوي إلا درهما.
2-حكم الفرزدق على ذي الرمة بجودة شعره لولا وقوفه عند البكاء على الدِّمَن،
مرَّ الفرزدق بذي الرمة، وهو ينشد شعره، فلما فرغ قال: كيف ترى شعري؟ قال: أنت شاعر. قال: فلم فضل علي غيري؟ قال: لأنك كثير البكاء على الدمن، وكثير الوصف لأبوال الأبل وذكر الديار البلاقع، فإذا صرت إلى الهجاء والمدح أكديت،
3-سئل جرير عن ذي الرمة ، فقال: بعر ظباء يفوح، ونقط عروس. أراد به بعر ظباء، يعني أول ما تأخذ بعر الظباء تفوح منه رائحة المسك، ثم يرجع إلى حالته. يعني شعر ذي الرمة أول ما يطرق السمع توجد له حلاوة، ثم لا. كان أبو عمرو بن العلاء يقول: ختم الشعر بذي الرمة.
4-كذا حكم جرير على الأخطل بأنه : "يجيد مدح الملوك، ويصيب صفة الخمر".
5-وموازنة الأخطل بين جرير والفرزدق بأن جريرا يغرف من بحر، والفرزدق ينحت من صخر، اجتمع الفرزدق وجرير والأخطل عند بشر بن مروان وكان بشر يغري بين الشعراء فقال للأخطل احكم بين الفرزدق وجرير فقال اعفني أيها الأمير ، قال احكم بينهما فاستعفاه بجهده فأبى إلا أن يقول فقال هذا حكم مشؤوم ثم قال الفرزدق ينحت من صخر وجرير يغرف من بحر فلم يرض بذلك جرير وكان سبب الهجاء بينهما ... (الأغاني 8 /327).
6-وإلى جانب نقد الموازنة في شعر النقائض، وكذا النقد الذي يعنى بإبراز ما تفرد به بعض الشعراء في شعرهم عن غيرهم ، فهناك نقد يعنى بالمعاني الجزئية في شعر الشاعر دون موازنته بغيره ، فقد نقد الحجاج الفرزدق حين مدحه في قوله : من يأمن الحجاج و الطير تتقى عقوبته إلا ضعيف العزائم فقال الحجاج : الطير تتّقى كل شيء حتى الثوب والصبي. وفضّل عليه قول جرير فيه نفس المعنى:
من يأمن الحجاج أما عقابه فمُرٌّ وأما عهدُه فوثِيق
يُسِرُّ لك الشحناءَ كلُّ منافقٍ كما كلُّ ذي دِينٍ عليك شفيقُ
(الجليس الصالح والأنيس الناصح 153)
ب-السرقات الشعرية في هذا العصر :
وقد ظهر هذا الضرب من النقد الأدبي انطلاقا من نظرة الإسلام لمفهوم السرقة حيث عدّها انحرافا اجتماعيا ، وقد حرم السرقة بجميع أشكالها .
وذهب بعض الشعراء ينسبون لقبائلهم شعر شعراء قبائل أخرى. وأحيانا ينسبون لأنفسهم البعض من جيد الشعر الجاهلي حتى يظهروا بمظهر الفحول فيعلو مقامهم ويذيع صيتهم. وللفرزدق تهم عديدة ، فقد كثرت مصادرته لشعر غيره. كما تذكر بعض الروايات تُهَمَ الأصمعي له بأن تسعة أعشار شعره سرقةٌ، قلت للأصمعي: كيف شعر الفرزدق؟ قال: تسعة أعشار شعره سرقة. قال: وأما جرير فله ثلاثون قصيدة ما علمته سرق شيئا قط إلا نصف بيت ، وكان كذلك يستعين بأشعار " تَغْلب " في خصومته مع الفرزدق. وتارة يستعين بشعرائها في نظم قصائده. واتهم " كُثَيّر عَزّة " بالسرقة من شعر "جَمِيل بُثَيْنَةَ" حين يتغزّل بعَزّة. وقد كان لأخبار سرقة الشعر صدى واسع في أوساط الشعراء ولدى العامة أيضا .
ج- حركة الخوارج الشعرية :
وهي حركة أدبية ونقدية متأثرة بالإسلام وبتعاليمه ، التي كان لها شعر قوى رائع ابتعدت فيه عن المدح والهجاء ، بل كان شعراؤها يهدفون إلى :
1-إرضاء عواطفهم بالاستهانة بالموت في سبيل الله،
2-والحث على الشجاعة،
3-وإنكار شهوات النفس،
4- وتسخيرها لإرضاء الله،
مستخلصين ذلك من قوله تعالى: { إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ } ( سورة التوبة ، الآية 111) ولهم في هذا شعر يفيض بقوة إيمانهم وشدة شجاعتهم . وقد امتدت نزعتهم هذه إلى نقدهم حيث راحوا يهوّنون من شعر الشعراء الذين يتكسبون ويتمسحون بالأمراء ليمدحوهم بما ليس فيهم حتى ينالوا المال و المكانة ،
د-الشاعر الحق عند الخوارج :
1- من صَدَق في قولِه
2-واتقى الله في شعره .
3-ووزن الشعر بميزان ديني أخلاقي.
أما غيرهم فيزنونه بميزان فني بحث ، غير أن دور الخوارج في الحقل الأدبي ضعُف بضعفهم سياسيا. ومن أشعار الخوارج :
-قول قطريّ بن الفجاءة:
أقولُ لها إذا جاشتْ حياء ... من الأبطالِ ويحَك لن تُراعِي
فإنَّكِ لو طلبتِ حياةَ يوم ... على الأجلِ الَّذي لكِ لَن تُطاعي
فصبراً في مجال الموتِ صبراً ... فيما نيلُ الخلودِ بمُستطاعِ
وما ثوبُ الحياةِ بثوب عزٍّ ... فيُطوَى عن أخي الخَنَع اليَراعِ
سبيلُ الموتِ غايةُ كلّ حيٍّ ... وداعِيه لأهل الأرض داعِي
ومَن لا يُعتبطْ يهرَمْ ويسأَمْ ... ويُفضِ به البقاءُ إلى انقطاعِ
-ومنه قول زيد بن جُندب الخارجيّ لمَّا وقع الخُلف بين أصحاب قَطَريٍّ:
قلْ للمحلِّينَ قد قرَّتْ عيونكمُ ... بفُرقة الحقِّ والبغضاء والهَرَبِ
كنَّا أُناساً على دِينٍ ففرَّقنا ... قَدْعُ الكلام وخلطُ الجِدّ باللَّعبِ
إنِّي لأهوَنُكم في الأرضِ مُضطرباً ... مالِي سوَى فَرَسي والرُّمح من نَشَبِ
3 - النقد في الشام :
أ-سبب نشاط الشعر والنقد في الشام:
1-إن أكبر مظهر للأدب في الشام هو المديح ،
2-ولذلك اختلفت الحركة النقدية في الشام على ما كانت عليه في الحجاز و العراق 3-فقد عاشت الحركة النقدية هناك في بلاط الخلفاء الأمويين ، وفي قصور وُلاتهم في مختلف الأقاليم و الأمصار ،
4- وسبب ذلك هو أن دمشق كانت عاصمة الخلافة الأموية يفد الشعراء إلى خلفائها من كل الجهات،
5-وكان بنو أمية عربا أقحاحا فصحاء يتذوقون الشعر ويعجبون به ويطربون لسماعه ويكافئون الشعراء عليه ،
6- و كانت قصورهم شبه منتديات للشعر ومراكز للمناقشات " أي النقد " في مختلف القضايا الأدبية ، كما كانت مركزا للسلطة والسياسة أيضا ،
7-وما يناسب القصور هو المديح لذلك لُوِّن الشعرُ هناك بهذا اللون ، ولُوِّن النقدُ بلونه أيضا، أي نقد شعر المديح .
8-وقد شجع خلفاءُ بني أمية الشعراءَ على مدحهم والرد على خصومهم من شيعة وزبيريين ومنحوهم مقابل ذلك جوائز مالية معتبرة.
9-ومن أبرز هؤلاء الشعراء : كُثَيِّر عَزّة ، والأخطَلُ بالخصوص الذي قضى حياته يمدحهم ويعلي من شأنهم ويهجو من ناوأهم.
10-وقد ارتبط النقد في الشام بطبيعة هذا الشعر، فقد تبع الإكثار من شعر المديح الإكثار من نقد المديح ،
11-وكان من أشهر نماذج نقد شعر المديح للخليفة عبد الملك ابن مروان لأنه كان يملك ذوقا أدبيا رفيعا مكنه من الفهم العميق لمحتوى الشعر وصياغته وتوجيه الشعراء وإرشادهم وتصحيح بعض أخطائهم وصورهم الشعرية.
12- وقد تميزت الحركة النقدية في بيئة الشام بميزتين ، أي بنوعين من النقد ؛ هما:
أ-النقد الرسمي.
ب-النقد الفني .
أ-أما النقد الرسمي : فهو ذلك الذي يمثل وجه الخلاف في الرؤيا بين الشاعر وبين الخليفة الممدوح رجل السلطة في رسم (صورته الشخصية) ، لأن رجل السلطة يرى نفسه شخصية متميزة غير عادية. ومن ثم كان على الشاعر أن يأخذ ذلك بعين الاعتبار.
ب-وأما النقد الفني : فيعنى بنقد (الصورة الشعرية) وهو مقياس نقدي قديم في النقد العربي.
13-وقد أولى النقاد النقد الفني اهتماما بالغا وفق خصوصية كل بيئة وطبيعة شعرها
14- و كان لولاة آل مروان في الأمصار كذلك مستوى راق من الذوق الأدبي ، وإحساس مرهف بالصورة الشعرية الجميلة, وما كان يجري في بلاطهم كذلك أشبه بما كان يجري في مديح في بلاط الخلفاء في دمشق عاصمة الخلافة ، وكانت أحكامهم على مستوى جيد من الدقة في فهمهم للشعر وحكمهم عليه.
ج-شواهد نقدية تطبيقية من النقد الرسمي :
1-مدح ابن قيس الرقيات عبد المالك بن مروان بقصيدة جاء فيها :
إن الأغرّ الذي أبوه أبو العا ص عليه الوقار والحجب
يعتدل التاج فـــوق مفرقــه عــــلى جبين كأنه الذهب
فقال له الخليفة : يا ابن قيس تمدحني بالتاج كأني من العجم ! ، وتمدح " مُصْعَبا " كأنه شهب من الله . وذكَّر الشاعر بما قال في مدح مصعب بن الزبير ، و رأى ذلك أجمل مما قال فيه في قوله :
إنما مصعب شهاب من الله تجلّت عن وجهه الظـلماء
ملكه ملك عِزّة ليس فيه جَبروت منه ولا كِبرياء
2-وقال جرير في عبد الملك بن مروان :
هذا ابن عمي في دمشق خليفة لو شئت ساقهم إليّ قطينا
فعلق عبد الملك على معنى البيت قائلا : يقول لي ابن عمي ، ثم يقول لو شئت ساقهم إليّ، أما لو قال : لو شاء ساقهم لأصابَ ، فقد جعلني شرطيا له !
3-وقال ذو الرمة يمدح الوالي بلالا بن أبي بردة :
رأيت الناس ينتجعون غيثا فقلت لصَيْدَح انتجعي بلالا
فقال الوالي وقد لاحظ خللا في معنى البيت : " أعلفْهَا قثا و نَوًى " ، موحيا إلى قلة فطنة الشاعر وضعف خبرته بفن المديح .
4-وكثيرا ما لفت عبد المالك بن مروان انتباه الشعراء إلى حسن رسم الصورة الشعرية بما يناسب مقامه وإبراز الفضائل الخلقية والدينية التي تثير إعجاب الرعية ، والدالة على التقوى والعدل والفضيلة ليكون أهلا للخلافة عند رعيته . وكان تقدير عبد المالك بن مروان للمقام وإحساسه بجودة المعنى وجمال الصورة دقيقا ينم عن قوة وعمق تذوقه للشعر ،
فقد أنشده راعي الإبل مرة :
أخليفة الرحمن إنا مَعْشر حُنفاء نسجُد بكرةً وأصيلا
عرب نرى لله في أموالـنا حـقّ الزكاة منزّلا تــنزيلا
فقال له : ليس هذا بشعر إنما هو شرح إسلام وقراءة آية ، ويعنى بذلك أن مثل هذا الشعر قيم في مضمونه لكنه جاف فقير من الناحية الفنية ، وبالتالي ليس بالشعر الجيد الذي ينبغي أن يكون كذلك في المبنى والمعنى
ثانياً-عوامل ازدهار النقد في العصر الأموي:
1- تشجيع الخلفاء والأمراء:
فتح الخلفاء والأمراء أبوابهم للشعراء، فوفدوا من كل فج، فاشتد تنافس الشعراء، وحرص كل منهم على أن يتخير معانيه وألفاظه، وذلك بسبب الجوائز التي كان يرصدها الأمراء. فأنه يمثل حركة أدبية نشطة شجع عليها خلفاء بني أمية، الذين كانوا من ذوى الحس اللغوي الصافي والذوق الأدبي والنقد، ولا ريب أن النقد قد دفع الشعراء إلى تصفية شعرهم مما يشوبه.
2-الصراع السياسي :
وما خلفه من أحزاب: نشأ عن الصراع السياسي عدة أحزاب، الحزب الأموي الحاكم، والحزب الزبيري المناهض للحكم الشيعة، ثم حزب الخوارج الثائر على دعوى الوراثة القرشية للخلافة. فأن هذه الأحزاب على اختلاف مذاهبها كانت باعثا قويا من بواعث الأدب وقوة الشعر. وقد ساير النقد هذه النهضة الأدبية، ولمع في سمائها، وأخذ ألوانا تختلف في اتجاهاتها مع اختلاف الحياة في أرجاء الدولة.
3-مجالس النقد:
اهتم خلفاء بني أمية بالشعر والشعراء اهتماما كبيرا، لاعتمادهم عليهم في الدعوى لهم، فكان للشعراء جانب مذكور في تلك المجالس، ينقدون شعرهم . وكان بين بعض الشعراء تود وتعاطف، فقد جمعتهم صلة الشعر، وألف بينهم ما كان فيهم من اختلاف المنزع والاتجاه ، ولم تعصف بهم ريح التنافس . فأن هذه المجالس تناولت الأدب ونقده، مما يدل على شيوع الذوق الأدبي الرفيع، وعلى نضج العقل العربي واتساعه، وبصره بالقواعد والأصول التي يقوم عليها فن الأدب. فأن مجالس النقد كانت عاملا قويا من العوامل التي دفعت النقد إلى الأمام، وخلفت تراثا نقديا ضخما
4-تعدد مراكز الشعر وأسواقه:
عمل على تجويد الشعراء، كما عمل على نمو روح النقد عندهم، حيث كان النقاد والشعراء يوازنون بين غرض شعري وآخر في شيء من الفهم والعمق والوعي، فقد كانت تلك الأسواق بمثابة منتدياتهم الأدبية التي يعلنون فيها عن براعتهم ورقي أذواقهم.
ومن هذه المراكز سوق المربد في البصرة وسوق الكناسة في الكوفة، فقد تحولا إلى ما يشبه مسرحين كبيرين يغدو عليهما شعراء البلدتين ومن يفد عليهما من البادية لينشد والناس خير ما صاغوه من أشعارهم.
5-الجدل السياسي ممثلاً بالنقائض: فن جديد من الشعر استلزمه الجدل السياسي والقبلي والاجتماعي والأدبي، ونبغ فيه كثير من الشعراء كجرير والفرزدق والأخطل، وقد ظهر أثر النقائض في ازدهار الحركة النقدية واضحا في أن كل شاعر منهم التف حوله فريق من أنصاره المعجبين بشعره، يحاولون أن يظهروا للناس محاسنه وأسباب تفوقه.
6-نشأة علوم العربية: وضعت في هذا العصر نواة علوم العربية، كعلمي اللغة والنحو، وقد هيأ الله لهذه اللغة العلماء المخلصين، الذين ضبطوا شاردها، ووضعوا لها الضوابط التي تضمن لها العصمة من الخطأ والضياع من أمثال يحيى بن يعمر، وعبد الله بن إسحاق الحضرمي. فقد أثر هذا النشاط العلمي في مجالي اللغة والنحو على الأدب والشعر والنقد، وكان هؤلاء العلماء ينظرون في أعمال الأدباء والشعراء، ويتعقبونهم، ويبرزون ما فيها من أسباب الحسن والجودة أو القبح والرداءة.
ثالثاً-المدارس النقدية في العصر الأموي واتجاهاتها:
تمهيد:
كان للنقد الأدبي دوره الرائد في النهضة الفكرية واللغوية والأدبية، وقد اتخذ أشكالا تتواءم مع كل بيئة من بيئاته وطائفة من طوائفه، كما ظهرت المدارس الأدبية في أنحاء متفرقة من الجزيرة العربية وأطرافها.
1-المدرسة الحجازية:
وهي مدرسة الغزل ، وكان النقد فيها مطبوعا بطابع الذوق الفني والرقة ، والروح الإنسانية، وقد اشتهر نقد أصحاب هذه المدرسة بنقد الذواقين تارة وبنقد الشعراء تارة أخرى، ومن أشهر النقاد الذواقين في هذه المدرسة، ابن أبى عتيق، وسكينة بنت الحسين.
2-المدرسة الشامية :
وهي مدرسة المدح، وحوله قامت حركة نقدية في قصور الخلفاء وأنديتهم، ويعتمد على الذوق الفطري المصقول بطول النظر في الشعر، واستيعابه نماذجه، وتمثل طرائق العرب في التعبير والتصوير. فالنقد غالبا ما اتجه إلى تقييم الحركة الشعرية على ضوء اقترابها وابتعادها عن القيم الفنية الموروثة .وكان الخلفاء أنفسهم هم عمد هذه المدرسة ، وكان عبد الملك بن مروان على رأس خلفاء بني أمية في مجال النقد.
3-المدرسة العراقية :
الشعر في هذه المدرسة يشابه الشعر الجاهلي في موضوعه وفحولته وأسلوبه، فالفخر بالأصول والعصبيات والصراع بين الشعراء خلف لنا شعر النقائض .
إن بيئة العراق بيئة علمية ثقافية امتزجت فيها الأصول العربية والأصول الأجنبية ، ولذلك تأثرت هذه المدرسة بالمنهج العلمي الذي اعتمد فيه نقادها غالبا على قواعد النحو وأصول اللغة، يقيسون الأدب بمقاييسه



المستشار الأدبي
حسين علي الهنداوي
شاعر وناقد
مدرس في جامعة دمشق
دراسات جامعية في الأدب العربي
صاحب الموسوعة الأدبية (المرصد الأدبي )
حجم الموسوعة( خمس عشرة ألف صفحة )
سوريا -درعا- hoshn55@gmail.com
السيرة الذاتية للمستشار الأدبي(حسين علي الهنداوي)
أ- أديب و شاعر وقاص ومسرحي و ناقد و صحفي
ب- له العديد من الدراسات الأدبية و الفكرية
ج-نشر في العديد من الصحف العربية
د- مدرس في جامعة دمشق - كلية التربية - فرع درعا
ه- ولد الأديب في سوريا – درعا عام 1955 م
و- تلقى تعليمه الابتدائي و الإعدادي و الثانوي في مدينة درعا
ح- انتقل إلى جامعة دمشق كلية الآداب – قسم اللغة العربية و تخرج فيها عام 1983
ك- حائز على إجازة في اللغة العربية
ص-حائز على دبلوم تأهيل تربوي جامعة دمشق
ع- عمل محاضراً لمادة اللغة العربية في معهد إعداد المدرسين - قسم اللغة العربية في مدينة درعا
ف- انتقل إلى التدريس في المملكة العربية الســـعودية عام (1994 /2000 ) في مدينتـــي عنيزة و تبوك 0
1- عضو اتحاد الصحفيين العرب
2- عضو اتحاد كتاب الانترنت العرب
3- عضو تجمع القصة السورية
4- عضو النادي الأدبي بتبوك
مؤلفاته :
أ*- الشعر :
1- هنا كان صوتي و عيناك يلتقيان/1990
2- هل كان علينا أن تشرق شمس ثبير/1994
3- أغنيات على أطلال الزمن المقهور /1994
4- سأغسل روحي بنفط الخليج /1996
5- المنشّى يسلم مفاتيح إيلياء/1996
6- هذه الشام لا تقولي كفانا / مخطوط
ب*- القصة القصيرة :
شجرة التوت /1995
ج – المسرح :
1- محاكمة طيار /1996
2- درس في اللغة العربية /1997
3- عودة المتنبي / مخطوط
4- أمام المؤسسة الاستهلاكية / مخطوط
د – النقد الأدبي :
1- محاور الدراسة الأدبية 1993
2- النقد و الأدب /1994
3- مقدمتان لنظريتي النقد و الشعر / مخطوط
4- أسلمة النقد الأدب
هـ - الدراسات الدينية :
1- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الأول
2- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الثاني
3- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الثالث
4- فتاوى و اجتهادات / جمع و تبويب
5- هل أنجز الله وعده !!!!!!
و- موسوعة (المرصد الأدبي) :
1-تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية ( معاني الأدب وعلاقاته)
2 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية قبل الإسلام (العصر الجاهلي )
3 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر صدر الإسلام )
4 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر الخلفاء الراشدين )
5 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر الخلفاء الأمويين)
6 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء العباسيين )
7 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء الأندلسيين )
8 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الدول المتتابعة )
9- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء العثمانيين )
10- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية في (العصر الحديث)
11- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية في (العهد المعاصر)